logo
كيف عزّزت "مادلين" السردية الفلسطينية وفضحت إجرام إسرائيل؟

كيف عزّزت "مادلين" السردية الفلسطينية وفضحت إجرام إسرائيل؟

الجزيرةمنذ يوم واحد

القدس المحتلة – انطلقت رحلة سفينة " مادلين" التي أبحرت من إيطاليا بداية يونيو/حزيران الحالي حاملةً على متنها ناشطين بارزين في العمل الإنساني والنضال العالمي، الذين غامروا لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة وتنبيه العالم إلى جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.
لم تكن مبادرة "مادلين" لكسر الحصار عن غزة الأولى، إذ تعد هذه السفينة الـ36 التي تبحر نحو القطاع منذ عام 2007، لكن إسرائيل كانت دائما ترصد وتعرقل هذه المحاولات، منتهكة بشكل مستمر كافة القوانين الدولية والإنسانية.
وتعامل جيش الاحتلال الإسرائيلي مع خطوة "مادلين" برد عسكري عنيف، في رسالة واضحة تعكس خشية تل أبيب تحوّل هذه المبادرات إلى نموذج يحتذى به، وذلك وسط تراجع الدبلوماسية والتشكيك في السردية الإسرائيلية مع استمرار تعاظم الرواية الفلسطينية.
انتكاس الرواية
ورغم الدعوات العالمية للسماح لسفينة "مادلين" بالمرور الآمن، فإن إسرائيل اعترضتها، مما يؤكد استمرار تل أبيب في التمتع بإفلات طويل الأمد من العقاب، وبالتالي تشجعيها على مواصلة ارتكاب إبادة جماعية ضد أهالي غزة، إضافة إلى إبقاء الحصار الخانق وغير القانوني المفروض منذ 18 عاما.
وتعد المبالغة الإسرائيلية في التعامل مع سفينة "مادلين" والسفن الصغيرة الأخرى رسالة أمنية وعسكرية واضحة، حيث تخشى إسرائيل تحوّل هذه السفن إلى نموذج لكسر الحصار، مما قد يفتح المجال لسفن أخرى لمحاولة الوصول إلى غزة، بحسب التحليلات الإسرائيلية.
وترى القراءات الإسرائيلية أن وجود أعضاء من الاتحاد الأوروبي وشخصيات عالمية مؤثرة شاركت في هذه المهمة يضفي رمزية قوية على الحملة، في حين أن رسالة الجيش الإسرائيلي ليست سلمية ولا تهدف إلى إيجاد حلول لقضية المساعدات الإنسانية، مما يعدّ انتكاسة للرواية الإسرائيلية حول العالم الذي لم يعد يصدق ما يصدر عن تل أبيب.
كيان منبوذ
ووجَّه الكاتب الإسرائيلي عيناف شيف، الناقد التلفزيوني في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، انتقادات لاذعة لطريقة تعامل الحكومة الإسرائيلية مع سفينة "مادلين".
واعتبر أن تصوير العملية كـ"إنجاز سياسي ودعائي" ليس سوى محاولة للتغطية على فشل دبلوماسي متواصل، وعجز في مواجهة السردية الفلسطينية المتعاظمة حول ما تتعرض له غزة من حصار وتجويع.
وتعكس المبالغة الرسمية والإعلامية في الحدث -حسب شيف- أزمة وعي عميقة في إسرائيل وسط "مهرجان علاقات عامة" يحول الناشطة غريتا ثونبرغ إلى هدف سياسي، في حين ينظر العالم إلى إسرائيل بوصفها كيانا منبوذا، تزداد عزلته مع كل يوم يمر في ظل حربها المستمرة على قطاع غزة.
وأوضح أن مشاركة ثونبرغ في السفينة عزَّزت مكانتها العالمية وسلّطت الضوء على كارثة غزة، مؤكدا أن السخرية الدولية من تعامل إسرائيل مع الحدث تعكس نقدا أوسع لأدائها، حيث ظهر الوزير يسرائيل كاتس كـ"رامبو"، في وقت تبث فيه للعالم صور فوضى توزيع المساعدات في غزة دون انقطاع.
وأضاف شيف أن ما جرى لم يكن مجرد اعتراض لسفينة إنسانية، بل محاولة لصد اختراق رمزي للجدار الإسرائيلي الفاصل بين جمهوره وما يحدث فعليا في غزة، حيث باتت غالبية الجمهور -بحسب وصفه- تفضل تجاهل الواقع وعدم الإصغاء لما يحدث خلف الأسلاك.
وقال إن "الرد الإسرائيلي على سفينة مادلين جاء كمزيج من الإلهاء والإنكار"، مختصرا الموقف برسالة تهكمية "انسوا الضحايا، تجاهلوا الدمار، لكن تذكروا أننا خدعنا غريتا (ثونبرغ)، أليس هذا نصرا مطلقا؟".
بقيت سفينة "مادلين" في عرض البحر لعدة ساعات بعد قرصنتها والاستيلاء عليها وسحبها قسرا من قبل سلاح البحرية الإسرائيلية والوحدات الخاصة.
وبررت السلطات الإسرائيلية إجراء اعتراض "مادلين" واعتقال الناشطين الدوليين باستمرار فرض الحصار البحري على غزة، وبعد ساعات وصلت السفينة إلى ميناء أسدود ، حيث نقل جميع الركاب الـ12 إلى مركز احتجاز لإتمام معاملات ترحيلهم بموجب قانون الدخول إلى إسرائيل لعام 1952.
وقد قدم الطاقم القانوني لمركز عدالة المتمثل في المحاميات لبنى توما، وناريمان شحاذة زعبي، وهديل أبو صالح والمتطوعة أفنان خليفة ومحام خاص وكله مكتب قناة الجزيرة ، الاستشارة القانونية لجميع النشطاء.
وغادر 3 نشطاء البلاد، بينهم الناشطة المناخية السويدية غريتا ثونبرغ، إضافة إلى الصحافي عمر فياض من قناة "الجزيرة مباشر"، بعد استكمال إجراءات ترحيلهم وتأكيد تذاكر سفرهم.
ورفض 8 نشطاء التوقيع على أوامر الترحيل، حيث احتجزتهم إسرائيل وعرضتهم على المحكمة، بينهم عضوة البرلمان الأوروبي عن فرنسا ريما حسن التي سبق أن رحَّلتها إسرائيل بعد وصولها إلى مطار بن غوريون.
وقالت المحامية ناريمان شحادة زعبي إن احتجاز المتطوعين وترحيلهم القسري يشكلان انتهاكا واضحا للقانون الدولي، ولا سيما في ظل الطبيعة السلمية والإنسانية للبعثة التي أرادت كسر الحصار المفروض على غزة.
وأشارت إلى أن الاستيلاء على السفينة الذي نُفذ في ساعات متأخرة من الليل وفي المياه الدولية انتهاك صريح للقانون الدولي ، كما عرَّض سلامة الأشخاص الموجودين على متن السفينة للخطر.
وأوضحت زعبي للجزيرة نت أن الطاقم القانوني التابع لمركز عدالة الحقوقي وصل مطار بن غوريون، وقدَّم الاستشارة القانونية اللازمة للمحتجزين ورافقهم أمام المحكمة والسلطات الإسرائيلية، كما وثَّق شهاداتهم حول ما تعرضوا له منذ لحظة الاستيلاء على السفينة وتوقيفهم ومضامين جلسات الاستماع والتحقيقات التي أُخضعوا لها.
وأشارت إلى أن السلطات الإسرائيلية تستخدم استمرار فرض الحصار غير القانوني على غزة مبررا لاحتجاز نشطاء دوليين، قائلة "هؤلاء الأفراد نفذوا مهمتهم احتجاجا على الجرائم غير المحتملة والمستمرة التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة".
وخلال أيام إبحارها، تقول زعبي "جسدت سفينة مادلين رمزا قويا للتضامن مع الفلسطينيين الذين يواجهون الحصار والجوع والمعاناة في ظل تقاعس المجتمع الدولي المستمر عن اتخاذ خطوات جادة"، مشيرة إلى أن هذه المهمة ذاتها تشكل إدانة واضحة لفشل ذلك المجتمع في وضع حد للحصار غير الإنساني الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

خان يونس: عقدة الكيان الصهيوني التي لا تنفكّ
خان يونس: عقدة الكيان الصهيوني التي لا تنفكّ

الجزيرة

timeمنذ 25 دقائق

  • الجزيرة

خان يونس: عقدة الكيان الصهيوني التي لا تنفكّ

في زوايا الأزقة المدمرة، بين الركام، حيث لا مكان للمنطق العسكري التقليدي، تكتب خان يونس من جديد صفحة نادرة في سجل حروب الشوارع؛ صفحة لا تُقرأ بالحسابات الإسرائيلية بل تُفهم فقط بلغة الأرض وأصحابها. «جهنّم الجنوب»: لماذا خان يونس تحديدًا؟ في العقل العسكري الإسرائيلي، لم تكن خان يونس يومًا مجرد مدينة جنوبية في قطاع غزة، بل كانت منذ عقود تختزن رمزًا متراكمًا من التحدي التاريخي. فمنذ الانتفاضة الأولى، مرورًا بانتفاضة الأقصى، وصولًا إلى حرب 'سيف القدس' (2021) وحرب 'الطوفان' (2023)، ثم الاجتياح البري الواسع في نهاية عام 2024، ظلت هذه المدينة بمثابة العقدة النفسية والتكتيكية بالنسبة لإسرائيل. في الخرائط الميدانية، تبدو المدينة محاصرة وسهلة التوغّل، لكن الواقع يتكشّف عن كذبة عسكرية كبرى: خان يونس ليست رقعة جغرافية فقط، بل هي نسيج عصيّ على الاحتلال، متداخل، نابض، وذو مناعة سوسيولوجية مستعصية. حرب الشوارع لا تعترف بالتفوّق التكنولوجي في يناير/ كلنون الثاني وفبراير/ شباط 2025، خاضت قوات النخبة الإسرائيلية معارك ضارية في أحياء كحي الأمل والقرارة وعبسان الكبيرة، لكن الصدمة لم تكن في حجم المقاومة فحسب، بل في طبيعتها الذكية وغير المتوقعة. ففي زمن الطائرات بدون طيار والذكاء الاصطناعي، انهار التفوّق الإسرائيلي أمام تكتيكات بدائية في ظاهرها، عبقرية في جوهرها: أنفاق تتقاطع تحت الأحياء كما تتقاطع الشرايين، عبوات ناسفة تُفجَّر عن بُعد، كمائن تُنصَب في أنقاض البيوت، ومقاتلون يخرجون من تحت الرماد ليضربوا ثم يختفوا. إعلان أشارت تقارير استخبارية إسرائيلية، كما أوردتها صحيفتا هآرتس ويديعوت أحرونوت، إلى أنّ الكيان الصهيوني تكبّد في خان يونس وحدها خسائر بشرية فاقت التوقّعات بثلاثة أضعاف، وأن وحدات النخبة كـ'يهلوم' و'غولاني' واجهت مقاومة «تشبه الجحيم». لأن خان يونس ليست حيًّا سكنيًّا فقط، بل مختبر مقاومة مفتوح، فيه يُختبر الإنسان حين يُسلب كل شيء: الغذاء، والماء، والضوء، والصوت.. ومع ذلك يصرخ: "لن تمروا"! الجغرافيا تتكلم بلسان الأرض لا الخرائط ما لم تدركه إسرائيل أن خان يونس ليست موقعًا فحسب، بل ذاكرة مكانية متجذّرة؛ ومن يعرف شوارعها ليس الجندي الغريب المدجّج، بل الطفل الذي لعب فيها والشيخ الذي صلى في زوايا مساجدها. الذاكرة المجتمعية هنا هي السلاح الأقوى، لأنها توجّه الكفاح وتعرف الثغرات وتستنهض الصمود.. لا يمكن لأي سلاح أن ينتصر في بيئة فقد فيها الرؤية والشرعية واللغة. لقد راهنت تل أبيب على مزيج من الصدمة والتجويع لإخضاع خان يونس، لكن المدينة ردّت بخارطة أخرى: خارطة العناد، والحفر في الجدران، والتكافل العفوي، وسيناريوهات الكرّ والفرّ التي جعلت من كل زاوية كمينًا محتملاً، ومن كل منزل «عشّ دبابير». لماذا لا تفهم إسرائيل هذه المدينة؟ لأن منطق الاستعمار لا يفهم إلا بالأرقام.. في قاموس الاحتلال، النصر يُقاس بالأمتار التي احتُلّت أو عدد الأبنية التي دُمّرت، لكنه لم يتعلم أن الهزيمة الأخلاقية والسياسية والعسكرية قد تبدأ من شارع واحد صامد في خان يونس. ولأن خان يونس ليست حيًّا سكنيًّا فقط، بل مختبر مقاومة مفتوح، فيه يُختبر الإنسان حين يُسلب كل شيء: الغذاء، والماء، والضوء، والصوت.. ومع ذلك يصرخ: "لن تمروا"! خان يونس اليوم ليست فقط عنوانًا لمعارك طاحنة، بل هي مرآة لكل مدينة عربية قاومت ذات يوم ثم نُسيت! خان يونس تستدعي بيروت (1982)، والفلوجة (2004)، وسجن جنين (2002) خان يونس والخرائط الجديدة للمقاومة لقد دخلنا من بوابة خان يونس إلى مرحلة تتجاوز حروب الدول والجيوش؛ نحن أمام نموذج فلسطيني جديد في فهم الصراع: مقاومة غير مركزية، هجينة، ذات طابع محلي ولكن بأفق إستراتيجي. إنها مقاومة لا تتعامل مع الزمن بصيغته التقليدية، بل تبني الانتصار على المدى الطويل، عبر استنزاف الخصم، وكسر هيبته، وتقويض أسسه الأخلاقية. في تقارير لمراكز دراسات إسرائيلية مثل 'مركز بيغن-السادات'، هناك تلميحات إلى أن السيطرة على خان يونس باتت 'مستحيلة دون تدمير كامل'، ما يعني أن الكيان دخل فعليًّا في فخّ تدمير الذات، إذ لا انتصار ممكن دون إبادة جماعية، ولا إبادة دون تكلفة وجودية وسياسية دولية. من المدينة إلى الأسطورة خان يونس اليوم ليست فقط عنوانًا لمعارك طاحنة، بل هي مرآة لكل مدينة عربية قاومت ذات يوم ثم نُسيت! خان يونس تستدعي بيروت (1982)، والفلوجة (2004)، وسجن جنين (2002).. لكنها تتفرّد لأنها قاومت بينما أطفالها يُذبحون على الهواء مباشرة، ورغم ذلك لم ترفع الراية البيضاء. هذه المدينة، التي اجتمع عليها الجوع والقصف والنسيان، صارت أيقونة للذين لا يملكون شيئًا سوى الكرامة! وإن لم تكن هذه مقاومة تستحق الاحترام والانتصار، فماذا إذن؟ المدينة التي كسرت الرواية في النهاية، يخطئ من يظن أن خان يونس مجرد عنوان جانبي في نشرة أخبار.. إنها المدينة التي كسرت الرواية الإسرائيلية الكلاسيكية عن الجيش الذي لا يُقهر، وجعلت العالم يشاهد جنود الاحتلال يهربون من «أشباح الأنفاق» ورصاص المقاومين المتخفيين في العتمة. هذه المدينة، التي اجتمع عليها الجوع والقصف والنسيان، صارت أيقونة للذين لا يملكون شيئًا سوى الكرامة! وإن لم تكن هذه مقاومة تستحق الاحترام والانتصار، فماذا إذن؟

من الدبلوماسية إلى حافة المواجهة.. مفاتيح الأزمة بين واشنطن وطهران
من الدبلوماسية إلى حافة المواجهة.. مفاتيح الأزمة بين واشنطن وطهران

الجزيرة

timeمنذ 29 دقائق

  • الجزيرة

من الدبلوماسية إلى حافة المواجهة.. مفاتيح الأزمة بين واشنطن وطهران

لم تكن الساعات الماضية هادئة في المنطقة، فقد تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بسبب اختلاف وجهات النظر بشأن الملف النووي ، واستغلت إسرائيل الفرصة لتأكيد استعدادها تنفيذ هجمة على طهران. ورغم إعلان مسقط صباح اليوم الخميس على لسان وزير خارجيتها، بدر البوسعيدي تأكيده أن الجولة السادسة من المحادثات النووية الأميركية الإيرانية ستعقد الأحد المقبل في العاصمة العمانية، إلا أن حرب التصريحات لاتزال مستمرة، وسط تشبّث طهران بحقها في تخصيب اليورانيوم واستعدادها لمواجهة أي حروب. ويثير تسارع الأحداث تساؤلات المراقبين حول مآلاتها المحتملة، خاصة مع تأكيد مسؤول أميركي أن وزير الدفاع بيت هيغسيث أذن بالمغادرة الطوعية لأفراد عائلات العسكريين بجميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، تبرز مجموعة من الأسئلة،أهمها: هل تقترب المنطقة من مواجهة عسكرية مباشرة؟ وما هو تأثير ذلك على أمن المنطقة ومصير المفاوضات النووية المرتقبة؟ ولفهم ما يجري الآن، لا بد من العودة إلى لحظة البداية: فما الذي حدث الليلة الماضية؟ كانت أولى الإشارات الجدية لبدء التوتر إعلان مسؤولين أميركيين عن إجلاء معظم الدبلوماسيين من البعثات الأميركية في بغداد وأربيل، تحسبًا لتهديدات أمنية متزايدة، أعقبها إصدار توجيهات بالسماح بالمغادرة الطوعية لعائلات العسكريين الأميركيين المنتشرين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. تزامن ذلك مع تواتر التصريحات الأميركية التي أكدت وجود "تهديدات وشيكة"، وسط تأكيدات بأن واشنطن في حالة تأهب قصوى تحسبًا لهجوم إسرائيلي محتمل على إيران، قد يشعل فتيل صراع واسع. وتكتسب هذه التطورات أهميتها كونها تأتي قبيل جولة مفاوضات نووية حاسمة بين الولايات المتحدة وإيران، في ظل تهديدات متصاعدة من طهران باستهداف القواعد الأميركية في المنطقة، ردا على أي هجوم قد تتعرض له منشآتها النووية. وزادت حدة الترقب بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي برّر إجلاء عائلات العسكريين بالقول: "حتى لا يكونوا في خطر." وهي عبارة فتحت الباب واسعً أمام التكهنات بشأن الخطوات الأميركية المحتملة خلال الساعات المقبلة، وردّ إيران المنتظر. لكن لفهم ما حدث ووضعه في سياقه الصحيح، لا بد من العودة خطوة إلى الوراء. مفاوضات وخلافات منذ أبريل/نيسان الماضي، بدأت الولايات المتحدة وإيران 5 جولات من المفاوضات النووية بوساطة سلطنة عُمان، وأعلن الطرفان في أكثر من مناسبة عن تحقيق تقدم ملحوظ. لكن ملف تخصيب اليورانيوم ظلّ عقبة رئيسية يصعب تجاوزها، حيث تصرّ طهران على حقها في التخصيب ضمن حدود اتفاق الضمانات، بينما تعتبر واشنطن أن هذا البند يمثّل تهديدًا مستقبليًا. وخلال الأيام الأخيرة، كررت إيران تمسكها بهذا "الحق السيادي"، في حين صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من لهجته، مطالبا طهران بتقديم تنازلات، ومحذرًا من أن البديل عن الاتفاق سيكون المواجهة. أما إسرائيل، فقد شكّكت علنا في حدوث أي تقدم في المفاوضات، وواصلت الضغط على إدارة ترامب لإثنائه عن المسار الدبلوماسي، مؤكدة عدم استبعادها الخيار العسكري لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وبهذا يتضح المشهد الإستراتيجي الراهن وفق 3محاور: إيران: تتمسك بحقها في تخصيب اليورانيوم وتؤكد استعدادها لأي مواجهة. إسرائيل: تدفع باتجاه التصعيد وتحرض على ضربة عسكرية محتملة لمنشآت إيران النووية. المسارات المحتملة ومع ما سبق، يبدو أن هامش المناورة بدأ يضيق بشكل ملحوظ، ما يطرح تساؤلات جدّية حول المسارات المحتملة التي قد تتخذها الأزمة في الأيام القليلة المقبلة. فقد زاد دخول الوكالة الدولية للطاقة الذرية على خط الأزمة من تعقيد المشهد، بعدما تبنّى مجلس محافظيها قرارًا يتهم إيران بعدم الامتثال لالتزاماتها بموجب اتفاق الضمانات النووية. وردّت طهران بتشغيل مركز جديد لتخصيب اليورانيوم، في تصعيد مباشر يعكس حدة التوتر. وقد وصفت الخارجية وهيئة الطاقة الذرية الإيرانيتان قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه "سياسي ويكشف طبيعتها"، مشيرة إلى أن "سياسة التعاون مع الوكالة أدت لنتائج عكسية بسبب التعامل السياسي". وفي المقابل، استغلت إسرائيل تصريحات المدير العام للوكالة رافائيل غروسي، الذي لم يتمكن من الجزم بأن البرنامج النووي الإيراني مدني بالكامل، بسبب نقص المعلومات الواردة من طهران، إضافة إلى تحديد الوكالة لثلاثة مواقع شهدت أنشطة تخصيب مشبوهة. وسارعت وزارة الخارجية الإسرائيلية لإطلاق سيل من الاتهامات، معتبرة أن إيران "متورطة في برنامج أسلحة نووية سري ومنهجي"، وأنها "تراكم بسرعة كميات من اليورانيوم المخصب بدرجات عالية، بما يثبت أن برنامجها لا يمكن أن يكون سلميًا". ويُعتقد أن هذه التصريحات جاءت في إطار تمهيد إسرائيلي لتبرير أي عمل عسكري محتمل ضد طهران، خصوصًا في أعقاب تقرير شبكة "سي بي إس" الأميركية، الذي نقل عن مصادر مطلعة أن واشنطن تبلّغت رسميًا بأن إسرائيل باتت مستعدة تمامًا لتنفيذ ضربة ضد إيران، وأن الإدارة الأميركية تتوقع ردًا إيرانيًا يشمل استهداف قواعد أميركية في العراق. في المقابل، نقلت وسائل إعلام عن مسؤول إيراني رفيع قوله إن دولة صديقة في المنطقة حذّرت طهران من هجوم إسرائيلي محتمل، مشيرًا إلى أن هذا التصعيد المتسارع هو جزء من " حرب نفسية تهدف للتأثير على مسار المفاوضات النووية". في خضم التصعيد القائم، تواصل طهران التأكيد على أن ما يُمارس ضدها من ضغوط لا يعدو كونه "جزءًا من تكتيكات تفاوضية" أو حربًا نفسية تهدف إلى دفعها لتقديم تنازلات قبيل انطلاق جولة جديدة من المفاوضات، المقررة الأحد المقبل في مسقط، وفق ما أكده وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي. ورغم تمسكها بخيار الحوار، لم تتخلَّ إيران عن التلويح بالتصعيد، مؤكدة استعدادها لمواجهة جميع السيناريوهات، ومحذرة في الوقت نفسه من "أي خطأ في الحسابات قد يُشعل المنطقة". وفي تصريحات للجزيرة نت يقول رئيس نقابة مدراء مراكز الأبحاث والدراسات الإيرانية عماد آبشناس، إن إيران تفضل الدبلوماسية لحل الخلافات، لكنه أشار إلى أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يهددان إيران دوما وكل يوم بهجمات عسكرية وعمليات عسكرية. وأضاف آبشناس أن القوات المسلحة الإيرانية هي على أهبة الاستعداد والاستنفار تحسباً لأي تحرك عسكري من قبل الأعداء، حسب وصفه. من جهتها، لا تزال الولايات المتحدة متمسكة برفضها لمبدأ تخصيب اليورانيوم، وتدفع نحو إحياء المسار الدبلوماسي، مع توجيه تحذيرات مباشرة لحكومة بنيامين نتنياهو من اتخاذ خطوات قد تعرقل جهود التوصل إلى اتفاق مع طهران. وفي هذا السياق، يواصل المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إجراء مشاورات إقليمية، من المرتقب أن تشمل لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين يوم الجمعة، وذلك قبيل انعقاد المحادثات الثنائية المرتقبة في مسقط. وتنظر تل أبيب بعين القلق إلى أي اتفاق جديد مع إيران، معتبرة أنه يمثل "تهديدًا مباشرًا لأمنها الاستراتيجي"، وتواصل الضغط على واشنطن لمنع أي تنازلات قد تُمنح لطهران. ويرى، محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة هآرتس، تسفي بارئيل أن حدة التوتر لا تقتصر على محور واشنطن – طهران، بل امتدت إلى العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، قائلاً: "المواجهة الأهم تدور حاليًا بين نتنياهو وترامب، لا بين الولايات المتحدة وإيران." ومع اقتراب موعد المفاوضات في مسقط، يبدو أن كل الأطراف تستعد لكل الاحتمالات، وفيما تظل أبواب الديبلوماسية مفتوحة، تراهن إيران على صمودها متمسكة بخيارات التخصيب، بينما تدفع الولايات المتحدة بثقلها ممسكة بكل خيوط اللعبة، فيما تراقب إسرائيل عن كثب وهي على أهبة الاستعداد. ووسط كل هذا تراقب دول المنطقة التطورات وما إذا كانت ستتجه نحو تسوية سياسية أو انفجار عسكري.

صحيفة إسرائيلية: تحالف نتنياهو والحاخامات يحبط آمال الجيش بتجنيد الحريديم
صحيفة إسرائيلية: تحالف نتنياهو والحاخامات يحبط آمال الجيش بتجنيد الحريديم

الجزيرة

timeمنذ 29 دقائق

  • الجزيرة

صحيفة إسرائيلية: تحالف نتنياهو والحاخامات يحبط آمال الجيش بتجنيد الحريديم

نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تقريرا للمحلل العسكري فيها يوآف زيتون، عبر فيه عن حجم الإحباط داخل صفوف الجيش الإسرائيلي بسبب الاتفاق الذي أبرمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع ممثلي الأحزاب الحريدية (أحزاب المتدينين) على صيغة جديدة لقانون تجنيد الاحتياط من هذه الفئة، الذي أنقذ حكومته من اقتراح حل الكنيست الذي تقدمت به أحزاب المعارضة. ووفق الصحافة الإسرائيلية، فإن الاتفاق الذي توصل له نتنياهو مع حزبي " يهودات هتوراه"، الممثل لليهود الغربيين (الأشكناز)، و" شاس" الممثل لليهود الشرقيين (السفرديم)، سيؤدي إلى تجنيد 4800 حريدي في السنة الأولى، و5500 في الثانية، مع هدف بعيد الأمد لتجنيد 50% من الحريديم خلال 5 سنوات. ويرى المحلل العسكري يوآف زيتون أن هذه النسبة لا تشمل جميع الشباب الأرثوذكس المتشددين الذين يُقدّر عددهم بأكثر من 100 ألف شاب في السنوات الخمس القادمة، بل سيخضع 12 ألفا إلى 16 ألفا منهم فقط للتجنيد. وقد أدى هذا الاتفاق إلى تراجع الأحزاب الحريدية عن دعم الاقتراح الذي قدمته المعارضة لحل الكنيست، مما أسفر عن سقوطه، وحصوله على تأييد 53 صوتا، منهم نائبان خالفا أوامر قياداتهما وصوتا لصالح الحل، مقابل معارضة 61. ووصف زيتون الخطة بأنها "خطة تهرب" في الوقت الذي يواجه فيه الجيش الإسرائيلي أزمة داخلية متفاقمة تتعلق بنقص حاد في القوى البشرية، مما يتطلب حشد الآلاف من الحريديم، لتخفيف العبء غير المسبوق على جنود الاحتياط الذين يُطلب منهم، بحسب المعطيات الحالية، ارتداء الزي العسكري لما لا يقل عن 270 يوما سنويا. وقال المحلل العسكري للصحيفة "بدلاً من ذلك، خرجت الحكومة باتفاق "ناعم" مع الحريديم، خلا من أي عقوبات حقيقية للمتخلفين عن أوامر التجنيد، وضم أهدافا عدمية ومنخفضة". ويؤكد زيتون في هذا السياق أن الاتفاق تمت صياغته بين الحكومة والأحزاب الحريدية وسط تغييب شبه كامل للجيش عن هذا القرار، رغم أنه سيكون الجهة المنفذة له. ويقول "الجيش الإسرائيلي لم يكن شريكًا لا في المداولات ولا في الصياغة، بل تُرك القرار في أيدي السياسيين والحاخامات. فبينما كانت قوات الجيش تخوض معارك يومية في غزة ولبنان والضفة الغربية، كان القرار بشأن مصير القوى البشرية العسكرية يُتخذ خلف الأبواب المغلقة دون مشاركته". انتصار سياسي وهزيمة عملياتية ويشير تقرير زيتون إلى أن قادة الجيش طالبوا على مدار عام مضى بصياغة خطة تجنيد عاجلة تشمل ما بين 5 آلاف و10 آلاف مجند من الحريديم، بعد أن تكبّد الجيش منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 خسائر تجاوزت 10 آلاف جندي وضابط بين قتيل وجريح ومسرّح. وقد رُوج في حينه أن مثل هذا التجنيد سيوفّر للجيش كتائب كاملة في غضون عامين أو 3 أعوام، ويُسهم في تقليص الضغط عن جنود الاحتياط والقوات النظامية الذين "لا يكادون يعودون إلى بيوتهم". ويؤكد المحلل العسكري أن الجيش كان مستعدًا فنيًا لاستيعاب المجندين الجدد من الحريديم، بل دعا صراحة إلى "تجنيد جماعي". وكان التقدير أن التجنيد المبكر لبضعة آلاف ابتداءً من عام 2025 يمكن أن يُحدث تحولًا تدريجيًا ينعكس على تركيبة الكتائب العاملة بين عامي 2026 و2027، ويسهم في تقليل المهام القتالية، خاصة في ضوء اتساع رقعة الانتشار العسكري في غزة ولبنان وسوريا. غير أن ما جرى، بحسب التقرير، هو أن "الحل الوسط" الذي نادى به الجيش أُسقط من طاولة القرار، وخرجت الحكومة بمسودة خطة لا تنص على أي وسائل حقيقية لإلزام الحريديم بالاستجابة لأوامر التجنيد، بل تكتفي بإجراءات رمزية ومؤجلة. ويشير التقرير إلى أن العقوبات المالية على المدارس الدينية تأجلت، وتم إفراغ أوامر وقف المتخلفين ومنعهم من السفر من مضمونها، ولا يُتوقع تفعيلها إلا في حال الإخفاق بتحقيق الأهداف، وحتى في هذه الحالة يحال المتخلفين إلى "لجنة استثناءات" يمكنها السماح لهم بالسفر للخارج دون عوائق، وفق التقرير. ويلفت المحلل إلى أن الجيش الإسرائيلي كان قد صاغ تحركه بعيدا عن السياسيين، حيث كشف العميد شاي طيب، رئيس قسم التخطيط وإدارة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي، خلال جلسة بالكنيست، أن الجيش سيبدأ اعتبارًا من يوليو/تموز المقبل بإرسال 54 ألف أمر استدعاء للشبان من الحريديم ممن لم يتلقوا دعوات سابقة للخدمة. إحباط متراكم كما يشير زيتون إلى موقف رئيس الأركان إيال زامير ، الذي يشير إلى ما سماه "الإحباط المتراكم للجيش" خلال زيارته إلى غزة، حينما قال: "لا يمكن لدولة إسرائيل أن توجد بحد أدنى من القوات. نحن بحاجة إلى هوامش أمنية واسعة.. المزيد من القوات النظامية والمزيد من جنود الاحتياط لتخفيف العبء". وأشار المحلل العسكري إلى أن الكنيست شهدت ليلة صاخبة انتهت باتفاق بين ممثلي الأحزاب الحريدية ورئيس لجنة الخارجية والأمن يولي إدلشتاين، على "مبادئ مشروع قانون" تجنيد الحريديم. وقال معلقا على ذلك إن "هذه التسوية لا تُلزم الحكومة بتعديل فوري في السياسة أو في آليات التجنيد، ولا تضمن إدخال الحريديم فعليًا إلى الجيش، والأسوأ أن الجيش لن يتمكن من إعادة طرح قانون التجنيد لمدة 6 أشهر، ما لم يطرأ "تغيير في الظروف"، وفقًا للوائح الإجرائية في الكنيست".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store