
يهدد وكلاء السفر البشريين باستثناء الزبائن الأثرياء
تتجه برامج المساعدة القائمة على الذكاء الاصطناعي إلى إحداث تحول جذري في قطاع السفر ، إذ بات بإمكانها تنفيذ العديد من المهام التي كانت تُسند سابقاً إلى وكلاء السفر البشريين، فضلاً عن قدرتها على مرافقة المسافر أثناء تنقله وتقديم اقتراحات آنية.
فعلى سبيل المثال، إذا رغب أحد الزبائن في زيارة المكسيك دون أن تكون لديه فكرة واضحة عن الوجهة أو مدة الرحلة أو جدولها، فإن برنامج "مايندتريب" القائم على الذكاء الاصطناعي التوليدي، يستطيع خلال ثوانٍ إعداد مخطط مخصص يشمل اقتراحات لفنادق ومطاعم وجولات وأنشطة، استناداً إلى طلب بسيط مكتوب.
وبمجرد تحديد الخيارات، يمكن للمستخدم حجز جميع مراحل الرحلة مباشرة عبر التطبيق أو من خلال مواقع شركاء، وفق وكالة "فرانس برس".
يقول رئيس شركة "مايندتريب" التي انطلقت قبل أكثر من عام آندي موس: "بدلاً من استخدام غوغل والبحث المتكرر والانطلاق من الصفر في كل مرة، يمكن تقديم كل ما يريده المستهلك من خلال الحديث مع وكيل سفر رقمي".
شركات ناشئة تقود التحول
وقد نجحت شركات ناشئة أخرى مثل "فاكاي" في ترسيخ حضورها في هذا المجال، في حين تتخصص شركات مثل "نافان" في خدمات السفر المخصصة للشركات.
وفي المقابل، بدأت شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي الكبرى في الترويج لبرامجها المساعدة في تخطيط الرحلات، من بينها "غوغل" مع برنامجها "جيميناي"، و"أوبن إيه آي" مع "أوبريتر"، و"أنثروبيك" مع "كلود".
أما اللاعبون التقليديون في مجال الحجز عبر الإنترنت، فقد بدأوا باتباع الاتجاه ذاته ولكن بوتيرة متفاوتة. فقد أطلقت شركة "إكسبيديا" مساعدها الذكي "رومي" في عام 2024، لكنه يقتصر حالياً على مراحل معينة من التخطيط، خصوصاً الرحلات الجماعية.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت "بوكينغ دوت كوم" ميزة "سمارت فيلتر" التي تقدم توصيات مخصصة، مثل فندق في أمستردام يطل على القناة المائية. وقال روب فرانسيس، المدير التقني في "بوكينغ دوت كوم"، في تصريح لوكالة فرانس برس: "ما زلنا في المراحل الأولى، لكننا نعتقد أن برامج المساعدة الذكية ستقدم قيمة للمسافرين وشركائنا".
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي التوليدي "يقدم إجابات مناسبة بلغة يومية مألوفة"، مما "يعزز العلاقة بين المستخدم والمنصة".
من جانبه، صرّح هنري جيسكار ديستان، رئيس مجلس إدارة "كلوب ميد"، للوكالة نفسها، بأن المجموعة تعمل تدريجياً على إطلاق ميزة عبر "واتساب" تتيح للعملاء طرح أسئلة عملية. وقال: "عندما كانت الاستجابة بشرية، كان متوسط زمن الرد ساعة ونصف. أما الآن فالاستجابة فورية. إنها أداة إنتاجية بالنسبة لنا".
وبالإضافة إلى نسخته المخصصة للمستهلكين، توفر "مايندتريب" أيضاً نسخاً مخصصة لسلاسل الفنادق ومنظّمي الرحلات السياحية.
نجاح مرتقب خلال عامين
يقول أستاذ الاقتصاد السياحي في جامعة نيويورك جوكا لايتاماكي، إن هذه المواقع "تستفيد من رغبة الناس في خدمات شخصية"، مضيفاً أن دور الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على التخطيط والحجز فقط.
وأوضح: "إذا حصلت تغييرات مفاجئة في مواعيد السفر أو أُطلقت تحذيرات أمنية، فلن يحتاج المستخدم إلى الاتصال بأي جهة. يكفي إدخال البيانات في التطبيق، وسيتم إعادة تنظيم الرحلة فوراً".
ومع أن برامج الذكاء الاصطناعي المساعدة موجودة بالفعل، فإن تبنيها على نطاق واسع سيكون بطيئاً، وفقاً لإيفا ستيوارت من شركة "جي إس آي كيو" الاستشارية. وأشارت إلى أن قطاع السياحة يعتمد بدرجة كبيرة على لاعبين صغار مثل الفنادق ووكالات السفر الإقليمية، وهم غالباً لا يمتلكون البنية التحتية المطلوبة لدمج الذكاء الاصطناعي.
لكن الصورة تبدو مختلفة من جهة المستهلك، بحسب لايتاماكي، الذي قال: "المستخدمون يعرفون بالفعل كيفية استخدام أدوات مثل تشات جي بي تي"، متوقعاً أن تحقق هذه البرامج نجاحاً خلال العامين المقبلين.
ورغم ريادة الشركات الناشئة في هذا المجال، ترى إيفا ستيوارت أن المنصات الكبرى ذات البنية التحتية التقنية والموارد الضخمة، تملك أفضلية واضحة. ويشير لايتاماكي إلى أن هذه الشركات "تتمتع بميزة كبرى بفضل قواعد بياناتها الواسعة من العملاء".
وقال روب فرانسيس: "لا أشعر بأن المنافسة باتت أكثر صعوبة، لكننا لسنا بصدد إبطاء وتيرة الابتكار".
أما بالنسبة إلى "إير بي إن بي"، فيعتقد جوكا لايتاماكي أنها تملك فرصاً واعدة للاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي، فيما أكد رئيس التطوير في الشركة، ديف ستيفنسون، أن "إير بي إن بي" تفضل التمهل لتقييم القيمة الحقيقية لهذه الأدوات، قائلاً: "إضافة روبوت دردشة بسيط إلى الموقع ليس هو الحل الأمثل".
من جهة أخرى، يبدو أن وكلاء السفر البشريين، الذين ما زالوا يشكلون عنصراً مهماً في النظام السياحي العالمي، باتوا مهددين.
ويختم لايتاماكي بالقول: "لن يتأثر الزبائن الأثرياء كثيراً، إذ سيواصلون التعامل مع وكلاء بشريين، لكنّ التأثير الأكبر سيطال باقي الفئات".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الناس نيوز
منذ 19 ساعات
- الناس نيوز
سوريون يأملون ببدء تعافي الاقتصاد المنهك بعد رفع العقوبات الغربية…
دمشق وكالات – الناس نيوز :: في مؤسسة مالية يديرها في وسط دمشق، يأمل أنس الشماع أن يسهّل رفع العقوبات الغربية عمليات تحويل الأموال من وإلى سوريا، بعدما عزلت سنوات الحرب الطويلة اقتصاد البلاد ونظامها المصرفي عن العالم. ويقول الشماع (45 عاما) لوكالة فرانس برس 'نأمل أن يبدأ الاقتصاد السوري تعافيه بشكل تدريجي وسريع، وأن يُعاد ربط المصرف المركزي مع المصارف العالمية وتُسهل الحركة التجارية'. ويتمنى أن 'يتمكن التجار من تحويل الأموال بشكل مباشر الى الخارج من دون مشاكل، والمغتربون من إرسال الحوالات الى عائلاتهم'، الأمر الذي كان مستحيلا خلال السنوات الماضية بسبب القيود، ما زاد من معاناة المواطنين الذين كانوا يعيشون في ظل نزاع دام ويحتاجون الى مساعدات أقاربهم في الخارج. ومع إعلان واشنطن ثم الاتحاد الأروبي رفع عقوبات مفروضة منذ سنوات، يأمل سوريون أن تدور عجلة التعافي، في مسار يقول خبراء اقتصاديون إنه يحتاج الى وقت طويل ولا يكفي رفع العقوبات وحده لدفعه قدما في ظل غياب بيئة استثمار مشجعة تجذب المستثمرين ورؤوس الأموال. ويطال رفع العقوبات الأوروبية الأخير تحديدا النظام المصرفي الذي كان مستبعدا من الأسواق الدولية، بعدما تم تجميد أصول المصرف المركزي وحظر التعامل معه. واستنزف النزاع المدمر الذي اندلع قبل 14 عاما، اقتصاد البلاد ومقدراتها، وباتت عملية تحويل الأموال بطريقة رسمية الى الخارج مهمة مستحيلة على وقع عقوبات غربية تطال كل من يتعامل مع مؤسسات وكيانات مالية سورية. وفرض جزء كبير من هذه العقوبات، ردّا على قمع السلطات السورية بقيادة بشار الأسد الحركة الاحتجاجية التي بدأت سلمية في العام 2011 ضد الحكم، قبل أن تتحوّل الى نزاع مسلّح دام. ويروي الشماع الذي يدير شركة صرافة وتحويل أموال منذ العام 2008، كيف جعلت سنوات الحرب والعقوبات الغربية الاقتصاد أشبه بـ'جثة هامدة'. ويوضح 'ساء الوضع على مستوى المعاملات المصرفية وانفصلنا عن العالم كليا وأصبحنا في انعزال تام'، ما أسفر عن توقّف استقبال الحوالات من الخارج وعجز التجار عن دفع مستحقات سلع ومنتجات مستوردة. ومنذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا، تحسّنت قيمة العملة المحلية في السوق السوداء، ليسجّل سعر الصرف 8500 ليرة مقابل الدولار بعدما لامس عتبة 13 ألفا، في تحسّن يعتبره خبراء اقتصاديون 'موقتا' وناجما عن الأثر النفسي لرفع العقوبات. – مستثمرون أوروبيون – ويأمل خريج كلية الاقتصاد محمّد الحلبي (25 عاما) أن يضع رفع العقوبات حدا لتحويل الأموال عبر السوق السوداء، للحؤول دون اجتزاء نحو ثلاثين في المئة من قيمة المبلغ المحوّل. ويقول لفرانس برس 'مع رفع العقوبات الآن.. ستحتاج عملية التحويل الى نقرة زر' على ما هو الحال عليه في أنحاء العالم. وعرقلت الحرب والعقوبات كذلك تأهيل مرافق وبنى تحتية خدمية، وجعلت التعاملات مع القطاع المصرفي السوري مستحيلة. وأبقى الاتحاد الأوروبي على إجراءات تستهدف شخصيات كانت ذات نفوذ في عهد الأسد، وتحظر بيع أسلحة أو معدات يمكن استخدامها لقمع المدنيين. وتعوّل السلطات السورية الجديدة على دعم الدول الصديقة والغربية لإطلاق مرحلة إعادة الاعمار في البلاد التي قدرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار. وأثنت دمشق بعيد رفع العقوبات الأوروبية على الخطوة 'التاريخية'. ورحّب الرئيس الانتقالي أحمد الشرع 'بالشركات الأوروبية الراغبة بالاستثمار في سوريا'، معتبرا أن بلاده تشكل اليوم 'فرصة استثمارية واعدة وممرا اقتصاديا مهما بين الشرق والغرب'. ورغم التفاؤل برفع العقوبات، إلا أن آثارها المباشرة قد تكون محدودة في الوقت الراهن، بحسب محللين. ويقول الباحث الاقتصادي بنجامين فاف لوكالة فرانس برس 'مع رفع العقوبات عن سوريا بشكل عام، نتوقع وتيرة متزايدة في إعادة إعمار البنية التحتية، كالطرق والمستشفيات والمدارس'، مرجحا أن 'تُسرّع دول مثل السعودية وقطر وتركيا التي تربطها علاقات بالحكومة الجديدة، وتيرة التجارة والاستثمار، خصوصا في مجال إعادة الإعمار'. لكن قطاعات أخرى أبرزها الطاقة والقطاع المصرفي تتطلّب 'استثمارات كبرى ووقتا أطول بكثير لتتحقق فعليا' في 'عملية قد تستغرق بضعة أشهر أخرى'، وفق فاف الذي يعمل في مؤسسة كرم شعار للاستشارات. – 'نتفلكس وتيك توك' – وتتطلب إعادة ربط النظام المصرفي السوري بالقطاع المصرفي العالمي اتخاذ تدابير على مستويات عدة. ويشرح فاف 'قبل أن تُجدد البنوك الأوروبية، على سبيل المثال، علاقاتها أو علاقات المراسلة المصرفية مع البنوك السورية، سيتعين عليها تقييم معايير الامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في سوريا، وهو أمر سيستغرق وقتا' نظرا لتأخر سوريا الكبير في هذا المجال. ولا يكفي رفع العقوبات وحده لدفع عجلة الاقتصاد، إذ يتعين على السلطات تهيئة بنية حاضنة للاستثمار وشفافية في توقيع عقود استثمارية ضخمة. ولم تصدر السلطات الجديدة أي قوانين استثمار جديدة، ولم تعلن أي اصلاحات اقتصادية، بعد عقود نخر فيها الفساد المؤسسات، وساهم في تدهور بيئة الأعمال. ويروي رجل أعمال سوري يعمل بين دبي ودمشق، لفرانس برس من دون الكشف عن اسمه، إنه منذ إطاحة الاسد يرغب بتوسيع استثماراته في سوريا. ويقول إنه طرق منذ وصوله أبوابا عدة، من دون أن يوفق في معرفة الإجراءات التي يتعين اتباعها والقوانين والانظمة التي يجب الاحتكام اليها. داخل متجره لبيع الإلكترونيات في دمشق، لا يتوقع زهير فوال (36 سنة) أن ينعكس رفع العقوبات مباشرة على حياته اليومية. ويقول إن جلّ ما يتمناه حاليا هو أن تعمل 'تطبيقات على غرار نتفليكس وتيك توك' المحظورة عن سوريا.

سعورس
منذ 4 أيام
- سعورس
كندا تعلق بعض الرسوم الجمركية المضادة على الولايات المتحدة
فرضت حكومة رئيس الوزراء الكندي مارك كارني رسوما جمركية مضادة على واردات بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة ردا على الرسوم الجمركية الأميركية على السلع الكندية. وانتخب كارني في 28 أبريل على خلفية تعهده مواجهة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. خلال الحملة الانتخابية، مُنحت شركات صناعة السيارات مهلة، شرط أن تحافظ على إنتاجها واستثماراتها في كندا. ورد ذلك في 7 مايو في الجريدة الرسمية للحكومة " كندا غازيت"، إلى جانب تعليق الرسوم الجمركية على المنتجات المستخدمة في معالجة وتغليف الأغذية والمشروبات، والصحة، والتصنيع، والأمن القومي، والسلامة العامة. وذكرت مؤسسة " أكسفورد إيكونوميكس" في تقرير هذا الأسبوع أن الإعفاءات شملت العديد من فئات المنتجات لدرجة أن نسبة الرسوم الجمركية على الولايات المتحدة انخفضت فعليا إلى "ما يقارب الصفر". واستند زعيم المعارضة بيار بوالييفر إلى هذا التقرير الذي تناقلته وسائل إعلام على نطاق واسع، لاتهام كارني ب"خفض الرسوم الجمركية الانتقامية بهدوء إلى +ما يقارب الصفر+ من دون إخبار أحد". ونفى شامبان صحة ذلك. وقال على منصة "إكس" "ردا على الرسوم الجمركية الأميركية، أطلقت كندا أكبر رد على الإطلاق - يشمل فرض رسوم جمركية بقيمة 60 مليار دولار على سلع للاستخدام النهائي. ولا يزال 70% من هذه الرسوم ساريا". وأكد مكتبه لوكالة فرانس برس أن رد كندا على الرسوم الجمركية "كان مُصمّما للرد على الولايات المتحدة مع الحد من الضرر الاقتصادي على كندا". وقالت أودري ميليت، المتحدثة باسم شامبان إن الإعفاء من الرسوم الجمركية مُنح لمدة ستة أشهر لإعطاء بعض الشركات الكندية "مزيدا من الوقت لتعديل سلاسل التوريد الخاصة بها وتقليل اعتمادها على الموردين الأميركيين". وأضافت أن كندا ما زالت تفرض رسوما جمركية على سلع أميركية بقيمة نحو 43 مليار دولار كندي (31 مليار دولار أميركي). والأحد، التقى كارني ونائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس في روما لمناقشة العلاقات التجارية بين بلديهما، بعد حضور القداس الافتتاحي للبابا لاوون الرابع عشر في الفاتيكان. وبحسب بيان صادر عن مكتب كارني، ناقش المسؤولان "الضغوط التجارية والحاجة إلى بناء علاقة اقتصادية جديدة". وفي تصريح مقتضب، قال فانس إن الاجتماع ركّز على المصالح والأهداف المشتركة للبلدين "بما في ذلك سياسات تجارية عادلة". توجِّه كندا البالغ عدد سكانها 41 مليون نسمة، ثلاثة أرباع صادراتها إلى الولايات المتحدة ، ويُظهر أحدث تقرير للوظائف أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب تُلحق الضرر بالاقتصاد الكندي. وفرض الرئيس الأميركي رسوما جمركية بنسبة 25% على سلع كندا الواردة إلى الولايات المتحدة ، بالإضافة إلى رسوم على قطاعات مُحددة مثل السيارات والصلب والألمنيوم، لكنه علّق بعضها في انتظار إجراء مفاوضات.

سعورس
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- سعورس
رفع العقوبات الأميركية يزيد من تعافي سورية
يعدّ إعلان الرئيس دونالد ترمب رفع العقوبات الأميركية المفروضة على دمشق خلال حكم بشار الأسد، خطوة مفصلية على طريق التعافي بعد نزاع مدمّر، لكن نهوض الاقتصاد السوري بعد سنوات من العزلة، لا تزال أمامه عقبات عديدة. وتعهّد ترمب الثلاثاء في خطاب له من الرياض ، رفع العقوبات من أجل «توفير فرصة» لسورية للنمو، وذلك بعد أقل من ستة أشهر على إسقاط تحالف فصائل معارضة حكم الرئيس بشار الأسد، وتولّي أحمد الشرع الرئاسة الانتقالية للبلاد. وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، عقد الرئيسان السوري والأميركي في العاصمة الرياض اجتماعاً هو الأول من نوعه منذ زهاء ربع قرن، وشارك فيه الرئيس التركي رجب إردوغان عبر الهاتف. ورأت دمشق في رفع العقوبات «نقطة تحوّل محورية». ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن وزير المالية محمد برنية قوله إن القرار «سيساعد سورية في بناء مؤسساتها، وتوفير الخدمات الأساسية للشعب وسيخلق فرصاً كبيرة لجذب الاستثمار وإعادة الثقة بمستقبل سورية». ويشرح رئيس تحرير النشرة الاقتصادية الإلكترونية «سيريا ريبورت» جهاد يازجي أن «العقوبات الأميركية كانت الأكثر تأثيراً» بين كلّ العقوبات الغربية التي فرضت خلال الحكم السابق. ويوضح لوكالة فرانس برس أن رفع القيود الأميركية يعدّ «إشارة سياسية مهمة جداً، تعني ببساطة أنه يمكن للجميع العمل مع سورية مجدداً... وهذا أمر بالغ الأهمية». وأشار إلى أن «الأثر المباشر الأكثر وضوحاً سيكون تسهيل تحويل الأموال، بالإضافة إلى المساعدات الإنمائية بشكل عام». وفرضت غالبية العقوبات عقب بداية النزاع عام 2011 إثر قمع السلطات بعنف الاحتجاجات المناهضة للأسد. وطالت في حينه بشار الأسد وعدداً من أفراد عائلته وشخصيات وزارية واقتصادية. وفي 2020، فرضت عقوبات جديدة بموجب قانون «قيصر» استهدفت العديد من القريبين من الأسد بينهم زوجته أسماء. كما فرضت بموجبه عقوبات مشددة على أي كيان أو شركة يتعامل مع السلطات السورية. وطال القانون كذلك قطاعات البناء والنفط والغاز، وحظر على واشنطن تقديم مساعدات لإعادة الإعمار. ويشير يازجي الى أنه بالنسبة للسوريين الذين يقبع نحو 90 % منهم تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة ، يبقى التأثير الأكبر على يومياتهم رهن رفع العقوبات عن القطاع المصرفي. وفصلت العقوبات، البنوك السورية عن النظام المصرفي العالمي «وبالتالي لم يكن من الممكن إجراء تحويلات مالية من وإلى سورية»، بحسب الخبير. ويرى أن رفع العقوبات عن القطاع المصرفي من شأنه «تسهيل عمليات التحويل من وإلى سورية، مما سيُحسّن النشاط التجاري، ويُعزّز الاستثمار، وسيوفر الكثير من فرص العمل ويخلق بيئة أعمال أكثر نشاطاً». ويتوقع أن تنعكس عودة التعاملات المالية مع الخارج، إيجاباً على الليرة السورية التي فقدت تدريجياً نحو 90 % من قيمتها خلال سنوات النزاع. وبعدما كان سعر صرف الدولار الواحد يناهز 50 ليرة سورية قبل 2011، يراوح حالياً بين 10 آلاف و12 ألف ليرة. ويشرح يازجي أنه «من المفترض أن يكون هناك تدفق أكبر للدولار إلى سورية، ما قد يساعد على دعم قيمة العملة المحلية على المدى المتوسط إلى الطويل»، لكنه يشير إلى «عوامل عديدة أخرى مؤثرة، مثل ما إذا كانت الحكومة ستقوم بطباعة المزيد من العملة وزيادة الإنفاق لرفع الرواتب». ولا تزال سورية تواجه الكثير من العقبات لناحية طول الإجراءات المتعلقة برفع العقوبات، أو أثرها المباشر على عملية إعادة الإعمار. ويشرح الخبير في الاقتصاد السياسي السوري كرم شعار أن «إجراءات رفع العقوبات طويلة ومعقّدة، حتى في حال وجود إرادة سياسية». ويضيف أن ذلك «قد يستغرق أشهراً، لأننا نتحدث هنا أيضاً عن تشريعات عقابية، فبعض العقوبات تأتي بموجب قوانين وليس فقط بموجب أوامر تنفيذية»، مشيراً الى أنه بينما «إلغاء الأوامر التنفيذية بسهولة أكبر، إلا أن القوانين أكثر تعقيداً بكثير». ويقول شعار إنه في حالة قانون «قيصر»، يمكن للرئيس الأميركي «تعليق العقوبات، لكنه لا يستطيع فعلياً إلغاءها من دون تصويت في الكونغرس». ولا يكفي رفع العقوبات وحده للدفع بعملية إعادة الإعمار الذي قدرت الأمم المتحدة كلفته بأكثر من 400 مليار دولار، بعد نزاع استمر 14 عاماً وتسبب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص وتهجير أكثر من 10 ملايين في سورية وخارجها. ولم يعد سوى 1,87 مليون شخص حتى الآن إلى مناطقهم الأصلية منذ سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر، بحسب المنظمة الدولية للهجرة. وأشارت المنظمة الأممية في تقرير لها في 14 مايو، إلى أن «نقص الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية يشكل التحدي الأبرز» أمام عودتهم. وتعهّدت دول عربية وغربية في ختام مؤتمر عقد في باريس في فبراير، بالمساعدة في إعادة بناء سورية. وبادرت دول الاتحاد الأوروبي ودول غربية بداية إلى تخفيف عدد من العقوبات، لكنّها رهنت اتخاذ خطوات إضافية باختبار أداء السلطات الجديدة في مجالات عدة مثل مكافحة «الإرهاب» وحماية حقوق الإنسان والأقليات. ويرى يازجي أنه يمكن بعد رفع العقوبات «البدء بالتفكير والتخطيط لإعادة إعمار على نطاق أوسع»، لكن رفعها «وحده لا يكفي»، بل ينبغي توافر «الأموال اللازمة لدعم هذا المسار». وعلى وقع المفرقعات والتصفيق، احتشد سوريون فرحين في شوارع مدنهم ليل الثلاثاء، لا سيما حلب ودمشق ، احتفالاً بقرار الرئيس ترمب رفع العقوبات عن بلادهم التي فرضت خلال عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد. ففي ساحة سعدالله الجابري في وسط مدينة حلب في شمالي سورية، تجمّع العشرات من رجال ونساء وأطفال رافعين العلم السوري الجديد، بينما صفقوا وغنوا فرحاً بالقرار الأميركي الذي يعتبرون أنه سينعش اقتصاد بلادهم المنهك بعد نزاع مدمر استمر 14 عاماً. وجال آخرون في سياراتهم مطلقين الزمامير تعبيراً عن سعادتهم بهذه الخطوة التي تأتي بعد أشهر من سقوط الرئيس السابق الأسد. وقالت زين الجبلي (54 عاماً) التي تملك معملاً للصابون في حلب بينما وقفت مع المحتفلين في ساحة سعد الله الجابري «سمعت بخبر رفع العقوبات فجئت إلى هنا إلى ساحة سعدالله الجابري التي لها رمزية كبيرة عند شعب حلب وثوار حلب». وتضيف «العقوبات كانت مفروضة على الأسد، الحمد لله سورية تحررت، وسيكون لذلك أثر إيجابي للصناعيين وفي دفع عجلة الاقتصاد ودفع الناس للعودة» إلى البلاد. وأعرب غيث عنبي (26 عاماً) وهو مهندس مدني بينما شارك المحتفلين فرحتهم في حلب عن «شعور رائع جداً برفع العقوبات، هذه ثاني فرحة بعد سقوط الأسد». وأضاف الشاب «أنا كمهندس أرى أن آثار رفع العقوبات عن الشعب السوري ستكون ايجابية لناحية إعادة الأعمار واعادة بناء البنى التحتية، لا سيما في مدينة حلب وهي مدينة اقتصادية، سيكون هناك ازدهار اقتصادي كبير بالنسبة للشعب السوري على مستوى كل سورية». ومن شأن قرار رفع العقوبات أن يدفع بعجلة الاقتصاد في البلاد ويجذب الاستثمارات ما يسهم في الدفع بعملية إعادة الإعمار. ورأت الخارجية السورية في القرار الأميركي «نقطة تحوّل محورية» للبلاد. ومن حلب، قال تقي الدين نجار (63 عاماً) بينما شارك في الاحتفالات «رفع العقوبات يخدم الشعب السوري بالدرجة الأولى، العقوبات كانت تضر فقط الشعب السوري ولا تضر النظام السابق». وفي دمشق ، تجمّع العشرات خلال الليل في ساحة الأمويين تعبيراً عن سعادتهم بالقرار الأميركي على وقع الموسيقى والمفرقعات. وقالت هبة قصار(33 عاماً) وهي مدرسة لغة إنجليزية «الفرحة كبيرة جداً، طبعاً سينعكس القرار بشكل إيجابي على البلد كلها، سيعود الإعمار وسيعود المهجرون، والأسعار سوف تتراجع». ويشاطرها أحمد أسما (34 عاماً) هذا الأمل. ويقول الرجل بينما كان يقود سيارته في ساحة الأمويين «الحمد لله رفعت عنا العقوبات لكي نتمكن من أن نعيش كما كنا في السابق، وأفضل، نتمنى أن تكون هذه بداية مرحلة جديدة لسورية». سوريون يحتفلون برفع العقوبات (ا ف ب)