logo
التحول في الصناعة واللوجستيات

التحول في الصناعة واللوجستيات

جريدة الرؤية٠٨-٠٤-٢٠٢٥

صالح بن أحمد البادي
تُركز حرب الرسوم الجمركية في أحد أهم أهدافها على إعادة قوة الصناعة وأحجامها إلى عمق أمريكا، ويبدو أن مرحلة مهمة من محاولات تحفيز الصناعات تعود لتكون الواجهة.
سيكون على أمريكا أن تفعل مجموعة من العوامل لتحقيق ذلك الهدف. ما سيصدمكم هنا أنه ورغم أن أمريكا هي أكبر اقتصاد من حيث الناتج المحلي إلا أن الصيًن هي أكبر اقتصاد من حيث التصنيع. والتصنيع ليس فقط إنتاجا؛ بل ما يهم التنافسية في كلفة الإنتاج والسيطرة اللوجستية والأهم أيضًا السيطرة على المواد الخام وربما يصدمكم أمرٌ آخر أن مواد الخام ولوجستيات المواد الخام تسيطر عليه بهدوء الصين ففي أفريقيا وفي غيرها من بقاع الأرض تتواجد مواد خام تسيطر بها الصين على عناصر التصنيع وقدراته. ومعظم أشباه الموصلات وغيرها تتقدم بها الصين بشكل باهر بل وربما صدمكم التحول الذي حدث بالصين حيث تفوقت صناعاتهم في شأن أشباه الموصلات وغيرها وظهرت منتجات تنافسية بثورات تكنولوجية وتنافسية لا تخطر على بال.
إنها محاولات جيدة من أمريكا لإعادة الهيبة والحجم في الصناعة الأمريكية والتنافسية لكن الأمر ليس سهلا. لماذا ليس سهلا.! لأنَّ الصين تقدم تنافسية شمولية وليست أحادية تطرح بعضا من تفاصيلها تاليًا.
تنبهت الصين لمسألة هامة جدا وهو أن كلف الإنتاج ترتفع نتيجة النمو والازدهار الذي يعيشه الصيني وزيادة كلفته والمدن الجديدة والمتجددة وكلف حياة المدن والنمو الذي يشهده الاقتصاد الصيني والذي يتحول لكلف أعلى. ولحلحلة مستدامة تحركت الصين بشكل مباشر للتوسع في مدن التصنيع بشكل كبير حيث تقلل الكلف وتمنح الصناعة حقها من المساحات المطلوبة وتسمح بتقليل نمو كل متر من كلف الأرض وكلف البناء وتسهيل كلف تمويل الصناعة والدخول بشغف في استخدام أفضل التقنيات وأنظمة المعلومات والذكاء الصناعي التنافسي بشكل أذهل العالم.
تحركت الصين لأمر غاية في الأهمية قبل أكثر من 35 سنة فقررت أن أفضل وسيلة لإبقاء التنافسية هي في كلف اللوجستيات التنافسية، فبعد أن غطت أفريقيا بخطوط سكة تمتد على كافة أرجائها تحولت لتصنع منظومة لوجستية عالمية عبر طريق الحرير وما حوله. ما يرتفع من كلف الإنتاج داخل الصين وحولها تخفضه كلف اللوجستيات وسيطرة النقل إلى أصقاع الأرض. فيصل المنتج إلى أيادي المستهلك بسعر تنافسي يبقيها مسيطرة لما لا يقل عن مئة سنة أو يزيد.
ولأن عملة أي دولة تحفزها الحركة التجارية والتصنيعية بين الدول سيطرت الصين على كلف الإنتاج بتقليل نموها وعوضت نمو كلفها الطبيعي بكلف لوجستيات أرخص وإدارة دفة تلك اللوجستيات وأعطت عملتها حجم أعمال ضخم تسيطر عليك بكل مفاصله فجاءت محاولات حثيثة لإنشاء مصرف عالمي بحجم البنك الدولي وكذلك منظومة اقتصادية بريكس أو بريكس بلس.
وفي وقت كانت أمريكا والغرب منشغلين بالسياسات والحروب ومناطق ثراء النفط والغاز والتحالفات الجيوسياسية كانت الصين تعمل في هدوء على تطوير سياستها وقدراتها وإمكانياتها الاقتصادية والتصنيعية واللوجستية بالعالم لتحتل اليوم المركز الأول كأكبر اقتصاد تصنيع على وجه الأرض وكأكبر اقتصاد مؤثر ومنافس ومتمكن تصنيعيا ولوجستيا وبكلفة نهائية تنافسية.
ولأن العملة وقوتها مرتبطة بحركة التجارة والتصنيع سيظهر مقالنا القادم كيف يمكن لسلة عملات أن تهيمن على سوق كان الدولار البترولي أو البترودولار يسيطر عليه لسنوات طويلة.
وهيمنة العملات تنبع من قوة اقتصادك وانتشارك اللوجستي ومتانة دائرة القدرات التي تملكها للسيطرة على سلسلة التوريد العالمية والتي برعت بها الصين آخر عشرين سنة من كافة أطرافها سواء سلاسل التوريد للمواد الخام أو سلاسل التوريد للمنتجات النهائية ومنظومة مصارف مالية تحاكي نظيراتها العالمية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تقرير دولي: عُمان تمضي بخطى واثقة نحو التحول الاقتصادي الشامل وفق "رؤية 2040"
تقرير دولي: عُمان تمضي بخطى واثقة نحو التحول الاقتصادي الشامل وفق "رؤية 2040"

جريدة الرؤية

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

تقرير دولي: عُمان تمضي بخطى واثقة نحو التحول الاقتصادي الشامل وفق "رؤية 2040"

◄ اليوسف: القطاعات الواعدة تُشكِّل الركيزة الأساسية لمرحلة "النهضة 2.0" وتحقيق التحول الاقتصادي الشامل الفروجية: سلطنة عُمان تشهد تحولًا كبيرًا نحو بيئة أعمال أكثر جذبًا ◄ الهند واليابان وكوريا الجنوبية تشكل رافدًا مهمًّا للاستثمارات الخضراء والتقنيات المتطورة ◄ 1.4 مليار ريال استثمارات الصين في عُمان لندن- العُمانية أكد تقرير مجموعة أكسفورد للأعمال أن سلطنة عُمان تسير بخطى واثقة نحو تحقيق تحول اقتصادي شامل، مستندة إلى رؤية "عُمان 2040" التي تُعدّ خارطة طريق وطنيّة طموحة لتعزيز التنويع الاقتصادي، وجذب الاستثمارات، وتعظيم القيمة المحلية المضافة، إلى جانب ترسيخ الحوكمة وتعزيز الاستدامة. وقال معالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار- في حديثه للمجموعة- إن أولويات سلطنة عُمان الاستثمارية تستند إلى محاور عدة؛ تشمل: تحديث بيئة الأعمال، وتنمية رأس المال البشري، وتوفير فرص العمل، والترويج للمقومات الاقتصادية، مع التوجه نحو التحول الرقمي، والسعي لتحقيق الحياد الصفري في الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050. وأشار معاليه إلى أن هذه الطموحات تُترجم على أرض الواقع من خلال استراتيجيات طموحة فتحت آفاقًا واسعة أمام قطاعات واعدة مثل التصنيع، والخدمات اللوجستية، والتعدين، والسياحة، والزراعة، ومصايد الأسماك، والطاقة المتجددة، والتي تشكل مجتمعة الركيزة الأساسية لمرحلة "النهضة 2.0"، وهي مرحلة التحول الشامل في المشهد الاقتصادي العُماني. ولفت معاليه إلى أهمية الموقع الاستراتيجي لسلطنة عُمان الذي يجعل منها بوابة تجارية بين آسيا وأفريقيا، مدعمة ببنية أساسية متقدّمة من موانئ متطورة ذات كفاءة عالية وطرق سريعة ومناطق صناعية وحرة مؤهلة ذات مزايا وحوافز عالمية، إلى جانب تقليص أوقات الشحن بنسبة تصل إلى 40 بالمائة مقارنة بالأسواق المنافسة، وهو ما وضع سلطنة عُمان في صدارة دول مجلس التعاون من حيث سرعة الامتثال لإجراءات الاستيراد والتصدير، وفقًا لتقارير البنك الدولي. وأكد معاليه على أن الابتكار يمثل المحرك الرئيس لتطور القطاعات الاقتصادية، مشيرًا إلى مشروعات الهيدروجين الأخضر في الدقم، والتصنيع عالي التقنية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الخدمات اللوجستية، وتقنيات الزراعة الدقيقة في نجد، إلى جانب الاستفادة المتزايدة من المنصات الرقمية في السياحة، وكلها تمثل ملامح التحول الجديد. من جانبها، أكدت سعادة ابتسام بنت أحمد الفروجية وكيلة وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لترويج الاستثمار على أن سلطنة عُمان تشهد تحولًا كبيرًا نحو بيئة أعمال أكثر جذبًا، مشيرة إلى أنها احتلت المرتبة الرابعة عالميًّا في قائمة الدول الأكثر جذبًا للاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2023، وهو ما يعكس ثقة المستثمرين العالميين بالاقتصاد العُماني. وأضافت سعادتُها أن جهود سلطنة عُمان تتركز على تعزيز التكامل الإقليمي ضمن منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتهيئة إطار استثماري مُوحَّد يوازن بين التعاون والمنافسة، مشيرة إلى أهمية تسهيل الموافقات على المشروعات، وتوحيد اللوائح، وتعزيز التكامل الرقمي، لا سيما في التجارة الإلكترونية وأنظمة الدفع عبر الحدود. وحول الأسواق الخارجية ذات الأولوية، أوضحت سعادتُها أن سلطنة عُمان تستقطبُ نوعين من المُستثمرين: الباحثين عن استقرار طويل الأمد، والجُدُد المُهتمين بالابتكار والتقنيات المتقدمة، مع التركيز على الشراكات مع دول مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية، التي تشكل رافدًا مهمًّا للاستثمارات في الطاقة الخضراء والتقنيات المتطورة، مشيرة إلى أن حجم استثمار الصين في سلطنة عُمان بلغ خلال 2023 نحو 1.4 مليار ريال عُماني، موزعًا على مشروعات البنية الأساسية والقطاعات الاقتصادية الحيوية، فيما تستمر أوروبا قيامها بدور محوري، خاصة مع التوسع في مشروعات الطاقة الخضراء، مثل مشروع "آمنة للهيدروجين الأخضر" بالشراكة مع الدنمارك، والذي تبلغ قيمته نحو 6 مليارات دولار أمريكي. وركز التقرير على نجاح سلطنة عُمان في تسجيل نمو بنسبة 19.3 بالمائة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين الربع الأول من عامي 2023 و2024، في وقت تُظهر فيه الاستراتيجية الصناعية العُمانية 2040 أهدافًا طموحة تتمثل في مضاعفة إسهام قطاع التصنيع إلى 10.8 مليار ريال عُماني، واستقطاب استثمارات سنوية تتجاوز 1.9 مليار ريال عُماني. وأشار التقرير إلى أن التقدم في مؤشرات التصنيف الائتماني، مثل رفع تصنيف سلطنة عُمان من قبل وكالة ستاندرد آند بورز في سبتمبر 2024، يعكس استقرار الاقتصاد العُماني وتحسُّن مناخ الاستثمار، وهو ما يعزز ثقة الأسواق والمؤسسات المالية الدولية. من جانب آخر، بَرَزَ قطاع النقل والخدمات اللوجستية أحد المحركات الرئيسة لعملية التنويع الاقتصادي، مستفيدًا من الموقع الجغرافي الفريد لسلطنة عُمان عند تقاطع طرق التجارة العالمية، إلى جانب مشروعات استراتيجية مثل مدينة خزائن الاقتصادية، ومشروع "سكة حديد عُمان-الاتحاد"، وخطط التوسع في الربط الجوي والبحري. وأسهم هذا القطاع بما يعادل 6.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، بقيمة بلغت نحو 1.7 مليار ريال عُماني، مع توقعات بوصول إسهامه إلى 13.8 مليار ريال بحلول عام 2040، وتوفير نحو 300 ألف وظيفة جديدة. وسجّل قطاع الخدمات اللوجستية إنجازات ملموسة، منها إصدار قانون بحري جديد يعزّز تنافسية سلطنة عُمان عالميًّا، إلى جانب تبني تقنيات متقدمة مثل "نظام مجتمع الموانئ" الذي خفض وقت معالجة الشحنات من 48 ساعة إلى ساعتين فقط، مما أسهم في تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف. وبيّن التقرير أن قطاع الزراعة وإنتاج الغذاء في سلطنة عُمان يسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 100 بالمائة بحلول عام 2040، مستفيدًا من التقنيات المتقدّمة والاستثمارات الاستراتيجيّة لتحسين استغلال نحو 1.4 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، في إطار جهود شاملة لتعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الواردات. ويُعد هذا القطاع من أولويات الاقتصاد الوطني؛ إذ سجل حضورًا قويًّا في مجالات الزراعة المتكاملة وتربية المواشي والصيد، وبلغ عدد العاملين فيه أكثر من 139 ألف شخص حتى أغسطس 2024، بينما سجَّلت سلطنة عُمان نسب اكتفاء مرتفعة في عدد من المنتجات مثل الأسماك 162 بالمائة، والحليب الطازج 97 بالمائة، والبيض 92 بالمائة، مع سعي متواصل لرفع نسب الاكتفاء في منتجات أخرى مثل الفواكه والخضروات واللحوم. وأضاف التقرير أن القطاع الصناعي شهد نموًّا ملحوظًا، إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي له في عام 2023 نحو 3.8 مليار ريال عُماني، بمعدل نموّ سنوي 16.7 بالمائة في الربع الثاني من العام نفسه، كما جذبت سلطنة عُمان استثمارات أجنبية مباشرة تجاوزت 2.2 مليار ريال عُماني، بنموّ بلغ 37.3 بالمائة في بداية عام 2024، ما يعكس ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال العُمانية وتُشكّل العمالة الوافدة في القطاع الصناعي ما يقارب 192 ألف عامل، ما يدل على اتساع نشاطه وتنوع مجالاته. ويعتمد قطاع التصنيع على بنية أساسية قويّة تشمل 11 مدينة صناعية، وأربع مناطق حرة، ومتنزهين تكنولوجييْن، ومنطقة اقتصادية خاصة، تحتضن شركات عالمية ومؤسسات صغيرة ومتوسطة، وبلغ إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي عام 2022 حوالي 4.6 مليار ريال عُماني، وتم تصدير سلع مصنّعة غير نفطية بقيمة 7.5 مليار ريال عُماني إلى أكثر من 140 دولة، ما يؤكد على حضور المنتجات العُمانية عالميًّا، خاصّة في مجالات المعادن والبلاستيك والمطاط. ويسعى القطاع إلى تحقيق الحياد الكربوني عبر التوجه نحو صناعات مستدامة، مثل تصنيع مواد البناء والأغذية والمشروبات، مستفيدًا من الموارد الطبيعية المحلية والشراكات بين القطاعين العام والخاص. أما قطاع التعدين، فقد سجّل ناتجًا محليًّا بنحو 229.3 مليون ريال عُماني في عام 2023، مدعومًا بإيرادات ارتفعت بنسبة 11 بالمائة في العام السابق، مع بلوغ مبيعات الخامات المعدنية ما يقارب 97.3 مليون ريال عُماني، وإنتاج تجاوز 63 مليون طن. وقد نمت صادرات المنتجات المعدنية بنسبة 71 بالمائة لتصل إلى 71.5 مليون ريال عُماني، بفضل التشريعات الجاذبة وتحسين البنية الأساسية. وتسعى سلطنة عُمان إلى التحول إلى مركز عالمي لإنتاج المعادن، من خلال تطوير مشروعات متقدمة مثل مصنع ثاني أكسيد التيتانيوم ومصنع عجلات الألمنيوم في صحار، إلى جانب فتح 110 مربعات تعدين جديدة. كما توفر شركة تنمية معادن عُمان فرصًا استثمارية واعدة، من خلال شراكاتها مع شركات محلية لتطوير مشروعات مستدامة تستغل ثروات البلاد من النحاس، والذهب، والحجر الجيري، والجبس، والدولوميت. فيما يشهد قطاع السياحة في سلطنة عُمان نموًّا متسارعًا، مستفيدًا من تنوعه الطبيعي الغني وتراثه الثقافي العريق، إلى جانب الاهتمام المتزايد بالسياحة البيئية والمغامرات والسياحة المجتمعية، وحقق الربع الأول من عام 2024 نموًّا بنسبة 12 بالمائة مقارنة بعام 2023، ما يعكس الاتجاه الإيجابي نحو بلوغ الهدف الوطني باستقطاب 11 مليون زائر سنويًّا بحلول عام 2040. وفي ظل مساعيها لتعزيز مكانتها في السوق السياحي العالمي، تعمل سلطنة عُمان على تسهيل متطلبات التأشيرة لأكثر من 100 دولة، وتكثف حملاتها الترويجية والفعاليات السنوية، إلى جانب شراكات استراتيجية مع دول الجوار مثل السعودية لتنسيق الجهود التسويقية واستثمار نقاط القوة المشتركة. كما تُركِّز على السياحة المتخصصة مثل المغامرات، والطهو؛ حيث حقق مركز فنون الطهو العُماني تفاعلًا لافتًا، وجذب أطباقه المبتكرة اهتمام الزوار من أوروبا، مما يعكس الجاذبية المتزايدة للمطبخ العُماني عالميًّا، وتُولي الحكومة أهمية للتنمية المحلية من خلال إشراك المجتمعات في المبادرات السياحية، ودعم المشروعات الصغيرة التي تدمج البُعد الثقافي بالحفاظ على البيئة، مع خطط لفتح 25 موقعًا تراثيًّا للاستثمار بحلول 2025، من ضمنها حصن بهلا. وفي موازاة النمو السياحي، تمضي سلطنة عُمان في تنفيذ مشروعات طموحة للتحول الحضري، تُعيد تشكيل المشهد السكني والترفيهي بما يتماشى مع مبادئ الاستدامة والابتكار عبر الاستراتيجية الوطنية للعقار القائمة على الحوكمة، وكفاءة السوق، والتحفيز الاستثماري، والتحول الرقمي، وتنمية القدرات، وتشمل هذه الخطط إطلاق 18 مبادرة ترتكز على 16 أولوية و32 مؤشرًا رئيسًا، إلى جانب استراتيجية وطنية للتخطيط العمراني 2040 تهدف إلى تطوير بنية حضرية متكاملة تلبّي احتياجات النمو السكاني وتحافظ على جودة الحياة. فيما تمضي سلطنة عُمان بخطى واثقة نحو التحول من الاعتماد التقليدي على النفط والغاز إلى تبني مستقبل طاقي مستدام يقوم على مصادر نظيفة ومتجدّدة، حسب ما أشار إليه التقرير وهي تستفيد من موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية. وبينما لا يزال النفط يشكل دعامة أساسية للاقتصاد الوطني، حيث بلغ إسهام الأنشطة النفطية في الناتج المحلي الإجمالي 7.2 مليار ريال عُماني (نحو 18.7 مليار دولار أمريكي) في الربع الثاني من عام 2024، فإن رؤية سلطنة عُمان للطاقة تستشرف آفاقًا جديدة تقوم على الابتكار والاستثمار في المستقبل الأخضر. وتبرُز الطاقة المتجدّدة والهيدروجين الأخضر محاور استراتيجية جديدة؛ إذ تمتلك سلطنة عُمان مقومات طبيعية استثنائية، منها وفرة الموارد الشمسية والرياح، ومساحة شاسعة تقارب 50 ألف كيلومتر مربع قابلة للتطوير، ما يضعها في موقع مثالي لتكون منتجًا عالميًّا للهيدروجين الأخضر بتكلفة تنافسية. وضمن خططها الطموحة، تستهدف سلطنة عُمان إنتاج مليون طن سنويًّا من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، لترتفع إلى 3.8 مليون طن في عام 2040، ثم 8.5 مليون طن في عام 2050، وهو رقم يفوق الطلب الأوروبي الحالي ويعادل نحو 80 بالمائة من صادرات سلطنة عُمان من الغاز الطبيعي المسال من حيث الطاقة، وتُشرف على هذا التوجه شركة "هايدروم"، المملوكة بالكامل لشركة تنمية طاقة عُمان، بالتعاون مع تحالف"Hy-Fly"، في نموذج شراكة بين القطاعين العام والخاص. وأشارت مجموعة أكسفورد للأعمال إلى أن سلطنة عُمان تسير بخطى ثابتة نحو الريادة في مجال التحول الرقمي على مستوى المنطقة، مدفوعة برؤية طموحة واستثمارات استراتيجية تعزز مكانتها؛ باعتبارها مركزًا تقنيًّا ناشئًا، وقد تبنّت نهجًا شموليًّا لتطوير البنية الأساسية الرقمية، مع التركيز على تقنيات الجيل الخامس، والحوسبة السّحابية، ومراكز البيانات، ما يسهم في تمكين الاقتصاد القائم على المعرفة وتوفير فرص أعمال جديدة تعتمد على التكنولوجيا. ويقوم الاقتصاد الرقمي بدور محوريٍّ في رؤية "عُمان 2040"؛ حيث تستهدف سلطنة عُمان زيادة إسهام هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، مدعومة بشبكة رقمية متينة تعزز الإنتاجية وتدعم تنويع مصادر الدخل، وتشير المؤشرات الرقمية إلى تقدم ملحوظ في انتشار خدمات النطاق العريض المتنقل والثابت، وتغطية شبكات الجيلين الرابع والخامس، إضافة إلى ارتفاع ترتيب سلطنة عُمان في مؤشرات الجاهزية للذكاء الاصطناعي. كما إن البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي يسعى إلى صياغة إطار استراتيجي لاعتماد التقنيات المتقدمة، عبر متابعة المؤشرات الدولية وتنظيم حلقات عمل تهدف إلى رفع مستوى الجاهزية الرقمية. وفي مجال الأمن السيبراني، تعمل سلطنة عُمان على تأسيس قطاع متخصّص يعزّز الابتكار ويضمن سلامة المنظومة الرقميّة، مع تركيز خاص على تنمية الكفاءات الوطنية. وتُعطي سلطنة عُمان اهتمامًا خاصًا لقطاع التكنولوجيا المالية؛ إذ تسعى إلى ترسيخ موقعها باعتبارها مركزًا إقليميًّا للتمويل الرقمي، فضلًا عن دعم التجارة الإلكترونية لتوسيع الفرص أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتمكينها من الوصول إلى أدوات التمويل والنمو. كما يدخل قطاع الفضاء ضمن أولويات التحول الرقمي من خلال تطوير السياسات الداعمة لتقنيات الفضاء وتطبيقاتها. ومن خلال هذا التوجه الاستراتيجي، تضع سلطنة عُمان الأسس اللازمة لبناء اقتصاد رقمي مرن ومتنوع، يواكب التطورات العالمية ويستند إلى الابتكار والمعرفة، ليُسهم بفعالية في مستقبل التنمية المستدامة بسلطنة عُمان. وأكّدت مجموعة أكسفورد للأعمال- في ختام تقريرها- أن سلطنة عُمان تمضي قُدمًا نحو بناء اقتصاد تنافسي مستدام، يقوده الابتكار، ويستند إلى موقع استراتيجي، وبيئة استثمارية مرنة، ورؤية واضحة تستند إلى خطط قابلة للقياس، وهو ما يجعلها وجهة واعدة للمستثمرين في مختلف القطاعات خلال السنوات المقبلة.

السعودية وقطر تتكفلان بتسوية متأخرات سوريا لدى البنك الدولي
السعودية وقطر تتكفلان بتسوية متأخرات سوريا لدى البنك الدولي

جريدة الرؤية

time٢٧-٠٤-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

السعودية وقطر تتكفلان بتسوية متأخرات سوريا لدى البنك الدولي

عواصم - الوكالات ذكر بيان مشترك نشرته وكالة الأنباء السعودية اليوم الأحد أن السعودية وقطر تعتزمان تسوية متأخرات سوريا لدى البنك الدولي والبالغة نحو 15 مليون دولار. وقال الدولتان الخليجيتان في البيان "سيمكن هذا السداد من استئناف دعم ونشاط مجموعة البنك الدولي لسوريا، بعد انقطاع دام لأكثر من 14 عاما". وأضاف البيان أن هذا "سيتيح حصول سوريا على مخصصات من البنك الدولي في الفترة القريبة القادمة لدعم القطاعات الملحّة، إضافة إلى الدعم الفني الذي سيسهم بدوره في إعادة بناء المؤسسات وتنمية القدرات وصنع وإصلاح السياسات لدفع وتيرة التنمية".

"حرب ترامب الجمركية 2.0": نحو نظام اقتصادي عالمي جديد
"حرب ترامب الجمركية 2.0": نحو نظام اقتصادي عالمي جديد

جريدة الرؤية

time٢٠-٠٤-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

"حرب ترامب الجمركية 2.0": نحو نظام اقتصادي عالمي جديد

محمد بن أنور بن خميس اللواتي ** mohdlawati@ في خطوةٍ استفزازية غير مسبوقة تهدف إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثاني من أبريل عن شن حرب تجارية شاملة طالت أطرافًا متعددة، وذلك بفرض رسوم جمركية قاسية إضافية تبلغ في بعض الحالات نسبة 49%، مع فرض حد أدنى بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية. وقد برر ترامب خطوته هذه بأنها "ضرورة حتمية لإنقاذ الصناعة الأمريكية" و"تصحيحٌ لاختلالات مزمنة في الميزان التجاري". وقد أعقب فرض هذه الرسوم الجمركية سلسلة قرارات زادت من حدّتها أو جرى تعطيل بعضها لاحقًا، كما سارعت دول عديدة إلى الرد بقرارات انتقامية، بينما عبَّرت أخرى استعدادها للتفاوض مع واشنطن. لقد شهد النظام الاقتصادي العالمي محطات مفصلية ساهمت في تشكيل ملامحه الحالية. فاتفاقية "بريتون وودز"، التي وقعت في يوليو 1944م بحضور ممثلي 44 دولة في غابات بريتون في ولاية نيوهامبشر بالولايات المتحدة الأمريكية، جاءت لترسم ملامح الاقتصاد العالمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ومن أبرز مخرجات اتفاقية "بريتون وودز" هو تشجيع التجارة الدولية من خلال إنشاء مؤسسات مالية عالمية جديدة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتثبيت سعر صرف الدولار عند 35 دولارًا لكل أونصة ذهب، وربط أسعار العملات الرئيسية الأخرى بأسعار ثابتة مقابل الدولار. أصبح الدولار الأمريكي -نتيجة لذلك- العملة المرجعية العالمية، في خطوة مثلت تتويجًا للهيمنة الأمريكية-الأوروبية على الاقتصاد العالمي الجديد، إذ خدمت بصورة أساسية المصالح الغربية، وتشكّلت بموجبه منظمات دولية تخضع -بلا أدنى شك- للنفوذ الأمريكي. وفي منعطف تاريخي، أعلن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في 15 أغسطس 1971 -بصورة أحادية ومفاجئة- تخلي الولايات المتحدة عن تعهدها بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب، وفرض رسوم جمركية مُؤقتة بنسبة 10% لحماية الصناعات الأمريكية؛ معلناً بشكل ضمني نهاية اتفاقية "بريتون وودز" وأسعار الصرف الثابتة، وبداية حقبة اقتصادية جديدة. وقد دفعت هذه الخطوة عوامل عدة أبرزها الأعباء المالية على الخزانة الأمريكية الناجمة عن حرب فيتنام، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة. ومع أن هذه الإجراءات سبّبت مرحلة عدم استقرار قصيرة الأمد، وركودًا تضخميًا خلال منتصف السبعينيات، فإنها عزَّزت في الوقت نفسه من مركزية الدولار، ورسّخت النفوذ الأمريكي في النظام التجاري العالمي. تواجه الولايات المتحدة حاليًا أزمة متفاقمة تتمثل في اختلال مالي متصاعد؛ فقد تجاوز العجز في الموازنة الفدرالية 1.8 ترليون دولار للسنة المنتهية في سبتمبر 2024، في الوقت ذاته يزداد العجز التجاري مع شركاء تجاريين رئيسيين، لا سيما الصين والاتحاد الأوروبي. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الدَّين العام الفدرالي إلى أكثر من 36 تريليون دولار، أي ما يعادل نحو 122% من الناتج المحلي الإجمالي. وتعد هذه النسبة مرتفعة مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، ما يعكس حجم التحديات المالية والاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة، ويثير تساؤلات جوهرية حول استدامة اقتصادها وقدرته التنافسية. وفي مواجهة هذا الواقع الاقتصادي الأمريكي، تبنّت إدارة الرئيس دونالد ترامب نهجًا جديدًا يعتمد على استخدام الرسوم الجمركية كسلاح اقتصادي وأداة صدمة تهدف إلى إعادة هندسة القواعد الاقتصادية العالمية، وإجبار الأطراف المختلفة على إعادة التفاوض على قواعد اقتصادية جديدة تتماشى مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية. وتُمثل هذه الحرب بداية لتشكّل نظام اقتصادي جديد يتسم بالحمائية والتكتلات الإقليمية، بدلًا عن الانفتاح والعولمة. ما نشهده اليوم ليس استثناءً، بل قد يكون حلقة جديدة من حلقات إعادة تشكّل النظام العالمي، ولكن بأدوات أكثر حدَّة وتوجّه قومي أكثر تطرفًا بما يحفظ المصالح الأحادية للقوة العظمى. تشير الوقائع التاريخية إلى أن الأحداث الاقتصادية والسياسية الكبرى غالبًا تأتي بعد مرحلة من الفوضى بنظام اقتصادي وسياسي جديد، كما رأينا في اتفاقية بريتون وودز، ونهاية معيار الذهب. وفي هذا السياق، يبرز مفهوم "دورة صعود وسقوط الأمم" كما يطرحه راي داليو، مؤسس صندوق التحوط العالمي بريدج ووتر أسوشيتس، وأحد أبرز المفكرين في دراسة الدورات الاقتصادية التاريخية. في كتابه "مبادئ للتعامل مع النظام العالمي المتغير: لماذا تنجح الأمم أو تفشل"، يقدّم داليو تصورًا لدورة تمر بها الأمم، تبدأ بـمرحلة الصعود والبناء، وتتميز بالإنتاجية المرتفعة والتعليم القوي والانضباط المالي، تليها مرحلة الذروة والهيمنة التي تتصف بالقوة الاقتصادية والعسكرية وازدهار العملة الوطنية، ثم تأتي مرحلة التراجع والانحدار حيث تتراكم الديون وتتسع الفجوات الاجتماعية والسياسية وتضعف القدرة على الابتكار، وغالبًا ما تنتهي هذه المرحلة بأزمة اقتصادية أو صراع واسع النطاق. ويستشهد داليو بتجارب دول مثل هولندا وبريطانيا، معتبرًا أن الولايات المتحدة تقف اليوم عند ذروة هذه الدورة، وسط مؤشرات واضحة على التراجع، في مقابل صعود قوى كبرى على رأسها الصين. ومن هذا المنظور، فإنَّ ما تقوم به الولايات المتحدة عبر "حرب ترامب الجمركية 2.0" لا يعدو كونه محاولة لتأخير الانحدار الحتمي. فعلى الصعيد الخارجي، تتورط الإدارات الأمريكية المتعاقبة في صراعات عبثية حول العالم، بينما تتهاوى منظومة القيم التي طالما تغنت بها، وتُسيّس الدولار بشكل يفقده حياده وقيمته الاقتصادية. أما على المستوى الداخلي، فيتصاعد الدَّين العام إلى حدود غير مستدامة، وتتركز الثروة في أيدي قلة، بينما تتعمّق الهوة الاجتماعية والاقتصادية، ويزيد الانقسام السياسي. الفترة المقبلة ستكون حبلى بالتطورات المتسارعة مما يحول دون الوصول إلى استنتاجات سريعة أو دقيقة الآن، لكن الواضح أن العالم قد دخل بالفعل مرحلة جديدة في العلاقات الاقتصادية بين الدول؛ مرحلة تحكمها الحمائية، وتعاد معها تشكّل سلاسل التوريد، وتصاحبها ضغوطات تضخمية، وتُنتج نظامًا عالميًا اقتصاديًا جديدًا. ما نجهله عن المستقبل يفوق بكثير ما نعرفه، ولهذا فإن العمل على التهيؤ لمختلف السيناريوهات يبقى الخيار الأكثر واقعية في عالم تسوده اللايقينيات. أما بالنسبة لسلطنة عُمان، فإنها لن تكون بمنأى عن هذه المتغيرات؛ لذا لابد أن نكون على أهبة الاستعداد، خاصة في ظل هبوط أسعار النفط، والضغوط التضخمية، وتزايد مخاطر الإغراق التجاري من منتجات تبحث عن أسواق جديدة. وفي مواجهة هذه التحديات، تبرز فرص مهمة كتوسيع العلاقات التجارية مع الدول المتضررة من الرسوم الأمريكية ودول الجوار، وإعادة هيكلة سلاسل التوريد، وفتح قنوات تصديرية جديدة، مع ضرورة حماية الصناعات المحلية؛ ففترة التحرير الكلي للتجارة الدولية قد انتهت. ومن الضروري أيضًا الدفع نحو بلورة سياسات خليجية اقتصادية موحدة، تشمل فرض رسوم جمركية مضادة على الولايات المتحدة، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، ومراجعة سياسة ربط العملات بالدولار في إطار استراتيجيات اقتصادية خليجية متكاملة وسريعة. ** كاتب في المجال الاقتصادي

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store