logo
بعيدًا عن الخلاف المذهبي.. إيران صمّام توازن استراتيجي في وجه التمدد الإسرائيلي

بعيدًا عن الخلاف المذهبي.. إيران صمّام توازن استراتيجي في وجه التمدد الإسرائيلي

اليوم السابعمنذ يوم واحد

منذ أكثر من قرن، والشرق الأوسط يُعاد تشكيله كلما اقترب من النهوض. مرةً عبر الحرب، ومرةً عبر الحصار، وتارةً باسم الطائفية أو 'محاربة الإرهاب' أو 'تصدير الديمقراطية'. لكن الحقيقة الثابتة وسط هذه الروايات المختلفة أن هذا الشرق لا يُراد له أن يستقر، ولا أن يتوحد، ولا أن يُدير قراره السيادي بمعزل عن قوى الهيمنة.
لقد كانت اتفاقية سايكس – بيكو (1916) هي الجريمة السياسية الأولى التي قسّمت جسد الأمة العربية تحت إشراف استعماري مباشر بين بريطانيا وفرنسا، ثم أُلحق بها وعد بلفور (1917)، لتكتمل المؤامرة بزرع الكيان الصهيوني في قلب الجغرافيا العربية. ومنذ ذلك الحين، تتجدد المؤامرة بثياب حديثة وأسماء مختلفة، لكن الهدف يبقى واحدًا: شرق أوسط ممزق، تُعاد صياغته من جديد، بقيادة إسرائيل، وبرعاية أمريكية، وغياب كامل لأي قوة ممانعة.
اليوم، صار الحديث عن 'شرق أوسط جديد' بندًا مُعلنًا على أجندة القيادات الصهيونية، يتحدثون فيه عن ترتيبات إقليمية لا مكان فيها إلا للدول التي تدور في الفلك الأمريكي – الصهيوني، أو التي تُقدّم أوراق اعتمادها بالتطبيع والتنسيق الأمني. أما من يختلف أو يبقى على مسافة، فمصيره العزل أو التهديد أو التفكيك.
وفي هذا السياق، تُوضع إيران في قلب الاستهداف، لا فقط لأنها شيعية أو تحمل مشروعًا مذهبيًا، بل لأنها – حتى الآن – تشكّل العائق الإقليمي الوحيد في وجه الانفراد الصهيوني بالمنطقة. ولهذا فإن كل دعوة لهزيمتها أو تفكيكها أو ضربها عسكريًا، خارج سياق النقد المشروع لسلوكها، إنما تصب في مصلحة الأهداف الأمريكية – الإسرائيلية الرامية لإزاحة آخر قوة منافسة، تمهيدًا لإعادة هندسة الخريطة على المقاس الصهيوني الكامل.
من هنا، فإن النظر إلى إيران يجب ألا يُختزل في الخلاف المذهبي، بل في موقعها من معادلة التوازن الجيوسياسي. وبينما نرفض تدخلها في شؤون العرب، ونعترض على أذرعها الطائفية، لا يمكن أن نغفل أنها لم توقّع سلامًا مع إسرائيل، ولا تزال تدعم المقاومة الفلسطينية، وتقف – ولو خطابيًا وعسكريًا – في وجه الهيمنة الصهيونية. وهذا موقف لا يُلغى، ويجب أن يُقدّر في سياق الرؤية الاستراتيجية، لا العاطفة الطائفية.
وإذا كانت إيران خصمًا فكريًا لها أطماعها وتدخلاتها التي نرفضها، إلا أنها ليست العدو الذي يجعلنا نقف في خندق واحد مع الكيان الصهيوني من أجل القضاء عليها. فالعداء معها لا يُخرجها من دائرة الإسلام، ولا يُسوّغ لنا أن نتحالف – ولو معنويًا – مع عدو الأمة التاريخي الذي يسعى إلى تفكيك المنطقة، وتصفية القضية الفلسطينية، وفرض الهيمنة على مقدراتها. إن استغلال عدائنا الفكري مع إيران لتبرير دعم العدوان الصهيوني عليها، هو خلل في ترتيب الأولويات، ووقوع في الفخ الذي طالما نصبه لنا أعداؤنا.
ويجب أن نُدرك بوضوح أن الوقوف – ولو بالضمير – إلى جانب إيران حين تتعرض لعدوان صهيوني، لا يعني بحالٍ من الأحوال تفريطًا في عقيدتنا، ولا قبولًا بمشروعها، ولا خضوعًا لسياستها. بل هو موقف واعٍ، يُمليه إدراك دقيق لطبيعة الصراع، وترتيب سليم للعداوات، وتمييز بين الخطر المذهبي الذي يُواجه بالحكمة والسياسة، والخطر الوجودي الذي لا يُواجه إلا بالممانعة والوحدة. ستبقى عقيدتنا السُّنية هي جوهر تديننا، وستظل هويتنا المصرية والعربية أمانة في أعناقنا، والتمسك بها واجب لا تفريط فيه. كما أن التصدي لأي نفوذ يهدد استقرارنا أو يعبث بأمننا القومي هو حق أصيل، بل واجب لا يجوز فيه التهاون ولا الحياد.
وما لم يُدركه البعض أن إسقاط إيران لا يعني فقط سقوط خصم مذهبي، بل يعني – واقعيًا – إخلاء الساحة لإسرائيل. فكلما سقط طرف مقاوم، ارتفعت اليد الصهيونية، وكلما تمزقت الدول العربية واختلفت أولوياتها، أعادت واشنطن وتل أبيب رسم الخرائط بما يخدم مصالحهما فقط.
وإذا سقطت إيران أو فُكّكت قواها الدفاعية، فإن الباب سيفتح على مصراعيه أمام مشروع 'إسرائيل الكبرى'، وستُطلق يد تل أبيب لمدّ نفوذها من المتوسط إلى الخليج، بل وستُصبح هي القوة الإقليمية القائدة دون منازع. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية: إعادة تشكيل المنطقة على أنقاض القوى الإسلامية، ليكون شرقًا بلا مقاومة، بلا قدس، بلا فلسطين، وبلا مصر قوية مستقلة القرار.
ومصر، بما لها من موقع وجيش وتاريخ، ليست بعيدة عن هذا المخطط، بل هي المستهدف التالي حين تُفرغ الساحة. فإذا نجحت إسرائيل في تحييد إيران، واحتواء الخليج، وتفكيك العراق وسوريا، فلن يتبقى أمام المشروع الصهيوني إلا كبح مصر أو احتواؤها. وساعتها ستتحوّل قناة السويس إلى نقطة خنق، وسيناء إلى ممر للتمركز، والجيش المصري إلى العقبة الأخيرة التي يجب تطويعها أو استنزافها.
من هنا، فإن المسؤولية الوطنية تقتضي وعيًا استراتيجيًا لا يفرّط في ترتيب الخصوم والأعداء، ولا ينساق خلف الانفعالات المذهبية التي يُغذيها الإعلام الموجّه، ولا يستبدل خطرًا عابرًا بخطر وجودي دائم. فإيران، رغم الخلاف معها، لا تُهدد وجود الأمة، بينما إسرائيل تفعل ذلك كل يوم، قولًا وفعلًا، احتلالًا وقتلًا وتهجيرًا ومشاريع تفتيت لا تتوقف.
إن مصر اليوم تحتاج إلى تعزيز وعي شعبها، وخاصة جيلها الشاب، بخطورة هذه المرحلة، وبأن المعركة لم تعد فقط على الأرض، بل على الإدراك والوعي. فحين يُعاد تشكيل الشرق الأوسط، فإن أول ما يُعاد تشكيله هو وعي شعوبه، وموازين أولوياته، وبوصلته الأخلاقية.
ولعل دروس التاريخ، وما يشهده الحاضر من أحداث متسارعة، تؤكد أن مصر كانت – ولا تزال – الأكثر وعيًا واستعدادًا لمواجهة هذه التحولات. فقد أثبتت القيادة السياسية، برؤية متقدمة واستشراف دقيق، أنها تضع في حسبانها منذ سنوات احتمالات الانفجار الإقليمي، وسيناريوهات التفكك، ومخاطر إعادة تشكيل المنطقة على هوى الطامعين. لقد رفضت مصر الانسياق خلف محاور مدمّرة، وواجهت الضغوط بثبات، وحافظت على استقلال قرارها، ورفعت من جاهزية قواتها المسلحة، وأعادت بناء مؤسساتها، ليس فقط لحماية حدودها، بل لحماية الأمة حين يتراجع الآخرون.
ومن هنا، فإن الواجب الوطني يفرض على كل مصري ومصرية أن يقف خلف قيادته السياسية، التي أثبتت أنها الأوعى والأصدق في قراءة المشهد، كما أن دعم الجيش المصري لم يعد ترفًا ولا شعارًا، بل ضرورة وجودية لحماية الوطن، وردع من يُخطط لاستهدافه أو ابتلاعه ضمن خريطة جديدة مرسومة بمداد الدماء. إن مصر اليوم تخوض معركة وعي، ومعركة بقاء، ومعركة قيادة، تُثبت كل يوم أنها الأجدر بعبور هذه المرحلة الحرجة. فلنكن على قدر المسؤولية، ولنحسن التقدير، ولنردّ الجميل لوطن ما خان، وجيش ما تراجع، وقيادة وضعت مصر في موضعها الصحيح: صلبة، حرة، مهابة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أصف ملحم: إيران تمتلك القدرة على ضرب المصالح الأمريكية حال استهدافها مباشرة
أصف ملحم: إيران تمتلك القدرة على ضرب المصالح الأمريكية حال استهدافها مباشرة

اليوم السابع

timeمنذ ساعة واحدة

  • اليوم السابع

أصف ملحم: إيران تمتلك القدرة على ضرب المصالح الأمريكية حال استهدافها مباشرة

قال الدكتور أصف ملحم، مدير مركز GSM للأبحاث والدراسات، إن الولايات المتحدة الأمريكية ستتدخل في الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل عاجلاً أم آجلاً، وذلك بعد أن تنهك إسرائيل بنك أهدافها، وعجزها عن تدمير البنية التحتية العسكرية الإيرانية دون دعم مباشر. وأوضح ملحم، خلال مداخلة مع قناة إكسترا نيوز من موسكو، أن تصريحات مسؤولي الاستخبارات الأمريكية لا تؤكد وجود نشاط نووي عسكري إيراني حاليًا، مما يشير إلى أن الدافع الحقيقي للحرب أعمق من مجرد الملف النووي، ويرتبط بمصالح استراتيجية لدول "الدولة العميقة" في واشنطن. وأشار إلى أن روسيا مستعدة لهذه الحرب منذ أكثر من عام، وتتابع عن كثب التحركات الأمريكية والإسرائيلية، مع تحذيرات من أن التدخل الأمريكي قد لا يكون مباشرًا، بل عبر وكلاء في باكستان، سوريا، العراق وأفغانستان، مضيفًا أن إيران تمتلك القدرة على ضرب المصالح الأمريكية في حال تم استهدافها مباشرة. وكشف ملحم عن دور محتمل لتركيا وأذربيجان في تصعيد المواجهة، مشيرًا إلى أن القواعد الأذرية تستخدم أحيانًا لإطلاق الطائرات الإسرائيلية، وأن تركيا تسعى لتعزيز نفوذها شمال إيران وصولاً إلى آسيا الوسطى، بدعم أمريكي غير معلن. كما أشار إلى دعم غير معلن من فرنسا لأرمينيا عبر أنظمة دفاع جوي متطورة، في إطار صراع خفي على تشكيل التحالفات الجديدة في جنوب القوقاز وشمال إيران. وحذر ملحم من أن الحرب ستؤثر على ممرات التجارة العالمية مثل مضيق هرمز، مما قد يسبب ارتفاعًا ضخمًا في أسعار الطاقة، مع تهديد مباشر لمشاريع البنية التحتية الروسية والصينية مثل "ممر الشمال–الجنوب" الذي يربط روسيا بإيران والهند. وأضاف أن روسيا ستدعم إيران عسكريًا بشكل غير مباشر، على غرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا، حيث سيتم نقل الأسلحة دون إعلان رسمي، مشيرًا إلى أن البرنامجين الصاروخي والنووي الإيرانيين تم تطويرهما بدعم روسي. توقع ملحم أن تنتقل المواجهة إلى مرحلة استنزاف بالصواريخ والتدخلات غير المباشرة، مرجحًا أن تتدخل الولايات المتحدة مباشرة بعد إنهاك إسرائيل، مما قد يؤدي إلى توسيع الحرب إقليميًا بشكل يصعب السيطرة عليه.

إسرائيل تعلن استهداف عالم نووى فى عملية اغتيال فى طهران
إسرائيل تعلن استهداف عالم نووى فى عملية اغتيال فى طهران

اليوم السابع

timeمنذ 2 ساعات

  • اليوم السابع

إسرائيل تعلن استهداف عالم نووى فى عملية اغتيال فى طهران

قالت إذاعة الجيش الإسرائيلى إن مسيرة إسرائيلية نفذت عملية اغتيال استهدفت عالما نوويا فى طهران اليوم. ومن جانبه، قال وزير دفاع إسرائيل يسرائيل كاتس إننا نواصل العمل على مهاجمة المنشآت والعلماء لإحباء برنامج طهران النووى. وكانت إسرائيل قد بدأت هجومها على إيران في 13 يونيو الجاري، باستهداف عدد من العلماء النوويين ، في عملية أطلقت تل أبيب عليها اسم "عملية نارنيا"، وفق القناة 12العبرية، وأسفرت تلك العملية عن مقتل 9 من أبرز العلماء النوويين في إيران في وقت واحد. وأشارت القناة إلى أن جميع العلماء النوويين قتلوا وهم نائمون في أسرّتهم، حيث قررت إسرائيل تنفيذ عمليات الاغتيال في وقت واحد حتى لا يكون هناك وقت لإبلاغ المستهدفين.

قصة خروج آخر جندى بريطانى من مصر.. عرض فيلم الجلاء اليوم على الوثائقية
قصة خروج آخر جندى بريطانى من مصر.. عرض فيلم الجلاء اليوم على الوثائقية

اليوم السابع

timeمنذ 2 ساعات

  • اليوم السابع

قصة خروج آخر جندى بريطانى من مصر.. عرض فيلم الجلاء اليوم على الوثائقية

يعرض الفيلم الوثائقى الجلاء على شاشة قناة الوثائقية اليوم الجمعة فى تمام الساعة 2 ظهرا، و6 مساء، و10 مساء، وذلك تواكبًا مع الذكرى التاسعة والستين ليوم الجلاء. ويوثق الفيلم لحظة فارقة في التاريخ المصري الحديث، وهي جلاء آخر جندي بريطاني عن الأراضي المصرية في يونيو عام 1956، وذلك عقب أكثر من سبعين سنة من الاحتلال. كما يرصد الفيلم التحولات السياسية التي أحدثتها ثورة 23 يوليو 1952، وما أفضتْ إليه من تغيّر في أسلوب المفاوض المصري لانتزاع استقلال بلاده، متناولًا تفاصيل جولات التفاوض الشاق التي خاضها الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، هو وكل أفراد فريق التفاوض المصري، في مواجهة الجانب البريطاني، وكذلك يلقي الفيلم الضوء على محاولات إفشال المفاوضات من قِبل جماعة الإخوان الإرهابية وإسرائيل، عن طريق ارتكاب بعض الجرائم وأعمال العنف داخل البلاد. جديرٌ بالذكر أن هذا الفيلم الذي يأتي احتفاءً بذكرى عزيزة على قلب كل مصري، وتذكيرًا لجيل لم يعش لحظة الجلاء، يتضمن لقطات حصرية للنسخة الأصلية من اتفاقية الجلاء، التي تُعرض تليفزيونيًّا للمرة الأولى. مواعيد عرض فيلم الجلاء

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store