logo
لماذا فشل النمو المطرد لحركة السفر في توحيد العالم؟

لماذا فشل النمو المطرد لحركة السفر في توحيد العالم؟

البيان١١-٠٥-٢٠٢٥

جانان غانيش
تشهد حركة السفر الدولي نمواً مطرداً منذ عقود، ومع ذلك تتصاعد في الوقت ذاته موجات الانغلاق والقومية. وهذا التناقض يتحدى المنطق السائد. ورغم أن أحداً لم يزعم - باستثناء قلة أو مارك توين في سخريته المعهودة - أن السفر وحده كفيل بالقضاء التام على التعصب، إلا أن المنطق كان يقتضي تراجع العداوات، مع ازدياد احتكاك الشعوب ببعضها البعض.
والشواهد على هذه المفارقة لا تُعد ولا تُحصى - فالعلاقات الصينية الغربية دخلت مرحلة من التوتر المتصاعد منذ 2012، رغم أنها جاءت عقب حقبة ذهبية، شهدت تدفقاً غير مسبوق للطلاب والسياح بين الوجهتين. وفي أوروبا، نجد أن البريطانيين والإيطاليين - وهم من أكثر شعوب العالم ولعاً بالترحال - انحازوا في العقد الأخير لخيارات سياسية ذات صبغة قومية واضحة. أما في الولايات المتحدة، فالمفارقة أشد وضوحاً: ففي عام 1995، لم تتجاوز نسبة من يخططون للسفر خارج البلاد 8 %، لترتفع إلى ما يزيد على الخُمس بحلول 2023 – ففي أي الحقبتين كانت أمريكا أكثر انفتاحاً وتفاعلاً مع العالم؟.
لقد تحولت نبوءة مارك زوكربيرغ حول قدرة التواصل الإلكتروني على «جمع شمل العالم»، إلى مادة للتندر، لكن الناس على الأقل يجترئون على الاعتراف بهذا الإخفاق. وفي الأوساط الأوروبية، لا تزال الإشارة إلى أن نسبة كبيرة من الأمريكيين لا يحملون جوازات سفر، كفيلة بانتزاع الضحكات في مآدب المتذاكين، متجاهلين حقيقة أن جواز السفر لم يكن مطلوباً في رحلات معينة قبل 2007. ولكن حتى لو تجاوزنا هذه الإشكالية، يبقى السؤال: وماذا يعني ذلك فعلاً؟.
وفي حين كانت نسبة حاملي جوازات السفر بين الأمريكيين لا تتعدى 3 %، اختارت أمريكا جورج بوش الأب - الدبلوماسي المخضرم ومدير الاستخبارات السابق، والرئيس الأكثر توجهاً نحو العالم. أما اليوم، ومع اقتراب النسبة من النصف، يتربع دونالد ترامب على كرسي الرئاسة.
فما سر إخفاق السفر إذن؟ التفسير الأكثر تفاؤلاً، هو أن عوامل أخرى، مثل الهجرة، هي التي غذت النزعة القومية المتصاعدة بقوة، وأن الأوضاع كانت ستزداد سوءاً، لولا الطفرة الهائلة في أعداد المسافرين. وثمة تفسير آخر، مفاده أن الزيادة الحاصلة في السفر، تعود بمعظمها إلى فئات كانت تحمل أصلاً توجهات منفتحة، بينما يواصل أولئك الأحوج للاحتكاك بالآخر، تجنب هذه التجربة.
لا شك أن هذه التفسيرات منطقية، لكن ثمة احتمالاً ثالثاً لا يقل وجاهة: ربما كان الخطأ الأساسي يكمن في تحميل السفر أكثر مما يحتمل من مزاعم مثالية. فلو صحّ أن الاختلاط عبر الحدود يعمق روابط التعاطف الإنساني، لتمتعت أوروبا بتاريخ أقل اضطراباً. والحقيقة أن بإمكان المرء أن يكون قومياً متعصباً، رغم اطلاعه الواسع على العالم، كما يمكنه التفاعل مع ثقافة ما، مع رفضها في الوقت ذاته. وإلا لكانت الفترات التي أمضاها لينين، وهو تشي منه، وتشوان لاي، كفيلة بانتزاع أفكارهم المتشددة، بدلاً من أن تعمق إدراكهم للاختلافات الحضارية.
لا ريب أن السفر متعة لا تُضاهى، وقد يشكل إضافة معرفية قيّمة لمن يصل إلى وجهته مزوداً بقراءات مسبقة - شريطة ألا يقع في فخ المبالغة في تقدير ما يشاهده شخصياً. لكن هل السفر حقاً جسر للتواصل الإنساني.. أو تذكير بالوحدة الجوهرية للبشرية؟ لو كان كذلك، لتوقعنا تراجع المشاعر القومية، لا اندلاعها، خاصة في عصر الطيران الميسور، والستار الحديدي المنهار، والصين المنفتحة على العالم في كلا الاتجاهين.
ولتفسير هذا التناقض، يحاول البعض التفريق بين «السياحة» السطحية و«السفر» الحقيقي - وهو تمييز أراه مجرد تصنيف طبقي، لا يختلف عن التفريق بين «المغتربين» و«المهاجرين».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العلاقات الأمريكية الصينية.. بين الصدام والاحتواء
العلاقات الأمريكية الصينية.. بين الصدام والاحتواء

البيان

timeمنذ 5 ساعات

  • البيان

العلاقات الأمريكية الصينية.. بين الصدام والاحتواء

ففي الوقت الذي تلوح فيه بوادر تهدئة اقتصادية، لا تزال الملفات الخلافية الكبرى مفتوحة على مصراعيها، ما يثير تساؤلات أساسية حول ما إذا كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تقف على أعتاب منعطف حاسم، أم أن ما يجري لا يعدو كونه محطة مؤقتة في مسار تنافسي طويل الأمد؟ وهي معادلة لا تزال قيد التشكّل، لكنها قد تحدد ملامح المشهد الدولي في العقد المقبل، ما لم تنزلق الأمور مجدداً إلى منطق التصعيد المفتوح. فإن فك الارتباط الكامل بين أكبر اقتصادين في العالم ليس مطروحاً حالياً.. فالمعركة الحقيقية تدور حول من سيعيد تشكيل قواعد الاقتصاد العالمي في المرحلة المقبلة». وقد ترجم هذا الخطاب نفسه في سلسلة من الإجراءات المتبادلة، ولا سيما الاقتصادية والتجارية، ما عمّق الهوة بين أكبر اقتصادين في العالم، ورسّخ التحول من الشراكة التبادلية إلى منافسة استراتيجية مفتوحة. لكنّ نقاط الخلاف والمنافسة لا تزال حاضرة بقوة، وخصوصاً في ملفات حساسة مثل تايوان، وحقوق الملكية الفكرية، والنفوذ العسكري في بحر الصين الجنوبي، وهي قضايا تُعدّ جوهرية في الصراع الجيوسياسي بين واشنطن وبكين. ورغم ذلك، يرى مراقبون أن مناخ التهدئة الاقتصادي قد يفتح الباب أمام قنوات دبلوماسية أكثر فاعلية، تتيح مناقشة القضايا الخلافية من موقع أقل توتراً. إذ يميل الطرفان إلى إدارة الصراع لا تفجيره، في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه كلا النظامين. ومن شأن هذا المسار أن يرسل طاقة إيجابية للأسواق العالمية، ويعزز مناخ الثقة، وخاصة في قطاعات الزراعة، والتكنولوجيا، والسيارات الكهربائية، وأشباه الموصلات وغيرها من المجالات الحيوية. ويُعتقد بأن أي تحول فعلي سيبقى رهناً بإرادة سياسية تتجاوز لغة المصالح الضيّقة وتُدرك حجم التهديدات التي قد تنجم عن استمرار الحرب الباردة الجديدة بصيغتها الاقتصادية والتكنولوجية. ويشير خبير العلاقات الدولية، الدكتور جاد رعد، في هذا السياق إلى أنه في ضوء الإعلان الأخير عن تفاهم بين الصين والولايات المتحدة، لا بد من التذكير بأن هذا النوع من الإعلانات لا يعني بالضرورة تطبيق تفاهم فعلي أو التوصل إلى هدنة حقيقية، ولا سيما عندما يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طرفاً في المعادلة.

عالِم سياسة: لا خوف على العالم من امتلاك الصين التكنولوجيا الحديثة
عالِم سياسة: لا خوف على العالم من امتلاك الصين التكنولوجيا الحديثة

الإمارات اليوم

timeمنذ 6 ساعات

  • الإمارات اليوم

عالِم سياسة: لا خوف على العالم من امتلاك الصين التكنولوجيا الحديثة

تناولت مجلة «هنغاريان كونسيرفيتف» محاور مهمة في السياسة الخارجية للصين مع عالِم السياسة الصيني ومدير معهد الدراسات الدولية بجامعة «تسينغهوا»، يان شيويتونغ، حيث شملت هذه المحاور المحادثات التجارية بين أميركا والصين، وخوف العالم من النهوض الصيني، وشعور دول الجوار من المناورات التي تجريها الصين في المنطقة. . هل تعتقد أن أميركا والصين ستتوصلان إلى اتفاق نهائي في ما يتعلق بالمحادثات التجارية الجارية بينهما؟ وما الذي تتوقعه من هذه المحادثات؟ وإذا لم تُفضِ هذه المحادثات إلى حلول عملية، فما توقعاتكم بشأن الرسوم الجمركية على المدى القصير؟ .. هذه مجرد خطوة أولى للحفاظ على قناة الحوار الرسمية، ولا يُمكن أن نتوقع أن يتوصل البلدان إلى أي اتفاق ملموس بمجرد محادثة أو نقاش، وإذا لم يتوصلا إلى اتفاق فأعتقد أن ذلك طبيعي وليس كارثة، إذ يُمكنهما عقد اجتماع آخر، وإذا لم يتوصلا إلى اتفاق في المرة المقبلة فيُمكنهما عقد جولة ثالثة أو رابعة، وطالما استمرا في هذا النوع من الحوار السياسي، فيُمكنهما إيجاد بعض الحلول في المستقبل. . الصين لها باع طويل جداً في الذكاء الاصطناعي والابتكار والتكنولوجيا، ومن يملك التكنولوجيا يحكم العالم، فإذا كانت الصين هي من تملك المعرفة وتحكم العالم، فسيكون عالمنا مختلفاً، وهو ما يخشاه الكثيرون، ألا تعتقد ذلك؟ .. أعتقد أن هذا خطأ مُطلق، وسواء في العصر الحديث أو في العصور القديمة، لطالما كان هناك دول لديها تكنولوجيا أكثر تقدماً من غيرها، وهذا ليس بجديد، إنها مجرد دول مختلفة، وعلى سبيل المثال خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، تمتعت الولايات المتحدة بميزة تكنولوجية أكبر من غيرها، ولم يخشى الصينيون ذلك قط، ونعتقد أنه إذا كان لدى جهة ما تكنولوجيا أفضل منّا، فعلينا أن نتعلم منها، وأن نسعى للمنافسة واللحاق بها، لذا عندما يخشى البعض من عدم امتلاكهم التكنولوجيا المتقدمة نفسها التي تمتلكها الصين، فهذا يعني وجود مشكلة في عقليتهم، فهم لا يعرفون كيفية التعامل مع الوضع، ومن المستحيل جعل كل دولة تمتلك القدرة التكنولوجية نفسها، سيكون هناك دائماً من لديه تكنولوجيا أكثر تقدماً من غيره، هذا أمر طبيعي، لذا يجب أن نُكيّف عقليتنا مع هذه الحقائق، وليس هناك ما يخشاه العالم إذا امتلكت الصين التكنولوجيا الحديثة. . راقب سياسيون غربيون عن كثب استعادة بلادكم لسيادتها على هونغ كونغ، ودول آسيوية تشعر بالقلق من إجراء الصين مناورات عسكرية قرب المياه الإقليمية لدول أخرى، فما تعليقكم على ذلك؟ .. أعتقد أن هذا السؤال معقد بعض الشيء، وأن سؤالك يُمثل سوء فهم لدى الكثيرين للحقائق، هونغ كونغ مدينة صينية وليست دولة، وتايوان مقاطعة صينية وليست دولة، وتبحر السفن الحربية الصينية في بحر الصين الجنوبي، وهي مياه عامة، وليست تابعة لأي دولة، لذا أعتقد أن هناك سوء فهم. . لنتحدث عن خوف اليابان والفلبين وأستراليا من التهديد الصيني.. هل هو شعور حقيقي بالتهديد أم لا؟ .. أعتقد أن الحكومات الحالية لهذه الدول، اليابان والفلبين، تستخدم النزاعات الإقليمية كأداة لترسيخ حكمها الداخلي. لا علاقة للأمر بالنزاعات الإقليمية. على سبيل المثال شهدت الصين واليابان والفلبين هذا النوع من النزاعات البحرية لعقود. تربطنا علاقات وثيقة للغاية، ونتعاون في ما بيننا، وأحياناً لا نستطيع ذلك، وبرأيي الشخصي عندما ترغب حكومات هذه الدول في التعاون مع الصين، تدّعي ببساطة أن بإمكاننا تسوية هذه النزاعات حفاظاً على علاقاتنا الاقتصادية والسياسية والأمنية، لكن عندما تواجه مشكلات داخلية تستغل هذه القضايا لتبرير سياستها المتشددة ضد الصين، ولإظهار صمودها، ولجذب الناخبين للتصويت لها، لذا أعتقد أن هذه المشكلات ناجمة بالأساس عن سياساتها الداخلية لا عن علاقاتها الدولية. عن «هنغاريان كونسيرفيتف»

الصين تطالب أميركا باستقرار النظام المالي الدولي
الصين تطالب أميركا باستقرار النظام المالي الدولي

الإمارات اليوم

timeمنذ 6 ساعات

  • الإمارات اليوم

الصين تطالب أميركا باستقرار النظام المالي الدولي

دعت الصين الولايات المتحدة، أمس، إلى اتخاذ تدابير سياسية مسؤولة من أجل الحفاظ على استقرار النظام المالي والاقتصادي الدولي وحماية مصالح المستثمرين. جاء ذلك على لسان متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، خلال إفادة صحافية يومية، رداً على سؤال بشأن تخفيض وكالة «موديز» التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة، بسبب المخاوف المتعلقة بتزايد ديونها. وكانت «موديز» خفضت تصنيف ديون الولايات المتحدة، ما أدى إلى حرمانها من آخر تصنيف ائتماني مثالي لها، وقد تهز هذه الخطوة الأسواق المالية وترفع أسعار الفائدة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store