logo
سائقو توصيل الطلبات في بريطانيا تحت ضغط ملاحقة السلطات وتوجس العامة

سائقو توصيل الطلبات في بريطانيا تحت ضغط ملاحقة السلطات وتوجس العامة

العربي الجديدمنذ 3 أيام
تزدحم مفارق شارع "بورتوبلو روود" السياحي في غرب لندن، بعشرات الدراجات الكهربائية والبخارية، التي تذهب وتجيء في سباق لا يتوقف أمام أبواب المطاعم التي يزخر بها الشارع. على كل واحدة منها صندوق لحفظ الوجبة التي من المفترض أن تصل ساخنة وطازجة إلى عنوان ينتظرها خلال دقائق. تحمل الصناديق أيضا علامة حرف "L" للإشارة إلى أن السائق لم يحصل على رخصة القيادة النهائية بعد، إضافة إلى اسم أحد التطبيقات التي يعمل سائقو الدراجات معها مثل "أوبر إيتس" أو "ديليفرو" أو "جست إيت"، وهي تطبيقات تقدر قيمتها السوقية بمليارات الدولارات في حين تصنف معاناة العاملين لديها ضمن ضحايا "العبودية الحديثة"، حسب تقارير حقوقية ومنظمات خيرية بريطانية.
ومثلت ظاهرة التوصيل الفوري للطعام إلى منازل الزبائن استجابة عملية لتحديات الإغلاق والقيود الصحية التي فرضتها
جائحة كوفيد
على بريطانيا في الفترة من 2020- 2022، فضمنت بقاء قطاع المطاعم والمتاجر مفتوحاً في فترات الإغلاق. لكن ما تخيل كثيرون أنها ظاهرة مؤقتة، قد تزول مع زوال أسبابها، نمت وتزايدت بفعل تعود البريطانيين، خاصة في المدن الكبرى، على نمط مريح للحصول على وجباتهم بتكلفة ضئيلة، إذ تشير التقديرات إلى أن 13 مليون بريطاني يستخدمون منصات توصيل الطعام والمشتريات في الوقت الراهن.
تقدر قيمة هذا القطاع حالياً بحوالي 13 مليار جنيه إسترليني (حوالي 17.5 مليار دولار)، بينما يقدر عدد المنتسبين للعمل فيه بحوالي 300 ألف شخص يصنفون في إطار "العمالة الرخيصة" أو عمالة الهامش، التي يراها الكثيرون على الطرقات وأمام المطاعم والمتاجر، لكنهم لا يعرفون الكثير عن ظروف عملها.
رغم أن هذا القطاع يمنح العاملين فيه حرية اختيار العمل وقتما يريدون، فإنه يحرمهم من حقوق أساسية تضمنها عقود العمل التقليدية
وتزايد التوجس تجاه العاملين في هذا القطاع أخيراً بعدما ربط سياسيون محافظون ويمينيون بينه وبين المهاجرين بصورة غير نظامية إلى بريطانيا، وهو ما دفع الحكومة إلى ممارسة ضغوط على منصات التوصيل الكبرى لتشديد التدقيق على العاملين لديها. معظم من تحدثوا لـ"العربي الجديد"، رفضوا نشر مشاركاتهم حتى تحت أسماء مستعارة. بعضهم يشعرون بالخجل من ممارسة هذا العمل ويعتبرونه مؤقتاً أو لأسباب قهرية، وآخرون يمارسونه- بشكل غير قانوني - لأنه النافذة الوحيدة المتاحة للحصول على دخل بينما ينتظرون تقنين أوضاع إقاماتهم، وهو أمر تنبهت إليه الحكومة في الأسابيع الأخيرة وبدأت التضييق عليه بشدة.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
تأميم ثاني شركة خاصة لتشغيل القطارات في بريطانيا
مسار اضطراري
يُمضي "علي" (اسم مستعار)، القادم من كردستان العراق، 14 ساعة في اليوم ولستة أيام في الأسبوع على ظهر دراجته إما سائقاً لتوصيل وجبة طعام أو منتظراً أمام مطعم لاستلام "أوردر" جديد. كان يتصفح هاتفه وهو لا يزال مرتدياً خوذته عندما طلبت الحديث معه فرفض بداية مبرراً ذلك بأن إنكليزيته ضعيفة، ولا يستطيع التواصل مع الإعلام، لكنه قبل الحديث معي بالعربية لدقائق حتى يصبح "الأوردر" جاهزاً، مشترطاً عدم ذكر اسمه الحقيقي.
يقول علي إنه يعمل في هذا المجال منذ سبع سنوات لأنه "لم يجد عملاً آخر، ومعظم الأعمال المتاحة ستكون أكثر مشقة أو خارج لندن حيث أقيم مع زوجتي". ويضيف: "رغم ذلك فلا ضمانة لدخل ثابت أو استمرار في العمل يتراوح دخلي بين 100 جنيه إسترليني في اليوم (14 ساعة عمل) و140 جنيها حداً أقصى، وطبعاً لا دخل في حالة المرض أو الأسباب القاهرة". وبحسبة بسيطة فإن أجر الساعة لعلي عند حده الأدنى هو 7 جنيهات وفي حده الأقصى 11 جنيهاً، قبل خصم الضرائب وتكاليف الوقود وصيانة الدراجة التي يستخدمها، وفي الحالتين- الأدنى والأقصى- يقل دخله كثيراً عن الحد الأدنى للأجر الذي يمكن العيش به في لندن وتقدره الحكومة بحوالي 13.8 جنيهاً للساعة.
حين تلاحظ عن كثب العاملين في توصيل الطعام في شوارع لندن ومناطقها المختلفة، ستدرك على الفور أنهم ينتمون إلى فئات محددة دون سواها، طلاب الجامعات الذين يبحثون عن مصدر دخل إضافي لمواصلة دراستهم، أو أبناء أقليات في أدنى السلم الطبقي، أو المهاجرون الجدد. وهو ما يفسره "أمين" -وهو اسم مستعار أيضاً- بأنه نتيجة لسياسات التوظيف "العنصرية" في بريطانيا.
توقف أمين، القادم من سورية، أخيراً عن العمل لدى تطبيقات توصيل الطعام، بعد فترة كان خلالها مصدر دخله الرئيسي. يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يحمل مؤهلاً أكاديمياً طبياً، وكان يُدرّس بإحدى الجامعات في لندن بينما ينتظر البتّ في طلبه للحصول على اللجوء. يضيف: "فقدت وظيفتي بالجامعة ولم يكن بوسعي تغيير عنواني حتى أتلقى رداً من وزارة الداخلية، فكان هذا العمل واحداً من الأعمال القليلة المتاحة دون تدقيق كبير، وهو أيضاً ما يجعل العاملين فيه عرضة للاستغلال". ويتابع: "أحيانا كنت أقود الدراجة لنصف ساعة لتوصيل طلب واحد، ولا يكترث أحد لذلك، لا يوجد إحساس بالانتماء لفريق أو العمل مع مجموعة، فهو عمل طبيعته العزلة، الكل يلهث بحثاً عن كسب سريع مع نهاية يوم عمل شاق، والتطبيقات تعرف ذلك فتستغل الجميع". قرر أمين التوقف عن العمل بعد مواجهة ما يصفه بممارسات "عنصرية ومجحفة" فالتطبيقات لا تتوقف عن استغلال السائقين وهم في أغلبهم "من المجموعات الهامشية ممن يضطرون بسبب عائق اللغة أو سياسات التوظيف العنصرية للعمل بهذا القطاع لعدم وجود خيار آخر"، بحسب قوله.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
بريطانيا: تراجع حاد لنشاط البناء بأسرع وتيرة منذ كورونا
لكن إبراهيم (اسم مستعار) القادم من دارفور في رحلة لجوء استمرت لأكثر من عامين قبل أن يصل إلى بريطانيا، يقول إنه اختار هذا العمل لأنه لا يوجد أمامه بديل حيث لا يحمل أوراقاً رسمية، "أعيش في لندن وأستخدم تطبيق صديق يعيش في مانشستر، وعندما يبدأ العمل بتدقيق بصمة الوجه سيكون وضعي صعبا للغاية وسأفقد هذا العمل". يقول إبراهيم، الذي اشترط أيضاً عدم ذكر اسمه الحقيقي، إنه لا يدفع مقابلاً لصديقه، لكن إيجار التطبيق يتراوح بين 50 و70 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع أي ما يصل إلى مائة دولار.
تزايد التوجس تجاه العاملين في هذا القطاع أخيراً بعدما ربط سياسيون محافظون ويمينيون بينه وبين المهاجرين بصورة غير نظامية إلى بريطانيا
وحده أحمد، وهو شاب عشريني يدرس إدارة الأعمال في لندن تحدث بإيجابية عن تجربة عمله مع تطبيقات توصيل الطعام. التقيته أمام محطة مترو الأنفاق في "نوتنغ هيل" كان ينتظر تجهيز طلب لتوصيله. وقال لي إنه قدم إلى بريطانيا من تشاد بتأشيرة شرعية قبل سنتين لدراسة الماجستير وإنه يعمل في توصيل الطعام خلال عطلة نهاية الأسبوع فقط، حيث لا تسمح القوانين للطلاب بالعمل أكثر من 20 ساعة أسبوعياً. وأضاف أن "التطبيقات تمنحني حرية العمل في الوقت الذي يناسب دراستي، وتوفر لي دخلاً معقولاً يساعدني في مصاريف الدراسة". يتراوح دخل أحمد بين 50 و60 جنيهاً في وردية تستمر 8 ساعات، يدفع منه إيجار الدراجة الهوائية. يتابع: "يمكن أن يكون الدخل أكبر لو كان معي دراجة كهربائية، لكني أقبل "المشاوير" القصيرة داخل حدود المنطقة، وهذا يكفيني في الوقت الراهن".
بذور الاستغلال
ضمن سلسلة تقارير عن أوضاع العمال المهمشين في ظروف خطرة، تصف منظمة "Unseen" الخيرية، التي تنشط في مكافحة استغلال العمالة والعبودية الحديثة، آليات العمل في قطاع توصيل الطعام بأنها تعزز استمرار استغلال العاملين وتجاهل حقوق العمل الأساسية الخاصة بهم. وتقول جاستين كارتر نائب رئيس المنظمة في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن غياب الحماية القانونية للعاملين في توصيل الطعام يتفاقم بفعل المنافسة الحادة في عروض الأسعار بين التطبيقات والمتاجر الكبرى، فلكي تحافظ على أرباحها تطرح التطبيقات على زبائنها أسعاراً مخفضة وتوصيلاً أسرع، وهو تنافس يدفع ثمنه العاملون في هذا القطاع، الذين يُجبرون على قبول أجور أقل وساعات عمل أطول للحفاظ على مستوى دخولهم".
قضايا وناس
التحديثات الحية
الاتجار بالبشر... "العبودية الحديثة" تتوسّع عالمياً
وتشير كارتر في تصريحاتها لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه الضغوط "تنعكس بشكل مباشر على ظروف العمل السيئة للعمال. فبدلاً من الأجر بالساعة، يحصلون على أجر مقابل كل توصيلة، مما يجعل من الصعب عليهم ضمان الحد الأدنى للأجور، خاصة مع التخفيضات الأخيرة في رسوم التوصيل. وتترك هذه التخفيضات العمال بعائد أقل، خصوصًا بعد تغطية نفقات مثل الوقود وصيانة الدراجات".
وقد تنبهت الحكومة البريطانية الشهر الماضي إلى أن قطاع توصيل الطعام هو الباب الخلفي للعمل بشكل غير شرعي في المدن البريطانية خاصة لندن. وحسب منظمة "Unseen" فإن المنصات لم تؤسس لعلاقة عمل مباشرة بينها وبين من يعملون في التوصيل، فلا عقود ولا اتفاقات، لكنها تشترط على من يعمل لديها ترشيح بدلاء يقومون بالتوصيل في حال عجزه عن القيام بذلك. وقد فتح هذا الوضع بابا لاستغلال المهاجرين غير النظاميين والطلاب تحديداً، إذ يعمل كثيرون منهم تحت حسابات لا يملكونها مقابل التنازل عن جزء من عائدهم اليومي لصاحب الحساب الأصلي الذي يجني دخلا دون مقابل، وعادة ما يتواصل الراغبون في العمل مع أصحاب الحسابات الأصلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليتم الاتفاق خلال دقائق.
أخيراً، تعالت الضجة ضد منصات توصيل الطعام، حين قام وزير داخلية الظل كريس فيليب في الشهر الماضي، بما قال إنه زيارة مفاجئة لأحد الفنادق التي تؤوي طالبي لجوء ليجد الفندق فارغاً خلال ساعات النهار ويتوصل إلى أدلة بأن نزلاءه يعملون لدى تطبيقات توصيل الطعام بشكل غير شرعي. عقب ذلك، استدعت وزارة الداخلية المسؤولين في الشركات الثلاث الكبرى(ديليفرو، أوبر ايتس وجاست ايت) واتفقت معهم على تعزيز إجراءات التحقق من العاملين معها، والتصدي لظاهرة العمل غير القانوني، واستخدام التطبيقات من أشخاص بدلاء.
كما التزمت الشركات الثلاث بزيادة استخدام تقنيات التحقق من الوجه والكشف عن الاحتيال، لضمان أن المستخدمين المسجلين فقط هم من يمكنهم العمل عبر منصاتها، لكن المناقشات بين وزارة الداخلية ومسؤولي المنصات الكبرى لم تتطرق إلى تحسين ظروف العمل في القطاع للعاملين المؤقتين، فلماذا تصمت الحكومة على الوضع الراهن رغم الاحتجاجات المستمرة؟
تشير الباحثة القانونية ديلفين ديفسوز، أستاذة القانون المساعد في جامعة نورثومبريا البريطانية في بحث عن الوضعية القانونية للعاملين في منصات توصيل الطعام، إلى أن القوانين البريطانية الراهنة لم تعد قادرة على استيعاب المتغيرات السريعة في نظام العمل، خاصة في ما يتعلق بالمنصات الرقمية والعمالة المؤقتة.
مثلت ظاهرة التوصيل الفوري للطعام إلى منازل الزبائن استجابة عملية لتحديات الإغلاق والقيود الصحية التي فرضتها
جائحة كوفيد
على بريطانيا
وترى أن "سائقي توصيل الطعام يعملون في ظروف غير منظمة، بينما يُطلب منهم الالتزام بشروط الاستخدام التي تفرضها هذه التطبيقات، بالإضافة إلى التنافس المتزايد الذي تخلقه هذه الشركات. وتؤدي هذه المعاناة إلى أوضاع هشّة بالنسبة للعاملين مع هذه المنصات الذين لا يمكن وصفهم بـ"موظفين"، رغم اعتمادهم الكامل على هذه التطبيقات كمصدر لدخلهم. هذا الاعتماد يمنح المنصات سلطة مطلقة عليهم، حسب ما تقوله الدراسة.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
اقتصاد بريطانيا سيواجه دورات من الركود
وتمثلت هذه التحديات القانونية في عدد من أحكام القضاء البريطاني التي رفضت إضفاء صفة "موظفين" على سائقي تطبيقات توصيل الطعام، خاصة أكبرها ديليفرو. آخر هذه الأحكام أصدرته المحكمة العليا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، رداً على دعوى قضائية طالبت بحق العاملين لدى "ديليفرو" في تنظيم نقابة عمل خاصة بهم تتفاوض على عقد عمل جماعي. ونص الحكم على أن صفة "موظفين" لا تنطبق على من يعملون لدى هذه التطبيقات، لأنه ليست لديهم ساعات عمل محددة، ويمكنهم العمل مع تطبيقات مختلفة، والأهم أن بوسعهم تفويض شخص آخر للقيام بمهمة التوصيل وهو ما يتعارض مع جوهر التعاقد الشخصي مع الموظف.
لكن حكماً قضائياً سابقاً منح سائقي أوبر في قضية مماثلة عام 2021 صفة الموظف بما تنطوي عليه من حقوق مثل الحد الأدنى للأجور والإجازة السنوية والإجازة المرضية، بناء على تحرك جماعي من السائقين وقتها. ويجمع الخبراء على أن معاناة العاملين لدى قطاع توصيل الطعام، أصبحت جزءا مما يسمى باقتصاد العمل المؤقت "gig economy" الذي تعزز بفضل التكنولوجيا الرقمية، وتغير علاقات وأساليب العمل بعد جائحة كورونا.
ورغم أن هذا القطاع يمنح العاملين فيه حرية اختيار العمل وقتما يريدون، فإنه يحرمهم من حقوق أساسية تضمنها عقود العمل التقليدية مثل مساهمات الضمان الاجتماعي ومعاشات التقاعد والإجازات المرضية والسنوية. وفي ظل أزمة النمو الاقتصادي في بريطانيا ونقص المطروح من فرص العمل، يبدو هذا الاقتصاد مرشحاً لاستقطاب المزيد إلى صفوف العاملين فيه ليصبح نمطاً سائداً لا فرعياً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نمو الناتج المحلي الخليجي بنسبة 1.5% في الربع الرابع من 2024
نمو الناتج المحلي الخليجي بنسبة 1.5% في الربع الرابع من 2024

العربي الجديد

timeمنذ 7 ساعات

  • العربي الجديد

نمو الناتج المحلي الخليجي بنسبة 1.5% في الربع الرابع من 2024

سجّل الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالأسعار الجارية نموًا سنويًا بنسبة 1.5% خلال الربع الرابع من عام 2024، ليصل إلى نحو 587.8 مليار دولار، مقارنة بـ579 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2023، وذلك وفقًا لبيانات حديثة أصدرها المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي. ويعكس هذا النمو استمرار تعافي اقتصادات دول الخليج من تداعيات التقلبات الاقتصادية العالمية، وتحسن الأداء في قطاعات متعددة، لا سيما غير النفطية، في ظل توجهات الحكومات الخليجية نحو تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليص الاعتماد على العائدات النفطية. الأنشطة غير النفطية تقود النمو وبحسب البيانات، فقد استحوذت الأنشطة غير النفطية على النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، بمساهمة بلغت 77.9%، مقابل 22.1% فقط للأنشطة النفطية، ما يعكس التحول التدريجي في البنية الاقتصادية لدول الخليج. وسجّل نشاط الصناعات التحويلية أعلى نسبة مساهمة ضمن الأنشطة غير النفطية، حيث بلغ 12.5% من الناتج المحلي، وهو ما يشير إلى نجاح السياسات الصناعية التي تستهدف توسيع القاعدة الإنتاجية في بعض دول الخليج، خاصة في مجالات البتروكيماويات والمعادن والصناعات الخفيفة والمتوسطة. وجاء نشاط تجارة الجملة والتجزئة في المرتبة الثانية بنسبة 9.9%، تلاه قطاع التشييد بنسبة 8.3%، ما يعكس حيوية قطاع البناء و البنية التحتية في عدد من دول المجلس في ظل المشاريع التنموية الكبرى المستمرة، بما في ذلك مشاريع رؤية السعودية 2030، وخطط التطوير العمراني في الإمارات وقطر والكويت. كما بلغت مساهمة قطاع الإدارة العامة والدفاع نحو 7.5%، في حين ساهم قطاع المالية والتأمين بنسبة 7%، ما يؤكد استمرار قوة الأنظمة المصرفية والمالية في دول المجلس. أما الأنشطة العقارية، فبلغت مساهمتها 5.7%، وسط ازدهار الاستثمارات العقارية والسياحية في عدد من العواصم الخليجية. فيما شكّلت الأنشطة الأخرى غير النفطية مجتمعة نسبة 27% من الناتج المحلي، ما يعكس التنوع الكبير في الاقتصاد غير النفطي، ويشمل قطاعات النقل و الاتصالات ، والتعليم، والصحة، والخدمات المجتمعية. تنويع اقتصادي يعزز الاستدامة ويأتي هذا الأداء الاقتصادي المتوازن في ظل تطبيق معظم دول الخليج لرؤى واستراتيجيات تنموية طويلة الأمد، تركز على تحقيق التنويع الاقتصادي، ورفع كفاءة الإنفاق، وتحسين بيئة الاستثمار، وخلق وظائف نوعية، لا سيما في القطاعات الصناعية والتقنية والرقمية. وكانت تقارير صندوق النقد الدولي قد أشادت مؤخرًا بالجهود الخليجية في تعزيز النمو غير النفطي، مؤكدة أن مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية و الاستثمار في القطاعات الإنتاجية ستساهم في تعزيز مرونة الاقتصادات الخليجية في مواجهة التحديات الخارجية، مثل تقلبات أسعار النفط والأزمات الجيوسياسية. أسواق التحديثات الحية الأسواق الخليجية تواصل الأداء الإيجابي رغم تباين التداولات آفاق إيجابية وتشير التوقعات إلى أن دول الخليج مرشحة لتحقيق معدلات نمو أكثر استدامة خلال عام 2025، خصوصًا مع تحسن الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتنامي دور القطاع الخاص، وتعافي النشاط السياحي، وتزايد الاعتماد على الابتكار والتقنيات الحديثة في إدارة الموارد الاقتصادية. ويعكس ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، بالتزامن مع النمو في القطاعات غير النفطية، تحسن الثقة ب الأسواق الخليجية ، ويؤكد متانة الأسس الاقتصادية التي تستند إليها دول مجلس التعاون في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. (قنا، العربي الجديد)

العجز المالي المتصاعد يدفع المليارات نحو الائتمان
العجز المالي المتصاعد يدفع المليارات نحو الائتمان

العربي الجديد

timeمنذ 9 ساعات

  • العربي الجديد

العجز المالي المتصاعد يدفع المليارات نحو الائتمان

تشهد سوق السندات تحولًا لافتًا في توجهات المستثمرين، مع بدء سحب مليارات الدولارات من السندات الحكومية الأميركية وتحويلها نحو ديون الشركات ذات التصنيف العالي في الولايات المتحدة وأوروبا. ويأتي هذا التحول في وقت تتزايد فيه الضغوط على المالية العامة الأميركية بفعل تصاعد العجز وارتفاع تكاليف الفائدة، ما يثير تساؤلات حول مستقبل ما كان يُعد لعقود من المسلمات في الأسواق المالية: أن ديون الحكومة الأميركية هي الاستثمار الأكثر أمانًا. يبدي المستثمرون مؤشرات على سحب أموالهم من السندات الحكومية وتحويلها إلى ديون الشركات الأميركية والأوروبية، في تحوّل قد يُعيد صياغة واحدة من "أقدم المسلّمات" في الأسواق المالية. ومع تفاقم العجز المالي في الولايات المتحدة نتيجة خفض الضرائب وارتفاع تكاليف الفائدة، قد تجد الحكومة نفسها مضطرة إلى الاستدانة بشكل متزايد، ما يجعل ديون الشركات خيارًا يبدو أكثر أمانًا في نظر بعض مديري الأموال، بحسب تقرير نشرته "بلومبيرغ". وفي يونيو/ حزيران الماضي، سحب مديرو الأموال 3.9 مليارات دولار من سندات الخزانة، وأضافوا نحو 10 مليارات دولار إلى ديون الشركات الأميركية والأوروبية من الدرجة الاستثمارية، وفقًا لبيانات شركة EPFR Global. وفي يوليو/ تموز، ضخ المستثمرون 13 مليار دولار إضافية في سندات الشركات الأميركية عالية الجودة، في أعلى مشتريات صافية منذ بدء تسجيل البيانات عام 2015، وفق مذكرة صادرة عن استراتيجيي بنك "باركليز" يوم الجمعة. اقتصاد دولي التحديثات الحية تحرّك عاجل من البنك المركزي الصيني لوقف نزيف سوق السندات وبحسب "بلومبيرغ"، بدأ ميكائيل نيزار، مدير المحافظ في شركة Edmond de Rothschild Asset Management، في التحول من السندات الحكومية إلى سندات الشركات منذ نهاية العام الماضي، ولا يزال متمسكًا بهذا التوجه. كما كتب استراتيجيون في شركة BlackRock Inc، في مذكرة الأسبوع الماضي: "لقد أصبحت السندات الائتمانية خيارًا واضحًا للجودة". ورغم أن هذه التحولات لا تزال بطيئة نسبيًا، إلا أنها تعكس تغيرًا تدريجيًا في مراكز الثقة. فالولايات المتحدة لا تمتلك ديونًا بعملة أجنبية، ويمكنها طباعة الدولارات عند الحاجة، وهو ما أبقى على جاذبية سندات الخزانة في أوقات الأزمات. فعندما سادت المخاوف من الحروب التجارية في إبريل/ نيسان، كانت سندات الخزانة الأميركية لا تزال تتفوق أداءً على سندات الشركات، رغم تراجع القطاعين معًا. كما استمر الطلب الأجنبي على سندات الخزانة في الارتفاع، مع تسجيل زيادة في الحيازات خلال مايو/ أيار. ومع ذلك، فإن تقلص الفوارق بين عوائد سندات الشركات ونظيرتها الحكومية خلال الأشهر الأخيرة قد يعكس ضعفًا نسبيًا في الثقة بالديون السيادية الأميركية. وفقدت الحكومة الأميركية آخر تصنيف ائتماني من الدرجة الممتازة في مايو/ أيار، عندما خفضت وكالة Moody's Ratings تصنيفها إلى "Aa1"، مشيرة إلى تفاقم العجز وارتفاع عبء الفوائد، وتوقعت أن تمثل مدفوعات الفائدة نحو 30% من الإيرادات بحلول عام 2035، مقارنة بـ18% في 2024، و9% في 2021. وتُقدّر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لخفض الضرائب بأنها قد تضيف نحو 3.4 تريليونات دولار إلى العجز الأميركي خلال العقد المقبل، بحسب تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي (غير الحزبي). في المقابل، لا تزال أرباح الشركات قوية نسبيًا، رغم بعض المؤشرات التحذيرية. وتُظهر البيانات أن الشركات عالية التصنيف قادرة حاليًا على توليد أرباح كافية لتغطية فوائد ديونها بسهولة، كما أن عدد الشركات التي تجاوزت توقعات الأرباح في هذا الموسم يفوق ما سُجّل في الفترة نفسها من العام الماضي. وتعكس التقييمات المرتفعة لديون الشركات الطلب المتزايد عليها. وبلغ متوسط الفارق بين العوائد على سندات الشركات الأميركية عالية الجودة وسندات الخزانة أقل من 80 نقطة أساس (0.8 نقطة مئوية) في يوليو حتى يوم الخميس، مقارنة بمتوسط قدره نحو 120 نقطة أساس خلال العقد الماضي، وفقًا لبيانات مؤشر "بلومبيرغ". أما بالنسبة لسندات الشركات الأوروبية عالية الجودة المقومة باليورو، فقد بلغ متوسط الفارق نحو 85 نقطة أساس في يوليو/تموز، مقابل 123 نقطة في المتوسط خلال العقد. وبالنسبة لبعض مديري الأموال، تثير هذه التقييمات المرتفعة قلقًا بشأن الجدوى الاستثمارية، فقد خفّض جيرشون ديستنفلد، مدير صندوق في شركة "Alliance Bernstein Holding LP"، مؤخرًا، انكشافه على سندات الشركات لصالح السندات الحكومية. وتتفق معه دومينيك براوينينغر، مديرة صندوق متعدد الأصول في شركة Schroders Investment Management Ltd، التي ترى أن ضيق الفوارق بين العوائد لا يجعل من سندات الشركات خيارًا مغريًا. أسواق التحديثات الحية تراجع إصدارات آسيا وأوروبا من السندات بالدولار وفي حين تبقى BlackRock متفائلة بشكل عام حيال ديون الشركات، إلا أنها قلّلت من حيازاتها في السندات طويلة الأجل عالية الجودة بسبب ضيق الفوارق، وزادت في المقابل انكشافها على السندات قصيرة الأجل. ومع ذلك، يرى عدد من المحللين أن موازين السوق آخذة في التغير. وتعكس هذه التحركات في سوق السندات بداية تحوّل محتمل في ملامح الاستثمار الآمن، حيث لم تعد ديون الحكومات، وعلى رأسها الأميركية، محصنة من التشكيك. فمع تصاعد العجز وتراجع التصنيفات الائتمانية، قد يجد المستثمرون أنفسهم مضطرين لإعادة تقييم مفاهيم الاستقرار المالي. وبينما لا تزال ديون الشركات تحمل مخاطرها الخاصة، إلا أن قوتها التشغيلية وقدرتها على توليد الأرباح تمنحها ميزة نسبية في بيئة مالية مضطربة. ومع استمرار هذا التوجه، قد نشهد مستقبلاً إعادة رسم لمعادلة "الملاذات الآمنة" التي حكمت الأسواق لعقود.

"أسبوع السايبر 2025" حلقة جديدة في مسلسل التطبيع بين الإمارات وإسرائيل
"أسبوع السايبر 2025" حلقة جديدة في مسلسل التطبيع بين الإمارات وإسرائيل

العربي الجديد

timeمنذ 9 ساعات

  • العربي الجديد

"أسبوع السايبر 2025" حلقة جديدة في مسلسل التطبيع بين الإمارات وإسرائيل

في حلقة جديدة من حلقات التطبيع الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل، تعود هذا الشهر فعالية "أسبوع السايبر 2025" إلى جامعة تل أبيب بوصفها إحدى أبرز التظاهرات الدولية في مجال الأمن السيبراني، وسط مشاركة واسعة من جهات وشركات إماراتية، ما يسلّط الضوء على جدوى هذا التطبيع للدولة الخليجية من الناحية الاقتصادية. وتكشف التفاصيل المنشورة على موقع الملحقية التجارية الإسرائيلية في الإمارات عن ملامح هذا التعاون المتنامي، إذ تُفيد بأن الفعالية، التي نُظّمت في الفترة من 23 إلى 26 حزيران/يونيو الماضي، شهدت حضور آلاف الخبراء من عشرات الدول، إلى جانب مبادرات ومشاريع سيبرانية مشتركة بين أبوظبي وتل أبيب، مثل منصة "كريستال بول" التي طُرحت لأول مرة خلال نسخة سابقة من الحدث. وكانت المصادقة على اتفاق اقتصادي استراتيجي بين إسرائيل والإمارات (CEPA)، الذي دخل حيز التنفيذ في 15 إبريل/نيسان الجاري، قد قدمت برهانًا عمليًا على تحول جوهري في العلاقات بين البلدين وفق محللين، وسلّطت الضوء على جدواها بالنسبة إلى الدول العربية التي تسعى إلى الانخراط في المسار نفسه بعد توقيعها اتفاقيات تطبيع مع دولة الاحتلال. وتستثني الاتفاقية، التي تُعدّ الأولى من نوعها بين إسرائيل ودولة عربية، 96% من السلع من الرسوم الجمركية فورًا أو تدريجيًا، ما اعتبرته تحليلات غربية مؤشرًا على مصالح اقتصادية حقيقية ستجنيها الإمارات، ومنها تقدير أورده موقع "غلف بيزنس" والموقع الرسمي لوزارة الاقتصاد الإماراتية. فالاتفاقية تهدف إلى رفع حجم التبادل التجاري غير النفطي إلى 10 مليارات دولار سنويًا خلال خمس سنوات، مع توقّعات بأن تضيف 1.9 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للإمارات بحلول عام 2030، وهي تقديرات تستند إلى إزالة الحواجز الجمركية وتعزيز تدفق الاستثمارات. وبحسب التقدير نفسه، فإن الاتفاقية تمثل "نموذجًا جديدًا" للتعاون الاقتصادي قد يشجّع دولًا أخرى على تبنّي نهج الشراكات الاقتصادية مع إسرائيل بدلًا من الاقتصار على العلاقات السياسية أو الأمنية. اقتصاد دولي التحديثات الحية العدوان على غزة يفرمل التطبيع الاقتصادي بين إسرائيل وشركائها ويزعم تقدير نشره معهد واشنطن أن مثل هذه الاتفاقيات تعزّز من مرونة اقتصادات الخليج وتنوّعها بعيدًا عن الاعتماد على النفط، وتدعم بناء اقتصادات أكثر استدامة وانفتاحًا على الابتكار والتكنولوجيا. وفي السياق الجيوسياسي، يشير التقدير نفسه إلى أن الاتفاق الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل لا يقتصر على المصالح الثنائية، بل يحمل أبعادًا استراتيجية أوسع، إذ يعكس رغبة في بناء منظومة إقليمية أكثر ترابطًا اقتصاديًا، ما قد يسهم في تعزيز الاستقرار وجذب الاستثمارات الأجنبية، ويمنح المنطقة قدرة أكبر على مواجهة التحديات العالمية مثل الأمن الغذائي والتحول الرقمي. لكن تقديرًا آخر يسلط الضوء على انعكاسات حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة وتأثيرها على العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل ودول المنطقة، فقد شهدت هذه العلاقات تراجعًا ملحوظًا، وانخفضت السياحة الإسرائيلية إلى الإمارات بشكل كبير، كما جرى تأجيل صفقات استراتيجية، مثل استحواذ شركة "أدنوك" الإماراتية وشركة "بي بي" البريطانية على حصة في شركة "نيو ميد" الإسرائيلية للغاز، بسبب التوترات الإقليمية. وفي ضوء هذه المعطيات، يرى بعض المحللين أن اتفاقية CEPA قد لا تحقق الفوائد الاقتصادية المرجوة للإمارات، بل قد تُعرضها لمخاطر سياسية وأمنية، وتُضعف من مكانتها الإقليمية، خاصة إذا استمرت إسرائيل في سياساتها الحالية تجاه الفلسطينيين ومواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد غزة. امتيازات خاصة وفي هذا الإطار، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس الفرنسية آلان صفا، لـ"العربي الجديد"، إلى أن المعطيات الخاصة بالاتفاق الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل تؤشر إلى تعزيز للاتفاق الأول الذي تم توقيعه بينهما في عام 2023، والذي ركز بشكل أساسي على الخدمات وليس السلع، موضحًا أن اقتصادي الدولتين يشتركان في التخصص بمجالات مشابهة، مثل السياحة والخدمات المالية. ومع ذلك، يلفت صفا إلى أن الاتفاق الذي جرى توقيعه في عام 2023 لم يقدم امتيازات خاصة للإمارات مقارنة بالدول الأخرى التي أبرمت اتفاقيات مع إسرائيل. أما الاتفاق الجديد، فيمنح الإمارات بعض الامتيازات، مثل الحصول على رسوم جمركية منخفضة عند تصدير الخدمات. لكن صفا يلفت إلى أن التبادل التجاري بين الإمارات وإسرائيل، الذي يُقدّر بقيمة 2.5 مليار دولار، لا يزال منخفضًا إذا ما قورن بإمكانات الدولتين الاقتصادية، رغم أنه يعكس زيادة كبيرة مقارنة بما كان عليه الحال قبل الاتفاق، حيث كانت التجارة بينهما لا تتعدى 150 مليون دولار. موقف التحديثات الحية عن التطبيع الاقتصادي مع الاحتلال وموقف الإماراتيين ويوضح صفا أن هذا النمو "يعزز من حجم التبادل التجاري بين الدولتين، لكنه يبقى بعيدًا عن تحقيق إمكاناته الكاملة"، معتبرًا أن "زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض أثرت على العلاقة بين الإمارات والسعودية، ما دفع الإمارات إلى البحث عن شراكات جديدة لتعزيز موقعها الإقليمي. وفي هذا السياق، يأتي التقارب الإماراتي الإسرائيلي، ليس فقط خطوةً اقتصاديةً، بل أيضًا وسيلةً لتحقيق مصالح استراتيجية من المنظور الإماراتي"، حسب تقدير صفا الذي يخلص إلى أن "الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل له جانب اقتصادي، لكن الأبعاد الاستراتيجية له تبدو أكثر وضوحًا وأهمية من الفوائد الاقتصادية المباشرة". بنوك من دون فوائد وفي السياق، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي مدير المركز الدولي للدراسات التنموية مصطفى يوسف أن الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية "لم تحقق أي فوائد اقتصادية حقيقية لتلك الدول"، موضحًا أن "المسيرة التي بدأت بمصر والأردن واستمرت باتفاقيات "إبراهام" مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، لم يستفد منها سوى قلة من رجال الأعمال المتنفذين المرتبطين بالحكومات الموقعة". و"على الرغم من الادعاءات بأن هذه الاتفاقيات ستُسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي، إلا أنها في الواقع لم تقدم أي قيمة مضافة لشعوب المنطقة"، حسب ما يرى يوسف، مشيرًا إلى أن اتفاقيات مثل "الكويز"، التي تضمنت مكونًا إسرائيليًا في صناعات المنسوجات المصرية، كانت مجرد أدوات لتحسين صورة الاحتلال الإسرائيلي دوليًا، و"جرى استخدامها لمحاولة تطبيع العلاقات مع شعوب المنطقة عبر بوابة الاقتصاد، رغم الأطماع التوسعية والاستيطانية الإسرائيلية في المنطقة". ويؤكد يوسف أن "هذا التعاون الاقتصادي لا يعدو كونه وسيلة لشرعنة وجود الاحتلال وتبريره أمام شعوب المنطقة"، لافتًا إلى أن "الإمارات تُستخدم أداةً اقتصاديةً من دون الحصول على أي مزايا حقيقية، إذ إن إسرائيل لن تنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الإمارات أو أي دولة عربية أخرى، حتى لو كانت حليفة استراتيجية، وهو ما تدعمه اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة التي تشدد على منع نقل الأسلحة المتطورة إلى دول المنطقة، بما فيها الإمارات:. وبحسب المتحدث نفسه، فإن "العلاقة الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل امتداد لنموذج استغلال الإمكانات المالية للدول الغنية في المنطقة، حيث يجرى استخدامها بوصفها "بنوكاً من دون فوائد" لصالح إسرائيل، التي تستفيد من هذه الشراكات لتوسيع حصتها السوقية ورفع تصنيفها الائتماني، بينما لا تقدم أي تقنيات أو معرفة علمية ذات قيمة". ويشدد يوسف على أن "فكرة نقل التكنولوجيا من إسرائيل أو إنشاء مصانع لها في الإمارات لتعليم العمالة المحلية هي فكرة مستحيلة تمامًا"، مؤكدًا أن "إسرائيل لن تتخلى عن سيطرتها على التكنولوجيا تحت أي ظرف". اقتصاد عربي التحديثات الحية التطبيع الاقتصادي بين المغرب وإسرائيل... هرولة حكومية ورفض شعبي وفي سياق متصل، يلفت يوسف إلى ارتفاع زخم حملات المقاطعة ضد إسرائيل، ليس فقط من الدول المسلمة والعربية، بل أيضًا من المجتمعات المتعاطفة مع حقوق الإنسان حول العالم، مشيرًا إلى أن "الإمارات، بتبنيها مشروع التطبيع مع الاحتلال، أصبحت جزءًا من القائمة التي تواجه مقاطعة اقتصادية وأكاديمية. فالجامعات الأميركية، على سبيل المثال، تحظر التعامل مع الشركات المرتبطة بإسرائيل، وتفرض حملات مثل BDS (حركة مقاطعة إسرائيل) عقوبات على البضائع والأنشطة التجارية المرتبطة بالكيان الصهيوني، ما يعني أن الإمارات ستواجه حملات كهذه وما يصاحبها من انعكاسات اقتصادية"، بحسب يوسف. ورغم أن الإمارات تروّج هذه الاتفاقيات عباعتبارها "تعاونًا اقتصاديًّا مثمرًا"، إلا أن يوسف يؤكد أن "الواقع يكشف عن تماهٍ كامل مع المشروع الإسرائيلي الذي يعتمد على تطبيع العلاقات مع أنظمة ذات سمعة سيئة في مجال حقوق الإنسان، ما يجعل الولايات المتحدة تتخلى عن مبادئ الحرية والديمقراطية التي تدّعي الدفاع عنها". ويخلص يوسف إلى أن "الإمارات تخسر هويتها الإقليمية من خلال الانخراط في اتفاقيات مثل هذه، تضعها في مواجهة مع محيطها العربي والإسلامي، ويتوقع أن تتزايد العزلة السياسية والاقتصادية نتيجة لهذا التطبيع الذي يفتقر إلى أي مبرر حقيقي"، مشيرًا إلى أن "هذه السياسات لن تجلب سوى الضرر طويل الأمد للإمارات على مستويات عدّة، في القلب منها المستوى الاقتصادي".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store