
إيران ــ أميركا: دبلوماسية قلم الحبر
هل سيفعلونها أم لا؟ هذا السؤال الذي يتركز حوله حديث المهتمين بالمحادثات الجارية حالياً بين طهران وواشنطن حول البرنامج النووي الإيراني، على أمل الحصول على إجابة واضحة وصريحة. واللافت أن التصريحات العلنية من كلا الجانبين لا تقدّم إجابة واضحة.
من جهته، الرئيس الأميركي دونالد ترمب يبدو واثقاً من أن اتفاقاً يعكس رغباته في طريقه إلى التحقق، بل يتحدث عن عصر ذهبي من الازدهار ينتظر الإيرانيين بمجرد توقيع الاتفاق. كما يبدو واثقاً من أن دبلوماسيته الجديدة، التي يمكن أن نطلق عليها «دبلوماسية الأعمال»، ستنجح فيما فشل فيه ثمانية رؤساء أميركيين، بمن فيهم ترمب نفسه في ولايته الأولى.
وقال ترمب: «إنهم (أي الإيرانيين) يتفاوضون بذكاء». وربما تقول: «لقد مَرَرْنَا بهذا من قبل، وسمعنا ما يكفي!» ولن تكون مخطئاً.
يُذكر أنه عام 2016، نال كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، جائزة «تشاتام هاوس» المرموقة؛ لدورهما في التفاوض على «الاتفاق النووي الإيراني التاريخي»، الذي جرى توقيعه بين إيران وست قوى عالمية.
وادعى مركز الأبحاث اللندني أن الاتفاق «أنهى العقوبات المفروضة على إيران مقابل تقليص برنامجها النووي المثير للجدل». وأشاد بالرجلين لدورهما في حل «واحدة من أكثر الأزمات الدبلوماسية استعصاءً في الشؤون الدولية في القرن الحادي والعشرين».
وقد تتساءل: لماذا عادت مشكلة كانت قد حُلت قبل عقد من الزمان لتتوسل الحل من جديد؟ وستكون على حق.
السبب أن الجانبين كليهما مارسا ما وصفه رئيس الوزراء الفرنسي الراحل جاك شابان - دلماس بـ«سياسة قلم الحبر»؛ إذ قال في مقابلة: «عندما كنت أواجه مشكلة مستعصية، كنت أستخدم سلاحي السرِّيّ: قلم حبر «ووترمان» خاصتي، وأوقّع للتخلص من المشكلة».
عام 2015، وبعد أن نال جائزة نوبل للسلام حتى قبل أن يُنتخَب، راودت الرئيس باراك أوباما رغبةٌ حثيثةٌ لفعل أي شيء يبرر -ولو جزئياً- هذه الجائزة غير المستحقة قبل مغادرته البيت الأبيض. وهنا، وفَّرتْ له المسألة النووية الإيرانية الفرصة المناسبة لإنجاز ذلك.
كان من شأن عَقْدٍ من الدعاية التي صوَّرت الحكام في طهران على أنهم يبنون قنبلة لبدء نهاية العالم، تحويل مثل هذا الاتفاق إلى فرصة طال انتظارها في الأوساط الدبلوماسية.
فيما يخص أوباما، فإن إعطاء الموافقة النهائية أصبح أسهل، لأن «الاتفاق» الذي وصفته «تشاتام هاوس» بـ«التاريخي»، كان «اتفاقاً غير مكتوب»، مما يعني أن أحداً لم يكن بحاجة إلى توقيع أي شيء؛ وإنما كان مُجَرَّدُ التلويحِ بِظِلِّ قَلَمِ الحبر كافياً.
من ناحيتهم، كان الإيرانيون مدركين أن «الاتفاق» الذي صاغه أوباما لن يكون له أي تأثير على خططهم الطموحة لتوسيع إمبراطوريتهم الثيولوجية-الآيديولوجية إلى أبعد مدى ممكن، ما داموا لم يصطدموا بعائق حقيقي في الطريق. كما كانوا يعلمون أن أوباما لم يستطع، ولن يستطيع، رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، فإن إيماءة أوباما وغض الطرف كانا كافِيَيْنِ للسماح لطهران بجني ما بين 60 و100 مليار دولار سنوياً -الأموال التي تحتاج إليها لدفع رواتب مرتزقتها المنتشرين في دول عدة في الشرق الأوسط.
فَلْنَعُدْ إلى الوضع الحاليّ. أنا أعلم أن التنبؤ بالمستقبل يجب أن يُترك للعرَّافين أو لألفين توفلر وأتباعه من أنصار نظرية «الموجة الثالثة». ومع ذلك، لا يسعني إلا أن أتنبأ بأن الطرفين سينتهيان إلى استعارة قلم شابان أو أحد أحفاده، ويمنحان «تشاتام هاوس» فرصة أخرى لمنح واحدة من جوائزها «المرموقة»، هذه المرة ربما لعباس عراقجي وستيف ويتكوف، إذا احتفظ بمقعده على طاولة ترمب.
أما القلم المستخدَم هنا، فلن يكون ذهبياً مثل ذاك الذي وضعه نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدولية، غريب آبادي، بهدوء في جيبه في مسقط، الشهر الماضي. أما ترمب، فلن يحصل على جائزة نوبل للسلام، لأن مجموعة النخبة التي تمنحها تعدُّه العدو رقم واحد.
والآن، وأرجو ألَّا أكون مخطئاً، لماذا يساورني الاعتقاد بأن قلم الحبر يُملأ الآن بالحبر، من أجل «لحظة تاريخية» أخرى لـ«تشاتام هاوس»؟
السبب الأول أن طهران نجحت في اختزال القضية برمتها في مسألة درجة تخصيب اليورانيوم التي يُسمح لإيران بالاحتفاظ بها. وهنا، صرح وزير الخارجية الإيراني بأن: «تخصيب اليورانيوم داخل إيران خطنا الأحمر. وأيُّ اقتراح بحرمان إيران من هذا الحق يعني نهاية المفاوضات».
أما المرشد علي خامنئي، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، مُلمِّحاً إلى أن تخصيب اليورانيوم نقطة الخلاف الوحيدة بين طهران وواشنطن. وقال موجهاً حديثه إلى ترمب، الأربعاء الماضي: «سواء خصّبت إيران اليورانيوم أم لا، فهذا ليس من شأنك. مَن تظنُّ نفسَكَ لِتَتَقَدَّمَ بمثل هذا الطلب؟»، وقد تكرَّر مثل هذه النغمة على ألسنة ملالي آخرين.
في الواقع، هذا السيناريو الذي يبنيه المرشد: إقناع الجميع، خصوصاً أبناء الشعب الإيراني، بأن «الشيطان الأكبر» يحاول إغلاق برنامج تخصيب اليورانيوم بالكامل، لكننا نقاوم بقوة وسنُرغمه في النهاية على الاعتراف بحقنا في تخصيب اليورانيوم، ربما ليس بالقدر الذي نرغب فيه، لكن على الأقل حتى نسبة 3 أو 4 في المائة. وبذلك، يمكن الإعلان عن «نصر تاريخي» آخر على «الشيطان الأكبر»، نضيفه إلى سلسلة «الانتصارات الأخيرة» التي يقول المرشد الأعلى إنه حققها في لبنان وسوريا والعراق وغزة واليمن.
وما دام ترمب لا يطرح القضايا الحقيقية، مثل تصدير الثورة، وتمويل الإرهاب، واحتجاز الرهائن، ودعم ما تبقى من الجماعات الإرهابية في أنحاء العالم، وإرسال الطائرات المسيّرة مجاناً إلى روسيا، وبيع النفط الرخيص للصين... فإن الإيرانيين سيواصلون اللعب على وتر تخصيب اليورانيوم الذي لا يحتاجون إليه من الأساس.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


هلا اخبار
منذ 43 دقائق
- هلا اخبار
الدولار يتجه نحو تسجيل خسارة للأسبوع الثاني
هلا أخبار – يتجه الدولار الأميركي نحو تسجيل خسارة أسبوعية جديدة اليوم الجمعة، وذلك وسط مؤشرات متزايدة على تباطؤ اقتصادي، في وقت تتعثر فيه المفاوضات التجارية بين واشنطن وشركائها دون تقدم ملموس، رغم اقتراب موعد نهائي حاسم. وتترقب الأسواق باهتمام بالغ صدور تقرير الوظائف في القطاع غير الزراعي بالولايات المتحدة في وقت لاحق من اليوم، بعد أسبوع من البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال والتي سلطت الضوء على تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على الاقتصاد الأميركي، وفقا لشبكة (سي إن بي سي). وتداولت العملات الرئيسية ضمن نطاقات ضيقة في التعاملات الآسيوية، مع ترقب المستثمرين لبيانات الوظائف. وسجل اليورو في أحدث التعاملات 1.1436 دولار، بعد أن بلغ في الجلسة السابقة أعلى مستوى له منذ شهر ونصف، مدعومًا بنبرة متشددة من البنك المركزي الأوروبي عقب اجتماعه الأخير. واستقر الجنيه الإسترليني عند 1.3576 دولار، بعد أن سجل أعلى مستوياته في أكثر من 3 سنوات في الجلسة السابقة، ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية بنسبة 0.9 بالمئة. ومن جهته، انخفض الين الياباني بنسبة 0.27 بالمئة إلى 143.93 مقابل الدولار. وكانت العملات قد سجلت مكاسب مقابل الدولار في وقت متأخر من يوم أمس، على خلفية مكالمة هاتفية بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ، استمرت لأكثر من ساعة، إلا أن التفاؤل تراجع لاحقًا بسبب استمرار الغموض. وما زاد من ضبابية المشهد، أن الاتصال لم يُفضِ إلى نتائج واضحة، وسرعان ما خفت تأثيره مع تصاعد الخلاف العلني بين ترمب وإيلون ماسك. وارتفع مؤشر الدولار بشكل طفيف إلى 98.85، ولكنه يتجه لتكبد خسارة أسبوعية بنسبة 0.6 بالمئة.


رؤيا
منذ ساعة واحدة
- رؤيا
سجال علني يُفجّر الخلاف بين ترمب وماسك.. والبيت الأبيض: لا نية للاتصال
ترمب يصف ماسك بـ"المجنون" ويدرس بيع سيارة تيسلا أغلق البيت الأبيض الباب أمام أي محاولة لرأب الصدع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورجل الأعمال إيلون ماسك، مؤكدًا أنه لا توجد أي نية لدى ترمب للاتصال بماسك بعد الخلاف الحاد الذي تصاعد بينهما، مبددًا بذلك تكهنات سرت حول مكالمة محتملة بين الطرفين. الخلاف بين ترمب وماسك انفجر علنًا، حين وصف الرئيس الأمريكي الملياردير الجنوب إفريقي بأنه "فقد عقله"، في أعقاب انتقاد ماسك لمشروع قانون الميزانية الذي يسعى ترمب لإقراره في الكونغرس، والذي وصفه ماسك بأنه "رجس يثير الاشمئزاز"، بينما اعتبره ترمب "كبيرًا وجميلًا". وأفادت إذاعة "إيه بي سي" بأن ترمب قال في تصريحات هاتفية إنه "غير مهتم" بالحديث إلى ماسك، وأضاف ساخرًا: "تعني الرجل الذي فقد عقله؟"، وذلك بعد أن كان قد وصفه سابقًا بـ"العبقري". من جهتها، كشفت مصادر أن البيت الأبيض عقد اجتماعًا خاصًا لمناقشة الأزمة مع ماسك، لا سيما في ظل تراجع أسهم شركة "تيسلا" وتلويح ماسك بوقف برنامجه الفضائي، وهو ما قد يترك أثرًا اقتصاديًا وسياسيًا واسع النطاق. وفي مؤشر على عمق الخلاف، ألمح ترمب إلى نيته التخلي عن سيارة "تيسلا" كان قد اشتراها سابقًا دعمًا لماسك، حيث لا تزال مركونة في فناء البيت الأبيض، فيما قال مسؤول رفيع: "الرئيس يفكر جديًا ببيعها أو منحها". وتعمّق التوتر بعد أن أشار ماسك إلى أن اسم ترمب قد يكون ورد في ملفات جيفري إبستين، الثري المتهم في قضايا استغلال جنسي قبل انتحاره عام 2019، ما أجّج التكهنات حول مستقبل العلاقة بين الرجلين، في ظل تداول أنباء عن احتمال تأسيس ماسك لحزب سياسي جديد قد يهدد نفوذ الجمهوريين.


رؤيا
منذ 3 ساعات
- رؤيا
ترمب ينتقد الاحتياطي الفيدرالي ويطالب بخفض فوري للفائدة: "أمريكا تزدهر رغمهم"
ترمب: لو أن "المتأخر دائمًا" في الاحتياطي الفيدرالي خفّض الفائدة لكنا قد خفّضنا بشكل كبير أسعار الفائدة ترمب: "بايدن اعتمد بشكل كبير على القروض قصيرة الأجل" ترمب: تكاليف الاقتراض يجب أن تكون أقل بكثير صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، من انتقاداته لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، واصفًا إياه بـ"المتأخر دائمًا"، ومتهمًا إياه بإلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الأمريكي من خلال رفض خفض أسعار الفائدة. وفي سلسلة تغريدات نشرها ترمب على حسابه في منصة "تروث سوشيال" الجمعة، قال إن أوروبا قامت بعشر تخفيضات للفائدة بينما لم تتخذ الولايات المتحدة خطوة واحدة. وأضاف ترمب: "رغم ذلك، بلادنا تسير بشكل رائع. اذهبوا نحو خفض كامل بنقطة واحدة… سيكون بمثابة وقود صاروخي!" واعتبر ترمب أن ارتفاع تكاليف الاقتراض سببه اعتماد الرئيس جو بايدن على الديون قصيرة الأجل، وقال إن التضخم "مات"، وإن عاد، فالحل بسيط وهو رفع الفائدة حينها. وأضاف: "لكن الآن، علينا أن نخفض أسعار الفائدة على الفور. هذا سيخفض عبء الديون بشكل كبير". وفي سياق موازٍ، أكد ترمب أن الولايات المتحدة تشهد انتعاشًا اقتصاديًا غير مسبوق، قائلًا: "أمريكا تشتعل! قبل ستة أشهر كانت باردة كالثلج. الأسعار انخفضت، الدخل ارتفع، الحدود أُغلقت، البنزين رخيص، التضخم انتهى… والشركات تتدفق إلى أمريكا كما لم يحدث من قبل".