logo
مستقبل التحالف عبر الأطلسي.. تحديات الحاضر ورهانات المستقبل

مستقبل التحالف عبر الأطلسي.. تحديات الحاضر ورهانات المستقبل

لطالما كان التحالف عبر الأطلسي حجر الأساس للأمن والاستقرار في أوروبا والعالم الغربي على مدار العقود الماضية، إلا أنه لم يكن بمنأى عن الأزمات والتحديات التي هددت استمراريته.
هذا التحالف يواجه اليوم اختبارًا جديدًا قد يكون أكثر خطورة من التحديات السابقة، إذ لم تعد المشكلة تكمن في تهديدات خارجية مباشرة، بل باتت نابعة من الداخل، بحسب تحليل لـ«فورين أفيرز».
وتتزايد الشكوك الأوروبية حول مدى التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن القارة، لا سيما في ظل سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي أظهرت توجهًا أكثر انعزالية، معتبرة أن التحالفات التقليدية يجب أن تخدم المصالح الأمريكية بشكل مباشر، وإلا فلن تكون ذات جدوى.
هذا التحول الاستراتيجي يضع أوروبا أمام خيارات مصيرية تتطلب إعادة تقييم دورها وموقعها ضمن الحلف، سواء عبر تعزيز قدراتها الدفاعية المستقلة أو السعي إلى إعادة التوازن في العلاقة مع واشنطن.
الاستقلال الاستراتيجي
وفي ظل تصاعد الشكوك حول التزام أمريكا بأمن أوروبا، برزت دعوات متزايدة داخل الاتحاد الأوروبي لتحقيق «الاستقلال الاستراتيجي»، وهو مفهوم يهدف إلى تمكين أوروبا من الدفاع عن نفسها دون الاعتماد الكلي على واشنطن.
وقد تجسّد هذا التوجه في مبادرات مختلفة، مثل "البوصلة الاستراتيجية" للاتحاد الأوروبي، التي تسعى إلى تعزيز القدرات العسكرية الأوروبية، إضافة إلى مبادرات مثل التعاون المنظم الدائم، والصندوق الأوروبي للدفاع، اللذين يهدفان إلى تطوير صناعات دفاعية أوروبية أكثر تكاملًا.
إلا أن هذه الجهود تواجه عقبات جوهرية، أبرزها التفاوت الكبير في الإنفاق الدفاعي بين الدول الأوروبية، وغياب رؤية موحدة لمستقبل السياسة الدفاعية للقارة.
فبينما تؤيد فرنسا، على سبيل المثال، تعزيز استقلالية أوروبا في مجال الدفاع، تظل دول مثل بولندا ودول البلطيق مترددة في التخلي عن الضمانات الأمنية الأمريكية.
كما أن بناء منظومة دفاعية أوروبية مستقلة يتطلب استثمارات ضخمة، إذ تُقدَّر التكلفة السنوية لتطوير قدرات عسكرية أوروبية متكاملة بأكثر من 100 مليار دولار، مما يجعل تحقيق هذا الهدف صعبًا على المدى القصير دون إعادة هيكلة جذرية للميزانيات العسكرية الأوروبية.
الردع التقليدي والتهديدات الجديدة
وفي الوقت الذي تنشغل فيه أوروبا بإعادة تقييم علاقتها مع واشنطن، فإنها لا تزال تواجه تهديدات أمنية متزايدة، أبرزها الخطر الروسي، الذي برز بشكل واضح مع اندلاع الحرب في أوكرانيا.
فمنذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، بات واضحًا أن موسكو مستعدة لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، وهو ما دفع دول الناتو إلى تعزيز وجودها العسكري في أوروبا الشرقية.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال توفر الردع النووي لحلف الناتو، إلا أن الدفاع التقليدي عن الجناح الشرقي للحلف يجب أن يكون مسؤولية أوروبية بالدرجة الأولى.
في هذا السياق، تسعى دول مثل ألمانيا وفرنسا إلى زيادة إنفاقها الدفاعي وتعزيز قدراتها العسكرية، إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة مقارنة بالاحتياجات الفعلية.
فبحسب التقديرات، فإن أي محاولة فعالة لردع روسيا تتطلب نشر ما لا يقل عن سبعة ألوية قتالية في دول البلطيق، بينما لا يمتلك الحلف حاليًا سوى 3 ألوية جاهزة للانتشار السريع.
الجبهة الجنوبية
إلى جانب التهديد الروسي، تواجه أوروبا تحديًا آخر يتمثل في الأوضاع غير المستقرة في جبهتها الجنوبية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فقد أدت النزاعات في سوريا وليبيا والسودان، إلى جانب التغيرات المناخية، إلى تفاقم أزمة الهجرة غير النظامية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الداخلي في دول الاتحاد الأوروبي.
في هذا الإطار، أصبح من الضروري أن يطور الناتو استراتيجيات جديدة لمواجهة هذه التحديات، لا تقتصر فقط على التدخل العسكري التقليدي، بل تشمل أيضًا تعزيز التعاون مع الدول المعنية، ودعم عمليات حفظ السلام، والمساهمة في مشاريع تنموية تهدف إلى الحد من الأسباب الجذرية للهجرة القسرية.
القطب الشمالي ساحة صراع جديدة
ويشهد القطب الشمالي في السنوات الأخيرة تحولًا إلى ساحة تنافس استراتيجي، حيث تسعى روسيا إلى تعزيز وجودها العسكري هناك عبر إنشاء قواعد عسكرية جديدة وتوسيع أسطولها من كاسحات الجليد.
في المقابل، بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو، وخاصة كندا والنرويج، باتخاذ إجراءات لتعزيز وجودهم في المنطقة، إلا أن أوروبا لا تزال متأخرة في هذا المجال.
إن غياب استراتيجية أوروبية واضحة تجاه القطب الشمالي قد يجعل القارة عرضة لخسارة نفوذها في منطقة ستصبح ذات أهمية متزايدة بسبب التغيرات المناخية وفتح مسارات شحن جديدة.
مواجهة الصين
على الرغم من أن التركيز الاستراتيجي الرئيسي للناتو لا يزال منصبًا على التهديد الروسي، فإن تزايد النفوذ الصيني يشكل تحديًا طويل الأمد لا يمكن تجاهله.
وبينما لا يُتوقع أن يكون لأوروبا دور عسكري مباشر في أي مواجهة محتملة بين واشنطن وبكين، إلا أنه يمكنها المساهمة بطرق أخرى، مثل فرض قيود على إمدادات الطاقة الصينية القادمة من الشرق الأوسط، وتعزيز حضورها البحري في المحيطين الهندي والهادئ لدعم أمن خطوط التجارة الدولية.
القاعدة الصناعية الدفاعية
وكشفت الحرب في أوكرانيا عن نقاط ضعف خطيرة في القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية، حيث تعاني معظم دول الاتحاد الأوروبي من نقص في القدرات التصنيعية العسكرية، مما جعلها تعتمد بشكل مفرط على المساعدات الأمريكية.
لذا، تحتاج أوروبا إلى تبني سياسات جديدة لدعم صناعاتها الدفاعية، تشمل تقديم حوافز مالية للمصنعين، وتوقيع عقود شراء طويلة المدى، وزيادة المخزونات العسكرية من الذخائر.
ما مستقبل التحالف؟
ورغم تصاعد الدعوات داخل أمريكا لاعتماد نهج أكثر انعزالية، إلا أن استمرار وجودها العسكري في أوروبا يظل ضرورة استراتيجية، ليس فقط لحماية المصالح الأمريكية، بل أيضًا للحفاظ على توازن القوى العالمي.
ومع ذلك، فإن على أوروبا أن تتحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن نفسها، عبر رفع إنفاقها الدفاعي إلى 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مع التركيز على تطوير قدراتها الذاتية بدلًا من الاعتماد على واشنطن.
في نهاية المطاف، فإن مستقبل التحالف عبر الأطلسي يعتمد على قدرة أوروبا على تحقيق توازن دقيق بين تعزيز استقلاليتها الدفاعية من جهة، والحفاظ على علاقات متينة مع واشنطن من جهة أخرى.
فإذا نجحت القارة في تحقيق هذا الهدف، فقد لا تضمن استمرار الالتزام الأمريكي فحسب، بل قد تتمكن أيضًا من إعادة تشكيل العلاقة مع واشنطن بحيث تعكس مصالحها الاستراتيجية بشكل أكثر توازنًا واستقلالية.
aXA6IDE4MS4yMTQuMTUuMTgg
جزيرة ام اند امز
DK

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ألمانيا تبحث إعادة التجنيد الإجباري لتعزيز قواتها العسكرية
ألمانيا تبحث إعادة التجنيد الإجباري لتعزيز قواتها العسكرية

صحيفة الخليج

timeمنذ 29 دقائق

  • صحيفة الخليج

ألمانيا تبحث إعادة التجنيد الإجباري لتعزيز قواتها العسكرية

قال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، أمس السبت: إن بلاده قد تعيد فرض التجنيد الإجباري اعتباراً من العام المقبل، إذا لم تتمكن من جذب عدد كافٍ من المتطوعين للالتحاق بالخدمة العسكرية وذلك في إطار سعيها لتعزيز قدراتها الدفاعية وسط التحديات الأمنية المتصاعدة في أوروبا. وأوضح بيستوريوس، في تصريحات لصحيفة فرانكفورتر ألجماينه، أن النموذج الحالي يقوم على مبدأ التطوع، لكنه أشار إلى أنه «إذا تجاوزت الحاجة عدد المتطوعين، فقد يصبح التجنيد إلزامياً»، مضيفاً: إن مشروع قانون بهذا الشأن قد يدخل حيز التنفيذ في 1 يناير 2026. وكانت ألمانيا قد ألغت نظام التجنيد الإجباري عام 2011، إلا أن اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 دفع برلين إلى مراجعة استراتيجيتها الدفاعية. وتؤكد القوات المسلحة الألمانية أنها بحاجة إلى نحو 100 ألف جندي إضافي للوفاء بالتزاماتها داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو). بدوره، دعم قائد فرقة الأمن الداخلي أندرياس هين جهود التجنيد، مؤكداً الحاجة إلى تسريع العملية من حيث المعدات والبنية التحتية والأفراد، قائلاً: «نحن على الطريق الصحيح، لكن يجب الإسراع». إلى ذلك، أعلن المستشار الألماني خلال زيارته ليتوانيا عن نشر دائم لنحو 5000 جندي ألماني، في خطوة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. (وكالات)

المرشح الرئاسي البولندي ترزاسكوفسكي يرفض إعلانا اقترحه القوميون
المرشح الرئاسي البولندي ترزاسكوفسكي يرفض إعلانا اقترحه القوميون

سبوتنيك بالعربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • سبوتنيك بالعربية

المرشح الرئاسي البولندي ترزاسكوفسكي يرفض إعلانا اقترحه القوميون

المرشح الرئاسي البولندي ترزاسكوفسكي يرفض إعلانا اقترحه القوميون المرشح الرئاسي البولندي ترزاسكوفسكي يرفض إعلانا اقترحه القوميون سبوتنيك عربي رفض المرشح الرئاسي البولندي من الائتلاف الحاكم، رافال ترزاسكوفسكي، يوم السبت، التوقيع على إعلان بشأن الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا والأسلحة والضرائب، اقترحه زعيم... 24.05.2025, سبوتنيك عربي 2025-05-24T21:46+0000 2025-05-24T21:46+0000 2025-05-24T21:46+0000 بولندا العالم أخبار أوكرانيا انتخابات الرئاسة موسكو –سبوتنيك. في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية البولندية، التي جرت في 18 مايو، حصل مرشح الائتلاف الحاكم، رافال ترزاسكوفسكي، على 31.36% من الأصوات، بينما حصل مرشح المعارضة كارول ناوروكي على 29.54%. وتأهل كلاهما إلى الجولة الثانية، التي ستُجرى في الأول من يونيو.ودعا ممثل الكونفدرالية، سلافومير مينتزن، الذي حل ثالثًا بنسبة 14.8% من الأصوات، كلاً من ترزاسكوفسكي وناوروكي إلى نقاشات عبر قناته على يوتيوب، وطالبهما بتوقيع الإعلان. قبل بضعة أيام، زار ناوروكي استوديو مينتزن، حيث وافق، بعد محادثة استمرت ساعة، على التوقيع.ومن بنود الإعلان التي رفضها ترزاسكوفسكي رفضًا قاطعًا الالتزام بعدم توقيع قوانين تتعلق بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).وأكد ترزاسكوفسكي تأييده القوي لانضمام أوكرانيا إلى الحلف، مضيفًا أنه في حال انتخابه رئيسًا، فلن يرسل قوات بولندية إلى أوكرانيا.ومن البنود الأخرى عدم توقيع قوانين تتعلق برفع الضرائب على المواطنين البولنديين أو تقييد تداول النقد، وحرية التعبير، وحصول المواطنين البولنديين على السلاح.ويتعهد الموقعون على الإعلان أيضًا بعدم الموافقة على انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وعدم إرسال قوات بولندية إلى أوكرانيا، وعدم الموافقة على نقل أي صلاحيات للحكومة البولندية إلى السلطات الأوروبية وعدم التصديق على أي معاهدات للاتحاد الأوروبي من شأنها إضعاف دور بولندا، وخاصة إلغاء حق النقض. بولندا سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 2025 سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 الأخبار ar_EG سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 1920 1080 true 1920 1440 true 1920 1920 true سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 سبوتنيك عربي بولندا, العالم, أخبار أوكرانيا, انتخابات الرئاسة

الناتو .. قمة مفصلية في لاهاي
الناتو .. قمة مفصلية في لاهاي

البيان

timeمنذ 2 ساعات

  • البيان

الناتو .. قمة مفصلية في لاهاي

ولا تقتصر الخلافات على ذلك، بل امتدت إلى ما كان يمكن تسميته بالمحرمات، وهي طبيعة العلاقات الأمريكية مع روسيا. يوم الخميس الماضي، انعقد الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دول الحلف في مدينة أنطاليا التركية، لمناقشة قضايا كثيرة أهمها الاستعدادات لقمة لاهاي. بطبيعة الحال فإن الهاجس الأساسي الذي يشغل غالبية دول الحلف هو سياسات وتوجهات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والملف الأوكراني. ونتيجة لذلك فإن الأمين العام للحلف، مارك روته الذي تسلم مهام منصبه أكتوبر الماضي، قال: «إن الحلف يحتاج إلى إعادة تطوير نفسه في مجمل الصناعات الدفاعية». وتظل المعضلة الكبرى هي مطالب ترامب للحلف بزيادة الانفاق الدفاعي إلى 3 أو 5 % لأن تحقيق ذلك سيعني مصاعب اقتصادية للعديد من بلدان الحلف. إجمالى الإنفاق الدفاعي لدول الحلف بلغ في عام 2024 نحو 1.47 تريليون دولار، تساهم الولايات المتحدة بنسبة الثلثين بنحو 967 مليار دولار هي نسبة ميزانيتها الدفاعية. ونعلم أن ترامب يضغط على دول الناتو لرفع النسبة إلى 5 % حتى يمكنها تخفيف الأعباء على الولايات المتحدة، وهو أمر يبدو صعباً للغاية ليس فقط نسبة 5 % ولكن حتى نسبة 3 % لبعض دول الحلف. واشنطن تقول إن استمرار صيغة تمويلها الحالية مستحيلة، لأن توفير المظلة الدفاعية لدول الحلف مجاناً تحقق المزيد من التقدم الاقتصادي لدول الحلف، في حين أن واشنطن هي من يدفع الثمن لاحقاً في صورة عجز تجاري. ونعلم أيضاً أن ترامب سبق وهدد دول الحلف علناً بأنه سوف يترك روسيا تلتهمهم إذا لم يرفعوا مساهماتهم في ميزانية الحلف. المعضلة الكبرى أيضاً هي أن ترامب يميل إلى تبني الرواية الروسية المطالبة بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. والأخطر الموافقة المبدئية على استمرار سيطرة روسيا على بعض الأراضي التي سيطرت عليها في أوكرانيا، خصوصاً شبه جزيرة القرم منذ عام 2014، إضافة لأراضي أخرى في إقليم الدونباس حيث سيطرت عليها روسيا في الحرب الأخيرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store