
الحروب تفضح أسوأ ما في البشرية
لن يتذكّر معظم من هم أحياء من البشر الحرب العالمية الأولى، أمّا من ولدوا قبيل الحرب العالمية الثانية، فيحتمل أنهم عاشوا ويلاتها أطفالاً، أو ولجوا حينها سنواتهم الأولى من مرحلة الشباب، ولا يزال بعض من شهدوها جنوداً في قيد الحياة. مئات المذكّرات والقصص الحقيقية، والشهادات الحيّة، ما زالت تتوالى فاضحةً بشاعة ما جرى، فضلاً عن جبالٍ من الوثائق المكتوبة والسمعية، التي تحكي هول ما عاشته البشرية من فظائع مؤلمة. هل فعلاً كان المتحاربون بشراً أسوياء؟... تتهاوى المقولات عن وحدة الجنس البشري والإخاء الإنساني وتتبدّد. تشكّل لنا الحروب لوحةً أخرى مغايرةً لا تسفّه من البشرية ما يمجّد من خصال نبيلة فحسب، بل تنزل بنا إلى مرتبةٍ أدنى من مرتبة الوحوش. إنها تبرهن أننا إذا خضنا حرباً، غدوْنا أكثر إرعاباً من الوحوش التي لم ترتكب ما ارتكبه البشر.
كلّ ما تعيشه البشرية حالياً من حروب تفضح نفاق البشرية وصلف الأقوياء. ومع ذلك، لن تذهب هدراً معاناة الضحايا
ستبدو مقولات الفيلسوف توماس هوبز لطيفةً لا تخلو من كياسة وظرافة وهو يصف البشر في أثناء الحروب. لا تتفنّن الوحوش وهي تخوض صراعاتها القاتلة من أجل الحياة في قتل خصمها. يكفي أن يتخلّص الذئب مثلاً من منافسه، سواء من بني جنسه أو من جنس آخر، حتى يكفّ عن القتل، وما إن يشبع الحيوان حتى إن كان وحشاً (صفة أطلقها البشر على الحيوانات العنيفة والقاتلة)، حتى يكفّ عن الصراع والقتل. هي معارك مؤقتة تنتفي بانتفاء سببها المُبرِّر لها؛ الأكل والتناسل أو التهديد المباشر.
المجال الحيوي الذي ترسمه الحيوانات متحرّك، ولا يحتمل تحايلاً أو هيمنة، أمّا البشر وهم يخوضون حروباً، فلا يرسمون لها عادة خطوطاً حمراء. كلّ شيء مباحٌ لا تردّه سوى قدرتهم على ثني بعضهم بعضاً، بما يختزنه المتحاربون مع وسائل تهديد لا تستبعد الإبادة والمحو. في كثير من خُطب الحروب الحالية، نسمع تعابير غاية في التوحّش، مفادها المحو من الخريطة، أو الإعادة إلى عصر حجري... إلخ. يرتهن ذلك كلّه لزرٍّ يضغط عليه قائد أو زعيم، أو أيضاً بجرّة قلم يمضيها. لم نرَ في معارك الوحوش الضارية أن ذئباً أو نمراً، مهما تجبّر وتكبّر، يهدّد جنساً آخر من الحيوانات بالمحو أو الإبادة. لا تعاقب الحيوانات بعضها بمثل هذه العقوبات، إنها على خلاف ذلك، تدير اقتصاد الحرب بكثيرٍ من المروءة، فلن يقتل الأسد مثلاً الغزلان كلّها بضربة واحدة، لأنه سيحتاجها في مقبل السنين. حين يشتم البشر بعضهم بعضاً، يصفون خصومهم بأنهم تدحرجوا إلى مرتبة الغريزة، وإن ما يصدر من سلوك عنهم هو في مرتبة دون البشرية. والحقيقة أن الغريزة كالساعة المحكمة، تُدار في انضباط تامّ إلى الحدّ الأدنى من حفظ الجنس، إنها لا تفيض على نحوٍ يجرف المتعارف عليه. والحال أن البشرية إذا حاربت، فلا رادّ لعنفها سوى مزيد من العنف، وإن تعقّلت، فلكي تتجنّب الأسوأ، وليس طلباً للفضيلة أو الرقي.
إذا حاربت البشرية، فلا رادّ لعنفها سوى مزيد من العنف
بعيد الحرب العالمية الثانية، ابتكرت البشرية حيلاً وآليات من أجل تجنّب إعادة إنتاج حروب عالمية جديدة، فصاغت "قوانين الحرب"، وهي جزءٌ أصيل من القانون الدولي، التي أجازت شنّ الحروب، لكنّها (في مفارقة غريبة) نصّت على جملة من الجرائم صنّفت ضمن جرائم الحرب أو جريمة الإبادة... إلخ. كما شكّلت البشرية أيضاً محاكم يمكن أن تلاحق مجرمي الحرب. وكان لمنظمة الأمم المتحدّة، وهيئاتها التي أُسّست لإحلال السلام (خصوصاً مجلس الأمن) وتفادي نكوص البشرية إلى حرب عالمية أخرى واتفاقيات اللجوء لحماية الفارّين من ويلات الحروب والمدنيين عموماً، دور في تفادي مزيد من الحروب. مع ذلك، فإن الحروب التي اندلعت، سواء في الثلث الأخير من القرن الماضي أو التي تجري حالياً، تبرهن على أن أدبيات ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومؤسّساتها، ظلّت عاجزةً عن حماية البشر. مرّة أخرى، أثبتت الحرب التي شنّتها إسرائيل على غزّة، أو الحرب التي شنّتها على إيران، أن البشرية أخفقت إخفاقاً ذريعاً في ردع المعتدي، وأنها بذلك قد تدحّرجت إلى مرتبة التوحّش الغريزي، أو حتى أفظع من ذلك.
كيف يمكن للبشرية أن تستخلص الدروس وتضع حدّاً لهذا العبث والشيزوفرنيا التي تصيب قادتها وزعماءها؟... يحتاج الأمر تجديد الأدبيات والمؤسّسات الأممية التي غدت متهالكةً. كلّ ما تعيشه البشرية حالياً من حروب تفضح نفاق البشرية وصلف الأقوياء. ومع ذلك، لن تذهب هدراً معاناة الضعفاء، والضحايا خصوصاً. ستظلّ ذاكرة المسحوقين حيّةً تتحيّن فرصةَ الثأر إثباتاً لقيمة الإنصاف، باعتباره مطلباً وحقّاً في آن، حتى إن تأخر وقتاً طويلاً.
يظلّ محمود درويش نداءً يزعج المتحاربين، حين وخز ضميرنا جميعاً، حين توجّع فقال: "وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ/ لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
ليبيريا تنفي أن تكون زلة لسان ترامب بشأن لغة الرئيس بواكاي قد شكلت 'إهانة'
مونروفيا: اعتبرت وزيرة خارجية ليبيريا الجمعة، أن الرئيس الليبيري لم يشعر بالإهانة بسبب تعليق ترامب حول طلاقته بلغته الأم، مشيرة إلى أن جوزيف بواكاي 'تشرّف' بلقاء نظيره الأمريكي هذا الأسبوع. وتحولت زلة لسان الرئيس الأمريكي إلى مصدر نقاش ودعابة على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أنها ألهمت مغنية لتصدر أغنية لاقت انتشارا واسعا. وأشاد ترامب الأربعاء بالرئيس جوزيف بواكاي لإتقانه اللغة الإنكليزية، دون أن يعلم أن الإنكليزية هي اللغة الرسمية في ليبيريا. وسأل ترامب بواكاي خلال قمة مصغرة في البيت الأبيض مع خمسة رؤساء لدول غنية بالمعادن في غرب إفريقيا، 'لغتك الإنكليزية ممتازة، أين تعلمتها؟'، ليجيبه الرئيس الليبيري متصنعا ضحكة بأنه تلقى تعليمه في وطنه. وصرحت وزيرة الخارجية الليبيرية سارة بيسولو نيانتي: 'تشرفنا بدعوة البيت الأبيض للرئيس بواكاي للقاء الرئيس ترامب وقادة أفارقة'. أضافت: 'لم يكن هناك شعور بالإهانة'. وأكدت حرص ليبيريا على تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة 'المبنية على الاحترام المتبادل'. وتأسست ليبيريا عام 1822 عندما بدأت جمعية الاستعمار الأمريكية، بتمويل من الكونغرس ومالكي العبيد، بإرسال العبيد المحررين إلى شواطئها. ثم بدأ آلاف المستوطنين 'الأمريكيين الليبيريين' بالتدفق إلى هناك قبل أن يعلنوا الاستقلال عام 1847 ويشكلوا حكومة هيمنت على الغالبية الإفريقية. واللغة الإنكليزية هي اللغة الرسمية والأكثر استخداما في جميع أنحاء البلاد. وفي رد على زلة ترامب، كتبت المغنية وسفيرة الثقافة السابقة كوين جولي إندي، أغنية تكريما لبواكاي تقول: 'نحن نحيي رئيسنا الأسود، ملك إفريقيا الإنكليزي الجميل'، تمت مشاركة الفيديو الخاص بها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. وأبدى الليبيريون ردود فعل متباينة حيال ما حدث، حيث اعتبر بعضهم أن ترامب سخر من رئيسهم، فيما رأى البعض الآخر في زيارة بواكاي للبيت الأبيض إنجازا. (أ ف ب)


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
ترامب يحض أنصاره على التخلي عن هوسهم بـ'ملفات إبستين'
واشنطن: حض الرئيس دونالد ترامب السبت، قاعدته السياسية على التوقف عن مهاجمة إدارته بشأن ملفات تتعلق بجيفري إبستين، رجل الأعمال المتهم باعتداءات جنسية والاتجار بفتيات قاصرات، بعد أن تحولت هذه القضية إلى هاجس لدى معتنقي نظريات المؤامرة. ونفت وزارة العدل الأمريكية ومكتب التحقيقات الفدرالي في مذكرة نشرت الأسبوع الماضي وجود دليل على احتفاظ إبستين الذي انتحر داخل زنزانته بـ'قائمة عملاء'، أو أنه كان يبتز شخصيات نافذة. كما رفضا المزاعم بأن إبستين قُتل، مؤكدين وفاته منتحرا في أحد سجون نيويورك عام 2019 وأنهما لن يفصحا عن أي معلومات إضافية متعلقة بالقضية. وقوبلت هذه الخطوة باستغراب من بعض المؤثرين اليمينيين الذين دعم الكثير منهم ترامب لسنوات، كما وُجهت انتقادات لاذعة لوزيرة العدل بام بوندي ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي كاش باتيل. وكتب ترامب السبت في منشور مطول على منصته تروث سوشيال: 'ماذا يحدث مع أبنائي، وفي بعض الحالات أصدقائي؟ جميعهم يهاجمون وزيرة العدل بام بوندي التي تقوم بعمل رائع'. أضاف: 'نحن في فريق واحد، فريق ماغا'، في إشارة إلى حركته 'لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى'، مضيفا: 'لا يعجبني ما يحدث. لدينا إدارة مثالية، باتت حديث العالم، وأشخاص أنانيون يحاولون الإضرار بها، بسبب رجل لا يموت أبدا، جيفري إبستين'. ويزعم الكثير من بين أتباع 'ماغا' أن شخصيات فاعلة تنتمي إلى 'الدولة العميقة' تخفي معلومات عن شركاء لإبستين من طبقة النخبة في المجتمع. وكتب أليكس جونز، مؤيد ترامب والمروج لنظريات المؤامرة: 'بعد ذلك، ستقول وزارة العدل: في الواقع، لم يكن جيفري إبستين موجودا في الأساس'، مضيفا: 'هذا فوق كل شيء مقزز'. أما المؤثرة اليمينية المتطرفة لورا لومر، فطالبت ترامب بإقالة بوندي بسبب هذه القضية ووصفتها بأنها 'تسبب الإحراج'. لكن السبت، دافع ترامب عن بوندي واعتبر أن ما يسمى بـ'ملفات إبستين' ما هي إلا خدعة دبرها الحزب الديموقراطي لتحقيق مكاسب سياسية. وقال: 'دعونا لا نضيع الوقت والجهد على جيفري إبستين، شخص لا يبالي به أحد'. ودعا الرئيس الأمريكي باتيل وبوندي إلى التركيز بدلا من ذلك على ما أسماه 'انتخابات 2020 المزورة والمسروقة' التي خسرها ترامب أمام جو بايدن. وطالب بالسماح لمكتب التحقيقات الفدرالي بالتركيز على هذا التحقيق 'بدلا من قضاء شهر تلو الآخر في البحث فقط عن نفس الوثائق القديمة حول جيفري إبستين المستلهمة من اليسار الراديكالي'، متابعا: 'فلتقم بام بوندي بعملها.. إنها رائعة'. وترامب الذي ظهر في مقطع فيديو واحد على الأقل مع إبستين خلال حفلة تعود إلى عقود مضت، نفى مزاعم عن وجود أي صلة مباشرة معه أو ورود اسمه في ملفات تتعلق بقضيته. وقال مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السبت قبل ساعات من ظهور منشور ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي/ 'نظريات المؤامرة غير صحيحة، ولم تكن كذلك قط'. وأفادت وسائل إعلام أمريكية أن دان بونجينو، وهو مقدم برامج بودكاست يميني عينه ترامب نائبا لمدير مكتب التحقيقات الفدرالي، هدد بالاستقالة بسبب طريقة تعامل الإدارة مع هذه القضية. (أ ف ب)


العربي الجديد
منذ 10 ساعات
- العربي الجديد
نفاق نتنياهو في الذروة
من بين أمور مثيرة للاستفزاز، في المحادثات التي أجراها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرسالة الرسمية التي وجهها إلى أوسلو يطالب فيها بمنح جائزة نوبل للسلام إلى الرئيس الأميركي، لـ"دوره الكبير في ترسيخ مساعي السلام وتوسيع اتفاقات أبراهام". هنا وصلت وقاحة نتنياهو السياسية إلى الذروة. ما شاهدناه حول مائدة العشاء في البيت الأبيض سلوك مريب ومثير للاشمئزاز، مزيج من النفاق والسعي الفاضح إلى التودّد إلى رئيس أميركي معروف بنرجسيته المفرطة، وإعجابه ببطولة صديقه "بيبي". ومن جهة أخرى، لم يترك نتنياهو، الذي يريد ضمان الحصول على رضى ترامب، ويتخوّف من تقلبات مزاجه، وسيلةً إلا واستخدمها من أجل دغدغة مشاعر الأنا لدى ترامب، وجنون العظمة لديه. حتى نتنياهو يتخيّل نفسه يلعب أدواراً تاريخية، "تشرشل" الجديد، ومنقذ الشعب اليهودي من "محرقة" ثانية من خلال حرب الـ12 يوماً التي شنّها على إيران لتدمير برنامجها النووي، بمساعدة حثيثة من صديقة ترامب. هذه الأجواء البطولية الزائفة، وحفلة تبادل الثناء المبالغ فيها بين الرجلين، تبدو منقطعةً تماماً عن الواقع الفعلي للأحداث عموماً، وبصورة خاصّة عما يجري في قطاع غزّة، منذ مارس/ آذار الماضي، تاريخ انتهاء هدنة، واستنئاف الجيش الإسرائيلي عمليات القتل والإبادة الجماعية للغزّيين الأبرياء. "البطولات" التي يدّعي نتنياهو وترامب أنهما حقّقاها في هجماتهما على إيران، رغم تداعياتها الكبيرة والخطيرة، ليس على إيران، بل على "محور الممانعة" كلّه، لم تتجسّد واقعاً سياسياً مختلفاً، فما زال الجيش الإسرائيلي عاجزاً عن حسم الصراع مع حركة حماس، ولا يزال يتلقّى الضربات والخسائر البشرية. وعلى الرغم من مرور قرابة تسعة أشهر على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، وبعد أقلّ من شهر على حرب الـ12 يوماً ضدّ إيران، ورغم الضعف الذي اعترى حزب الله، لم نشهد تحوّلاً جذرياً في لبنان بشأن مطلب نزع سلاح حزب الله جنوب نهر الليطاني وشماله. ينطبق هذا على استمرار إطلاق الحوثيين الصواريخ على إسرائيل. أمّا العلاقة مع سورية، فلا يزال يلفّها الغموض على الرغم من كلّ التسريبات بشأن المحادثات التي تجريها إسرائيل مع الإدارة الجديدة في سورية. ولم تؤدِّ نتائج الحرب على إيران إلى عودة هذه الأخيرة إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي. يسعى نتنياهو إلى إقناع دول العالم بأنه صانع للسلام، وليس أكبر مرتكب لجرائم حرب وإبادة جماعية في زمننا الحالي وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة، يحاول نتنياهو في واشنطن أن يسوّق لنفسه صورة من يرسم مستقبلاً واعداً للمنطقة، ويتحدّث عن ولادة "شرق أوسط جديد"، ومن خلال كلامه هذا يسعى إلى إقناع دول العالم بأنه صانع للسلام، وليس أكبر مرتكب لجرائم حرب وإبادة جماعية في زمننا الحالي. وهو، في الوقت عينه، يسعى إلى تلميع صورته وسط الجمهور الإسرائيلي، ويستغلّ موقف هذا الجمهور الداعم للحرب على إيران، كي يستعيد ثقته التي خسرها بعد هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ويتساءل الجميع: ما الذي يجري فعلاً في واشنطن؟ هل سيجري التوصّل إلى هدنةٍ تؤدّي إلى وقف الحرب في غزّة، وإلى إعلان ترامب خطته الكبرى لمنطقة الشرق الأوسط، أم أن ما يحدث مناورة أخرى من نتنياهو للتوصّل إلى صفقة جزئية ووقف إطلاق نار مؤقّت؟... تشير الدلائل كلّها إلى أن نتنياهو لا يريد وقف الحرب، بل يريد صفقةً جزئيةً لن تؤدّي، لا إلى إنهاء الحرب كما تطالب "حماس"، ولن تحقّق الإفراج عن كلّ المحتجزين الإسرائيليين لدى "حماس"، كما يطالب معظم الإسرائيليين. وهو بحسب ما يُنقل عنه، لا يزال بحاجة إلى أشهر أخرى من القتال للقضاء على "حماس" قضاء مبرماً، وحينها يمكنه إعلان "النصر المطلق". والأخطر أنه يريد استغلال التوصّل إلى وقف مؤقّت لإطلاق النار في القطاع من أجل تحقيق مخطّط لا يقلّ أهميةً، تهجير أكثر من 600 ألف غزّي إلى رفح، وإسكانهم في "مدينة إنسانية" ستبنيها إسرائيل. وفي حال حدوث ذلك، ستتحوّل (بحسب رأي أكثر من معلّق إسرائيلي) إلى أكبر معسكر اعتقال جديد في العالم. المشهد في اجتماعات البيت الأبيض بين نتنياهو وترامب أشبه بمسرحية احتفالية زائفة، تخفي في طيّاتها التعامي الذي تتعامل من خلاله إدارة ترامب مع مأساة الشعب الفلسطيني في غزّة، وانحيازها الأعمى للسردية التي يقدّمها نتنياهو لهذه الحرب العبثية، والأهم من هذا كلّه كيف يساهم ترامب وإدارته في تبييض صفحة نتنياهو باعتباره بطلاً، بينما هو مجرم حرب.