logo
المفاوضات الأميركية

المفاوضات الأميركية

Independent عربيةمنذ 2 أيام

مدعوماً بإجماع عربي ورغبة دولية في استمرار المفاوضات غير المباشرة بين أميركا وإيران للتوصل إلى تفاهم يضع الأزمة بين الطرفين على سكة حل منطقي، يستمر الوسيط العماني في مساعيه للقيام بدور المعطّل، قدر الإمكان، للألغام التي تعترض طريق هذه المفاوضات، مما قد ينطبق على وصف الزيارة السريعة التي قام بها وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي إلى طهران، حاملاً ورقة المقترحات الأميركية إلى الجانب الإيراني.
هذه الزيارة وما تسرّب عن ورقة الشروط والمطالب الأميركية، وضعا المفاوضات في المنطقة الرمادية، إلا أن ذلك لا يعني، بأي شكل، إرادة ورغبة الطرفين في استمرار التفاوض والحفاظ على المسار الذي بدأ، وبلغ جولته الخامسة بايجابية معلنة، وانتظار الانتقال إلى الجولة السادسة التي قد تكون حاسمة.
رمادية المفاوضات زادها غموضاً وعتمة، التقرير الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول المستويات المقلقة التي بلغتها أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية، وإمكان أن يتحول هذا التقرير إلى أرضية ممهدة لدخول مجلس الأمن على خط التجاذب بين إيران ومجموعة الدول "5+1" المعنية باتفاق عام 2015، وإمكان العودة لتفعيل عقوبات مجلس الأمن تحت البند السابع ضد إيران.
ولم يفلح اللقاء الذي حصل بين مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي ووزير خارجية إيران عباس عراقجي، على هامش زيارته العاصمة المصرية القاهرة، في نزع فتيل الأزمة مع الوكالة الدولية، مما دفع إيران إلى تحذير دول الـ"ترويكا" الأوروبية من تداعيات العودة لمجلس الأمن وتفعيل عقوباته من جديد، والتي قد تدفع طهران إلى اتخاذ خطوات تصعيدية للرد على ذلك، في الأقل بإعلان الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.
المواقف المتغيرة التي تصدر عن الجانب الأميركي، خصوصاً ما يتعلق بالموقف من أنشطة تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية والتمسك بضرورة تفكيكها وإنهائها بصورة تامة، قد لا تعني انتفاء إرادة الطرفين في الحفاظ على طاولة التفاوض غير المباشر، وإمكان التوصل إلى "اتفاق أو تفاهم إطاري" يحافظ على استمرارها من أجل التوصل إلى آليات إلغاء العقوبات السياسية والاقتصادية الأميركية.
وقبل "الاتفاق الإطاري" المتوقع، يبدو أن الأزمة تكمن، بوضوح، في مسار بناء الثقة بين الطرفين، إلا أن غياب هذه الثقة حالياً، لا يعني أن كلا الطرفين يتعامل مع المفاوضات الجارية بينهما من منطلق "الغموض البناء" الذي يسمح لهما بتقاسم الأدوار لتعزيز هذا الغموض، وصرف الأذهان عما يدور حقيقة في أروقة التفاوض، إضافة إلى ما يسمح به لكل منهما في إدخال تغييرات على مواقفه بناء على المستجدات السياسية والميدانية.
وعودة الرئيس الاميركي دونالد ترمب للحديث عن تفكيك أنشطة تخصيب اليورانيوم وعدم السماح لإيران بامتلاك أي مستوى من هذه الأنشطة، اعتبرته طهران متعارضاً مع ما جرى التفاهم حوله خلال الجولة الخامسة بين الطرفين تحت حراب الخطوط الحمر لكل منهما والمتعلقة بالتخصيب، إلا أن الإجراءات التي اتخذها ترمب بإقالة عدد من المسؤولين المعنيين بالملف الإيراني وتعليق العمل بقرارات العقوبات الجديدة ضد إيران، تعطي إشارات عن رغبة أميركية في الحفاظ على المسار التفاوضي والسعي إلى التوصل لتفاهم إطاري يرسم خريطة طريق عملية ومستقبلية.
في المقابل، فإن إعلان طهران تمسكها بالتفاوض وعدم مغادرة الطاولة، وأنها ستردّ على المقترحات الأميركية بما يتناسب مع المصالح القومية لإيران، ترافق مع تصاعد الشكوك لدى المفاوض الإيراني بوجود محاولات واشنطن لابتزازه وفرض شروط من خارج الإطار العام للمفاوضات، مستفيدة من ورقة الضغط التي وفّرها تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وما يمكن أن تحققه من نقاط مجانية تقدمها الـ"ترويكا" الأوروبية، بخاصة أن الهامش الإيراني للتعامل مع تداعيات هذا التقرير ستكون محصورة بين واحد من خيارين، إما القبول بتمديد مفاعيل الاتفاق لمدة تصل إلى عقد من الزمن في الأقل، في النقطة المتعلقة بنهايته أو "غروبه" في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أو الذهاب إلى الفصل السابع وعودة كل العقوبات الدولية من دون أن يكون حلفاؤها في الـ "5+1" قادرين (أي الروسي والصيني)على التدخل لمصلحتها.
وطرفا التفاوض يدركان جيداً أن فرصة الاتفاق والتفاهم أقرب من أي وقت مضى، وأن مرور نحو عقد من الزمن على اتفاق عام 2015 كان كفيلاً بالكشف عن نقاط ضعفه، وأن التفاوض المباشر والثنائي يمهد الطريق للتفاهم، وأكثر قدرة على الاستمرار، لأنه سيكون بعيداً من تأثير الدول الأخرى التي تسعى إلى تأمين مصالحها الاقتصادية من أي اتفاق. وعلى العكس من محاولات ترمب الاستئثار بالنتائج الاقتصادية على حساب الأوروبيين، فإن طهران لن تتخلى عن علاقاتها الاقتصادية والاستراتيجية مع الحليفين الروسي والصيني من خارج الاتفاق مع واشنطن، وستسعى إلى التقليل من التأثيرات السلبية في هذه العلاقة لأية تفاهمات قد تحصل مع واشنطن.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل التزام طرفي التفاوض الإبقاء على المحادثات في حال من الإبهام والغموض، إلا أن بعض المؤشرات يكشف عن أن المسار القائم قد ينتهي إلى تفاهم أو اتفاق على مرحلتين، الأولى تأخذ عنوان الإطار العام الذي من الممكن أن يحصل في المدى القريب، والثانية الإطار التنفيذي الذي يتضمن خطوات تطبيقية وزمنية متدرجة ومتوالية، تؤسس لاتفاق طويل الأمد وواسع بين الطرفين.
وإذا ما كانت المرحلة الأولى قد تتضمن طلباً أميركياً بتعليق أنشطة التخصيب لمدة تصل إلى ستة أشهر مقابل اعتراف أميركي بحق إيران في الاحتفاظ بأنشطة تخصيب اليورانيوم على أراضيها، بمستوى 3.67 في المئة لإنتاج الوقود للمفاعلات الكهرونووية والاحتفاظ بأجهزة طرد مركزي محددة نوعاً وكمّاً، وعدم تطوير هذه الأجهزة أو بناء منشآت جديدة، مع توسيع مهمات التفتيش الدولي بمشاركة أميركية مباشرة، فإن المرحلة الثانية والمرتبطة بنتائج وتفاهمات المرحلة الأولى قد تشمل خطوات تطبيقية وتنفيذية متبادلة ومتزامنة بين الطرفين.
وما يمكن أن تتضمنه هذه المرحلة، بخفض أنشطة التخصيبب من باب تعزيز الثقة، تقوم، في المقابل، واشنطن برفع العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي أو التخفيف منها بصورة ملموسة. أما في الخطوة الثانية التي تشكل الدخول في التفاصيل بما فيها من خطورة وصعوبة، فتقوم واشنطن بتحرير الأموال الإيرانية المجمدة والبالغة أكثر من 5 مليارات دولار، وتوقف إيران أنشطة تخصيب اليورانيوم بمستوى 60 في المئة، ليجري بعد ذلك الانتقال إلى الخطوة الثالثة بأن تعلن واشنطن إلغاء العقوبات الثانوية على الشركات الإيرانية، مقابل أن تسمح طهران بعودة المفتشين الدوليين بصلاحيات أوسع بمشاركة أميركية فاعلة في التفتيش للتأكد من تنفيذ إيران التزاماتها.
أما الخطوة الرابعة، فتتضمن قيام واشنطن بإعادة إيران لنظام التحويل المالي الدولي "سويفت"، وفي المقابل تصدّر إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى بلد ثالث يُتفق عليه. أما الخطوة الخامسة، فتتضمن إلغاء واشنطن لكل العقوبات المالية على البنوك الإيرانية مقابل أن تعود إيران لمستويات تخصيب يُتفق عليها على أراضيها.
هذه الخطوات وهذه التقديرات تبقى رهناً بإرادة الطرفين على استمرار التفاوض من أجل الوصول إلى تفاهمات تضمن مصالحهما وتؤسس لمرحلة مختلفة من التعاون بنيهما على المستوى الإقليمي، ولعل المؤشر الأكثر إيجابية على هذه الإرادة يكمن في الإعلان عن موعد الجولة السادسة للتفاوض التي من المفترض أن تكسر التراكم السلبي للمواقف التي سيطرت ما بعد الجولة الخامسة. والفشل في إرساء تسوية حول مطالب كلا الطرفين قد ينسف المسار التفاؤلي، ويعيد الأمور لنقطة الصفر والمنطقة لدائرة التوتر المفتوح على كل الاحتمالات.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترمب: لا أعتقد أن روسيا وأوكرانيا ستبرمان اتفاقا
ترمب: لا أعتقد أن روسيا وأوكرانيا ستبرمان اتفاقا

Independent عربية

timeمنذ 9 ساعات

  • Independent عربية

ترمب: لا أعتقد أن روسيا وأوكرانيا ستبرمان اتفاقا

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخميس أنه طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين عدم الرد على الهجوم الأوكراني على القواعد الجوية الروسية. وقال ترمب خلال لقائه المستشار الألماني فريدريش ميرتس في البيت الأبيض، "قلت (لفلاديمير بوتين): لا تفعل ذلك. عليك أن لا تفعل ذلك. يجب أن تتوقف. ولكن مجدداً، هناك كراهية شديدة (بين أوكرانيا وروسيا)". وأشار ترمب إلى أنه لا يعتقد أن روسيا وأوكرانيا ستبرمان اتفاقاً. من جهته، طالب المستشار الألماني الرئيس الأميركي بممارسة مزيد من الضغط على روسيا لوقف الحرب في أوكرانيا. وقال ميرتس لترمب في المكتب البيضاوي "تعلمون أننا وفرنا الدعم لأوكرانيا ونحن نتطلع إلى مزيد من الضغط على روسيا". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) "دعم غير مشروط" كان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون تعهد تقديم "دعم غير مشروط" لروسيا في كل المجالات، بما في ذلك في الحرب التي تخوضها في أوكرانيا منذ ثلاث سنوات، وأعرب عن ثقته في أن موسكو "ستنتصر" في الصراع، بحسب ما أعلنت بيونغ يانغ. واستقبل كيم في بيونغ يانغ سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو الذي كان يقوم بزيارته الثانية إلى العاصمة الكورية الشمالية في أقل من ثلاثة أشهر. وقالت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية إن كيم أبلغ شويغو بأن بيونغ يانغ "ستقدم دعماً غير مشروط لموقف روسيا وسياساتها الخارجية في كل القضايا السياسية الدولية الحاسمة، بما في ذلك القضية الأوكرانية". وأضافت أن الزعيم الكوري الشمالي "أعرب عن ثقته وتفاؤله بأن روسيا، كعادتها، ستحقق النصر الحاسم في سبيل العدالة". كما اتفق الجانبان على "مواصلة توسيع العلاقات بشكل ديناميكي"، بحسب المصدر نفسه. وتوضح الزيارة التي قام بها شويغو، وزير الدفاع الروسي السابق، لكوريا الشمالية التقارب المتزايد بين موسكو وبيونغ يانغ. وعززت موسكو وبيونغ يانغ تعاونهما العسكري في السنوات الأخيرة، وقد قدمت كوريا الشمالية لحليفتها روسيا عتاداً وعديداً لدعمها في حربها ضد أوكرانيا. ووقع البلدان اتفاق دفاع مشترك خلال زيارة نادرة قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية العام الماضي.

أكسيوس: إسرائيل أكدت لأميركا أنها لن تضرب إيران إلا إذا فشلت المحادثات
أكسيوس: إسرائيل أكدت لأميركا أنها لن تضرب إيران إلا إذا فشلت المحادثات

Independent عربية

timeمنذ 10 ساعات

  • Independent عربية

أكسيوس: إسرائيل أكدت لأميركا أنها لن تضرب إيران إلا إذا فشلت المحادثات

قال مسؤولان إسرائيليان إن تل أبيب أكدت للولايات المتحدة أنها لن تضرب المنشآت النووية الإيرانية إلا إذا أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى فشل المحادثات مع طهران، وفق ما نقله موقع "أكسيوس". وذكر أحد المسؤولين أن إسرائيل أوضحت أنها لن تُقدم على مفاجأة إدارة ترمب بضربة عسكرية ضد إيران. ونقلت إسرائيل رسالة الطمأنة إلى الولايات المتحدة، خلال زيارة إلى واشنطن الأسبوع الماضي قام بها كل من وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، ورئيس الموساد دافيد برنياع، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، وفقاً لما قاله المسؤولان الإسرائيليان. وحذر ترمب في وقت سابق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الإقدام على أي خطوة عسكرية في ظل استمرار المفاوضات. لكنه أشار أيضاً إلى أن موقفه "قد يتغير بمكالمة هاتفية" إذا شعر بأن المحادثات مع إيران لا تؤتي ثمارها. قرار غربي ضد إيران يعتزم الأوروبيون والولايات المتحدة أن يطرحوا الأسبوع المقبل على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً ضد إيران، مع تهديد بإحالة الملف على الأمم المتحدة، بحسب ما أفادت مصادر دبلوماسية عدة. وقال مصدر دبلوماسي مطلع الخميس إنه بعد نشر الوكالة التابعة للأمم المتحدة تقريراً يؤكد "عدم تعاون كاملاً من جانب طهران، سيتم تقديم قرار لعدم احترامها التزاماتها النووية". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأكد دبلوماسيان آخران لوكالة الصحافة الفرنسية هذه المبادرة الغربية الهادفة إلى "تشديد الضغط" على إيران. وأورد أحد هذين المصدرين أن النص الذي أعدته واشنطن ولندن وباريس وبرلين، "يستند إلى التقرير الكامل" الذي كشفته الوكالة قبل أيام، متوقعاً أن يتم التصويت عليه الأربعاء المقبل خلال الاجتماع المقرر في فيينا. وفي هذا التقرير الذي وصفته طهران بأنه "سياسي"، دعت الوكالة الذرية إيران إلى مزيد من الشفافية في شأن برنامجها النووي. وتحاول الوكالة منذ أعوام وبدون جدوى الحصول على توضيحات تتصل بالمصير المجهول لمواد نووية نتجت من أنشطة غير معلنة، تم القيام بها حتى بداية العقد الأول من الألفية الثالثة. وكتبت الوكالة أن "إيران عمدت مراراً إما إلى عدم الرد، وإما إلى عدم تقديم أجوبة تقنية ذات صدقية، فضلاً عن تنظيفها" الأماكن المعنية، مشيرة أيضا إلى سرقة وثائق سرية. وسرعت طهران في الأشهر الأخيرة من وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصب حتى 60 في المئة، وهو سقف قريب من نسبة 90 في المئة الضرورية لصنع قنبلة. وتنفي طهران أي نية عسكرية لديها، مؤكدة حقها في إنتاج الطاقة النووية لاغراض مدنية. وأجرت إيران والولايات المتحدة منذ أبريل (نيسان) خمس جولات من المفاوضات بوساطة عمانية، في محاولة للتوصل إلى اتفاق ينزع فتيل التصعيد ويؤدي إلى رفع العقوبات التي تشل الاقتصاد الإيراني. وأوضح الدبلوماسيون أنه بغرض الحفاظ على هذا المسار الدبلوماسي و"منح طهران فرصة أخيرة"، ارتأت الدول الغربية إمكان إحالة الخلاف على مجلس الامن الدولي المخول فرض عقوبات، علماً أن اثنين من أعضائه الدائمين، روسيا والصين، يدعمان طهران. وفي حال "عدم إظهار (إيران) بادرة تعكس حسن نية"، أضاف الدبلوماسيون أن اجتماعاً طارئاً لمجلس محافظي الوكالة قد تتم الدعوة إليه خلال الصيف بهدف نقل الملف إلى الأمم المتحدة.

خطاب خامنئي الرافض واقتراب الاتفاق الأميركي
خطاب خامنئي الرافض واقتراب الاتفاق الأميركي

Independent عربية

timeمنذ 10 ساعات

  • Independent عربية

خطاب خامنئي الرافض واقتراب الاتفاق الأميركي

في التحليل السياسي لا بد من متابعة المؤشرات للوصول إلى النتائج، ومن خلال خطاب المرشد الإيراني الأخير خلال إحياء ذكرى وفاة مؤسس النظام الخميني، والمقترح الأميركي الأخير المقدم لطهران عبر سلطنة عُمان، يمكن القول إن ترجيح احتمالات التوصل إلى اتفاق بين الجانبين أصبحت كبيرة، حتى لو كان اتفاقاً موقتاً لا شاملاً، فعلى رغم شدة الخلافات في وجهات النظر بين طهران وواشنطن منذ الجولة الرابعة للمحادثات التي جرت برعاية عُمانية، نظراً إلى ما اعتبرته إيران تغيراً في الموقف الأميركي الذي كان يقر بحقها في تخصيب اليورانيوم بنسبة الاتفاق النووي نفسها لعام 2015، أي 3.67 في المئة، نجد أن الموقف الأميركي تحول ليرفض مبدأ التخصيب تماماً طالما أن البرنامج النووي الإيراني سلمي، فليس من حق طهران تخصيب اليورانيوم، ويمكن استيراد الوقود النووي من الخارج، وكانت تلك المسألة هي الإشكال الأكبر في سير المحادثات، وامتدت حتى الجولة الخامسة التي لم تخرج بأجواء إيجابية تشير إلى حل للمسألة، في حين كانت إيران تشير إلى مقترح مجمع إقليمي للتخصيب على أراضيها يضم كلاً من السعودية والإمارات، حتى تضمن أن تستمر في التخصيب المحلي لليورانيوم وتضمن استمرار حصولها على الوقود النووي لأنه داخل أراضيها، ولتبدي حسن جوار تجاه جيرانها. من جهة أخرى خرج مقترح أميركي جرى عرضه على الإيرانيين وأعلنت طهران رسائل عدة في ردها عليه، وقد تضمن دعوة طهران إلى وقف تخصيب اليورانيوم تماماً وتشكيل اتحاد إقليمي لإنتاج الطاقة النووية يضم إيران والسعودية ودولاً عربية أخرى، إضافة إلى الولايات المتحدة، ثم قيل إن سلطنة عُمان اقترحت إنشاء منشأة إقليمية لتخصيب اليورانيوم تحت إشراف "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وقد قبلت واشنطن اقتراح عُمان وترغب في أن تكون منشأة تخصيب اليورانيوم المشتركة خارج إيران، وأفاد "موقع أكسيوس" بأن الولايات المتحدة اعترفت بحق إيران في تخصيب اليورانيوم في مقابل تعليق البرنامج، وأنه يمكن تخصيبه محلياً بنسبة ثلاثة في المئة، وربما توافق طهران على مسألة المجمع الإقليمي للتخصيب لكنه لن يكون بديلاً عن التخصيب المحلي، كما أنها تريد أن يكون على أراضيها وليس خارجها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويمكن القول إنه إذا كان الموقف الأميركي يدور حول التخصيب بنسبة ثلاثة في المئة، فهو يعني تراجعاً في موقف واشنطن الذي أصر خلال جولتي المحادثات السابقتين على منع إيران من التخصيب المحلي واستيراد الوقود النووي من الخارج، ومن ثم فإن استمرار طهران في التخصيب المحلي، ولو بنسبة ضئيلة، سيكون مقترحاً ربما تقبله كحل وسط، لتصل إلى اتفاق مع واشنطن لرفع العقوبات عنها من جهة، ومن جهة أخرى لتضمن اعتراف الولايات المتحدة بحقها في تخصيب اليورانيوم محلياً. لذا فوفقاً لما اقترحه الأميركيون وما ستقدمه إيران من رد، فمن المرجح انعقاد الجولة السادسة قريباً وسيجري التوصل إلى اتفاق في ما بعد، فالمقترح الأميركي ربما يكون الحل الوسط لتقريب الفجوة بين مطلب الولايات المتحدة بوقف كامل لتخصيب اليورانيوم، وإصرار إيران على الحفاظ على التخصيب المحلي، وإذا كان هذا هو الحال فلماذا خرجت تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي منذ يومين رافضة وترد بعدائية على واشنطن، مؤكدة عدم تراجع الموقف الإيراني، إذ قال في خطابه "إن بلاده تمكنت من امتلاك دورة وقود نووي كاملة، فالصناعة النووية ليست للطاقة وحسب، بل هي أم الصناعات ورمز للاستقلال الوطني، وتخصيب اليورانيوم هو مفتاح القضية النووية، وأعداء إيران يريدون وضع أيديهم على التخصيب"، فمن جهة يحاول خامنئي تصوير أن بلاده ليست متلهفة للاتفاق، وأن هناك قدراً من الممانعة لدى أكبر سلطة في البلاد، ومن جهة أخرى فهذا الخطاب للاستهلاك المحلي، إذ يوضح أن طهران ترفض حرمانها من حق التخصيب المحلي، وحين تقبل مقترح دونالد ترمب المقدم منذ أيام فستسبق خطاب المرشد، إذ يتضمن المقترح تخصيب اليورانيوم بنسبة ضئيلة تقترب من اتفاق عام 2015، لتروج طهران لتراجع واشنطن أمام الممانعة الإيرانية، وأنها لم تحرمها حق التخصيب المحلي. كما أن الخطاب يمكن أن يأتي في إطار ما اعتادته إيران وواشنطن من إصدار تصريحات علنية معادية، لكن خلف الكواليس اتفاقاً يجري لسد الفجوة في ما بينهما لإخراجه إلى العلن، وكان على ترمب الذي سيمنح طهران فرصة التباهي بتراجع الموقف الأميركي، أن يدرس العقلية الإيرانية وكيف تمثل القضية النووية مسألة فخر وطني وجزءاً من الهوية الوطنية والسيادة، حتى إن الحكومة تنظم رحلات مدرسية لطلاب المدارس إلى المنشآت النووية، كما يتباهى نظام طهران بقدرته على الوصول إلى مراحل متقدمة في التكنولوجيا النووية، على رغم العقوبات والقيود، وبالتالي فإن إيران كانت سترفض حرمانها تخصيب اليورانيوم محلياً، وترفض التخلي عن اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، لا سيما وأنه من جهة رمز للتقدم العلمي والنووي، ومن جهة أخرى ورقة تعتقد أنه في حال التخلي عنها سيسهل توجيه ضربة عسكرية لها من قبل واشنطن أو تل أبيب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store