
"مصائد موت".. هكذا ينظر الغزيون لتوزيع المساعدات الأميركية وسط العسكرة
غزة- مع ساعات الفجر الأولى انطلقت الأم جيهان عبد السلام سيرا من مدينة غزة إلى مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع، حيث مركز توزيع مساعدات إغاثية تديره " مؤسسة غزة الإنسانية"، غير أن تعبها ضاع هدرا وعادت أدراجها خاوية الوفاض.
تركت هذه المرأة (35 عاما) أطفالها الأربعة وحدهم بخيمة في حي الرمال بمدينتها، يحدوهم الأمل أن تعود إليهم بما يسكّن قرصات الجوع التي تسلبهم النوم، وتقول للجزيرة نت "والله ما جابني هنا إلا جوع أطفالي، وها أنا أعود إليهم بخيبة الأمل".
كانت جيهان عبد السلام تقف أمام مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس ، تتملكها الحيرة، ولا تمتلك أجرة الطريق، وقد استنفدت كل طاقتها في قدومها سيرا لمسافة تناهز 30 كيلومترا، وتبرع صحفيون ومتطوعون بمنحها بعض المال لتتمكن من العودة إلى أطفالها ببعض الطعام.
مساعدات محفوفة بالموت
"لم أحصل على كرتونة المساعدات ونجوت من الموت بأعجوبة"، تقول عبد السلام والخوف يطل من عينيها وهي تتحدث عما تصفها بـ"مشاهد مرعبة، كان الناس يتساقطون حولي من كثافة إطلاق النار".
تعيش هذه الأم -المصرية الجنسية- مع أطفالها، فيما زوجها مريض بالسرطان ويقيم مع عائلته بعيدا عنهم، وكانت في حالة ذهول شديدة عندما التقتها الجزيرة نت، وتساءلت "من لأطفالي لو استشهدت؟ جئت لهنا من أجل إطعامهم وكدت أن أموت وأتركهم يواجهون مصيرهم في ظل الحرب المرعبة والمجاعة القاسية".
وفقدت المؤسسة الأميركية سيطرتها على مركز توزيع المساعدات، الذي افتتحته الثلاثاء الماضي، نتيجة تدافع حشود غفيرة ممن فتكت بهم المجاعة، وحدثت فوضى عارمة. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن جيش الاحتلال أطلق النار في الهواء واستدعى مروحيات إلى المنطقة بزعم إنقاذ أفراد هذه المؤسسة.
بيد أن عبد السلام تؤكد أن إطلاق النار كان مباشرا على آلاف الفلسطينيين، رجالا ونساء وأطفالا، وتقول إنها شاهدت بعينيها تساقط الجرحى والشهداء حولها، وركضت من غير وعي لمسافة طويلة هربا من الموت.
ونتيجة ذلك، يوثق المكتب الإعلامي الحكومي استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة 62 آخرين، عند مراكز توزيع المساعدات في مدينة رفح خلال اليومين الماضيين.
ولم تعترض طريقها الطويلة أي حواجز زعمت إسرائيل والمؤسسة الأميركية أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وضعتها لمنع وصول الفلسطينيين إلى مراكز توزيع المساعدات، وتقول "نحن نموت من الجوع، جئت للحصول على مساعدة لأطفالي، سمعت تحذيرات من الفصائل وحتى من جيران، لكن ماذا أفعل؟".
وعي وتكافل
من جانبه، أصيب الشاب أحمد حرب (21 عاما) بشظايا في ساقه، ويقول للجزيرة نت "خاطرت بنفسي من أجل إطعام أسرتي". ويقيم مع أسرته (9 أفراد) في خيمة بمنطقة ساحلية قريبة من مدينة دير البلح وسط القطاع، ويؤكد أنه مستعد للتضحية بحياته من أجل عائلته وأشقائه الصغار.
تحامل أحمد على جروحه بمساعدة آخرين حتى وصل لأقرب سيارة إسعاف نقلته لمستشفى ميداني تابع لهيئة دولية، من دون أن يحصل على ما يسد به جوع أسرته، غير أنه كان محظوظا بصديقه محمد مطر، الذي تمسك بـ"كرتونة" حصل عليها وسط الفوضى، وهرب بها تحت النار، وتقاسم معه السكر والطحين وبعض الأغذية المعلبة.
ويقول إيهاب طباسي (32 عاما) للجزيرة نت إن "أصغر طفل في غزة يعرف أن الأميركان شركاء الاحتلال في قتلنا، وهذه المساعدات مشبوهة، ولولا جوع أطفالي ما ذهبت".
"إنها مساعدات مغمسة بالخطر والذل"، هكذا يصفها طباسي الذي قطع مسافة حوالي 5 كيلومترات، وعاد بيدين فارغتين لأطفاله الثلاثة، وأكبرهم (6 أعوام) يقول إنه خسر 7 كيلوغرامات من وزنه في الشهور الأخيرة بسبب المجاعة وسوء التغذية.
ووقف طباسي بين الحشود في "حلابات"، وهي ممرات حديدية تؤدي إلى مركز التوزيع في منطقة "العلم" غرب مدينة رفح، ويوضح "يوجد 5 حلابات، 4 منها للرجال وواحدة للنساء، وبوابات تؤدي إلى مركز التوزيع المحاط بأسلاك ورمال كأنه ثكنة عسكرية".
ولم تفلح هذه الإجراءات في منع الناس من الهجوم على المركز، ويضيف طباسي "كمية المساعدات قليلة، والناس جوعى حطموا البوابات والحلابات ونزعوا الأسلاك من مكانها".
ويتابع "تراجع الموظفون وتقدمت الدبابات وأطلقت قذيفة أو أكثر، وشاهدت قناصة إسرائيليين فوق مستشفى حمد القريب (قيد الإنشاء وممول من دولة قطر) يطلقون النار باتجاهنا، وقع جرحى وشهداء، وهربتُ وسط الحشود ولم أحصل على شيء".
وفي مقابل تدافع حشود المجوَّعين، سجلت الجزيرة نت شعورا لدى كثيرين منهم بالخجل، وبينهم من يرفض بشكل قاطع الذهاب لمراكز المساعدات الأميركية، أو يحرصون على إخفاء ذهابهم إليها.
وفي "مشرحة" مجمع ناصر الطبي، تجمع أقارب حول جثة شهيد، أكدت جيهان عبد السلام وشهود آخرون للجزيرة نت أنه ارتقى أمامهم بنيران قوات الاحتلال أثناء توجهه مع آخرين لمركز التوزيع في رفح، غير أن نجله أنكر ذلك ورفض الحديث إلينا وطالبنا بمغادرة المكان.
يقول نادر أبو شرخ للجزيرة نت "هذا شعور عام لدى أهل غزة، جميعنا يعلم أن مساعدات الأميركان لها أهداف أخرى خبيثة، إذا كانت أميركا لا تريد المجاعة في غزة فعليها أن تضغط على إسرائيل لفتح المعابر وإدخال المساعدات ووقف الحرب".
بدوره، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة للجزيرة نت: إن مراكز المؤسسة الأميركية تحولت لـ "مصائد موت"، وتندرج ضمن "مشروع هندسي مشبوه"، تديره هذه المؤسسة التي تعمل تحت إشراف الاحتلال وإدارته المباشرة، وتفتقد لمبادئ العمل الإنساني المتمثلة في الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية.
وإزاء تكرر إطلاق النار وسقوط جرحى وشهداء، أكد الثوابتة أن "هذه الجرائم تجسد انهيارا أخلاقيا وإنسانيا غير مسبوق، وتعد دليلا قاطعا على أن ما تسمى مناطق توزيع المساعدات ليست سوى غطاء إنساني زائف لمخططات أمنية عنصرية تهدف إلى إذلال الفلسطينيين وتجويعهم، بل وقتلهم".
وحول مزاعم إقامة حماس حواجز تمنع الغزيين من الوصول لمراكز توزيع المساعدات، يؤكد الثوابتة أن الجهات الحكومية في غزة لم تعرقل أبدا أي جهد إغاثي، غير أنه في الوقت نفسه يقول "نجدد رفضنا لأي مساعدات تكون تحت مظلة الاحتلال".
ويجزم الثوابتة أن تجربة الأيام الماضية تثبت "فشل الاحتلال في إدارة الوضع الإنساني الذي خلقه متعمدا من خلال سياسة التجويع والحصار والقصف"، ويضيف أن "إقامة غيتوهات عازلة لتوزيع مساعدات محدودة وسط خطر الموت والرصاص والجوع، لا تعكس نية حقيقية للمعالجة، بل تجسد هندسة سياسية ممنهجة لإدامة التجويع وتفكيك المجتمع الفلسطيني".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
بشارة بحبح.. ابن القدس بين الاقتراب من ترامب والابتعاد عنه
مع ورود تقارير متسارعة ومتأرجحة عن انتكاسات ونجاحات جهود البيت الأبيض لإبرام اتفاق جديد لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، برز رجل يعمل كقناة تواصل غير رسمية بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وحركة حماس بصورة واضحة إلى دائرة الضوء. وقد أدت جهود الناشط والأكاديمي الفلسطيني الأميركي بشارة بحبح ، التي جرت بالتنسيق مع ستيف ويتكوف مبعوث ترامب للشرق الأوسط وصديقه المقرب، بصورة مباشرة إلى إطلاق حركة حماس الأسير عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، مما اعتبر نجاحا كبيرا، واحتفى ترامب بالأمر في تغريدة على منصة تروث سوشيال. ومنذ ذلك الحين تم تكليف بحبح، وبصورة غير رسمية، بالمساعدة في تأمين التوصل لاتفاق أوسع من شأنه أن ينطوي على إطلاق سراح أسرى ورهائن إضافيين لدى حركة حماس مقابل وقف "مؤقت" لإطلاق النار، وإطلاق سراح مئات أو آلاف الفلسطينيين، والسماح بدخول المساعدات الغذائية والإنسانية للقطاع. وتشير تقارير إلى عقد بحبح اجتماعات مع كبار مسؤولي حماس في الدوحة، في الوقت ذاته تحرك ويتكوف وتفاوض مع رون ديريمر، كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. عرب أميركا من أجل ترامب! دأب بحبح على التصويت للحزب الديمقراطي لسنوات طويلة، وكان آخرها انتخابات 2020 التي فاز فيها بايدن على ترامب، وفقا لما قاله في مقابلة أجراها مع تلفزيون "تي آر تي" التركي في يونيو/حزيران الماضي. وتخلى بحبح عن التصويت للديمقراطيين بسبب تعامل إدارة بايدن مع العدوان على قطاع غزة.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
إعلام إسرائيلي: تغير جذري في تعامل ألمانيا معنا ونخسر كبار مؤيدينا
تناولت وسائل إعلام إسرائيلية بوادر توتر متصاعد في العلاقات بين إسرائيل و ألمانيا ، معتبرة أن برلين بدأت تنأى بنفسها بشكل ملحوظ عن دعم الحرب على قطاع غزة ، في تحول وصفته "بالجذري"، وسط مؤشرات على خسارة تل أبيب مؤيدين بارزين لطالما دعموا روايتها في الغرب. وأشارت التقارير إلى أن هذا التحول لم يعد يقتصر على المواقف الرسمية في برلين، بل شمل كذلك شخصيات إعلامية وسياسية طالما اعتُبرت من الداعمين البارزين لإسرائيل، لتكشف عن حالة عزلة متزايدة تواجهها تل أبيب في الساحة الأوروبية. وفي هذا السياق، سلطت القناة 12 الإسرائيلية الضوء على تصريحات أطلقها كل من المستشار الألماني الجديد فريدريك ميرتس ووزير خارجيته خلال الأسبوع الماضي، وُصفت بأنها غير مسبوقة، وتشير بوضوح إلى أن إسرائيل "تجاوزت الحد" في حربها المتواصلة على قطاع غزة. وأوضحت محللة الشؤون القضائية في قناة "كان 11" تمار ألموغ أن هذه التصريحات ترافقها دعوات من داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا إلى وقف تصدير الأسلحة لإسرائيل، وهو تطور بالغ الحساسية بالنسبة لتل أبيب التي تعتمد بشدة على الإمدادات العسكرية الألمانية. غياب مؤثر وأضافت ألموغ أن بعض الإسرائيليين يعتقدون أن الدعم الأميركي كافٍ، لكن الواقع -كما وصفته- يشير إلى أن ألمانيا تُعد ثاني أكبر مزود لإسرائيل بالسلاح بعد واشنطن، وأن غياب هذا الدعم من شأنه أن يؤثر مباشرة على قدرات الجيش في مواصلة الحرب. وبينما تتفاعل هذه التحولات الرسمية، رصدت القنوات العبرية أيضا ما وصفته "بالتغير الصادم" في مواقف إعلاميين غربيين لطالما دافعوا عن إسرائيل، على رأسهم الإعلامي البريطاني الشهير بيرس مورغان الذي أجرى مؤخرا مقابلة متوترة مع سفيرة إسرائيل في لندن تسيبي حوطوبيلي. وكرر مورغان خلال المقابلة سؤالا مباشرا عن عدد الأطفال الذين قُتلوا في غزة، قائلا لحوطوبيلي: "كم طفلا قتلتم؟"، ليرد على إجاباتها المتكررة بأن "إسرائيل لا تقتل الأطفال"، باتهام مباشر: "بل إسرائيل تقتل الأطفال كل يوم، لماذا تتظاهرين بغير ذلك؟". وانتقد مورغان السفيرة بقوله إن إسرائيل قادرة على تحديد عدد من تصفهم "بإرهابيي حماس" الذين قتلتهم، لكنها تتجاهل تماما عدد الأطفال القتلى، مضيفا "فسّري كيف تعرفون عددا ولا تعرفون الآخر". دلالة مهمة وفي تعقيبه على المقابلة، قال مقدم البرامج السياسية في القناة 12 عراد نير إن مورغان المعروف بدعمه لإسرائيل "أعاد التفكير في مواقفه بعد مشاهدته للصور القادمة من غزة"، معتبرا أن هذا التغير يحمل دلالة مهمة. من جانبه، علّق الصحفي أوري مسغاف من صحيفة "هآرتس" على المقابلة بقوله إن مورغان -الذي وصفه "بالمدافع الشجاع عن إسرائيل" منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023- بدا منفعلا للغاية خلال حديثه مع حوطوبيلي، حتى إنه أعرب عن صدمته واعتذر عن مواقف إسرائيل. وأشار مسغاف إلى أن تصريحات حوطوبيلي التي وردت في المقابلة، مثل "هذه فرية دم" و"لا أعرف عدد الأطفال الذين قتلوا"، كانت صادمة للرأي العام الغربي، مضيفا "كنت أريد البكاء على الأطفال في غزة، وعلى أنفسنا، وعلى ما فعله قادتنا، وعلى نظرة العالم إلينا". ورأى مراقبون في إسرائيل أن المقابلة تعكس تحولا عميقا في المزاج الغربي تجاه إسرائيل، خاصة في بريطانيا وألمانيا، مشيرين إلى أن خسارة هذا الدعم -الإعلامي والسياسي- قد تكون لها تبعات طويلة الأمد على الشرعية الدولية التي طالما استندت إليها تل أبيب. تطورات ميدانية وفي خضم هذه التحولات، لم تغب تطورات الجبهة الميدانية عن الإعلام الإسرائيلي، إذ نقلت قناة "آي 24" أن شابا إسرائيليا يُدعى دافيد ليبي (19 عاما) -وهو عامل مدني لدى شركة مقاولات تعمل لمصلحة وزارة الدفاع- قُتل في تفجير شمال قطاع غزة. وبحسب القناة، فإن دافيد دخل صباحا إلى منطقة جباليا شمالي القطاع بواسطة جرافة هندسية ضمن مهام للجيش، قبل أن ينفجر به لغم أرضي أودى بحياته، في حين قرر الجيش عدم اعتباره من قتلاه كونه لم يكن مجندا بل عامل مدني متعاقد. وفسّر مراسل الشؤون العسكرية في القناة 12 نير دفوري الاستعانة بمدنيين لتنفيذ مهام هندسية بأنها نتيجة للنقص الحاد في الأفراد والآليات الهندسية داخل الجيش، معتبرا أن ذلك يكشف عن "أزمة حقيقية في صفوف الجيش الإسرائيلي". وأوضح دفوري أن الجيش بات مضطرا إلى الاستعانة بمتعاقدين خارجيين لتنفيذ المهام في الميدان، بهدف تغطية العجز وضمان تنفيذ العمليات في الوقت المحدد، رغم المخاطر الأمنية التي قد تنتج عن مثل هذه الترتيبات.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
بعد عملية القسام.. تعرف على الفرق بين عملاء الاحتلال والمستعربين
أعادت مشاهد بثتها كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- لاستهداف مجموعة متخفية شرقي مدينة رفح جنوبي قطاع غزة ، النقاش حول الفرق بين المستعربين وعملاء الاحتلال، وتسليط الضوء على أدوار خفية ترتبط بالمشهد الأمني في القطاع، خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل. وفي تقرير لقناة الجزيرة، سلط الزميل صهيب العصا الضوء على الفروق الدقيقة بين فئتين ظلّ تأثيرهما حاسما في معارك الوعي والميدان، وهما "المستعربون" و"العملاء"، فبينما يجمع الطرفان القاسم المشترك في التخفي، تباينت طبيعة المهام والانتماء والمسؤوليات تباينا واضحا. فالمستعربون، وفق التقرير، هم عناصر أمن إسرائيليون يتقنون اللغة العربية ويتمتعون بملامح قريبة من ملامح العرب، ويُرسَلون إلى داخل المجتمعات الفلسطينية بملابس مدنية. ويعمل المستعربون في الخفاء بين المتظاهرين أو في الأسواق أو حتى بين المقاومين أنفسهم، لتنفيذ عمليات تستهدف الاعتقال أو التصفية ضمن وحدات خاصة تتبع الجيش أو الشرطة الإسرائيلية. في المقابل، يشير التقرير إلى أن العملاء هم فلسطينيون تم تجنيدهم لصالح الاحتلال، إما بالإغراءات المالية وإما تحت التهديد والابتزاز. ولا يرتدي العملاء الأقنعة، كما أنهم لا يحتاجون إلى التنكر، لكن وظيفتهم الأساسية غالبا تقتصر على جمع المعلومات، سواء عن البنية الاجتماعية أو عن تحركات المقاومة. ويوضح العصا أن الفرق الجوهري يكمن في أن المستعربين ينفذون عمليات ميدانية معقدة بعد تدريب مكثف، في حين يبقى دور العملاء محصورا في توفير المعلومات. كما أن تبعيتهم تختلف، فبينما ينتمي المستعربون إلى الأجهزة الأمنية الرسمية، يتبع العملاء ضباط المخابرات الذين يتولون تجنيدهم وتشغيلهم. تجارب سابقة ويُبرز التقرير أيضا تجارب سابقة في هذا السياق، مشيرا إلى تجنيد إسرائيل العملاء في أكثر من ساحة، ليس في فلسطين فقط، بل أيضا في لبنان، حيث شكّل "جيش لحد" نموذجا لواحدة من كبرى عمليات التعاون الأمني المحلي مع الاحتلال في سياق خارج حدود الأرض المحتلة. وفي قطاع غزة، ظلّت المقاومة على قناعة بأن الاحتلال لن يستطيع العمل دون شبكة من العملاء، ومن هذا المنطلق، اتبعت حماس سياسة مزدوجة تجاههم، جمعت بين العفو عن المتعاونين الذين يسلمون أنفسهم طوعا، وبين تنفيذ أحكام رادعة بحق من تثبت إدانتهم، خاصة في أوقات التصعيد. وفي سياق الحرب الدائرة حاليا، عادت هذه الملفات إلى الواجهة من جديد، إذ كشف مصدر أمني في المقاومة للجزيرة أن المجموعة التي استُهدفت شرقي رفح لم تكن وحدة إسرائيلية نظامية من المستعربين، بل "شبكة من العملاء المحليين" الذين يعملون ضمن ما وصفها بـ"عصابة يتزعمها ياسر أبو شباب"، وتُجنَّد لتنفيذ مهام ميدانية لصالح الاحتلال. وأوضح المصدر أن هذه المجموعة عملت على تمشيط المناطق المحاذية للحدود، وتورطت في رصد تحركات المقاومين، إضافة إلى التورط في نهب المساعدات الإنسانية. وشدد على أن المقاومة تتعامل معهم بصفتهم "جزءا من الاحتلال"، ولن يُنظر إليهم بوصفهم عناصر مدنية أو محمية مهما حاولوا إخفاء تبعيتهم. وتظل ملفات التجسس والتغلغل الاستخباري تمثل تحديا أمنيا مستمرا للمقاومة، خاصة مع محاولات الاحتلال المستمرة لزعزعة الاستقرار الداخلي عبر أدوات من داخل المجتمع، في وقتٍ تتسع فيه دوائر المواجهة على أكثر من جبهة.