
كيف يقوم الدماغ بإنشاء واختزان ذكريات جديدة؟
يرى معظم الناس ذكرياتهم الدماغي كألبوم صور داخلي. لكن بالنسبة لعلماء الأعصاب، فإن الذكريات هي نتيجة لاتصالات معقدة بين الخلايا العصبية التي تخزن المعلومات في أنماط نشاطية متزامنة.
وتبدو عملية تكوين ذكريات دماغية جديدة واضحة ومفهومة عندما نتعلم قصداً، مثل أن نحفظ قصيدة أو ندرس لامتحان. ولكن ماذا عن الذكريات العارضة العابرة، مثل أن تسترجع تفاصيل ما تناولته للإفطار بالأمس، أو أين أوقفت سيارتك في موقف السيارات؟ ففي تلك الحالات فإن الأفكار التي تتكون وتُختزن من دون مجهود واعٍ منا يتم إيداعها في ما يسمى بـ «الذاكرة العارَضة».
والواقع أن فهم الكيفية التي يقوم بها دماغك بتحويل الأحداث اليومية إلى ذكريات مختزنة هو أن يتطلب معرفة ما يحدث على المستوى العصبي عندما تتعرض أدمغتنا لاكتساب معلومات جديدة.
وفي سياق دراسة حديثة نُشرت في مجلة «Nature Communications»، اكتشف باحثون مختصون بعض القواعد الأساسية لكيفية «تكييف» الخلايا العصبية نفسها لتقوم بترميز واختزان ذكريات دماغية جديدة.
• الخلايا العصبية والذاكرة
لفهم الكيفية التي يتم بها تخزين الدماغ للذكريات، يحتاج علماء الأعصاب عادة إلى تحديد الكيفية التي تقوم الخلايا العصبية من خلالها بتغيير نشاطها استجابة للمعلومات الجديدة، إلى جانب كيفية تنسيق هذه التغييرات بين مختلف الخلايا العصبية في شبكة عصبية ما.
وتعتمد معظم الذكريات على قدرة الخلايا العصبية على القيام بشيئين، وهما: إطلاق إشارات كهربائية تسمى «جهود الفعل» أو «سبايكات»، وتغيير مدى ارتباطها بالخلايا العصبية الأخرى من خلال نقاط اتصال تسمى المشابك العصبية. والاتصالات المشبكية هي الركائز الأساسية للذكريات، وبالتالي فإن تغييرها – وهي عملية تسمى «المرونة المشبكية» – هو آلية أساسية لتكوين واختزان الذكريات في الدماغ. وفي داخل المركز الدماغي الدماغ المسؤول عن الذاكرة – والذي يُسمى قرن آمون (Hippocampus) – تتواصل الخلايا العصبية عبر مجموعة متنوعة من تلك «المشابك. ويمكن أن تكون هذه الاتصالات إما «استثارية» (تعزز احتمالية إطلاق الخلية العصبية المستقبلة للإشارة) أو«تهبيطية» (تقلل من احتمالية إطلاق الخلية العصبية المستقبلة للإشارة).
• تكوين واختزان الذكريات في الدماغ
لفهم كيفية تسهيل المشابك العصبية لتكوين الذكريات، قام باحثون وعلماء بزراعة خلايا عصبية من «قرن آمون» على شرائح صغيرة تحتوي على أقطاب كهربائية. وسمحت لهم هذه التقنية بقياس النشاط الكهربائي للخلايا العصبية بينما كانوا يحفزون بعض المشابك العصبية بنمط معين.
وخلال تجاربهم، قدم الباحثون للخلايا العصبية نمطاً محدداً من التحفيز كنوع من«الذكرى الاصطناعية». ثم راقبوا كيف تغيرت قوة المشابك العصبية وكيف أعاد هذا التغيير تشكيل كيفية معالجة الخلايا العصبية للمعلومات. وبشكل مثير للاهتمام، وجدوا أن المشابك العصبية لا تتغير جميعها بالطريقة نفسها. وبدلاً من ذلك، تعتمد طريقة تغيرها على موقعها على الخلية العصبية وعلى نوع الاتصالات التي تكونها. فلدى الخلايا العصبية تشعبات واسعة تسمى «أشجار الشجيرات»، وهي تتلقى إشارات من الخلايا العصبية الأخرى. والمشابك الموجودة على أجزاء مختلفة من هذه الأشجار تتغير بشكل مختلف.
وعلى وجه التحديد، فإن المشابك الاستثارية الموجودة بالقرب من جسم الخلية العصبية غالباً ما تضعف بعد التحفيز، بينما تلك الموجودة بعيداً عن جسم الخلية العصبية تصبح أقوى. وفي الوقت نفسه، فإن المشابك التهبيطية القريبة من جسم الخلية تصبح أقوى، بينما تضعف تلك البعيدة. وهذا النمط المعقد من التغييرات يعيد تشكيل كيفية مزج الخلية العصبية للإشارات الواردة. فقبل التحفيز، كانت الخلايا العصبية حساسة بشكل أساسي للمعلومات من المشابك القريبة من جسم الخلية. ولكن بعد التحفيز، أصبحت أكثر حساسية للمدخلات من المشابك البعيدة.
• آثار على الذاكرة
ومن الممكن أن يساعدنا هذا الاكتشاف على فهم كيفية تخزين الدماغ للذكريات على مستوى الخلايا العصبية. فعندما نواجه تجربة جديدة، فإن النمط المعقد من التغييرات المشبكية التي لاحظناها قد يمكّن الخلية العصبية من التركيز بشكل انتقائي على المعلومات المهمة مع تجاهل المشتتات. وتعمل أشجار الشجيرات الخاصة بالخلايا العصبية كدوائر حسابية صغيرة تقوم بمعالجة المعلومات بطرق معقدة. من خلال التحكم في قوة المشابك المختلفة بناءً على موقعها، يمكن للخلايا العصبية «ترميز» (تشفير واختزان) الذكريات في أنماط الاتصال المشبكي.
والواقع أن هذا الاكتشاف ستكون له آثار محتملة على فهمنا لاضطرابات الدماغ التي تؤثر على الذاكرة، مثل مرض ألزهايمر. ففي مثل هذه الحالات، قد تتعطل الآليات التي لاحظناها، ما يؤدي إلى صعوبات في تكوين واختزان ذكريات جديدة. وبالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يوفر فهم كيفية ترميز الدماغ للذكريات أساساً لتطوير تقنيات جديدة لتعزيز التعلم والذاكرة. وبالتالي، يمكن أن تساعد هذه المعرفة في تصميم إستراتيجيات تعليمية أفضل أو علاجات لاضطرابات الذاكرة.
• الخطوات المقبلة
في حين أن هذه الدراسة تكشف عن قواعد أساسية لكيفية ترميز واختزان الخلايا العصبية للمعلومات الجديدة، لا تزال هناك أسئلة عديدة من دون إجابة، بما في ذلك: كيف تؤثر العوامل الأخرى – مثل الانتباه أو الحالة العاطفية – على هذه العملية؟ وكيف تتواصل الخلايا العصبية المختلفة لتكوين واختزان ذكريات معقدة؟
وستتطلب الإجابة عن مثل هذه الأسئلة مزيداً من البحث باستخدام مجموعة من التقنيات، بما في ذلك تسجيلات الخلايا العصبية في الكائنات الحية والنمذجة الحاسوبية للشبكات العصبية. ومع ذلك، توافر نتائج هذه الدرسة خطوة مهمة نحو فهم أعمق لكيفية تحويل الخبرات إلى ذكريات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كويت نيوز
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- كويت نيوز
كيف يقوم الدماغ بإنشاء واختزان ذكريات جديدة؟
يرى معظم الناس ذكرياتهم الدماغي كألبوم صور داخلي. لكن بالنسبة لعلماء الأعصاب، فإن الذكريات هي نتيجة لاتصالات معقدة بين الخلايا العصبية التي تخزن المعلومات في أنماط نشاطية متزامنة. وتبدو عملية تكوين ذكريات دماغية جديدة واضحة ومفهومة عندما نتعلم قصداً، مثل أن نحفظ قصيدة أو ندرس لامتحان. ولكن ماذا عن الذكريات العارضة العابرة، مثل أن تسترجع تفاصيل ما تناولته للإفطار بالأمس، أو أين أوقفت سيارتك في موقف السيارات؟ ففي تلك الحالات فإن الأفكار التي تتكون وتُختزن من دون مجهود واعٍ منا يتم إيداعها في ما يسمى بـ «الذاكرة العارَضة». والواقع أن فهم الكيفية التي يقوم بها دماغك بتحويل الأحداث اليومية إلى ذكريات مختزنة هو أن يتطلب معرفة ما يحدث على المستوى العصبي عندما تتعرض أدمغتنا لاكتساب معلومات جديدة. وفي سياق دراسة حديثة نُشرت في مجلة «Nature Communications»، اكتشف باحثون مختصون بعض القواعد الأساسية لكيفية «تكييف» الخلايا العصبية نفسها لتقوم بترميز واختزان ذكريات دماغية جديدة. • الخلايا العصبية والذاكرة لفهم الكيفية التي يتم بها تخزين الدماغ للذكريات، يحتاج علماء الأعصاب عادة إلى تحديد الكيفية التي تقوم الخلايا العصبية من خلالها بتغيير نشاطها استجابة للمعلومات الجديدة، إلى جانب كيفية تنسيق هذه التغييرات بين مختلف الخلايا العصبية في شبكة عصبية ما. وتعتمد معظم الذكريات على قدرة الخلايا العصبية على القيام بشيئين، وهما: إطلاق إشارات كهربائية تسمى «جهود الفعل» أو «سبايكات»، وتغيير مدى ارتباطها بالخلايا العصبية الأخرى من خلال نقاط اتصال تسمى المشابك العصبية. والاتصالات المشبكية هي الركائز الأساسية للذكريات، وبالتالي فإن تغييرها – وهي عملية تسمى «المرونة المشبكية» – هو آلية أساسية لتكوين واختزان الذكريات في الدماغ. وفي داخل المركز الدماغي الدماغ المسؤول عن الذاكرة – والذي يُسمى قرن آمون (Hippocampus) – تتواصل الخلايا العصبية عبر مجموعة متنوعة من تلك «المشابك. ويمكن أن تكون هذه الاتصالات إما «استثارية» (تعزز احتمالية إطلاق الخلية العصبية المستقبلة للإشارة) أو«تهبيطية» (تقلل من احتمالية إطلاق الخلية العصبية المستقبلة للإشارة). • تكوين واختزان الذكريات في الدماغ لفهم كيفية تسهيل المشابك العصبية لتكوين الذكريات، قام باحثون وعلماء بزراعة خلايا عصبية من «قرن آمون» على شرائح صغيرة تحتوي على أقطاب كهربائية. وسمحت لهم هذه التقنية بقياس النشاط الكهربائي للخلايا العصبية بينما كانوا يحفزون بعض المشابك العصبية بنمط معين. وخلال تجاربهم، قدم الباحثون للخلايا العصبية نمطاً محدداً من التحفيز كنوع من«الذكرى الاصطناعية». ثم راقبوا كيف تغيرت قوة المشابك العصبية وكيف أعاد هذا التغيير تشكيل كيفية معالجة الخلايا العصبية للمعلومات. وبشكل مثير للاهتمام، وجدوا أن المشابك العصبية لا تتغير جميعها بالطريقة نفسها. وبدلاً من ذلك، تعتمد طريقة تغيرها على موقعها على الخلية العصبية وعلى نوع الاتصالات التي تكونها. فلدى الخلايا العصبية تشعبات واسعة تسمى «أشجار الشجيرات»، وهي تتلقى إشارات من الخلايا العصبية الأخرى. والمشابك الموجودة على أجزاء مختلفة من هذه الأشجار تتغير بشكل مختلف. وعلى وجه التحديد، فإن المشابك الاستثارية الموجودة بالقرب من جسم الخلية العصبية غالباً ما تضعف بعد التحفيز، بينما تلك الموجودة بعيداً عن جسم الخلية العصبية تصبح أقوى. وفي الوقت نفسه، فإن المشابك التهبيطية القريبة من جسم الخلية تصبح أقوى، بينما تضعف تلك البعيدة. وهذا النمط المعقد من التغييرات يعيد تشكيل كيفية مزج الخلية العصبية للإشارات الواردة. فقبل التحفيز، كانت الخلايا العصبية حساسة بشكل أساسي للمعلومات من المشابك القريبة من جسم الخلية. ولكن بعد التحفيز، أصبحت أكثر حساسية للمدخلات من المشابك البعيدة. • آثار على الذاكرة ومن الممكن أن يساعدنا هذا الاكتشاف على فهم كيفية تخزين الدماغ للذكريات على مستوى الخلايا العصبية. فعندما نواجه تجربة جديدة، فإن النمط المعقد من التغييرات المشبكية التي لاحظناها قد يمكّن الخلية العصبية من التركيز بشكل انتقائي على المعلومات المهمة مع تجاهل المشتتات. وتعمل أشجار الشجيرات الخاصة بالخلايا العصبية كدوائر حسابية صغيرة تقوم بمعالجة المعلومات بطرق معقدة. من خلال التحكم في قوة المشابك المختلفة بناءً على موقعها، يمكن للخلايا العصبية «ترميز» (تشفير واختزان) الذكريات في أنماط الاتصال المشبكي. والواقع أن هذا الاكتشاف ستكون له آثار محتملة على فهمنا لاضطرابات الدماغ التي تؤثر على الذاكرة، مثل مرض ألزهايمر. ففي مثل هذه الحالات، قد تتعطل الآليات التي لاحظناها، ما يؤدي إلى صعوبات في تكوين واختزان ذكريات جديدة. وبالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يوفر فهم كيفية ترميز الدماغ للذكريات أساساً لتطوير تقنيات جديدة لتعزيز التعلم والذاكرة. وبالتالي، يمكن أن تساعد هذه المعرفة في تصميم إستراتيجيات تعليمية أفضل أو علاجات لاضطرابات الذاكرة. • الخطوات المقبلة في حين أن هذه الدراسة تكشف عن قواعد أساسية لكيفية ترميز واختزان الخلايا العصبية للمعلومات الجديدة، لا تزال هناك أسئلة عديدة من دون إجابة، بما في ذلك: كيف تؤثر العوامل الأخرى – مثل الانتباه أو الحالة العاطفية – على هذه العملية؟ وكيف تتواصل الخلايا العصبية المختلفة لتكوين واختزان ذكريات معقدة؟ وستتطلب الإجابة عن مثل هذه الأسئلة مزيداً من البحث باستخدام مجموعة من التقنيات، بما في ذلك تسجيلات الخلايا العصبية في الكائنات الحية والنمذجة الحاسوبية للشبكات العصبية. ومع ذلك، توافر نتائج هذه الدرسة خطوة مهمة نحو فهم أعمق لكيفية تحويل الخبرات إلى ذكريات.


الرأي
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- الرأي
كيف يقوم الدماغ بإنشاء واختزان ذكريات جديدة؟
- الأفكار التي تتكون وتُختزن من دون مجهود واعٍ يتم إيداعها في «الذاكرة العارضة» يرى معظم الناس ذكرياتهم الدماغي كألبوم صور داخلي. لكن بالنسبة لعلماء الأعصاب، فإن الذكريات هي نتيجة لاتصالات معقدة بين الخلايا العصبية التي تخزن المعلومات في أنماط نشاطية متزامنة. وتبدو عملية تكوين ذكريات دماغية جديدة واضحة ومفهومة عندما نتعلم قصداً، مثل أن نحفظ قصيدة أو ندرس لامتحان. ولكن ماذا عن الذكريات العارضة العابرة، مثل أن تسترجع تفاصيل ما تناولته للإفطار بالأمس، أو أين أوقفت سيارتك في موقف السيارات؟ ففي تلك الحالات فإن الأفكار التي تتكون وتُختزن من دون مجهود واعٍ منا يتم إيداعها في ما يسمى بـ «الذاكرة العارَضة». والواقع أن فهم الكيفية التي يقوم بها دماغك بتحويل الأحداث اليومية إلى ذكريات مختزنة هو أن يتطلب معرفة ما يحدث على المستوى العصبي عندما تتعرض أدمغتنا لاكتساب معلومات جديدة. وفي سياق دراسة حديثة نُشرت في مجلة «Nature Communications»، اكتشف باحثون مختصون بعض القواعد الأساسية لكيفية «تكييف» الخلايا العصبية نفسها لتقوم بترميز واختزان ذكريات دماغية جديدة. • الخلايا العصبية والذاكرة لفهم الكيفية التي يتم بها تخزين الدماغ للذكريات، يحتاج علماء الأعصاب عادة إلى تحديد الكيفية التي تقوم الخلايا العصبية من خلالها بتغيير نشاطها استجابة للمعلومات الجديدة، إلى جانب كيفية تنسيق هذه التغييرات بين مختلف الخلايا العصبية في شبكة عصبية ما. وتعتمد معظم الذكريات على قدرة الخلايا العصبية على القيام بشيئين، وهما: إطلاق إشارات كهربائية تسمى «جهود الفعل» أو «سبايكات»، وتغيير مدى ارتباطها بالخلايا العصبية الأخرى من خلال نقاط اتصال تسمى المشابك العصبية. والاتصالات المشبكية هي الركائز الأساسية للذكريات، وبالتالي فإن تغييرها - وهي عملية تسمى «المرونة المشبكية» - هو آلية أساسية لتكوين واختزان الذكريات في الدماغ. وفي داخل المركز الدماغي الدماغ المسؤول عن الذاكرة - والذي يُسمى قرن آمون (Hippocampus) - تتواصل الخلايا العصبية عبر مجموعة متنوعة من تلك «المشابك. ويمكن أن تكون هذه الاتصالات إما «استثارية» (تعزز احتمالية إطلاق الخلية العصبية المستقبلة للإشارة) أو«تهبيطية» (تقلل من احتمالية إطلاق الخلية العصبية المستقبلة للإشارة). • تكوين واختزان الذكريات في الدماغ لفهم كيفية تسهيل المشابك العصبية لتكوين الذكريات، قام باحثون وعلماء بزراعة خلايا عصبية من «قرن آمون» على شرائح صغيرة تحتوي على أقطاب كهربائية. وسمحت لهم هذه التقنية بقياس النشاط الكهربائي للخلايا العصبية بينما كانوا يحفزون بعض المشابك العصبية بنمط معين. وخلال تجاربهم، قدم الباحثون للخلايا العصبية نمطاً محدداً من التحفيز كنوع من«الذكرى الاصطناعية». ثم راقبوا كيف تغيرت قوة المشابك العصبية وكيف أعاد هذا التغيير تشكيل كيفية معالجة الخلايا العصبية للمعلومات. وبشكل مثير للاهتمام، وجدوا أن المشابك العصبية لا تتغير جميعها بالطريقة نفسها. وبدلاً من ذلك، تعتمد طريقة تغيرها على موقعها على الخلية العصبية وعلى نوع الاتصالات التي تكونها. فلدى الخلايا العصبية تشعبات واسعة تسمى «أشجار الشجيرات»، وهي تتلقى إشارات من الخلايا العصبية الأخرى. والمشابك الموجودة على أجزاء مختلفة من هذه الأشجار تتغير بشكل مختلف. وعلى وجه التحديد، فإن المشابك الاستثارية الموجودة بالقرب من جسم الخلية العصبية غالباً ما تضعف بعد التحفيز، بينما تلك الموجودة بعيداً عن جسم الخلية العصبية تصبح أقوى. وفي الوقت نفسه، فإن المشابك التهبيطية القريبة من جسم الخلية تصبح أقوى، بينما تضعف تلك البعيدة. وهذا النمط المعقد من التغييرات يعيد تشكيل كيفية مزج الخلية العصبية للإشارات الواردة. فقبل التحفيز، كانت الخلايا العصبية حساسة بشكل أساسي للمعلومات من المشابك القريبة من جسم الخلية. ولكن بعد التحفيز، أصبحت أكثر حساسية للمدخلات من المشابك البعيدة. • آثار على الذاكرة ومن الممكن أن يساعدنا هذا الاكتشاف على فهم كيفية تخزين الدماغ للذكريات على مستوى الخلايا العصبية. فعندما نواجه تجربة جديدة، فإن النمط المعقد من التغييرات المشبكية التي لاحظناها قد يمكّن الخلية العصبية من التركيز بشكل انتقائي على المعلومات المهمة مع تجاهل المشتتات. وتعمل أشجار الشجيرات الخاصة بالخلايا العصبية كدوائر حسابية صغيرة تقوم بمعالجة المعلومات بطرق معقدة. من خلال التحكم في قوة المشابك المختلفة بناءً على موقعها، يمكن للخلايا العصبية «ترميز» (تشفير واختزان) الذكريات في أنماط الاتصال المشبكي. والواقع أن هذا الاكتشاف ستكون له آثار محتملة على فهمنا لاضطرابات الدماغ التي تؤثر على الذاكرة، مثل مرض ألزهايمر. ففي مثل هذه الحالات، قد تتعطل الآليات التي لاحظناها، ما يؤدي إلى صعوبات في تكوين واختزان ذكريات جديدة. وبالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يوفر فهم كيفية ترميز الدماغ للذكريات أساساً لتطوير تقنيات جديدة لتعزيز التعلم والذاكرة. وبالتالي، يمكن أن تساعد هذه المعرفة في تصميم إستراتيجيات تعليمية أفضل أو علاجات لاضطرابات الذاكرة. • الخطوات المقبلة في حين أن هذه الدراسة تكشف عن قواعد أساسية لكيفية ترميز واختزان الخلايا العصبية للمعلومات الجديدة، لا تزال هناك أسئلة عديدة من دون إجابة، بما في ذلك: كيف تؤثر العوامل الأخرى - مثل الانتباه أو الحالة العاطفية - على هذه العملية؟ وكيف تتواصل الخلايا العصبية المختلفة لتكوين واختزان ذكريات معقدة؟ وستتطلب الإجابة عن مثل هذه الأسئلة مزيداً من البحث باستخدام مجموعة من التقنيات، بما في ذلك تسجيلات الخلايا العصبية في الكائنات الحية والنمذجة الحاسوبية للشبكات العصبية. ومع ذلك، توافر نتائج هذه الدرسة خطوة مهمة نحو فهم أعمق لكيفية تحويل الخبرات إلى ذكريات.


الرأي
٢٧-٠٣-٢٠٢٥
- الرأي
علاج السكري بالطباعة ثلاثية الأبعاد
ابتكر باحثون تقنية جديدة لعلاج مرض السكري باستخدام حبر حيوي مستخلص من أنسجة البنكرياس وتقنية الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد. وأجرى الدراسة باحثون من جامعة بوهانج للعلوم والتكنولوجيا في كوريا الجنوبية، ونُشرت في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز» (Nature Communications)، وكتب عنها موقع يوريك أليرت، بحسب ما نشره موقع «الجزيرة.نت». توجد داخل البنكرياس خلايا تُسمى خلايا «جُزر لانغرهانس»، وهي تعمل على إفراز الإنسولين لخفض مستوى السكر في الدم، وتتحكم هذه الخلايا في إفراز الإنسولين من خلال تفاعلها مع المكونات المحيطة بها، مثل الأنسجة الداعمة والخلايا الوعائية، ما يساعد على تنظيم مستويات السكر في الدم بشكل فعال، ويواجه العلماء تحديات كبيرة عند إنتاج هذه الخلايا لاستخدامها في علاج المرض. وتُعَد الخلايا الجذعية مصدراً واعداً لتوليد خلايا «جُزُر لانغرهانس» في المختبر، إلا أن إعادة تكوين البيئة الدقيقة وشبكة الأوعية الدموية التي تشبه البيئة الموجودة في البنكرياس والتي تحتاجها هذه الخلايا لتعمل بشكل صحيح كانت عقبة رئيسية في هذه العملية. الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد تُعرَّف الطباعة الحيوية على أنها عملية ترتيب المواد والخلايا الحية بطريقة تشبه الترتيب الموجود في أعضاء أو أنسجة محددة في الجسم، ويتم تصميم الجسيمات الحيوية المراد طباعتها هندسياً من خلال تقنيات تعتمد على الحاسوب، ويُستخدم حبر من نوع خاص لإنتاج هذه الجسيمات. يتكون الحبر الخاص الذي يتم استخدامه في الطباعة من مادة حيوية أو خليط من عدة مواد حيوية على شكل هلام مائي (هيدروجيل)، يحتوي عادة على أنواع الخلايا المطلوبة، ويُسمى هذا المحلول بالحبر الحيوي.