بين التسعير بالليرة والأرباح بالدولار... تلاعب خفيّ وهوامش أرباح تنهك المواطن مدير عام وزارة الاقتصاد يكشف لـ "الديار" عن تشدّد في الرقابة
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في لبنان أواخر عام 2019، دخلت الأسعار في حلقة مفرغة من الارتفاع المستمر، تغذّيها عوامل متعدّدة، أبرزها الانهيار الحاد في سعر صرف الليرة اللبنانية، والسياسات غير المستقرة للدعم، وانعدام الرقابة الفعلية على السوق. وما ان بدأت الأسواق تلتقط أنفاسها نسبيا مع نوع من "الاستقرار النقدي" عند حدود 89,500 ليرة للدولار، حتى جاءت الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة على لبنان لتعمّق الجراح الاقتصادية، وتعيد إشعال فتيل القلق لدى المواطنين من موجة غلاء جديدة.
يذكر ان وزارة الاقتصاد، بدأت بتطبيق قرار "دولرة الأسعار" كخطوة تهدف إلى الحد من الغموض في الفواتير، وتثبيت الأسعار وفق السوق الفعلية. لكنّ الممارسة على الأرض أفرزت مفارقات عديدة، أبرزها أنّ عددا من السلع المستوردة، وخصوصا الخضر والفاكهة تسعر بالليرة، في حين ان سلعا من انتاج محلي، وتحديداً "كرز حمانا"، تسعر بالدولار كما وثقته "الديار"، بينما يباع الكيلو في المحلات المجاورة بنحو 300 ألف ليرة فقط. هذا الواقع يفتح الباب أمام تفاوتات وتلاعبات لا يمكن رصدها بسهولة، مع غياب التسعير الدقيق بحسب مصدر السلعة وكلفتها الفعلية.
ومن خلال جولات ميدانية دورية أجرتها "الديار" على كبرى "السوبرماركات" في بيروت والمناطق المجاورة، رصدت تغيّرات لافتة في أسعار بعض السلع الأساسية. ورغم تثبيت سعر صرف الدولار بشكل شبه رسمي، إلا أن بعض أسعار المواد مثل العدس والحمص والأرز، شهدت ارتفاعات تراوحت بين 30 و90 سنتا.
من هنا، حريّ بنا التوضيح انه إذا كان سعر سلعة معينة يوازي دولارا واحدا، أي نحو 90 ألف ليرة، يعمد بعض التجار إلى تسعيرها بمئة ألف ليرة "تسهيلاً" للسداد، ما يعني ربحا إضافيا بقيمة 10 آلاف ليرة عن كل قطعة. وهذه القيمة التي قد تبدو زهيدة في نظر المواطن، لم تعد تساوي شيئا في حساباته اليومية، لكنها بالنسبة للتاجر تشكّل فارقا تراكميا كبيرا. وهكذا تُنهب جيوب اللبنانيين على دفعات، بهدوء لا يثير ضجيجا.
الرقابة تشمل كل سلسلة الإمداد
بالاستناد إلى ما تقدّم، يؤكد المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر لـ "الديار" أنّ "فرق مراقبي حماية المستهلك تنفّذ جولات ميدانية يومية، وقد بدأنا مجددا مراقبة كامل سلسلة الإمداد، أي أننا نتابع عمل المستورد والتاجر والموزّع وصولا إلى السوبرماركات".
ويضيف: "نقوم برصد معدلات أسعار السلعة نفسها، ومقارنتها بين الوقت الراهن وما كانت عليه قبل شهر، وقد بدأنا هذا الإجراء منذ رفع سعر صفيحة المازوت في مجلس الوزراء. وعند تسجيل أي مخالفة، يتم تنظيم محاضر وإحالتها إلى القضاء المختص، على أمل أن تُبتّ قريبا التعديلات المقترحة على قانون حماية المستهلك، وأن تُقرّ في مجلس النواب". وشدد على أن "هذه التعديلات ستجعل العقوبات أكثر صرامة وردعا، بحيث يتريث أي مخالف ويفكر مليا قبل الإقدام على أي تجاوز، الأمر الذي من شأنه أن يُقلّص المخالفات، حتى من قبل أولئك الذين يحاولون التلاعب أو خرق القرارات، إذ يصبح لزاما عليهم حساب العقوبة قبل الإقدام على أي خطوة".
ويشير إلى أنّ "تسعير بعض أصناف الخضر والفاكهة المستوردة بالليرة اللبنانية ليس إجراءً جديدا، بل كان مسموحا به منذ أن اتخذت الوزارة قرار دولرة الأسعار. أما بخصوص الارتفاع الملحوظ في أسعار هذه الأصناف، فيعلّق قائلاً: "ذلك يعود إلى زيادة أسعارها عالميا، وخصوصا في الدول التي يتم الاستيراد منها".
تقلبات الأسعار تثير شكوك المواطنين!
في جميع الاحوال، وفق ما رصدناه على مدى أسابيع، يتبيّن وجود اختلاف كبير في الأسعار، خاصةً في الحبوب. كما لوحظ تفاوت في أسعار بعض السلع الأساسية الأخرى مثل الملح والسكر، حيث يتراوح هذا التفاوت بين 20% ووصولا إلى 80%. وقد أثارت هذه القضية تساؤلات المواطنين أثناء وقوفهم أمام أرفف "السوبرماركات" وهم يختارون احتياجاتهم، متسائلين عن سبب هذا الارتفاع الكبير في الأسعار.
وبطبيعة الحال، فإن الأسباب معروفة إلى حد كبير، وحصلنا على بعض التوضيحات بشأنها، ولكن لا يخلو الأمر من وجود مبالغة في زيادة بعض الأسعار، التي وصلت في بعض الحالات إلى 17% أو 20% أو 30%، بل وحتى 40%.
ومن هذا المنطلق، سألت "الديار" سيدة كانت تتبضع من احدى "السوبرماركات" عن الأسعار إذا كانت لا تزال ثابتة ام تبدلت لتجيب: "ما في شي رخيص الا الإنسان بهيدا البلد". وعبرت عن اسفها قائلة: "اشتريت كيس الحمص وزن 900 غرام الشهر الماضي بنحو 1.80 دولار، واليوم بات سعره 2.40 دولار، وقس على هذا الامر سلعًا متنوعة من هذا القبيل".
وتمشيا مع صرخة هذه السيدة، وفق ما وثقناه، هناك اختلاف معتبر في الأسعار، خاصةً في العدس والحمص والأرز والفاصوليا وحتى الذرة (البوشار)، بالإضافة إلى البرغل بنوعيه. كما لوحظ تفاوت في أسعار بعض السلع الأساسية الأخرى مثل الملح والسكر، حيث يتراوح هذا الفرق بين 20% ووصولًا إلى 80%.
من زاوية أخرى، لم تسلم أسعار الخضر والفواكه المحلية من هذا الارتفاع الظاهر. ويُعزى ذلك، وفقا لتاجر خضر وهو أيضا مزارع يدعى طوني، الى التغيرات المناخية خصوصا مع دخولنا فصل الصيف، حيث تؤثر هذه العوامل بشكل كبير في نضج بعض الأصناف مبكرا أو متأخرا، مما يسبب إغراقا متقطعا للأسواق الداخلية. ويؤدي هذا الأمر إلى تراكم بعض الأنواع في الأسواق، مما يسبب تباينًا واضحًا في الأسعار، ففي بعض الأحيان نجد الأسعار منخفضة جدا، وأحيانًا أخرى مرتفعة جدا. كما توجد فترات يكون فيها السعر معقولا ومقبولا، وأخرى يكون فيها الارتفاع غير مبرر وغير مقبول، حيث قد تصل الفروقات إلى حوالى 40 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد من نوع معين من الخضر أو الفاكهة. وهنا لا بد من الإشارة الى ان كيلو البطاطا كان قبل أسابيع بحوالى 80 الفًا، واليوم سعره 40.
في الخلاصة، وحرصا على الدقة، يؤكد مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر لـ "الديار" استعداد الوزارة الكامل لمراقبة كل من يخالف القوانين، من السوبرماركت الكبرى التي تم توثيق التجاوزات بأسمائها أو مناطقها، أو حتى الدكاكين الصغيرة غير المسجلة في النقابة، وغيرها من المحال التجارية. هذا التأكيد يعكس جدية الوزارة في مكافحة المخالفات وضبط الأسواق بكل الوسائل المتاحة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 41 دقائق
- الديار
لبنان الرسمي يراقب التصعيد... والحكومة تركز على التعيينات
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب في انتظار ما ستؤول اليه الحرب من نتائج، حضرت هذه التطورات في جلسة مطولة لمجلس الوزراء في قصر بعبدا، حيث تم التشديد على ضرورة عدم اقحام لبنان في الصراع العسكري. وأقرت الجلسة التشكيلات الديبلوماسية، بينما تشير المعلومات الى انه سيجري اقرار التعيينات المالية ضمن سلة متكاملة الأسبوع المقبل، فيما لم يتم التوافق بعد على التعيينات القضائية. وسبق الجلسة اجتماع بين الرئيسين عون وسلام بحث في المستجدات والأوضاع العامة، وتناولت المواضيع المدرجة على جدول الاعمال والتطورات السياسية والأمنية وملف التعيينات. وشدد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خلال الجلسة على «دقة الوضع في المنطقة»، منوها بمواقف الفاعليات اللبنانية كافة «للمحافظة على الاستقرار، خاصة مع بداية موسم صيف واعد». وشدد رئيس الجمهورية على «ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لإبعاد لبنان عن الصراعات التي لا شأن له بها»، آملا «ألا يؤثر الوضع الإقليمي في الفرص المتاحة أمام لبنان. وأقر مجلس الوزراء التشكيلات الديبلوماسية.


الديار
منذ ساعة واحدة
- الديار
لا تطمينات أميركية
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب فيما ينتظر البعض في لبنان «جثة» النظام الايراني على ضفة النهر، لاستثماره داخليا، ولا يخجلون من دعم «اسرائيل» في عدوانها، لم يتلق المسؤولون اللبنانيون اي تطمينات من الجانب الاميركي حيال النيات «الاسرائيلية» تجاه الجبهة اللبنانية. ووفق مصادر سياسية بارزة، فانه مقابل توجيه واشنطن تحذيرات شديدة اللهجة الى الجانب اللبناني، بضرورة منع حزب الله من التدخل في المواجهة الدائرة، علما انه لا مؤشرات او معطيات حيال هكذا احتمال، فان الاتصالات الرسمية مع هذه القنوات الاميركية المؤثرة في البيت الابيض، لم تفض الى الحصول على اجوبة قاطعة عن الاسئلة اللبنانية القلقة، من احتمال اقدام «اسرائيل» على تصعيد انتقامي غير مبرر، يشبه ما حصل في الضربات الاخيرة على الضاحية الجنوبية، لا سيما وسط التعبئة في ألوية الاحتياط في جيش الاحتلال في الشمال، حسب ما أوردت وسائل اعلام عبرية تحدثت عن حشد الفرقة 146 ولواء الاحتياط «القبضة الحديدية» (205) وفرق اخرى ستكون كاحتياطي لسيناريوهات مختلفة في الساحة الشمالية.


صوت لبنان
منذ ساعة واحدة
- صوت لبنان
بيع المحروقات جنوباً تراجع خوفاً من الحرب
رمال جوني - نداء الوطن كان متوقعاً أن تشهد أسعار المحروقات، وتحديداً البنزين، ارتفاعاً بحدود الدولارين، إلا أن الخلافات داخل مجلس الوزراء رحّلت القرار إلى موعد لاحق. لكن المؤكد أن سعر صفيحة البنزين سيتجه للارتفاع بنحو 50 إلى 60 ألف ليرة خلال الأيام العشرة المقبلة، وذلك تماشياً مع سعر برميل النفط عالمياً، والذي وصل إلى 90 دولاراً. في المقابل، بدأت تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية تفرض نفسها على السوق المحلي، الذي يعيش صدمة جديدة خشيةَ امتداد الحرب إلى لبنان. محطات المحروقات في منطقة النبطية سجلت تراجعاً في المبيعات بنسبة تراوحت بين 15 و20 في المئة، وهي سابقة، إذ لطالما استفادت المحطات من الأزمات، لكن هذه المرة مختلفة، فالجميع يتحسب من الأسوأ. على عكس العادة، لم تبادر المحطات إلى تخزين المحروقات مع توقع ارتفاع الأسعار، بل تراجع الإقبال، كما يقول صاحب إحدى المحطات: "نتهرب من التخزين، لأنو إذا وقعت الحرب، بنخسر كل شي". ويضيف: "الحركة الليلية شبه متوقفة، الناس بطّلت تطلع كزدورة أو تسهر، وهيدا كله مأثر علينا". هي المرة الأولى التي يشهد فيها الجنوب، وتحديداً النبطية، تراجعاً كبيراً في بيع المحروقات. وسبق أن واجهت المحطات نكستَين: الأولى، خلال حرب الـ 66 يوماً، والثانية اليوم، على خلفية الحرب الدائرة في المنطقة. وبلغ التراجع في المبيعات 30 %، خصوصاً أن المحطات كانت تعتمد على أبناء القرى الحدودية، الذين توقفت تنقلاتهم باتجاه النبطية. وتكشف مصادر أن شركات النفط خفّضت الكميات التي توزَّع على المحطات، حيث كانت تُزوَّد بصهريجَين يومياً، وتمّ الاكتفاء بصهريج واحد فقط، منعاً للتخزين والاحتكار، كما حصل في أزمة 2019. حتى أن بيع المازوت تراجع، والسبب ارتفاع ساعات التغذية بالتيار الكهربائي. تبدو أزمة المحروقات اليوم غير اعتيادية. فالمحطات التي كانت دوماً "سيدة الأزمات"، تعيش اليوم الأزمة نفسها. وفي الجنوب، حيث تغيب حركة السير ليلاً، لا صوت يعلو على صوت الحرب المنتظرة... والسؤال: هل ينجو لبنان من تداعياتها هذه المرة؟