
ماذا بعد لقاء باريس بين دمشق وإسرائيل؟
وبحسب وسائل إعلام غربية وإسرائيلية، فقد ترأس الوفد السوري وزير الخارجية أسعد الشيباني وضم مسؤولين من الخارجية والمخابرات، وترأس الوفد الإسرائيلي وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر.
ووفقا لتلك المصادر، يكون هذا اللقاء الأول بهذا المستوى منذ اجتماع وزير الخارجية السوري الأسبق فاروق الشرع مع نظيره الإسرائيلي إيهود باراك في الولايات المتحدة ضمن مباحثات للسلام رعتها واشنطن على غرار الاجتماع الأخير.
وسبق لقاء باريس اتصالات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل، ثم لقاء مباشر انعقد في العاصمة الأذربيجانية في 12 يوليو/تموز الجاري وفقاً لما أكدته مصادر إعلامية إسرائيلية.
إسرائيل وتوظيف ملف السويداء
شكل ملف السويداء عقدة حقيقة للحكومة السورية عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد، وتصدر الزعيم الدرزي حكمت الهجري والمجلس العسكري -الذي يعتبر الهجري مرجعية له- الرافضين لممارسة الحكومة مهامها الخدمية والأمنية بالمحافظة التي يقطنها عشرات الآلاف من المكون الدرزي.
ورغم الاتفاقيات التي عقدها محافظ السويداء مصطفى البكور مفوضا عن الحكومة، مع جهات محلية بهدف فرض الأمن وتعزيز الخدمات، والاتصالات التي جرت على مدار الأشهر الماضية بين الجانبين، وكلها فشلت في تحقيق الهدف منها بعد رفض الهجري والمجلس العسكري الذي يضم ضباطا سابقين في قوات النظام المخلوع.
وقد تجنبت الحكومة الدخول في صدامات مع الفصائل المحلية حتى وقوع اقتتال محلي. وبالمجمل، وفرت الخلافات بين السويداء والحكومة السورية ذريعة لإسرائيل للتدخل، حيث ينشط رئيس محكمة الدروز بإسرائيل موفق طريف في ملف السويداء، بدعم كامل من الحكومة الإسرائيلية التي تؤكد بشكل مستمر حرصها على الدفاع عن الدروز.
وتنقسم آراء المحللين بخصوص أهداف إسرائيل من موقفها تجاه السويداء، بين من يعتقد أنها تظهر استجابة لدروز إسرائيل الذين يشاركون بفاعلية في العمليات العسكرية بغزة، وبين من يرى أنها تستخدم ملف السويداء للضغط على الحكومة السورية من أجل الموافقة على توقيع اتفاق تطبيع وفق شروط محددة.
توتر غير مسبوق قبيل لقاء باريس
تدخلت الولايات المتحدة لرعاية اللقاء في باريس وسط ارتفاع منسوب التصعيد الإسرائيلي إلى مستوى غير مسبوق بالجنوب السوري، حيث أدت حملة قصف إسرائيلية إلى مقتل وجرح العشرات من القوات الحكومية، كما استهدفت الحملة مواقع حكومية وسط دمشق أبرزها مقر رئاسة الأركان.
وقبيل انعقاد اجتماع باريس، أعلنت الحكومة السورية عن اتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء توسطت فيه الولايات المتحدة ودول إقليمية، مع ترتيبات لإدخال المساعدات وتبادل الأسرى وإخراج البدو والعائلات الراغبة بالخروج إلى درعا مؤقتا.
وفي المقابل، استمرت حكومة نتنياهو بتصريحاتها التي تؤكد توجهها لبقاء جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح، بالإضافة إلى التحذير من الاقتراب من دروز سوريا والتعهد بحمايتهم.
وبعد اجتماع باريس، أكدت تصريحات مسؤولين إسرائيليين أن قضية الجنوب السوري تصدرت المباحثات مع دمشق، وأن الهدف هو عقد تفاهمات أمنية بشأن جنوب سوريا.
ومن جهة أخرى، أفادت وسائل إعلام رسمية سورية أن اللقاء سعى إلى احتواء التصعيد بالجنوب السوري، ولم ينتج عنه أي تفاهمات نهائية، بل هو مشاورات أولية تهدف إلى خفض التوتر وإعادة فتح قنوات التواصل.
والنتيجتان الواضحتان حتى هذه اللحظة للقاء باريس هو توقف الهجمات الإسرائيلية في الجنوب السوري، بالإضافة إلى انتقال المباحثات بين دمشق وإسرائيل من السر إلى العلن، ومن المستوى الأمني إلى السياسي تحت رعاية أميركية رسمية.
وقد توقفت الضربات الإسرائيلية، في الأسبوع الأخير، مع استمرار هبوط مروحيات في السويداء يؤكد نشطاء ميدانيون أنها تحمل ذخائر للمجلس العسكري والفصائل المتحالفة معه في مواجهة القوات الحكومية.
ويسيطر المجلس العسكري على المدينة، ويقيم حواجز على مداخلها، ويرفض التعامل مع الحكومة السورية ويصر على إدخال المساعدات والمواد الغذائية والإغاثية عبر منظمة الهلال الأحمر دون تدخل واضح لمؤسسات الحكومة السورية.
لقاء استكشافي ونقاط خلافية
تفيد المعطيات والمعلومات -التي رشحت عن مضامين لقاء باريس- إلى أنه أقرب لاستكشاف إمكانية التوصل إلى تفاهمات كاملة بخصوص الأوضاع في سوريا وخاصة الجنوب.
وقد كشفت وسائل إعلام سورية نقاطا خلافية بين دمشق وإسرائيل تم طرحها خلال اللقاء، أبرزها رغبة الأخيرة بتوسيع المنطقة العازلة بموجب اتفاقية 1974، والحفاظ على النقاط الجديدة التي نشرتها بهذه المنطقة بعد سقوط نظام الأسد، في حين أن دمشق ترغب في إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه وفقاً للاتفاق الأصلي، مع الانفتاح على تنسيق أمني يسهم في إزالة المخاوف الإسرائيلية.
ويبدو أن انعقاد اللقاء كان رغبة أميركية بدرجة كبيرة، وهذا ما ألمحت له صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تحليل لها، حيث أشارت إلى أن تدخل واشنطن يحد من تحركات إسرائيل بسوريا.
ونقلت قناة 12 الإسرائيلية تأكيدات عن مسؤولين أن وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر ينسق مع إدارة ترامب من أجل تحديد حوافز يمكن تقديمها لدمشق من أجل المضي قدماً في خطوات التطبيع التي يعد لقاء باريس خطوة أولى فيها.
ويعكس ذلك رغبة إسرائيل بصياغة اتفاقية شاملة مع دمشق لكن وفق شروط ومحددات جديدة، قد يكون من ضمنها عدم إدخال أسلحة ثقيلة إلى منطقة الجنوب السوري بالكامل، حيث لا تزال حكومة نتنياهو تتمسك بمطلب نزع السلاح من منطقة الجنوب.
وما يدعم هذا التفسير أن تصريحات الولايات المتحدة والتسريبات -التي صدرت عن إسرائيل قبل التصعيد الأخير في السويداء- كلها كانت تصب باتجاه دعم سيطرة الحكومة السورية على كامل البلاد.
وقد أكد المبعوث الأميركي لسوريا توماس براك -صراحة- رفضه تأسيس حكم ذاتي كردي أو درزي، وهذا ما دفع إلى انتشار قراءة للموقف الأميركي والإسرائيلي بأنه جاء في سياق جر الحكومة السورية إلى مأزق يدفعها لتقديم تنازلات.
ماذا بعد لقاء باريس؟
قد لا ينتج عن لقاء باريس على المستوى القريب سوى حالة خفض التصعيد وإنهاء المواجهات المسلحة في السويداء، وبالتالي إفقاد إسرائيل ذريعة استمرار الهجمات ضد سوريا، حيث لا يزال واقع السيطرة بهذه المحافظة على حاله ولم يتغير.
وبالمقابل، ربما تريد الحكومة السورية الاستفادة من اللقاء لوقف الضغط العسكري عليها مستفيدة من وساطة الولايات المتحدة، وتعول على عامل الزمن، وإمكانية حصول تغيير في إسرائيل.
ويأتي هذا في ظل انسحاب أحزاب الحريديم من الحكومة الإسرائيلية في 14 يوليو/تموز الجاري، وتلويح حزب شاس باتخاذ الخطوة ذاتها، نتيجة فشل حكومة نتنياهو بتمرير قانون يعفي شرائح واسعة من طلاب المدارس الدينية الحريدية من الخدمة العسكرية.
ويرجح ذلك الاعتقاد بأن الحكومة السورية لن توافق على عقد اتفاق مع حكومة بنيامين نتنياهو يتضمن بقاء مناطق الجنوب دون انتشار للجيش السوري، حيث إن مثل هذا من شأنه أن يؤدي إلى تداعي سيطرة الحكومة وشرعيتها، ويفتح المجال أمام قوى محلية أخرى تسيطر بالفعل على مناطق جغرافية للإبقاء عليها تحت إدارتها، مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
ويبقى الموقف الأميركي ومدى إصرار إدارة الرئيس دونالد ترامب على منع التصعيد مجدداً في سوريا عاملاً مؤثراً في المحادثات السورية الإسرائيلية، بالإضافة لمدى قدرة دمشق على سحب ذريعة التصعيد الإسرائيلي بحجة حماية الدروز من خلال تقديم مقاربة لإدماج السويداء لا تقوم على الحل الأمني.
غير أن احتمال إصرار الإدارة الأميركية على دخول الحكومة السورية في اتفاقية شاملة مع إسرائيل قد يؤدي إلى تقليص حدود مناورة دمشق، خاصة مع امتلاك واشنطن ورقة ضغط فعالة متمثلة بالعقوبات الاقتصادية، وبالتالي لا يمكن استبعاد التوصل إلى توافقات أكثر شمولا على المدى المتوسط.
ويبقى من المكاسب المرجحة التي حققتها إسرائيل -خلال لقاء باريس- تحويل المفاوضات من أذربيجان إلى فرنسا، فدخول باريس على خط الوساطة سيكون أكثر راحة لإسرائيل من وساطة تركيا التي دفعت باتجاه عقد مباحثات في باكو.
المصدر: الجزيرة
نقلا عن الجزيرة نت
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ويبدو
منذ ساعة واحدة
- ويبدو
ميلوني مبعوثة أوروبا الى تونس
توجهت رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، بشكل غير معلن إلى تونس يوم الخميس 31 جويلية 2025. ووفقاً للوزير التونسي السابق للشؤون الخارجية أحمد ونيّس، فإن هذه الزيارة السريعة تأتي في إطار ديناميكية من المشاورات الأوروبية قبل اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الهجرة وفلسطين. كانت جورجيا ميلوني، رئيسة المجلس الإيطالي، ضيفة مفاجئة يوم الخميس 31 جويلية في تونس، حيث يُعتقد أنها حملت رسائل أوروبية حساسة. ### ميلوني، وسيط أوروبي بحسب أحمد ونيّس، الوزير التونسي السابق للشؤون الخارجية، فإن هذه الزيارة 'تبدو غير متوقعة، لكنها كانت مخططة في إطار مشاورات دبلوماسية غير معلنة'. وفي مقابلة على إذاعة جوهرة إف إم يوم الجمعة 1 أوت، أوضح أن روما تعمل هنا كوسيط أوروبي، خاصة في الملفات المتعلقة بالهجرة والاعتراف بدولة فلسطينية. ### الدور الرئيسي لتونس يرى أحمد ونيّس أن هذه الخطوة استراتيجية: 'أوروبا تريد تنظيم تدفق اليد العاملة من شمال إفريقيا بشكل قانوني. هناك حاجة ملحة للعمال، ورغبة في تدريبهم في إيطاليا قبل دمجهم في السوق الأوروبية'. وبالتالي، تلعب تونس دوراً رئيسياً في هذا النظام. وفيما يتعلق بفلسطين، يصرح: 'التطورات الحالية خطيرة. أوروبا كلفت جورجيا ميلوني بالتشاور، وتلطيف المواقف، ونزع فتيل التوترات. الاعتراف بدولة فلسطين سيكون رداً سياسياً مهماً في مواجهة العملية الإسرائيلية في غزة.' تأتي هذه الزيارة في وقت تفكر فيه عدة دول أوروبية، بما في ذلك فرنسا والمملكة المتحدة والبرتغال، في الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة في سبتمبر. وفي الوقت نفسه، فإن الضغط المتزايد للهجرة والاحتياجات الديموغرافية لدول جنوب أوروبا تدفع نحو استراتيجية جديدة للتعاون مع شمال إفريقيا، تركز على اليد العاملة القانونية والمدربة.


ويبدو
منذ ساعة واحدة
- ويبدو
تونس من بين 69 دولة مستهدفة بالضرائب الجمركية الأمريكية الجديدة
اعتبارًا من 7 أوت 2025، ستطبق الولايات المتحدة رسميًا ضرائب جمركية جديدة تتراوح بين 10% و41% على الواردات القادمة من 69 دولة وكيانات اقتصادية. تأتي هذه الخطوة في إطار هجوم تجاري واسع النطاق أطلقه الرئيس دونالد ترامب. تم توقيع المرسوم الرئاسي في 31 جويلية ودخل حيز التنفيذ قانونيًا في 1 أوت، مما يمثل بداية العد التنازلي. ومع ذلك، للسماح للخدمات الجمركية بالتحضير، تم تأجيل التنفيذ الفعلي على الحدود إلى 7 أوت. في هذا التاريخ، سيتم تطبيق الجداول الجمركية الجديدة بشكل موحد على جميع الدول المعنية، رغم أن النسب ستختلف حسب الشركاء التجاريين. تشكل هذه الخطوة تصعيدًا كبيرًا في الاستراتيجية المعروفة بـ'التكافؤ الاقتصادي' التي يدافع عنها رئيس الدولة. أُعلن عن هذه السياسة الجمركية لأول مرة في 2 أفريل خلال حدث أطلق عليه 'يوم التحرير'، وتهدف إلى إعادة التوازن للتبادلات التجارية للولايات المتحدة مع الدول المتهمة بممارسة تجارة غير متوازنة أو غير عادلة. 'حان الوقت لاستعادة السيطرة على ثروتنا'، قال ترامب في هذه المناسبة. تتراوح الضرائب الجمركية المفروضة بين 10% و41%، حسب الدول. من بين الأكثر تضررًا سوريا (41%)، ميانمار (40%) وسويسرا (39%). في المقابل، تم إجراء تعديلات في اللحظة الأخيرة لتخفيض الرسوم لعدة شركاء، من بينهم تونس، التي انخفضت من 28% إلى 25%. رغم أن هذا التخفيض طفيف، إلا أنه يعكس اعترافًا جزئيًا بالفائض التجاري التونسي الضئيل تجاه الولايات المتحدة. ومع ذلك، يبقى هذا المعدل مرتفعًا بالنسبة لدولة نامية وقد يؤثر على المصدرين التونسيين، خاصة في قطاعات النسيج أو المكونات الإلكترونية.


ويبدو
منذ ساعة واحدة
- ويبدو
ترامب يعاقب كندا برسوم ثقيلة
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الخميس، مرسوماً يفرض رسوماً جمركية بنسبة 35% على المنتجات الكندية غير المشمولة باتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية. وقد نددت كندا بقرار أحادي وغير مبرر. أعلن الرئيس دونالد ترامب، يوم الخميس، عن زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية بنسبة 35% على المنتجات القادمة من كندا التي لا تشملها اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (ACEUM). هذا الإجراء، الذي تم توقيعه بمرسوم رئاسي، سيدخل حيز التنفيذ اعتباراً من 1 أوت. كندا تشعر بخيبة أمل وفقاً لبيان صادر عن البيت الأبيض، فإن السلع الكندية التي تمر عبر دول ثالثة لتجنب هذه الرسوم ستخضع لضريبة إضافية بنسبة 40%. وتتهم الإدارة الأمريكية أوتاوا بـ'عدم التحرك' و'الانتقام المستمر'، مما يبرر هذه العقوبات الاقتصادية. أعرب رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، الذي تم تعيينه مؤخراً على رأس الحكومة، عن 'خيبة أمله' من القرار الأمريكي. وأكد التزام كندا باتفاقية ACEUM، معتبراً أن هذا القرار يتعارض مع روح التعاون الإقليمي. من جانبه، صرح دونالد ترامب أن مارك كارني حاول فتح حوار دبلوماسي قبل الموعد النهائي في 1 أوت، لكن 'لم تجر أي محادثة'. الحماية الاقتصادية الأمريكية كثف دونالد ترامب، في الأشهر الأخيرة، من التحذيرات ضد شركائه التجاريين. وقد حذر من أن أي دولة لا تبرم اتفاقاً جديداً مع الولايات المتحدة قبل 1 أوت ستشهد فرض ضرائب ثقيلة على صادراتها. هذا الإجراء يأتي في إطار سياسة أوسع من الحماية الاقتصادية التي يدافع عنها في حملته الانتخابية.