
هل يشعل القطب الشمالي شرارة حرب نووية؟
ولّت منذ زمن بعيد، أيام تدريبات "الاحتماء والانبطاح" والملاجئ النووية في الولايات المتحدة الأميركية، تلك التي كانت هواجس الحرب النووية خلالها تسيطر على أذهان الكثيرين. فقد سادت لعقود أصوات العقل، وعملت الولايات المتحدة، وروسيا بشكل مشترك على تقليص خطر نشوب صراع نووي، وتقليص حجم ترساناتهما.
غير أن التعاون بدأ بالتفكك بحلول عام 2022، بعدما أثار الغزو الروسي الفاشل لأوكرانيا مخاوف جدية من تصعيد نووي، وقوّض بشدة آفاق التوصل إلى اتفاقيات مستقبلية للحد من الأسلحة النووية.
ومع ما يبدو من تجاهل روسيا محاولات إدارة ترامب التصالحية لإنهاء الحرب، تتلاشى الآمال في إنهائها، بينما تشعر أوروبا بوطأة الضغط، فتسارع إلى إطلاق جهود ضخمة لتعزيز دفاعاتها الذاتية.
وفي خضم هذه التوترات، أخذ ذوبان الجليد القطبي يفتح طرقًا بحرية في القطب الشمالي أمام حركة الشحن المتزايدة، واستكشاف الموارد، والاستعراضات العسكرية.
ففنلندا والسويد، أحدث أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، هما من الدول القطبية. أما روسيا، فهي اليوم اللاعب المهيمن في المنطقة القطبية، إذ تمتلك 53% من مجمل سواحل القطب الشمالي، وتدير أسطول كاسحات الجليد الأكبر عالميًا، فضلًا عن تعزيزها قواعدها العسكرية هناك.
وإلى جانب ذلك، أخذت الصين تلعب دورًا متناميًا، من خلال إجراء مناورات عسكرية قطبية مشتركة مع روسيا، وتسيير أسطولها الخاص من كاسحات الجليد، رغم أنها لا تملك أي أراضٍ داخل الدائرة القطبية الشمالية.
لكن، هل يُقدَّر للقطب الشمالي أن يكون بالفعل الشرارة الأرجح لحرب نووية؟ لنمعن النظر في الاحتمالات.
رغم برودته القارسة، لم يكن القطب الشمالي غريبًا عن النزاعات العسكرية، إذ يحتل موقعًا إستراتيجيًا بالغ الأهمية، ويُعدّ معبرًا نحو المحيطَين: الأطلسي والهادئ.
ففي الحرب العالمية الثانية، امتدت معركة الأطلسي إلى القطب الشمالي، حيث عبرت السفن المحملة بالإمدادات الأميركية إلى الاتحاد السوفياتي طريق البحر الشمالي. كما اجتاحت ألمانيا النازية النرويج، وشن الاتحاد السوفياتي حرب الشتاء ضد فنلندا عام 1940. ومع تطور الحرب الباردة، أصبح القطب الشمالي مسرحًا رئيسيًا للأنشطة الغواصيّة.
وفي أيامنا هذه، يسلط إصرار الرئيس ترامب على "الاستحواذ على غرينلاند بطريقة أو بأخرى" الضوءَ على الأهمية المتزايدة للقطب الشمالي لمصالح الأمن القومي الأميركي.
فموقع غرينلاند الجغرافي، مقترنًا بتشغيل الولايات المتحدة قاعدة بيتوفيك الفضائية (Pituffik Space Base) في أقصى الشمال، يوفّر قدرات رئيسية في "الإنذار الصاروخي، والدفاع الصاروخي، والمراقبة الفضائية".
إذ يمر أقصر المسارات للطيران الصاروخي النووي بين الولايات المتحدة، وروسيا فوق المحيط المتجمد الشمالي، وفقدان هذه القاعدة – نتيجة خطأ دبلوماسي – قد يفتح فجوة خطيرة في نظام الدفاع الإستراتيجي الأميركي.
ومع ذلك، فإن فقدان القاعدة إثر هجوم روسي مباشر يهدف إلى تعطيل بنية الإنذار الصاروخي الأميركية، يبقى أمرًا غير مرجح، نظرًا لخطر الرد الفوري والتصعيد الكارثي.
حاليًا، يتمثل المسار الأرجح لنشوب تبادل نووي محتمل في القطب الشمالي في اعتداء روسي تقليدي، أو "منطقة رمادية" ضد عضو في الناتو.
وتشمل الأنشطة الرمادية الاشتباكات الحدودية، والهجمات السيبرانية، واختراقات المجال الجوي، والاعتراضات العسكرية الطائشة، ودعم الجماعات الانفصالية؛ وهي أفعال تقف عند التخوم الفاصلة بين السلم والحرب المفتوحة، لكنها قد تفضي إلى صراع يتصاعد إلى درجة الحرب النووية.
ومن الممكن أيضًا أن تقع هجمات رمادية أو عمليات معلوماتية تستهدف تقسيم الولايات المتحدة، وغرينلاند، والدانمارك، وهي احتمالات ليست بعيدة المنال.
ومع انضمام السويد – وفنلندا بشكل أهم، نظرًا لمشاركتها حدودًا طولها 1.343 كيلومترًا مع روسيا – إلى الناتو، تزايدت فرص استهداف دولةٍ قطبية عضوٍ في الحلف.
ولإبراز هذا الخطر، نفذت القوات الأميركية في ألاسكا تدريبًا حديثًا جرى خلاله نقل مئات الجنود إلى فنلندا للتصدي لغزو روسي افتراضي. ومع ذلك، يبدو أن روسيا ستلجأ على الأرجح إلى اختبار حدود الناتو من خلال أنشطة رمادية استفزازية ومزعزعة بدلًا من شنّ غزو صريح.
وقد أدت الكارثة التي حلت بالغزو الروسي لأوكرانيا إلى إثارة شكوك لدى موسكو بشأن قدرتها على تحقيق أهدافها في مواجهة مباشرة مع دولة نووية، ناهيك عن مهاجمة حليف كبير في الناتو، مما يجعل الهجوم المباشر أمرًا غير مرجّح.
ومع ذلك، تبقى مسألة تحديد الخط الأحمر للأنشطة الرمادية بالنسبة لفنلندا، وما الذي قد يؤدي إلى تفعيل المادة الخامسة من معاهدة الدفاع الجماعي، أمرًا غامضًا.
لطالما شكّلت التهديدات النووية الأميركية رادعًا لهجوم روسي على دول الناتو الأوروبية، إلا أن التصريحات المتكررة للرئيس ترامب التي تشكك في التزامه بالدفاع عن عضو في الناتو تعرض لهجوم، قد زعزعت ثقة الأوروبيين في التزام أميركا.
ونتيجة لذلك، تفكر فرنسا والمملكة المتحدة في توسيع ترساناتهما النووية، ما يشير إلى زيادة الاعتماد على الردع النووي، لا سيما للدفاع عن أعضاء الناتو القطبيين. إذ تعيد فرنسا النظر في قرارها المتعلق بإيقاف تشغيل رؤوسها النووية الحالية مع دخول بدائل جديدة إلى الخدمة، وهو ما قد يضاعف من حجم ترسانتها.
وفي الوقت ذاته، تقوم فرنسا بترقية قاعدة جوية أقرب إلى الحدود الألمانية، لتكون قادرة على استضافة أسلحة نووية. أما المملكة المتحدة، التي لطالما اعتمدت على الولايات المتحدة في دعم ترسانتها النووية، فقد بدأت تشكك في هذا الاعتماد، وقد تسعى إلى خيارات أخرى؛ لضمان امتلاك قدرة ردع فعالة وموثوقة. ومن شأن هذه التطورات أن تنذر بسباق تسلح نووي جديد.
وتلوح في الأفق بوادر فترة من الانتشار النووي مع حلول فبراير/ شباط 2026، وهو موعد انتهاء معاهدة "ستارت الجديدة"، آخر معاهدة قائمة للحد من الأسلحة النووية الإستراتيجية بين الولايات المتحدة، وروسيا.
في غضون ذلك، تواصل الصين، التي تنشط في القطب الشمالي، بناء ترسانتها النووية بسرعة، مع طموح لامتلاك أكثر من ألف رأس نووي بحلول عام 2035. وترفض الصين باستمرار الانضمام إلى معاهدة تخفيض الأسلحة النووية متعددة الأطراف مع الولايات المتحدة، وروسيا، متذرعة بأن ترسانتها النووية أصغر بكثير مقارنة بهما.
وقد تؤدي قضايا الملاحة في القطب الشمالي كذلك إلى تصعيدات عسكرية تبلغ مستوى الاستخدام النووي. فنظام الملاحة العالمية بالأقمار الصناعية (GNSS)، بما يشمل نظام تحديد المواقع الأميركي (GPS) ونظام غلوناس الروسي (GLONASS)، يعاني من تراجع في الدقة والموثوقية في القطب الشمالي، وذلك لأسباب عديدة، منها ميول مدارات الأقمار الصناعية، وتداخل الغلاف الأيوني.
ومع تزايد حوادث التشويش الروسي على نظم الملاحة في أوروبا، يمكن تصور أن روسيا قد تستخدم أساليب مماثلة في القطب الشمالي، بما في ذلك التلاعب بالإشارات، بهدف إثارة الاضطراب، أو التسبب بأخطاء ملاحية تؤدي إلى حادث دولي قابل للاستغلال.
وقد يؤدي انجراف سفن عسكرية أو مدنية إلى داخل المياه الإقليمية الروسية إلى احتجازها، أو الاستيلاء على حمولتها، أو احتجاز طواقمها لاستخدامهم في "دبلوماسية الرهائن". وحل مثل هذه المواجهات بالقوة قد يتدهور بسرعة إلى صراع شامل.
ومع ذلك، لا يعيش القطب الشمالي في عزلة، فهناك مناطق أخرى تتصاعد فيها التوترات النووية.
فاحتمال غزو الصين لتايوان يُعد السيناريو الأرجح لمواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وقوة نووية أخرى. وعلى الرغم من أن الرئيس شي جين بينغ لم يبدِ نية صريحة للغزو، فإنه يسعى لأن تكون قواته قادرة على اجتياح تايوان بحلول عام 2027.
وبينما أشار الرئيس بايدن إلى عزمه دعم تايوان مباشرة إذا وقع الغزو، يبدو أن الرئيس ترامب يفضل الموقف الأميركي التقليدي القائم على "الغموض الإستراتيجي" حيال الجزيرة.
وإذا قرّرت الصين الغزو، وردت الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان، فإنه من الصعب تصور لجوء واشنطن إلى استخدام سلاح نووي بشأن مسألة لا تهدد الأراضي الأميركية مباشرة أو أحد حلفاء الناتو.
ومع ذلك، قد يؤدي استهداف منشآت عسكرية صينية داخل الأراضي الصينية لتعطيل قوة الغزو إلى إثارة رد نووي.
وما يدعو للقلق أكثر أن السلوكيات العسكرية الاستفزازية في أي مكان، قد تؤدي إلى دورة من التصعيد غير المقصود تفضي في النهاية إلى تبادل نووي.
فمع انفتاح القطب الشمالي أمام المزيد من الأنشطة العسكرية والتجارية، يُتوقع أن تزيد وتيرة المواجهات بين القوات المسلحة. ومع زيادة هذه المواجهات، ترتفع احتمالية وقوع حادث أو هجوم غير مقصود.
وبينما تواصل روسيا تحليق طلعاتها الدورية إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي لألاسكا، وهي منطقة من المجال الجوي الدولي تراقبها الولايات المتحدة لرصد جميع الطائرات، فإن التصرفات العدائية من قبل الطيارين الروس، ترفع من خطر تحول مواجهة روتينية إلى حادث دولي خطير.
بيدَ أن مثل هذه الحوادث العدائية تحدث بوتيرة أعلى في مناطق أخرى، مثل بحر البلطيق وبحر الشمال. على سبيل المثال، في عام 2022، أطلق مقاتل روسي صاروخين من طراز SU-27 على طائرة استطلاع بريطانية من طراز RC-135 فوق البحر الأسود، إلا أنهما لم يصيبا هدفهما لحسن الحظ.
وبالمثل، تشتهر الصين بعمليات اعتراض غير آمنة متكررة للطائرات الأجنبية في بحرَي الصين: الشرقي، والجنوبي.
وفي نهاية المطاف، فإن احتمالية أن يشهد القطب الشمالي، أو أي منطقة أخرى صراعًا يؤدي إلى حرب نووية، تتوقف أكثر على الأطراف المعنية وخياراتها، لا على طبيعة المناطق ذاتها.
فالأطراف الملتزمة بحل النزاعات سلميًا ستجد السبل للحفاظ على السلام. أما في عصر يسوده التباهي بالعضلات، والمواجهة، والنزعة التوسعية، فقد نجد أنفسنا جميعًا نخطو نحو الهاوية بلا رجعة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 36 دقائق
- الجزيرة
هل تمهّد "صداقة" ترامب الطريق أمام أردوغان لرفع عقوبات كاتسا؟
إسطنبول- يراهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على "علاقته الشخصية" بالرئيس الأميركي دونالد ترامب لرفع العقوبات الأميركية المفروضة على قطاع الصناعات الدفاعية التركية بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا عبر العقوبات (كاتسا). وأعرب أردوغان -في تصريحات أدلى بها لصحفيين رافقوه في رحلة عودته من العاصمة الألبانية تيرانا، بعد مشاركته في قمة المجموعة السياسية الأوروبية- عن اعتقاده أن القيود المفروضة على قطاع الصناعات الدفاعية التركية بموجب قانون كاتسا، سيتم التغلب عليها قريبا بفضل نهج الرئيس ترامب، الذي وصفه بـ"الأكثر انفتاحا وإيجابية". وأشار الرئيس التركي إلى أنه يستطيع القول بوضوح، إن هناك تخفيفا للعقوبات الأميركية، وإنه ناقش الأمر مع ترامب ومع السفير الأميركي الجديد في أنقرة توم باراك. وفي السياق، وافقت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي على صفقة -لا تزال بحاجة إلى مصادقة الكونغرس- ببيع صواريخ بقيمة 304 ملايين دولار إلى تركيا، في وقت يسعى فيه البلدان الحليفان في " الناتو" إلى تعزيز العلاقات التجارية والدفاعية المشتركة. فُرضت عقوبات كاتسا على تركيا في ديسمبر/كانون الأول 2020، بعد شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية " إس 400" بقيمة 2.5 مليار دولار في 2017، رغم تحذيرات واشنطن المتكررة من أن هذه الصفقة ستعرض أمن التكنولوجيا العسكرية الأميركية للخطر وتوفر تمويلا كبيرا لقطاع الدفاع الروسي. وتستند العقوبات إلى قانون "مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات" الذي أقره الكونغرس الأميركي عام 2017، والذي يفرض عقوبات على الدول التي تجري "صفقات كبيرة" مع قطاع الدفاع الروسي. وشملت العقوبات رئاسة الصناعات الدفاعية التركية وبعض مسؤوليها، بمن فيهم إسماعيل دمير، الرئيس السابق لمؤسسة الصناعات الدفاعية التركية. وتضمنت العقوبات حظر تراخيص التصدير الأميركية وتجميد أصول المسؤولين وفرض قيود على التأشيرات وحظر القروض من المؤسسات المالية الأميركية. كما أدت الصفقة إلى إقصاء تركيا من برنامج مقاتلات " إف-35". منذ فرض العقوبات، سعت تركيا جاهدة إلى رفعها عبر قنوات دبلوماسية متعددة. وفي أحدث محاولاتها، كشف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أبريل/نيسان الماضي عن استعداد بلاده لشراء معدات عسكرية أميركية بقيمة تصل إلى 20 مليار دولار إذا رفعت واشنطن العقوبات المرتبطة بمنظومة الدفاع الروسية. كما أشار فيدان إلى أن أنقرة تأمل في استعادة 6 طائرات إف-35، كانت مخصصة للقوات الجوية التركية، لكنها احتُجزت في مستودع أميركي منذ طرد تركيا من البرنامج. ويرى المحلل السياسي أحمد أوزغور، أنه لا يمكن تجاهل الدور الشخصي للرئيس التركي أردوغان في الدفع نحو رفع العقوبات الأميركية، لا سيما في ظل ما وصفه بـ"العلاقة الخاصة والمباشرة" التي تجمعه بالرئيس الأميركي ترامب. ويشير أوزغور في حديث للجزيرة نت، إلى أن هذا التواصل الشخصي بين الزعيمين أسهم في فتح قنوات تفاوض غير تقليدية خارج الأطر البيروقراطية المعتادة، مما أتاح مرونة أكبر في مواقف واشنطن. مع ذلك، يؤكد أوزغور، أن الرهان على هذه العلاقة لا يكفي بمفرده لتحقيق اختراق كامل في ملف العقوبات، ويرى أن رفعها يتطلب تهيئة مناخ إقليمي ودولي مواتٍ. وهو ما نجحت به أنقرة في السنوات الأخيرة في إعادة تقديم نفسها طرفا محوريا في قضايا تتداخل مع أولويات واشنطن، من الحرب في أوكرانيا وأمن الطاقة، إلى ملفات الشرق الأوسط المعقدة مثل إيران وسوريا. تأثير العقوبات أثّرت عقوبات كاتسا تأثيرا عميقا على قطاع الدفاع التركي والاقتصاد أكثر مما كان متوقعا في البداية. فقد كشف تقرير لشركة لوكهيد مارتن الأميركية في يناير/كانون الثاني الماضي، أن العقوبات عطلت بشدة عملياتها في تركيا، خاصة برنامج المروحيات التركي، الذي كان يهدف إلى إنتاج 109 مروحيات للاستخدام المحلي، و109 أخرى للتصدير، بقيمة إجمالية تُقدر بـ1.5 مليار دولار. وأشار التقرير إلى أن الشركة واجهت صعوبات في الحصول على تراخيص التصدير والتصاريح اللازمة للوفاء بالتزاماتها التعاقدية، مما أدى إلى تأخيرات كبيرة واضطرارها لإعلان القوة القاهرة وتعليق العمليات جزئيا ابتداء من أكتوبر/تشرين الأول 2024. وأوضحت الشركة أن العقوبات أعاقت حصولها على التراخيص التصديرية اللازمة لمواصلة العمل في مشروع إنتاج المروحيات "تي 70" بالتعاون مع الصناعات الجوية التركية وشركاء محليين آخرين مثل أسيلسان. كما أثّر حظر تراخيص إعادة التصدير من تركيا إلى دول ثالثة على 35% من صادرات صناعة الدفاع التركية التي تحتوي على أنظمة فرعية أميركية. وتعطلت صفقات تصدير كبيرة، مثل عقد بقيمة 1.5 مليار دولار مع باكستان لتوريد 30 مروحية "تي 129″، بسبب عدم قدرة شركة هانيويل على الحصول على ترخيص تصدير للمحركات. قلق إسرائيلي لا تقتصر التحديات التي تعيق مساعي تركيا لرفع عقوبات كاتسا على الاعتبارات القانونية داخل واشنطن، بل تمتد إلى ضغوط حلفاء إقليميين -وعلى رأسهم إسرائيل- التي تخشى من تداعيات إعادة دمج تركيا في برامج السلاح الأميركية المتقدمة، خصوصا صفقة مقاتلات "إف-35". فبحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، عبّرت القيادة السياسية والعسكرية في تل أبيب عن "قلق بالغ" إزاء احتمالات بيع هذه الطائرات الشبح لأنقرة، والتي ترى فيها تهديدا مباشرا لتفوقها العسكري النوعي في المنطقة. كما كشفت وسائل إعلام أميركية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مارس ضغوطا مباشرة على وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لوقف أي تحرك محتمل لإعادة فتح ملف المقاتلات مع تركيا. رغم ذلك، أشارت قناة "فوكس نيوز"، في تقرير نشرته بتاريخ 21 مارس/آذار الماضي، إلى أن الرئيس ترامب أبدى انفتاحا على بحث إعادة بيع "إف-35" إلى تركيا، إذا تم التوصل إلى صيغة تضمن تعطيل منظومة "إس 400" الروسية التي لا تزال بحوزة أنقرة. وأفادت القناة، أن ترامب طلب من فريقه إعداد دراسة عن "سبل إعفاء تركيا من العقوبات المفروضة بموجب كاتسا"، تمهيدا لإعادة تقييم الصفقة. View this post on Instagram A post shared by الجزيرة (@aljazeera) من جانبه، يرى المحلل السياسي مراد تورال أن إسرائيل، رغم امتلاكها أدوات ضغط مؤثرة داخل الولايات المتحدة بنفوذها في الكونغرس ولوبيات داعمة، لا تضمن بالضرورة أن تنسجم واشنطن تماما مع رؤيتها، خاصة في ظل إدارة الرئيس ترامب الحالية، التي تظهر استعدادا واضحا لاتخاذ قرارات تتعارض مع مصالح تل أبيب إذا اقتضت الضرورات الجيوسياسية ذلك. ويشير تورال في حديث للجزيرة نت، إلى أن هذا التوجه بدا جليا في مباركة إدارة ترامب للدور التركي في سوريا ورفع العقوبات عن سوريا بوساطة تركية، وهي أمور تزعج تل أبيب. وعليه، فإن تورال يعتبر أن الاعتراض الإسرائيلي قد يبطئ التقدم في هذا الملف، لكنه لن يمنع تطوره إذا ارتأت واشنطن أن استعادة تركيا إلى دائرة التعاون الدفاعي يصب في مصلحتها الإستراتيجية الأوسع.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
ترامب يقيم عشاء لمستثمري العملات المشفرة وسط انتقادات بالفساد
أقام الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء أمس الخميس، عشاء مغلقا في نادي الغولف الذي يملكه قرب واشنطن ، جمع كبار المستثمرين في عملته المشفرة، ما أثار انتقادات من مشرّعين ديمقراطيين وناشطين اعتبروا ذلك "فسادا" صارخا. وحضر العشاء 220 من أكبر حاملي العملة "ترامب quot; $TRUMP، وخصّت الفعالية 25 منهم من كبار المستثمرين بجلسة خاصة، وفق ما أفاد الموقع الإلكتروني للحدث، وسط تداخل مفترض لسلطته الرئاسية بمصالحه التجارية، وفق منتقدين. وأطلق ترامب العملة $TRUMP قبل ثلاثة أيام من تنصيبه، ما رفع ثروته بالمليارات وأثار تساؤلات أخلاقية. وردّ البيت الأبيض ، إن ترامب حضر بصفته "الشخصية". في الخارج رفع متظاهرون لافتات كتب عليها "أوقفوا فساد العملات المشفرة"، بينما وصفت السناتور إليزابيث وارن الفعالية بـ"حفلة فساد"، متهمة ترامب باستخدام المنصب لجني الأرباح. وكان من الحاضرين رجل الأعمال الصيني الأصل غاستن سَن، مؤسس العملة ترون (TRON) والذي وعد بضخ 93 مليون دولار في مشاريع مرتبطة بترامب، منها 20 مليونا في العملة $TRUMP. وخضع سَن لتحقيق أميركي يتعلق بالتلاعب بالأسواق، لكن الجهات الناظمة التي يسيطر عليها أفراد معينون من ترامب علقت في فبراير/شباط الإجراءات لـ60 يوما للتفاوض على تسوية. ونشر سَن مقطعا مصورا من داخل "صالة كبار الشخصيات"، قال فيه إنه بانتظار ترامب. من جهته، اعتبر غاستن أونغا من منظمة "أوقفوا فساد المال السياسي" العشاء مثالا صارخا على استفادة ترامب من الرئاسة بما يزعزع الاقتصاد الأميركي. وقال "هذا ليس مجرد باب خلفي للفساد، بل مدخل رئيسي مفروش بالسجاد الأحمر". وتزامن العشاء مع دفع مجلس الشيوخ الأميركي بمشروع قانون جديد أطلق عليه "جينياس" (GENIUS) ينظم العملات المشفرة، في خطوة طالما طالب بها هذا القطاع. في الوقت نفسه، وسّع ترامب وأبناؤه دونالد جونيور وإريك، استثماراتهم في العملات الرقمية، عبر شركة جديدة أطلق عليها "وورلد ليبرتي فايننشال"، عقدت شراكات مع مستثمرين من الشرق الأوسط. واتخذ ترامب خطوات ملموسة لتقليل الحواجز التنظيمية، بما فيها الأمر التنفيذي بإنشاء "احتياطي بيتكوين إستراتيجي" للممتلكات الحكومية من العملة الرقمية الرائدة. وسجل سعر بيتكوين قفزة غير مسبوقة الخميس متجاوزا 111 ألف دولار. وتتداول العملة الرقمية الأشهر عالميا عند نطاق 110.9 آلاف و111 ألف دولار اليوم الجمعة.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
رويترز تفضح صورة مغلوطة استخدمها ترامب ضد حكومة جنوب أفريقيا
في خطوة أثارت جدلا واسعا، عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائه برئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا صورة ادّعى أنها توثّق دفن مزارعين بيض قُتلوا في جنوب أفريقيا. غير أن وكالة رويترز كشفت أن الصورة لا تمت بصلة لجنوب أفريقيا، بل التُقطت في جمهورية الكونغو الديمقراطية. خلال الاجتماع الذي عُقد في البيت الأبيض يوم 21 مايو/أيار الجاري، أخرج ترامب صورة مطبوعة متّهما حكومة رامافوزا بالتقاعس عن حماية المزارعين البيض، فيما بدا تكرارا لروايته القديمة حول " إبادة جماعية بيضاء" في جنوب أفريقيا، وهي مزاعم دحضها مرارا الخبراء والبيانات الرسمية. الصورة المضللة ومصدرها الصورة التي استخدمها ترامب مأخوذة من فيديو نشرته وكالة رويترز في ديسمبر/كانون الثاني 2022، ويُظهر جنازة جماعية في مدينة غوما شرقي الكونغو لضحايا سقطوا في اشتباكات بين الجيش ومتمردي حركة "إم 23″، ولا علاقة لها بالمزارعين أو بجنوب أفريقيا. ترامب استند في ادعائه إلى مقال نُشر في موقع "أميركان تنكير" (American Thinker) اليميني، تضمّن رابطا للفيديو التابع لرويترز. وأقرت محررة الموقع أندريا ويدبورغ بأن الصورة أُسيء تفسيرها، لكنها دافعت عن المقال باعتباره تسليطا للضوء على "الاضطهاد الذي يواجهه البيض في جنوب أفريقيا"، حسب تعبيرها. رد رامافوزا وموقف جنوب أفريقيا رغم الطابع المثير للجدل لهذه الاتهامات، حافظ الرئيس رامافوزا على هدوئه، وأكد على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية بين واشنطن وبريتوريا. وبحسب مصادر مطّلعة على فحوى الاجتماع، لم يرد رامافوزا مباشرة على مزاعم ترامب، مكتفيا بالتأكيد على التزام بلاده بسيادة القانون وحماية جميع المواطنين دون تمييز. ردود فعل غاضبة وإشادة بالحكمة أثارت الحادثة ردودا غاضبة في جنوب أفريقيا، حيث وصف ناشطون ومحللون استخدام ترامب صورة مضللة بأنه "تلاعب خطير" قد يفاقم التوترات العرقية. في المقابل، تلقى رامافوزا إشادة واسعة على هدوئه وتعقّله في التعامل مع ما وُصف بـ"استفزاز غير مبرر". البيانات الحكومية في جنوب أفريقيا تشير إلى أن الجرائم التي تطال المزارعين لا تميّز بين الأعراق، ولا توجد مؤشرات على وجود "إبادة منظمة" ضد البيض، كما يروّج لها بعض التيارات في اليمين الأميركي. سياق سياسي مشحون تأتي هذه الواقعة في وقت يسعى فيه رامافوزا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة ، بينما يبدو أن ترامب، في خضم حملته السياسية المستمرة، لا يزال يوظّف الخطاب الشعبوي والإثارة الإعلامية ولو على حساب الدقة والحقائق.