
لماذا فتحت سوريا باب موسكو مجدداً؟
بلورت العلاقات السوفياتية/ الروسية - السورية على مر تاريخها منذ العام 1944، الذي شهد اعتراف الإتحاد السوفياتي باستقلال سوريا، نموذجا جيدا وفاعلا لتلك العلاقات، التي يمكن لها أن تقوم ما بين دولة متوسطة الحجم والقدرات، وبين دولة عظمى كانت تؤدي حتى العام 1989 دور القطب الثاني في النظام الدولي، الذي حل في أعقاب وضع الحرب العالمية الثانية لأوزارها عام 1945 .
وعلى مدى سبعين عاما امتدت ما بين 1944 - 2014 استطاعت دمشق أن تحافظ على نوع من استقلالية القرار، حيال حليف كان يشكل مصدر إسناد أول لجيشها بالسلاح والعتاد، بالرغم من الحمولات التي يفرضها هكذا أمر على أي كيان أو منظومة، ويشكل أيضا « مظلة» سياسية يمكن لها أن تقي من « حرارة» اللهيب، الناجم عن محاولات اقتحام» الحصن» الدمشقي، الذي شكل بعد اتفاقات» كامب ديفيد» 1977 و 1979، عقبة في وجه مشاريع ومخططات، ظلت تراوح في مكانها لعقود بمفاعيل عديدة، كان من أبرزها الرفض السوري لمهر توقيعه عليها .
لكن من المؤكد أن ثمة تحولات كانت قد جرت على تلك العلاقة ما بعد أيلول 2015، الذي شهد انطلاق عملية» عاصفة السوخوي» الروسية في سوريا، و هي في المجمل كانت من النوع « الخادش» لاستقلالية القرار، وصولا إلى « الإطباق» عليه تماما، حتى بات ورقة مساومة بيد موسكو، تعرضها متى وكيفما تشاء، والشاهد هو أن نظام بشار الأسد ما كان له أن يسقط، لولا قرار موسكو بعرض» الورقة» في سوق التداول الدولي .
فرض الإسناد الروسي لنظام الأسد حالا من» الجفاء» المبرر بين موسكو وبين دمشق- الشرع، وعلى الرغم من المحاولات الروسية المتعددة لكسر تلك الحال، فإن القيادة السورية ظلت تتمترس عند هذه الأخيرة بمفاعيل عديدة، أبرزها الضغوط الغربية والأوروبية على وجه التحديد، التي كانت تجهد لإخراج موسكو من المنطقة، الأمر الذي يساعد في كبح الجماح الروسي الماضي في تمدده الأوكراني نحو خلق توازنات في القارة العجوز تختلف جذريا عن تلك التي كانت سائدة منذ العام 1991، ومنها الآثار التي يمكن للتقارب مع موسكو أن يخلفها على حاضنة النظام الراهن، التي تكيل لها اتهامات تبدأ عند محاولة الإبقاء على جروحها نازفة، ولا تنتهي عند القيام بأعمال القتل وارتكاب» المجازر» ضد المدنيين.
ولذا فإن محاولات» كسر الجليد» المتراكم على طريق موسكو - دمشق لم تنجح في غضون الأشهر السبعة المنصرمة، بدءا من زيارة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لدمشق أواخر شهر كانون ثاني المنصرم، مرورا بمخابرة الرئيس الروسي لنظيره السوري في 12 شباط الفائت، والتي تضمنت» تهنئته» باستلام « مهام الرئاسة في سوريا»، وفقا لما ذكرته وكالة» سانا» الرسمية، ثم وصولا إلى دعوة وزير الخارجية الروسي لنظيره السوري في شهر أيار الفائت لزيارة موسكو، الأمر الذي تجاهلته القيادة السورية، قبل أن تقرر تغيير مواقفها على بعد نحو ثلاثة أشهر من الدعوة . فما الذي تغير حتى قررت دمشق تنفيذ هذا « الإنزال» السياسي - العسكري - الأمني على موسكو ؟
الراجح هو أن المياه الراكدة كانت قد تحركت بمفاعيل «اسرائيلية»- تركية، من دون أن يعني الأمر وجود تنسيق ثنائي بهدف تحريكها، لكن تقاطع الأهداف عن بُعد يبدو ملحوظا بين الطرفين، وهذا ما يبرزه توقيت» الإنزال» الذي حدث قبيل اجتماعين، هما على درجة عالية من الأهمية بالنسبة لدمشق، وكذلك بالنسبة لـ«تل أبيب» وأنقرة كل على حدى:
- الأول هو الاجتماع الذي ستحتضنه العاصمة الإذربيجانية باكو، والذي سيضم وزير الخارجية السوري إلى وزير الشؤون الاستراتيجية «الإسرائيلي» رون ديرمر، وهو يمثل حلقة في سلسلة اجتماعات كانت قد تناوبت باكو مع باريس على استضافة طرفيها، بغرض التوصل إلى اتفاق أمني نهائي، يكون من شأنه تهدئة المخاوف السورية، التي كانت قد بلغت ذروتها منتصف شهر تموز الفائت، عندما وصلت النار «الإسرائيلية» حدودا غير مسبوقة في تاريخ الصراع بين البلدين .
- الثاني الذي سيجمع ما بين حكومة دمشق وقيادة» قوات سوريا الديمقراطية - قسد»، والرامي الى إيجاد الآليات المرضية للطرفين، لتنفيذ اتفاق» 10 آذار» الموقع ما بين الشرع ومظلوم عبدي، والمرجح هو أن الثنائي المحرك للمياه الراكدة، كان قد وجد في تفعيل الدور الروسي الذي يمكن له تذليل بعض العقبات في تلك المحطتين، أمرا لا ضير فيه حتى ولو قاد الأمر في النهاية إلى إعادة بعض الزخم للدور الروسي، وهو الأمر الذي افتقده هذا الأخير بفعل «زلزال» 8 كانون الاول المنصرم .
فموسكو الراغبة في الحفاظ على موطئ قدم في مياه المتوسط الدافئة، ترتبط بعلاقة وثيقة مع «تل أبيب»، والمؤكد أن محطة 8 كانون الاول كانت قد عززت «المعزز» بين الاثنين، وهذا مفيد لحلحلة الخلاف حول الترتيبات الأمنية بين دمشق و «تل أبيب»، والعلاقة مع «قسد» كانت قد تعززت أيضا ما بعد الأسد، عبر إنشاء قاعدة» القامشلي» العسكرية، التي رأى فيها العديد على أنها بديل حاضر لـ «حميميم»، في حال انتفت شروط بقائها، وهذا يساعد أنقرة في حلحلة المواقف الكردية، التي تحار اليوم على أي أرضية يجب أن تقف .
دمشق الحائرة في خضم تلاطم الأمواج المحيطة بسفينتها من كل حدب وصوب، والتي ينقصها « الحليف» الموثوق به، إذ لطالما كان من المؤكد هو ان الولايات المتحدة لا تستطيع لاعتبارات عديدة احتلال ذلك الموقع، وجل ما تريده أمران: أمن «اسرائيل»، ثم المضي في تشبيكات اقتصادية واستثمارية تكون خادمة في النهاية لذاك الأمن . ولربما ارتأت دمشق أن العمل على تثقيل الدور الروسي وفق الضوابط المتاحة، أمر قد يخفف من الضغوط الواقعة عليها عشية استحقاقين كبيرين : أولاهما اللقاء الذي سيجمع ما بين الشرع ونظيره الأميركي في واشنطن في شهر أيلول المقبل، والذي من المقدر له أن يفضي إلى توقيع» الإتفاق الأمني الدائم بين دمشق و»تل أبيب» .
وثانيهما اللقاء الذي سيجمع ما بين الشرع أيضا وفلاديمير بوتين في شهر تشرين الأول المقبل في موسكو على هامش القمة الروسية - العربية، والذي من المتوقع أن يفضي إلى توقيع اتفاق من شأنه تحديد طبيعة الوجود العسكري الروسي في سوريا، والذي لا يزال تصنيفه حتى الآن على انه الوحيد الشرعي في سوريا، وحجمه، ثم الأدوار المنوطة به، خصوصا أن موسكو دفعت في شهر آذار الفائت ببادرة «حسن نية»، عندما انكفأت قواتها المرابطة في الساحل عن القيام بأي دور، حتى ولو كان يندرج في إطار « فض النزاع»، أو محاولة إطفاء النار التي امتدت لأربعة أيام، فيما تباشيرها كانت تشير إلى إمكان تمديد إقامتها لفترات أطول . ثم ماذا ينفع دوام « الحقد» الذي سبق لفلاديمير لينين، زعيم الثورة السوفياتية، أن وصفه على أنه» أسوأ موجه في السياسة»؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 2 ساعات
- الديار
ترامب: بوتين صعب المراس لكنه بارع بالتعامل مع العقوبات
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب مع تلويحه بفرض عقوبات إضافية على روسيا، وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين بالبارع جدا في التعامل مع العقوبات. وقال ترامب في مقابلة مع "نيوز ماكس"، السبت، إن بوتين صعب المراس وليس سهلا، لكنه أكد في الوقت عينه أنهما أجريا محادثات جيدة في السابق، كان من الممكن أن تؤدي إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية. "القنابل تتطاير فجأة" إلا أنه أشار إلى أنه وسط تلك المحادثات كانت "القنابل تبدأ فجأة في التطاير"، وفق تعبيره. وأضاف الرئيس الأميركي قائلا: "بوتين كان صعب المراس وأجرينا العديد من المحادثات الجيدة، وظننت أننا نجحنا 3 مرات في الاقتراب من إنهاء الحرب". كما شدد على أنه يرغب في إخماد هذه الحرب والنيران بين البلدين. إلى ذلك، أردف أن بلاده عازمة على فرض عقوبات إضافية على موسكو في حال لم يتم التوصل إلى إنهاء الصراع المستمر منذ فبراير 2022. انتقادات لاذعة لمدفيديف على صعيد آخر وجه ترامب انتقادات لاذعة إلى نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري مدفيديف لاسيما بعد تصريحاته حول الأسلحة النووية، ووصفه بالفاشل. أتى ذلك، بعد تصاعد الحرب الكلامية بين الرجلين خلال الأيام الماضية، وإعلان الرئيس الأميركي أمس أنه "أمر بنشر غواصتين نوويتين في المناطق المناسبة" ردا على تصريحات الرئيس الروسي السابق التي وصفها بالاستفزازية. وكان مدفيديف انتقد ترامب بشدة الخميس في منشور على تليغرام، تطرق فيه إلى "اليد الميتة"، وهو نظام تحكم آلي بالأسلحة النووية طوره الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة للتحكم بترسانته النووية، وذلك بعدما انتقد الرئيس الأميركي "الاقتصاد الميت" لروسيا والهند. يذكر أن ترامب كان حدد مهلة لروسيا تنقضي نهاية الأسبوع المقبل، من أجل اتخاذ خطوات لوضع حد للحرب في أوكرانيا وإلا مواجهة عقوبات جديدة.


الديار
منذ 2 ساعات
- الديار
تحقيق يكشف: هكذا اصطدمت مروحية عسكرية وطائرة ركاب فوق واشنطن
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب كشفت تحقيق متعلق بحادث اصطدام بين مروحية عسكرية أميركية وطائرة ركاب فوق واشنطن أدى إلى مصرع 67 شخصاً، عن وجود اختلاف بين الارتفاع الحقيقي للمروحية وما تعرضه أجهزتها. وعقد المجلس الوطني لسلامة النقل، وهو الهيئة الأميركية المكلفة التحقيق في الحوادث الكبرى، جلسات استماع من الأربعاء إلى الجمعة، شملت استجوابات دقيقة لخبراء وجهات تنظيمية ومراقبي الحركة الجوية. ولم ينج أحد من حادث التصادم الجوي الذي وقع في 29 كانون الثاني الماضي بين مروحية عسكرية من طراز "سيكورسكي بلاك هوك" وطائرة ركاب من طراز بومباردييه "سي آر جاي 700" تابعة لشركة أميركان ايرلاينز. وكانت طائرة الركاب القادمة من ويتشيتا بولاية كنساس على وشك الهبوط في مطار ريغان الوطني، على بعد كيلومترات معدودة من البيت الأبيض، عندما اصطدمت بها مروحية في رحلة تدريبية. وبعد فحص البيانات المسجلة للمروحية، أبلغ المجلس الوطني لسلامة النقل عن وجود تضارب في قراءات ارتفاع المروحية. نتيجة ذلك وكجزء من التحقيق، أُجريت اختبارات على ثلاث مروحيات من نفس الطراز "سيكورسكي بلاك هوك ليما" تابعة لنفس الكتيبة. وأظهرت النتائج التي كشف عنها هذا الأسبوع وجود اختلاف بين الارتفاع الذي أشار جهاز قياس الارتفاع بالرادار وجهاز قياس الارتفاع البارومتري على متن الطائرة. وأشارت المحققة ماري مولر إلى أن جهازي قياس الارتفاع "أظهرا اختلافات تراوح بين 80 و130 قدما (24 إلى 40 مترا) أثناء الطيران"، على الرغم من أن الفروقات كانت في حدود 20 إلى 55 قدما في بيئة اختبار متحكم بها. أضافت مولر "بمجرد أن بدأت دوارات المروحية بالدوران وإنتاج قوة الرفع والدفع، انخفضت قراءات جهاز قياس الارتفاع بشكل ملحوظ وظلت منخفضة طوال الرحلات". ووصفت رئيسة المجلس الوطني لسلامة النقل جينيفر هومندي هذا التضارب في قياس الارتفاع بأنه كبير، داعية إلى إجراء المزيد من التحقيقات. وأعربت هومندي عن قلقها من "احتمال أن يكون ما رآه الطاقم مختلفاً تماماً عن الارتفاع الحقيقي" للطائرة، مضيفة "اختلاف 100 قدم بعد كبيراً" في هذه الحالة. وسارع الرئيس دونالد ترامب عند وقوع الحادث إلى تحميل المسؤولية لسياسات التوظيف القائمة على التنوع، رغم عدم ظهور أي دليل على ذلك. ويعد هذا الاصطدام أول حادث طيران كبير في الولايات المتحدة منذ عام 2009، عندما لقي 49 شخصا مصرعهم في سقوط طائرة تابعة لشركة طيران كولغان الأميركية بالقرب من بوفالو، نيويورك.


الديار
منذ 2 ساعات
- الديار
"تطويق المدينة".. ملامح خطة أعدها نتنياهو حول غزة
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب كشف مصدر مطلع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أرجأ اتخاذ قرار بشأن الإجراءات والخطوات التي سينفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة المدمر إذا لم توافق حماس على الاتفاق، وسط الجمود الذي يلف مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، على الرغم من مساعي الوسطاء. وأضاف المصدر أن القرار لن يُتخذ هذا الأسبوع، وفق ما نقلت شبكة سي أن أن يوم السبت. تطويق مدينة غزة كما أشار إلى أن إحدى الأفكار المطروحة، في حال عدم موافقة الحركة على الاتفاق، هي تطويق مدينة غزة ومراكز سكانية أخرى، بينما تتمثل فكرة أخرى في "غزو" المدينة. وكشف المصدر أن وزراء إسرائيليين عدة يؤيدون خططًا مختلفة. يأتي هذا وسط خلافات داخلية في الحكومة الإسرائيلية حول مسار العمل المفضل لديها في القطاع. وكان مسؤول إسرائيلي كبير أوضح يوم الخميس الماضي أن إسرائيل والولايات المتحدة بصدد صياغة تفاهم جديد حول غزة، بعد تسلم رد حماس. كما أضاف أن البلدين الحليفين "سيعملان في الوقت عينه على زيادة المساعدات الإنسانية، مع استمرار العمليات العسكرية في غزة". "قتال بلا هوادة" في حين أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، أمس الجمعة أنه "سيعرف، خلال أيام، إن كان التوصل إلى اتفاق ما زال ممكناً، وإلا فإن القتال سيستمر". وقال زامير خلال جولة ميدانية في القطاع: "أعتقد أننا سنعرف، خلال الأيام المقبلة، إن كنا سنتوصل إلى اتفاق جزئي لإطلاق سراح الرهائن"، مردفاً: "إذا لم يجرِ ذلك فسيستمر القتال بلا هوادة". يذكر أن الجولة الجديدة من المفاوضات التي انطلقت في السادس من يوليو الماضي بين الجانبين برعاية الوسطاء (أميركا ومصر وقطر) من أجل وقف الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023 في غزة، كانت انتهت الأسبوع الماضي بدون تحقيق انفراجة واضحة. إذ يتمسك الجانب الإسرائيلي بعدم الانسحاب التام من القطاع، فيما تصر حماس على هذا المطلب. كما تود إسرائيل الإبقاء على توزيع المساعدات الإغاثية عبر "مؤسسة غزة"، بينما تطالب الحركة بالعودة إلى منظمات الأمم المتحدة من أجل توزيع المساعدات وسط انتشار سوء التغذية و"المجاعة" في مناطق عدة بالقطاع.