
جدية الخطة الأميركية لتهجير الفلسطينيين إلى ليبيا
طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في كانون الثاني/ يناير 2025، خطة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ولقيت تلك الخطة رفضاً كاملاً من مصر والأردن، وهما الدولتان اللتان اقترحهما في البداية لمساعي نقل سكان غزة، الذين تواصل "إسرائيل" حصارهم وقصفهم وتجويعهم وإبادتهم منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ثم عاد لاحقاً، واقترح إمكانية نقلهم إلى دول أخرى.
وصرّح ترامب أكثر من مرة عن رغبته في تحويل قطاع غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وذلك تحت مزاعم إعادة إعمارها. وبدلاً من أن يتدخل لوقف القتل اليومي المستمر للمدنيين في غزة، يزعم أن الحلّ هو نقل سكان القطاع إلى أماكن "يمكنهم أن يكونوا سعداء فيها من دون أن يُطلق عليهم النار".
وعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء زيارته إلى قطر في 14 أيار/ مايو 2025، إلى الحديث عن السيطرة الأميركية على القطاع، وعرض فكرة ما سمّاه "منطقة الحرية"، زاعماً أنّ هذه الخطة تهدف إلى إعادة تطوير "القطاع الذي مزقته الحرب".
وخلال اجتماع مائدة مستديرة للأعمال في الدوحة مع كبار المسؤولين القطريين، قال ترامب: "أعتقد أنني سأكون فخوراً بحصول الولايات المتحدة على قطاع غزة، واستلامه، وتحويله إلى منطقة حرة".
ويلاحظ أنه في كل مناسبة وكل مرة يأتي دونالد ترامب على ذكر غزة وتهجير سكانها والسيطرة عليها. وعندما تذهب السكرة وتأتي الفكرة يعلن تراجعه عن تلك التصريحات والمخططات. لكنّ الشواهد تؤكد أن خطة التهجير باقية في العقل الباطن للرجل وفي تصوراته ومخططاته وأجنداته؛ وأن الأمر ليس مجرد زلة لسان أو بالون اختبار.
وتبدو خطة تهجير سكان غزة والسيطرة عليها جدية ومركزية وحاضرة في تفكير ترامب وممارساته، ونفيها مجرد ذر للرماد في العيون، ويأتي وفق قاعدة أن نفي النفي إثبات. والملاحظ أن دونالد ترامب في سبيل تنفيذ خطة إخلاء قطاع غزة وتهجير سكانه؛ يدرس البدائل الممكنة والخيارات المتاحة، وآخرها اختيار ليبيا بدلاً من مصر والأردن.
وهو ما كشفت عنه شبكة "إن بي سي نيوز" التي نقلت في 17 أيار/ مايو 2025؛ عن خمسة أشخاص مطّلعين، قولهم إن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعمل على خطة لنقل نحو مليون فلسطيني بشكل دائم من قطاع غزة إلى ليبيا.
وأضافت "إن بي سي نيوز" أن الخطة الأميركية قيد الدراسة، وأن إدارة ترامب ناقشتها مع القيادة الليبية، ولم تحدد الشبكة من هي القيادات الليبية التي التقت بها إدارة ترامب وناقشت الخطة معها؛ لكن الأمر عطفاً على معطيات عديدة سابقة – كلقاء الوزيرة المنقوش ومحاولة التطبيع - لا يبدو مستبعداً، حتى وإن نفته إدارة ترامب لاحقاً، واستنكرته بعض الأطراف السياسية الليبية، ولا سيما أن الخطة الأميركية تقوم على أنه في مقابل إعادة توطين الفلسطينيين تفرج الإدارة الأميركية عن مليارات الدولارات من الأموال الليبية التي جمّدتها الولايات المتحدة منذ أكثر من عشر سنوات.
وتوضح الشبكة الإخبارية أنه لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق نهائي، وتستدرك بأنه قد تم إبلاغ "إسرائيل" بالمباحثات التي تجريها الإدارة الأميركية، وتشير إلى أن تفاصيل الموعد أو آلية التنفيذ لا تزال عالقة، مرجحة أن تواجه الخطة عقبات كثيرة أمام محاولة إعادة التوطين. 15 أيار 08:47
8 أيار 12:14
ووفقاً لما نشرته الشبكة، يدرس مسؤولو الإدارة الأميركية الخيارات المتاحة وجميع الطرق المحتملة لنقلهم من غزة إلى ليبيا، سواء جواً أو براً أو بحراً، وفقاً لأشخاص مطّلعين مباشرة على الجهود. وقالت إن "إحدى الأفكار التي ناقشها مسؤولو الإدارة هي تقديم حوافز مالية للفلسطينيين مثل السكن المجاني والراتب"، كما أشارت إلى أن سوريا تبقى وجهة محتملة أيضاً لنقل الفلسطينيين إليها.
كانت فكرة التهجير الجماعي للفلسطينيين في غزة تعدّ ذات يوم خيالاً لليمين المتطرف في "إسرائيل"، ولكن منذ أن قدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الفكرة في اجتماع في البيت الأبيض شباط/ فبراير 2025، أشاد بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووصفها بالرؤية الجريئة.
وباتت موضع توافق أميركي-إسرائيلي ودخلت حيز التنفيذ، ففي 7 آذار/ مارس 2025، قالت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إن "إسرائيل" تعمل على تنفيذ المبادرة الأميركية لتهجير سكان قطاع غزة. وكشفت الصحيفة أن الإدارة الأميركية شكلت فريقاً متخصصاً للترويج لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة. وأوضحت أن الفريق الأميركي على اتصال بمديرية "الهجرة من غزة"، التي أنشأها "جيش" الاحتلال الإسرائيلي.
وقد بدأت بين حين وآخر تظهر محاولات أميركية وإسرائيلية من أجل تنفيذ مخططات التهجير. ولم يقتصر الأمر على مصر والأردن وليبيا، وتبدو أن فكرة ترحيل الفلسطينيين إلى القارة الأفريقية ليست حديثة، ففي 14 آذار/ مارس 2025، كشفت وكالة "أسوشيتد برس" للأنباء أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" عرضتا على مسؤولين في 3 دول أفريقية توطين فلسطينيين من قطاع غزة على أراضيها.
ونقلت الوكالة عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين قولهم إن الولايات المتحدة و"إسرائيل" تواصلتا مع مسؤولين في 3 دول بشرق أفريقيا هي السودان والصومال ومنطقة أرض الصومال لمناقشة استخدام أراضيها لإعادة توطين الفلسطينيين من قطاع غزة.
وبالفعل، تواصلت إدارة ترامب مع هذه الدول في شرق أفريقيا لاستكشاف فرص تجسيد الفكرة، وفي حين رفض السودان الاقتراح على الفور، نفت ليبيا والصومال أن يكون قد جرى الاتصال بهما، ربما خوفاً من ردود فعل شعبيهما.
تعكس الخطة الأميركية لتهجير سكان قطاع غزة ما بين الجدية والجدلية، كيفية تعامل الولايات المتحدة مع قضايا المنطقة عموماً، والقضية الفلسطينية كقضية مركزية بوجه خاص، وتجد حالة من الاستسهال والتهوين والاستخفاف، وكأن نقل مليون إنسان فلسطيني من قطاع غزة إلى ليبيا أو أي دولة أفريقية أخرى أمر ممكن ومتاح ومباح، مع تجاهل تام ومتعمّد لتداعيات التغيير الديموغرافي ومخالفة أبسط قواعد القانون الدولي العام والإنساني. فالتهجير في أحد معانيه القانونية والإنسانية يعني التطهير العرقي.
إن التصور الأميركي يتعامل مع سكان قطاع غزة بنظرة تخلو من البعد الإنساني، إذ يصوّر ويتصوّر بأنه يمكن تهجير سكان قطاع غزة، وأنهم سيقبلون بذلك، بل يفترض أن يشكروا إدارة ترامب على ذلك، والمفارقة هنا ليست في إمبريالية الطرح الأميركي، ولكن في تقديم التهجير وكأنه خطة إنسانية، ومن مفارقات الطرح الأميركي أيضاً أن تمويل تكاليف تهجير سكان قطاع غزة إلى ليبيا ستتم من خلال الأموال الليبية المجمدة.
توافق إدارة ترامب مع حكومة نتنياهو اليمينية على مخططات تهجير سكان قطاع غزة، وضم الضفة الغربية، يؤكد أن ما يحدث في قطاع غزة ليس مجرد عمليات عسكرية لاستعادة الردع والأسرى وهزيمة المقاومة، ولكننا أمام إبادة وجرائم حرب ترتكب وتستمر، ومقابل إيقافها هو تنفيذ مخططات التهجير التي تعني إنهاء القضية الفلسطينية من خلال نفي أحد أهم مكوّناتها وهو الإنسان الفلسطيني.
وبالتالي، فإن نفي إدارة ترامب خطة التهجير في ليبيا أو غيرها من الدول العربية والأفريقية هو نفي زائف مؤقت، ولا يعكس جدية الخطط والمخططات الأميركية -الإسرائيلية المسكوت عنها والمعلن، فالقتل والتجويع والإبادة والحصار والتدمير والدعم والتأييد كلها أدوات أميركية -إسرائيلية تهدف إلى تهجير سكان قطاع غزة، وعليه فإننا أمام خطة جادة وجدية وخطيرة لا تقبل الجدل والتأجيل.
وقد توظف من أجل تنفيذها المشكلات السياسية والتحديات الاقتصادية التي تعاني منها الدول العربية والأفريقية المستهدفة. وهو ما يستدعي جهداً عربياً-فلسطينياً-أفريقياً من أجل مواجهة هذه المخططات وإجهاضها، وهو أمر ليس مستبعداً، وقد نجحت هذه الدول مراراً في مواجهة الأطماع والمخططات الصهيوأميركية في المنطقة العربية والأفريقية، خاصة أن أحد أبعاد ودوافع مخططات تهجير سكان قطاع غزة يتعلق بمخطط لإنشاء قناة بن غوريون.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


LBCI
منذ 33 دقائق
- LBCI
الحجار إستجوب أمين سلام وشقيقه كريم وفادي تميم وإيلي عبود
استجوب النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار على مدى ساعتين وزير الاقتصاد السابق امين سلام في حضور وكيليه المحاميين طوني فرنجية سامر الحاج حول الأخبار المقدم ضده وضد شقيقه كريم سلام ومستشاره فادي تميم وإيلي عبود من لجنة الاقتصاد النيابية بجرم اختلاس الأموال وابتزاز شركات التأمين. وفي نهاية الجلسة، قرر تركه رهن التحقيق واستدعاه إلى جلسة ثانية يعقدها يوم الثلاثاء المقبل.


LBCI
منذ 33 دقائق
- LBCI
مورغان أورتاغوس: على لبنان القيام بالمزيد لنزع سلاح حزب الله
شددت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس على أنه لا يزال على لبنان القيام بالمزيد لنزع سلاح حزب الله. وقالت أورتيغوس خلال منتدى قطر الاقتصادي: "السلطات اللبنانية قامت بالمزيد خلال الأشهر الستة الماضية مما فعلته على الأرجح خلال السنوات الـ15 الماضية". لكنها أضافت: "مع ذلك، ما زال هناك الكثير مما يجب القيام به". وأشارت الى أن "الولايات المتحدة دعت إلى نزع سلاح حزب الله بالكامل"، موضحة أن هذا لا يعني فقط جنوب الليطاني، بل في كل البلد"، داعية السياسيين اللبنانيين إلى "اتخاذ قرار".


الميادين
منذ ساعة واحدة
- الميادين
الاجتماع الوطني السوري: لا للتطبيع مقابل رفع العقوبات الأميركية
رحّب الاجتماع الوطني السوري الموسّع، اليوم الثلاثاء، برفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا لمدة 6 أشهر قابلة للتمديد، واصفاً إياها بـ"العقوبات الجائرة التي أنهكت الشعب السوري طيلة العقد الماضي". وحذّر الاجتماع بشدّة في بيانٍ له من الثمن السياسي المحتمل لهذا التجميد، ولا سيما ما يتردّد عن مطالب تطبيع مع الكيان الإسرائيلي كشرط ضمني لرفع العقوبات، محذّراً أيضاً من أي تنازل عن السيادة الوطنية أو تفريط بالجولان السوري المحتل. كما عبّر البيان عن رفض تامّ لأيّ مشاريع تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، أو انضمام سوريا إلى ما يُعرف بـ"الاتفاقيات الإبراهيمية" أو غيرها من اتفاقيات السلام مع العدو الإسرائيلي، مؤكداً أنّه "ليس من صلاحيات الحكم في دمشق عقد هكذا اتفاقيات". اليوم 12:21 19 أيار وأشار المجتمعون إلى تقارير إعلامية تحدّثت عن لقاءات جرت في أذربيجان بين مسؤولين سوريين ونظرائهم من كيان الاحتلال، في ظلّ غياب نفي رسمي من دمشق، معتبرين أنّ هذا الصمت يثير الشكوك ويقوّض الثقة. كذلك، دان البيان العدوان الإسرائيلي المتواصل على الأرض السورية، بما في ذلك التوسّع في الجنوب السوري، واستهداف مقدّرات الشعب السوري وبنيته التحتية، معتبراً أنّ هذه الاعتداءات لا تواجه بردّ كافٍ من السلطات الرسمية. كما دان المشاركون في الاجتماع تقاعس السلطات السورية وصمتها إزاء استيلاء الاحتلال على ملفات حسّاسة تخصّ الأمن الوطني السوري، ومنها أرشيف الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، مطالبين بـ"فتح تحقيق مستقل" للكشف عن كيفيّة وصول هذه الوثائق إلى الاحتلال. وجدّد البيان تأكيد التمسّك الكامل بسيادة سوريا ووحدتها أرضاً وشعباً، ورفض كلّ مشاريع التقسيم أو التفريط بالجولان السوري المحتل. وشدّد على حقّ الشعب السوري المشروع في تحرير أراضيه بكلّ الوسائل القانونية والدولية، وعلى ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية من البلاد. وأهاب الاجتماع بجميع القوى والفعّاليات السورية السياسية والشعبية إلى رفع الصوت والتعبير عن الرفض القاطع لأيّ صفقات أو مشاريع تهدّد أمن سوريا واستقلالها، داعياً إلى "موقف وطني موحّد يحفظ السيادة ويصون الثوابت الوطنية".