
ماذا ستقدم أجهزة الكمبيوتر 'الكمومية' الخارقة للبشرية؟
يمكن أن تحدث 'الحوسبة الكمومية' ثورة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتشفير والأمان الرقمي والمدن الذكية والسيارات ذاتية القيادة وإدارة الطاقة والموارد.
ولا يزال هناك العديد من التحديات التقنية، التي يجب التغلب عليها مثل تحسين استقرار 'الكيوبتات' وتقليل الأخطاء 'الكمومية'.
و'الحوسبة الكمومية' هي مجال من مجالات علوم الحوسبة، الذي يعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم 'Quantum Mechanics' في معالجة المعلومات.
وبينما في الحوسبة التقليدية تعتمد الحواسيب على البتات (bits) التي تأخذ قيمتين فقط، إما 0 وإما 1، تعتمد في الحوسبة 'الكمومية' على 'الكيوبت/qubit'، وهي تمثل حالة الكم، ويمكن أن تكون في حالة 0 أو 1 أو مزيجًا من الحالتين في الوقت نفسه بفضل ظاهرة تُسمى التراكب الكمومي 'Quantum Superposition'.
وتجعل هذه الظاهرة 'الحوسبة الكمومية' قادرة على معالجة الكثير من المعلومات بشكل أسرع وأكثر كفاءة مقارنة بالحوسبة التقليدية.
وتحمل 'الحوسبة الكمومية' إمكانيات هائلة يمكن أن تحدث تحولًا جذريًا في العديد من المجالات، وستغير العديد من جوانب الحياة البشرية والتكنولوجيا، وتاليًا بعض الطرق التي قد تؤثر بها الحوسبة الكمومية في العالم:
تحسين الذكاء الاصطناعي
قد تسمح 'الحوسبة الكمومية' بتحسين خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بفضل قدرة الكمبيوتر الكمومي على معالجة كميات ضخمة من البيانات بشكل متوازٍ، بحيث يمكن تحسين سرعة وفعالية التدريب على النماذج الذكية.
وقد تُمكّن 'الحوسبة الكمومية' من حل مشكلات معقدة جدًا يصعب على الحواسيب التقليدية حلها في مجالات مثل تصنيف البيانات، والتنبؤ، وتحليل الأنماط.
ثورة في الأمان الرقمي والتشفير
وستغير 'الحوسبة الكمومية' شكل الأمن السيبراني، ومن الممكن أن تكسر الحواسيب الكمومية الشيفرات التقليدية التي تعتمد عليها الأنظمة الحالية لتأمين البيانات.
وفي الوقت نفسه، ستسهم 'الحوسبة الكمومية' في تطوير أنظمة تشفير جديدة مقاومة للهجمات، التي تعتمد على خصائص ميكانيكا الكم لتوفير مستوى أمان أعلى.
محاكاة الأنظمة المعقدة
وستكون 'الحوسبة الكمومية' قادرة على محاكاة أنظمة معقدة جدًا، مثل تفاعلات المواد أو الأدوية بطريقة لا يمكن للكمبيوتر التقليدي محاكاتها.
ويمكن أن يحدث ثورة ذلك في علم الأدوية، حيث يمكن اختبار الأدوية الجديدة بشكل أسرع وأكثر دقة، وهو ما سيسهم أيضًا في تصميم مواد جديدة مثل البطاريات الأكثر كفاءة أو المواد الخاصة بالصناعات عالية التقنية.
حل المشكلات المعقدة
ويمكن أن تُستخدم 'الحوسبة الكمومية' في حل مسائل رياضية ومعقدة في مجالات مثل التخطيط والبحث عن أفضل الحلول في مجالات مثل المالية واللوجستية.
وعلى سبيل المثال، يمكن لـ'الحوسبة الكمومية' تحسين استراتيجيات الاستثمار بطرق كانت غير ممكنة في الماضي.
دفع حدود العلوم الأساسية
وقد تساعد 'الحوسبة الكمومية' في تقديم إجابات للأسئلة الأساسية في الفيزياء والرياضيات، وتوفر فهمًا أفضل لآليات الكون على مستوى الجسيمات الصغيرة.
تسريع عملية الابتكار
ويمكن للقدرة على معالجة المشكلات المعقدة بشكل أسرع أن تسرع من وتيرة الابتكار في العديد من الصناعات في فترة زمنية قصيرة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جهينة نيوز
منذ 3 أيام
- جهينة نيوز
الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض
تاريخ النشر : 2025-05-17 - 11:30 pm حسام الحوراني في سباق الزمن بين المرض والعلاج، لطالما كان الإنسان يسعى لاكتشاف دواء يسبق الألم، ويعالج دون تأخير. لكن الأبحاث الدوائية – رغم كل تطورها – ما زالت تواجه تحديًا هائلًا: التعقيد الخارق للتفاعلات الكيميائية داخل الجسم البشري. عشرات السنوات ومليارات الدولارات تُنفق لاكتشاف عقار جديد، ومع ذلك قد ينتهي المطاف به في رفوف المختبرات دون فاعلية كافية. لكن اليوم، تقف البشرية على أعتاب ثورة علمية قد تُعيد صياغة قواعد اللعبة بالكامل. هذه الثورة اسمها: الحوسبة الكمومية (Quantum Computing)، وهي تكنولوجيا لا تَعِد فقط بتسريع الحسابات، بل بتغيير جوهري في فهمنا للتركيب الجزيئي والتفاعلات الكيميائية – الأمر الذي سيجعل اكتشاف الأدوية أسرع، أدق، وأرخص. فما الذي يجعل الحوسبة الكمومية مختلفة إلى هذا الحد؟ ولماذا يتوقع العلماء أن تُحدث انقلابًا في عالم الطب كما فعلت الكهرباء في القرن الماضي؟ لفهم ذلك، علينا أن نعرف أن الذرات والجزيئات لا تتبع قواعد الفيزياء الكلاسيكية، بل قوانين ميكانيكا الكم، حيث يمكن لجسيم واحد أن يوجد في أكثر من حالة في آن واحد، وأن يكون "متشابكًا" مع جسيم آخر على مسافة آلاف او ملايين الكيلومترات. تقليديًا، تحتاج محاكاة الجزيئات الدوائية وتحليل تفاعلاتها في الجسم إلى حسابات معقدة لا يمكن حتى لأقوى الحواسيب الفائقة إنجازها في وقت مقبول. وهنا بالضبط تأتي قوة الحوسبة الكمومية. فبدلاً من تمثيل البيانات باستخدام "بتات" ثنائية (0 و1) كما في الحوسبة التقليدية، تستخدم الحوسبة الكمومية "كيوبتات" (Qubits) قادرة على تمثيل حالات متعددة في نفس اللحظة. هذا يعني أن حاسوبًا كموميًا يمكنه فحص مليارات التركيبات الكيميائية المحتملة في وقت متزامن، بدلاً من إجراء محاكاة واحدة تلو الأخرى. وقد بدأت شركات رائدة كبرى في العالم في استثمار مليارات الدولارات لتطوير خوارزميات كمومية مخصصة لمحاكاة الجزيئات الحيوية، والتنبؤ بتفاعلها مع بروتينات الجسم. شركة Qubit Pharmaceuticals الفرنسية أعلنت مؤخرًا عن اختراق في محاكاة دواء مضاد للسرطان باستخدام 200 كيوبت فقط، بينما تشير التوقعات إلى أنه مع الوصول إلى 1000 كيوبت موثوق، سيكون بالإمكان اكتشاف أدوية لأمراض مثل الزهايمر والتصلب المتعدد خلال أسابيع بدلاً من سنوات. وهنا يتجاوز التأثير حدود السرعة، ليشمل الدقة وتقليل الأخطاء. فالحوسبة الكمومية قادرة على الكشف عن التفاعلات الجانبية المحتملة في مرحلة المحاكاة، مما يُقلل من حالات فشل الأدوية في المراحل الإكلينيكية، ويوفر مليارات الدولارات التي تُهدر سنويًا في التجارب البشرية غير المجدية. ولأن الدواء ليس فقط علمًا بل تجارة، فإن الحوسبة الكمومية تُتيح لشركات الأدوية تصميم علاجات مخصصة للفرد (Personalized Medicine)، بناءً على الجينات والبنية البيولوجية لكل مريض. تخيل أن حاسوبًا كموميًا يُحلل حمضك النووي، ويُحدد أي دواء سيكون أكثر فعالية لجسمك، بل ويُقترح تركيبة فريدة مخصصة لك وحدك. هذه ليست خيالًا علميًا، بل أبحاث نشطة في مختبرات عالمية، تقترب يومًا بعد يوم من التطبيق السريري. وتكمن المفارقة أن أكثر من سيستفيد من هذه الثورة هي الدول النامية التي تعاني من نقص في الموارد الطبية. فمع تسريع عملية اكتشاف الأدوية، وتخفيض تكلفتها، يمكن توفير علاجات فعّالة بأسعار معقولة للشرائح الأوسع من السكان، بما في ذلك أمراض نادرة أو مهملة لا تُخصص لها ميزانيات أبحاث كافية اليوم. ومع ذلك، لا يخلو الطريق من تحديات. فالحواسيب الكمومية لا تزال في مراحلها الأولى، وتواجه تحديات تتعلق بالاستقرار، وتصحيح الأخطاء، وتوسيع البنية التحتية. لكن التسارع الهائل في هذا المجال يوحي أن هذه العقبات مؤقتة، وأننا في غضون اشهر او ربما سنوات قليلة سنرى تطبيقات حقيقية للحوسبة الكمومية في المستشفيات، وشركات الأدوية، ومراكز البحث. في الوطن العربي، يُمثل هذا التوجه فرصة استراتيجية لا يجب تجاهلها. فبناء شراكات مع مؤسسات بحثية عالمية، والاستثمار في تعليم الكفاءات المحلية، يمكن أن يضع دولًا عربية في موقع ريادي في مجال الحوسبة الحيوية والطب الكمومي. تخيّل أن تكون أول دولة عربية تطور دواءً كموميًا مضادًا للسرطان أو السكري، وتصدره للعالم! اخيرا، الحوسبة الكمومية لا تَعِد فقط بتسريع اكتشاف الأدوية، بل بتغيير فلسفة العلاج من "تجربة وخطأ" إلى "علم وتحديد". نحن ندخل عصرًا يُصبح فيه الزمن هو العامل الحاسم، والكمّ هو السلاح الجديد. فهل سنكون من صُنّاع هذا المستقبل، أم من مستخدميه فقط؟ تابعو جهينة نيوز على


الانباط اليومية
منذ 4 أيام
- الانباط اليومية
الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض
الأنباط - في سباق الزمن بين المرض والعلاج، لطالما كان الإنسان يسعى لاكتشاف دواء يسبق الألم، ويعالج دون تأخير. لكن الأبحاث الدوائية – رغم كل تطورها – ما زالت تواجه تحديًا هائلًا: التعقيد الخارق للتفاعلات الكيميائية داخل الجسم البشري. عشرات السنوات ومليارات الدولارات تُنفق لاكتشاف عقار جديد، ومع ذلك قد ينتهي المطاف به في رفوف المختبرات دون فاعلية كافية. لكن اليوم، تقف البشرية على أعتاب ثورة علمية قد تُعيد صياغة قواعد اللعبة بالكامل. هذه الثورة اسمها: الحوسبة الكمومية (Quantum Computing)، وهي تكنولوجيا لا تَعِد فقط بتسريع الحسابات، بل بتغيير جوهري في فهمنا للتركيب الجزيئي والتفاعلات الكيميائية – الأمر الذي سيجعل اكتشاف الأدوية أسرع، أدق، وأرخص. فما الذي يجعل الحوسبة الكمومية مختلفة إلى هذا الحد؟ ولماذا يتوقع العلماء أن تُحدث انقلابًا في عالم الطب كما فعلت الكهرباء في القرن الماضي؟ لفهم ذلك، علينا أن نعرف أن الذرات والجزيئات لا تتبع قواعد الفيزياء الكلاسيكية، بل قوانين ميكانيكا الكم، حيث يمكن لجسيم واحد أن يوجد في أكثر من حالة في آن واحد، وأن يكون "متشابكًا" مع جسيم آخر على مسافة آلاف او ملايين الكيلومترات. تقليديًا، تحتاج محاكاة الجزيئات الدوائية وتحليل تفاعلاتها في الجسم إلى حسابات معقدة لا يمكن حتى لأقوى الحواسيب الفائقة إنجازها في وقت مقبول. وهنا بالضبط تأتي قوة الحوسبة الكمومية. فبدلاً من تمثيل البيانات باستخدام "بتات" ثنائية (0 و1) كما في الحوسبة التقليدية، تستخدم الحوسبة الكمومية "كيوبتات" (Qubits) قادرة على تمثيل حالات متعددة في نفس اللحظة. هذا يعني أن حاسوبًا كموميًا يمكنه فحص مليارات التركيبات الكيميائية المحتملة في وقت متزامن، بدلاً من إجراء محاكاة واحدة تلو الأخرى. وقد بدأت شركات رائدة كبرى في العالم في استثمار مليارات الدولارات لتطوير خوارزميات كمومية مخصصة لمحاكاة الجزيئات الحيوية، والتنبؤ بتفاعلها مع بروتينات الجسم. شركة Qubit Pharmaceuticals الفرنسية أعلنت مؤخرًا عن اختراق في محاكاة دواء مضاد للسرطان باستخدام 200 كيوبت فقط، بينما تشير التوقعات إلى أنه مع الوصول إلى 1000 كيوبت موثوق، سيكون بالإمكان اكتشاف أدوية لأمراض مثل الزهايمر والتصلب المتعدد خلال أسابيع بدلاً من سنوات. وهنا يتجاوز التأثير حدود السرعة، ليشمل الدقة وتقليل الأخطاء. فالحوسبة الكمومية قادرة على الكشف عن التفاعلات الجانبية المحتملة في مرحلة المحاكاة، مما يُقلل من حالات فشل الأدوية في المراحل الإكلينيكية، ويوفر مليارات الدولارات التي تُهدر سنويًا في التجارب البشرية غير المجدية. ولأن الدواء ليس فقط علمًا بل تجارة، فإن الحوسبة الكمومية تُتيح لشركات الأدوية تصميم علاجات مخصصة للفرد (Personalized Medicine)، بناءً على الجينات والبنية البيولوجية لكل مريض. تخيل أن حاسوبًا كموميًا يُحلل حمضك النووي، ويُحدد أي دواء سيكون أكثر فعالية لجسمك، بل ويُقترح تركيبة فريدة مخصصة لك وحدك. هذه ليست خيالًا علميًا، بل أبحاث نشطة في مختبرات عالمية، تقترب يومًا بعد يوم من التطبيق السريري. وتكمن المفارقة أن أكثر من سيستفيد من هذه الثورة هي الدول النامية التي تعاني من نقص في الموارد الطبية. فمع تسريع عملية اكتشاف الأدوية، وتخفيض تكلفتها، يمكن توفير علاجات فعّالة بأسعار معقولة للشرائح الأوسع من السكان، بما في ذلك أمراض نادرة أو مهملة لا تُخصص لها ميزانيات أبحاث كافية اليوم. ومع ذلك، لا يخلو الطريق من تحديات. فالحواسيب الكمومية لا تزال في مراحلها الأولى، وتواجه تحديات تتعلق بالاستقرار، وتصحيح الأخطاء، وتوسيع البنية التحتية. لكن التسارع الهائل في هذا المجال يوحي أن هذه العقبات مؤقتة، وأننا في غضون اشهر او ربما سنوات قليلة سنرى تطبيقات حقيقية للحوسبة الكمومية في المستشفيات، وشركات الأدوية، ومراكز البحث. في الوطن العربي، يُمثل هذا التوجه فرصة استراتيجية لا يجب تجاهلها. فبناء شراكات مع مؤسسات بحثية عالمية، والاستثمار في تعليم الكفاءات المحلية، يمكن أن يضع دولًا عربية في موقع ريادي في مجال الحوسبة الحيوية والطب الكمومي. تخيّل أن تكون أول دولة عربية تطور دواءً كموميًا مضادًا للسرطان أو السكري، وتصدره للعالم! اخيرا، الحوسبة الكمومية لا تَعِد فقط بتسريع اكتشاف الأدوية، بل بتغيير فلسفة العلاج من "تجربة وخطأ" إلى "علم وتحديد". نحن ندخل عصرًا يُصبح فيه الزمن هو العامل الحاسم، والكمّ هو السلاح الجديد. فهل سنكون من صُنّاع هذا المستقبل، أم من مستخدميه فقط؟


أخبارنا
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- أخبارنا
حسام الحوراني : تطوير شبكات الكم والإنترنت الكمومي: عصر الاتصالات الآمنة بدأ الآن
أخبارنا : تخيل عالمًا تكون فيه البيانات محمية ضد أي محاولة اختراق، حيث تصبح كلمات المرور والتشفيرات التقليدية شيئًا من الماضي، وتتحول شبكة الإنترنت إلى منظومة فائقة الذكاء لا يمكن التنصت عليها أو التلاعب بها. هذا ليس سيناريو خيال علمي، بل وعدٌ تقني يوشك أن يتحقق مع بزوغ فجر شبكات الكم (Quantum Networks) وبداية حقبة جديدة تُعرف بـالإنترنت الكمومي (Quantum Internet). في السنوات الأخيرة، بدأ العلماء والمهندسون حول العالم العمل على تطوير شبكات كمومية تُحدث ثورة في مفهوم الاتصالات. فعلى عكس الشبكات التقليدية التي تعتمد على الإشارات الإلكترونية أو الضوئية لنقل المعلومات، تستند الشبكات الكمومية إلى قوانين ميكانيكا الكم، وخاصة ظاهرة التشابك الكمومي (Quantum Entanglement)، وهي خاصية غريبة تسمح لجسيمين بالتواصل بشكل فوري مهما كانت المسافة بينهما. النتيجة؟ إمكانية نقل المعلومات بطريقة لا يمكن التنصت عليها دون أن يُكتشف ذلك فورًا. وهذا ما يجعل الإنترنت الكمومي حجر الزاوية في مستقبل الأمن السيبراني العالمي. تخيل أنك ترسل رسالة إلكترونية، لكن بدلاً من تشفيرها بكلمة مرور، يتم تشفيرها باستخدام فوتونات كمومية متشابكة، بحيث إذا حاول أي طرف ثالث التسلل أو اعتراض الإشارة، فإن النظام سيعرف على الفور أن هناك من يحاول التجسس، وسيتم تعطيل الاتصال تلقائيًا. هذه التقنية تُعرف باسم توزيع المفاتيح الكمومية (Quantum Key Distribution - QKD)، وهي بالفعل قيد الاستخدام التجريبي في عدة دول مثل الصين، الولايات المتحدة. لقد أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين عن خطط لبناء شبكات كمومية وطنية بالكامل بحلول نهاية هذا العقد، تتضمن عقد الألياف الضوئية الكمومية بين المدن الرئيسية، وإنشاء بنية تحتية تستعد لما يُعرف بـ «الإنترنت ما بعد الكلاسيكي». لكن ما الذي يجعل الإنترنت الكمومي مهمًا إلى هذا الحد؟ الجواب ببساطة يكمن في اللامحدودية التي يقدمها في مجالي الأمان والسرعة. فالاتصالات الكمومية قادرة على تجاوز العقبات الحالية في نقل البيانات، من خلال تقنيات تُعرف باسم «التخزين الكمومي» و»المكررات الكمومية» التي تُعيد بناء الإشارات دون فقدان المعلومات، مما يفتح الباب لنقل بيانات لمسافات شاسعة دون الحاجة لمراكز وسيطة. الأثر الاقتصادي المتوقع لهذه التكنولوجيا مذهل. تُقدّر بعض الدراسات أن حجم سوق الإنترنت الكمومي قد يتجاوز 100 مليار دولار بحلول عام 2035، مع تطبيقات تشمل البنوك، الدفاع، الطاقة، وحتى الصحة. الشركات الكبرى مثل IBM وGoogle وAmazon وAlibaba تضخ مليارات الدولارات في هذا المجال، مستشرفةً عصرًا جديدًا من الاتصالات فائقة الأمان والتخصيص. ومع ذلك، فإن بناء شبكة كمومية حقيقية ليس بالأمر السهل. فالتحديات التقنية هائلة، من الحفاظ على استقرار الكيوبتات أثناء النقل، إلى تقليل الفقد الكمومي في الألياف الضوئية، وحتى تصميم بروتوكولات كمومية جديدة. ولهذا، يعمل باحثون في جامعات ومعاهد متقدمة مثل MIT وETH Zurich على تطوير ما يُعرف بـ»بروتوكولات الإنترنت الكمومي» التي ستُشكّل لغة التواصل بين الحواسيب الكمومية المستقبلية. وفي العالم العربي، قد تكون هذه التقنية فرصة استراتيجية هائلة للدول التي تسعى إلى تنويع اقتصاداتها وتعزيز أمنها السيبراني. إذ يمكن لدول مثل الإمارات والسعودية والأردن، التي استثمرت بالفعل في تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة، أن تضع أقدامها مبكرًا في سباق الإنترنت الكمومي، سواء عبر شراكات مع مراكز أبحاث عالمية أو تطوير بنية تحتية تعليمية تُخرج جيلًا من «مهندسي الكم». ولا يمكن تجاهل العلاقة العميقة بين الذكاء الاصطناعي وحوسبة الكم، حيث يُتوقع أن يعمل الإنترنت الكمومي كجسر بين أنظمة ذكاء اصطناعي فائقة تعمل على حواسيب كمومية، مما يعني شبكات قادرة على تحليل البيانات، التنبؤ، واتخاذ القرار لحظيًا – في تطبيقات تمتد من الأمن إلى الطب إلى التجارة الذكية. في هذا السياق، فإن الإنترنت الكمومي لا يمثل مجرد ترقية لشبكات الاتصال، بل نقلة نوعية في طريقة تفاعل البشر والأنظمة مع العالم الرقمي. إنه تأسيس لعالم حيث الثقة والأمان والسرعة ليست ميزات إضافية، بل هي الأساس. في النهاية، يمكن القول إننا نعيش اليوم لحظة مشابهة للحظة اختراع الإنترنت في التسعينيات. لكن هذه المرة، نحن على أعتاب شبكة لا تُشاهد فيها البيانات فقط، بل تُحسّ، وتستجيب، وتحمي نفسها. والذين يستثمرون اليوم في الإنترنت الكمومي، هم من سيقودون المستقبل التكنولوجي والسياسي والاقتصادي لعقود قادمة. فهل نحن مستعدون؟ وهل سيكون للعالم العربي دور فاعل في هذه الثورة الصامتة؟ الإنترنت الكمومي قادم... والخطوة التالية ملكٌ لمن يجرؤ على أن يبدأ الآن.