
نظرة بعين أخرى.. الإنسان قبل الاسم والقبيلة
منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وجعله خليفة في الأرض، ارتبطت هويته الأولى بكونه "إنسانًا" قبل أن تُلصق به أسماء أو تُرسم حوله حدود أو تُنزل عليه أديان ومذاهب وجنسيات. وحين نجرّد البشر جميعًا من هذه التصنيفات، يبقى الأصل واحدًا: بشرية مشتركة تبدأ من آدم وتتفرع إلى أمم وشعوب وقبائل، لكن حقيقتها أنها تعود إلى جوهر واحد.
هذا الإدراك البسيط -أن الإنسان هو أولًا إنسان- كفيل بأن يغيّر الكثير من مفاهيمنا الراسخة. لكن، ما إن يبدأ الفرد أو الأمة بالاعتقاد بأنهم مختلفون عن غيرهم أو متميزون بامتياز إلهي مطلق، حتى تبدأ العثرات التاريخية وتتوالى الانكسارات.
العرب بين الشعور بالخصوصية والوقوع في المطبات التاريخية
الأمة العربية، ومن بعدها الأمة الإسلامية، وقعت منذ قرون في مطبات متكررة جعلت تاريخها أشبه بسلسلة من النهوض والانكسار. والسبب -في رأيي- هو تضخيم الفكرة القائلة بأنها "الأمة المختارة"، أو أن الله عز وجل خصّها دون غيرها بالتكريم والجنة والخطاب المباشر.
هذا الاستحسان الذاتي ولّد شعورًا خطيرًا: أن العمل لم يعد ضروريًا، وأن مجرد الانتماء يكفي. فتحولت الرسالة السماوية من دين عمل وجهد وإعمار للأرض إلى دين شعارات وقشور. وغاب عن الأذهان أن الإسلام -كما جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم- كان دين حركة وعمل وفعل، لا دين جدل وفرقة وتشدد.
ومن هنا تبنّى المتعصبون والمتشددون فكرة أن هذه الأمة في تقاطع دائم مع البشرية، وأنها معزولة عن العالم، بينما الحقيقة أنها جزء أصيل من هذا العالم، تشعر كما يشعر الآخرون، وتنجح وتفشل كما ينجح الآخرون ويفشلون.
القراءة الكاملة للإنسانية في القرآن
من يقرأ القرآن الكريم قراءة شمولية، سيجد أن الخطاب موجّه للبشرية جمعاء. وخير شاهد على ذلك سورة الزلزلة التي هي بهذا الوضوح: {إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها * يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها * يومئذ يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره} صدق الله العلي العظيم.
هذه السورة وحدها تكفي كدراسة متكاملة لبيان أن الحساب والثواب والعقاب مرتبط بالإنسان -أي إنسان- وليس بفئة أو عرق أو مذهب. الجميع مخاطب، والجميع محاسب، والجميع مشمول برحمة الله وعدله.
القبول قبل الاختلاف
لذلك، على الأمة العربية والإسلامية أن تعيد التفكير في موقعها بين الأمم، وألا تظن أنها مختلفة عن البشر اختلافًا جوهريًا. الاختلاف الحقيقي هو في مقدار العمل، في الإبداع، في الصدق، في الإخلاص، وفي إعمار الأرض.
علينا أن نقبل أنفسنا أولًا: ألواننا، أشكالنا، أعمارنا، تنوعنا، قبل أن نتحدث عن قبول الآخرين. فالبشرية ليست نسخًا متطابقة، وإنما لوحة ملونة عظيمة أرادها الله كذلك لحكمة.
كما أن كثرة الممنوعات والتحريمات الشكلية لن تصنع إنسانًا كاملًا، بل ستقوده إلى وهم الكمال دون جوهره. الكمال يتحقق بالعمل، بالصدق، بالعدل، وبالمشاركة الإنسانية لا بالانعزال أو بادعاء الأفضلية.
العودة إلى الجوهر الإنساني
إن إعادة القراءة التاريخية، وإعادة التفسير الإنساني للرسالات السماوية، ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية. فالبشرية اليوم تواجه تحديات مشتركة: الفقر، الحروب، التغير المناخي، الظلم الاجتماعي، وكلها لا تفرق بين عربي وأعجمي، بين مسلم وغير مسلم.
إذا كان الإسلام قد جاء ليكون رحمة للعالمين، فإن أعظم خيانة لهذه الرسالة أن نحصرها في جماعة ضيقة أو مذهب أو جنسية. ولو أدرك المسلمون هذه الحقيقة، لما كانوا في عزلة فكرية، ولما ظلوا يتنازعون على الفروع وينسون الأصول.
وأخيرًا.. إن المطلوب اليوم أن نعيد ترتيب أولوياتنا: أن نفكر كجزء من البشرية، لا كأمة متفردة. أن نقرأ القرآن بعيون الإنسانية لا بعيون العصبية. أن نفهم أن "من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره" تعني كل إنسان، أيًا كان لونه أو لغته أو دينه.
حينها فقط يمكن أن ينهض العرب والمسلمون من مطبات التاريخ المتكررة، ويتحولوا من أمة شعارات إلى أمة عمل، ومن أمة ترفع الأصوات إلى أمة تصنع الأفعال. فالله سبحانه وتعالى لا يميز إلا بالعمل، ولا يكافئ إلا بما قدمت الأيدي، أما الأسماء والشعارات والقبائل فهي تفاصيل عابرة أمام عدل الخالق عز وجل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 19 دقائق
- جريدة الرؤية
علاقة الإرهاب بالإسلام من المنظور الغربي
حمد الناصري لطالما حاول دهاقنة الغرب إبقاء تعريف الإرهاب فضفاضًا وهُلاميًا ليتمكنوا من إلصاقه بأيِّ مجتمع أو فكر لا يُناسب توجهاتهم أو تَسْييسه بالطريقة التي تنفع مصالحهم. وقد عرّفت الجمعية العامة للأمم المُتحدة الإرهاب في (القرار 60/43) الصادر في يناير 2006، والذي يُعرِّف الأعمال الإرهابية بأنها "أعمال إجرامية يقصد أو يراد بها إشاعة حالة من الرعب بين عامة النَّاس أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص مُعينين لأغراض سياسية" وإضافة لما ذكره التعريف فالإرهاب بشكل عام يدعو إلى زرع ثقافة الكراهية والعُنف وحرمان المجتمعات من السلام والأمان في الحياة، ناهيك عن زعزعة الاستقرار والسّلم الأهلي للشعوب والدول. وبطبيعة الحال فالناس لهم مناظير مختلفة لفكرة الإرهاب ومنطقتنا العربية لم تكن على وعي ودراية بذلك المفهوم حتى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي حين بدأت موجات الهجرة اليهودية نحو فلسطين وظهرت عِصابات صهيونية إرهابية كـ الهاغانا والشتيرن والأرغون الصهيونية وتلك العِصابات نفّذت عمليات إرهابية وإجرامية تقشعرّ لها الأبدان لغرض ترهيب أهل فلسطين ودفعهم لترك أرضهم وكانت أخطر عملية إرهابية في 22 يوليو عام 1946 نفذّتها عصابة الأرغون الصهيونية ضِد فندق الملك داوود في القدس وخلّف الهجوم أكثر من مئة قتيل مُعظمهم بريطانيون وبزعامة الإرهابي المطلوب الأول عالميًا وقتئذ مناحيم بيغن والذي أصبح فيما بعد ولطرافة الأقدار رئيسًا لحكومة إسرائيل بل وتمّ منحه جائزة نوبل للسلام.! ومن خلال قراءاتنا إلى توصيفات الإرهاب وتعريفاته الواسعة لم نجد اتفاقًا أو تعريفاً أممياً ودولياً مقبولاً، ولذا فإنّ الجدل يستمرّ وتُثار النقاشات حول ماهية الإرهاب.. طبيعته.. اشتقاقاته.. نطاقه.. مفهومه.. ولكن المُتفق عليه أنّ الإرهاب عبارة عن أعمال عُنف غير شرعية وغير مُبررة تستهدف الأبرياء والآمنين.. مدارس. أسواق. تدمير بُنية تحتية. محطات الطاقة. وسائل نقل. خطف. احتجاز. ودأب المحللون والإعلاميون في الدول الغربية على توجيه أصابع الاتهام بالإرهاب نحو الجماعات الإسلامية المُتطرفة تحديدًا لحصر فكرة الإرهاب في مخيّلة شعوبهم عند المسلمين فقط واستمرّت هذه الحملة لثلاثة عقود أو أكثر حتى صدّق المسلمون أنفسهم أنّ الإسلام هو سبب رئيسي للإرهاب وانتشرت ظاهرة الإسلاموفوبيا على نطاق عالمي وفيما كانت تلك الجماعات الإسلامية الإرهابية ذات طبيعة راديكالية تطرفيّة تتميز بها كل الجماعات ذات النزعة المُتطرفة وأفكار مُتشدّدة من كل الأديان والاتجاهات وكانت دوافعها سياسية بحتة وأيدولوجياتها وأهدافها مُعلنة ، عدم المُساواة اجتماعياً واقتصاديًا وشُعور بالتهميش والظُلم ، الفقر ، البطالة ، تتناقض كليًا مع دوافعها المُبطنة في نشر الكراهية والعنف واستغلال الشعوب، ورغم الأدلة على براءة الإسلام من تُهمة الإرهاب كبراءة الذئب من دمّ ابن يعقوب، وهي كثيرة ومن مصادر غربية إلا أنّ ظاهرة الإسلاموفوبيا لا تزال موجودة و مما يزيد سِعارها وسائل إعلام وسياسيون مرتبطون بالحركة الصهيونية وقد نشرت منظمة الشرطة الأوروبية احصائية حول العمليات الإرهابية في الدول الغربية ، حيث أثبتت الدراسة أن العمليات الإرهابية التي نفّذها مسلمون لا تتجاوز نسبتها 2% من مجمل العمليات الإرهابية حتى عام 2013 بينما نفّذ بقية العمليات الإرهابية غير مُسلمين بنسبة بلغت 98% . وفي دراسة قامت بها جامعة كارولينا الأمريكية أثبتت فيها وبإحصائية دقيقة أنه في الفترة من عام 2001 ـ 2014 عدد مَن قُتلوا على أيدي مجرمين غير مسلمين " في الولايات المتحدة وحدها بلغ 190 ألف قتيل بينما عدد الذين مَن قُتلوا على أيدي مسلمين، يصل إلى37 شخصاً!! وفي نفس السياق يُذكرنا التأريخ بمئات العمليات الإرهابية التي نفّذتها عصابات صهيونية أدمجت في جيش إسرائيل وتمّ تشكيلها في الأراضي الفلسطينية إبّان الانتداب البريطاني، واستمرّت حتى نكبة 1948 وقيام دولة إسرائيل، عِلْمًا أنّ بريطانيا نفسها صَنّفتها كمنظمات إرهابية ، ذلك أنّ جرائمها لم تقتصر على الفلسطينيين بل تعدّت إلى الجنود البريطانيين واليهود، وارتبطت هذه المنظمة بمجزرة دير ياسين واغتيال الدبلوماسي السويدي "الكونت برنادوت". وغيرها من الجرائم الإرهابية. ويُوجد في الغرب ما يُعرف بجماعات اليمين المُتطرف، وهي حركات قومية مُتطرفة بعضها إرهابية وتستخدم العنف وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية وتسعى لإقامة مجتمعات عرقية، ومن هناك نشأ ما يُعرف بتطرف الأساليب.. يقول مارتن لوثر كنج، الناشط في الحقوق المدنية ورجل الدين الأمريكي من أصول إفريقية، والذي أغتيل على يد متطرفين إرهابيين في رسالة شهيرة (هل سنكون متطرفين.؟ واستدرك بل سنصوغ الإجابة بشكل مختلف، هل سنكون مُتطرفين في حماية الطغيان أم في نشر العدالة؟) وفي رسالة شهيرة أخرى لــ مارتن لوثر كينغ وصف المسيح عليه السلام بأنه مُتطرف من أجل الحق والخير والمحبة والعدالة.؛ والرجل يُشير هنا، إلى أنّ التطرف له أساليب وعلى حد قوله ألاعيب، فهناك تطرف جيِّد، وهناك تطرف له غايات سيئة. والسؤال الذي نطرحه ما هو التطرف.؟ أو كيف يُمكن تحديد مفهوم التطرف.؟ وهل كان مارتن لوثر مُحقاً في تفسيره لمفهوم التطرف.؟ فحقيقة التطرف لم تُعرف أو لم تُحدد بعد، وقد تسبّب التباس في تحديد مفهومها. ومن أبسط أشكال التطرف، هو إنكار حق مُطالبة أو إشراك المرأة في التصويت.. فقبل 50 سنة كان يُعتبر أمراً سيئاً.. كذلك عمل المرأة في الوظائف الإدارية، يعتبره الكثيرون سيئاً؛ والتطرف السيئ يُفرّخ الإرهاب الذي ينتشر حاليًا بينما التطرف الجيد ينتج عنه التغيير والتطوير المطلوبان لبقاء كل أمة. إذنْ نقول إنّ تهديد الإرهاب مُعقد ولكن تعريفه واضح ولا علاقة للإسلام به لا مِن بعيد ولا مِن قريب.. وانتشار الإرهاب بأشكال مُتعددة أصبح ظاهرة عالمية خطيرة لما يشتمل من تنوع أيديولوجي ـ أفكار ومُعتقدات وسُلوك ـ لا يقتصر على دِيْن أو مُجتمع أو حالة فكرية.


الشبيبة
منذ 4 ساعات
- الشبيبة
السفير المصري في سلطنة عمان يدشّن موسوعة قانونية فريدة من نوعها في مجال تأجير الطائرات
في خطوة تعكس عمق التعاون الثقافي والعلمي بين سلطنة عمان وجمهورية مصر العربية، استضاف مقر السفارة المصرية المعتمدة لدى سلطنة عمان مساء اليوم (الثلاثاء)، حفل تدشين موسوعة قانونية رائدة بعنوان: " موسوعة تأجير الطائرات بين الممارسة والقانون "، وذلك برعاية سعادة السفير خالد راضي، سفير جمهورية مصر العربية المعتمد لدى سلطنة عمان. أقيم حفل التدشين، بحضور المستشار محمد عبدالمنعم، المستشار السياسي بالسفارة المصرية بسلطنة عمان، والمستشار أحمد أبوزيد شعيب، نائب رئيس البعثة، وحضره نخبة من المسئولين والدبلوماسيين والمهنيين القانونيين، في مناسبة تؤكد عمق الحضور الثقافي والفكري المصري في الخارج. وقال سعادة السفير خالد راضي، سفير جمهورية مصر العربية المعتمد لدى سلطنة عمان: "سعداء اليوم بتدشين هذا العمل الموسوعي المتخصص جدا في مجال مهم جدا وهو عالم الطيران، كما نعتز بأنه عمل لأحد أبناء الجالية المصرية المقيمين بسلطنة عمان الشقيقة، حيث نعتز بأن الجالية المصرية في عمان تتميز بتنوعها وأنها تضم جميع الفئات ، كما أنها أنها جالية نستطيع أن نصفها بأنها نخبوية إذ تضم العديد من الفئات من الأطباء والمهندسين والقانونيين والإعلاميين والمعلمين وغيرهم من جميع الفئات، كما أنها جالية تتميز بأنها تلمح ما بين مصر عمان من علاقات أخوة ومحبة وترابط، وقد أخذت هذه الجالية هذا السمت من الجانبين فهي جالية لديها عشق وولاء وانتماء لوطنها مصر، وهي محبة وعاشقة لسلطنة عمان الشقيقة، وقد لمست على مدى سنوات عملي بسلطنة عمان والتي قاربت أربع سنوات أن كل مصري في سلطنة عمان يشعر وكأنه في وطنه العزيز مصر. وأكد سعادة السفير راضي أن ما يميز هذا العمل الموسوعي الذي تم تدشينه اليوم وهو "موسوعة تأجير الطائرات بين الممارسة والقانون " للمستشار القانوني حسام الحديدي، أنها موسوعة مهمة وتسد فجوة وفراغ كبير في مجالها، كما أنها لمصري مقيم منذ سنوات طويلة على أرض عمان الشقيقة، وفي نفس الوقت ستضيف هذه الموسوعة وتخدم قطاع الطيران في مصر وعمان وكذا الدول العربية بأثرها. وأشار سعادته إلى أن العلاقات المصرية - العمانية، رغم كونها علاقات متجذرة وعميقة ومتينة على الدوام إلا أنها في هذه الفترة تعيش أزهي عصورها وأنها تطورت لتصل حد العلاقات الاستراتيجية، وتشهد نموا وازدهارا متلاحقا على الدوام وفي شتى المجالات والقطاعات، وذلك بفضل الدعم المستمر والتوجيهات الدائمة من قيادتي البلدين الشقيقين، فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظهما الله ورعاهما-. وتُعد الموسوعة أحدث إصدارات المستشار القانوني البارز حسام الحديدي، أحد أبرز الخبراء القانونيين المتخصصين في مجال الطيران في العالم العربي، وصاحب الموسوعة الشهيرة "موسوعة عقود الطيران"، التي مثّلت نقلة نوعية في مجالها وفتحت آفاقًا جديدة أمام الباحثين والممارسين في صناعة الطيران بالمنطقة. تُقدم موسوعة "تأجير الطائرات بين الممارسة والقانون" مرجعًا قانونيًا متكاملًا يغوص بعمق في العقود والقوانين المنظمة لتأجير الطائرات، واضعة حلولًا عملية ومهنية للمشكلات القانونية التي تواجه العاملين في هذا القطاع الحيوي. وتستند الموسوعة إلى أكثر من ثلاثين عامًا من الخبرة القانونية المتخصصة للمستشار القانوني حسام الحديدي، والتي اكتسبها من خلال دراسته بدبلوم القانون الجوي من الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) في المملكة المتحدة، ودورات تخصصية في التمويل والتأمين واستئجار الطائرات في سويسرا وبريطانيا. وتأتي أهمية الموسوعة من كونها الأكبر من نوعها حتى الآن، حيث تضم أكثر من 119 مصدرًا مرجعيًا متخصصًا، و129 حكمًا قضائيًا دوليًا في قضايا تأجير الطائرات، وتتناول قضايا قانونية دقيقة مثل بنود إنهاء العقود في حالات القوة القاهرة، مبدأ "الإحباط" وفق القانون الإنجليزي، والإعسار، وعدم الامتثال للوائح التنظيمية، إضافة إلى التفسير القانوني لبنود "الجحيم أو الأمواج العاتية". وقد عُرف المستشار حسام الحديدي بدوره الفاعل في حل أزمات قانونية كبرى لشركات طيران إقليمية ودولية، لاسيما خلال جائحة كورونا (كوفيد – 19)، حيث أسهم في إنهاء عقود تأجير طائرات عبر سوابق قضائية دولية، بالإضافة إلى نجاحه في إنهاء عقود شراء طائرات من شركات عالمية بسبب إخلالها بالشروط، بقيمة تجاوزت ملايين الدولارات. ويشكل هذا الإصدار إضافة نوعية للمكتبة القانونية العربية والدولية، ومرجعًا لا غنى عنه للمحامين والمستشارين القانونيين وصناع القرار في قطاع الطيران.


جريدة الرؤية
منذ يوم واحد
- جريدة الرؤية
رؤية "عُمان 2040".. الإنسان أولًا
حمود بن علي الطوقي تأملتُ كثيرًا وأنا أقرأ هذه الآية الكريمة من سورة الملك، الآية رقم ١٥، قوله تعالى: ﴿فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِ﴾، ولا أدري ما الذي قادني لربط هذه الآية الكريمة بمرتكزات رؤية "عُمان 2040"، لكنني أجد الآية الكريمة بمثابة الدعوة الإلهية الواضحة التي تدعو إلى السعي، والعمل، والاستفادة من خيرات الأرض… وهي ذاتها الدعوة التي نجد صداها في رؤية وطنية تستند في أولوياتها إلى "بناء الإنسان العُماني"، وتمكينه، وإعداده ليكون شريكًا في صناعة المستقبل، ومنتفعًا بخيرات الوطن. أسوق في هذا المقام تطلعاتنا لرؤية "عُمان ٢٠٤٠م"، فحين أُطلقت هذه الرؤية لم تكن مجرد وثيقة تخطيطية طموحة، بل كانت بمثابة عقد وطني بين الدولة والمجتمع، خُطّت ملامحه بمشاركة واسعة من مختلف فئات الشعب العُماني. ومن بين أبرز مرتكزات هذه الرؤية، يأتي "بناء الإنسان" -هذا الإنسان الذي يُقصد به المواطن العُماني- كونه حجر الأساس في التنمية وغايتها في آنٍ معًا. فيجب أن نُذكّر الجميع أن مهندس هذه الرؤية المباركة هو صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي رسم الآمال، وحدّد المسارات، لتكون هذه الرؤية جسرًا تعبر به عُمان إلى مصاف الدول المتقدمة، ووضع -أبقاه الله- الإنسان العُماني في قلب الرؤية وأولويتها، إيمانًا منه بأنّ التنمية لا تتحقق إلا إذا كان الإنسان هو المحرّك لها والمستفيد الأول من ثمارها. اليوم، وبعد مرور خمس سنوات على انطلاق هذه الرؤية، نقف في منتصف الطريق، ونرسم الآمال بين ما تحقق وبين التحديات والطموحات، ونستدرج ما تبقّى من زمن لقطف ثمار الرؤية، وهي -بلغة السنوات- 15 عامًا فقط، ونرى في الأفق أن عجلة الحياة تدور بسرعة، وهذا الوقت المتبقي يجب أن نستثمره بذكاء وواقعية وصدق المشاعر مع الذات، مدركين أن الرؤية وضعت آمالًا كبيرة، ورسمت خريطة طريق دقيقة نحو مستقبل مزدهر. فما أراه أننا -كمراقبين ومتابعين- دائمًا نتغنّى كثيرًا بتكرار ذكر الرؤية في المحافل الرسمية، وهذا وحده لا يكفي ما لم يقترن بالفعل والعمل المخلص على أرض الواقع، وبتحقيق أثر ملموس في حياة المواطن اليومية. حتما إنّ الرؤية -كما أراد جلالته حفظه الله- وضعت رفاهية المواطن العُماني في أولوياتها، وهذا حق مشروع، وهذا الحق المكتسب ليس ترفًا ولا خيارًا جانبيًا، بل هو جوهر النجاح الحقيقي لمتطلبات الرؤية. فحين يشعر المواطن بأنّ مرتكزات الرؤية تنعكس إيجابًا على تطلعاته، فسيشمّر عن سواعد الجد والاجتهاد، ويجعل من جهده وولائه وتفاعله مع كل مسارات التنمية يتضاعف. ومن هنا، فإنّنا نرى أن فلسفة الرؤية ينبغي لها أن تضع المواطن العُماني في الأولوية الكبرى، وأن تتمحور كل السياسات والبرامج حوله، سواء في التعليم، والرعاية الصحية، والسكن، والدخل الكريم، وفرص العمل النوعي، والعدالة الاجتماعية. إننا ندرك -منذ انطلاق الرؤية وتوجّه الحكومة لترشيد الإنفاق من أجل تقليص المديونية وإطلاق خطة التوازن المالي- أنّ المواطن العُماني شارك في ترجمة متطلبات خطة التوازن المالي، وتحمل إجراءاتها بكل وعي ومسؤولية، واضعًا عُمان فوق كل اعتبار. واليوم، من الإنصاف أن يُكافأ هذا العطاء بسياسات تنموية تنعكس إيجابيًا على حياته. فالمرحلة المقبلة يجب أن تُبنى على مفهوم التمكين، وعلى الاستثمار في الإنسان كونه محور التنمية، وهو الرقم الأهم فيها. ومهما بلغت جودة الخطط، فإنها بلا إنسان مُمكَّن وسعيد، تظل ناقصة... وحبرًا على ورق.