مئة يوم من عمر الحكومة: تسير كـ"بطّة" وتتقدّم كـ"حصان"
الحكم في طبيعته استمرارية وديمومة، مع ما يحمله من أوزارٍ ومورثات قديمة وتحدّيات مرحلية. مئة يوم، من عهد لبنان الجديد المولود خارج الرحم الإيراني غير الرحيم، الذي أنتج سلسلة حكومات مشوّهة جينيّاً.
فالجمهورية التي نشأت رسميّاً قبل مئة عام ونيّف في ظلّ متغيّرات جيوسياسية، أمام مفصل تاريخي لاقتناص سيادتها الكاملة وإعادة تعريف المصلحة الوطنية وإحداث الإصلاح الاقتصادي والإداري، عقب الزلزال السياسي الذي هزّ المنطقة بعد "طوفان الأقصى". إذ لولا ذاك القرار السنواري الخاطئ في "زَمَكَانِه" وتداعياته الإقليمية، لَمَا سلكت الدولة مسار التغيير بـ "عضلات" عربية ودولية حريصة على تحرير لبنان واستعادة رونقه وازدهاره من جهة، وإرادة داخلية سياسية وشعبية، انتظرت طويلاً لحظة التخلّص من سطوة ونفوذ محور "الممانعة" من جهة أخرى.
مئة يوم من حكومة الرئيس نوّاف سلام، "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت". تسير كبطّة عرجاء في ملفات، و "كحصانٍ رابح" في ملفات أخرى. شطبت من قاموس بيانها السياسي معادلة "حزب اللّه" الهرطوقية: "جيش، شعب ومقاومة"، وارتفع صوت خطابها السيادي الرسمي عبر رئيسها ووزرائها المُنادين بحصرية السلاح ونزعه من الميليشيات اللبنانية والفلسطينية تطبيقاً للقرارات الدولية، على الرغم من تصريحات ومواقف "مشوّشة" لبعض الوزراء، الذين أعادوا إلى الأذهان، "ميوعة" الحكومات المنتهية الصلاحيات.
وفي السياسة أيضاً، أظهرت الحكومة صلابة في موقفها، وأجبرت حركة "حماس"، التي لطالما استخفّت بالسيادة اللبنانية، على الانصياع. إذ بعد تحذير حازم، من مجلس الدفاع الوطني، سلّمت الحركة عدداً من المطلوبين بتهمة إطلاق صواريخ من جنوب لبنان نحو إسرائيل، وهو تصعيد لم تكن الدولة لتتجرّأ على مواجهته، إذ غالباً ما كانت تُعالج مسائل كهذه في غرفِ "أبو ملحم" وعلى طريقته بسبب الغطاء السياسي للحركة من قبل "الحزب".
في المقابل، لا تزال الحكومة وفق مصادر سياسية مطلعة، خجولة إلى حدّ كبير في تفكيك بنية "حزب اللّه" العسكرية والأمنية لا سيّما في شمال الليطاني، علماً أن فعاليّتها تتحسّن جنوبه، مع إعلان رئيس الجمهورية جوزاف عون "سيطرة الجيش اللبناني على أكثر من 85 % من جنوب لبنان" وتفكيك أكثر من 500 موقع لـ "حزب اللّه". وترى المصادر أن الحكومة لا تزال "منكمشة نفسيّاً" ومضطربة الثقة في حسم تسليم السلاح غير الشرعي. واعتبرت أن المقياس المعتمد في معرفة مدى نجاح هذه المهمّة من عدمها، يستند إلى مؤشّرين هما: استمرار الاعتداءات الإسرائيلية من ناحية، وتباعد تباشير إعادة الإعمار من ناحية أخرى. في السياق، يُسجّل على الحكومة ضعفها في وضع حدّ لـ "غضب وبلطجة الأهالي" تجاه القوات الدولية العاملة في الجنوب، فتكرار الاعتداءات وعدم محاسبة الفاعلين ومن يحرّكهم، يقوّضان سيادتها وهيبتها.
أما على المستوى الإداري والمؤسّساتي، فبرزت سلسلة نجاحات تُسجّل لها خلال الأشهر الثلاثة:
- تعيين رئيس لمجلس الإنماء والإعمار (محمد قبّاني).
- تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان (كريم سعيد).
- تغييرات في إدارة مطار رفيق الحريري الدولي، بعد سنوات من "التكلّس" الذي أصاب إدارته ومرافقه، وإزالة الصور الحزبية من طريق المطار.
- تحسينات تقنية وإجرائية في المطار لتسهيل الأمر على المسافرين وتوفير أقصى درجات الحماية لهم، من خلال تركيب أجهزة سكانر وزيادة شروط السلامة والأمان. بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية المشدّدة لمنع التهريب، ولحماية سلامة الطيران المدني.
- زيارة مطار القليعات والعمل على وضع دراسة لكيفية إعادة تشغيل المطار.
- زيارة طرابلس في إطار إطلاق خطة أمنية جديدة في المدينة، وبعد إطلاق هذه الخطة تراجعت حوادث الإخلال بالأمن في المدينة.
- إقرار قانون رفع السرية المصرفية، علماً أنه يشتمل على عشر سنوات فائتة.
- إقرار خطة إصلاح القطاع المصرفي وحماية أموال المودعين وأصول الدولة.
- استرداد مراسيم الأملاك البحرية نظراً للمخالفات والشوائب التي تعتريها، وفي استردادها حماية للمال العام.
- وضع خطة لمعالجة وضع الموقوفين في السجون من خلال تفعيل المحاكمات داخل سجن رومية.
- إقرار آلية للتعيينات الإدارية للخروج من منطق المحاصصة والمحسوبية والزبائنية.
- زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى السعودية وإعادة لبنان إلى خريطة تعزيز العلاقات مع العمق العربي.
- زيارة سلام إلى سوريا وإجراء محادثات لتصحيح مسار العلاقات بين الدولتين، والاتفاق على تشكيل لجان مشتركة للبدء بترسيم الحدود وضبط الوضع الأمني ووقف الاشتباكات ومنع التهريب.
- وضع آلية لتعيين الهيئات الناظمة في قطاعات الاتصالات، الكهرباء والطيران.
- اعتماد آلية التعيينات الإدارية لتعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارة مجلس الإنماء والإعمار.
- مشروع قانون استقلالية القضاء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 3 ساعات
- النهار
سلام في مؤتمر "أيام بيروت للتحكيم": نعمل على حصر السلاح بيد الدولة
أكد رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام أن الحكومة الجديدة تعمل على بناء مستقبل لبنان الجديد وملتزمة العمل على إنجاز التحول الرقمي في المؤسسات الرسمية، كما تعمل على إعادة بناء الثقة بلبنان. وقال خلال مشاركته في مؤتمر "أيام بيروت للتحكيم" في بيت المحامي، بحضور وزير العدل عادل نصار، ووزير الاعلام المحامي بول مرقص ونقيب المحامين في بيروت فادي مصري، إن الحكومة تعمل على تطوير مطار بيروت الدولي وطريق المطار كما تعمل على إعادة تشغيل مطار ثان وهو مطار القليعات اضافة الى ذلك تعمل على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وإيقاف الخروقات الاسرائيلية وإنهاء الاحتلال. ورأى وزير العدل عادل نصار أن لبنان يمتلك جميع المكونات اللازمة للعب الدور الأساسي في هذا المجال على الصعيد الوطني والدولي وعلينا كوزارة العدل ان نساهم في تطوير التحكيم. وقال: "إذا كان مطلوب التعاون بين القاضي والمحكم يجب أن يحصل ذلك، أما الملاحظة الثانية فهي أنه يجب على لبنان أن يلعب دورًا مهمًا في التحكيم لأنه يتمتع بطاقات داخلية". وسأل نصار: "هل من المستحب أن نضع معايير معينة من أجل الحكم المطلق؟ هل من المتسحب أن نضع إجراءات صارمة من أجل التحكيم؟" وزير الاعلام بول مرقص قال بدوره إن تنظيم المؤتمر في العدلية هو اعلان واضح عن ايماننا العميق بقدرة لبنان رغم الصعوبات على النهوض مجددًا مستندًا على إرث قانوني عميق وبيئة معرفية ونقابات المهن الحرة وفي طليعتها نقابة المحامين في بيروت والمجتمع الدولي. وأشار مرقص إلى أن التحكيم خيار حضاري يعزّز ثقة المستثمرين بالبلد ونسعى لتكون بيروت عاصمة للتحكيم في المنطقة، لافتًا إلى أن التحكيم والإعلام يلتقيان في نشر ثقافة العدل والحوار والتحكيم بحاجة الى بيئة ثقافية تكرس الإيمان به وهنا دور التثقيف من خلال الاعلام. وشدد مرقص على أن نقابة المحامين مدرسة في الحفاظ على الحقوق والحريات وأثبتت أن المحاماة رسالة.

المركزية
منذ 5 ساعات
- المركزية
سلام في مؤتمر "أيام بيروت للتحكيم": الحكومة تعمل على حصر السلاح بيد الدولة
استضاف بيت المحامي - بيروت النسخة الأولى من مؤتمر "أيام بيروت للتحكيم"، الذي دعا إليه مركز التحكيم اللبناني والدولي في نقابة المحامين في بيروت liac - bba ويستمر يومي 21 و22 أيار. وألقى كلمات الافتتاح كل من وزير العدل عادل نصار، وزير الاعلام المحامي بول مرقص ونقيب المحامين في بيروت فادي مصري، كما ألقى الكلمة الرئيسية رئيس مجلس الوزراء القاضي نواف سلام. رئيس الحكومة نواف سلام أكد أن الحكومة الجديدة تعمل على بناء مستقبل لبنان الجديد وملتزمة العمل على إنجاز التحول الرقمي في المؤسسات الرسمية، كما تعمل على إعادة بناء الثقة بلبنان. وشدد على أن الحكومة تعمل على تطوير مطار بيروت الدولي وطريق المطار كما تعمل على إعادة تشغيل مطار ثان وهو مطار القليعات اضافة الى ذلك تعمل على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وإيقاف الخروقات الاسرائيلية وإنهاء الاحتلال. وزير العدل عادل نصار أكد أن لبنان يمتلك جميع المكونات اللازمة للعب الدور الأساسي في هذا المجال على الصعيد الوطني والدولي وعلينا كوزارة العدل ان نساهم في تطوير التحكيم. ورأى نصار أن الملاحظة الأولى حتى لو كان التحكيم الوسيلة البديلة عن القضاء للنزاع فلا يجب غض النظر عن القضاء، فإذا كان مطلوب التعاون بين القاضي والمحكم يجب أن يحصل ذلك، أما الملاحظة الثانية فهي أنه يجب على لبنان أن يلعب دورًا مهمًا في التحكيم لأنه يتمتع بطاقات داخلية. وسأل نصار: "هل من المستحب أن نضع معايير معينة من أجل الحكم المطلق؟ هل من المتسحب أن نضع إجراءات صارمة من أجل التحكيم؟" وزير الاعلام بول مرقص قال بدوره إن تنظيم المؤتمر في العدلية هو اعلان واضح عن ايماننا العميق بقدرة لبنان رغم الصعوبات على النهوض مجددًا مستندًا على إرث قانوني عميق وبيئة معرفية ونقابات المهن الحرة وفي طليعتها نقابة المحامين في بيروت والمجتمع الدولي. وأشار مرقص إلى أن التحكيم خيار حضاري يعزّز ثقة المستثمرين بالبلد ونسعى لتكون بيروت عاصمة للتحكيم في المنطقة، لافتًا إلى أن التحكيم والإعلام يلتقيان في نشر ثقافة العدل والحوار والتحكيم بحاجة الى بيئة ثقافية تكرس الإيمان به وهنا دور التثقيف من خلال الاعلام. وشدد مرقص على أن نقابة المحامين مدرسة في الحفاظ على الحقوق والحريات وأثبتت أن المحاماة رسالة. نقيب المحامين في بيروت فادي مصري أكد أن الأزمات العاتية التي عصفت بلبنان لن تنجح في كسر أم الشرائع وليّ ذراع القانون معربًا عن افتخاره في أن تُقام في رحاب النقابة اكبر فعالية قانونية. وقال مصري: "بالعودة الى التحكيم في لبنان والعالم لم يكن وليد صدفة بل مواكبة للعولمة ومعالجة فعلية للمشاكل التجارية والقانونية فكانت الحاجة الى عدالة فاعلة تساعد المتنازعين على حساب حقهم بسرعة غير متوفرة لدى للقضاء العدلي وتساعد القضاء في البت بالقضايا العالقة". وشدد مصري على ان اهمية هذا الحدث وطنية لانها مساهمة حقيقية في مسيرة النهوض وحقوقية لأنها تضع مدماكًا أول للعمارة اللبنانية وتؤكد على دور النقابة في خلق الديناميكية القانونية ومواكبتها وإنجاحها. ولفت المصري إلى أن أهمية هذا الحدث وطنية ومهمة في طريق النهوض وتؤكد على دور نقابة المحامين ووجود الرئيس سلام بيننا يضفي على أيام التحكيم هيبة وهالة ورسالة. وتمنى المصري التوفيق للمؤتمرين على أعمالهم وأبحاثهم، مقدرًا جهود الهيئة التنظيمية.


MTV
منذ 13 ساعات
- MTV
"الضغط الأقصى" الأميركي مستمرّ على "الحزب"
منذ إدراجه على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO) عام 1997، لم تتوقف الولايات المتحدة عن استخدام سلاح العقوبات المالية للضغط على "حزب الله"، أبرز أذرع النفوذ الإيراني في المنطقة. وقد تصاعدت وتيرة هذه العقوبات بشكل ملحوظ خلال العقدين الأخيرين، خصوصاً بعد حرب تموز 2006، وبلغت ذروتها في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي انتهج سياسة "الضغط الأقصى" على إيران ووكلائها. من الرمزية إلى الاستهداف المالي المنهجي في 15 أيار 2025، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن حزمة جديدة من العقوبات استهدفت أربعة أفراد، بينهم اثنان من كبار مسؤولي "حزب الله" واثنان من المسهّلين الماليين، يقيمون في لبنان وإيران. وجاءت هذه الخطوة في إطار جهود وزارة الخزانة لتعطيل الشبكات المالية المرتبطة بـ "الحزب"، عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC). والأفراد هم: - معين دقيق العاملي (العاملي) هو ممثل كبير لـ "حزب الله" في قم بإيران وله علاقات مع كبار عملاء حزب الله وإدارة العلاقات الخارجية للحزب يعود تاريخها إلى عام 2001 على الأقل. شارك العاملي في تنسيق تسليم المدفوعات النقدية من إيران إلى كبار مسؤولي المالية في "حزب الله" في لبنان الذين يعملون مباشرة مع مكتب الأمين العام الراحل حسن نصر الله. كان أحد هؤلاء المسؤولين، جهاد العلمي (العلمي)، مسؤولاً عن استلام وتوزيع التمويل. في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر وأثناء الصراع الذي أعقب ذلك في غزة في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024، نسق العاملي تسليم ما لا يقل عن 50000 دولار إلى العلمي في لبنان، والتي تم تحصيلها من إيران على الأرجح لنقلها إلى غزة. - فادي نعمة (نعمة) هو محاسب وشريك تجاري لرئيس وحدة المالية المركزية لحزب الله، إبراهيم علي ضاهر (ضاهر)، الذي أدرجه مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في 11 مايو 2021، لدوره في الإشراف على الميزانية العامة لحزب الله وإنفاقه، بما في ذلك تمويل المجموعة لعملياتها الإرهابية وأنشطتها الخبيثة. في هذا الإطار، صرّح نائب وزير الخزانة مايكل فولكندر قائلاً: "هذه الإجراءات تسلّط الضوء على الامتداد العالمي الواسع لحزب اللّه من خلال شبكة مموّليه وداعميه، بخاصة في طهران". وتزامنت هذه العقوبات مع تصريحات للرئيس ترامب تشير إلى قرب التوصّل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، ما فُهم كرسالة مزدوجة تجمع بين الدبلوماسية والضغط المالي. الخلفية القانونية والمسار التصاعدي • 1997: إدراج "حزب اللّه" على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO) من قبل وزارة الخارجية الأميركية. • 2001: بعد هجمات 11 أيلول، تمّ توسيع السلطات الممنوحة لوزارة الخزانة لتعقّب تمويل الإرهاب عبر قانون "باتريوت آكت". • 2015: قانون منع التمويل الدولي لـ "حزب اللّه" (HIFPA)، أتاح توسيع دائرة الاستهداف لتشمل المؤسسات المصرفية التي تسهّل تعاملات "الحزب". • 2018: قانون مكافحة تمويل "حزب اللّه" المعدّل (HIFPA 2.0)، الذي شدّد العقوبات على الجهات الداعمة له. • 2019: فرضت واشنطن عقوبات على نوّاب من "الحزب" للمرة الأولى (من بينهم النائب أمين شري)، ما شكّل تحوّلاً نوعياً في العقوبات. الشبكة المالية لـ "الحزب"... آلية معقدة ومتعددة المسارات ترتكز المنظومة المالية لـ"حزب الله" على مجموعة من القنوات تشمل: • التحويلات المالية غير الرسمية عبر شبكات الحوالات. • أنشطة اقتصادية وتجارية خارجية، لا سيّما في أفريقيا وأميركا الجنوبية. • مؤسسات مالية واجتماعية داخل لبنان، بعضها يحمل غطاءً مدنياً وخيرياً. • دعماً مباشراً من إيران يُقدّر بمئات ملايين الدولارات سنوياً، وفق تقارير الاستخبارات الأميركية. وتشير وزارة الخزانة الأميركية إلى أن "حزب اللّه" يستخدم شركات وهمية، ومسارات مالية سرية، وأشخاصاً يعملون كواجهة لتجنّب العقوبات ومواصلة التمويل. انعكاسات العقوبات على الداخل اللبناني في بلد يرزح تحت أزمة اقتصادية غير مسبوقة، لم تكن العقوبات الأميركية على "حزب اللّه" مجرد مسألة جيوسياسية، بل انعكست بشكل ملموس على البيئة المالية والمصرفية: بعد إصدار HIFPA عام 2015، عمدت المصارف اللبنانية إلى قطع علاقاتها مع الحسابات المشتبه بها، ما أدّى إلى إغلاق بعض الجمعيات التابعة لـ "الحزب" أو المقرّبة منه. وقد تعرّض بنك "جمّال ترست" عام 2019 لعقوبات مباشرة، قبل أن يُقفل أبوابه لاحقاً. ومع تضييق الخناق على المصارف، توسّعت أنشطة "اقتصاد الظل" المرتبطة بـ "الحزب"، بما فيها تجارة النقد والمخدّرات وغسيل الأموال، كما توسّعت الشركات الصغيرة التابعة له في الضاحية والجنوب والبقاع. أمّا من جهة البيئة الشيعية فقد أثّرت العقوبات على حركة الدعم الاجتماعي التي ينفّذها "الحزب" عبر مؤسّساته الخيرية، ما قلّص قدرته على الحفاظ على مستوى الرعاية السابق، وفتح الباب أمام استياء اجتماعي ضمن بيئته، ولو بقي محدوداً. وفي حديث لصحيفة "نداء الوطن" مع السفير الأميركي فريدريك هوف من مركز المشاركة المدنية في كلية بارد، وهو وسيط سابق بين لبنان وإسرائيل في القضايا البحرية، اعتبر أن العقوبات الأميركية الأخيرة على "حزب الله" تعبّر عن مقاربة أوسع للسياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران والمنطقة، وتوجّه رسالة تتعدّى الملفّ النووي. العقوبات... رسائل تتجاوز النووي رداً على سؤال حول كيفية تفسير العقوبات الأخيرة التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على "حزب الله"، وإلى أي مدى تعكس تحوّلاً استراتيجياً في نهج واشنطن لمواجهة النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة، قال هوف: "أعتقد أن العقوبات الجديدة على "حزب الله" تعكس وجهة نظر واشنطن بأن أي علاقة جديدة قائمة على أسس واقعية مع إيران يجب أن تتناول قضايا تتجاوز الملفّ النووي. لقد كان دور إيران في المنطقة سُمًاً خالصاً، كما سيشهد العديد من اللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين. وقد تكون هذه العقوبات الجديدة بمثابة تذكير لإيران بأن أي اتفاق جديد مع الولايات المتحدة لا يمكن أن يقتصر على المسألة النووية فقط؛ وعلى إيران أن تضع حداً لممارستها المتمثلة في تقويض الدول في العالم العربي". العقوبات ليست كافية وحدها... لكنها تعكس موقفاً واضحاً في ما يتعلق بقدرة هذه العقوبات على إحداث تغيير ملموس على الأرض في ظلّ التشابك العميق لـ"حزب الله" ضمن البُنيتين السياسية والاقتصادية في لبنان، أشار هوف إلى أن "التغيير الحقيقي والفعلي في لبنان سيحدث عندما يتخلّى قادة "حزب اللّه" الجدد عن ذرائع "المقاومة"، ويقرّون باحتكار الدولة اللبنانية السلاح، وربما يتطوّرون إلى حزب أو حركة سياسية لبنانية بحتة". وأضاف: "هذه العقوبات الجديدة لن تُحدث هذه النتائج بمفردها، لكنها تعكس رؤية واشنطن بأن جماعة مسلحة لبنانية تعمل كوكيل لإيران تُشكّل خطراً على جميع اللبنانيين، بمن فيهم أولئك الذين يدّعي حزب اللّه تمثيلهم". رسائل إلى إيران و "الوكلاء" تشكل العقوبات جزءاً من الاستراتيجية الأميركية لاحتواء النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، حيث لم يعد يُنظر إلى "حزب اللّه" كحالة لبنانية محلية فحسب، بل كأداة عسكرية واقتصادية بيد طهران. ومن هذا المنطلق، تحمل العقوبات رسائل سياسية واضحة: إلى إيران، بأن التقدّم في أي مفاوضات مستقبلية لن يتمّ دون ضبط سلوك "الوكلاء"؛ إلى لبنان، بأن واشنطن تراقب دور "حزب اللّه" في تعطيل الإصلاحات وتحمّله مسؤولية التدهور المؤسّسي؛ وإلى المجتمع الدولي، بأن الحصار المالي لا يزال وسيلة ضغط فعّالة، شريطة أن يترافق مع تعزيز الشفافية والمساءلة في النظام المصرفي اللبناني. ورغم تصاعد العقوبات وتشديدها، لا يزال "حزب اللّه" يحتفظ بقدرة تشغيلية وتنظيمية عالية. وقد أكد خبراء لصحيفة "نداء الوطن" أن فعاليّة هذه العقوبات تعتمد على التنسيق الدولي، خصوصاً من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، وعلى قدرة السلطات اللبنانية على فرض رقابة صارمة على المؤسسات المالية، وخفض الاعتماد على القنوات غير الرسمية التي تغذي "الاقتصاد الأسود". لكنّ هذه العقوبات وحدها ليست كفيلة بتفكيك منظومة متجذرة منذ عقود، إذ يُرجّح أن يستمرّ "الحزب" في تطوير آليات التفاف وتكيّف، بدعم مباشر من إيران وشبكات مالية دولية معقّدة. وتُظهر العقوبات الأميركية المستمرّة تصميم واشنطن على تقويض الدور المالي والعسكري لـ "الحزب" في المنطقة، والتعامل معه كذراع إيرانية عابرة للحدود لا كفاعل لبناني داخلي. غير أن استمرار "الحزب" في التمركز داخل بنى الدولة والمجتمع اللبناني، يجعل من أي عقوبات تحدياً يطول الكيان اللبناني بأكمله، لا "الحزب" وحده. وفي ظل غياب حل سياسي شامل، تبقى العقوبات واحدة من أدوات الضغط القليلة المتاحة، لكنها لن تؤدي إلى تغيير حاسم ما لم تُستكمل بإصلاحات داخلية وتفاهمات إقليمية أوسع. تبرز أهمية العقوبات الأخيرة في سياق سياسي وأمني حساس، كونها تمثل امتداداً لمحاولات متكررة للضغط على "حزب اللّه"، الذي نجح على مرّ السنوات في التكيّف مع مختلف القيود والعقوبات، بفضل بنية أمنية واستخبارية متماسكة مكّنته من الالتفاف على الإجراءات الدولية. العقوبات... ضرورة تُكملها مسارات أخرى رغم أن هذه العقوبات تكتسب رمزية سياسية عالية، إلّا أنها لن تكون فعّالة بمفردها، ما لم تُستكمل بمسارين متكاملين: أولًا، المسار العسكري. ولا يمكن إضعاف "حزب اللّه" فعلياً دون تفكيك قدرته العسكرية. فطالما بقي السلاح خارج سلطة الدولة، سيظل "الحزب" قادراً على تجاوز القيود الدولية، مستفيداً من شبكات تهريب وتدفقات نقدية مباشرة من إيران، التي تتجاوز النظام المصرفي العالمي عبر إرسال الدعم بـ "الكاش". ثانيًا، المسار المالي والإصلاحي. ويتطلّب تحجيم قدرة "الحزب" تمويلياً واتخاذ سلسلة من الخطوات الجذرية، تشمل: فرض السيادة الكاملة للدولة اللبنانية على أراضيها. واحتكار الدولة وحدها السلاح. وتنفيذ إصلاحات حقيقية في النظام المالي لمنع استغلال الثغرات، كقوانين السرية المصرفية التي قد تُستخدم كمنصات لتهريب الأموال. وضبط المعابر والحدود بشكل فعّال لمنع تدفّق الموارد بطرق غير شرعية. كما يجب على إيران، في حال كانت هناك نية فعلية للضغط عليها، أن تُمنع من الاستمرار في دعم الجماعات المسلحة خارج إطار الدولة في لبنان. فالعقوبات، بحدّ ذاتها، لا تكفي، بل ينبغي أن تكون جزءاً من مقاربة شاملة، تشمل تفكيك البنية المسلّحة غير الشرعية، والإصلاح المالي العميق، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس سيادية ومحاسبية. بهذا المعنى، فإن استمرار العقوبات من دون تحرّك داخلي وإقليمي داعم، قد يكرّس حلقة مفرغة من التصعيد دون نتائج ملموسة، فيما يظلّ لبنان يدفع الثمن من استقراره الاقتصادي والسياسي.