
وصف مصر: أسرار ومفارقات تحكي قصة الموسوعة الأشهر في التاريخ
Getty Images
لوحة من كتاب "وصف مصر" لمنطقة أهرامات الجيزة وتمثال أبو الهول كما رسمه علماء الحملة الفرنسية
تعد سنوات الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801) بقيادة نابليون بونابرت من أبرز وأهم فترات تشكيل التاريخ المصري الحديث لكونها وضعت البلاد في مفترق الطرق السياسية والعسكرية والاجتماعية والعلمية، ولايزال الموقف التاريخي من أثر تلك الحملة العسكرية على مصر قضية خلافية، رغم مرور ما يزيد على مائتي عام على نزول الجيش الفرنسي أرض مصر.
أثارت نتائج الحملة الفرنسية جدلاً بين المؤرخين، فمنهم من يراها غزواً عسكرياً استعمارياً خلف آثاراً سلبية في حياة المصريين، بيد أن آخرين اعتبروها بمثابة "فاتحة خير أدخلت البلاد عصر النهضة الحديثة" بفضل ما خلفته من إنجاز علمي تمثل في موسوعة "وصف مصر" والتعاون العلمي بين مصر وفرنسا في القرن التاسع عشر، لاسيما البعثات العلمية التي أرسلها والي مصر في ذلك الوقت محمد علي باشا.
جاء بونابرت إلى مصر يرافقه ما يربو على 160 عالماً وفناناً، اختارهم بعناية بالتعاون مع الجنرال كافاريللي. تألفوا من مهندسين وفنيين وفلكيين ومعماريين وكيميائيين وعلماء في التاريخ الطبيعي والمعادن ورسامين وموسيقيين وشعراء ومستشرقين.
أسس بونابرت فور وصوله "المجمع العلمي المصري" في القاهرة 20 أغسطس/آب عام 1798، ليشكل هيئة علمية بحثية على غرار "المجمع العلمي الفرنسي" بغية حل مشكلات الجيش الفرنسي على أرض مصر.
Getty Images
نابليون بونابرت يخاطب جيشه قبل معركة الأهرامات لوحة للرسام الفرنسي أنطوان جان غروس
لم يمكث بونابرت قائدا لحملته العسكرية في مصر أكثر من عام واحد بسبب تصاعد الحراك السياسي في القارة الأوروبية ضد مصالح فرنسا، لذا تخلى عن حلمه بتأسيس "إمبرارطورية الشرق" تاركاً البلاد ومصير جيشه لواحد من أهم قادته، الجنرال كليبير، الذي واجه مستقبلاً مجهولاً وتركة ثقيلة في مصر خلفها جنرال فرنسا الطموح.
"بين فشل عسكري ونصر علمي"
أدرك كليبيرمنذ اللحظة الأولى لتوليه القيادة العامة للجيش فشل الحملة عسكرياً، لذا سعى إلى التشبث بمكسب علمي أكثر استمراراً والاستفادة من جهود العلماء المصاحبين لحملة "جيش الشرق"، كما تعرف اصطلاحاً في الوثائق الفرنسية.
كانت أولى خطوات التجديد البارزة لكليبير تأسيس لجنة علمية إضافية، إلى جانب لجنتين أخريين أسسهما بونابرت، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1799 كلّفها كليبير بدراسة مصر القديمة والحديثة، لاسيما التشريع والأعراف الدينية والمدنية والإدارة والشرطة والحكم والتاريخ والحالة العسكرية والتجارة والصناعة والتاريخ الطبيعي والسكان والآثار والنقوش والأزياء والجغرافيا.
ويقول المؤرخ الفرنسي هنري لورانس، في دراسة متخصصة عن "الحملة الفرنسية في مصر وسوريا" إن الهدف من اللجنة يبرز اهتمام كليبير بالمؤرخين "وعلى اللجنة إعفاء الأجيال القادمة من البحث، تحت أطلال قرون من الاعتقادات، عما كانت عليه مصر في الزمن الذي انتقل فيه الفرنسيون من الحكم الملكي إلى الحكم الجمهوري".
Getty Images
لوحة للجنرال كليبير، أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، للرسام الفرنسي جان أوربان غيران
ويعتبر المؤرخون كليبير مؤسسا لهذا الإرث العلمي الفرنسي، الذي سماه العلماء أنفسهم في النص الفرنسي للكتاب "وصف مصر أو مجموعة الملاحظات والأبحاث الموضوعة في مصر أثناء حملة الجيش الفرنسي والمنشورة بأمر صاحب الجلالة الامبراطور نابليون المعظم"، وفقا لما ورد في الصفحة الأولى من الطبعة الإمبراطورية.
اتخذ كليبير القرار التأسيسي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1799، وكتب إلى حكومة الديركتوار (الإدارة) بتاريخ 8 يناير/كانون الثاني 1800، حسبما جاء في وثيقة وردت في صحيفة الحملة الفرنسية "كورييه دي لاجيبت" في عددها رقم 54:
"إن هذا المشروع الأدبي الذي سوف ترحب به كل حكومات أوروبا، سوف يكون محل تقدير أكبر بكثير في بلد يشجع حرّية جميع الفنون. كما أن الكتّاب الذين يؤلفون هذا العمل الجمعي إنما يتطلعون إلى شرف منح عملهم طابعاً قومياً، وهم يعرضون مشروعهم عليكم بشكل محدد".
Getty Images
لوحة ملونة من "كتاب وصف مصر" لمعبد فيلة في جنوب مصر
وأضافت الوثيقة : "إن الأبحاث المتعلقة بالحالة الراهنة لمصر إنما تقدم موضوعاً مهماً للفلسفة والسياسة. كما أن القوانين والعادات والتاريخ والحكم والصناعة والتجارة وإيرادات هذا البلد تستحق دراسة أشمل لا يمكن انتظارها من الرحالة الفرنسيين أو الأجانب الذين سبقونا".
ويقول كليبير: "لقد جمعت الأشخاص الذين بدوا لي أكثر ملاءمة للتنافس في هذا العمل، ومنحتهم كل السلطة والإمكانات التي يحتاجون إليها".
كما بعث الجنرال كليبير رسالة أخرى إلى المجمع العلمي المصري بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1799 تلاها العالم جوزيف فورييه على الأعضاء جاء فيها: "إن المرء لا يسعه إلا أن يظهر إعجابه بذلك النشاط العظيم، وذلك التعاضد الذي ظهر من أعضاء اللجان لتبادل ثمار البحوث العديدة التي أعدوها، ومن دواعي الإعجاب ذيوع فكرة تهدف إلى جمع كل تلك الآثار في كتاب واحد".
"بداية الرحلة"
Getty Images
الصفحة الأولى من كتاب "وصف مصر" الطبعة الأولى ويبرز إهداء خاص إلى "الإمبراطور نابليون المعظم"
تشجع بونابرت للفكرة وانتظر عودة "جيش الشرق" إلى فرنسا بهذا الإنجاز العلمي، وأصدر قرارا بتاريخ 6 فبراير/شباط 1802 يلزم الحكومة بنشر الكتاب، على أن تتكفل الخزانة العامة بكافة النفقات، مع استمرار صرف رواتب العلماء التي كانوا يتقاضونها في مصر، ومنحهم حق الحصول على أرباح طبع الكتاب.
شكّل العالم جان-أنطوان شابتال، الكيميائي البارز ووزير الداخلية في ذلك الوقت، لجنة من ثمانية أعضاء مهمتها نشر كتاب "وصف مصر"، برئاسة العالم برتوليه.
كما كُلف العالم البارز فورييه بتحرير مقدمة الكتاب، وكلفت اللجنة العالم كونتيه وفريقه باختيار وتجميع النصوص ومراجعتها وإجراء التعديلات اللازمة.
ويشير المؤرخ الفرنسي، روبير سوليه، في دراسته "علماء بونابرت في مصر" إلى أنه: "وفقا لما كان يتمناه كليبير، فإن وصف مصر يجب أن يكون منقطع النظير ولا مثيل له. بل ويرقى على كل ما تقدم قبله.
ويضيف: "لذا كُرست ست آلات طبع خاصة، يتوافر لها نوع خاص من الورق لا يصنع في أي مصنع ورق في أوروبا".
بدأ العمل في عام 1803 ولم ينته إلا في عام 1828، إذ توقف خلالها خمس مرات بسبب اضطرابات سياسية ومالية، فضلا عن وفاة كونتيه، مندوب اللجنة والمباشر للعمل في عام 1805.
أما العالم لانكريه، سكرتير اللجنة، الذي خلفه فقد توفي أيضاً بعده بعامين، فحل محلهما العالم فرانسوا جومار، أحد أبرز علماء الحملة الفرنسية على مصر، وعُهد إليه بمهمة التحرير حتى الانتهاء من ذلك المشروع.
Getty Images
لوحة بالألوان من كتاب "وصف مصر" من داخل معبد فرعوني كما رسمها أحد علماء الحملة الفرنسية
ظهر "وصف مصر" في طبعتين، الأولى أُطلق عليها الطبعة "الإمبراطورية" والثانية أُطلق عليها طبعة "بانكوك"، وثمة بعض الفروق بين الطبعتين، إذ جاءت الطبعة الأولى مكونة من 9 كتب نصفية للنصوص، يصل كل منها إلى 800 صفحة، و11 كتابا للوحات، تتضمن إجمالاً ما يزيد على 3 آلاف لوحة، بعضها ملون، فضلا عن خريطة لمصر وفلسطين جاءت في 47 صفحة، وطبع من هذه الطبعة ألف نسخة فقط ما بين 1810 وحتى 1826، وهي مهداة إلى "الإمبراطور نابليون المعظم"، لاسيما الأجزاء الأولى.
أما الطبعة الثانية وهي طبعة "بانكوك"، التي أصدرها ناشر حصل على تصريح إصدار طبعة تتميز بسهولة الاستعمال وأقل ثمنا، فقد تكونت من 26 كتاباً للنصوص أصغر حجماً من الطبعة الإمبراطورية، و11 كتاباً نصفياً للوحات، ولم يصدر منها أكثر من ألفي نسخة فقط خلال الفترة من 1821 إلى 1826، وهي مهداة إلى الملك "لويس الثامن عشر"، وحل مكان إهداء النسخة إلى نابليون، لوحة تتسم بالحيادية، كما حُذفت من مقدمة العمل إيماءات عن بونابرت.
واحتلت مقدمة فورييه كتاباً كاملاً وصّورت فيها مصر باعتبارها "أكثر متاحف الدنيا ثراءً في العالم أجمع"، أما الحملة الفرنسية فوصفها بأنها "المشروع الذي أرجع إلى ضفاف النيل، العلوم التي أُبعدت عنه منذ زمن".
"عيوب وسقطات"
Getty Images
لوحة من كتاب "وصف مصر" لمنطقة بركة الفيل في حي السيدة زينب في القاهرة
يقول سوليه في دراسته إنه لا يمكن اعتبار وصف مصر عملاً مكتملاً، إذ يشوبه عدم التنسيق بسبب ظروف الإعداد فضلاً عن افتقاره لوجود فهرس وعدم وجود قائمة بالموضوعات.
ويضيف : "إن هذه الدراسة الموسوعية تبدو ناقصة، لأن العلماء والفنانين لم يكن لديهم الوقت الكافي لاستكشاف البلد بأسره، أو دراسة الواحات النائية وكافة الحيوانات والنباتات".
ويؤكد سوليه أنه "ارتُكب خطأ كبير عند تحديد تعداد سكان مصر بـ 2.5 مليون نسمة، في حين أن بعض الدراسات الدقيقة للفترة تقدره بنحو أربعة ملايين نسمة".
استطاع الرسامون الفرنسيون نسخ آلاف الرموز والعلامات المستخدمة في الكتابة المصرية القديمة، "الهيروغليفية"، دون أن يفهموا معناها، لذا أحيانا كانوا يضيفون علامات لملء فراغ غير مستعمل أو زخرفة جزء معماري، أو استعارة بعض الكتابات من معبد مجاور.
لذا عندما انتهى العمل في "وصف مصر"، كان العالم الفرنسي جان-فرانسوا شامبليون قد انتهى في نفس الوقت من حل لغز الكتابة المصرية القديمة فأبطل الكثير من تفسيرات العلماء بشأن الآثار المصرية واعتبرها طرائف وأخطاء.
"أهمية غير مسبوقة"
Getty Images
لوحة من كتاب "وصف مصر" تمثّل منظرا من داخل منزل عثمان بك
من أجل تنظيم وترتيب الكتب فائقة الضخامة للطبعة الإمبراطورية، صممت اللجنة المعنية قطعة أثاث خاصة، صمم شكلها جومار بنفسه، ونفذها أحد نجاري الأثاث المشهورين وهو موريل، كما تكفل بزخرفة الخشب النحات دانتان، وألحق بها ركائز ذات أعمدة مصنوعة من خشب البلوط الهولندي، وزينت بإفريز مصري الطراز، وهي مكونة من 14 رفا، توضع كتب اللوحات أفقيا، مع إمكانية تحريك الجزء العلوي.
ويقول سوليه إنه على الرغم من بعض الأخطاء، فإن هذا المؤلف الهائل الضخامة، يعتبر غير مسبوق في مجال تاريخ العلوم، ويطرح سؤالاً، هل كان الفرنسيون قادرين على دراسة بلدهم بجهد مماثل لهذا الجهد الذي بذله علماء بونابرت في مصر؟ مشيراً إلى أن "وصف مصر يبدو وكأنه الإنجاز الفعلي لعصر التنوير".
ويجيب فورييه عن سؤال سوليه، في مقدمة كتاب "وصف مصر" في الطبعة الثانية "بانكوك" للكتاب قائلا: "لم يسبق لأي بلد آخر أن خضع لأبحاث بمثل هذا الشمول والتنوع، كما أنه لا توجد بلاد أخرى جديرة بأن تكون موضوعا لأبحاث كهذه"
ويضيف: "معرفة مصر أمر يهم كل الأمم المتحضرة في حقيقة الأمر، نظراً لأن هذه البلاد هي مهد الفنون والنظم الدينية، وبإمكانها اليوم أن تصبح مركزاً للعلاقات الدولية وتجارة الإمبراطوريات، كما ترك الشعب الذي كان يسكنها آثاراً تدعو للإعجاب بعظمتها وقوتها ونفوذها".
Getty Images
لوحة من كتاب "وصف مصر" لمسجد السلطان حسن بالقاهرة
ويقول المؤرخ الفرنسي، جون-ماري كاري، في دراسته "رحالة وكتّاب فرنسيون في مصر" التي نال عنها جائزة الأكاديمية الفرنسية التي تحمل اسم جائزة "جوبير" الكبرى عام 1933: "قبل ظهور وصف مصر بنحو قرن، كانت مصر مدفونة غارقة في ظلمات آلاف السنين، وكانت بلاد فارس والهند والصين معروفة أكثر منها".
ويضيف: "لا يوجد من الرحالة إلا نحو 12 فردا خاطروا بركوب النيل وكتبوا كتابات غير مكتملة عن رحلاتهم معظمها تقريبية. والآن تغير كل شيء في عام واحد، وأضاءت العبقرية الفرنسية أعماق التاريخ وأخرجت لأوروبا بقايا تاريخ تليد غامض. أصبحت بفضلها مصر محور دراسة علمية للباحثين في المستقبل"، في غشارة منه إلى كتاب "وصف مصر".
Getty Images
لوحة تصور بونابرت وهو يتأمل تمثال أبو الهول، اللوحة للرسام الفرنسي جان ليون جيروم القرن الـ 19
حرص بونابرت على اختتام حملته العسكرية ببيان ورد في مراسلاته بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1801 يُذكّر فيه بذلك "المطمح الحضاري" لحملته وأورده هنري لورانس في نهاية دراسته قائلا: "لقد تركوا (الفرنسيون) لمصر ذكريات لا تموت، لعلها تفضي يوما ما إلى بعث الفنون والمؤسسات الاجتماعية هناك.
ويضيف: "على أية حال لن يورد التاريخ موارد النسيان ما فعله الفرنسيون لنقل حضارة ومعارف أوروبا إلى هناك. وسوف يروي (التاريخ) بأية درجة من الانضباط حافظوا عليها طوال تلك الفترة وقد يتأسف على ضياعها كنائبة أخرى ألمت بالجنس البشري".
ولعل التركة الأساسية لتلك الحملة الفرنسية على مصر تتلخص في ذلك الإرث العلمي والفكري والإيديولوجي الذي خلفه الفرنسيون، ويدين تاريخ مصر الحديث بلا شك لهذا الإرث وذلك الأثر المهم المتمثل في موسوعة "وصف مصر" التي تعد ثمرة جهود دؤوبة لعلماء جاءوا من فرنسا مع حملة عسكرية، أثمرت على نحو غير مباشر بإرث علمي لم يتكرر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ ساعة واحدة
- الوسط
"الكنديون سعداء بالملك تشارلز لحمايتهم من ترامب"
AFP via Getty Images وصل ملك بريطانيا تشارلز الثالث إلى ساحة مجلس الشيوخ الكندي في أوتاوا، كندا، في 27 مايو/أيار 2025 نستعرض في جولة عرض الصحف اليوم مقالا من صحيفة الغارديان عن زيارة الملك تشارلز الثالث لكندا، ومقالا من "وول ستريت جورنال" عن الكيفية التي تحدد بها الإدارة الأمريكية خصومها، ومقالا من صحيفة لوموند الفرنسية عن ماذا يحدث للشخص إذا نجا من صاعقة كهربية. نبدأ جولتنا الصحفية من صحيفة الغارديان ومقال لجين غيرسون بعنوان "الكنديون سعداء بالملك تشارلز طالما أنه يحمينا من ترامب". وذكّرت غيرسون، بإجراءات الرئيس الأمريكي "العقابية" ضد كندا منذ انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. تقول الصحيفة: "إذا كان الملك الذي يتسم بالفخامة يستطيع أن يهدئ من غرور جارنا الصاخب، فهذه أخبار جيدة حتى بالنسبة للجمهوريين". وتقول غيرسون إن ترامب فرض "رسوماً جمركية عقابية على قطاع السيارات الكندي، القطاع المتميز بتكامله الكبير مع الولايات المتحدة، مما قوض علاقة تجارية حيوية شكلت حجر الأساس لاقتصاد هذا البلد لعقود". لم يكتف ترامب بذلك بل فكر أيضا في جعل كندا الولاية 51 وهدد باستخدام القوة الاقتصادية لإجبار الكنديين على الموافقة على هذه الفكرة، حسب الكاتبة. تشير الكاتبة إلى أن الكنديين ليسوا معحبين بالملكية، لكن الظروف فرضت القبول بالملك تشارلز الثالث في ظل ما ينويه ترامب. وبحسبها فإن "الملكية، في نهاية المطاف، نظام غير منطقي ومكلف. وبالطبع، في مجتمع حديث، لماذا ينبغي أن يُمنح أي شخص مكانة أو سلطة فقط لأنه وُلد في عائلة معينة؟ وعندما نضيف إلى هذا العبث فكرة وجود ملك لكندا – وهي دولة مستقلة تماماً وعضو في مجموعة السبع – يعيش على بُعد محيط كامل، تزداد السخرية من هذا النظام الحكومي!" وترى أنه في الظروف العادية، لا يبدي الملك البريطاني اهتماماً كبيراً بمستعمرة سابقة وبعيدة، "فمكاتب الجوازات لدينا ستواصل عملها سواء وُجدت صورته الرسمية على جدران البيروقراطية الرمادية أم لا. لكن البشر ليسوا دائماً عقلانيين، كما أن ظروفنا الحالية ليست عادية". وتلفت الكاتبة إلى أن الكنديين أخذوا التحول في المسار الأمريكي على محمل الجد، وظهر ذلك جلياً في اختيارهم مارك كارني رئيساً للوزراء، إذ يشجع الأخير الكنديين على التفكير في التهديد الذي تشكله الولايات المتحدة على وجود بلاده. ويشير مقال الغارديان إلى أن "افتتاح رئيس الوزراء الجديد للبرلمان بخطاب العرش الذي ألقاه الملك ليس مجرد انقلاب مذهل، بل هو أيضاً جانب جيوسياسي دقيق للغاية". وتشير الكاتبة إلى أن الملك تشارلز الثالث يعتبر "رمزاً قوياً لتاريخ كندا ونظام حكمها؛ نظام وحكومة يتناقضان مع النظام الجمهوري المتعثر في الولايات المتحدة". Getty Images "مفترق طرق" يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لحظات حاسمة فيما يتعلق باتخاذ القرار بشأن خصوم الولايات المتحدة، وفق مقال لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية. المقال الذي حمل عنوان "مفترق طرق في السياسة الخارجية لترامب" يقول إن "السياسة الخارجية للرئيس ترامب تعتمد حتى الآن على تهديداته اللفظية ومحاولاته العلنية للضغط". لكن سياسة ترامب هذه ستواجه قريباً بلحظات حاسمة بشأن خصوم الولايات المتحدة. ويشير المقال إلى أن هذه القرارات ستترك صدىً يمتد على طول فترته الرئاسية الثانية، وقد تسهم في رسم إرثه السياسي. وتلفت الصحيفة إلى أن العالم تغير في غضون ثماني سنوات، بينما يواجه ترامب حالياً قرارات حاسمة بشأن روسيا وإيران والصين. وتتساءل الصحيفة: "بينما يتعاون الخصوم بشكل متزايد ضد المصالح الأمريكية، فهل سيرسل الرئيس رسالة ردع أم ضعف؟" يأتي سؤال الصحيفة بعد أن استذكرت في مقالها نماذج رئاسية سبقت ترامب، فمثلاً أدى انسحاب جو بايدن من أفغانستان إلى إضعاف الردع الأمريكي، وأقنع روسيا وإيران أنهما لن يواجها مقاومة تذكر. وسمح باراك أوباما للصين باحتلال جزر في بحر الصين الجنوبي وسرقة أسرار أمريكية دون مقاومة تُذكر. بينما أعاد رونالد ريغان بناء الدفاعات الأمريكية، وبدأ حملة الردع ضد السوفييت التي أدت إلى النصر في الحرب الباردة، وفق المقال. وتشير الصحيفة إلى أن ملفات مثل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، والتوصل لاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، والملف الصيني وفرض التعريفات الجمركية، كلها على طاولة ترامب في رئاسته الثانية. ويقول المقال إنه يتعين على ترامب أن يقرر شكل علاقته مع الصين و"في مجالات تتجاوز التجارة بكثير. إذ سيرغب الرئيس الصيني شي جين بينغ في استغلال أي تنازلات تجارية يُقدمها لكي يكسب تنازلات من ترامب بشأن تايوان أو دور أمريكا في المحيط الهادئ". لكن حتى الآن، لم يتضح ما يريده ترامب، سوى تقليل العجز التجاري الأمريكي، حسب الصحيفة. وتختم "وول ستريت جورنال" مقالها بالقول: "يتمتع الرئيس بوقت أطول لاتخاذ قرار بشأن الصين مقارنةً بإيران أو روسيا. لكن ما سيتخذه بشأن الأخيرتين سيؤثر على ما ما يمكن القيام به مع بكين. قد تكون الأشهر القليلة المقبلة بالغة الأهمية بالنسبة لدور أمريكا في العالم، كما كانت عليه الحال منذ نهاية الحرب الباردة". الحياة بعد الإصابة بصاعقة AFP via Getty Images صاعقة برق في منطقة الأعمال التجارية لا ديفونس خارج باريس، في وقت مبكر من يوم 21 يوليو/تموز 2024 تروي رافاييل مانسو في صحيفة لوموند تجربتها بعد أن تعرضت لصاعقة برق في عام 2017، قوتها "ملايين الفولتات"، مع 13 شخصاً. يشار إلى أن الحادثة التي تعرضت لها مانسو وقعت خلال مهرجان في أزيراي، شرقي فرنسا. وعلى مدار بضعة أسابيع بعد الحادثة، أصبح نشاط مانسو الذهني مرتفعاً، إذ كان بإمكانها إجراء عمليات حسابية معقدة واسترجاع ذكريات الطفولة لعدة أسابيع، لكن بعد ذلك تدهورت حالتها الصحية وأصبحت تعاني من إرهاق شديد وآلام مختلفة ومشاكل في التوازن، حتى أنها كادت تفقد قدرتها على الكلام. وكما تروي في المقال الذي حمل عنوان "الحياة بعد التعرض للصعق الكهربائي: أشارك قصتي حتى لا يشعر الناجون في المستقبل بالوحدة"، تقول مانسو، وهي معلمة في مدرسة ابتدائية وتبلغ من العمر 52 عاماً: "بدأت جميع وظائفي بالتوقف، كنتُ مُنعزلة عن نفسي. تساءلتُ إن كنتُ سأتمكن من التفكير مجددًا. كان ذلك صعبًا. أُشارك قصتي حتى لا يشعر الناجون من الصواعق في المستقبل بالوحدة". وتلفت أيضاً إلى أنها واجهت سنوات عصيبة ووجدت نفسها تكتب كطفلة تُنهي مرحلة ما قبل المدرسة. تجربة مانسو أصبحت قصة في سلسلة الوثائقي الفرنسي "الناجون من الصواعق عندما لا تميتهم الصاعقة". تعاني مانسو إلى اليوم من مشاكل في الذاكرة وآلام في الساقين والقدمين وكأنها "لسعات دبور"، لا تهدأ دون مسكنات. استعادت أيضاً مشاعر قديمة قبل ثماني سنوات مثل شعورها بالحزن على وفاة والدتها. تلقت مانسو دعماً من زوجها لمواجهة آثار الحادث، لكن ما حدث معها ساهم في بعض الأبحاث العلمية. الطبيب ريمي فوسات، الذي كان آنذاك طبيباً مقيماً في قسم الطوارئ في مستشفى أورياك، تواصل مع المجموعة التي تعرضت للصعق. كان يعمل على أطروحة دكتوراه حول الاضطرابات العصبية للناجين من الصواعق، بعد أن أثارت ظاهرة الصواعق الجماعية النادرة فضوله. وفي أوائل عام 2018، أطلق دراسة سريرية على المجموعة. وبفضل ذلك تمكن من إثبات فرضية طرحتها الخبيرة الرائدة، ماري أنييس كورتي، وهي جيولوجية في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، تقول: "يترك البرق أثراً بيوفيزيائياً في جسم الإنسان: المركبات النانوية. توجد بكميات كبيرة في الدم والبول".


الوسط
منذ 6 ساعات
- الوسط
ماذا نعرف عن "مؤسسة غزة الإنسانية" المسؤولة عن توزيع المساعدات في القطاع؟
Getty Images أعلن جيك وود، المدير التنفيذي لمؤسسة غزة الإنسانية، استقالته من المؤسسة، مؤكداً في بيان عدم إمكانية تنفيذ خطة لتوزيع المساعدات على سكّان قطاع غزة "مع الالتزام الصارم بمبادئ الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية". ورغم التلميحات التي وردت في بيان استقالة وود، إلا أنه لم يكشف بشكل صريح عن الأسباب المباشرة لاستقالته من المؤسسة، وهي منظمة مدعومة أمريكياً من المفترض أن تتولى مسؤولية توزيع المساعدات في قطاع غزة. لكن وود أكد أنه وضع خلال عمله مع المؤسسة، "خطة عملية لإطعام الجياع" في القطاع، ومعالجة المخاوف الأمنية المتعلقة بـ "تحويل مسار المساعدات"، وتكملة جهود المنظمات غير الحكومية العاملة في غزة. وكانت مؤسسة غزة الإنسانية (اختصاراً بالإنجليزية: GHF)، قد أعلنت أن شاحنات محملة بالأغذية قد وصلت إلى "مواقع آمنة" في جنوب القطاع، يوم الاثنين، وأنها بدأت توزيعها على مئات الفلسطينيين. وأفاد شهود عيان في القطاع أن آلاف الفلسطينيين اقتحموا مركز توزيع المساعدات التابع للمؤسسة، والذي كان قد بدأ العمل قرب مدينة رفح. وأضافوا أن الناس استولوا على طرود غذائية من المركز، تحت دوي إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي. ونفت المنظمة بدورها ذلك، مؤكدةً أنها تمكنت من توزيع ثمانية آلاف صندوق غذائي قبل اقتحام مركزها. ووصف شهود عيان المشهد في موقع توزيع المساعدات بأنه "فوضوي"، حيث تدافعت الحشود للاستيلاء على أي طرود غذائية متاحة. ورصد فريق بي بي سي لتقصي الحقائق بعض الوثائق والسجلات المتعلقة بمؤسسة غزة الإنسانية، ومديرها التنفيذي المستقيل، فما الذي نعرفه عنهم؟ Getty Images من هو جيك وود؟ Getty Images تسلم جيك وود جائزة "بات تيلمان" للخدمة في حفل توزيع جوائز "إيبسي" عام 2018 جيك وود هو جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية، خدم في العراق وأفغانستان ضمن وحدته العسكرية، وهي الكتيبة الثانية من الفوج السابع لمشاة البحرية الأمريكية، التي انتشرت في كلا البلدين. بدأ خدمته العسكرية سنة 2005 عقب تخرجه من جامعة ويسكونسن في الولايات المتحدة، وانعكست تجربته العسكرية هذه على عنوان كتاب ألفه: "كنتُ محارباً ذات يوم: كيف وجد أحد المحاربين القدامى مهمة جديدة تقرّبه من وطنه؟". وبعد خدمته في العراق، مُنح وود وسام التقدير من سلاح البحرية ومشاة البحرية تثميناً لـ "شجاعته في القتال". ورُقّي إلى رتبة عريف بفضل "جدارته القتالية"، قبل أن يغادر مشاة البحرية برتبة رقيب. وفي عام 2010، انتقل وود إلى مجال الأعمال الإنسانية، إذ شارك في تأسيس منظمة "فريق روبيكون" للإغاثة الإنسانية. عملت المنظمة في هايتي عقب زلزال عام 2010 للمساعدة في جهود الإنقاذ. وبين عامي 2010 و2018، شاركت المنظمة في الاستجابة للعديد من الكوارث الطبيعية، وحصلت على جائزة "بات تيلمان" للخدمة في حفل توزيع جوائز "إيبسي"، عام 2018. ما هي مؤسسة غزة الإنسانية؟ Reuters برز اسم مؤسسة غزة الإنسانية مع إعلان واشنطن عن إعداد نظام جديد لتقديم المساعدات للفلسطينيين في غزة عبر شركات خاصة، وذلك في بداية مايو/أيار الحالي. لا تملك المؤسسة موقعاً رسمياً أو صفحات على منصات التواصل الاجتماعي، لكن، وبحسب سجلات المؤسسات الخيرية على موقع Fundraiso – ومقرّه سويسرا -، الذي بحث فيه فريق بي بي سي لتقصي الحقائق، فإن منظمة غزة الإنسانية (غير الربحية) مسجلة في سويسرا. وتأسّست المنظمة في 11 فبراير/شباط 2025، ومقر عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما وجد فريق بي بي سي لتقصي الحقائق، عبر الموقع الرسمي لولاية ديلاوير، أن منظمة غزة الإنسانية مسجّلة في الولايات المتحدة. كيف تُوزع المساعدات؟ لا تزال العديد من التفاصيل اللوجستية المتعلقة بتوزيع المساعدات عبر مؤسسة غزة الإنسانية غير مفهومة. وبموجب الآلية التي وضعتها المؤسسة، يتعين على الفلسطينيين جمع الصناديق التي تحتوي على المواد الغذائية ومستلزمات النظافة الأساسية لأسرهم، من أربعة مواقع توزيع في جنوب ووسط غزة. ويتولى متعاقدون أمريكيون تأمين المواقع، بينما تقوم القوات الإسرائيلية بتسيير دوريات في محيطها. وللوصول إلى هذه المواقع، يتعين على الفلسطينيين الخضوع لفحص وتدقيق الهوية باستخدام تقنيات المقاييس الحيوية والتعرف على الوجوه، وذلك للتحقق من عدم ارتباطهم بحماس. لماذا تطال الانتقادات المؤسسة وآليتها في توزيع المساعدات؟ رفضت الأمم المتحدة والعديد من منظمات الإغاثة التعاون مع خطط المؤسسة، التي يرون أنها تتعارض مع المبادئ الإنسانية، و"تستخدم المساعدات كسلاح". وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن عمليات مؤسسة غزة الإنسانية "تشتت الانتباه عمّا هو مطلوب فعلياً"، وحثّ إسرائيل على إعادة فتح جميع المعابر. وأصرّت الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الأخرى على أنها لن تتعاون مع أي خطة "لا تحترم المبادئ الإنسانية الأساسية". وحذرت المنظمات الإنسانية من أن نظام توزيع المساعدات الذي وضعته المؤسسة سيستبعد عملياً من يعانون من صعوبات في الحركة، بمن فيهم المصابون، وذوو الإعاقة، وكبار السن، وسيجبر الناس على مزيد من النزوح، وسيُعرّض آلاف الأشخاص للأذى، وسيجعل تقديم المساعدات "مشروطاً" بأهداف سياسية وعسكرية، وسيُشكّل "سابقة غير مقبولة" في مجال إيصال المساعدات حول العالم. وقال يان إيجلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، والمسؤول السابق عن الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، لبي بي سي، إن الأشخاص "الذين يقفون وراء هذا المشروع عسكريون، بمن فيهم ضباط سابقون في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ورجال أمن سابقون". وأضاف إيجلاند، أن هناك "شركة أمنية ستتعاون بشكل وثيق مع أحد أطراف النزاع المسلح، وهو الجيش الإسرائيلي"، وذلك يتضمن تخصيص نقاط يتم فحص هوية الأشخاص عندها "وفقاً لاحتياجات أحد أطراف هذا النزاع"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن أن يُقرر طرف من أطراف النزاع أين وكيف ومَن سيحصل على المساعدات". Gaza Humanitarian Foundation/Handout via Reuters وكانت منظمة "ترايل إنترناشونال"، وهي منظمة غير حكومية مقرها سويسرا، قد أعلنت أنها قدمت طلبين قانونيين تطلب فيهما من السلطات السويسرية التحقيق في مدى امتثال مؤسسة غزة الإنسانية المسجلة في سويسرا للقانون السويسري والقانون الإنساني الدولي. وقُدّم الطلب إلى الهيئة الفيدرالية السويسرية للرقابة على المؤسسات، ووزارة الخارجية الفيدرالية السويسرية، يومي 20 و21 من مايو/أيار. وأكدت وزارة الخارجية الفيدرالية السويسرية لاحقاً لوكالة رويترز استلام الطلب. وأوضحت منظمة "ترايل إنترناشونال" أنها طلبت من وزارة الخارجية الفيدرالية السويسرية توضيح ما إذا كانت مؤسسة غزة الإنسانية قد قدمت إقراراً، وفقاً للقانون السويسري، بالاستعانة بشركات أمنية خاصة لتوزيع المساعدات، وما إذا كانت السلطات السويسرية قد وافقت على ذلك. وأبلغت وزارة الخارجية الفيدرالية السويسرية رويترز أنها تحقق فيما إذا كان هذا الإقرار مطلوباً من المؤسسة. كما تلقت المؤسسة انتقادات تتعلق بمصداقيتها. واطّلعت بي بي سي على وثيقة أصدرتها المؤسسة بشأن عملها الخيري، مكونة من 14 صفحة. وتذكر وثيقة المنظمة، اسم شخصين من ضمن المديرين الذين يعملون فيها، الأول هو ديفيد بيزلي، الفائز بجائزة نوبل للسلام بصفته الرئيس التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي في الأمم المتحدة. والثاني هو نايت مووك، الرئيس التنفيذي السابق للمطبخ المركزي العالمي. ولم يُصرّح كلّ من بيزلي ومووك عن أي معلومات بشأن مزاعم عملهما مع المنظمة. لكنهما أنكرا ذلك عندما تواصلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية معهما في 15 مايو / أيار الماضي. "مستعدون للتضحية بحياتنا" ووثقت بي بي سي شهادات من غزيّين توافدوا إلى مركز توزيع قرب رفح جنوبي القطاع، أملاً في الحصول على صندوق مساعدات. وقال شاهد عيان لبي بي سي، إنه اضطر للمشي مسافة خمسة كيلومترات للوصول إلى المساعدات، مضيفاً أنه اضطر للذهاب لأنه "لا يملك شيئاً ليأكله هو وصغاره". وتابع الشاهد بالقول: "المكان ضيق جداً في مركز التوزيع، إذا وصلت الساعة التاسعة صباحاً، ستغادر المكان الساعة الخامسة مساء، للحصول على صندوق مساعدات لا تعرف ما إذا كان يحتوي على احتياجاتك". فيما أكّد شاهد آخر أنه سُمح بإدخال المتجمهرين حول مركز المساعدات على دفعات مكونة من 50 شخصاً، مضيفاً أن الناس اقتحموا البوابات بعد ذلك للحصول على صناديق المساعدات، ما أدى إلى خروج الأمور عن السيطرة. وقال الشاهد: "هذا ذل، وقفت هنا منذ ساعات الظهيرة، نفعل ذلك بسبب المجاعة، لا شيء هناك، نريد السكر لإعداد الشاي، نريد أن نأكل رغيف خبز". لكن شاهدة عيان أخرى قالت إنها أخذت المساعدات بكل "احترام"، قائلة إنها تفضل تلك الطريقة على "الجوع الذي ذبح الناس"، وإن ما حصل "أفضل" من الحال التي يعيشها سكّان القطاع. وأضافت الشاهدة، التي بدت ساخطة خلال توثيق شهادتها: "الناس متعبة، الناس مستعدون لفعل أي شيء، مستعدون للمخاطرة بحياتهم كي يأكلوا ويطعموا أولادهم". جون أكري - مدير المنظمة الجديد عقب استقالة جيك وود، أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية تعيين جون أكري، مديراً تنفيذياً جديداً للمؤسسة. وورد اسم جون أكري في وثيقة المنظمة ضمن أسماء المؤسسين والمديرين، إذ شغل منصب "مدير المهمة" داخل المؤسسة. بحسب الوثيقة، فإن جون أكري خبير إنساني "بارز"، يملك خبرة ميدانية في عدة دول تمتد لأكثر من عقدين في مجال الاستجابة للكوارث، وبرامج تحقيق الاستقرار، والتنسيق المدني العسكري. ونفّذ خلال عمله مع شركة استشارية للتنمية الدولية، عقداً بقيمة تزيد عن 45 مليون دولار مع الحكومة الأمريكية في مجالات الإغاثة الإنسانية الإقليمية والاستجابة للطوارئ، مع إشرافٍ على أكثر من 30 دولة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. بحسب ما نشر على حسابه على منصة "لينكد إن"، وتشمل خبرته العملياتية مساعدة اللاجئين، وتنسيق سلسلة التوريد، والتعافي بعد الكوارث، ودعم الانتقال السياسي. وأمضى جون جزءاً كبيراً من حياته المهنية مع مكتب المساعدة الخارجية الأمريكية للكوارث التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بما في ذلك عمليات الانتشار في المناطق المتضررة من النزاعات كجزء من فرق الاستجابة للمساعدة في حالات الكوارث. كما نسّق عملياتٍ لوجستية وإغاثية خلال حالات الطوارئ المعقدة، بما في ذلك مناطق الحرب النشطة والكوارث الطبيعية، وذلك بـ "العمل بشكل وثيق" مع الحكومات المضيفة، ووكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية المحلية. ويحمل أكري درجة الماجستير في الإدارة العامة الدولية ودرجة البكالوريوس في الصحافة ودراسات الإعلام. مؤسسة "رحمة حول العالم" Reuters نشرت منظمة غزة الإنسانية صوراً تُظهر عملية توزيع المساعدات في غزة بتاريخ 26 مايو/أيار. ويمكن رؤية شعار مؤسسة "رحمة حول العالم" على صناديق المساعدات. ومؤسسة "رحمة حول العالم" هي مؤسسة غير ربحية مسجلة في الولايات المتحدة، وبالتحديد ولاية ميشيغان، منذ عام 2014. تنشّط المنظمة في عدة دول في إفريقيا وآسيا. كما يعمل فيها حوالي ألفي موظف ومتطوع. ساعد في الإعداد: ليندا الوكاع


الوسط
منذ 7 ساعات
- الوسط
هل يوقع أحمد الشرع على اتفاق تطبيع مع إسرائيل؟
Getty Images هل سيرتفع العلم الإسرائيلي في قلب دمشق؟ سؤال بدأ يتردد على ألسنة الكثيرين في سوريا وخارجها في ظل التطورات المتلاحقة التي تشهدها البلاد عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ولعل من أبرز تلك التطورات إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على دمشق خلال جولته الخليجية في وقت سابق من شهر مايو/أيار، والتي التقى خلالها بالرئيس الانتقالي السوري، أحمد الشرع، وحثه على التطبيع مع إسرائيل. وعقب سقوط الأسد، تواردت العديد من التقارير التي تحدثت عن لقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وعناصر في السلطة السورية الجديدة. وجاءت تلك التقارير في الفترة التي شهدت تعرض مواقع عسكرية سورية لغارات إسرائيلية. كما كشفت مصادر مطلعة "لرويترز" عن عقد إسرائيل وسوريا خلال الأسابيع الماضية لقاءات مباشرة وجهاً لوجه، في محاولة لخفض التوترات ومنع اندلاع صراع في المنطقة الحدودية بين البلدين. وفي شهر أيار/مايو، وخلال لقائه الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه، قال الرئيس السوري الانتقالي إن هناك مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء لـ"تهدئة الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة". يتقاطع حديث التطبيع بين سوريا وإسرائيل مع قضايا جغرافية وتاريخية وسياسية واقتصادية ومواقف شعبية، قد يعرقل بعضها إبرام اتفاق تطبيع، بينما قد يدفع البعض الآخر في اتجاه سلام مع إسرائيل. "وديعة رابين" خاضت سوريا ثلاث حروب ضد إسرائيل في إطار المواجهات العسكرية بين دول عربية وإسرائيل، بداية من حرب 1948، مروراً بحرب الخامس من يونيو/حزيران عام 1967، وصولاً إلى حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، إلى جانب اشتباكات ومعارك متقطعة خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990). الحروب بين البلدين كانت تنتهي باتفاقات هدنة (1949) أو فض اشتباك (1974)، أما المحصلة الميدانية لتلك المواجهات فكانت احتلالاً إسرائيلياً لمرتفعات الجولان منذ عام 1967، وحالة من العداء الرسمي طيلة عشرات السنوات، شملت استضافة الحكومة السورية فصائل فلسطينية مسلحة، وشن إسرائيل غارات على مواقع داخل سوريا، خاصة خلال فترة الصراع السوري الداخلي، الذي بدأ عام 2011. Getty Images صورة أرشيفية للرئيسين حافظ الأسد وبيل كلينتون في حقبة التسعينيات التي شهدت مفاوضات سلام بين سوريا وإسرائيل وفي بداية التسعينيات من القرن المنصرم، ومع مشاركة سوريا في حرب الخليج الثانية ضمن تحالف دولي وإقليمي ضد العراق بعد غزوه للكويت، بدا أن منطقة الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة ترعى فيها واشنطن اتفاقات سلام بين أعداء الأمس. فوقّعت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل اتفاق أوسلو، كما أبرم الأردن اتفاقاً مشابهاً، وأجريت لقاءات مباشرة بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين في إطار التمهيد لانضمام الرئيس السوري حافظ الأسد إلى قافلة التطبيع، وهو الذي كان معارضاً لاتفاق السلام بين مصر وإسرائيل في زمن الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات في نهاية سبعينيات القرن الماضي. تناولت محادثات السلام السورية الإسرائيلية العديد من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، ويٌعتقد أنها شملت ما عرف بـ"وديعة رابين" وهي مقترحات تعتمد على تعهد شفهي من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين بالانسحاب الكامل من الجولان مقابل ترتيبات تحفظ أمن إسرائيل. لكن محادثات السلام تعرضت لانتكاسة كبيرة جراء اغتيال رابين عام 1995 على يد متطرف يهودي معادٍ لاتفاقات التطبيع. ولم تفلح المفاوضات اللاحقة سواء في عهد الأسد الأب أو الأبن في حل الخلافات المتعلقة بحجم الانسحاب من الجولان والترتيبات الأمنية والسماح بوجود سوريّ على بحيرة طبرية/ بحر الجليل. المزاج الشعبي لم تغير محادثات السلام الإسرائيلية السورية من خطاب حزب البعث الحاكم، ذي التوجهات القومية العربية، داخل سوريا تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فدمشق ظلت تروج لنفسها داخلياً على أنها "مناوئة للمشروع الصهيوني"، وازداد زخم ذلك الخطاب في ظل التحالف مع حزب الله الذي خاض حرباً ضد إسرائيل في عام 2006. لكن الموقف الشعبي من حزب الله تعرّض لتحدٍ كبير في عام 2013 مع بداية مشاركة مقاتلي الحزب بجانب القوات الحكومية السورية، ما أثار امتعاض الفريق السوريّ المناوئ للأسد. وكان من الطبيعي أن تلقي تلك التغيرات التي شهدتها سوريا في سنوات الصراع الداخلي بظلالها على الموقف الشعبي من الاستقطابات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. إذ يبدو أنه لا يوجد اليوم موقف واحد جامع للسوريين فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل، وهي التي تخوض حرباً في غزة عقب الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. رهف الدغلي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة لانكستر، ترى أنه يمكن تقسيم المواقف في سوريا حالياً حيال قضية التطبيع إلى ثلاثة معسكرات: المعسكر الأول - والذي ترى أن حجمه ليس بالقليل إن لم يكن الأكبر عدداً - يضم من يريدون وضع نهاية للأوضاع المأساوية التي تعيشها سوريا منذ عام 2011، لذا فإنهم قد يقبلون بالسلام مع إسرائيل ليس من باب التعاطف معها، بل لمنح البلاد فرصة للتعافي من حرب قتل فيها نظام بشار الأسد من السوريين أكثر ممن قُتلوا في الحروب مع إسرائيل. بينما يعارض الفريق الثاني إبرام النظام الحالي - ذي الصفة الانتقالية - اتفاق سلام مع إسرائيل من دون تخويل شعبي - خاصة وأن الشرع لم ُينتخب. ويضم المعسكر الثالث المعارض للتطبيع بشكل عام فئات عدة، من بينها قطاع من أبناء الأقليات الذين يخشون من عمليات انتقامية بحقهم من قبل المسلحين الرافضين للتطبيع - ممن يرون أن الأقليات "تتعاون مع إسرائيل". Getty Images شهدت سوريا تظاهرات منددة بالحرب الإسرائيلية في غزة لكن، هل يمكن الآن قياس حجم الدعم أو الرفض الشعبي في سوريا حيال إبرام اتفاق تطبيع مع إسرائيل؟ المركز السوري لدراسات الرأي العام (مدى)، وهو مؤسسة بحثية تعرّف نفسها بالمستقلة، أصدر في نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي نتائج استطلاع للرأي أجراه على 2550 سوريا من عموم المحافظات حول قضية التطبيع، جاء فيه أن 46.35 في المئة من العينة المستطلَعة لا يؤيدون توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، مقابل 39.88 في المئة من المؤيدين، بينما قال 13.76 في المئة إنهم غير معنيين أو غير مهتمين. ويصف المشرفون على الاستطلاع نسبة المؤيدين بـ"العالية"، عند الأخذ بعين الاعتبار "الموقف العام في السابق من إسرائيل وعملية السلام". لكن كان من الملاحظ أن نسبة المعارضين لوجود "تمثيل دبلوماسي" بين البلدين بلغت نحو 60 في المئة مقابل نسبة المؤيدين التي وصلت إلى ما يقرب من 17 في المئة. الجولان المحتل الدكتور كمال العبدو، عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الشمال في إدلب، يرى أن معارضي التطبيع "هم الأغلبية" وهو ما يمثل إحدى أبرز العقبات أمام إبرام اتفاق سلام. لكن قائمة العقبات الرئيسية تشمل أيضاً قضية مرتفعات الجولان المحتلة، بحسب الأكاديمي السوري. مرتفعات الجولان تقع في جنوب غرب سوريا وتبلغ مساحتها حوالي 1,200 كيلومتر، لكن أهمية المنطقة الاستراتيجية تزيد بكثير عن حجمها إذ إن طبيعتها الجغرافية وموقعها المرتفع يمنحان من يسيطر عليها موقعاً متميزاً بين سوريا وإسرائيل. BBC احتلت إسرائيل أغلبية مرتفعات الجولان عام 1967 لينزح الجزء الأكبر من سكانها إلى الداخل السوري، وعام 1974 أبرم الجانبان اتفاقاً لفك الاشتباك عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 نص على إنشاء منطقة عازلة بين القوات الإسرائيلية في الجزء الغربي من الجولان والقوات السورية في الجزء الشرقي، ليسود الهدوء المنطقة الحدودية بين الجانبين لعشرات السنين. ضمّت إسرائيل مرتفعات الجولان من جانب واحد في عام 1981. ولم يُعترف بهذه الخطوة دولياً، رغم أن إدارة ترامب الأمريكية اعترفت بها عام 2019. وأنشأت إسرائيل أكثر من 30 مستوطنة في الجولان يعيش فيها نحو 20 ألف مستوطن إسرائيلي. وعقب سقوط نظام الأسد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن اتفاقية فض الاشتباك قد انهارت وأمر قواته بالتقدم إلى المنطقة العازلة. لكن هل يمكن أن تكون مرتفعات الجولان ورقة تفاوض بين سوريا وإسرائيل في إطار اتفاق للتطبيع بين البلدين في ظل كل تلك التطورات؟ إيهود ياري، محلل شؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية عشرة الإسرائيلية أعرب عن اعتقاده بـ"عدم وجود أي مسؤول سياسي في إسرائيل مستعد الآن للتخلي عن الجولان". في المقابل، فإن الأكاديمي السوري كمال العبدو يرى أن السلطة الانتقالية الحالية لا تستطيع التنازل عن الأراضي السورية المحتلة. ألكساندر لانغلوي، محلل السياسة الخارجية الأمريكية المختص بشؤون غرب آسيا، يعتقد أن السلطة الحالية في سوريا لن تقدم على إبرام اتفاق سلام شامل مع إسرائيل في المستقبل القريب، فإبداء الشرع اهتمامه بالتطبيع "هو جزء من لعبة دبلوماسية أكبر تهدف إلى الحصول على المساعدة والاعتراف من الغرب". فهل يعني هذا أن فرص إحلال السلام بين سوريا وإسرائيل ستتحطم على صخرة قضية الجولان؟ "تفاهمات" بينما يستبعد الدكتور كمال العبدو إمكانية التوصل إلى اتفاق تطبيع بين سوريا وإسرائيل في الوقت الحالي، إلا أنه يشير إلى إمكانية أن يتوصل الجانبان إلى "تفاهمات معينة" برعاية إقليمية تناقش ترتيبات حول أمن الحدود والانتشار العسكري، بجانب توفير ضمانات لإسرائيل بعدم الاعتداء عليها. كما يضيف أنه من الممكن أن تشمل الاتفاقات "تأجير الجولان لفترة معينة كما حدث في غور الأردن في اتفاقية وادي عربة". من جهته، يقول الصحفي الإسرائيلي إيهود ياري إن هناك قناعة في أواسط الطبقة السياسية والعسكرية في إسرائيل بأنه يمكن التوصل إلى "تفاهم مهم" مع دمشق "ربما لن يكون تطبيعاً شاملاً مثلما هو الحال في الاتفاقيات الإبراهيمية لكن هذا التفاهم يمكن أن يقود إلى ترتيبات حول مصالح مشتركة مثل الأمن والحدود". ويشير ياري إلى إمكانية إبرام اتفاقيات أمنية جديدة بين سوريا وإسرائيل تحل محل اتفاقية فك الارتباط لعام 1974. كما يمكن أن تشمل تلك التفاهمات تطبيعاً بين مكوّنات دينيّة داخل سوريا (مثل طائفة الدروز) وإسرائيل. شكّل دروز سوريا محور اهتمام خاص من قِبل إسرائيل عقب سقوط نظام بشار الأسد، وهو اهتمام تجلّى في عدة أحداث، أبرزها غارة إسرائيلية استهدفت منطقة قرب القصر الرئاسي في دمشق، عقب اشتباكات ذات طابع طائفي بالقرب من دمشق، وصرّح حينها بنيامين نتنياهو بأنها تمثّل "رسالة إلى النظام السوري مفادها أن إسرائيل ملتزمة بحماية دروز سوريا". المسلحون جاء سقوط نظام بشار الأسد في ظل تطورات ضخمة شهدتها منطقة الشرق الأوسط؛ فالحرب الإسرائيلية في غزة تجاوزت القطاع لتصل إلى لبنان الذي شهد مواجهات بين إسرائيل وحزب الله، أبرز حلفاء بشار الأسد. وعقب الخسائر التي تكبدها حزب الله، تقدمت الجماعات المسلحة المعارضة بسرعة كبيرة لتسيطر على المدن السورية واحدة تلو الأخرى وصولاً إلى دمشق. وكانت هيئة تحرير الشام الإسلامية المتشددة - التي كانت مدرجة على قوائم الإرهاب تحت قيادة الشرع - على رأس تلك القوات التي وضعت نهاية لحكم آل الأسد. وبعد الإطاحة بحكم الأسد، أُعلن عن التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه حل الفصائل المسلحة ودمجها في القوات الحكومية. أما الشرع، الذي تخلى عن لقب أبو محمد الجولاني، فقد بدأ يغير خطابه ليتخلى عن النبرة الجهادية المتشددة. ولكن هل تقبل العناصر المسلحة، ذات الخلفية الإسلامية المتشددة التي قادها الشرع في حملة الإطاحة بنظام الأسد، باتفاق سلام مع إسرائيل أو حتى تفاهمات أمنية؟ Getty Images قادت تحرير الشام حملة الإطاحة بنظام الأسد ترى الدكتورة رهف الدغلي أن الشرع "غير قادر على فرض التطبيع الكامل" على المقاتلين الإسلاميين، سواء كانوا أجانب أو سوريين، "الذين يتخذون موقفاً راديكالياً داعما للقضية الفلسطينية". وبينما يتفق الدكتور كمال العبدو مع الحديث عن كون المسلحين الإسلاميين مؤيدين بشدة للقضية الفلسطينية، فإنه يشير إلى أن التفاهمات المستقبلية المحتملة قد تشمل محاربة التيارات المتطرفة وإبعاد "الجماعات الراديكالية" عن الحدود مع إسرائيل. وبعيداً عن الجماعات الموالية للشرع، يرى الصحفي الإسرائيلي إيهود ياري أن هناك الكثير مما يجب على السلطة في سوريا فعله، وقد تم جزء منه بالفعل، فيما يتعلق بالتنسيق لمواجهة حزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة التي كانت تحظى بدعم الأسد، وبعض المحاولات من قبل حماس لتأسيس قاعدة لها . وكان ترامب قد دعا الشرع إلى طرد من وصفهم بـ"الإرهابيين الفلسطينيين". الاقتصاد جاء إعلان الرئيس الأمريكي عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا ليثير فرحة عارمة داخل البلد، الذي يعاني اقتصادياً جراء نحو 14 عاماً من الاقتتال الداخلي. ورغم أن ترامب لم يربط بين رفع العقوبات والتطبيع مع إسرائيل إلا أن هناك فريقاً من السوريين قد يرى أن السلام مع إسرائيل سيؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية. فبحسب استطلاع الرأي الذي أجراه المركز السوري لدراسات الرأي العام فإن نحو 70 في المئة من العينة المستطلع رأيها يعتقدون أن السلام مع إسرائيل سيؤدي إلى قدوم الاستثمارات العربية والدولية إلى البلاد. لكن الدكتور كمال العبدو لا يعتقد أن التطبيع مع إسرائيل قد يؤدي بالضرورة إلى الرخاء، مستشهداً بالأوضاع الاقتصادية الصعبة في مصر التي أبرمت اتفاق سلام مع إسرائيل منذ نحو 45 عاماً. في المقابل يقول الصحفي الإسرائيلي إيهود ياري إن إسرائيل يمكن أن تساعد في حل أزمة الطاقة التي تعاني منها سوريا عبر ضخ الغاز من إسرائيل إلى سوريا ولاحقاً إلى لبنان. وهكذا، فإنه وبينما يستبعد محللون فرص تطبيع شامل أو قريب بين إسرائيل وسوريا، إلا أنهم يرون أن إمكانية التوصل إلى تفاهمات ربما تؤدي إلى ضبط الحدود بين البلدين بجانب تعاون في مجالات عسكرية وأمنية - تحُول دون تدهور الأوضاع في سوريا وانتقال تبعاتها إلى المنطقة الحدودية.