
ترامب مخادع .. الضربة الأميركية وما بعدها
لم تنته الحرب.. ولا إيران رفعت الرايات البيضاء.
بدت الضربة الأميركية لثلاث منشآت نووية «نطنز» و«أصفهان» و«فوردو» الحصينة في أعماق الجبال، كأنها كلمة النهاية في الحرب الإيرانية الإسرائيلية. بانتشاء بالغ وصف الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» تلك الضربة بـ«الرائعة». قال: «إن إسرائيل الآن آمنة». في الوقت نفسه دعا إلى ما أسماه «السلام عبر القوة»، مستعيراً التعبير نفسه من قاموس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إنه الاستسلام دون قيد، أو شرط.
تصور الإسرائيليون أن التدخل العسكري الأميركي يمهد الطريق للتوصل إلى «اتفاق جيد»، أو أن يحصدوا بالمفاوضات ما عجزوا عنه بالحرب. ردت إيران بموجات من الصواريخ الباليستية على مواقع استراتيجية إسرائيلية. كانت تلك الضربات الأقوى والأعنف منذ بدء المواجهات.
تخيم أشباح الفوضى على الشرق الأوسط، الذي يريده نتنياهو أن يرسم خرائطه من جديد دون قدرة على حسم أي حرب بمفرده، أو أن يمتلك أي تصور سياسي لليوم التالي في غزة، أو إيران.
كل سيناريو وارد وكل
خطر ماثل في الإقليم كله
تقاس الحروب بنتائجها السياسية وما يترتب عليها من معادلات جديدة في الصراع المحتدم على مصير الشرق الأوسط. إذا لم نقف مع إيران، نؤيدها وندعمها، فإن العواقب سوف تكون وخيمة. لم يكن المشروع النووي الإيراني وحده هو صلب التدخل العسكري الأميركي.
أريد به أن يكون مخرجاً سياسياً للمأزق الإسرائيلي المستحكم، أو ترهيب الإيرانيين بضربات أعنف ومآسٍ أكبر إذا لم يقبلوا نوعاً من السلام يوافق المتطلبات الإسرائيلية. إذا ما صحت التسريبات الإيرانية المتواترة أنه قد جرى نقل اليورانيوم المخصب إلى أماكن أخرى، فإن المعنى أن ما هو سلمي قد يتحول إلى عمل صريح لإنتاج القنبلة النووية.
لم يكن التدخل الأميركي مفاجئاً
إنها متدخلة فعلاً تخطيطاً وخداعاً استراتيجياً وإمداداً بكل ما تتطلبه الحرب من معلومات استخباراتية، وأسلحة، وذخائر دون أن تتورط مباشرة في عملياتها، لكن سير المواجهات لم يصادف التوقعات والحسابات المسبقة.
في الضربة الافتتاحية، قصفت إسرائيل عدداً كبيراً من المنشآت النووية، اغتالت مرة واحدة قيادات عسكرية وعلماء من الوزن الثقيل وبدا البلد كله مخترقاً ومنكشفاً.
رغم الهزة العنيفة في مراكز القيادة والسيطرة، فاجأت إيران العالم كله بقدرتها على الإحلال القيادي وسرعة ردة الفعل في مساء نفس اليوم.
ثم فاجأته بأجيال جديدة ومتنوعة من صواريخ «فرط الصوتية»، القادرة على اجتياز منظومات الدفاع الجوي والوصول إلى أهداف استراتيجية وأمنية وعسكرية واقتصادية حساسة.
استدعى ذلك إلحاحاً إسرائيلياً علنياً على ترامب للدخول المباشر في الحرب، كما لو لم يكن هناك ترتيبات متفق عليها بأدق التفاصيل.
أعطى ترامب انطباعاً قوياً بأن نوازعه تدعوه إلى دعم إسرائيل إلى أقصى مدى ممكن، غير أن الروادع تمنعه من إصدار قرار بالتدخل.
فالانخراط المباشر بالحرب يناقض تعهداته التي انتخب على أساسها، وتناقض إرادة أغلبية الرأي العام الأميركي، الذي يرفض التورط في أي حروب.
وفق استطلاعات الرأي العام الحديثة، التي أجرتها شركة «يو جوف»، فإن (16%) فقط يؤيدون التدخل فيما يعارضه (60%). تبلغ نسبة المعارضة داخل حزبه الجمهوري (51%) مقابل (23%).
التقارير الاستخباراتية حذرته من العواقب والتداعيات، التي قد تضرب المصالح الاميركية في الشرق الأوسط، فضلاً عن الكلفة الاقتصادية الباهظة لأي تدخل، خاصة إذا أغلقت إيران مضيق هرمز بالغ الأهمية في نقل النفط والغاز.
رغم ذلك كله مضى بمقامرته، السياسية والعسكرية إلى آخر المطاف، ضارباً عرض الحائط بكل المخاوف والحسابات.
قبل الضربة الأميركية أبلغ ترامب كبار معاونيه بموافقته على خطة التدخل، لكنه أرجأ القرار الأخير لأسبوعين حتى يمكنه التعرف على فرص تخلي طهران عن برنامجها النووي.
فتح المجال واسعاً لاتصالات ورسائل دبلوماسية إلى إيران عبر قنوات شبه علنية: «أن الحل السياسي ما زال ممكناً».
أبدت إيران تأهبها لذلك الخيار بشرط وحيد هو وقف الهجوم الإسرائيلي.
هكذا خدع الجميع بلا استثناء، وقد يدفع حزبه ثمن تلك المقامرة في الانتخابات النصفية المقبلة.
إثر عودته من قمة السبع الكبار قال نصاً: «لقد نفد صبرنا» ملوحاً باغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي. لم يكن هناك معنى لذلك التصريح سوى أن التدخل العسكري وشيك لا محالة.
بعد وقت وجيز أطلق تصريحات عكسية تنفي أي استعداد لديه بالانخراط المباشر في الحرب، فهو رجل سلام جاء إلى منصبه لإنهاء كل الحروب، كما قال حرفياً.
لم يُخفِ تطلعه للحصول على جائزة نوبل للسلام، أو أن يكون خامس رئيس أميركي في التاريخ يحصل عليها بعد ثيودور روزفلت ووودرو ويلسون وجيمي كارتر وباراك أوباما.
هو رجل مربك ومرتبك يصعب توقعه.. يقول الشيء وعكسه في خطاب واحد. في البيت الأبيض فاجأ نتنياهو أمام الكاميرات بإعلان أنه قد فتح حواراً مع إيران للتوصل إلى اتفاق بشأن المشروع النووي.
كانت تلك إهانة بالغة لحليف استراتيجي مقرب، لكنه واصل التنسيق معه بأدق التفاصيل «إننا نتهاتف يومياً».
ثم ذهب في مدح نتنياهو إلى حدود غير متخيلة، وهو يزعم أنه رجل سلام. وصفه بعبارات يصعب أن يصدقها أحد في العالم، ولا داخل أسرته نفسها: «إنه رجل طيب وخير لا يجد الإنصاف من بلده».
بالتوصيف القانوني والسياسي فإنه يتحدث عن رجل متهم من المحاكم الدولية بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.
في الدعوة إلى إنصافه تبنٍّ لسياساته وجرائمه. إنه انتهاك كامل لأية قيمة إنسانية، وانتهاك آخر للصفات والمعاني.
من يصدق الآن رئيساً مخادعاً؟!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 5 ساعات
- معا الاخبارية
ترامب: إسرائيل وإيران اتفقتا على وقف إطلاق النار
بيت لحم- معا- أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة على حسابه على منصة "تروث سوشيال" المملوكة له، أن إسرائيل والولايات المتحدة اتفقتا على وقف إطلاق نار يبدأ خلال ست ساعات. وكتب: "تهانينا للجميع فقد تم الاتفاق بشكل كامل بين إسرائيل وإيران على أنه سيكون هناك وقف إطلاق نار كامل وشامل خلال ست ساعات عندما تُكمل إسرائيل وإيران مهمتيهما الأخيرتين!)". وحسب قوله، ستكون إيران أول من يُوقف إطلاق النار، وبعد 12 ساعة، ستقوم إسرائيل بدورها.


جريدة الايام
منذ 6 ساعات
- جريدة الايام
ترامب مخادع .. الضربة الأميركية وما بعدها
لم تنته الحرب.. ولا إيران رفعت الرايات البيضاء. بدت الضربة الأميركية لثلاث منشآت نووية «نطنز» و«أصفهان» و«فوردو» الحصينة في أعماق الجبال، كأنها كلمة النهاية في الحرب الإيرانية الإسرائيلية. بانتشاء بالغ وصف الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» تلك الضربة بـ«الرائعة». قال: «إن إسرائيل الآن آمنة». في الوقت نفسه دعا إلى ما أسماه «السلام عبر القوة»، مستعيراً التعبير نفسه من قاموس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إنه الاستسلام دون قيد، أو شرط. تصور الإسرائيليون أن التدخل العسكري الأميركي يمهد الطريق للتوصل إلى «اتفاق جيد»، أو أن يحصدوا بالمفاوضات ما عجزوا عنه بالحرب. ردت إيران بموجات من الصواريخ الباليستية على مواقع استراتيجية إسرائيلية. كانت تلك الضربات الأقوى والأعنف منذ بدء المواجهات. تخيم أشباح الفوضى على الشرق الأوسط، الذي يريده نتنياهو أن يرسم خرائطه من جديد دون قدرة على حسم أي حرب بمفرده، أو أن يمتلك أي تصور سياسي لليوم التالي في غزة، أو إيران. كل سيناريو وارد وكل خطر ماثل في الإقليم كله تقاس الحروب بنتائجها السياسية وما يترتب عليها من معادلات جديدة في الصراع المحتدم على مصير الشرق الأوسط. إذا لم نقف مع إيران، نؤيدها وندعمها، فإن العواقب سوف تكون وخيمة. لم يكن المشروع النووي الإيراني وحده هو صلب التدخل العسكري الأميركي. أريد به أن يكون مخرجاً سياسياً للمأزق الإسرائيلي المستحكم، أو ترهيب الإيرانيين بضربات أعنف ومآسٍ أكبر إذا لم يقبلوا نوعاً من السلام يوافق المتطلبات الإسرائيلية. إذا ما صحت التسريبات الإيرانية المتواترة أنه قد جرى نقل اليورانيوم المخصب إلى أماكن أخرى، فإن المعنى أن ما هو سلمي قد يتحول إلى عمل صريح لإنتاج القنبلة النووية. لم يكن التدخل الأميركي مفاجئاً إنها متدخلة فعلاً تخطيطاً وخداعاً استراتيجياً وإمداداً بكل ما تتطلبه الحرب من معلومات استخباراتية، وأسلحة، وذخائر دون أن تتورط مباشرة في عملياتها، لكن سير المواجهات لم يصادف التوقعات والحسابات المسبقة. في الضربة الافتتاحية، قصفت إسرائيل عدداً كبيراً من المنشآت النووية، اغتالت مرة واحدة قيادات عسكرية وعلماء من الوزن الثقيل وبدا البلد كله مخترقاً ومنكشفاً. رغم الهزة العنيفة في مراكز القيادة والسيطرة، فاجأت إيران العالم كله بقدرتها على الإحلال القيادي وسرعة ردة الفعل في مساء نفس اليوم. ثم فاجأته بأجيال جديدة ومتنوعة من صواريخ «فرط الصوتية»، القادرة على اجتياز منظومات الدفاع الجوي والوصول إلى أهداف استراتيجية وأمنية وعسكرية واقتصادية حساسة. استدعى ذلك إلحاحاً إسرائيلياً علنياً على ترامب للدخول المباشر في الحرب، كما لو لم يكن هناك ترتيبات متفق عليها بأدق التفاصيل. أعطى ترامب انطباعاً قوياً بأن نوازعه تدعوه إلى دعم إسرائيل إلى أقصى مدى ممكن، غير أن الروادع تمنعه من إصدار قرار بالتدخل. فالانخراط المباشر بالحرب يناقض تعهداته التي انتخب على أساسها، وتناقض إرادة أغلبية الرأي العام الأميركي، الذي يرفض التورط في أي حروب. وفق استطلاعات الرأي العام الحديثة، التي أجرتها شركة «يو جوف»، فإن (16%) فقط يؤيدون التدخل فيما يعارضه (60%). تبلغ نسبة المعارضة داخل حزبه الجمهوري (51%) مقابل (23%). التقارير الاستخباراتية حذرته من العواقب والتداعيات، التي قد تضرب المصالح الاميركية في الشرق الأوسط، فضلاً عن الكلفة الاقتصادية الباهظة لأي تدخل، خاصة إذا أغلقت إيران مضيق هرمز بالغ الأهمية في نقل النفط والغاز. رغم ذلك كله مضى بمقامرته، السياسية والعسكرية إلى آخر المطاف، ضارباً عرض الحائط بكل المخاوف والحسابات. قبل الضربة الأميركية أبلغ ترامب كبار معاونيه بموافقته على خطة التدخل، لكنه أرجأ القرار الأخير لأسبوعين حتى يمكنه التعرف على فرص تخلي طهران عن برنامجها النووي. فتح المجال واسعاً لاتصالات ورسائل دبلوماسية إلى إيران عبر قنوات شبه علنية: «أن الحل السياسي ما زال ممكناً». أبدت إيران تأهبها لذلك الخيار بشرط وحيد هو وقف الهجوم الإسرائيلي. هكذا خدع الجميع بلا استثناء، وقد يدفع حزبه ثمن تلك المقامرة في الانتخابات النصفية المقبلة. إثر عودته من قمة السبع الكبار قال نصاً: «لقد نفد صبرنا» ملوحاً باغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي. لم يكن هناك معنى لذلك التصريح سوى أن التدخل العسكري وشيك لا محالة. بعد وقت وجيز أطلق تصريحات عكسية تنفي أي استعداد لديه بالانخراط المباشر في الحرب، فهو رجل سلام جاء إلى منصبه لإنهاء كل الحروب، كما قال حرفياً. لم يُخفِ تطلعه للحصول على جائزة نوبل للسلام، أو أن يكون خامس رئيس أميركي في التاريخ يحصل عليها بعد ثيودور روزفلت ووودرو ويلسون وجيمي كارتر وباراك أوباما. هو رجل مربك ومرتبك يصعب توقعه.. يقول الشيء وعكسه في خطاب واحد. في البيت الأبيض فاجأ نتنياهو أمام الكاميرات بإعلان أنه قد فتح حواراً مع إيران للتوصل إلى اتفاق بشأن المشروع النووي. كانت تلك إهانة بالغة لحليف استراتيجي مقرب، لكنه واصل التنسيق معه بأدق التفاصيل «إننا نتهاتف يومياً». ثم ذهب في مدح نتنياهو إلى حدود غير متخيلة، وهو يزعم أنه رجل سلام. وصفه بعبارات يصعب أن يصدقها أحد في العالم، ولا داخل أسرته نفسها: «إنه رجل طيب وخير لا يجد الإنصاف من بلده». بالتوصيف القانوني والسياسي فإنه يتحدث عن رجل متهم من المحاكم الدولية بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية. في الدعوة إلى إنصافه تبنٍّ لسياساته وجرائمه. إنه انتهاك كامل لأية قيمة إنسانية، وانتهاك آخر للصفات والمعاني. من يصدق الآن رئيساً مخادعاً؟!

جريدة الايام
منذ 6 ساعات
- جريدة الايام
أميركا لا تزال دولة إمبريالية
انتقاد النائب الجمهوري توماس ماسي لإقدام رئيسه دونالد ترامب بالاعتداء على سيادة الدولة الإيرانية، بقصف منشآتها النووية بطائراته الحربية، كذلك اعتبار النائب الشجاع بيرني ساندرز ما فعله ترامب غير دستوري، إضافة لتقدير كبير الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ جاك ريد بأن ما قام به ترامب يعتبر «مقامرة ترامبية»، والأهم من كل هؤلاء مطالبة زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر الرئيس ترامب بتقديم إجابات واضحة حول تأثير ما أقدم عليه على سلامة الأميركيين، كل هذا يعتبر كلاماً في الهواء، او بلا أي قيمة، فالاعتداء قد تم وانتهى الأمر، بل وترامب الذي بدا في لحظة إطلاقه طائراته الشبح نحو إيران، كما لو كان رجلاً آلياً تحكم بقياده بنيامين نتنياهو، وجد من يشد على يده، ممن هم أعلى شأناً وأكبر تأثيراً من كل من انتقده، سواء من حزبه الجمهوري أو الحزب الديمقراطي المنافس، فقد اعتبر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثون بأن العمل العسكري ضد ايران كان مبرراً، كما اعتبر رئيس مجلس النواب مايك جونسون الضربات الأميركية تنفيذاً لشعار «أميركا أولاً» من خلال القوة. وبالعودة الى العهد الديمقراطي السابق، خلال الأربع سنوات التي مضت، صحيح تماماً، بأن جو بايدن، بقي طوال اكثر من عام يحاول تحت شعار عدم توسيع نطاق الحرب على غزة لتشمل الشرق الأوسط، بجر أميركا لخوض الحرب المباشرة مع إيران، ونجح في عدم الانزلاق فيما يسعى اليه نتنياهو، لكنه بالمقابل فشل منذ بداية عهده في العودة لاتفاق 2015 مع إيران، لكنه عبر عن النزوع الأميركي لاستخدام القوة، وإطلاق الحروب، وإن كان بالوكالة، حين دفع أوكرانيا للتحرش بروسيا، ما تسبب في اندلاع الحرب بينهما التي ما زالت دائرة حتى الآن، وألقى بايدن في أتونها كثيراً من الوقود، إن كان عبر المساعدات العسكرية المتنوعة، أو من خلال ضخ الأموال، وكذلك من خلال الإسناد السياسي، بل وتحشيد اوروبا وإعادة ضخ الدماء في «الناتو» مجدداً، بما أعاد الى الأذهان أيام الحرب الباردة، وترامب حاول أيضاً أن يفرض وقف الحرب على نتنياهو، حيث كان واضحاً بأن استمرار الحرب في غزة، يبقي على نار الشرق الأوسط مشتعلة، ويبقي نتنياهو محتفظاً بحلمه في جر أميركا لضرب ايران، وهذا ما نجح فيه أخيراً. وقد حاول ترامب على الأقل علناً، بغض النظر عن كونه صادق النية ام لا، وبغض النظر عما هو مؤكد من ان إدارته منقسمة بين صقور وحمائم فيما يخص هذه المسألة، لكن الإجماع الأميركي هو على تحقيق الهيمنة والسيطرة في كل مكان من العالم، وتحطيم كل مراكز القوة العسكرية والاقتصادية المنافسة، فإن تحقق الهدف بالسياسة وعبر التلويح بالقوة، فذلك جيد، وإلا فباستخدام القوة العسكرية، وأميركا بجمهورييها وديمقراطييها، ما زالت ترى في نفسها دولة إمبريالية، أي دولة مهيمنة على العالم. وقد ظهر مصطلح الإمبريالية، حين بدأت البرجوازية الصناعية في التوسع خارج حدودها القومية، للسيطرة على الدول والشعوب الأخرى، فرافقت الامبريالية المملكة المتحدة، باعتبارها تحتل مستعمرات لا حصر لها، كذلك الدولة الفرنسية وهي تحتل دولاً وشعوباً إفريقية عديدة، ثم ظهرت أميركا كدولة إمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي خلال الحرب الباردة، إن لم تكن الدولة الوحيدة، لكنها كانت الدولة التي خاضت اكثر من غيرها حروباً ضد الدول والشعوب الأخرى خارج حدودها، بل على بُعد آلاف الأميال عن حدودها بهدف السيطرة والهيمنة على الآخرين، وهي ما زالت اكثر دولة لها قواعد بحرية وبرية في معظم أرجاء العالم، وفي الفضاء للإبقاء على سيطرتها وهيمنتها على العالم. ما بدا أنه أمر مستغرب هو أن «الجمهوريين» بزعيمهم او مرشحهم الرئاسي ترامب ظلوا يعارضون سياسة اللجوء للقوة العسكرية وتشجيع الحروب، باعتبار ان بايدن يستند الى شركات التصنيع العسكري في الانتخابات، وأنه لم يستطع الإفلات من قبضة نتنياهو طوال أكثر من عام، جره خلالها لمشاركته حرب الإبادة الجماعية، وانهم اي الجمهوريين يعتمدون سياسة الصفقات التجارية، لذك فإنهم سيقومون بوضع حد لحربَي روسيا/اوكرانيا والشرق الأوسط، لكن ذلك لم يكن اكثر من خديعة انطلت أولاً على إيران على ما يبدو قبل اسبوعين، حين أعلنت واشنطن عن إجراء ترامب مكالمة مع نتنياهو لمدة 45 دقيقة متوترة، رافضاً قيامه بالعدوان على المفاعلات النووية الإيرانية، وكثيراً ما سرّبوا مثل هذا الكلام، وكان ذلك عشية انقضاء 60 يوماً المهلة التي حددها ترامب لإيران للتوصل لاتفاق، يبدو أن نتنياهو تمسك بانقضائها، ثم وجدا الحل بإطلاق إسرائيل عدوانها منفردة، لكن ترحيب ترامب بعد العدوان الإسرائيلي في 13/6 مباشرة فضح التورط الأميركي. وبالطبع فإن التورط الأميركي لا يكتفي بمجرد منح الضوء الأخضر الذي يعني التغطية السياسية، بل تواصل بمد اسرائيل بالعتاد والصواريخ، ويبدو ان الجانبين كانا يظنان بأن ايران ستنهار بعد الضربة المركبة المباغتة، والتي اعتمدت بعد تحضير 8 شهور على ثلاثة خطوط للتنفيذ، إطلاق مائتي طائرة على المواقع النووية، مع استهداف القيادات العسكرية وقيادات الحرس الثورة، وكانت القائمة تشمل نحو 400 قيادي، في نفس الوقت إطلاق العملاء مع أعضاء مجاهدي خلق وبقايا النظام الشاهنشاهي، وقد اطلق نتنياهو أصلاً على العملية العدوانية اسم «الأسد العائد» وكان الأسد هو شعار الشاه محمد رضا بهلوي، أي أن الهدف كان ضرب المنشآت النووية وتدمير الصواريخ البالستية وإسقاط النظام. تماماً كما سبق لإسرائيل ان اعتمدت فائض القوة العسكرية والاستخباراتية في الضربة الأولى، لتحقيق النصر الخاطف، كما فعلت مع مصر 67، ومع حزب الله العام الماضي، وفعلاً بدا أن النظام الإيراني قد بوغت أولاً بتوقيت الضربة بعد خديعة ترامب، أولاً وثانياً بحجم الضربة وجرأتها لأنها موجهة تماما للمنشآت النووية، تلك التي ظل بايدن يبدي معارضته لضربها طوال عام 2024، لكن إيران لم ترفع الراية، بل أمطرت إسرائيل بثمانية عشر رشقة صاروخية خلال أسبوع، بينما ظهرت إسرائيل ليس فقط في حالة لم تمر بها من قبل من حيث دخول كل مساحتها دائرة الحرب، بل ظهرت بأنها على وشك نفاد العتاد، خاصة الصواريخ الاعتراضية للصواريخ البالستية الإيرانية المغيرة. أي ان ايران وبعد مرور اسبوع، تبين بان حجم الضرر الذي تعرضت له مفاعلاتها النووية لم يكن حاسماً او مدمراً لمشروعها من جهة، كذلك ظهر بأن قوتها الصاروخية لم تفقد جُل ما لديها، بل وبات مرجحاً بأنها خدعت اسرائيل من خلال نصب منصات وهمية، هي التي تعرضت للقصف الإسرائيلي، وحتى هيمنة الطيران الإسرائيلي على الأجواء الإيرانية التي تباهى بها نتنياهو، سرعان ما تبين بأنها ليست تامة، بدليل عودة المضادات الإيرانية للتصدي لها، ومن ثم إسقاط بعض الطائرات واسر طياريها. هكذا تبين بأن اسرائيل بدأت حرباً مع ايران، لكنها لن تكون عاجزة عن انهائها وحسب، بل، باتت قاب قوسين او أدنى من الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد، ما دامت لم تدمر المفاعلات النووية، مقابل ما يقع على ارضها من دمار وشلل، ومن ثم من هروب ونزوح لخارج البلاد، بما يعني بأن الأمر حتى لو ظل هكذا أسابيع كما قال الاسرائيليون، فإن الأمر لن يتغير، بل كلما طال الوقت سيصبح لصالح إيران، وبات «وقف الحرب» او تحويلها لحرب خاطفة، يتوقف فقط على المشاركة الأميركية، ويتأكد ذلك من العجز الإسرائيلي في كل الأحوال عن اختراق مفاعل «فوردو» بالذات نظراً لطبيعته التي لا يمكن لغير أميركا ان تدمره. هنا حاول ترامب تكرار الخديعة بالقول، بأنه سيفكر لمدة اسبوعين ليتخذ قراره إن كان سيوجه الضربة الأميركية للمفاعلات النووية الإيرانية، وهو كان قدم بيده اليمنى ورقة الاستسلام، وفي يده اليسرى قبض على ريموت كونترول حاملات الطائرات، التي تحمل بدورها القنابل ذوات الأطنان من المتفجرات، لكن يستحيل عليه ان يكون فكر بأنه يمكن خداع إيران مرتين في ظرف اسبوعين، لذلك على الأغلب كانت خديعة الأسبوعين موجهة هذه المرة للكونغرس، حيث ينص الدستور الأميركي بشكل صريح على ان على القائد العام للقوات المسلحة، أي الرئيس أن يلجأ للكونغرس للحصول على التفويض اللازم بشن الحرب على أية دولة أخرى، إلا في حالة الدفاع عن النفس، او رد الاعتداء، وهذا ما فعله الرؤساء الأميركيون السابقون من ليندون جونسون، حين زج بقواته العسكرية لخوض الحرب في فيتنام، الى جورج بوش الابن، حتى وهو يرد على اعتداء القاعدة على برجَي التوأم بإنزال قواته لتحارب القاعدة وطالبان على أرض أفغانستان، لكن ترامب شن حرباً على إيران، دون علم الكونغرس، ومن أجل نتنياهو فقط.