
لماذا يستفز نتنياهو من ماكرون بالتحديد ؟
لوحظ بعد مضيّ بضعة شهور على حرب الإبادة الإسرائيلية، بأن العديد من قادة الدول صاروا ينتقدون تلك الحرب بما تحدثه من قتل جماعي متعمد بحق المدنيين العزل، ومن دمار هائل بلا أي مبرر أمني أو عسكري، وقد ترافق ذلك مع مسار التحقيق القضائي الدولي في أمر تلك الحرب وصولاً الى تجريمها، عبر إصدار مذكرتَي اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير حرب إسرائيل خلال العام الماضي، يوآف غالانت، باعتبارهما المسؤولَين الأوليين عن جريمة حرب الإبادة، وما يتخللها من جرائم حرب مثبتة وواضحة وصريحة، ولم تكن إسرائيل بطاقم الحكم المتطرف والمتورط بمجموعه وأفراده في جريمة حرب الإبادة، لتصمت إزاء تلك الانتقادات والمطالبات بوقف الحرب، أو بتجنب قتل المدنيين او حتى الالتزام بقواعد وقوانين الحرب، بما في ذلك عدم منع دخول المواد الاغاثية والغذائية، لدرجة أن اكثر من وزير اسرائيلي، سبق له وهاجم اكثر من مسؤول اجنبي، ولعل مثال التعرض لأمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، من قبل مندوب إسرائيل في المنظمة الدولة جلعاد اردان، لدرجة وصفه بالمعادي للسامية، هو وكل الأمم المتحدة، والمطالبة بإقالته، يعتبر مثالاً صادماً، ووقحاً، يصدر عن دولة هي عضو في المنظمة الدولية ذاتها، التي تمثل المجتمع البشري بأسره.
اي ان إسرائيل ومنذ نحو عام ونصف، وجدت نفسها في زاوية ضيقة، فهي على طرف حاد تواجه معظم العالم، والغريب انها _أي إسرائيل، لم تتردد عن تجاوز البروتوكول الدولي والدبلوماسية المعتادة بين الدول، ولم تتردد في مهاجمة رؤساء، مثل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ورؤساء حكومات مثل رئيس حكومة اسبانيا، بيدرو سانشيز، ناهيك عن وزراء خارجية وغيرهم من المسؤولين، فيما لم تنج بعض الدول، مثل مصر وقطر، وهي تقوم بدور الوساطة من أجل التوصل لصفقة التبادل، من تعرض الإسرائيليين سواء كانوا وزراء او مسؤولين او إعلاميين، ولم يكن الأمر له علاقة بتبادل ادوار داخلي، ذلك ان المعارضة ليست مثل الحكومة في تطرفها وإصرارها على الحرب من جهة، وما تمارسه إسرائيل خلال تلك الحرب من جرائم مثبتة، إن لم تجر إسرائيل بقادتها وضباطها للمحاكم الدولية، وان لم تتسبب في تعرض إسرائيل لعقوبات سياسية عالمية، فإنها قد تسببت فعلاً بنبذها كدولة عضو في المجتمع الدولي.
بالطبع استندت اسرائيل على الحليف الأميركي لتواصل وهي بقيادة متطرفة جداً، بل الأكثر تطرفاً في تاريخها، بما يعتبره بعض الإسرائيليين انفسهم ومعهم بعض اليهود الأميركيين والبريطانيين يلحق الضرر البالغ بإسرائيل ويهود العالم، بما يسببه من كراهية لها اسبابها هذه المرة ضد دولة تعتبر نفسها دولة يهودية، او دولة لليهود، وتسير على طريق الفاشية العالمية، في نفس الوقت، ورغم كل ما قدمه الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لإسرائيل، إلا انه لم يسلم من النقد، بينما تم إخضاع سلوكه خلال الحرب لصناديق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حيث كانت النتيجة خسارة حزب بايدن الديمقراطي للبيت الأبيض وللأغلبية في مجلسي الكونغرس الشيوخ والنواب.
لكن احداً من قادة إسرائيل المتطرفين لم يجرؤ لا على الهجوم على الرئيس الأميركي او على اي احد من وزرائه، ولا حتى توجيه الانتقاد لهم، حتى في لحظات كان يبدو فيها بأن أميركا ستخرج يدها من حرب الإبادة الإسرائيلية، وذلك قبل عام من هذه الأيام، حين ذهبت اميركا الى مجلس الامن الدولي بما عرف بمبادرة بايدن كأساس لصفقة التبادل، ووضعت إسرائيل العراقيل أمامها، وهدد اكثر من وزير إسرائيل بتفكيك الائتلاف في حال وقف الحرب، بل وزادوا على ذلك بالقول بان إسرائيل دولة مستقلة، لا تتخذ قرارتها من واشنطن، وان اقتضى الأمر ستواصل الحرب وحدها، وكثير ما تباهى نتنياهو شخصيا، بكونه يقف في وجه اميركا حين يكون هناك خلاف بينما، حول ما يدعيه من امن إسرائيل.
وقد بات الأمر اكثر وضوحا إزاء الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، وهو لا يقل حبا او انحيازا لإسرائيل عن سلفه بايدن الذي كان يتباهى بكونه صهيونيا وان لم يكن يهوديا، فيما كانت إدارته كما إدارة ترامب تغص بالمسؤولين اليهود، لكن ترامب ورغم ما يطلقه من تصريحات متشددة، كان اهمها بالطبع ذاك الاعلان الذي سرعان ما نسيه بعدما وقفت مصر في طريقه وردت عليه باحتوائه، والذي كان اطار عقل المتطرفين العنصريين الفاشيين من وزراء الحكومة الإسرائيلية ونقصد به ذلك الاعلان الخاص بتهجير سكان غزة، وتحويلها لمنتجع سياحي، سماه «ريفيرا الشرق الأوسط»، ترامب هذا سرعان ما بدأ لأنه يمثل خيار الصفقات التجارية وليس خياره الحروب العسكرية التي تزيد من ثروة شركات الصناعة العسكرية، ولعل بضعة أسابيع قليلة مضت، تشير الى عدد من الصفعات التي وجهها ترامب لنتنياهو، ولاستراتيجيته السياسية الخاصة بإعادة ترتيب الشرق الأوسط، ليتمخض عن ولادة اسرائيل الكبرى، ورغم ان فتح ترامب لباب التفاوض مع ايران، ثم اعلان الاتفاق مع الحوثي، بخروجه من جبهة الحرب مع اسرائيل على تلك الجبهة، والتي تعدها اسرائيل واحدة من سبع جبهات، بقيت هي الأهم في اسناد غزة، كذلك فتح طاقم ترامب لباب التفاوض المباشر مع حماس، كل هذا لم يدفع لا ترامب ولا بن غفير، ولا حتى مكتب رئيس الحكومة للهجوم على ترامب.
واضح بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية ومكتبه يحسبون جيدا حين يطلقون التصريحات والإعلانات، وانهم يربطون كلماتهم بوزن الوجهة التي يطلقون تلك التصريحات نحوها، وهذا يعني بأنهم لا يعيرون وزنا للقانون الدولي، ذلك انهم وصفوا المحكمة الجنائية الدولية نفسها بالعداء للسامية، كما أنهم يستخفون بالأمم المتحدة، وإلا لما تجرأ مندوبها في نيويورك، والى المنظمة الدولية نفسها ان يتهم الأمم المتحدة وأمينها العام بالعداء للسامية، وهذا يعني أيضا بأن إسرائيل لا تقيم وزنا للقادة الأوروبيين كما تفعل مع الرئيس الأميركي، سواء كان بايدن او ترامب.
ويبدو بأن لردة فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومكتبه بالتحديد، ازاء تصريحات ومواقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أكثر من سبب، ففرنسا، هي واحدة من الدول العظمي الخمس في العالم، وهي تقود مع ألمانيا الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة، وهي الى جانب المانيا وبريطانيا تعتبر اهم دول اوروبا، وعلى الصعيد الدولي، فرنسا واحدة من خمس دول عظمى رسميا وفعليا في العالم، بعلامة التمتع بحق النقض الدولي «الفيتو» في مجلس الأمن.
وفرنسا تعتبر سادس دولة من حيث القوة العسكرية في العالم، بعد أميركا وروسيا والصين، بريطانيا والهند، كذلك تعتبر فرنسا سابع اقوى اقتصاد في العالم، بعد اميركا والصين، اليابان وألمانيا، الهند وبريطانيا، أي أنها دولة عظمى فعلاً وقولاً، وهي قبل ذلك وبعده، لديها التجمع اليهودي الثالث من حيث العدد، بعد إسرائيل وأميركا، فلماذا اذاً يطلق نتنياهو ومكتبه العنان للرد وبشكل حاد وغير دبلوماسي، على كل انتقاد يقوله ماكرون للسياسة الإسرائيلية، خاصة تلك المرتبطة بالحرب على فلسطين وغزة بالتحديد، وفرنسا، سبق لها وان سبقت اميركا بتقديم الدعم العسكري لإسرائيل، الذي سمح لها أولاً بالمشاركة في العدوان الثلاثي عام 1956، وثانياً في الانتصار في حرب حزيران 1967، وبينهما بإنشاء مفاعل ديمونة النووي، والذي انتج سراً حتى عن الولايات المتحدة عشرات او حتى مئات القنابل النووية، والجواب يبدو ان له علاقة بما يمكن وصفه بالردع السياسي، أو قطع الطريق على تطور وتقدم الموقف الفرنسي، لما هو أبعد مما هو عليه حاليا، من التزام بالموقف الأوروبي الرسمي، وحتى يبقى قريبا من الموقفين البريطاني والألماني.
نقصد ان اقتراب فرنسا من الموقف الذي تعتمده دول اسبانيا، ايرلندا، النرويج وبلجيكا، والاخيرة هي دولة الاتحاد الأوروبي، حيث مقر المفوضية الأوروبية، والخاص بالاعتراف بدولة فلسطين، ومواصلة الضغط على اسرائيل لقبول حل الدولتين، بما يعني التأثير على موقفي ألمانيا شريك فرنسا في قيادة الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بما يعني عزل الموقف الأميركي المنحاز بلا قيود لإسرائيل، وهي ترفض حل الدولتين الذي جمع الغرب على إقامة دولة إسرائيل المعترف بها وفق قرار التقسيم، خاصة وان هذا الأمر قد اقترب كثيراً، وبدأ معه حديث ماكرون عن ذلك الاعتراف في حزيران القادم، وذلك خلال المؤتمر الذي سيعقد في نيويورك حول فلسطين وتترأسه فرنسا مع المملكة العربية السعودية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة الصحافة الفلسطينية
منذ 4 ساعات
- وكالة الصحافة الفلسطينية
محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات "الهيكل" لاقتحام الأقصى
القدس - صفا حذرت محافظة القدس من دعوات منظمات "الهيكل" الصهيونية المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى المبارك يوم الإثنين المقبل، في ذكرى احتلال القدس، التي تمثل ذكرى نكبة جديدة تتجدد فصولها كل عام بحق المدينة المقدسة وسكانها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية. وأضافت المحافظة في بيان اليوم الثلاثاء، أن ما نشرته منظمة "جبل الهيكل في أيدينا" من دعوات لاقتحام المسجد الأقصى، ورفع أعلام الاحتلال داخله، وتنفيذ طقوس تلمودية استفزازية بحماية شرطة الاحتلال، يمثل تصعيداً خطيراً وجريمة مكتملة الأركان ضد حرمة الأقصى، ومحاولة سافرة لفرض وقائع تهويدية بالقوة على حساب الوضع التاريخي والقانوني القائم للمكان. وأكدت أن ما يسمى بـ"يوم توحيد القدس" هو يوم احتلال وعدوان وهمجية، تحول إلى منصة لاستباحة الأقصى وحي الشيخ جراح وباب العامود والبلدة القديمة، وسط تحريض سافر واعتداءات متكررة على سكان المدينة، تتضمن الشتائم العنصرية بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتخريب الممتلكات، واعتداءات جسدية على المدنيين المقدسيين، بحماية مباشرة من قوات الاحتلال. وحمّلت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو والمتطرف إيتمار بن غفير، المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذا التصعيد الخطير، محذرة من مغبة الاستمرار في استهداف المسجد الأقصى الذي يشكل خطًا أحمر لدى أبناء شعبنا وأمتنا جمعاء. وشددت المحافظة على أن تكرار هذا العدوان الممنهج لن يمر دون رد، وقد كانت نتائج هذه الاستفزازات معروفة للعالم أجمع في عام 2021، حين فجّرت "مسيرة الأعلام" شرارة المواجهة الشاملة، وما زالت المدينة تقف على برميل من الغضب الشعبي المشروع. ودعت المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، إلى التدخل الفوري والعاجل لتحمّل مسؤولياتها تجاه القدس، ووقف هذا التدهور السريع نحو انفجار شامل قد تجره هذه السياسات العنصرية الممنهجة. وأهابت المحافظة بكل القوى الحية وأبناء شعبنا الفلسطيني في كل أماكن وجوده، رفض هذا العدوان، والتضامن مع أهل القدس ومقدساتها، دفاعًا عن الحق العربي والإسلامي الأصيل في المدينة المقدسة.


وكالة خبر
منذ يوم واحد
- وكالة خبر
هوس القوة وفتنة السلاح
بالنظر إلى تاريخنا المعاصر، وتحديدا فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، سنجد أنّ ثقافتنا اعتمدت بشكل كبير على مقولة «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة». وبتفكيك المقولة، سنجد أولاً أنّ إسرائيل لم تعتمد على عنصر القوة فقط، رغم أهميته، إلا أنها اعتمدت على عناصر أخرى قد تفوقها أهمية، أبقت على حياتها، بل جعلتها تتفوق على سائر الإقليم؛ مثل اهتمامها بالعِلم وإقامة الجامعات والمعاهد المتخصصة واهتمامها بالتكنولوجيا، والصناعات الدقيقة، إضافة إلى أنها دولة مؤسسات تتميز بالتنظيم، والإدارة الناجعة، وتعتمد على مراكز الأبحاث، ولديها قضاء مستقل (عنصري)، وصحافة جريئة ناقدة (في الشأن الداخلي)، ونظام ديمقراطي (ديمقراطية إثنية عنصرية) قائم على الانتخابات والتداول السلمي للسلطة.. تلك حقائق ينبغي إدراكها قبل فتح جبهة الصراع معها. أما ثانيا، فقد اعتمد العرب (أو قامت ثقافتهم وتخطيطهم) على عنصر القوة فقط، وبالمفهوم العسكري والأمني، دون إدراك حقيقي بأن القوة مفهوم أوسع وأشمل من السلاح.. والمصيبة أنهم لم يمتلكوا القدرة العسكرية اللازمة لردم الفجوة وتعديل موازين القوى، بحيث يكونون مؤهلين لخوض صراع عسكري يمكّنهم من إحراز النصر! ولدينا أمثلة لا حصر لها لتوضيح الفكرة؛ مصر عبد الناصر، ليبيا القذافي، عراق صدام، نظام الأسد، الجزائر.. إلخ، حيث الاهتمام البالغ ببناء قوة عسكرية، واستيراد الأسلحة والطائرات الحربية تحت شعارات التحرير وتحقيق التوازن الإستراتيجي. والنتيجة التي لا تحتاج شواهد (لكثرتها) أننا نواصل الهبوط من قاع إلى قاع. على سبيل المثال، أنفق نظام صدام خلال عقد الثمانينيات نحو مائة مليار دولار على الإنفاق العسكري، لو أنفق نصفها على تطوير التعليم وتوطين التكنولوجيا وتحديث الصناعة والزراعة بالاعتماد فقط على الموارد والعقول العراقية.. لصار العراق يابان الشرق الأوسط، ولما قُتل مواطن واحد في صراعات طائفية بغيضة وللدفاع عن شعارات أيديولوجية متخلفة. وبحسب مراكز متخصصة، بلغ إنفاق الدول العربية على التسليح للعام 2024 نحو 165 مليار دولار، احتلت السعودية المرتبة الأولى بإنفاق بلغ 74 مليار، تلتها الجزائر (25 مليار)، ثم المغرب (13)، قطر (9)، عُمان (8)، العراق (8)، الكويت (7)، مصر (6)، الأردن (2.5). أما عن السنوات السابقة، بحسب بيانات البنك الدولي، بلغ إجمالي الإنفاق العسكري للدول العربية خلال الأعوام العشرين الماضية (1999-2018) نحو 2028 مليار دولار. وبلغت حصة الدول العربية 7.4% من حجم الإنفاق العسكري عالميا، في حين أنها أسهمت مجتمعة بـ 3.2% فقط من حجم الاقتصاد العالمي! في الحرب التي خاضتها السعودية ضد اليمن، قدرت الأمم المتحدة خسائر اليمن، خلال ست سنوات من الحرب بنحو 126 مليار دولار، فيما خسرت السعودية بحسب تقرير «فورين بوليسي» نحو 725 مليار، ودون حسم الحرب! أما في السودان، فقد بلغ حجم الخسائر في البنية التحتية للبلاد خلال سنة واحدة نحو 60 مليار دولار، وتراجع الناتج المحلي بنحو 20%، وكل هذا قبل أن تتوقّـف الحرب! لن نتحدث هنا عن الخسائر البشرية والنفسية، فهذا شأن آخر، ولن أتعبكم بإحصاءات وخسائر بقية الحروب البينية أو الأهلية التي خاضتها الدول العربية، ربما لاستحالة الحصول على بيانات دقيقة، لكن المؤكد أن الأنظمة العربية أنفقت تريليونات الدولارات على الحروب وصفقات الأسلحة، فقط لحماية عروشها ومصالحها.. ولو أنفقت ربعها على البناء والتنمية والتطلع نحو المستقبل، لقضت على الفقر والبطالة والتخلف، وغادرنا العالم الثالث نهائيا.. والأخطر من ذلك أن الشعوب العربية (وتنظيماتها) كانت منقادة وراضية، ومفتونة بوهم القوة، وبسحر السلاح. هل لدينا إحصاءات عن حجم إنفاق التنظيمات الجهادية والميليشيات المسلحة وحروبها العبثية في العراق ولبنان وسورية وسيناء وليبيا والصومال وغيرها؟ حتى المواطن لا يفكر بذلك، وربما كان مؤيدا لبعضها، وغارقا في أوحال الطائفية والمذهبية. هل نعلم حقيقةً حجم إنفاق «حماس» على حفر 500 كم من الأنفاق بعمق عشرات الأمتار؟ على سبيل المثال احتجتُ نحو 200 دولار لعمل شق ترابي بعمق 40 سم وطول 4 متر لتمديد ماسورة بلاستيكية قطرها 4 إنش! فما بالك بما يُسمى مترو غزة بحسب وصف الراحل إسماعيل هنية نفسه! علما أن فيتنام (التي اخترعت حرب العصابات والأنفاق السرية) مساحتها تفوق مساحة قطاع غزة بِـ 92 ضعفا، حفرت أنفاقا بطول 250 كم فقط، على مدى عشرين سنة! هم كسبوا الحرب، ونحن خسرنا غزة كاملة، وفقدنا نحو 200 ألف إنسان بين قتيل وجريح ومفقود وأسير! يبدو أن العقل العربي لم يستوعب بالقدر الكافي أن القوة الناعمة بكل عناصرها (العلم، التكنولوجيا، الإعلام.. إلخ) أهم بكثير من القوة العسكرية، وهي وحدها القادرة على تحقيق الانتصارات وبناء الدول المحترمة. ولو تخلصنا من قدسية الشعارات ونجونا من وهم الأهداف المخادعة والتضليل الإعلامي سندرك أنَّ بناء المؤسسات والتخطيط والاهتمام بالمواطن واحترام إنسانيته وحقوقه أهم من خوض الحروب.. وأنّ فعالية النضال الجماهيري والسياسي والإعلامي والدبلوماسي والحقوقي أكبر وأهم وأخطر من القوة العسكرية.. بل إن القوة العسكرية هي التي يتوجب تجنبها (أو ممارستها بحذر)، ببساطة لأن إسرائيل هي المتفوقة كليا في هذا المضمار، وهي ساحتها المفضلة التي تنتصر فيها دوما، خلافا لساحات النضال الأخرى التي يتم فيها تجريد إسرائيل من ترسانتها العسكرية وتحييد أسلحتها الفتاكة. هكذا تقتضي الحكمة، وهذه هي المسؤولية الوطنية الحريصة على الشعب وعلى حياته ومقدراته ومستقبله وقضيته أكثر من حرصها على بقائها وحكمها، أو إيلام العدو بضربة عسكرية موجعة، ثم لا تجد طريقة لمواصلتها، بل ترتد نتائجها السياسية سلبيا. أنظر لنماذج الدول الناجحة والمتطورة والقوية فعلا حول العالم: اليابان، ألمانيا، الصين، كوريا الجنوبية.. سأكتفي بهذه الأمثلة لأن ما يجمعها أنها تعرضت لهزائم عسكرية ساحقة، وأُجبرت على توقيع معاهدات مذلة، وتدمرت بنيتها التحتية مع حلول النصف الثاني من القرن الماضي.. ما فعلته بعدها أنها تجاوزت ذهنية الهزيمة، وتخلت عن الإنفاق العسكري، ولم تخض حربا طوال السبعين سنة الماضية، وفهمت معنى القوة الحقيقية، وركزت عليها بتصميم وثبات، حتى صارت أقوى وأهم دول العالم. بماذا نختلف نحن العرب عن بقية العالم المتطور؟ الإجابة في مقطع من معلقة عمرو بن كلثوم الشهيرة، وملخصها «ونجهل فوق جهل الجاهلينا».


وكالة الصحافة الفلسطينية
منذ 2 أيام
- وكالة الصحافة الفلسطينية
محافظة القدس: مشروع "النادي الرياضي" الاستيطاني في سلوان انتهاك للقانون الدولي
القدس المحتلة - صفا أعلنت بلدية الاحتلال عن قرب افتتاح "نادٍ رياضي" استيطاني في حي رأس العامود ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك. وأكدت محافظة القدس أنه هذا المشروع يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016، الذي يؤكد عدم شرعية الاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ويطالب بوقفه الفوري والكامل. وقالت المحافظة في بيان، الأحد، إن ما يسمى بــ "النادي الرياضي" هو في حقيقته جزء لا يتجزأ من مخطط استيطاني تهويدي واسع، يستهدف تهجير المواطنين المقدسيين من أراضيهم وأحيائهم، ضمن مشروع "القدس الكبرى" الرامي إلى تغيير الطابع الديمغرافي والجغرافي للمدينة المحتلة. وأضافت: يأتي بناء هذا النادي داخل مستوطنة "معاليه هزيتيم"، التي أُقيمت بالقوة على أراضي المواطنين في رأس العامود، كتجسيد عملي لسياسة فرض الوقائع على الأرض واستكمال حلقات الطوق الاستيطاني حول البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك. وأكدت المحافظة، أن الذرائع التي يسوقها الاحتلال بشأن "توفير بيئة ترفيهية لجميع سكان القدس" هي ادعاءات مضللة ومرفوضة، حيث أثبتت التجارب السابقة والحالية أن مثل هذه المنشآت، التي تُقام على أراضٍ فلسطينية محتلة، تكون حكرًا على المستوطنين اليهود ولا يُسمح للفلسطينيين المقدسيين بدخولها أو الاستفادة منها، مما يعمق سياسات الفصل العنصري والتمييز العرقي الممنهج بحق سكان المدينة الأصليين. وذكّرت محافظة القدس، باستهداف الاحتلال بلدة سلوان، بوصفها الخاصرة الجنوبية للمسجد الأقصى المبارك، والتي تتعرض منذ سنوات لهجمة استيطانية غير مسبوقة، وأكدت أن هذا المشروع الجديد ليس إلا حلقة في مسلسل تهويد المدينة ومحو هويتها الفلسطينية والعربية والإسلامية، وهو ما يرفضه شعبنا بكل مكوناته، ولن يقبل به تحت أي ظرف. وحذرت المحافظة من أن الصمت الدولي إزاء هذه الانتهاكات المتواصلة يشجّع الاحتلال على التمادي في سياساته، ودعت المجتمع الدولي، وهيئات الأمم المتحدة، والمؤسسات الحقوقية إلى تحمّل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية، والعمل العاجل على وقف هذا المشروع غير الشرعي، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه بحق مدينة القدس وسكانها.