logo
كيف تروج لعلمك دون التنكر لمبادئك

كيف تروج لعلمك دون التنكر لمبادئك

شبكة النبأ١٦-٠٤-٢٠٢٥

إنَّ مشاركة الاكتشافات العلمية تتطلب قدرًا من العناية لا يقل بأي حالٍ من الأحوال عما يتطلبه اكتشافُها، وهي حقيقةٌ لم أدركها تمام الإدراكِ إلا بعد انتقالي من البيئة الأكاديمية إلى مجال العلاقات العامة. فمن الممكن أن تفضي أخطاءُ التواصل — سواءٌ أكانت مقصودة أم غير مقصودة — إلى تقويض الثقة، بل والإضرار بسُمعة مجالاتٍ علمية بأكملها...
إنَّ مشاركة الاكتشافات العلمية تتطلب قدرًا من العناية لا يقل بأي حالٍ من الأحوال عما يتطلبه اكتشافُها، وهي حقيقةٌ لم أدركها تمام الإدراكِ إلا بعد انتقالي من البيئة الأكاديمية إلى مجال العلاقات العامة. فمن الممكن أن تفضي أخطاءُ التواصل — سواءٌ أكانت مقصودة أم غير مقصودة — إلى تقويض الثقة، بل والإضرار بسُمعة مجالاتٍ علمية بأكملها.
استهللتُ مسيرتي المهنية في مجال التواصل العلمي بوصفي باحثة ما بعد الدكتوراه في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH)، وأمضيتُ فترةً من الوقت في العمل لدى مكتب السياسات والاتصالات بالمعهد الوطني لأبحاث التمريض التابع لمعاهد الصحة الوطنية. وحينما أدتْ جائحة «كوفيد-19» إلى تجميد الأبحاث غير العاجلة في حرم معاهد الصحة الوطنية، قررتُ البدء في استكشاف الفرص المهنية في مجال التواصل العلمي. وشغلتُ منصبًا لدعم الاتصالات الطبية والعلمية في برامج الأبحاث الطبية المموَّلة من الكونجرس، والتي تموِّل أبحاث الطب الحيوي في الولايات المتحدة. في عام 2021، انتقلتُ إلى مجال العلاقات العامة من خلال حصولي على وظيفةٍ في وكالة تُدعَى «لايفساي كوميونيكيشنز» LifeSci Communications في مدينة نيويورك، ثم ما لبثتُ أن تخصَّصتُ بعد عامٍ في مجال السرد العلمي للأبحاث في مؤسسة «سينيوس هيلث كوميونيكيشنز» Syneos Health Communications، التي يقع مقرها أيضًا في نيويورك.
إننا في مجال العلاقات العامة نشكِّل رؤية الأشخاص ونظرتهم إلى شركة أو منتج ما، حيث نعمل عبر العديد من منصات الاتصال: المواقع الإلكترونية، والبيانات الصحفية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها. في وظيفتي، أركِّز على إنشاء سردٍ مُقنِع يساعد شركات التكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية في إيصال نهجها العلمي إلى المستثمرين ووسائل الإعلام والمستهلكين. وفي رأيي أن تبسيط الموضوعات المُعقَّدة وتحويلها إلى رسائل مؤثرة تلقى صدًى لدى الجمهور هو تحدٍّ ممتع.
وسواءٌ أكان الأمر يتعلق بمساعدة عميلٍ في شرح سبب تميُّز المفاهيم العلمية الكامنة وراء العلاج المقدَّم من جانبه، أم بالتصدي للمعلومات المغلوطة والمضلِّلة بشأن اللقاحات، فقد وجدتُ أن إغراء تحريف البيانات أو تضخيمها أو الترويج لها على نحو مبالَغ فيه حاضرٌ دائمًا، وكذلك المخاطر التي تنجم عن ذلك.
لنأخذ مثالًا على ذلك شركة «ثيرانوس» Theranos، التي كانت شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية في مدينة بالو ألتو بولاية كاليفورنيا. فقد جذبت الادعاءاتُ الجريئة للشركة حول إحداث ثورة في اختبارات الدم اهتمامَ الجمهور والمستثمرين، إلا أن إحجامها عن الاعترافِ بمواطن القصور التقنية أو مشاركة البيانات بشفافية قد أسفر عن واحدة من أكثر الفضائح شهرةً في مجالَي العلوم والتكنولوجيا، التي انتهت بإغلاق الشركة في عام 2018، وإدانة مُؤسِّستها إليزابيث هولمز بتهمة الاحتيال في عام 2022.
أثارت هذه التداعياتُ تساؤلاتٍ لدى العلماء حول ما إذا كانت منافع الابتكارات العلمية الأخرى قد جرى تضخيمها والترويج لها على نحو مبالَغ فيه، ودعا كثيرون إلى تقديم أدلة أكثر صرامةً تخضع لمراجعة علمية دقيقة قبل تمويل مشروعاتٍ جديدة. ويوضح هذا التأثير المتتالي المخاطرَ التي ينطوي عليها سوءُ التواصل؛ إذ يمكن أن يقوِّض ثقة الجمهور في الإنجازات العلمية الحقيقية، محوِّلًا الحقائق إلى خرافاتٍ من نَسْج الخيال.
إنَّ إغراء "التنازل عن المبادئ" موجودٌ في شتى أنحاء صناعة التواصل العلمي، حيث يمكن أن تطغى الرغبة في التميُّز وإظهار التفوق على المسؤولية في التواصل النزيه. قد يبدو تضخيم النتائج، أو انتقاء البيانات حسب الهوى، أو تقديم ادعاءاتٍ لم تدعمها الأدلة بعد، طريقًا سريعًا لتمويل الأبحاث أو الاعتراف بها. ولكن هذه الطرق المختصرة لها ثمن باهظ، وهو: تقويض الثقة، وازدياد الشكوك حول الأبحاث المستقبلية، وفي بعض الأحيان، الإضرار بسُمعة المجال العلمي برمته.
الدروس المُستخلَصة من شركة «ثيرانوس» واضحة، وهي أن التدليس والسرّية يشكِّلان مزيجًا خطرًا. ولكن كيف يتسنى للعلماء تجنب الوقوع في هذه الفخاخ والتواصل العلمي بمسؤولية؟ إليكم بعض الاستراتيجيات للتواصل العلمي دون تجاوز الحدود والوقوع في شرك التحيز والمبالغة.
وضع توقعاتٍ واقعية
العلم مثيرٌ بطبيعته؛ فهو يفتح المجالَ أمام فرص جديدة ويقدم حلولًا للتحديات المُلحَّة. ولكن هذا الحماس يجب ألا يكون على حساب المصداقية. نادرًا ما تكون الأبحاث العلمية خاليةً من العيوب. والمبالغة في الترويج لها من خلال تضخيم تأثيرها أو التقليل من عيوبها يمكن أن تأتي بنتائج عكسية؛ ما يؤدي إلى خيبة أمل وشكوكٍ عند ظهور الصورة الكاملة.
إحدى الطرق الممكنة لوضع توقعاتٍ واقعية أن تسأل نفسك: "إذا اجتُزئتْ هذه الجملة من سياقها وصيغت في عنوان، فهل ستظل تمثِّل البحث بدقة؟" يساعد هذا التمرين في تحديد العبارات الفضفاضة والمتفائلة على نحو مفرط، التي ينبغي الاستعاضة عنها بمفرداتٍ دقيقة من واقع السياق، مثل "بحث في مراحله الأولية" أو "نتائج ما قبل التجارب الإكلينيكية".
ثمة نَهجٌ آخر يتمثل في التركيز على الرحلة العلمية وليس مجرد الانشغال بالنتيجة النهائية. فبدلًا من القول: "استنادًا إلى البيانات الإكلينيكية الأولية، يمكن لهذا العلاج أن يَشفي مرضى السرطان"، من الأفضل تسليط الضوء على الخطوة التالية: "تشير البيانات الإكلينيكية الأولية إلى أن هذا العلاج له القدرة على تحسين النتائج لمرضى السرطان. ولمزيدٍ من التحقق من هذا الأمر، بدأنا المرحلة الثانية من الدراسة لفهم تأثيرات هذا العلاج على نحو أفضل، ونتوقع معرفة النتائج الأولية بحلول نهاية العام المقبل". يُبرز هذا التصريح بوضوح التقدُّم المُحرَز، مع الاعتراف في الوقت نفسه بأنَّ البحث لا يزال مستمرًا.
يضمن التواصل الواضح فهمَ الجمهور لطبيعة العلم التكرارية. فالبحث العلمي يتطوَّر باستمرار. ووضعُ توقعاتٍ واقعية من البداية يدعم نشأة ثقةٍ وحماس يدومان فترةً أطول من العناوين الرئيسية الأولى الرنانة.
التعرُّف على احتياجات الجمهور
إنَّ الرسالة التي تلقى صدًى لدى مجموعةٍ ما قد تعجز عن إحداث نفس الأثر لدى مجموعةٍ أخرى. ومن ثَمَّ، من الضروري البحث عن أسلوب التواصل الذي يتناسب مع الجمهور المُستهدَف.
على سبيل المثال، عند التقدُّم بطلبٍ للحصول على منحة بحثية حول استجابة الخلايا الجذعية لإصابات الدماغ الرضحية (TBI)، لا بد من التركيز على الجدوى، والتأثير المحتمَل، والأهداف القابلة للقياس؛ لبيان الكيفية التي يمكن بها لهذا البحث سدُّ إحدى الفجوات في علاجات إصابات الدماغ الرضخية. أما عند عرض النتائج في مؤتمر علمي، فلا بد من تسليط الضوء على المنهجيات والتفاصيل التقنية التي تدعم النتائج المُقدَّمة. ناقِش، على سبيل المثال، تقنيات التصوير المُستخدَمة في تتبع اندماج الخلايا الجذعية والاستراتيجيات المُتبَعة في قياس استجاباتِ هذه الخلايا.
أما عندما تُخاطِب عمومَ الناس، فلا بد من التركيز على أهمية بحثك للمجتمع وما يمكن أن يتوقعه الناس من نتائج. تجنَّب إغراقهم بالتفاصيل التقنية المُعقَّدة. وهذا قد يتطلب منك تبسيطَ رسالتك بحيث يسهل فهمُها على نطاقٍ أوسع، مثل: "يستكشف بحثي قدرة الدماغ على الاستشفاء الذاتي باستخدام خلاياه لإصلاح التلف الموجود".
من خلال مواءمة رسالتك مع احتياجات الجمهور المُستهدَف، يمكنك تجنب سوء الفهم والتأكُّد من إيصال أهم المعلومات بوضوح. يساهم التواصل الواضح والموجَّه في بناء المصداقية؛ ما يخلق أساسًا للتفاعل المستمر على المدى الطويل.
الشفافية في استخدام البيانات لبناء أواصر الثقة
الشفافية ليست مجرد مسؤولية أخلاقية، بل هي أساسُ الثقة. فالناس يقدِّرون الصدق، خصوصًا عندما يتضمن الحديثَ عن التحديات والشكوك.
البياناتُ جوهر العلم، ويجب استخدامها بعناية ووفرة لدعم الحجج. فقد يؤدي تسليط الضوء على النتائج الإيجابية وحدها إلى تقديم صورة غير دقيقة عن البحث؛ ما يدفع الجمهور إلى المبالغة في تقدير تأثيره. عوضًا عن ذلك، يجب تقديم رؤية متوازنة تستعرض البيانات المؤيِّدة والمُعارِضة على حَدٍّ سواء، مع التسليم بأي مواطن قصور موجودة.
عند تحضير البيانات لعرضها، أسألُ نفسي غالبًا: "ما الفكرة الأساسية التي يجب أن يستوعبها الجمهور؟ وما السياق اللازم لفهمها فهمًا تامًّا؟" من ذلك مثلًا، إذا أظهرتْ دراسةٌ حول مرض «باركنسون» نتائجَ إيجابية لدى مجموعة فرعية صغيرة من المشاركين الذين يعانون تراجعًا طفيفًا في الوظائف المعرفية العصبية؛ ولكن النتائج جاءت متباينة في مجموعة الدراسة بأكملها، فيجب أن تعكس رسالتك هذا التباين.
ركِّز على كيفية مساهمة هذه النتائج في الفهم العلمي للمرض. فبدلًا من التركيز على النتائج الإيجابية للمجموعة الفرعية وحدها، يقدم هذا النهج السياقَ اللازم لإبراز أهمية الدراسة بوصفها خطوةً مهمة إلى الأمام دون المبالغة في تأثيراتها المباشرة في مرضى «باركنسون».
من شأن هذه الشفافية أن تبني أواصر الثقة مع جمهورك وتعزِّز تأثير البحث العلمي.
تبسيط العلوم المُعقَّدة وتوضيحها
مما يسهم في وصول رسالتك إلى الجمهور أن تضع في الحسبان تأثيرها العام على المجتمع مع مراعاة الآخر. فكِّر في كيفية تلقي جمهورك للمعلومات، خاصةً المرضى وعائلاتِهم، الذين قد يأملون في علاجٍ يغيِّر حياتهم.
ولنا في العلاجات الجينية مثال على ذلك. فبالرغم مما تبشِّر به من نجاحات في علاج الأمراض النادرة، فإنها غالبًا ما تواجه تحدياتٍ في مراحلها الأولى، مثل المخاوف المتعلقة بالسلامة وقابلية التطبيق على نطاقٍ واسع. عند تناول هذه العلاجات بالنقاش، من المهم تحقيق توازنٍ بين استعراض إمكاناتها والاعتراف بالمخاطر المرتبطة بها بصدقٍ وشفافية.
المراعاة هنا لا تقتصر على فهم كيفية تلقي الجمهور لرسالتك فحسب؛ بل تشمل أيضًا تبسيط التعقيدات العلمية بطريقةٍ مستساغة ومفهومة. يمكن أن يساعد استخدام لغةٍ سلسلة واضحة وخالية من المصطلحات المُعقَّدة، فضلًا عن التشبيهات المعبرة، في تبسيط كلٍّ من المفاهيم العلمية وراء العلاج المطروح والمخاطر المرتبطة به دون أن ينال ذلك من أهميته.
على سبيل المثال، بيانُ أنَّ "العلاج الجيني بمثابة أداةٍ دقيقة لإصلاح جزءٍ معطوب من الحمض النووي، لكن حتى الأدوات الدقيقة يجب اختبارها لضمان الدقة والسلامة"، من شأنه أن يساعد الجمهور في استيعاب هذا المفهوم العلمي والمخاطر المرتبطة به.
يمكنك من خلال التركيز على كيفية تلقي الجمهور لرسالتك أن تبني علاقة أساسُها الثقة، ما يفتح المجال أمام حوار أعمق وأجدى. عندما يشعر الناس بأنهم مسموعون ومقدَّرون، فإن التواصل العلمي يحقق مغزاه ومصداقيته.
تعزيز البحث العلمي بالسرد الواضح والأخلاقي
الإغراءُ بتضخيم نتائج الأبحاث العلمية والترويج المفرط لها قد يكون قويًّا، لا سيَّما في ظل المنافسة الشديدة على التمويل، والتغطية الإعلامية، ودعم الجمهور. يواجه العلماءُ ضغوطًا متزايدة لإضفاء هالة من التميُّز على أبحاثهم، إلا أن الطرق المختصرة في التواصل يمكن أن تعمل على تقويض الثقة وإضعاف مصداقية أفرادِ الباحثين والتواصل العلمي الأوسع نطاقًا.
إنَّ السرد العلمي الأخلاقي ليس مجرد أداة للتواصل، بل هو التزامٌ بالصدق يعمل على بناء أواصر الثقة على المدى الطويل. ومن خلال وضع توقعاتٍ واقعية، ومواءمة الرسائل بما يتناسب مع الجماهير المختلفة، ومشاركة البيانات بشفافية، يتسنى للعلماء إيصال قيمة أبحاثهم دون التضحية بعنصر النزاهة.
ومن ثَمَّ، فإنك لستَ مضطرًا إلى التنكر لمبادئك والتخلي عنها من أجل الترويج لعلمك وإيصال نتائجه. عندما يكون التواصل العلمي بمسؤوليةٍ، فإنه يخلق ثقافةً من الاحترام والفهم، تعود بالنفع على كلٍّ من العلماءِ والمجتمع الذي يخدمونه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

منظمة الصحة العالمية تبحث مستقبل العمل من دون أميركا
منظمة الصحة العالمية تبحث مستقبل العمل من دون أميركا

timeمنذ يوم واحد

منظمة الصحة العالمية تبحث مستقبل العمل من دون أميركا

يلتقي المئات من المسؤولين بمنظمة الصحة العالمية والمانحين والدبلوماسيين في جنيف بدءا من اليوم الاثنين في اجتماع يهيمن عليه سؤال واحد حول كيفية التعامل مع الأزمات -بداية من مرض الجدري وحتى الكوليرا- من دون الممول الرئيسي، الولايات المتحدة. ويستمر الاجتماع السنوي لأسبوع من جلسات المناقشة وعمليات التصويت والقرارات، ويستعرض عادة حجم قدرات المنظمة التابعة للأمم المتحدة، التي أُقيمت لمواجهة تفشي الأمراض والموافقة على اللقاحات ودعم النظم الصحية في جميع أنحاء العالم. أما هذا العام فإن الموضوع الرئيسي هو تقليص نطاق المنظمة، نظرا لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأ عملية تستغرق عاما لانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية وفق أمر تنفيذي أصدره في أول يوم له في المنصب في يناير/كانون الثاني الماضي. وفي السياق، قال مدير تنسيق تعبئة الموارد في منظمة الصحة العالمية دانييل ثورنتون، لوكالة رويترز، إن 'هدفنا يتمثل في التركيز على العناصر العالية القيمة'، وسيجري النقاش لتحديد هذه 'العناصر ذات القيمة العالية'. وقال مسؤولو الصحة إن الأولوية ستظل لعمل منظمة الصحة العالمية في تقديم إرشادات للبلدان بشأن اللقاحات والعلاجات الجديدة للحالات المرضية المختلفة بداية من السمنة إلى فيروس نقص المناعة البشرية. وفي أحد عروضها التقديمية للاجتماع، الذي تمت مشاركته مع جهات مانحة واطّلعت عليه رويترز، تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن مهام الموافقة على الأدوية الجديدة ومواجهة تفشي الأمراض ستبقى دون المساس بها، في حين يمكن إغلاق برامج التدريب والمكاتب في البلدان الأكثر ثراء. وكانت الولايات المتحدة تقدم نحو 18% من تمويل منظمة الصحة العالمية. وقال دبلوماسي غربي -طلب عدم الكشف عن هويته- إنه يتحتم 'علينا أن نتدبر أمورنا بما لدينا'. تقليص واستعد العاملون بتقليص عدد المديرين وحجم الميزانيات منذ إعلان ترامب في يناير/كانون الثاني الماضي، الذي جاء خلال موجة من الأوامر وتخفيضات المساعدات التي عرقلت سلسلة من الاتفاقيات والمبادرات المتعددة الأطراف. ويعني تأجيل الانسحاب الذي يستمر لمدة عام، بموجب القانون الأميركي، أن الولايات المتحدة لا تزال عضوا في منظمة الصحة العالمية وسيظل علمها خارج مقر المنظمة في جنيف حتى تاريخ مغادرتها الرسمي يوم 21 يناير/كانون الثاني 2026. وبعد أيام من تصريح ترامب، تسبب الرئيس الأميركي في حالة من الغموض بقوله إنه قد يفكر في العودة إلى المنظمة إذا 'نظفها' موظفوها. لكن مبعوثي الصحة العالميين يقولون إنه لم تظهر منذ ذلك الحين أي علامة تُذكر على تغيير رأيه. لذا، فإن منظمة الصحة العالمية تخطط للمضي قدما مع وجود فجوة في ميزانية هذا العام تبلغ 600 مليون دولار وتخفيضات بنسبة 21% على مدى العامين المقبلين. وكان ترامب اتهم منظمة الصحة العالمية بأنها أساءت التعامل مع جائحة كوفيد-19، وهو ما تنفيه المنظمة. الصين تأخذ زمام المبادرة بينما تستعد الولايات المتحدة للخروج من المنظمة، من المقرر أن تصبح الصين أكبر الجهات المانحة للرسوم الحكومية، وهي أحد مصادر التمويل الرئيسية لمنظمة الصحة العالمية إلى جانب التبرعات. وسترتفع مساهمة الصين من أكثر بقليل من 15% إلى 20% من إجمالي الرسوم الحكومية بموجب إصلاح شامل لنظام التمويل المتفق عليه عام 2022. وقال تشن شو سفير الصين في جنيف للصحفيين الشهر الماضي 'علينا أن نتعايش مع المنظمات متعددة الأطراف بدون الأميركيين. الحياة ستستمر'. وأشار آخرون إلى أن هذا يمكن أن يكون وقتا مناسبا لإجراء إصلاح شامل أوسع نطاقا، بدلا من الاستمرار تحت مظلة تسلسل هرمي للداعمين معاد تشكيله. من جهته، تساءل أنيل سوني الرئيس التنفيذي في 'هو فاونديشن'، وهي مؤسسة مستقلة لجمع التبرعات لمنظمة الصحة العالمية، 'هل تحتاج المنظمة إلى جميع لجانها؟ هل تحتاج إلى نشر آلاف المطبوعات كل عام؟'. وقال إن التغييرات أدت إلى إعادة النظر في عمليات الوكالة، ومنها إذا ما كان ينبغي أن تركز على تفاصيل مثل شراء الوقود في أثناء حالات الطوارئ. وكانت هناك حاجة ملحة للتأكد من عدم انهيار المشروعات الرئيسية خلال أزمة نقص التمويل الراهنة. وقال سوني إن ذلك يعني التوجه إلى الجهات المانحة ذات الاهتمامات الخاصة في تلك المجالات، منها شركات الأدوية والمجموعات الخيرية. وأضاف أن 'إي إل إم إيه فاونديشن'، التي تركز على صحة الأطفال في أفريقيا والتي لها مكاتب في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا وأوغندا، تدخلت مؤخرا بتقديم مليوني دولار للشبكة العالمية لمختبرات الحصبة والحصبة الألمانية، التي تتضمن أكثر من 700 مختبر تتعقب تهديدات الأمراض المعدية. وتشمل الأعمال الأخرى في منظمة الصحة العالمية المصادقة على اتفاق تاريخي بشأن كيفية التعامل مع الأوبئة في المستقبل وحشد مزيد من الأموال من الجهات المانحة في جولة استثمارية. لكن سيبقى التركيز على التمويل في ظل النظام العالمي الجديد. وفي الفترة التي تسبق الحدث، أرسل مدير منظمة الصحة العالمية رسالة بريد إلكتروني إلى الموظفين يطلب منهم التطوع ليكونوا مرشدين، من دون أجر إضافي.

مؤشر التنمية البشريّة.. لبنان في المرتبة العاشرة عربياً
مؤشر التنمية البشريّة.. لبنان في المرتبة العاشرة عربياً

الديار

timeمنذ يوم واحد

  • الديار

مؤشر التنمية البشريّة.. لبنان في المرتبة العاشرة عربياً

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب تحت عنوان "رَهْنٌ بخيار الإنسان والإمكانات في عصر الذكاء الاصطناعي" صدر تقرير التنمية البشرية في نسخته الـ 33 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقد صنّف لبنان من ضمن دول ذات مستوى تنمية بشرية مرتفع، إذ سجّل نتيجة 0.752 في مؤشر التنمية البشرية للعام 2023، وجاء في المرتبة 102 عالمياً، والعاشرة بين نظرائه العرب. يحاول تقرير التنمية البشرية التمييز بين العصر الجديد للذكاء الاصطناعي والتحوّلات الرقمية السابقة، وما يعنيه هذا الفرق بالنسبة إلى تنمية الإنسان. وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد أُجري استطلاع من أجل إعداد التقرير، والذي كشف عن استخدام واسع النطاق للذكاء الاصطناعي. حيث أشار 20 % من المشاركين في الاستطلاع إلى أنهم يستخدمون الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقّع أن ترتفع هذه النسبة بشكل سريع. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت نتائج الاستطلاع أن حوالى الثلثين من المشاركين في دول ذات تنمية بشرية منخفضة ومتوسطة ومرتفعة، يتوقعون أنهم سيستخدمون الذكاء الاصطناعي في مختلف أبعاد مؤشر التنمية البشرية (التعليم، العمل، والصحة) خلال سنة واحدة من تاريخ الاستطلاع. وعلّق التقرير بأنّه على الرغم من التطوّر السريع في الذكاء الاصطناعي، فإن التنمية البشرية لا تزال تعاني من الركود، كما يتضح في تباطؤ التقدّم في مؤشر التنمية البشرية، والذي لم يتعافَ بعد من تداعيات جائحة كوفيد-19 والأزمات التي تلتها. وفي هذا الإطار، أشار التقرير إلى أنه رغم توقّع تسجيل مستويات قياسية في مؤشر التنمية البشرية العالمي لعام 2024، فإن نحو 40 % من المشاركين توقّعوا أن تكون هذه الزيادة هي الأبطأ منذ إطلاق المؤشر في عام 1990. وذكر التقرير أيضاً أن الغالبية تتوقع أن يقوم الذكاء الاصطناعي بتنفيذ الوظائف بشكل آلي (Automation) وتعزيزها (Augmentation)، مع تأييد فكرة تعزيز الذكاء الاصطناعي للوظائف بدلاً من استبدالها. وأشار التقرير إلى أنه مع تزايد عدد الأفراد الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي، ستزداد ثقتهم في قدرته على زيادة الإنتاجية، خاصة في الدول النامية.

'الصحة العالمية' تعتمد اتفاقا دوليا تاريخيا لمواجهة الأوبئة
'الصحة العالمية' تعتمد اتفاقا دوليا تاريخيا لمواجهة الأوبئة

المنار

timeمنذ 2 أيام

  • المنار

'الصحة العالمية' تعتمد اتفاقا دوليا تاريخيا لمواجهة الأوبئة

في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة كوفيد- 19 وبعد سنوات من المفاوضات الشاقة، اعتمدت منظمة الصحة العالمية الاتفاق 'التاريخي' بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها. فما هي أبرز الخطوط العريضة لهذا الاتفاق؟ بعد ثلاث سنوات من المفاوضات الشاقة، أقرّت جمعية الصحة العالمية الثلاثاء (20 أيار/مايو 2025) في جنيف الاتفاق 'التاريخي' بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها. وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس في بيان: 'هذا الاتفاق انتصار للصحة العامة والعلوم والعمل المتعدد الأطراف. وسيسمح لنا، على نحو جماعي، بحماية العالم بشكل أفضل من تهديدات الجوائح. ويهدف الاتفاق التي أقرّ خلال جمعية الصحة العالمية الثامنة والسبعين إلى التأهّب بشكل أفضل للجوائح المقبلة وتعزيز سبل مكافحتها وتقرر إعداده في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة كوفيد-19 التي أودت بحياة الملايين وقوّضت الاقتصاد العالمي. كانت المفاوضات الآيلة إلى النسخة النهائية من النصّ شاقة ومرت بأوقات كانت فيها على وشك الانهيار، لا سيّما في ظلّ الاقتطاعات المالية الشديدة التي تواجهها المنظمة بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب منها وإحجامها عن دفع اشتراكات العامين 2024 و2025. واعتمد القرار في جلسة مساء الإثنين لإحدى لجنتي الجمعية بـ 124 صوتاً مؤيداً. ولم تصوّت أيّ دولة ضدّه، في حين امتنعت دول مثل إيران وروسيا وإيطاليا وبولندا عن التصويت. وصحيح أن قرار الانسحاب الأميركي من المنظمة لن يصبح سارياً سوى في كانون الثاني/يناير المقبل، إلا أن الولايات المتحدة لا تشارك في المفاوضات منذ أشهر وهي لم ترسل مندوبين لحضور جمعية الصحة العالمية التي تختتم أعمالها في السابع والعشرين من أيار/مايو. 'الفيروسات لا تعترف بالحدود' شكّلت جائحة كوفيد-19 صدمة عالمية، و'ذكّرتنا بمرارة وقسوة بأن الفيروسات لا تعترف بالحدود، وبأن أي بلد، مهما بلغت قوته، لا يستطيع بمفرده مواجهة أزمة صحية عالمية' بحسب ما قالت السفيرة الفرنسية للصحة آن-كلير أمبرو التي شاركت في إدارة المفاوضات الخاصة بالاتفاق بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها. وينصّ الاتفاق الذي أنجزت النسخة النهائية منه بالتوافق في 16 نيسان/أبريل على آلية تنسيق عالمية على نحو أبكر وأكثر فعالية في آن للوقاية والرصد والاستجابة لأيّ مخاطر قد تؤدّي إلى جائحة. ويقضي الهدف منه أيضاً بضمان الإنصاف في الحصول على المنتجات الصحية في حال حدوث جائحة وهو ما طالبت به البلدان الأكثر فقراً خلال كوفيد-19 عندما احتكرت الدول الثرّية اللقاحات وفحوص التشخيص. وهو يقيم خصوصاً آلية لتشارك المعلومات والمنافع، من شأنها أن 'تتيح تشاركاً سريعاً جدّاً ومنهجياً للمعلومات الخاصة ببروز مسببات للمرض قد تؤدّي إلى تفشّي جائحة'، بحسب ما أوضحت أمبرو. وينبغي لكلّ مجموعة صيدلانية تنضمّ إلى الآلية أن تتيح لمنظمة الصحة العالمية في حال حدوث جائحة 'نفاذاً سريعاً إلى نسبة محدّدة بـ20 % من إنتاجها في الوقت الفعلي للقاحات والعلاجات ومنتجات التشخيص الآمنة'، مع 'حدّ أدنى من 10 %' من الهبات والنسبة المتبقية بـ'أسعار معقولة'. وما زال ينبغي التفاوض على التفاصيل الدقيقة للآلية، على أمل اختتام المفاوضات في خلال سنة أو اثنتين، بغية التصديق على الاتفاق. ولا بدّ من جمع 60 مصادقة كي يدخل حيّز التنفيذ. وشكّلت مسائل مثل رصد الجوائح وتشارك المعلومات عن مسببات الأمراض الناشئة والمنافع ذات الصلة، مثل اللقاحات والفحوصات والعلاجات، موضع مناقشات محمومة. ويعزز الاتفاق أيضا الترصّد المتعدّد القطاعات ونهج 'صحة واحدة' على صعيد البشر والحيوانات والبيئة. وتكتسي هذه المسألة أهمية خاصة، لا سيّما وأن '60 % من الأمراض الناشئة ناجمة عن أمراض حيوانية المصدر، أي عوامل ممرضة تنتقل من الحيوان إلى الإنسان'. ويشجّع الاتفاق على الاستثمار في النظم الصحية كي تتوفّر الموارد البشرية اللازمة في البلدان وتتمتّع الأخيرة بهيئات ناظمة متينة الأسس. هل يحد الاتفاق من سيادة الدول؟ وخلال المفاوضات التي امتدّت على ثلاث سنوات، واجه هذا المشروع معارضة شديدة ممن اعتبروا أن من شأنه أن يحدّ من سيادة الدول. وفي العام 2023، دعا الملياردير الأميركي إيلون ماسك المقرّب من دونالد ترامب البلدان إلى 'عدم التنازل عن سيادتها' في ظلّ هذا المشروع. واتّهمته منظمة الصحة العالمية بنشر 'أخبار زائفة'. وردّ عليه المدير العام للمنظمة بالقول إن 'الاتفاق بشأن الجوائح لن يغيّر الوضع. بل سيساعد البلدان على الاتقاء من الجوائح. وهو سيساعدنا على توفير حماية أفضل للناس أكانوا في البلدان الغنية أو الفقيرة'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store