logo
المفاوضات الأمريكية الإيرانية وورقة العراق!

المفاوضات الأمريكية الإيرانية وورقة العراق!

الصحراء١١-٠٤-٢٠٢٥

ظل خطاب الإسلاميين الإيرانيين عدائيا تجاه الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة حكم شاه إيران محمد رضا بهلوي، وربما كان دور الولايات المتحدة في الإطاحة بحكومة مصدق عام 1953 عاملا حاسما لتكريس خطاب الكراهية هذا. لكن هذا الخطاب تحول من سياسي إلى عقائدي مع الخميني، بدأ في منتصف الستينيات مع استخدامه لعبارة «الاستكبار الأمريكي» ثم ازدادت حدته بعد نجاح الثورة الإسلامية، وبداية توصيف أمريكا بـ«الشيطان الأكبر».
ومراجعة كتابات الخميني وخطاباته، تكشف تركيزه على ذكر هذا العداء للولايات المتحدة وتكريسه لخطاب الكراهية تجاهها؛ ففي كتابه «الحكومة الإسلامية» الذي صدر عام 1970 يقول الخميني إن الأمريكيين إذا استمكنوا «فانهم لن يبقوا على الإسلام ولا على أهل السنة ولا على الشيعة»! وكان يحذر دائما من «المتعاونين» الذين يضعون أيديهم في أيدي «شياطين العالم» حتى «يقضوا على صوت الإسلام المحمدي»!
لكن هذا العداء العقائدي كان يتوارى تماما عندما يتعلق الأمر بالعراق، لتحضر البراغماتية الإيرانية وتتجسد! فقد سمح الخميني للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (وقد كان الخميني شخصيا خلف تشكيله عام 1982 لجمع المعارضين العراقيين «الشيعة» في كيان واحد، وترأسه لحظة التأسيس آية الله محمود الهاشمي الشاهرودي الذي كان أحد أعمدة النظام الإيراني) بأن يكونوا طرفا رئيسيا في الحوار مع الولايات المتحدة، بعد صدور قانون تحرير العراق في العام 1998، ولم يقف الأمر عند حدود الحوار السياسي، بل سمحت إيران للمجلس الأعلى وذراعه العسكري «فيلق بدر»، الذي يعمل تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني، بتلقي أموال من «الشيطان الأكبر» ضمن برنامج خاص؛ فوفقا للوثائق الأمريكية، تحديدا الأمر التنفيذي (P. D. 99.13) الذي أصدره الرئيس بيل كلينتون عام 1999، كان المجلس الأعلى واحدا من ستة تنظيمات مُوِلت بموجب قانون تحرير العراق الذي أصدره كلنتون عام 1998!
ليتوج ذلك التعاون بزيارة للسيد عبد العزيز الحكيم (الشقيق الأصغر لمحمد باقر الحكيم الذي تولى رئاسة المجلس الأعلى بعد الشاهرودي) الولايات المتحدة عام 2002، واللقاء بنائب الرئيس ديك تشيني، ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، وكانا أبرز شخصيتين في اليمين المحافظ اللتين دفعتا في اتجاه الحرب على العراق وسُمح للمجلس الأعلى بأن يكون «متعاونا» رئيسيا مع الاحتلال الأمريكي فيما بعد!
كتبنا أكثر من مرة عما أسميناه «اللعبة المزدوجة» التي لعبتها الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في العراق بعد عام 2003؛ فقد اكتشف الأمريكيون أنه لا بديل عن السماح لإيران بأن يكون لها دور جوهري في العراق، من خلال هيمنتها المطلقة على قرار الفاعل السياسي الشيعي، لا يتعلق الأمر هنا بالجماعات الإسلامية المرتبطة بإيران وحسب، بل حتى بالجماعات الليبرالية «الشيعية» أيضا. كما اكتشف الإيرانيون أنه من مصلحتهم العمل مع الأمريكيين لإنتاج نظام حكم يسيطر عليه الفاعل السياسي الشيعي، لهذا دعموا تشكيل كتلة شيعية صلدة لضمان ذلك، وفي الوقت نفسه دعموا مجموعات شيعية هامشية مسلحة لمشاغلة الأمريكيين، واستخدامهم كورقة ضد أي محاولة أمريكية لإخراجهم من اللعبة. وكانت اللحظة الأكثر رمزية في هذا السياق هي اتفاقهما على دعم نوري المالكي لولاية ثانية عام 2010!
بعد سيطرة داعش على أكثر من ثلث العراق عام 2014 تطور التعاون الأمريكي الإيراني على الأرض، ليتحول إلى عمل مشترك صريح؛ فبعد إفشال الفاعلين السياسيين الشيعة للفكرة الأمريكية المتعلقة بالحرس الوطني والتي بنيت على أساس تجنيد مقاتلين محليين من السنة لهزيمة داعش، وإصرار إيران على فكرة الميليشيات العقائدية/ الحشد الشعبي المشكل من وكلائها في العراق، اضطر الأمريكيون للقبول بالفكرة الإيرانية، وغضوا الطرف ليس فقط عن استخدام هذه الميليشيات للأسلحة الأمريكية، بل سلحوها بشكل مباشر بصواريخ تاو لمواجهة مفخخات داعش الانتحارية، ووفروا لها غطاء جويا في الكثير من المعارك، وتغافلوا تماما عن الانتهاكات واسعة النطاق التي كانت تمارسها تلك الميليشيات، والتي وصفها تقرير لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأنها جرائم ضد الانسانية ترقى لأن تكون جرائم حرب. وظلت المحاولات الأمريكية لمنع هذه الميليشيات من المشاركة في بعض المعارك (على سبيل المثال معركتي تكريت والفلوجة) ولم يكن ذلك موقفا حاسما ضد تلك الميليشيات، وإنما كان ذلك في سياق «تخفيف الحساسيات» بدليل أنها لم تعترض، لاحقا، على دخولها إلى تلك المناطق بعد استعادتها، كما لم تعترض على الانتهاكات التي قامت بها!
في ولاية الرئيس ترامب الأولى كان التركيز الأمريكي منصبا على البرنامج النووي الإيراني، ولم تتحول الإشارات حول «الخطر الذي تشكله إيران على المنطقة بأكملها» (هذه العبارة وردت في مكالمة هاتفية بين الرئيس ترامب ورئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي 2017) إلى سياسة حقيقية. لهذا كانت المواقف الأمريكية تجاه وكلاء إيران في العراق مرنة إلى حد بعيد، حتى بعد هجومهم بصواريخ الكاتيوشا على السفارة الأمريكية في بغداد بداية من أيار 2019 ولم يزد الرد الامريكي عن عقوبات لبعض الشخصيات الثانوية، ثم عقوبات على شخصيات محددة في ميليشيا عصائب الحق. وحتى بعد قرار ترامب باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، تلقت الولايات المتحدة الرد الإيراني في قاعدة عين الأسد بكل هدوء!
اليوم نحن أمام علاقات أمريكية إيرانية متأزمة، وثمة تهديدات صريحة ومباشرة بينهما، لكن ثمة مسارا آخر يتعلق برسائل متبادلة ومفاوضات مباشرة بين البلدين، العراق حاضر فيها؛ فقد تضمنت شروط ترامب حل الميليشيات العراقية المرتبطة عقائديا بولاية الفقيه، ولوجستيا بالحرس الثوري الإيراني. والسؤال الجوهري هنا: هل هذا الشرط حقيقي أم أنه مجرد ورقة قابلة للتفاوض في مقابل الشروط الرئيسية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني وبالصواريخ الإيرانية وبالنفوذ الإيراني في المنطقة؟
ويرتبط هذا السؤال بسؤال جوهري آخر يتعلق بموقع العراق في السياسة الأمريكية عموما؛ فمنذ عام 2011 لم يعد العراق يحضر في استراتيجيات الأمن القومي الأمريكية سوى بوصفه عنصر تهديد بسبب هشاشة نظامه السياسي، وليس بوصفه دولة حيوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
كل هذا يؤشر إلى أن يكون العراق جزءا من أي صفقة أمريكية إيرانية، من خلال قبول ضمني أمريكي بالهيمنة الإيرانية على العراق، بما في ذلك القبول ببقاء الميليشيات نفسها فيه مع بعض الإصلاحات الشكلية مقابل ضمانة إيرانية بأن لا يتعدى نفوذها الداخل العراقي، وعدم اعتراضها على الوجود الأمريكي المحدود في العراق، في مقابل قبول إيران بالشروط الجوهرية الأخرى.
كاتب عراقي

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كيفاش نفهمو الإسلام بالاستقراء
كيفاش نفهمو الإسلام بالاستقراء

Babnet

timeمنذ 10 ساعات

  • Babnet

كيفاش نفهمو الإسلام بالاستقراء

الخمر حلال وإلا حرام؛ الميراث في القرآن مسألة حَرفية وإلا فيها اجتهاد؛ إقامة الصلاة عبادة وإلا تدعيم للعبادة اللي هي إتّباع الصراط المستقيم؛ ثمة وإلا ماثماش دولة إسلامية في الإسلام؛ القاتل لازم يتقتَل وإلا لا؛ السارق لازم تتقطَع يدّو وإلا لا؛ الفائدة البنكية راهي ربا وإلا لا؛ تعدد الزوجات ممكن وإلا لا؛ ارتداء الحجاب واجب ديني وإلا لا؛ إلى آخره من المواضيع اللي المسلمين ماهمش متفقين عليهم. عندي جواب أو موقف من بعض المواضيع هاذم، لكن الأهم (في التطرق متاعي لعلاقة الإسلام بالواقع متاعنا، كيفاش هي وكيفاش تكون أفضل)، موش أني نعطي رأيي في هاك المواضيع إنما الأهم أني، بصيفتي متخصص في البيداغوجيا متاع تعليم اللغة، وبصيفتي نعتبر مُحكم التنزيل والرسالة المحمدية لغة تِتقرَى ؛"اقرَأ باسمِ ربِّكَ"؛ وتِتفهِم وتِتقال، أي تِتطَّبّق (الكلام= فعل وعمَل، في علم اللسانيات)، الأهم أني نساهم بطريقة أو منهجية أو مقاربة تخَلي المسلم يتعَلم وحدو كيفاش يفهم، أو يزيد يفهم، هاك المواضيع الشائكة وغيرها، يفهمها بالاعتماد على العقل متاعو و الإحساس (الحَدس خاصة) متاعو. أما الأداة اللي نقترحها على المسلم بش يقرا الرسالة المقدسة ويفهمها ويقول بيها ويعمل بيها فهي الاستقراء. الاستقراء بالفرانسوية والانقليزية هو ال induction. وهو عكس أداة الاستخراج أي déduction. معنتها المسلم يزّيه من "قال المفسر الفُلاني"، ومن "استدل العالم الفلاني" الخ. معنتها المسلم ينَجم يفهم الدين متاعو بواسطة الإختلاء بنفسو. يُوزن مليح الموضوع X أو Y، يحِس بيه، يِتمَثلو، يدَوّرو مليح في العقل متاعو، ويسئل نفسو يا هل ترى هو كإنسان، مثلاً ينَجم يتعاطى المسكرات من غير ما يدخل بعضو ومن غير ما يفقد البوصلة ومن غير ما يظلم الناس، وإلا لا. بالطريقة هاذي آنا متأكد اللي هالشخص بش يُخرج بحُكم يخُصو هو وربما يخُص الناس اللي كيفو. أو يسئل نفسو يا هل ترى ينَجم يتزَوج بثانية من غير ما يتألم هو ويتسَبب في تألم وحدة من الزوجتين وإلا الاثنين، ومن غير ما يعلن إفلاسو العاطفي أو الجسدي أو المالي أو الأُسري أو الاجتماعي، أو كلهم قَطع لَفّ. بالطريقة هاذي آنا متأكد اللي هالشخص بش يُخرج بحُكم يخُصو هو بالذات وربما يخُص الرجال اللي كيفو. هكة، المسلم ينَجم يسَلكها خير من وقت اللي يسئل شيخ أو إمام أو حتى علاّمة متاع علوم شرعية ، على خاطر الشيخ أو الإمام أو العلاّمة بش يضُرو أكثر من اللي بش ينفعو. على خاطر الشيخ وما شابهو ماهوش هو، وهو ماهوش الشيخ. وعلى خاطر الشيخ ينَجم يَعمل عليه إسقاط projection، يعني يمِل عليه الفهم متاعو، اللي حافظو حفاظة وعُمرو ما عدّاه على غربال الاستقراء. وينَجم الشيخ حتى يمَرِّرلو الرغبات متاعو هو أو التخوفات متاعو هو.

وزير الداخلية الفرنسي يعلن عن تنظيم جديد لمكافحة "الإسلاموية"
وزير الداخلية الفرنسي يعلن عن تنظيم جديد لمكافحة "الإسلاموية"

ديوان

timeمنذ 2 أيام

  • ديوان

وزير الداخلية الفرنسي يعلن عن تنظيم جديد لمكافحة "الإسلاموية"

وتأتي المبادرة في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى مواجهة ما سماه "الانفصال المجتمعي وتعزيز تماسك الجمهورية". وأكد روتايو في مستهل اجتماع "خلية مكافحة الإسلاموية والانفصال المجتمعي" أن هذه المواجهة "لا تعني مطلقاً استهداف المسلمين"، مشدداً على أن الخلط بين الإسلام كدين والإسلاموية كإيديولوجيا "هو أخطر أشكال التلاعب". وأضاف: "إنها معركة الجمهورية، ويجب أن نخوضها بوضوح.. لم يعد الإنكار ممكناً". وسيعتمد التنظيم الجديد الذي اقترحه الوزير على بنية مشابهة لتلك التي تستخدمها فرنسا في مكافحة الإرهاب، ويقوم على قيادة استخباراتية مركزية يُشرف عليها برتراند شامولود، المدير الوطني للاستخبارات الإقليمية. كما ستتسلم باسكال ليجليس، مديرة الحريات المدنية والشؤون القانونية، قيادة 'النيابة العامة الإدارية'، للإشراف على الإجراءات القانونية والعرقلة الإدارية عند الضرورة. وأشار روتايو إلى أن هذه الخطوة، التي أُنشئت عام 2019 وتعمل في جميع الإدارات، ستشكل القاعدة الميدانية لهذا الجهد الموسّع. هذه الخلايا تضم ممثلين عن وزارات الداخلية والتعليم والصحة، وتتمثل مهامها في "تحليل واقع الإسلاموية محلياً وتنسيق المعلومات ومتابعة المخالفات المرتبطة بالتطرف". وربط الوزير بين فعالية هذه المنظمة الجديدة وقدرتها على الاعتماد على بنية تحتية إقليمية قوية، مشيراً إلى أن 'ما نفعله في مواجهة الإرهاب، يجب أن يُترجم اليوم إلى جهود منظمة لمواجهة الإسلاموية'. يأتي ذلك بعد نشر تقرير حكومي أثار جدلاً واسعاً، كشف عن ارتباط 139 مسجداً في فرنسا بجماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى 68 موقعاً آخر يُعتقد أنها قريبة من الجماعة، ما يعادل نحو 7% من مجموع أماكن العبادة الإسلامية في البلاد.

Tunisie Telegraph سيغولان روايال في تصريح لاذع : "يرهبوننا بالإسلام وينسون الفلاحين والتعليم"
Tunisie Telegraph سيغولان روايال في تصريح لاذع : "يرهبوننا بالإسلام وينسون الفلاحين والتعليم"

تونس تليغراف

timeمنذ 5 أيام

  • تونس تليغراف

Tunisie Telegraph سيغولان روايال في تصريح لاذع : "يرهبوننا بالإسلام وينسون الفلاحين والتعليم"

أعاد تقرير حكومي فرنسي صدر قبل يومين الجدل حول الإسلام السياسي إلى واجهة النقاش العام، بعدما اتهم جماعة الإخوان المسلمين بتشكيل 'تهديد طويل الأمد للجمهورية الفرنسية'. التقرير، الذي أُعد بطلب من الحكومة، يقدّم رواية مثيرة للجدل عن 'تغلغل أيديولوجي' تقوده الجماعة عبر أدوات غير عنيفة، داخل المجتمع الفرنسي. لكن في خضم هذا النقاش، تبرز انتقادات لاذعة من أطراف متعددة، ترى في الخطاب الرسمي انحرافًا عن أولويات المواطن الفرنسي، ومساسًا بحرية ملايين المسلمين، في وقت تعجز فيه الحكومة عن معالجة أزمات اجتماعية ملحة. تقرير 'شبه سري' يُثير العاصفة التقرير الذي كلّفت به الحكومة لجنة من الخبراء (لم يُكشف عن أسمائهم)، صدر بعنوان عام حول 'الإسلام السياسي'، لكنه يركّز بالأساس على جماعة الإخوان المسلمين. ويُحذر من أن الجماعة، رغم نبذها العنف في أوروبا، تسعى إلى التأثير على المؤسسات التعليمية والدينية والجمعيات المحلية، في محاولة لإعادة تشكيل المجتمع الفرنسي وفقًا لقيم محافظة تتعارض مع العلمانية والمساواة. وتعتبر السلطات أن 'مسلمو فرنسا'، الجمعية الإسلامية الكبرى في البلاد، تمثل الواجهة التنظيمية للجماعة، وهو ما تنفيه الأخيرة بشدة، معتبرة نفسها حركة دعوية قانونية تعمل في إطار الجمهورية. ردود فعل غاضبة: وصم جماعي وتمييز منهجي لم يتأخر الرد من النشطاء والحقوقيين. فقد نددت منظمات مدنية بالتقرير واعتبرته 'أداة سياسية هدفها شيطنة المسلمين'، ووسيلة لتغطية عجز الحكومة عن معالجة مشاكل حقيقية، كالأزمة الصحية والتعليمية واحتجاجات الفلاحين وسائقي التاكسي. وقالت الوزيرة الفرنسية السابقة، سيغولين روايال على منصة 'إكس' (تويتر سابقًا): 'يُتعبوننا بالحجاب يوميًا، بينما يعجزون عن حل مشكلات المزارعين، ولا يستطيعون إصلاح التعليم أو الصحة. إنهم ينشرون تقريرًا سريًا لا نعرف من كتبه، ليشككوا في 6 ملايين مسلم في فرنسا. هذا ليس فقط هواية سياسية، بل تهديد لقيم الجمهورية.' دعوات للتضييق على الحجاب مجددًا بالتزامن مع صدور التقرير، اقترح حزب 'Renaissance' الحاكم حظر ارتداء الحجاب للفتيات دون سن 15 عامًا في الأماكن العامة، في خطوة وُصفت بأنها تصعيد جديد في سياسة 'تأطير الإسلام الفرنسي'. وقد أثار هذا الاقتراح استنكارًا واسعًا من أطراف سياسية وحقوقية، معتبرين أنه يكرّس الإسلاموفوبيا المقنّعة بقانون. ماكرون والمواجهة القادمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي استقبل التقرير بحرارة، دعا وزراءه إلى إعداد 'خطة عمل' لمواجهة 'التهديد الذي تمثله حركات الإسلام السياسي'، على أن تُعرض في يونيو المقبل. هذا الإعلان اعتُبر من قبل بعض المراقبين محاولة لشدّ العصب العلماني قبل الانتخابات الأوروبية المقبلة، خصوصًا في ظل صعود اليمين المتطرف. هل تدفع فرنسا ثمن المزايدات السياسية؟ الواقع أن هذا التصعيد ليس جديدًا. فمنذ قانون منع الرموز الدينية في المدارس سنة 2004، وما تبعه من قانون حظر النقاب عام 2010، ظل الجدل حول 'العلمانية والإسلام' حاضراً بقوة في الحياة العامة، لكنه يتخذ اليوم أبعادًا أكثر حساسية، في ظل تصاعد اليمين المتطرف وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة. يرى مراقبون أن هذه السياسات، بدلًا من أن تعزز 'الاندماج'، تدفع نحو التهميش والتوتر الاجتماعي، وتفتح الباب أمام خطاب الكراهية والتشكيك في ولاء المواطنين المسلمين. خلاصة فرنسا، باسم الدفاع عن الجمهورية، تبدو اليوم ممزقة بين مبادئها وقوانينها. فهل يمكن تحقيق الأمن والاندماج من دون التضحية بالحريات؟ وهل التحذير من خطر الإسلاموية يجب أن يمرّ عبر شيطنة مجتمع بأكمله؟ أسئلة تطرح نفسها بقوة، في جمهورية تتأرجح بين قيمها الليبرالية ومخاوفها الأمنية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store