
الشرع ونتنياهو يلتقيان في لبنان؟
غريب أن تتفوق الشاشات والصحف المحلية على الشاشات والصحف الأميركية و "الاسرائيلية" في عدائها لحزب الله، ولما يدعى "البيئة الحاضنة"، دون أي اعتبار حتى للمفهوم الكلاسيكي ـ لا العاطفي ـ للوطن وللمواطنة. هنا الدعوة للجثو بين يدي بنيامين نتنياهو، وهناك الدعوة للجثو بين يدي أحمد الشرع. هكذا الاختيار بين جهنم وجهنم ...
الاثنان، وكما قيل لنا، يلتقيان على الأرض اللبنانية. لكأن العلة الأساسية ليست في الذين تعاقبوا على السلطة، ودون أن تقوم غالبيتهم باقامة الأسوار حول الدولة، من خلال بلورة معايير فلسفية خلاقة للتفاعل بين الطوائف، لا تكريس الفديرالية غير المعلنة ان بالميثاق الوطني، أو بوثيقة الطائف، لنكون أمام دولة طوائفية، مثلما فتحت أبواب الجنوب لياسر عرفات (وما أدراك ما ياسر عرفات) أو لأرييل شارون (وما أدراك ما آرييل شارون). تفتحه لأي نوع آخر من الغزاة. لا دولة للتاريخ، ولا دولة للحياة.
لم نكن أمام غياب الدولة فقط، بل أمام غيبوبة الدولة. الدولة ـ المغارة التي أثارت ذهول خبراء صندوق النقد الدولي بكمية الفساد التي تتكدس، حتى في وجوه أركان المنظومة الحاكمة. الفذ الذي نفتقده، مثلما نفتقد أرواحنا، زياد الرحباني سأل "هاي بلد ؟ لا مش بلد .. هاي أورطة عالم مجموعين .. لا مضروبين .. لا مقسومين.. قوم فوت نام وصير حلام"، على وقع العتابا والميجانا أم على وقع أرداف هيفاء وهبي ؟
في ظل الأكاذيب التي نعيشها الآن، هل حقاً أن دونالد ترامب، بالقدم التي في "وول ستريت"، وبالقدم الأخرى التي في لاس فيغاس، معني بقيام دولة لبنانية ذات سيادة (وأي سيادة على امتداد الكرة الأرضية بوجود الاله الأميركي). دولة تقوم على الشفافية، وعلى الحوكمة، وعلى نظافة اليد، وهو الحامي للدول الأكثر توتاليتارية والأكثر فساداً في العالم؟ يريد في لبنان الدولة ما تريده "اسرائيل". الدولة ـ الجثة التي تدور كما غيرها من الدول العربية حول الهيكل.
لا بأس أن يصل بنا ترامب الى أبواب جهنم، وقد دفعتنا الى ذلك الطبقة السياسية، ولا نزال هناك. ماذا يمكن أن يتغير ؟ ها أن الرئيس الأميركي يرفع صولجان "يهوه" الذي ـ ونكرر ـ كان يرشق من كهفه السابلة بالحجارة ، كما تقول الميثولوجيا العبرية .. الآن بدل الحجارة القنابل. لبنان ليس وحده الدولة ـ الجثة. سوريا أيضاً، مهما حاول رجب طيب اردوغان المضي في تلك "الصفقة السوداء"، بشق الطريق، الطريق المستحيل، بين دمشق (يا لبهاء دمشق !) وأورشليم.
ليس غريباً ولا مستغرباً في هذا المناخ الطوائفي المروع، أن يلتقي الشرع وفصائله، ونتنياهو وجحافله، على هدف واحد: تصفية حزب الله، بالتنسيق العملاني بين من يحملون السواطير ومن يمتطون القاذفات. في كل الأحوال، أيها الرئيس الشرع، لا نستطيع أن ننظر الى السوريين، لا الى الأيغور والأوزبك والشيشان، الا الأشقاء في الدم وفي الروح وفي القلب، كما في التاريخ. كم تظاهرنا، وكم حلمنا أن يكون لبنان وسوريا، بل وكل الدول العربية، دولة واحدة، تعرف كيف تدخل في ثقافة القرن، لا أن نبقى الدمى بين لعبة الأمم ولعبة القبائل. ولكن ليس بذلك النوع من الاسلام الذي يترعرع بين الكهوف وفي الأقبية، وبتلك التكشيرة الايديولوجية المجنونة
لكننا ندرك، والكل يدرك ذلك، ما وضع الرئيس السوري، وأي نوع من الأيدي الغليظة تمسك بكتفيه، وتحدد خطواته داخل القصر أو خارجه. ونعلم ما وضع السوريين حين يكونون في قبضة تلك الفصائل التي قطعت رأس أبي العلاء المعري، وكادت تهدم مقام محيي الدين بن عربي .
"اسرائيل"، أيها الرئيس الشرع، لن تقبل بسوريا المؤثرة، ان بالدور الجيوسياسي أو بالدور الجيوستراتيجي، وهو الدور التاريخي، وحتى بالدولة الصناعية بعدما توقعت "الفايننشال تايمز" أن تغدو "نمر الغرب الآسيوي"، على شاكلة نمور الشرق الآسيوي. لكن الضربة الأميركية ـ "الاسرائيلية"، وباليد التركية، جاءت على الرأس، دون أن يعني ذلك رفض التغيير، بعدما بلغت الهلهلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ذروتها، بوجود لوردات الفساد،، وبأجهزة الاستخبارات الرثة البعيدة كلياً عن مهمتها في حماية الأمن القومي للبلاد. ما كان يجمعنا بالنظام موقفه من "اسرائيل"، وهو من دفع ثمن ذلك طائرة روسية أقلته من قصر الشعب في دمشق الى المنفى في موسكو.
الآن رجل آخر في القصر وبمهمة مختلفة، أن يوقع صك الاستسلام، ليبقى بربطات العنق الزاهية وبالأطباق الفاخرة على رأس السلطة. واذا كان البعض، بمن فيهم ديبلوماسيون أميركيون، يوحون له بوضع اليد على لبنان من خلال التنسيق بين حملة السواطير وحملة القنابل، عليه أن يعلم أن سوريا مثل لبنان، ستكون في القبضة "الاسرائيلية"، بعدما بدا واضحاً كيف أن ترامب أطلق العنان لنتنياهو، ليمضي في جنونه الى تغيير الشرق الأوسط، تبعاً لما أوضحه السفير الأميركي في "اسرائيل" مايكل هاكابي بـ "أبعاد توراتية".
هل المشكلة في جنون رئيس الحكومة "الاسرائيلية" فقط؟ أم في في بعض الرؤوس اللبنانية التي تذهب في رهانها على ازالة حزب الله بدفع خارجي معروف، الى الحد الذي يفضي تلقائياً الى زوال لبنان؟
نعلم أن الغيوم السوداء تحيط بنا من كل حدب وصوب. لكن التهويل والتهديد بالمغول الجدد، لن يؤثر في الحزب، الذي يدرك تماماً ما تداعيات أي خطوة الى الوراء ...

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 36 دقائق
- ليبانون 24
بلبلة بشأن إنهاء مهمة برّاك واحتمال زيارة أورتاغوس للبنان
تتجه الانظار الى الجلسة التي سيعقدها مجلس الوزراء الثلاثاء للنظر في مسألة «تنفيذ البيان الوزاري للحكومة في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على كل اراضيها بقواها الذاتية حصراً، وبالترتيبات الخاصة بوقف الاعمال العدائية لشهر تشرين الثاني (2024). وفيما كانَ لبنان منشغلاً بورقة المبعوث الأميركي توم برّاك، فوجئت القوى السياسية بالمعلومات المسرّبة عن انتهاء مهمته في لبنان، علماً أنه «أبلغ المعنيين في زيارته الأخيرة إلى بيروت أنه قد لا يعود مجدّداً، وهو ما جرى تفسيره بانتهاء المهلة المعطاة للبنان لاتخاذ خطوات عملانية». وفور انتشار الخبر، بدأت التساؤلات عن البديل الذي سيحل مكان برّاك، وسطَ كلام عن إمكانية أن يتولى السفير الأميركي الجديد في بيروت المهمة، أو عودة مورغان أورتاغوس. وتشغل اورتاغوس الان منصب مساعدة المندوبة الاميركية في مجلس الامن الدولي السفيرة السابقة في لبنان دوروثي شيا.ولتاريخه لم يتسلم ميشال عيسى منصبه كسفير للولايات المتحدة لدى لبنان، بعد ما كان قد ادلى بافادته امام جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. وذكرت «الأخبار» أن «قرار إعادة تكليف أورتاغوس صدر منذ يومين، لكنّ السفارة في بيروت لم تتبلّغ به بعد». وقالت مصادر مطّلعة على الجو الأميركي إن «إزاحة برّاك تتصل بشخصيته فهو لم يقدّم تجربة جيدة في إدارة الملف، لكنّ أبرز الأسباب يعود إلى كون مسؤولين في الإدارة الأميركية يعتبرون أن برّاك ضعيف ». وأضافت المصادر أن «اللوبي اللبناني الموجود في الولايات المتحدة الأميركية لعب دوراً كبيراً في إزاحة برّاك، خصوصاً بعد كلامه عن ضمّ لبنان إلى بلاد الشام»، معتبرين أن «هذا الكلام يخدم حزب الله ويضرّ بأصدقاء الولايات المتحدة الأميركية في بيروت، الذين أُحرجوا من هذه التصريحات التي تضرب كل خطابهم عن السيادة وضمانة الولايات المتحدة الأميركية لحماية الاستقرار في لبنان». وكتبت" النهار":كان ينقص المشهد اللبناني المشدود والحذر عشية أسبوع يطل فيه لبنان على استحقاقين متعاقبين الأول احياء الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت الاثنين المقبل بكل ما يحمله من شجون والثاني انعقاد مجلس الوزراء في جلسة مفصلية مطروح عليها ملف حصرية السلاح ، ان تتواتر تسريبات ومعلومات متضاربة حول تغيير متجدد للموفد الأميركي إلى لبنان بما زاد في غموض وآفاق الحقبة المقبلة . ذلك ان التبديل السريع الذي حصل سابقا للموفدة الأميركية الأولى في ولاية الرئيس دونالد ترامب إلى لبنان مورغان اورتاغوس كشف آنذاك عن ترددات غير ايجابية احدثتها اورتاغوس باسلوبها المتشدد الحاد مع انها كانت خير معبر عن جوهر موقف ادارتها من الواقع اللبناني . واذا كانت التسريبات صحيحة امس عن اتجاه إلى تبديل توم براك بعد ثلاث زيارات له لبيروت وإبلاغه السلطة اللبنانية ورقة أفكار واقتراحات وتلقيه رد الرؤساء الثلاثة عليها ، فان ذلك سيعني امرا ثابتا هو اتجاه واشنطن إلى مزيد من التشدد وليس العكس بعدما اثار الرد اللبناني مزيدا من تراجع الثقة الأميركية بمسار السلطة اللبنانية لنزع سلاح "حزب الله". وتناقضت التقارير الإعلامية حول خبر مصير براك كموفد إلى لبنان فنقلت محطة "الحدث "عن الخارجية الأميركية ان "لا صحة للأنباء عن إنهاء مهمة الموفد توم برّاك إلى لبنان . وكانت تقارير لبنانية إعلامية افادت بأن السفير الاميركي توم باراك لم يعد مكلفا بالعمل على الملف اللبناني وبأن الإدارة الاميركية ستكلف مورغان أورتاغوس مجدداً للعمل على هذا الملف. لكن محطة " سكاي نيوز" افادت ان المبعوث الأميركي توم براك أبلغ المسؤولين اللبنانيين في زيارته الأخيرة إلى بيروت بأنها زيارته الأخيرة وان الاتجاه هو إلى إناطة الملف اللبناني إلى السفير الأميركي المعيّن حديثا ميشال عيسى وهو من أصول لبنانية . وأفادت تقارير ديبلوماسية إضافية لاحقا ان لا صحة لنزع ملف لبنان من براك لأنه كان مكلفا فقط بنقل الرسالة الأميركية إلى السلطة اللبنانية وان لا حاجة إلى موفدين مادام عمل السفيرة في بيروت على افضل وجه وسيكون على عاتق السفير المسمى الجديد اكمال المهمات بعد تثبيت تعيينه في أيلول المقبل . وكابت" نداء الوطن":واعتبرت مصادر دبلوماسية أن ما يُشاع عن إقالته من ملف لبنان غير دقيقة، إذ إنه لم يكن يومًا مسؤولًا رسميًا عن ملف لبنان، بل كان De Facto Envoy إلى لبنان لتسليم الرسائل الأميركية إلى الجانب اللبناني خصوصًا تلك المتعلقة بنزع سلاح "حزب الله" وضبط الحدود والإصلاحات المالية. وأكدت أوساط واشنطن أن برّاك لا يزال في منصبه كسفير للولايات المتحدة إلى تركيا والمبعوث الرئاسي الأميركي إلى سوريا. أما بالنسبة إلى مورغان أورتاغوس، فتقول المصادر إنها لم تترك منصبها في وزارة الخارجية ولا ابتعدت عن ملفات الشرق الأوسط ولبنان، ولكنها انتقلت إلى الأمم المتحدة لمعاونة السفيرة دوروثي شيا، القائمة بأعمال ممثل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة. وأورتاغوس تضطلع بالعديد من الملفات منها ملفات المنطقة في الأمم المتحدة والتي يتصدرها ملفّا قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان "اليونيفيل" وقوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل "أندوف". وفي بيروت، وتعليقًا على خبر استبدال براك، أشارت مصادر سياسية مطلعة إلى أن الأمر يخص الإدارة الأميركية ولا يمكن أخذه إلا بالشق التقني الإداري الأميركي. ولفتت المصادر إلى أن من أورتاغوس إلى براك الموقف الأميركي لم يتبدل، بل بالعكس زاد تشددًا، وبالتالي خطوة الاستبدال لن تؤدي إلى أي تغيير في السياسة الأميركية خصوصًا أن هذه التغييرات تحصل في عهد ترامب، ولم يحصل تغيير في الإدارة الأميركية العليا أي انتقال الحكم من جمهوري إلى ديمقراطي أو العكس. وكتبت" اللواء": مع ان الاطراف الرسمية تفاجأت بخبر عودة اورتاغوس، لكن مصادر دبلوماسية اعتبرت ان هذا التغيير لن يؤثر أي شيء، ما دام الموقف تجري دراسته، في الخارجية الاميركية.. وهو موقف متفق عليه، لا سيما لجهة ورقة المقترحات التي قدمها براك للمسؤولين اللبنانيين. وجاءت هذه التطورات، في الوقت الي كشف فيه النقاب عن ان الموفد الأميركي (السفير في تركيا) طوم براك انتهت مهمته في لبنان، وان السفيرة السابقة التي تولت المهمة مورغان اورتاغوس ستعود لتولي الملف اللبناني.


الديار
منذ 6 ساعات
- الديار
لماذا فتحت سوريا باب موسكو مجدداً؟
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب بلورت العلاقات السوفياتية/ الروسية - السورية على مر تاريخها منذ العام 1944، الذي شهد اعتراف الإتحاد السوفياتي باستقلال سوريا، نموذجا جيدا وفاعلا لتلك العلاقات، التي يمكن لها أن تقوم ما بين دولة متوسطة الحجم والقدرات، وبين دولة عظمى كانت تؤدي حتى العام 1989 دور القطب الثاني في النظام الدولي، الذي حل في أعقاب وضع الحرب العالمية الثانية لأوزارها عام 1945 . وعلى مدى سبعين عاما امتدت ما بين 1944 - 2014 استطاعت دمشق أن تحافظ على نوع من استقلالية القرار، حيال حليف كان يشكل مصدر إسناد أول لجيشها بالسلاح والعتاد، بالرغم من الحمولات التي يفرضها هكذا أمر على أي كيان أو منظومة، ويشكل أيضا « مظلة» سياسية يمكن لها أن تقي من « حرارة» اللهيب، الناجم عن محاولات اقتحام» الحصن» الدمشقي، الذي شكل بعد اتفاقات» كامب ديفيد» 1977 و 1979، عقبة في وجه مشاريع ومخططات، ظلت تراوح في مكانها لعقود بمفاعيل عديدة، كان من أبرزها الرفض السوري لمهر توقيعه عليها . لكن من المؤكد أن ثمة تحولات كانت قد جرت على تلك العلاقة ما بعد أيلول 2015، الذي شهد انطلاق عملية» عاصفة السوخوي» الروسية في سوريا، و هي في المجمل كانت من النوع « الخادش» لاستقلالية القرار، وصولا إلى « الإطباق» عليه تماما، حتى بات ورقة مساومة بيد موسكو، تعرضها متى وكيفما تشاء، والشاهد هو أن نظام بشار الأسد ما كان له أن يسقط، لولا قرار موسكو بعرض» الورقة» في سوق التداول الدولي . فرض الإسناد الروسي لنظام الأسد حالا من» الجفاء» المبرر بين موسكو وبين دمشق- الشرع، وعلى الرغم من المحاولات الروسية المتعددة لكسر تلك الحال، فإن القيادة السورية ظلت تتمترس عند هذه الأخيرة بمفاعيل عديدة، أبرزها الضغوط الغربية والأوروبية على وجه التحديد، التي كانت تجهد لإخراج موسكو من المنطقة، الأمر الذي يساعد في كبح الجماح الروسي الماضي في تمدده الأوكراني نحو خلق توازنات في القارة العجوز تختلف جذريا عن تلك التي كانت سائدة منذ العام 1991، ومنها الآثار التي يمكن للتقارب مع موسكو أن يخلفها على حاضنة النظام الراهن، التي تكيل لها اتهامات تبدأ عند محاولة الإبقاء على جروحها نازفة، ولا تنتهي عند القيام بأعمال القتل وارتكاب» المجازر» ضد المدنيين. ولذا فإن محاولات» كسر الجليد» المتراكم على طريق موسكو - دمشق لم تنجح في غضون الأشهر السبعة المنصرمة، بدءا من زيارة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لدمشق أواخر شهر كانون ثاني المنصرم، مرورا بمخابرة الرئيس الروسي لنظيره السوري في 12 شباط الفائت، والتي تضمنت» تهنئته» باستلام « مهام الرئاسة في سوريا»، وفقا لما ذكرته وكالة» سانا» الرسمية، ثم وصولا إلى دعوة وزير الخارجية الروسي لنظيره السوري في شهر أيار الفائت لزيارة موسكو، الأمر الذي تجاهلته القيادة السورية، قبل أن تقرر تغيير مواقفها على بعد نحو ثلاثة أشهر من الدعوة . فما الذي تغير حتى قررت دمشق تنفيذ هذا « الإنزال» السياسي - العسكري - الأمني على موسكو ؟ الراجح هو أن المياه الراكدة كانت قد تحركت بمفاعيل «اسرائيلية»- تركية، من دون أن يعني الأمر وجود تنسيق ثنائي بهدف تحريكها، لكن تقاطع الأهداف عن بُعد يبدو ملحوظا بين الطرفين، وهذا ما يبرزه توقيت» الإنزال» الذي حدث قبيل اجتماعين، هما على درجة عالية من الأهمية بالنسبة لدمشق، وكذلك بالنسبة لـ«تل أبيب» وأنقرة كل على حدى: - الأول هو الاجتماع الذي ستحتضنه العاصمة الإذربيجانية باكو، والذي سيضم وزير الخارجية السوري إلى وزير الشؤون الاستراتيجية «الإسرائيلي» رون ديرمر، وهو يمثل حلقة في سلسلة اجتماعات كانت قد تناوبت باكو مع باريس على استضافة طرفيها، بغرض التوصل إلى اتفاق أمني نهائي، يكون من شأنه تهدئة المخاوف السورية، التي كانت قد بلغت ذروتها منتصف شهر تموز الفائت، عندما وصلت النار «الإسرائيلية» حدودا غير مسبوقة في تاريخ الصراع بين البلدين . - الثاني الذي سيجمع ما بين حكومة دمشق وقيادة» قوات سوريا الديمقراطية - قسد»، والرامي الى إيجاد الآليات المرضية للطرفين، لتنفيذ اتفاق» 10 آذار» الموقع ما بين الشرع ومظلوم عبدي، والمرجح هو أن الثنائي المحرك للمياه الراكدة، كان قد وجد في تفعيل الدور الروسي الذي يمكن له تذليل بعض العقبات في تلك المحطتين، أمرا لا ضير فيه حتى ولو قاد الأمر في النهاية إلى إعادة بعض الزخم للدور الروسي، وهو الأمر الذي افتقده هذا الأخير بفعل «زلزال» 8 كانون الاول المنصرم . فموسكو الراغبة في الحفاظ على موطئ قدم في مياه المتوسط الدافئة، ترتبط بعلاقة وثيقة مع «تل أبيب»، والمؤكد أن محطة 8 كانون الاول كانت قد عززت «المعزز» بين الاثنين، وهذا مفيد لحلحلة الخلاف حول الترتيبات الأمنية بين دمشق و «تل أبيب»، والعلاقة مع «قسد» كانت قد تعززت أيضا ما بعد الأسد، عبر إنشاء قاعدة» القامشلي» العسكرية، التي رأى فيها العديد على أنها بديل حاضر لـ «حميميم»، في حال انتفت شروط بقائها، وهذا يساعد أنقرة في حلحلة المواقف الكردية، التي تحار اليوم على أي أرضية يجب أن تقف . دمشق الحائرة في خضم تلاطم الأمواج المحيطة بسفينتها من كل حدب وصوب، والتي ينقصها « الحليف» الموثوق به، إذ لطالما كان من المؤكد هو ان الولايات المتحدة لا تستطيع لاعتبارات عديدة احتلال ذلك الموقع، وجل ما تريده أمران: أمن «اسرائيل»، ثم المضي في تشبيكات اقتصادية واستثمارية تكون خادمة في النهاية لذاك الأمن . ولربما ارتأت دمشق أن العمل على تثقيل الدور الروسي وفق الضوابط المتاحة، أمر قد يخفف من الضغوط الواقعة عليها عشية استحقاقين كبيرين : أولاهما اللقاء الذي سيجمع ما بين الشرع ونظيره الأميركي في واشنطن في شهر أيلول المقبل، والذي من المقدر له أن يفضي إلى توقيع» الإتفاق الأمني الدائم بين دمشق و»تل أبيب» . وثانيهما اللقاء الذي سيجمع ما بين الشرع أيضا وفلاديمير بوتين في شهر تشرين الأول المقبل في موسكو على هامش القمة الروسية - العربية، والذي من المتوقع أن يفضي إلى توقيع اتفاق من شأنه تحديد طبيعة الوجود العسكري الروسي في سوريا، والذي لا يزال تصنيفه حتى الآن على انه الوحيد الشرعي في سوريا، وحجمه، ثم الأدوار المنوطة به، خصوصا أن موسكو دفعت في شهر آذار الفائت ببادرة «حسن نية»، عندما انكفأت قواتها المرابطة في الساحل عن القيام بأي دور، حتى ولو كان يندرج في إطار « فض النزاع»، أو محاولة إطفاء النار التي امتدت لأربعة أيام، فيما تباشيرها كانت تشير إلى إمكان تمديد إقامتها لفترات أطول . ثم ماذا ينفع دوام « الحقد» الذي سبق لفلاديمير لينين، زعيم الثورة السوفياتية، أن وصفه على أنه» أسوأ موجه في السياسة»؟


الشرق الجزائرية
منذ 6 ساعات
- الشرق الجزائرية
افرام حذّر من إعصار جيوسياسيّ: لتسليم السلاح قبل فوات الأوان
أعلن رئيس المجلس التنفيذيّ لـ»مشروع وطن الإنسان»، النائب نعمة افرام، أن «المرحلة دقيقة وخطرة إلى حدّ الاستثنائيّة، ولم يعد يصحّ مقاربتها بالأشهر بل بالمئويّات، إذ دخلنا عمليًّا في المئويّة الثانية من عمر الكيان اللبنانيّ، وبتنا نشعر كأنّ صلاحيّة خارطة الشرق الأوسط بأسرها تشارف على نهايتها». وحذّر من أن «الشرق بأسره يعيش في إعصار إعادة رسم خارطته الجيوسياسيّة وهو أمر مخيف، وقد رصدناه في «مشروع وطن الإنسان» قبل سنتين عند حصول الترانسفير القسريّ للأرمن من ناغورني كاراباخ. فتجارب الترانسفير الجماعيّ كانت من أبرز سمات الحرب العالميّة الأولى، واليوم نشعر وكأنّ هذا الملف فُتح من جديد. الإعصار آتٍ، ونرى تجلّياته في المأساة المستمرّة في غزّة، كما في تصويت الكنيست الإسرائيليّ الأخير بخصوص الضفّة الغربيّة». أضاف افرام: «ما يجري في غزّة غير مقبول، بل مُرعب، وهو بمثابة إنذار مبكر للبنان، إذ لا تُرسم خرائط جديدة إلاّ من خلال إزهاق الكثير من الدماء. من هنا، تأتي الدعوة إلى العقلانيّة، وتحديدًا إلى حزب الله في مسألة السلاح، لأنّ استمرار الواقع الحالي لم يعد يُحتمل، والسلاح بات يشكّل تهديدًا وجوديًّا للكيان اللبنانيّ، في زمن يتطلّب أقصى درجات الحكمة والوعي والبصيرة. فإذا رفض حزب الله تسليم سلاحه، فذلك يعني أنه ما عاد يريد بقاء لبنان، وهنا سندخل في مراحل صعبة جدًّا». وفي موقف داعم لمؤسّسات الدولة، قال افرام: «نقف إلى جانب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والدولة المركزيّة التي تشكّل الضمانة الحقيقيّة للكيان. لكنّ الموقف صعب للغاية، والرئيسان عون وسلام يواجهان تحدّيًا دوليًّا متعاظمًا، خاصة في ظلّ تلميحات طرحت مؤخرًا عن احتمال توكيل الملف اللبناني ّإلى أطراف إقليميّة». ونوّه افرام بالتشكيلات القضائيّة الأخيرة، معتبرا أنها «شكلت قفزة نوعية بالمقارنة مع ما كان سائدا في الماضي، لا سيما من حيث نوعية الأسماء المطروحة». كما أشاد بإقرار قانون تنظيم القضاء العدليّ واستقلاله بعد سنوات طويلة من الإنتظار، كما بقانون اصلاح القطاع المصرفي، وبخطوة رفع الحصانات عن الوزراء والنوّاب، بوصفها مدخلًا ضروريًّا لتمكين القضاء من أداء دوره الكامل في المساءلة والمحاسبة. وأشار إلى تقدّمه، إلى جانب عدد من النواب، باقتراح قانون لإلغاء المادة التي تحصر تمثيل المغتربين بستة نواب فقط، معتبرًا أن هذا التحديد لم يعد واقعيًّا ولا عادلاً، إذ بات أكثر من 30% من اللبنانيين المُدرَجين على لوائح الشطب من المغتربين. ورأى أن إقصاء المغتربين عن ممارسة حقّهم الانتخابيّ الكامل يشكّل خطرًا فادحًا، واصفًا الأمر بـ»المعيب»، إذ «نحن أهل وفاء»، بحسب تعبيره، «ونعيش اليوم بفضل دعمهم المتواصل». وأضاف: «المغتربون هم محرّك اقتصاديّ رئيسيّ للبلاد، وإن استُبعِدوا اليوم، فقد يُقدمون بعد سنوات على التخلّي عن جنسياتهم اللبنانيّة». وحذّر إفرام، بصفته رئيسًا سابقًا للمؤسّسة المارونيّة للانتشار، في ظلّ الإبقاء على القانون الانتخابيّ القائم، من فقدان المنتشرين كلّ رغبة باقية لديهم باستعادة جنسيّتهم من جهّة أو بالتواصل البنيويّ مع وطنهم الأم من جهّة أخرى، منبّهاً من أن تفاقم هذا الملف قد يشكّل خطرا على الانتخابات النيابيّة ككل.