logo
محمد الحمزة نشر في الرياض يوم 22 - 04

محمد الحمزة نشر في الرياض يوم 22 - 04

سعورس٢٩-٠٤-٢٠٢٥

في عالم يقدر فيه التواصل الفوري والشبكات الاجتماعية الواسعة، يواجه ملايين الأشخاص حول العالم واقعا مغايرا: (العزلة الاجتماعية). وهي انعدام أو نقص التفاعلات الاجتماعية المرضية، سواء على المستوى العائلي أو المجتمعي، وهي كذلك: "غياب التفاعل الاجتماعي الملموس أو ضعف الروابط ذات المعنى"؛ وفقا لمنظمة الصحة العالمية WHO. بينما ينظر إليها أحيانا كفرصة للتأمل، وتتحول في أحيان كثيرة إلى سجن خفي يفاقم الاضطرابات النفسية.
العزلة الاجتماعية ظاهرة تختلف عن "الوحدة العاطفية" التي تشير إلى الشعور الذاتي بالفراغ، بينما قد تكون العزلة اختيارية في بعض الحالات، مثل الرغبة في الخلوة للتأمل، إلا أنّ استمرارها لفترات طويلة دون رغبة الفرد يحوّلها إلى أزمة صحية صامتة تهدد العقل والجسد والمجتمع ككل.
تظهر الدراسات أن العزلة الاجتماعية تعتبر عامل خطر رئيسا لاضطرابات الصحة العقلية، ففي عام 2020، كشفت دراسة نشرت في مجلة JAMA Psychiatry أن الأفراد الذين يعانون من عزلة اجتماعية شديدة زادت لديهم احتمالية الإصابة بالاكتئاب بنسبة 26 % مقارنة بمن يتمتعون بعلاقات اجتماعية نشطة. كما أن التفاعل الاجتماعي يحفز إفراز هرمون "الأوكسيتوسين"، الذي يعزز الشعور بالثقة والارتباط، بينما يؤدي غيابه إلى تفاقم القلق واضطرابات المزاج.
علاوة على ذلك، ترتبط العزلة المزمنة بتسارع التدهور المعرفي، خاصة لدى كبار السن. ففي دراسة أجرتها جامعة هارفارد، تبين أن البالغين الذين يعيشون في عزلة تزيد لديهم احتمالية الإصابة بالخرف بنسبة 50 %، بسبب انخفاض تحفيز الدماغ وفقدان المرونة العصبية التي تحافظ على وظائفه.
لا تقتصر تداعيات العزلة على الصحة العقلية فحسب، بل تمتد إلى الجسد. ففي عام 2015، أظهرت مراجعة شملت 70 دراسة أن العزلة الاجتماعية ترفع خطر الوفاة المبكرة بنسبة تقارب تأثير التدخين اليومي (15 سيجارة). السبب يعود إلى أن العزلة تحفز استجابة الجسم للتوتر، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول، الذي يضعف المناعة ويزيد الالتهابات المزمنة.
كما أن الأشخاص المعزولين اجتماعيا أكثر عرضة لأمراض القلب والأوعية الدموية، بسبب ارتفاع ضغط الدم وعدم انتظام ضربات القلب. في المقابل، يقلل التفاعل الاجتماعي من إفراز هرمونات التوتر، مما يعزز صحة القلب والتمثيل الغذائي.
أظهرت دراسات تصوير الدماغ أن العزلة الاجتماعية الممتدة تسبب تغيرات هيكلية في مناطق الدماغ المرتبطة بالعواطف والتفكير الاجتماعي، مثل القشرة الأمامية الجبهية واللوزة الدماغية. ففي تجربة أجريت على الفئران عام 2020، لوحظ أن العزلة لفترات طويلة أدت إلى تقلص الخلايا العصبية في هذه المناطق، مما يضعف القدرة على التفاعل الاجتماعي والتعاطف مع الآخرين.
علاوة على ذلك، يقلل العزلة من إنتاج بروتين "BDNF" الذي يدعم نمو الخلايا العصبية الجديدة، مما يعرقل التعلم والذاكرة. هذه التغيرات تشبه تلك التي تنتج عن الإدمان على المخدرات، مما يظهر أن العزلة قد تكون "إدمانا سلبيا" يغذي نفسه.
لا تؤثر العزلة على الأفراد فحسب، بل تشكل عبئا اقتصاديا. في الولايات المتحدة وحدها، تقدر تكلفة الأمراض المرتبطة بالعزلة الاجتماعية بنحو 6.7 مليارات دولار سنويا، بسبب انخفاض إنتاجية العمل وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية. كما أن المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات العزلة تشهد ارتفاعا في الجريمة وتفكك الروابط الأسرية.
من ناحية أخرى، تلعب التكنولوجيا دورا متناقضا. فبينما تسهّل وسائل التواصل الاجتماعي الاتصال الافتراضي، أشارت دراسة في الجمعية الأميركية لعلم النفس عام 2022 إلى أن الاستخدام المفرط لهذه المنصات يعزز العزلة الواقعية، حيث تحل العلاقات السطحية محل التفاعلات العميقة. هنا، تبرز أهمية "الذكاء العاطفي الرقمي"، أي استخدام التكنولوجيا كجسر وليس بديلا عن التواصل المباشر.
مواجهة العزلة الاجتماعية تتطلب جهدا متعدد الأوجه.. على المستوى الفردي، ينصح بممارسة الهوايات الجماعية والتطوع، التي ثبت أنها تقلل الشعور بالعزلة بنسبة 30 %. أما على مستوى السياسات، فتظهر تجارب دول مثل اليابان نجاحا في تخصيص ميزانيات لبناء "مراكز لقاءات مجتمعية" وتشجيع العمل عن قرب بدلا من العمل عن بعد.
أخيرا، تذكّرنا العزلة الاجتماعية أن الصحة ليست مسألة فردية، بل نظاما بيئيا يتشابك فيه الفرد مع مجتمعه. في عصر السرعة والتكنولوجيا، ربما حان الوقت لإعادة اكتشاف قيمة "الحضور البشري"، ليس كرفاهية، بل كضرورة حيوية. والعزلة الاجتماعية ليست حتمية، بل مؤشر لخلل في التوازن بين الراحة الفردية والتفاعل الاجتماعي. وكما قال الدكتور جون كاسكادي، خبير علم الاجتماع: "العزلة قد تكون ملجأ للتأمل، لكنها تصبح سجنا إذا نسيت أن تمسك بمفتاح العودة إلى العالم".. وفي عصر يغرقنا في الضوضاء، تذكّر أن العزلة الاختيارية تعيد شحن الروح، لكن العزلة القسرية تذكّرنا بأننا كائنات اجتماعية بجوهرها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مثبطات جانوس كيناز علاج فعال لكوفيد الحاد
مثبطات جانوس كيناز علاج فعال لكوفيد الحاد

الوئام

timeمنذ 4 ساعات

  • الوئام

مثبطات جانوس كيناز علاج فعال لكوفيد الحاد

حدد باحثون فئة مثبطات جانوس كيناز كخيار أول لعلاج مرضى كوفيد-19 في المستشفيات، وفق دراسة نشرت في 'ذا لانسيت ريسبيراتوري ميديسن'. الدراسة شملت نحو 13 ألف مريض شاركوا في 16 تجربة بين مايو 2020 ومارس 2022، وقارنت المثبطات بأدوية مثل ديكساميثازون أو مضادات بروتين IL-6. أظهرت النتائج أن معدلات الوفاة انخفضت إلى 11.7% بين متلقي مثبطات جانوس كيناز، مقابل 13.2% بين من تلقوا علاجات أخرى. بعد ضبط عوامل الخطر، انخفضت احتمالات الوفاة بنسبة 33% لدى من تلقوا هذا النوع من العلاج. الباحثون دعوا إلى اعتماد النتائج ضمن إرشادات منظمة الصحة العالمية، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة. وأكدوا أن التأخير في تطبيق العلاجات المستندة إلى الأدلة قد يضر بالمرضى، رغم تراجع انتشار الجائحة. تشمل هذه الأدوية: زيلجانز (توفاسيتينيب)، أولوميانت (باريسيتينيب)، ورينفوك (أوباداسيتينيب). ساهم العلاج أيضاً في تقليل الحاجة لأجهزة التنفس الاصطناعي، وسرّع الخروج من المستشفى بمعدل يوم واحد. أثبتت المثبطات فعاليتها بغض النظر عن حالة تطعيم المرضى، ما يعزز من موثوقية التوصيات.

"مقاومة الإنسولين في الدماغ" العامل المشترك بين ألزهايمر والصرع
"مقاومة الإنسولين في الدماغ" العامل المشترك بين ألزهايمر والصرع

المدينة

timeمنذ 4 ساعات

  • المدينة

"مقاومة الإنسولين في الدماغ" العامل المشترك بين ألزهايمر والصرع

توصل باحثون من جامعة ساو باولو البرازيلية إلى اكتشاف مثير يسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين مرض ألزهايمر والصرع. وأثبتت نتائج الدراسة الحديثة، عبر نموذج حيواني، أن مقاومة الإنسولين في الدماغ قد تكون العامل المشترك بين هذين المرضين العصبيين. وأظهرت التجارب التي أجريت على نماذج حيوانية أن اختلال مسار الإنسولين الدماغي يؤدي إلى سلسلة من التغيرات المرضية التي تؤثر على كل من الوظائف المعرفية والنشاط الكهربائي للدماغ. فعندما حقن الباحثون الفئران بمادة الستربتوزوتوسين - التي تسبب مقاومة للإنسولين - لاحظوا ظهور أعراض تشبه كلا من ألزهايمر والصرع، حيث عانت الحيوانات من ضعف في الذاكرة مع زيادة في النوبات التشنجية. وهذه النتائج تقدم تفسيرا علميا للارتباط السريري الملاحظ بين المرضين، إذ تشير الإحصائيات إلى أن مرضى الصرع أكثر عرضة للإصابة بألزهايمر مع تقدم العمر، كما أن نوبات الصرع شائعة لدى مرضى ألزهايمر. ويعتقد الباحثون أن هذه العلاقة تعود إلى أن مقاومة الإنسولين في الدماغ تؤدي إلى سلسلة من التغيرات المرضية تشمل: - التهاب الأنسجة العصبية المزمن الذي يضر بالخلايا الدماغية. - اضطراب في توازن النواقل العصبية. - تراكم البروتينات الضارة مثل، أميلويد بيتا وبروتين تاو المفسفر. - تلف الخلايا العصبية في منطقة الحصين المسؤولة عن الذاكرة. ومن المثير للاهتمام أن الدراسة أظهرت أن هذه العلاقة ثنائية الاتجاه، فكما أن مقاومة الإنسولين تسبب تغيرات تشبه ألزهايمر والصرع، فإن الفئران المعدلة وراثيا لدراسة الصرع أظهرت أيضا تغيرات جزيئية مميزة لمرض ألزهايمر. وتفتح هذه النتائج آفاقا جديدة في فهم الأمراض العصبية، حيث تشير إلى أن العلاجات المستقبلية يجب أن تأخذ في الاعتبار هذا التداخل المرضي المعقد. ويعمل الفريق البحثي حاليا على توسيع نطاق الدراسة ليشمل تحليل عينات بشرية من مرضى الصرع المقاوم للعلاج، بالتعاون مع باحثين من جامعة هارفارد لدراسة التغيرات الجينية والبروتينية المرتبطة بهذه الحالات. ويعتقد الباحثون أن نتائج هذه الدراسة قد تمهد الطريق لتطوير علاجات أكثر فعالية تستهدف الآليات الجذرية المشتركة بين المرضين، بدلا من التركيز على علاج الأعراض فقط.

الشهري: طعام بريال واحد وتراه يضبط مزاجك .. فيديو
الشهري: طعام بريال واحد وتراه يضبط مزاجك .. فيديو

صدى الالكترونية

timeمنذ 14 ساعات

  • صدى الالكترونية

الشهري: طعام بريال واحد وتراه يضبط مزاجك .. فيديو

نصح طبيب الأسرة، سعود الشهري، المسافرين بتناول البيض المسلوق، مشيرا إلي أنه طعام اقتصادي بريال واحد ويضبطك مزاجك. وقال الشهري في مقطع فيديو: 'وأنت مسافر أحصل على طعام صحي، هذا هو، البيض المسلوق المضاف إليه الكمون، لأن به فيتامين E، وفيتامين A، وفيتامين D، وفسفور وحديد والكولين الذي يضبط المزاج والعمليات الذهنية'. وتابع: 'أيضا يحتوي على بروتين الذي يكافح التنكس البقعي في الشبكية المرتبط بتقدم العمل، وبه دهون أحادية مشبعة، ولا يسبب مرض السكري كما يشاع'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store