
السياسات العمومية بالمغرب: من الأوراش الكبرى إلى الأعطاب البنيوية
شهد المغرب خلال العقود الأخيرة زخماً متزايداً في إطلاق السياسات العمومية، حيث تم تسويق أوراش كبرى كمشاريع استراتيجية لتحسين مؤشرات التنمية وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، على غرار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومخطط المغرب الأخضر، ورؤية 2020 للسياحة، وبرامج إصلاح التعليم والصحة والإدارة. غير أن واقع التنفيذ والتقييم يكشف مفارقات عميقة بين الطموح المؤسساتي والنتائج المحققة، مما يطرح اليوم سؤالاً مركزياً حول قدرة الدولة على صناعة سياسات عمومية ناجعة ودامجة وفعالة في ظل تعقيد السياقات الاجتماعية والاقتصادية.
الإشكالية الأساسية التي تطرح نفسها اليوم هي: لماذا، رغم توفر المغرب على رؤية إصلاحية متقدمة ومؤسسات دستورية جديدة بعد 2011، ما تزال السياسات العمومية تعاني من ضعف في النجاعة والالتقائية والتأثير؟ وهل الخلل يكمن في طبيعة التصميم أم في آليات التنزيل والتقييم والمساءلة؟
يعد غياب التنسيق بين القطاعات الحكومية من أبرز الأعطاب التي تعاني منها السياسات العمومية بالمغرب، حيث تشتغل كل وزارة أو مؤسسة بشكل معزول، دون أي تصور مشترك أو إطار ناظم للعمل المشترك. ويؤدي هذا النمط المجزأ من التدبير إلى تعدد البرامج وتداخل الاختصاصات وتكرار نفس المشاريع في مجالات متقاربة، مما يفرز هدرًا كبيرًا للموارد البشرية والمادية، ويُضعف من أثر هذه السياسات على الأرض. ويكفي التمعن في برامج دعم التمدرس، أو محاربة الفقر، أو التشغيل، لنلحظ تشتت الجهود بين الوزارات والمؤسسات المعنية، وتضاربًا في الأولويات، وغيابًا لمنهجية تقييم موحدة.
هذا الواقع يُنتج ما يمكن تسميته بـ"التدبير الانعزالي"، حيث تتحول كل مؤسسة إلى كيان مستقل لا يتفاعل بفعالية مع باقي الفاعلين، ما يفرغ السياسات العمومية من محتواها الإصلاحي. ويتجلى ذلك في غياب قواعد بيانات مشتركة، وفي ضعف تبادل المعلومات والمعطيات بين القطاعات، مما يعمق من بطء التفاعل مع الأزمات، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19 في بعض مراحلها، حيث تأخر التنسيق بين وزارات الصحة، والتعليم، والداخلية في معالجة بعض الاختلالات الميدانية.
الأخطر من ذلك أن منطق التنافر المؤسساتي لا يخدم رهانات التنمية، بل يُكرس منطقًا بيروقراطيًا يجعل من المواطن آخر اهتمامات الإدارة. فرغم إطلاق برامج إصلاح الإدارة وتعزيز الرقمنة، لا يزال التنسيق ضعيفًا، وهو ما يُفرغ الخطابات الرسمية من مضمونها ويجعل السياسات العمومية مجرد "إعلانات نوايا" دون ترجمة واقعية، نتيجة غياب إطار مؤسساتي للتقائية السياسات وتكاملها.
التقارير الرسمية تؤكد أن جانباً كبيراً من السياسات العمومية يعاني من الأعطاب البنيوية. فحسب المجلس الأعلى للحسابات، فإن 47 في المئة من المشاريع المنجزة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بين 2019 و2022 لم تكن مبنية على دراسات قبلية كافية، وتم تنفيذها دون تقييم دوري، مما أدى إلى تعثرها أو إلى إعادة برمجتها. وفي السياق ذاته، تبقى نسبة البطالة مرتفعة رغم مجهودات التشغيل، إذ بلغت 13 في المئة سنة 2023، في حين أن البطالة في صفوف حاملي الشهادات تجاوزت 18 في المئة، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط. أما الفقر متعدد الأبعاد، فرغم تراجعه النسبي، لا يزال يهم أكثر من 4 ملايين مواطن، أغلبهم في العالم القروي والمناطق الجبلية.
كما تكشف تقارير البنك الدولي عن ضعف حكامة السياسات العمومية في المغرب، حيث جاء في تقرير 2021 أن تداخل الصلاحيات وغياب التنسيق بين القطاعات الحكومية يُفرغان السياسات من فعاليتها، رغم توفر رؤية إصلاحية. ويُعزز هذا الرأي مؤشر ضعف الالتقائية، إذ تعمل وزارات مثل الصحة، والتعليم، والتضامن، والتشغيل على برامج متقاربة تستهدف الفئات نفسها دون تنسيق مؤسساتي أو تبادل للمعطيات، مما يؤدي إلى ازدواجية في الجهود وتبديد الموارد.
الجانب الأكثر خطورة هو غياب التقييم المستقل والمنتظم لبرامج الدولة، حيث إن العديد من البرامج تُنجز في غياب آليات دقيقة لرصد الأثر، وتفتقر إلى أدوات لقياس مدى مطابقة الأهداف للنتائج. وفي هذا السياق، تشير بيانات رسمية إلى أن قرابة 60 في المئة من البرامج الحكومية لا تخضع لتقارير تقييم دورية تُعرض على البرلمان، مما يضعف من آليات المحاسبة الديمقراطية. وقد خصص البنك الدولي سنة 2024 مبلغ 600 مليون دولار لدعم تحسين الأداء الإداري في المغرب، منها 350 مليوناً موجهة لإصلاح المؤسسات العمومية و250 مليوناً لتحسين نجاعة الميزانية وتعزيز الشفافية.
أما على مستوى علاقة المواطنين بالمؤسسات، فتظهر مؤشرات الثقة هشاشة واضحة. إذ لا تتعدى نسبة ثقة الشباب في المؤسسات الحكومية 49 في المئة، مقارنة بـ60 في المئة لدى من تفوق أعمارهم 35 سنة، وفقاً لمؤشر الثقة المؤسساتية الصادر عن البنك الدولي. بينما يثق 97 في المئة من المغاربة في المؤسسة العسكرية و73 في المئة في أجهزة الأمن، ما يعكس اختلالاً في توزيع الثقة داخل منظومة الدولة. وهذه الفجوة تنذر بتآكل الرابط الاجتماعي والسياسي بين المواطن والدولة، وتطرح تحدياً أمام أي سياسة عمومية تطمح إلى الاستدامة والنجاعة.
إضافة إلى ذلك، يتم استبعاد النخب العلمية والأكاديمية، التي من شأنها أن تساهم في بناء السياسات على أسس معرفية وميدانية صلبة. فرغم وجود جامعات ومعاهد متخصصة، ورغم توفر كفاءات وطنية عالية، إلا أن مساهمتها في إعداد السياسات تبقى محدودة جدًا، مقابل الاعتماد المفرط على مكاتب الدراسات الأجنبية التي تُنتج في الغالب توصيات تقنية، لا تراعي الخصوصية المغربية، ولا تتلاءم مع التحديات الاجتماعية والثقافية للمجتمع.
ورغم هذه الأعطاب، يسجل المغرب بعض المكتسبات، لا سيما في مجال الموازنة الجندرية، إذ يعد أول بلد في شمال إفريقيا يدمج هذه المقاربة في إعداد الميزانية منذ 2002، وقد غطت سنة 2016 حوالي 80 في المئة من بنود الميزانية العامة. كما يشهد ورش الرقمنة تطوراً متسارعاً من خلال منصات إلكترونية كـ"rokhas.ma" و"chikaya.ma" و"monentreprise.ma"، التي سهلت الولوج إلى بعض الخدمات الإدارية. إلا أن غياب ربط التحول الرقمي برؤية شمولية للتحديث الإداري يجعل هذه المنصات محدودة الأثر في غياب التكوين والتأطير ومصاحبة المواطن.
إن السياسات العمومية في المغرب اليوم تقف عند مفترق طرق حاسم. فإما أن تتحول إلى أداة فعلية للتغيير الاجتماعي والتنمية المستدامة، عبر إعادة الاعتبار للعلم في التخطيط، وتعزيز دور التقييم والمساءلة، وربط البرامج بحاجيات المواطن لا بالأجندات السياسية، وإما أن تظل رهينة لمقاربات موسمية ومرقّعة تعيد إنتاج الهشاشة وتغذي التفاوتات. وحدها إرادة سياسية قوية، تستند إلى مؤسسات مستقلة وتخطيط تشاركي مبني على معطيات دقيقة وتصور استراتيجي بعيد المدى، كفيلة بإعادة الثقة إلى الفعل العمومي وبناء دولة قادرة على الاستجابة لانتظارات مجتمع سريع التحول.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 5 ساعات
- أخبارنا
السياسات العمومية بالمغرب: من الأوراش الكبرى إلى الأعطاب البنيوية
شهد المغرب خلال العقود الأخيرة زخماً متزايداً في إطلاق السياسات العمومية، حيث تم تسويق أوراش كبرى كمشاريع استراتيجية لتحسين مؤشرات التنمية وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، على غرار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومخطط المغرب الأخضر، ورؤية 2020 للسياحة، وبرامج إصلاح التعليم والصحة والإدارة. غير أن واقع التنفيذ والتقييم يكشف مفارقات عميقة بين الطموح المؤسساتي والنتائج المحققة، مما يطرح اليوم سؤالاً مركزياً حول قدرة الدولة على صناعة سياسات عمومية ناجعة ودامجة وفعالة في ظل تعقيد السياقات الاجتماعية والاقتصادية. الإشكالية الأساسية التي تطرح نفسها اليوم هي: لماذا، رغم توفر المغرب على رؤية إصلاحية متقدمة ومؤسسات دستورية جديدة بعد 2011، ما تزال السياسات العمومية تعاني من ضعف في النجاعة والالتقائية والتأثير؟ وهل الخلل يكمن في طبيعة التصميم أم في آليات التنزيل والتقييم والمساءلة؟ يعد غياب التنسيق بين القطاعات الحكومية من أبرز الأعطاب التي تعاني منها السياسات العمومية بالمغرب، حيث تشتغل كل وزارة أو مؤسسة بشكل معزول، دون أي تصور مشترك أو إطار ناظم للعمل المشترك. ويؤدي هذا النمط المجزأ من التدبير إلى تعدد البرامج وتداخل الاختصاصات وتكرار نفس المشاريع في مجالات متقاربة، مما يفرز هدرًا كبيرًا للموارد البشرية والمادية، ويُضعف من أثر هذه السياسات على الأرض. ويكفي التمعن في برامج دعم التمدرس، أو محاربة الفقر، أو التشغيل، لنلحظ تشتت الجهود بين الوزارات والمؤسسات المعنية، وتضاربًا في الأولويات، وغيابًا لمنهجية تقييم موحدة. هذا الواقع يُنتج ما يمكن تسميته بـ"التدبير الانعزالي"، حيث تتحول كل مؤسسة إلى كيان مستقل لا يتفاعل بفعالية مع باقي الفاعلين، ما يفرغ السياسات العمومية من محتواها الإصلاحي. ويتجلى ذلك في غياب قواعد بيانات مشتركة، وفي ضعف تبادل المعلومات والمعطيات بين القطاعات، مما يعمق من بطء التفاعل مع الأزمات، كما حدث خلال جائحة كوفيد-19 في بعض مراحلها، حيث تأخر التنسيق بين وزارات الصحة، والتعليم، والداخلية في معالجة بعض الاختلالات الميدانية. الأخطر من ذلك أن منطق التنافر المؤسساتي لا يخدم رهانات التنمية، بل يُكرس منطقًا بيروقراطيًا يجعل من المواطن آخر اهتمامات الإدارة. فرغم إطلاق برامج إصلاح الإدارة وتعزيز الرقمنة، لا يزال التنسيق ضعيفًا، وهو ما يُفرغ الخطابات الرسمية من مضمونها ويجعل السياسات العمومية مجرد "إعلانات نوايا" دون ترجمة واقعية، نتيجة غياب إطار مؤسساتي للتقائية السياسات وتكاملها. التقارير الرسمية تؤكد أن جانباً كبيراً من السياسات العمومية يعاني من الأعطاب البنيوية. فحسب المجلس الأعلى للحسابات، فإن 47 في المئة من المشاريع المنجزة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بين 2019 و2022 لم تكن مبنية على دراسات قبلية كافية، وتم تنفيذها دون تقييم دوري، مما أدى إلى تعثرها أو إلى إعادة برمجتها. وفي السياق ذاته، تبقى نسبة البطالة مرتفعة رغم مجهودات التشغيل، إذ بلغت 13 في المئة سنة 2023، في حين أن البطالة في صفوف حاملي الشهادات تجاوزت 18 في المئة، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط. أما الفقر متعدد الأبعاد، فرغم تراجعه النسبي، لا يزال يهم أكثر من 4 ملايين مواطن، أغلبهم في العالم القروي والمناطق الجبلية. كما تكشف تقارير البنك الدولي عن ضعف حكامة السياسات العمومية في المغرب، حيث جاء في تقرير 2021 أن تداخل الصلاحيات وغياب التنسيق بين القطاعات الحكومية يُفرغان السياسات من فعاليتها، رغم توفر رؤية إصلاحية. ويُعزز هذا الرأي مؤشر ضعف الالتقائية، إذ تعمل وزارات مثل الصحة، والتعليم، والتضامن، والتشغيل على برامج متقاربة تستهدف الفئات نفسها دون تنسيق مؤسساتي أو تبادل للمعطيات، مما يؤدي إلى ازدواجية في الجهود وتبديد الموارد. الجانب الأكثر خطورة هو غياب التقييم المستقل والمنتظم لبرامج الدولة، حيث إن العديد من البرامج تُنجز في غياب آليات دقيقة لرصد الأثر، وتفتقر إلى أدوات لقياس مدى مطابقة الأهداف للنتائج. وفي هذا السياق، تشير بيانات رسمية إلى أن قرابة 60 في المئة من البرامج الحكومية لا تخضع لتقارير تقييم دورية تُعرض على البرلمان، مما يضعف من آليات المحاسبة الديمقراطية. وقد خصص البنك الدولي سنة 2024 مبلغ 600 مليون دولار لدعم تحسين الأداء الإداري في المغرب، منها 350 مليوناً موجهة لإصلاح المؤسسات العمومية و250 مليوناً لتحسين نجاعة الميزانية وتعزيز الشفافية. أما على مستوى علاقة المواطنين بالمؤسسات، فتظهر مؤشرات الثقة هشاشة واضحة. إذ لا تتعدى نسبة ثقة الشباب في المؤسسات الحكومية 49 في المئة، مقارنة بـ60 في المئة لدى من تفوق أعمارهم 35 سنة، وفقاً لمؤشر الثقة المؤسساتية الصادر عن البنك الدولي. بينما يثق 97 في المئة من المغاربة في المؤسسة العسكرية و73 في المئة في أجهزة الأمن، ما يعكس اختلالاً في توزيع الثقة داخل منظومة الدولة. وهذه الفجوة تنذر بتآكل الرابط الاجتماعي والسياسي بين المواطن والدولة، وتطرح تحدياً أمام أي سياسة عمومية تطمح إلى الاستدامة والنجاعة. إضافة إلى ذلك، يتم استبعاد النخب العلمية والأكاديمية، التي من شأنها أن تساهم في بناء السياسات على أسس معرفية وميدانية صلبة. فرغم وجود جامعات ومعاهد متخصصة، ورغم توفر كفاءات وطنية عالية، إلا أن مساهمتها في إعداد السياسات تبقى محدودة جدًا، مقابل الاعتماد المفرط على مكاتب الدراسات الأجنبية التي تُنتج في الغالب توصيات تقنية، لا تراعي الخصوصية المغربية، ولا تتلاءم مع التحديات الاجتماعية والثقافية للمجتمع. ورغم هذه الأعطاب، يسجل المغرب بعض المكتسبات، لا سيما في مجال الموازنة الجندرية، إذ يعد أول بلد في شمال إفريقيا يدمج هذه المقاربة في إعداد الميزانية منذ 2002، وقد غطت سنة 2016 حوالي 80 في المئة من بنود الميزانية العامة. كما يشهد ورش الرقمنة تطوراً متسارعاً من خلال منصات إلكترونية كـ" و" و" التي سهلت الولوج إلى بعض الخدمات الإدارية. إلا أن غياب ربط التحول الرقمي برؤية شمولية للتحديث الإداري يجعل هذه المنصات محدودة الأثر في غياب التكوين والتأطير ومصاحبة المواطن. إن السياسات العمومية في المغرب اليوم تقف عند مفترق طرق حاسم. فإما أن تتحول إلى أداة فعلية للتغيير الاجتماعي والتنمية المستدامة، عبر إعادة الاعتبار للعلم في التخطيط، وتعزيز دور التقييم والمساءلة، وربط البرامج بحاجيات المواطن لا بالأجندات السياسية، وإما أن تظل رهينة لمقاربات موسمية ومرقّعة تعيد إنتاج الهشاشة وتغذي التفاوتات. وحدها إرادة سياسية قوية، تستند إلى مؤسسات مستقلة وتخطيط تشاركي مبني على معطيات دقيقة وتصور استراتيجي بعيد المدى، كفيلة بإعادة الثقة إلى الفعل العمومي وبناء دولة قادرة على الاستجابة لانتظارات مجتمع سريع التحول.


LE12
منذ 8 ساعات
- LE12
المنتدى البرلماني المغرب -سيماك: انخراط مغربي في التعاون الاقتصادي جتوب-جنوب
خلال المنتدى البرلماني المغرب -سيماك، أكد وزراء مغاربة انخراط المغرب في التعاون الاقتصادي جتوب-جنوب. العيون -هشام الشواش le12 أكد مسؤلون حكوميون يمثلون قطاعات وزارية مختلفة، اليوم الجمعة بالعيون، أن تعزيز الشراكات جنوب – جنوب يشكل خيارا استراتيجيا لمواجهة التحديات التنموية، مشددين على أهمية التعاون في مجالات التكوين المهني، والعمل المقاولاتي ، وتسريع الانتقال الرقمي، لضمان نمو مستدام وتكامل اقتصادي بين بلدان القارة الإفريقية. وأبرز هؤلاء المسؤولون في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني للتعاون الاقتصادي بين المملكة المغربية وبرلمان مجموعة دول المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا ' في هذا الإطار، سلط وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، الضوء على أهمية التكوين المهني والمقاولة الصغرى، باعتبارهما عصب الحياة بالعديد من الدول الإفريقية. وأوضح السيد السكوري أن المبادرات الاقتصادية والاجتماعية لن تُكتب لها الاستمرارية مالم تقترن بإرادة سياسية وحكامة فعالة، لافتا إلى أن نجاح الاندماج والتنمية الاقتصادية 'يظل مرتبطا بشكل وثيق بالبعد الاجتماعي، الذي يعد ضروريا للحفاظ على التماسك وضمان تنمية مندمجة'. وقال 'نحن في لحظة يعد فيها الجهد الإقليمي والاندماج الإقليمي السبيل الوحيد لمواجهة التحديات التي تواجهها بلداننا بشكل فردي في ما يتعلق بالنمو'، مشددا على أن هذا النمو لا يمكن أن يكون مستداما إلا إذا استفاد من شراكات استراتيجية بين القطاعين العام والخاص. من جانبها، سجلت الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أمل الفلاح السغروشني، أن المغرب، وإدراكا منه لعمق انتمائه الإفريقي، جعل من الشراكة مع دول القارة الإفريقية أولوية استراتيجية. وبعد أن أكدت أن التعاون جنوب-جنوب يقع في صلب السياسة الخارجية للمغرب القائمة على التضامن، أشارت السيدة السغروشني إلى أن المغرب يصنف حاليا ضمن المستثمرين الأفارقة الاوائل في منطقة 'سيماك'، معتبرة أن هذا التموقع هو ثمرة نهج قائم على الحوار الاقتصادي، والالتزامات الواضحة، والشراكات المبنية على الثقة والتضامن وإعلاء المصلحة المشتركة. وفي هذا السياق، سجلت المسؤولة الحكومية أن الاندماج الاقتصادي الإفريقي يعد مسألة استراتيجية، لافتة إلى أنه 'يتعين تثمين التكامل بين اقتصاداتنا، لا سيما من خلال تيسير التبادل، وتنسيق النظم القانونية، وتعزيز البنيات التحتية المشتركة'. بدوره، أكد كاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، عمر حجيرة، أن التعاون جنوب-جنوب شكل على الدوام محورا أساسيا في الرؤية الإفريقية المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، وهو ما يتجلى بشكل ملموس في تنظيم المنتدى البرلماني للتعاون الاقتصادي بين المغرب والدول الأعضاء في مجموعة 'سيماك'. وأوضح السيد حجيرة أن التعاون التجاري بين المغرب والدول الأعضاء في 'سيماك' يتجسد من خلال تعزيز الطرفين لشراكة اقتصادية مستمرة، بحيث بلغ الحجم الإجمالي للتبادل التجاري سنة 2024 ما يقارب 2,1 مليار درهم، فضلا عن تسجيل الاستثمارات المباشرة المغربية تطورا ملحوظا في المنطقة، مشيرا إلى أن هذه الاستثمارات موجهة بشكل خاص نحو قطاعات ذات أثر اقتصادي كبير مثل المالية، والأبناك، والتأمين، والاتصالات، والصناعات الغذائية والبنية التحتية. من جانبه، قال كاتب الدولة المكلف بالإدماج الاجتماعي، عبد الجبار الرشيدي، إنه في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية والجيوسياسية، بالإضافة إلى جائحة كوفيد 19، أطلق جلالة الملك مشروع تثبيت ركائز الدولة الاجتماعية، باعتباره ثورة اجتماعية هادئة، تروم النهوض بالإنسان المغربي، وضمان الحماية والعيش الكريم للمواطنات والمواطنين، وذلك من خلال، تعميم منظومة الحماية الاجتماعية على جميع المغاربة، وتنزيل برنامج الدعم المالي المباشر لفائدة الأسر الفقيرة والمعوزة، ودعم السكن. فضلا عن إرساء سياسات عمومية مواكبة تروم النهوض ببعض الفئات في وضعية إعاقة. وأضاف السيد الرشيدي أنه يتم على مستوى القطاع العام اعتماد تدابير خاصة لضمان مناصب عمل في الإدارات العمومية للأشخاص في وضعية إعاقة كتخصيص7 بالمائة سنويا من المناصب، فضلا عن تنظيم المباراة الموحدة الخاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة من حاملي الشواهد العليا والتقنية. وفيما يخص القطاع الخاص، أوضح أنه يتم إبرام اتفاقيات مع مجموعة من المقاولات الخاصة لتشغيل الأشخاص في وضعية إعاقة وضمان اندماجهم في سوق الشغل بناء على الكفاءات التي يتمتعون بها ودعما للمسؤولية الاجتماعية للمقاولة الوطنية، فضلا عن تمويل المشاريع المدرة للدخل في إطار التشغيل الذاتي. ويهدف المنتدى البرلماني للتعاون الاقتصادي المغرب-المجموعة الاقتصادية والنقدية لدول وسط إفريقيا (سيماك)، المنظم من طرف مجلس المستشارين وبرلمان مجموعة 'سيماك'، بشراكة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إلى إرساء منصة مؤسساتية للحوار وتبادل الرؤى حول سبل تعزيز التعاون الاقتصادي وتنمية المبادلات التجارية بين المغرب ودول المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا، بما يخدم إقامة مشاريع تنموية مشتركة، ويساهم في دعم دينامية الاندماج الاقتصادي الإفريقي، في سياق تفعيل اتفاق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF). ويتميز المنتدى بمشاركة برلمانية رفيعة المستوى وتمثيلية متميزة للقطاع الخاص وأرباب العمل من دول مجموعة 'سيماك'، إلى جانب مسؤولين مغاربة، وخبراء في الاقتصاد، والطاقة، والمناخ، والتنمية المستدامة.


زنقة 20
منذ 11 ساعات
- زنقة 20
الراشدي: مشروع الدولة الاجتماعية بالمغرب نموذج لتقاطع التنمية والكرامة الإنسانية
زنقة20ا العيون: علي التومي قال عبد الجبار الراشدي،كاتب الدولة المكلف بالإدماج الإجتماعي، خلال مشاركته في فعاليات المنتدى البرلماني للتعاون الاقتصادي بين المغرب ودول مجموعة سيماك (CEMAC)، بأن هذا اللقاء الهام يشكل فضاء مميزا للنقاش وتبادل الرؤى حول الرهانات والتحديات المشتركة التي تواجه المغرب وأشقائه في إفريقيا الوسطى. وثمّن الراشدي، حرص الجهات المنظمة على توفير هذا الإطار للحوار البرلماني والاقتصادي، في ظل سياق دولي معقد، مشيرًا إلى أن العالم عرف خلال السنوات الأخيرة أزمات متلاحقة، من بينها التغيرات المناخية وجائحة كوفيد-19، ما أدى إلى اضطراب سلاسل الإنتاج والتوزيع، وتداعيات اجتماعية واقتصادية أثرت سلباً على فئات واسعة في مختلف دول العالم، وخاصة في الدول النامية. وفي هذا السياق، أبرز الراشدي أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله أطلق مشروع الدولة الاجتماعية كإجابة وطنية قوية على هذه التحديات، حيث تهدف هذه المبادرة إلى ضمان العيش الكريم للمواطن المغربي، وجعل الإنسان محور السياسات العمومية. وأوضح أن مشروع الدولة الاجتماعية يرتكز على تعميم الحماية الاجتماعية، وهو ورش وطني كبير انطلق عبر تفعيل التغطية الصحية الإجبارية التي يستفيد منها الآن أكثر من 4 ملايين مغربي، إضافة إلى إطلاق برنامج الدعم المالي المباشر لفائدة الأسر المعوزة، وبرامج دعم السكن عبر مساعدات مالية تتراوح بين 70 ألف و100 ألف درهم، لتسهيل ولوج الأسر ذات الدخل المحدود إلى السكن اللائق. وأشار الراشدي إلى أن هذا الورش الوطني شمل أيضًا إطلاق سياسات عمومية مدمجة تستهدف تمكين الفئات في وضعية هشاشة، وتوفير آليات الدعم الاقتصادي والاجتماعي التي تساهم فيها قطاعات وزارية متعددة لضمان مواكبة فعلية وشاملة للمواطنين. كما أكد ذات المتحدث على توسيع سلة الخدمات الصحية، خاصة لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، مشيرًا إلى تعميم التغطية الاجتماعية لهم من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتوقيع 29 اتفاقية مع عدد من المدن لتحسين الولوجيات بالأماكن العامة. وخلص الراشدي كلمته بالتأكيد على أن المغرب، بقيادة جلالة الملك، يحرص على تعزيز التعاون الاقتصادي مع عموم القارة الإفريقية، ليس فقط من منطلق الربح الاقتصادي، بل بهدف تحسين أوضاع المواطنين في كل ربوع القارة، ودعم الجهود الجماعية لتحقيق الرفاهية والعدالة الإجتماعية لشعوبنا.