
كيف حوّل الحوثيون الكتب المدرسية إلى أداة هدم وجباية؟
منذ سيطرت مليشيات الحوثي على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء، انحرف مسار التعليم عن غايته الوطنية، ودخل نفقا مظلما، حيث أُعيد توظيفه ليخدم أهدافا أيديولوجية واقتصادية؛ فلم يعد الكتاب المدرسي وسيلة للارتقاء الفردي والجماعي، بل أداة للجباية ورافعة فكرية يستخدمها الحوثيون لترسيخ الولاء، وتحقيق مكاسب مالية وسياسية.
ومع اقتراب بدء العام الدراسي 2025–2026، أعلن الحوثيون عن أسعار غير مسبوقة للكتاب المدرسي، بلغت 6200 ريال للنسخة الواحدة، مقارنة بـ250 ريالا فقط قبل انقلاب عام 2014، أي بزيادة تفوق 24 ضعفًا، مما يشكّل انتهاكا واضحا للقانون اليمني الذي يقرّ بمجانية التعليم الأساسي، ويلزم الدولة بتوفير الكتب والمراجع دون مقابل.
استغلال المطابع تجاريا
المسألة لا تتعلق فقط برفع الأسعار، بل بتوظيف منهجي للبنية التحتية التعليمية، وعلى رأسها مطابع الكتاب المدرسي الحكومية، التي باتت تخدم المشروع الطائفي للجماعة، فبدلا من استخدامها لطباعة المناهج التعليمية، يتم تخصيصها لطباعة شعارات مثل "الصرخة"، وكتب المناسبات العقائدية، وصور القتلى، إضافة إلى طباعة الكتب المدرسية للبيع بأسعار باهظة، بعيدا عن أي اعتبار للحق في التعليم.
لم تعد هذه الكتب مجرد أدوات تعليم، بل تحوّلت إلى وسيلة مزدوجة: للجباية من جهة، وللأدلجة من جهة أخرى، فقد احتكر الحوثيون عملية الطباعة، والتوزيع، وأعادوا طرح الكتب في السوق السوداء عبر شبكات تابعة، تذهب عائداتها إلى مواردهم الخاصة، بالتوازي، مع إعادة تشكيل محتوى المناهج بإزالة الرموز الجمهورية ومفاهيم الدولة المدنية، وإحلال مضامين طائفية تعبويّة تكرّس الولاء للجماعة.
تدمير ممنهج للتعليم
ما تكشفه الشهادات الميدانية من داخل مناطق سيطرة الحوثيين لا يقل قسوة عن الواقع نفسه. يؤكد علي، بائع كتب في أحد أرصفة صنعاء، أن الحصول على الكتاب المدرسي أصبح خاضعًا لتجار مرتبطين بالجماعة، يحتكرون التوزيع ويوجهون السوق وفق تعليمات غير مكتوبة.
ويضيف في تصريح لـ"الصحوة نت": "لا يُسمح بتوزيع أي نسخة عبر المدارس إلا بعد أن يستنفد السوق الطلب، ما يضمن بيع آلاف النسخ على حساب أولياء الأمور".
بالنسبة لمحمد السالمي، موظف وأب لأربعة طلاب، فيقول لـ"الصحوة نت "لم أعد أعرف إن كان علي أن أوفّر الطعام أم الكتب. لدي أربعة أطفال في مراحل دراسية مختلفة، وكل عام نعيش كابوس العودة إلى المدرسة. الكتب التي كنا نحصل عليها مجانا أصبحت تُباع وكأنها سلعة فاخرة، لا يستطيع شراؤها إلا من يملك مالا فائضا. في العام الماضي اضطررت لبيع هاتف زوجتي كي أوفّر قيمة الكتب، وهذا العام لا أجد ما أبيع".
وانتقد محمد الحوثيين قائلا :"يوزعون الملازم الدينية مجانًا، ويغرقون الشوارع بصور قتلاهم وفعالياتهم، لكنهم لا يطبعون الكتاب المدرسي إلا ليُباع في السوق السوداء. إنهم لا يرون في التعليم حقًا، بل فرصة لجني المال وفرض أفكارهم".
هذه الشهادات لا تُظهر فقط الفساد، بل تُعبّر عن تحوّل التعليم نفسه إلى وسيلة استنزاف اقتصادي، تُرغم الأسر على المفاضلة بين الخبز والمعرفة، بين البقاء والتعليم.
تداعيات كارثية
الأثر المباشر لهذه السياسات يظهر في مؤشرات مقلقة من التسرب المدرسي وضعف التحصيل العلمي. ويقول الخبير التربوي عبدالخالق عطشان إنه "في الوقت الذي ينتظر فيه ملايين الطلاب العودة إلى مدارسهم، فُجِع أولياء الأمور في مناطق سيطرة الحوثيين بقرار رفع أسعار الكتب المدرسية إلى 6000 ريال للكتاب الواحد دون مراعاة للحالة المادية ووصول اليمنيين الى مستوى خط الفقر بسبب احتلال الجماعة الحوثية لكل مقدرات الدولة ومؤسساتها".
ويضيف في تصريح لـ"الصحوة نت "، لكن ما يبدو في الظاهر أزمة تعليمية، هو في الحقيقة وجها آخر وبابا من ابواب النهب والأهم من ذلك استكمال الجماعة الحوثية لحربها الشاملة التي تشنها على المجتمع وتحديداً على الجيل الجديد الذي يفترض أن يكون مستقبل اليمن بيد أنها تهيؤه لصالح اهدافها".
ويضع عطشان هذه الخطوة في سياق "ضرب العملية التعليمية، وتجفيف منابع الوعي، وخلق بيئة مواتية لتجنيد الأطفال واليافعين. فحرمان الطالب من الكتاب المدرسي وتحويله إلى سلعة في السوق السوداء لا يمكن فهمه إلا في إطار سياسة ممنهجة لإبعاد النشء عن المدارس ورفع مستوى الجهل والأمية المرتفعين أصلا".
ويواصل قائلا:"لقد تحولت المدارس في كثير من المناطق إلى مراكز تعبئة طائفية، يُلقَّن فيها الطلاب أفكار الجماعة المتطرفة بدلاً من العلوم والمعرفة، ويُدفع بهم لاحقاً إلى معسكرات التدريب وهم في عمر الزهور. وما الارتفاع المتعمد في أسعار الكتب إلا وسيلة ضغط على الأسر الفقيرة التي لا تملك ثمن الكتاب، فتضطر إلى ترك أبنائها بلا تعليم، لتجد الجماعة فيهم ضالتها: أجساداً يسهل تعبئتها وتحريكها نحو الجبهات والهلاك".
إفراغ التعليم
ويتابع "إن رفع الجماعة الحوثي لسعر الكتاب المدرسي إنما هو ضمن سلسلة من الإجراءات لإفراغ التعليم من مضامينه التربوية والتعليمية والغايات الوطنية منهما وهذا الإجراء التدميري ليس مجرد أزمة تعليم، بل كارثة وطنية تمس الأمن الاجتماعي والهوية اليمنية.
ما تفعله مليشيا الحوثي بحق التعليم، جريمة لا تقل خطورة عن جرائمها في الميدان، لأنها تستهدف العقل والوعي وتؤسس لمجتمع مقطوع الصلة بالماضي يتعلق بحاضر الجماعة السلالي والطائفي وقنبلة موقوتة للمستقبل".
وفي ختام تصريحه دعا عطشان "لإنقاذ التعليم من بين أنياب هذه الجماعة، والضغط بكل الوسائل على الجهات المعنية والمنظمات الدولية للتدخل لفضح وإيقاف هذه الانتهاكات. فالمعركة ليست فقط بالسلاح، بل هي أيضاً معركة وعي، والتعليم هو جبهتنا الأهم".
من جهته، يرى التربوي فهمي باماردة أن رفع سعر الكتاب بهذا الشكل يمثل عبئا كبيرا على الطالب وأسرته على حد سواء؛ فهو يفوق قدرة الأسرة على الشراء في ظل الوضع المعيشي الصعب مما ينعكس سلبيا على الطالب وتحصيله العلمي.
ويضيف في تصريح لـ"الصحوة نت قائلا :"في هذه الحالة، لن تستطيع شراء الكتب سواء الأسر المقتدرة ماليا لأننا نتحدث عن متوسط مالي ليس قليلا إذا ما افترضنا أن هناك طالبين أو أكثر في الأسرة، مما يعني في المحصلة أن الأسر غير القادرة سيكون أولادها عرضة للتسرب والابتعاد عن المدرسة وهذا له آثار خطيرة متعددة".
يعتمد كثير من الطلاب اليوم على تصوير صفحات الكتب من هواتف الزملاء، أو على تلخيصات مبسطة، مما يخلق تفاوتا داخل الفصل الواحد وهو ما يُنذر بانهيار فعلي للبنية التعليمية وتكافؤ الفرص.
سياسة ممنهجة
ويشدد الصحفي والناشط الحقوقي "همدان العليي" على أن ما يجري في مناطق سيطرة الحوثيين "لم يعد مجرد فساد إداري، بل سياسة رسمية تشرف عليها الجماعة من أعلى هرم في وزارة التربية والتعليم، بهدف تحويل الكتب المدرسية إلى مورد مالي مباشر".
يكشف العليي خلال تصريحه لـ"الصحوة نت"، عن "سياسة تجفيف متعمد للكتب الرسمية، ثم طرحها تدريجيا عبر وسطاء موالين، ما يخلق طلبا مصطنعا يُغذي السوق السوداء ويُكرّس احتكار المعرفة والتحكم بالوعي".
ويؤكد العليي أن هذا الوضع يختلف جذريًا عن الفساد السابق الذي كانت الدولة تسعى لمكافحته، فالحوثيون "لا يقدمون شيئًا في المقابل؛ لا توجد خدمات تعليمية حقيقية، ولا طباعة كافية للكتب، ولا دعم للمدارس. فقط يتم تحصيل الأموال من أولياء الأمور، دون أي التزام تجاه الطلاب".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة الأنباء اليمنية
منذ 34 دقائق
- وكالة الأنباء اليمنية
المداني يطلّع على أداء وزارة الإعلام ويناقش دور الإعلام في التنمية المحلية
صنعاء - سبأ : اطلّع نائب رئيس الوزراء - وزير الإدارة والتنمية المحلية والريفية محمد المداني، خلال زيارته اليوم لوزارة الإعلام، على سير العمل ومستوى الأداء بديوان الوزارة. وناقش نائب رئيس الوزراء، مع وزير الإعلام هاشم شرف الدين ونائبه الدكتور عمر البخيتي، ووكيل الوزارة حسين مقبل وعدد من موظفي ديوان الوزارة، الدور المنوط بوزارة الإعلام والمؤسسات والوسائل الإعلامية في دعم جهود التنمية المحلية والصعوبات التي تواجه العمل الإعلامي وسبل معالجتها. وفي الاجتماع عبر المداني عن سعادته بزيارة وزارة الإعلام، لتدارس المواضيع المتصلة بالعمل الإعلامي ودوره في تعزيز التنمية المحلية والريفية. وقال "أي تغيير يبدأ بالوعي المجتمعي، والجانب الإعلامي سواء الحكومي أو الخاص، له دور كبير، في دعم جهود العملية التنموية، خاصة ما يتصل بتنمية الريف"، لافتًا إلى إسهام الإعلام في الجانبين التنموي والخدمي على المستويين المركزي والمحلي. وأشار نائب رئيس الوزراء إلى سعي الحكومة لعملية التغيير في المجالين الاقتصادي والاجتماعي من خلال سلاسل القيمة والتصدير والاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي والوصول إلى الاكتفاء الذاتي. وأضاف "إن اليمن ينفق ما يقارب خمسة مليارات دولار على فاتورة الغذاء التي يتم استيرادها من الخارج، وتعمل الحكومة حاليًا عبر الجانب الاقتصادي على إعادة هذه الفاتورة للداخل من خلال الاكتفاء الذاتي، سواء الغذائية أو المنتجات المحلية من الملبوسات القطنية والجلديات". ولفت إلى أن هناك شبه اكتفاء من محصول الثوم، والألبان التي تعمل في هذه السلسلة نحو 13 ألف أسرة في ثلاث مديريات، تحصل على دخل بأكثر من 50 مليون ريال يومياً، وما يزال العمل مستمر في هذا الجانب بتحرك القطاعين الخاص والتعاوني عبر الجمعيات. وشدد المداني على ضرورة مواكبة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة للمجال التنموي، من خلال التغطية والتهيئة وتعزيز الوعي المجتمعي، مؤكدًا أن اليمن غنيُ بموارده التنموية، لكنها لم تُستثمر بصورة سليمة. وكشف عن تحرك حكومة التغيير والبناء حالياً في 44 سلسلة نباتية وحيوانية، ستعمل نقلة نوعية في القطاع الاقتصادي، خاصة وحكومة الإنقاذ الوطني بدأت في سلسلة الألبان ونجحت في هذا الجانب. وأفاد نائب رئيس الوزراء - وزير الإدارة والتنمية المحلية والريفية، بأن هناك تحرك في الجانب الاجتماعي والخدماتي، وبحاجة للعمل بصورة أكثر لنقل التجارب الناجحة على مستوى المحافظات أو المديريات، ما يتطلب مواكبة إعلامية وتغطية مستمرة. وثمن تفاعل قيادة وزارة الإعلام، وحرصها على تسخير المؤسسات والوسائل الإعلامية لخدمة التنمية المحلية، وبما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي. بدوره اعتبر وزير الإعلام، وسائل الإعلام جزءًا أساسيًا في عملية التنمية من خلال التوعية ونشر المبتكرات والأساليب الحديثة في العملية التنموية في المجالات الزراعية والثروة السمكية والحيوانية وعمليات الإنتاج المختلفة. وأكد أن المسار الذي تنتهجه حكومة التغيير والبناء، يتمثل في تحول المجتمع إلى مشارك في العملية الإنتاجية بصورة منتظمة ومنسقة ومرتبة تختصر الجهود وتقلل التكاليف ويكون أثرها الإيجابي أكبر وأوسع داخليًا بتوزيع المنتجات واحتمالية تصديرها للخارج. وجدّد الوزير شرف الدين، الحرص على دور الإعلام في مواكبة طموحات الحكومة في هذا الجانب، لافتًا إلى ضرورة عقد ورشة خاصة بالإعلام والتنمية تشارك فيها قيادات المؤسسات الإعلامية ومديرو البرامج ورؤساء التحرير في الإذاعات والصحف والفضائيات للإعلام الحكومي والخاص، لترجمة توّجهات الحكومة إلى خطوات عملية واقعية. ولفت إلى أن وزارة الإعلام ستكون عونًا وسندًا لبرنامج الحكومة والوزارات والمؤسسات، بما يعززّ من الأداء الحكومي في خدمة المجتمع الصامد والمكافح.


اليمن الآن
منذ 2 ساعات
- اليمن الآن
أزيز الحرب يعلو.. تعزيزات حوثية هائلة تقترب من هذه المحافظات والحكومة تستعد لمعركة فاصلة
دفعت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى جبهات القتال في مأرب وتعز والضالع، في تحدٍ سافر لكل جهود ومساعي إحلال السلام وتهدئة الأوضاع في اليمن، وسط اتهامات رسمية للجماعة باستغلال فترات التهدئة لترتيب صفوفها وشن جولات حرب جديدة. وأكدت مصادر عسكرية وميدانية مطلعة أن ميليشيا الحوثي حركت خلال الساعات الماضية ما يزيد عن 40 عربة عسكرية و19 شاحنة محمّلة بمئات المجندين الجدد، معظمهم أطفال ومراهقون جرى استقطابهم خلال ما يسمى بـ"المعسكرات الصيفية"، وجرى دفعهم قسرًا إلى خطوط النار، في انتهاك صارخ للمواثيق الدولية التي تحظر تجنيد الأطفال. وبحسب المصادر، انطلقت دفعات كبيرة من هذه التعزيزات من العاصمة المختطفة صنعاء ومحيطها ومحافظة عمران، باتجاه جبهات محافظة مأرب، حيث تم رصد ما لا يقل عن 18 عربة عسكرية و7 شاحنات تجوب الطريق الرابط بين البيضاء ومأرب متجهة إلى محاور التماس الملتهبة. وفي السياق ذاته، أفادت تقارير محلية أن الجماعة دفعت من محافظة إب لوحدها بأكثر من 13 آلية عسكرية و6 شاحنات إلى جبهات تعز، بالتزامن مع تحركات مماثلة صوب محافظة الضالع حيث شوهدت 9 عربات و6 شاحنات أخرى وهي تقل عناصر حوثية ومعدات قتالية نحو محيط مدينة دمت ومناطق الشريط الحدودي شمال الضالع. وأشار شهود عيان إلى مرور قوافل حوثية ضخمة عبر مناطق مفرق جبلة والنجد الأحمر والخط الدائري الغربي لمدينة إب، وسط تشديدات أمنية لافتة ونقاط تفتيش مستحدثة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تمهيد واضح لتفجير الوضع عسكريًا من جديد. التحركات الحوثية ترافقت مع تصعيد ميداني لافت، حيث أعلن الجيش اليمني، أمس الخميس، إحباط محاولة تسلل وهجوم فاشلة للحوثيين في منطقة الكدحة غرب تعز، مؤكداً تكبيد المهاجمين خسائر بشرية ومادية وإجبارهم على الفرار تحت ضغط نيران القوات الحكومية. وفي عدن، عقدت الحكومة اليمنية اجتماعًا طارئًا برئاسة رئيس الوزراء، حيث قدم وزيرا الدفاع والداخلية إحاطة شاملة حول الموقف العسكري والأمني ورفع الجاهزية القصوى لمواجهة أي تصعيد مفاجئ من قبل الحوثيين، مؤكدين أن القوات المسلحة تقف على أهبة الاستعداد لأي سيناريو محتمل. ووجه مجلس الوزراء، وفقًا لما نقلته وكالة "سبأ"، الأجهزة العسكرية والأمنية بتكثيف عمليات الرصد المسبق والضربات الاستباقية، وإحباط المخططات الإرهابية للميليشيا وأذرعها في المناطق المحررة، مشيدًا بضبط عدد من الخلايا المرتبطة بالحوثيين في عمليات نوعية. هذا التصعيد الحوثي المتزامن مع تحركات سياسية إقليمية ودولية لإحياء عملية السلام، يعيد إلى الواجهة التساؤلات عن نوايا الجماعة الحقيقية، في ظل سلوك تصعيدي لا يعكس أي التزام بالتهدئة، بل يكشف عن تصميم على تفجير الوضع وفرض واقع ميداني جديد بقوة السلاح وتجنيد الأطفال.


اليمن الآن
منذ 4 ساعات
- اليمن الآن
بداية عام دراسي في صنعاء وسط أزمة تعليمية خانقة واستغلال ممنهج من مليشيا الحوثي
بدأ العام الدراسي الجديد اليوم السبت في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، وسط أوضاع معيشية متدهورة يعيشها المواطنون الذين باتوا عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من مستلزمات التعليم لأبنائهم، في ظل تدهور منظومة التعليم الحكومي وارتفاع تكاليف التعليم الخاص بشكل غير مسبوق. في وقت يشهد فيه التعليم الحكومي انهياراً حاداً نتيجة توقف رواتب المعلمين منذ سنوات، يتجه أولياء الأمور مضطرين إلى المدارس الخاصة بحثاً عن بيئة تعليمية أفضل، ليجدوا أنفسهم أمام رسوم باهظة تفرضها تلك المدارس تحت غطاء من التواطؤ مع ميليشيا الحوثي. ورغم أن وزارة التربية والتعليم التابعة لميليشيا الحوثي أصدرت تعميماً حددت فيه رسوم الكتب المدرسية في المدارس الأهلية بما يتراوح بين 2000 و6300 ريال يمني، إلا أن الواقع يكشف تجاوز هذه الرسوم إلى أرقام فلكية تتراوح بين 12 إلى 20 ألف ريال، بحسب ما أفادت مصادر تربوية، دون أي تدخل يُذكر من سلطات الميليشيا التي تغض الطرف عن ذلك. وتؤكد المصادر أن المدارس الخاصة الخاضعة لما يسمى بـ'الحارس القضائي' – وهي إدارة مفروضة من قبل ميليشيا الحوثي لمصادرة المؤسسات التعليمية بحجة ملكيتها لمعارضين – تفرض أعلى الرسوم، وتُستخدم كأداة جديدة ضمن مشروع الجباية الذي تنتهجه الجماعة لتمويل أنشطتها. ويشكو أولياء الأمور من تكاليف باهظة وصلت في بعض المدارس إلى نحو 300 ألف ريال يمني (قرابة 570 دولاراً) للصفوف الأساسية فقط، تشمل رسوم تسجيل وكتب وزي مدرسي، ما يجعل التعليم في هذه المدارس رفاهية لا يقدر عليها أغلب المواطنين. ويقول أحد أولياء الأمور إن المدارس تبرر هذه التكاليف بارتفاع الجبايات المفروضة عليها من قبل ميليشيا الحوثي، وتحديداً من إدارة 'الحارس القضائي'، مشيراً إلى أن التعليم بات سلعة، والطلاب رهائن لسياسة الابتزاز المالي. وأضاف تربويون أن ميليشيا الحوثي لا تسمح لأي مدرسة خاصة بتحديد رسومها بشكل مستقل، بل تُملى عليها التكاليف والرسوم وفقاً لما تفرضه الجماعة من أعباء مالية، سواء عبر ضرائب باهظة أو مساهمات إجبارية لما يُعرف بـ'المجهود الحربي'. وإلى جانب الرسوم، عمدت ميليشيا الحوثي إلى زيادة أعداد الطلاب داخل الفصول في المدارس المصادرة، بهدف تعظيم العوائد المالية مستغلين السمعة الجيدة التي كانت تحظى بها هذه المؤسسات قبل سيطرة الجماعة عليها. الواقع التعليمي في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي يبدو أكثر قتامة مع استمرار النزاع للعام العاشر، حيث تشير تقارير منظمة 'اليونيسف' إلى أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج مقاعد الدراسة، فيما تعرّضت نحو 2916 مدرسة للدمار أو الأضرار الجسيمة، أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية. ويواجه أكثر من 172 ألف معلم ومعلمة في مناطق الميليشيا ظروفاً صعبة بعد انقطاع رواتبهم منذ عام 2016، ما أجبر كثيرين على ترك المهنة والاتجاه لأعمال أخرى لتأمين معيشتهم، مما انعكس مباشرة على جودة التعليم واستقراره. وكان ممثل منظمة اليونيسف في اليمن، بيتر هوكينز، قد حذر في تصريحات سابقة من خطورة هذا الوضع، قائلاً: 'وجود ملايين الأطفال خارج المدارس قنبلة موقوتة.. خلال خمس إلى عشر سنوات قد نشهد جيلاً أمياً، غير قادر على القراءة أو الحساب'. في ظل هذا الواقع القاتم، يتحول التعليم في اليمن من حق أساسي إلى امتياز طبقي، وسط صمت دولي وتجاهل محلي، ليبقى ملايين الأطفال عالقين في دوامة الجهل والفقر، ويواجه الوطن مستقبلاً يهدده الفراغ المعرفي والانهيار التربوي.