
صانعو الحرب ونوبل للسلام
وتبرز، بعد مضي فترة طويلة على اندلاع الحرب، أسماء أخرى داخل الائتلاف الحاكم، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين علّقا بحدة على الكمين النوعي الذي نفذته كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة حماس – في بيت حانون شمال قطاع غزة، وأسفر عن مقتل خمسة جنود وإصابة أربعة عشر آخرين.
بن غفير طالب بإعادة الوفد التفاوضي من محادثات الدوحة، رافضًا فكرة التفاوض مع "من يقتل جنودنا"، بحسب تعبيره، ومطالبًا بتشديد الحصار، ومنع المساعدات الإنسانية، وتكثيف الضربات العسكرية والاستيطان ودفع الفلسطينيين للهجرة، معتبرًا الصفقة المطروحة تنازلات لا تليق. ولم يبتعد سموتريتش كثيرًا، إذ دعا إلى إنهاك المقاومة وتطويق مناطق القتال، بما يؤشر على نزعة تصعيدية مفتوحة على كافة الخيارات.
غير أن العملية التي نفذتها المقاومة، لم تكن حدثًا معزولًا، بل تأتي ضمن سلسلة من الضربات النوعية المتكررة في الشمال والجنوب، في خان يونس ورفح، كان آخرها عملية موجعة وصادمة من الناحية التكتيكية، بحسب اعتراف إعلام العدو، الذي أقر بأن الكتيبة المستهدفة تلقت "الضربة الأشد في تاريخها"، في أكثر العمليات دموية منذ تأسيسها قبل ستة وعشرين عامًا.
هذه العملية رفعت عدد القتلى العسكريين الإسرائيليين إلى 449، وهو رقم مرشح للارتفاع، بعد اعتراف الاحتلال مؤخرًا بمقتل خمسة جنود وقادة إضافيين. المقاومة، من جانبها، أكدت استمرار معركة الاستنزاف، محذرة نتنياهو من "قرارات غبية" تقضي بالإبقاء على القوات داخل القطاع، ومشيرة إلى أن كل يوم يمر سيحمل خسائر جديدة وربما عمليات أسر. ويعكس هذا التصعيد تصدعًا عميقًا في سردية الاحتلال بشأن "تحقيق أهداف الحرب"، في ظل الفشل الميداني على الأرض واستمرار المجازر والتجويع، دون أي نتائج ملموسة تُسوق للرأي العام الداخلي أو الخارجي.
يقف نتنياهو اليوم أمام مفترق طرق حرج، تحاصره الضغوط الداخلية المتصاعدة، لاسيما من عائلات الجنود الذين لم يتلقوا حتى كلمة عزاء منه، كما يواجه غضب أسر المحتجزين والرهائن لدى حماس، الذين باتوا الورقة الوحيدة التي تملكها حكومته لتبرير استمرار الحرب. وعلى الجانب الآخر، يلوح الرئيس الأمريكي ترامب – في محاولته للظهور كرجل سلام – بإغراء وقف الحرب مقابل التزام إسرائيلي بكبح الخطر الإيراني.
ترامب يسعى إلى تقديم نفسه للداخل الأمريكي والعالمي كقائد يسعى للسلام، في مسعى واضح لنيل جائزة نوبل، وهو ما ظهر في المشهد الكاريكاتيري حين تسلم نتنياهو رسالة ترشيح ترامب رسميًا للجائزة، كنوع من التبادل السياسي الرمزي. اللقاء بين الطرفين لم يخلو من التوتر، فقد جاءت نتائجه دون التوقعات، وأعقبته خطوة مثيرة للجدل بفرض عقوبات على خبيرة الأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيزي، التي كانت قد وصفت العدوان على غزة بالإبادة الجماعية المدعومة أمريكيًا، ما يعكس التخبط الأمريكي في محاولة الموازنة بين إرضاء اللوبي الصهيوني والضغوط الدولية المتصاعدة لوقف الحرب.
يبدو أن كلاً من واشنطن وتل أبيب يسعيان إلى إنهاء الحرب بأقل قدر من الخسائر السياسية، حيث يريد نتنياهو الظهور كمن "حافظ على أمن إسرائيل من الخطر الإيراني"، رغم الفشل في القضاء على حماس، فيما تحاول واشنطن الحد من الانعكاسات السلبية لحرب موصوفة دوليًا بأنها تطهير عرقي. وتزداد الضغوط من الشارع العالمي، ومن منظمات حقوق الإنسان، ومن الأصوات الحرة التي ترفض هذه الإبادة الجماعية، ما يعزز الدفع نحو وقف الحرب.
في هذا السياق، يبرز الدور الفرنسي، خصوصًا بعد مشاورات متكررة مع الجانب المصري على المستوى الرئاسي والدبلوماسي، ويعاد طرح مرحلة "ما بعد الحرب" والتي تشمل إعادة إعمار غزة، مع الحديث عن انسحاب القوات الإسرائيلية من مساحات واسعة من القطاع احتلتها في الشهرين الماضيين. ويعيد ذلك إلى الواجهة مطالب طالما اعتُبرت جوهرية: إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لكن هذه المطالب ما زالت تصطدم برفض أمريكي – إسرائيلي غير معلن، إذ يسعى وسطاء واشنطن لتأجيل بحثها إلى ما بعد انتهاء المفاوضات، التي دخلت فعليًا في نفق مظلم، بعد تعنّت الاحتلال وإصراره على خارطة انسحاب تضمن إعادة تموضع جيشه في أكثر من 40% من مساحة القطاع. من الطبيعي أن ترفض حماس هذا الطرح، الذي يُنظر إليه كمناورة لإعادة فرض السيطرة العسكرية على غزة، واستكمال مشروع التهجير القسري. ومثل هذا السيناريو لا يعني سوى تقويض أي فرصة حقيقية للسلام، والانقلاب على أي اتفاقات قد تلوح في الأفق.
وتظل الأسئلة مطروحة حول إمكانية تفعيل دور عربي أوسع وأكثر فاعلية، يمكنه دعم المبادرة المصرية، والتعامل مع رهانات نتنياهو وترامب المتغيّرة، في ظل التحول الواضح في الموقف الدولي من الدعم غير المشروط بالسلاح والسياسة إلى الضغط للإقلاع عن حرب فاشلة. وتتصاعد الأصوات التي تصف ما يحدث في الأراضي الفلسطينية صراحة بأنه تطهير عرقي، ما يُحتم العمل على تحويل هذا التأييد الدولي إلى ضغط سياسي يُفضي إلى حل عادل وشامل.
الحل الذي يتجاوز مجرد فتح المعابر ودخول المساعدات مقابل الرهائن، ليكون مدخلًا نحو إنهاء الاحتلال، ومنع محاولات شرعنته من جديد، أو إعادة احتلال القطاع. ذلك أن القضية الفلسطينية، التي عادت للواجهة دوليًا، باتت اليوم أمام لحظة فاصلة، والمطالب بإقامة الدولة المستقلة أصبحت شرطًا أساسيًا لأي استقرار دائم، وحقًا لا مجال للتنازل عنه، وشرطا رئيسيا لتحقيق السلام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المشهد العربي
منذ 31 دقائق
- المشهد العربي
ترامب ينتقد الفيدرالي ويدعو إلى خفض فوري للفائدة
وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقادات حادة للاحتياطي الفيدرالي، معتبراً أن أسعار الفائدة الحالية أعلى من اللازم، ومشيراً إلى أن التأخر في خفضها يُكبّد الاقتصاد الأمريكي خسائر ضخمة. وقال ترامب في منشور عبر منصة "تروث سوشيال": "سعر الفائدة لدينا أعلى مما يجب بـ 3% على الأقل، التأخر في التحرك يكلّف الولايات المتحدة 360 مليار دولار لكل نقطة مئوية سنوياً من تكاليف إعادة التمويل". وأضاف أن التضخم لم يعد يمثل تهديداً، في وقت تتدفق فيه الشركات على الاستثمار في الولايات المتحدة، داعياً الفيدرالي إلى خفض الفائدة فوراً. يأتي منشور ترامب بعد تصريحات قال فيها إنه يجب على جيروم باول، رئيس الفيدرالي، الاستقالة فوراً حال ثبوت تضليله للكونغرس، في إشارة إلى مزاعم رئيس الهيئة الفيدرالية لتمويل الإسكان بيل بولت بشأن شهادة باول أمام المجلس بخصوص مخططات تجديد مقر المصرف المركزي.


24 القاهرة
منذ 32 دقائق
- 24 القاهرة
أول تعليق من الكرملين حول تصريحات ترامب بشأن الضربات المحتملة على موسكو
قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف ، اليوم الثلاثاء، إن التفاصيل المسربة للمحادثات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عادة ما تكون مزيفة. وفي وقت سابق من اليوم، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن ترامب دعا زيلينسكي إلى زيادة الضغط على موسكو وسانت بطرسبرج، ورد زيلينسكي على ذلك بطلب أسلحة بعيدة المدى. وصرح بيسكوف للصحفيين: لم يظهر هذا الخطاب مؤخرًا، كقاعدة عامة، يتبين أن كل شيء زائف في أغلب الأحيان، ولكن في كثير من الأحيان، تظهر أحيانًا تسريبات خطيرة، بما في ذلك من وسائل إعلام كنا نعتبرها سابقًا محترمة للغاية. وقال المتحدث باسم الكرملين إن التصريحات الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطيرة للغاية. حملة مسيسة.. روسيا تنفي دعوة بوتين لإيران لوقف تخصيب اليورانيوم بوتين: روسيا لن تُحترم إلا كقوة ذات سيادة.. والغرب تجاهل مصالحنا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي واشنطن ستفرض رسومًا جمركية بنسبة 100% على البضائع الروسية وأعلن ترامب يوم الإثنين أن واشنطن ستفرض رسومًا جمركية بنسبة 100% على البضائع الروسية، وعقوبات ثانوية على الدول التي تشتري النفط الروسي، في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الصراع الأوكراني خلال الخمسين يومًا القادمة. وأضاف ترامب أن الولايات المتحدة ستزود أوكرانيا بالأسلحة، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي باتريوت، على أن تتكفل الدول الأوروبية بجميع التكاليف. وقال بيسكوف للصحفيين: تصريحات الرئيس الأمريكي خطيرة للغاية، وفيها شيء موجه شخصيًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نحن بالتأكيد بحاجة إلى وقت لتحليل ما قيل في واشنطن. وأضاف المتحدث أن بوتين سيعلق على تصريحات ترامب الجديدة إذا رأى ذلك ضروريا.


خبر صح
منذ ساعة واحدة
- خبر صح
الثعلب الأمريكي العجوز يفتقر ترامب إلى استحقاق نوبل للسلام بعد تسليح أوكرانيا
أعرب جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن شكوكه بشأن إمكانية فوز ترامب في الانتخابات المقبلة، وذلك بعد إعلانه مؤخرًا عن توريد أسلحة متطورة إلى أوكرانيا. الثعلب الأمريكي العجوز يفتقر ترامب إلى استحقاق نوبل للسلام بعد تسليح أوكرانيا شوف كمان: رئيس وزراء قطر يعتبر الهجوم الإيراني على قاعدة 'العديد' الأمريكية غير مقبول وفي مقابلة مع مجلة 'نيوزويك'، أشار بولتون، المعروف بلقب 'الثعلب الأمريكي العجوز'، إلى أن ترامب يغير مساره بشكل مفاجئ نحو دعم كييف، بعد أن كان قد 'أدار ظهره' لأوكرانيا في وقت سابق. وأضاف بولتون: 'ترامب يلتقي مع الأمين العام لحلف الناتو ويتحدث عن إرسال منظومات دفاع جوي متقدمة بالإضافة إلى أسلحة هجومية، مما يقلل من فرص التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك فرصه في الفوز بجائزة نوبل للسلام مكاسب شخصية في وقت سابق، صرح بولتون بأن ترامب يسعى لتحقيق تقدم في ملف السلام في أوكرانيا، ربما من أجل مكاسب شخصية بالحصول على جائزة نوبل للسلام، التي سبق أن منحت للرئيس السابق باراك أوباما، الذي شغل منصبه بين 2009 و2017. مواقف متقلبة تجاه ملف أوكرانيا ومع ذلك، كانت المواقف التي أبدتها إدارة ترامب سابقًا حول النزاع في أوكرانيا متقلبة، حيث شابت التصريحات الرسمية ترددًا وعدم وضوح بشأن دعم كييف، مما أثار انتقادات من داخل وخارج الولايات المتحدة، واعتبر بولتون أن التحول الأخير في الموقف جاء متأخرًا، وقد يصعب تحقيق انفراجة سلمية تُرضي جميع الأطراف. شوف كمان: معاريف تحذر من شروط حماس الصعبة وتعتبرها هزيمة لإسرائيل قرار ترامب بتزويد أوكرانيا بأنظمة باتريوت كما جاء إعلان ترامب عن تزويد أوكرانيا بمنظومات 'باتريوت' للدفاع الجوي، وعدد من الأسلحة الأخرى، في ظل إحباطه من نتائج مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن التسوية السياسية في النزاع المستمر منذ سنوات. وأشار ترامب إلى أن دول الناتو وافقت على دفع تكاليف التوريدات العسكرية التي ستُرسل إلى كييف، مما يبرهن على تنسيق دولي واسع لدعم أوكرانيا عسكريًا، وهو ما قد يصعّب تحقيق السلام في ظل تصاعد التصعيد العسكري. وتحمل تصريحات بولتون إشارات واضحة إلى أن الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا، وإن كان يهدف إلى ردع الهجوم الروسي، قد يضعف فرص التوصل إلى تسوية سلمية، ويؤكد هذا الواقع الصعب أن النزاع المستمر يعقد أي محاولة لتحقيق انفراج سياسي، رغم الدعوات الدولية المتكررة للسلام. ويظل ملف أوكرانيا أحد أكبر التحديات التي تواجه الإدارة الأمريكية، حيث يتشابك فيه المصالح الجيوسياسية، وطموحات السلام، والضغوط الداخلية والخارجية.