logo
عندما يهرب العلماء

عندما يهرب العلماء

الشرق الأوسط٠٢-٠٤-٢٠٢٥

التعليم العالي في أميركا أمام معضلة كبرى، إذا استمرت هجرة الأكاديميين والبحاثة. من بين 293 أستاذاً في الجامعات الأميركية شملهم الاستطلاع في الشهرين الأولين من السنة الحالية، 78 في المائة منهم قالوا إنهم مهددون، وإن أبحاثهم تتأخر، ويودون الهجرة. استطلاع آخر شمل 1600 باحث، تبيَّن أن ثلاثة أرباعهم يرغبون في مغادرة البلاد. مؤشرات في غاية الخطورة، في قطاع هو أساس أي نهضة علمية وابتكار، ومدماك رئيسي لأي طموح مستقبلي.
«هارفارد»، «كولومبيا»، «ستانفورد»، «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، وغيرها هي حلم أذكياء العالم ونوابغهم. التخرج فيها يفتح الأبواب الموصدة. ليست مصادفة أنها من بين أثرى الجامعات، لما يتدفق عليها من أموال، والآلاف من متخرجيها يتحولون إلى مليارديرات، بفضل ما تؤمنه لهم شهاداتهم من معرفة، وما تمثله من جواز مرور إلى مناصب عصية على غيرهم.
أن تنقلب الصورة، في وقت قياسي، لهو أمر جلل. مشهد هجوم رجال الأمن العنيف على الطلاب المتظاهرين من أجل غزة العام الماضي في حرم الجامعات، كان مجرد واجهة. ما حدث بعد ذلك من تهديدات، ومحاسبات وإقالات لطلاب وأفراد من الهيئات التعليمية، كان له ما بعده.
هذا القطاع الذي يجلب لأميركا أكثر من 50 مليار دولار في السنة، من دون احتساب مصاريف الطلاب وإيجاراتهم ونزهاتهم، ينزف أساتذته؛ حيث بدأت هجرتهم إلى جامعات كندية وأوروبية ووجهات أخرى. خضوع جامعة كولومبيا لشروط الرئيس ترمب بعد أن سحب منها تمويلاً بـ400 مليون دولار، وموافقة الإدارة على إجراء مراجعات جذرية في قسم الدراسات الشرق أوسطية، وإلغاء اتفاقيات، وتغيير رئيس الجامعة للمرة الثانية في سنة ونصف السنة، كانت بمثابة جرس إنذار. كذلك إقالة بحَّاثة كبار في مركز دراسات الشرق الأوسط بهارفرد، بحجة التحيز لإسرائيل، لم يبد مستساغاً.
بدا الأساتذة في البحث عن بدائل تؤمن لهم حرية أكبر. وأول المهاجرين الأكاديميين هم أكثرهم كفاءة؛ حيث تتسابق الجامعات الطموحة لكسبهم.
تسرع أوروبا، خصوصاً فرنسا وألمانيا وهولندا، لاغتنام الفرصة الذهبية، وكندا كذلك. هؤلاء يهربون من شح تمويل الأبحاث، بعد أن كان السخاء هو القوة السحرية للجامعات الأميركية. لذلك يحاولون في كندا جمع تبرعات لتمويل أعمال البحاثة الجدد. جامعة بروكسل الحرة أنشأت موقعاً إلكترونياً خاصاً ليكون جسراً للالتقاء بهؤلاء الأساتذة، الباحثين عن فرصة.
من يصدق أن فرنسا التي هاجر بحاثتها طوال العقدين الأخيرين إلى الإلدورادو الأميركي، ترصد جامعة «إكس مارسيليا» مبلغاً وصل إلى 15 مليون يورور، لإغراء الأكاديميين الفارّين من أميركا، الذين هم ليسوا بالضرورة أميركيين. وبحسب تقرير، فإن جامعات مدينة مارسيليا تتلقى كل يوم 12 طلباً، ممن بات يُطلق عليهم «طالبو اللجوء العلمي»، حتى جامعة كييف المنهكة تدلي شباكها لتطارد الكنوز المعرفية الهاربة.
لاستيعاب الراغبين في ترك الجامعات الأميركية، وطمعاً في الاستفادة منهم، نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية عريضة وقعها 350 عالماً، يطالبون المفوضية الأوروبية بإنشاء صندوق طوارئ بقيمة 750 مليون يورو لاستيعاب آلاف العلماء المهاجرين من أميركا.
الأساتذة ليسوا وحدهم من يشعرون بالتهديد، والتكميم، وخطر الطرد، وربما السجن. الطلاب الدوليون، الذين يصل عددهم إلى أكثر من مليون طالب، هم بالفعل دينامو الحيوية الأميركية الخلاّقة، لكنهم يجدون أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، وهو ما قد لا يشجع طلاباً جدداً على الالتحاق بجامعات كانت جزءاً من حلمهم العلمي. ويبدو أن البديل لهؤلاء من الآن هي المملكة المتحدة، التي تعدّ نفسها لزيادة قدراتها الاستيعابية.
خسارة رهيبة للإبداع الأميركي الذي من دونه لا يمكن للبلاد أن تعود «عظيمة» مرة أخرى. التعليم في الولايات المتحدة يشعل جذوته الاختلاط والتكامل والتنوع، هذه المفردات لا تحبها الإدارة الجديدة.
مع ذلك، لا تعبأ إدارة الرئيس ترمب بإغراء الطلاب الدوليين، بل وُضِعوا تحت ضغط كبير. قبل أيام، استفاق مئات الطلاب على رسائل إلكترونية من وزارة الخارجية، بعضهم هنود وصينيون ومن جنسيات أخرى لا علاقة لها بالعرب والمسلمين، تطلب منهم ترحيل أنفسهم بسبب مخالفات ارتكبوها. واستغرب كثيرون، لأنهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئاً يُذكر، ليتبيَّن أن بينهم من تمت محاسبتهم على مشاركة منشورات على وسائل تواصل، أو حتى لأنهم أُعجبوا بمنشور لم يرُقْ للإدارة الجديدة.
بالفعل تم ترحيل 300 طالب أجنبي، في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بعد تفعيل برنامج إلكتروني هو «الرصد والإلغاء». وكما يدل اسمه، يتتبع الطلاب ويرصد أنشطتهم الإلكترونية، ويتخذ القرارات بحقهم، ولا وقت للمراجعة أو التشكي.
كان الطلاب الصينيون هم الأكبر عدداً، وتعرضوا منذ سنوات للضغط والإزعاج. الآن يشتكي الهنود كما العرب وجنسيات أخرى.
الدائرة تضيق على الجامعات، لكن أميركا بهذا النهج تحاصر نفسها، وتفسح الباب أمام الدول التي تريد أن ترث علماءها، أن تحصل عليهم بأبخس العقود وأسرع الطرق.
ما خطة الإدارة الجديدة حقاً؟ وهل هكذا تصل إلى مبتغاها؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فانس: ترمب سيتجنب الحروب المفتوحة وسيستخدم القوة العسكرية بحسم
فانس: ترمب سيتجنب الحروب المفتوحة وسيستخدم القوة العسكرية بحسم

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

فانس: ترمب سيتجنب الحروب المفتوحة وسيستخدم القوة العسكرية بحسم

قال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، لخريجي أكاديمية عسكرية، اليوم الجمعة، إن الرئيس دونالد ترمب يعمل على ضمان إرسال القوات المسلحة الأميركية إلى مناطق الخطر فقط في حال وجود أهداف واضحة، وليس في «المهام غير المحددة» و«الصراعات المفتوحة»، كما حدث في الماضي. وأوضح فانس، في خطابٍ ألقاه خلال حفل التخرج بالأكاديمية البحرية الأميركية، أن نهج ترمب «لا يعني تجاهل التهديدات، بل يعني التعامل معها بانضباط، وإذا أرسلناكم إلى الحرب، فإننا سنفعل ذلك مع وضع مجموعة محددة للغاية من الأهداف في الحسبان»، وفق ما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية للأنباء. وتابع فانس أن البديل في عهد إدارة ترمب سيكون تنفيذ ضربات عسكرية بشكل أسرع، مشيراً إلى القصف الذي أمر به ترمب مؤخراً - ثم أوقفه دون نتائج واضحة - ضد المسلّحين الحوثيين في اليمن. واستطرد قائلاً: «هكذا يجب استخدام القوة العسكرية، بشكل حاسم وبهدف واضح».

سياسي مغربي ينفي ضلوعه في نقل مخدرات ضمن شبكة "إسكوبار الصحراء"
سياسي مغربي ينفي ضلوعه في نقل مخدرات ضمن شبكة "إسكوبار الصحراء"

Independent عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • Independent عربية

سياسي مغربي ينفي ضلوعه في نقل مخدرات ضمن شبكة "إسكوبار الصحراء"

نفى السياسي المغربي والرئيس السابق لنادي الوداد البيضاوي لكرة القدم سعيد الناصري أن يكون مسؤولاً عن تسهيل نقل المخدرات ضمن شبكة تهريب دولية تعرف باسم "إسكوبار الصحراء"، خلال مثوله مجدداً أمام المحكمة أمس الجمعة. وعرض القاضي أمام المتهم تصريحات أدلى بها المواطن المالي المسجون في المغرب أحمد بن إبراهيم والملقب "اسكوبار الصحراء" للشرطة، يؤكد فيها أن الناصري كان مسؤولاً عن تسهيل نقل المخدرات ضمن شبكة تهريب دولية. ويقول في تلك التصريحات إنه دفع للناصري "نحو 350 ألف يورو للإعداد لتهريب 15 طنا من القنب الهندي تمت بنجاح"، و"400 ألف يورو لتأمين الطريق" في عملية ثانية لتهريب شحنة مخدرات. ونفى الناصري كل تلك الاتهامات. وسبق أن نفى، منذ بدء استجوابه في هذه المحاكمة منتصف أبريل (نيسان)، اتهامات أخرى يسوقها بن إبراهيم بالسطو على فيلا في حي راق بالدار البيضاء وشقق في منتجع سياحي شمال المملكة وسيارات. يلاحق كل من الناصري وعبد الرحيم بعيوي، وهما برلمانيان سابقان وعضوان بارزان في حزب الأصالة والمعاصرة (غالبية حكومية)، في هذه القضية منذ توقيفهما أواخر العام 2023. وهي المرة الأولى التي يحاكم فيها سياسيان بارزان في المغرب في قضية مماثلة. بدأت القضية بعد شكوى تقدم بها أحمد بن إبراهيم يتهمهما فيها بمشاركته تهريب المخدرات إلى دول عدة في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي عبر الجزائر، منذ العام 2013. وهو مسجون في المغرب منذ العام 2019 إثر حكم بسجنه عشرة أعوام في قضية تهريب دولي للمخدرات، على خلفية ضبط الشرطة 40 طنا من مخدر الحشيشة العام 2015. الجمعة استجوب القاضي أيضا الناصري حول مصدر أكثر من 8,6 مليون يورو أودعت في حساب مصرفي له بين 2014 و2022. وأجاب أن الأمر يتعلق بهبات أو قروض لنادي الوداد البيضاوي، وكذلك مداخيل لشركاته، "صرفت على النادي". تستأنف المحاكمة في 30 مايو (أيار)، وكانت بدأت قبل عام. استجوب القاضي حتى الآن كل المتهمين فيها باستثناء بعيوي. وهم في المجموع 25 شخصا، بينهم 20 معتقلا، أنكروا التهم الموجهة إليهم.

ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية
ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية

Independent عربية

timeمنذ 3 ساعات

  • Independent عربية

ترمب يوقع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية

وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس الجمعة، أربعة أوامر تنفيذية تهدف، بحسب مستشاره، إلى إطلاق "نهضة" الطاقة النووية المدنية في الولايات المتحدة، مع طموح بزيادة إنتاج الطاقة النووية أربع مرات خلال السنوات الـ25 المقبلة. ويريد الرئيس الأميركي الذي وعد بإجراءات "سريعة للغاية وآمنة للغاية"، ألا تتجاوز مدة دراسة طلب بناء مفاعل نووي جديد 18 شهرا، ويعتزم إصلاح هيئة التنظيم النووي، مع تعزيز استخراج اليورانيوم وتخصيبه. وصرح ترمب للصحافيين في المكتب البيضوي: "الآن هو وقت الطاقة النووية"، فيما قال وزير الداخلية دوغ بورغوم إن التحدي هو "إنتاج ما يكفي من الكهرباء للفوز في مبارزة الذكاء الاصطناعي مع الصين". وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض طلب عدم الكشف عن هويته للصحافيين: "نريد أن نكون قادرين على اختبار ونشر المفاعلات النووية" بحلول يناير (كانون الثاني) 2029. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتظل الولايات المتحدة أول قوة نووية مدنية في العالم، إذ تمتلك 94 مفاعلاً نووياً عاملاً، لكن متوسط أعمار هذه المفاعلات ازداد حتى بلغ 42 سنة. ومع تزايد الاحتياجات على صعيد الكهرباء، والتي يحركها خصوصاً تنامي الذكاء الاصطناعي، ورغبة بعض البلدان في الاستغناء عن الكربون في اقتصاداتها، يزداد الاهتمام بالطاقة النووية في جميع أنحاء العالم. والعام 2022، أعلنت فرنسا التي تبقى صاحبة أعلى معدل طاقة نووية للفرد بواقع 57 مفاعلا، برنامجا جديدا يضم ستة إلى 14 مفاعلا. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل أول هذه المفاعلات العام 2038. وتظل روسيا المصدر الرئيسي لمحطات الطاقة، إذ لديها 26 مفاعلا قيد الإنشاء، بينها ستة مفاعلات على أراضيها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store