هل تفوز واشنطن على بكين بالذكاء الاصطناعي؟
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فهل تبقى واشنطن على عرشها في المستقبل؟ أم أنها ستخسر وستنهزم أمام بكين؟ أم أنّ واشنطن وبكين سوف تتوازنان ثم تتوازيان قريباً على رأس هذا النظام العالمي الجديد برمّته، بكونه وبوصفه ثنائي القطبية؟ وأين هما وكلّ منهما من الذكاء الاصطناعي؟
..احتدام المنافسة بين واشنطن وبكين
تبدو المنافسة بين العملاقين والقطبين الأميركي والصيني مفصلية، بل مصيرية بالنسبة لمستقبل ومصير النظام العالمي، كما النظام الإقليمي بالتبعيّة. وهي بلغت مرتبة أو مرحلة حسّاسة، تبدو فيها ساخنة أو ملتهبة، بل مشتعلة، وبالتالي حاسمة على الصعيدين العالمي والإقليمي أيضاً.
لقد تخلّصت أميركا من أوروبا، بحيث لم يعد بإمكان الاتحاد الأوروبي البتة أن يزاحم أو يقارع الولايات المتحدة الأميركية، ولا حتى أن يوازن هو بقوته ونفوذه قوتها ونفوذها هي. وقد خرج، أو أُخرِج، الاتحاد الأوروبي من حلبة التنافس أو التسابق الاستراتيجي. هو خاض، ولا يزال، غمار حرب واهية وواهنة مع روسيا في أوكرانيا لحساب ولمصلحة أميركا دون سواها أو قبل سواها.
بالتوازي، فقد استطاعت الولايات المتحدة الأميركية تظهير وتثبيت المعادلة الثنائية مع روسيا باعتبار أنّ هذه الأخيرة، حتى وإن كانت قوة عظمى وقوة كبرى، تبدو أقرب لأن تبقى قوة إقليمية، ذات تأثير إقليمي في أوراسيا وشرقي أوروبا، وربما في أفريقيا، لا في الشرق الأوسط وغربي آسيا، بعد أن خرجت، أو بالأحرى أُخرِجت من سوريا والمشرق العربي، بالمفاضلة بين البقاء على تخوم المياه الدافئة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط أو الحفاظ على العمق الاستراتيجي للأمن القومي الروسي، وبالمقايضة مع أواكرانيا التي تقع ضمن المجال الحيوي للأمن القومي الروسي. هكذا تبتعد روسيا إلى حدّ ما، بشكل ملحوظ، وهو تطوّر لافت، من أن تكون أو تصبح هي قطباً عالميّاً، أو حتى مجرّد قوة عالمية، بعد أن كانت قبلها ابتعدت، وربما أُبعِدت، المجموعة الأوروبية إلى حدّ كبير وبعيد، من أن تكون أو تصبح هي أيضاً قطباً عالميّاً، أو حتى مجرّد قوة عالمية...تجسّد وتجدّد الرأسمالية العالمية بالرأسمالية الأميركية
لقد أصبحت الولايات المتحدة الأميركية، بعد الحرب الباردة، مركز الاجتذاب والاستقطاب الأول، بل الأوحد، في العالم الغربي على وجه الخصوص وفي العالم بأسره على وجه العموم. هي كانت، منذ الحرب العالمية الثانية، وطيلة الحرب الباردة، أحد القطبين العالميين الاثنين، ولكنها صارت القطب الأوحد في العالم الغربي الرأسمالي.
وهذا ليس مجرّد تفصيل في مسار ومسير تطوّر النظام العالمي الرأسمالي عموماً والنظام الغربي الرأسمالي خصوصاً. فقد أخذ ينتقل مركز ومحور كتلة الرأسماليات الغربية بصورة تدريجية من أوروبا الغربية إلى أميركا الشمالية، منذ الحرب العالمية الأولى في مطلع القرن المنصرم، ولا سيما في الحقبة التاريخية الممتدة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. فالولايات المتحدة الأميركية في طور الرأسمالية المالية بعد الرأسمالية الصناعية من حياة وعمر هذا النظام العالمي الرأسمالي استفادت كثيراً من ديناميكيات الاتجاهات العالمية الجديدة بالانفتاح والتحرير والخصخصة.
لقد كان للولايات المتحدة الأميركية الدور الكبير والعظيم في إرساء ركائز ودعائم هذا النظام العالمي القديم وآلياته ومؤسساته، بما فيه هيئة الأمم المتحدة، منظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية، كما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلخ.
ثم استفادت بعدها الولايات المتحدة الأميركية من الثورة العلمية والتكنولوجية، منذ السبعينيات ثم الثمانينيات من القرن الماضي، في الولوج إلى حقبة ما بعد الحداثة وعصر العولمة مع الرأسمالية النيولييرالية وطور ما بعد الرأسمالية المالية. واستمرت هذه الديناميكيات المتجدّدة في التوسّع والتراكم الرأسماليين، إلى أن تقدّمت الولايات المتحدة الأميركية، كما تفوّقت، على الاتحاد السوفياتي، حتى أطاحت به، لتقارب وتلامس مؤخّراً وراهناً القمة مع الذروة، بعد الكبوة ومن ثم الصحوة، والتشتّت والترنّح ومن ثمّ الانتفاضة والاندفاعة والانعطافة، في طور الرأسمالية الرقمية بصورة عامّة وحيّز الذكاء الاصطناعي بصورة خاصة...صراع الرئيس الأميركي والدولة العميقة الأميركيةقد لا تبدو العلاقة سليمة، وبالتالي مستقرة، ما بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على رأس الإدارة الأميركية من جهة، والدولة العميقة الأميركية من جهة أخرى.ثمّة من يقف في صفه من فريق عمله داخل الإدارة الأميركية بطبيعة الحال، وثمّة من يمثّل مصالح وتوجّهات الدولة العميقة في المقابل. على أية حال، هو قد يختلف مع الاتجاهات التقليدية والكلاسيكية لشبكات المصالح والمجموعات الضاغطة داخل الدولة العميقة، ومن بينها، إلى جانب اللوبيات الصهيونية، المجمع الأميركي للصناعات العسكرية والحربية، والتي تستثمر بالحروب وصفقات التسليح، إن في المنطقة لدينا أو في المناطق الأخرى من العالم.
رغم رصد هذا الخلاف – الاختلاف بالحد الأدنى – بين الرئيس الأميركي والدولة العميقة الأميركية مع الإدارة الأميركية العتيدة، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تعتمد مؤخراً وراهناً، في العالم وفي المنطقة، الاستراتيجية التي تقضي بالتفكيك ثم التجميع فالتركيب، بمعنى تفكيك الشبكة القديمة من المصالح والعلاقات، ومن ثم مباشرة تجميع وتركيب الشبكة الجديدة من المصالح والعلاقات، العالمية والإقليمية. هنا بالتحديد، تقع الحرب التجارية التي أطلقتها واشنطن في مقابل العديد بل الكثير من الفاعلين الاقتصاديين، العالميين أو الإقليميين، من مثل بكين وموسكو، كما عموم الأوروبيين.
..واشنطن بين المخاطرة والمغامرة والمقامرة لأجل المستقبل
مما لا شكّ فيه أنّ محاولة الولايات المتحدة الأميركية قيد التجربة لاستعادة زمام المبادرة على الصعيد العالمي أولاً وعلى الصعيد الإقليمي ثانياً جديرة بالنقاش السياسي. فهي تجربة دونها الكثير من المحاذير، وفيها الكثير من الفرص. وهي لا تخلو من المخاطرة بالتأكيد وبطبيعة الحال، فهي ليست مضمونة النتائج.
ولكن الولايات المتحدة الأميركية قطعت شوطاً كبيراً في محاولة منها لإعادة تكوين السلطة وصناعة القرار وممارسة النفوذ في المجال الدولي. هي أنجزت الكثير من مقتضيات الأمن القومي الأميركي والمصالح القومية الأميركية. وهي تتقدّم، بعد أن كانت تتراجع، وتحرز العديد من المقاصد والأهداف على خط كلّ من المجتمع الدولي، المجموعة الأوروبية، المجموعة العربية، وكذلك في أوراسيا وشرقي أوروبا وفي الشرق الأوسط وغربي آسيا.
على ما يبدو، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية تعتزم، لاحقاً وتباعاً، بل قريباً، إحداث نقلة نوعية ملحوظة ولافتة، أو لنقل بالأحرى قفزة نوعية، كبيرة وعظيمة، في الذكاء الاصطناعي. هي بذلك يمكنها إحراز نجاح كبير وانتصار عظيم.
فحين تحتفظ بالشفرات وكلمات السرّ لنفسها، وتحتكر أساليب وأدوات التفوّق والقيادة والسيطرة والهيمنة من دون منافس ومن دون منازع، بحيث تجد القوى الدولية والإقليمية، بما فيها القوى العالمية، كما القوى الكبرى والعظمى والوسطى، أنفسها جميعها عاجزة أمام غلبة الولايات المتحدة الأميركية بلغة التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، هي مضطرة للتسليم والرضوخ والخضوع والإذعان، إذ لا مجال هنا للمواجهة ولا المنافسة، ولا سبيل للخروج في إثرها من طور انتصار التكنولوجيا على الأيديولوجيا! هو احتمال وهي فرضيّة، يستأهلان التأمّل والتفكّر بها.
..بكين والنظام العالمي الرأسمالي والرأسماليات الغربية
أخذ ينتقل، مؤخراً وحاليّاً، مركز الثقل والجذب في النظام العالمي الرأسمالي من منطقة المحيط الأطلسي، بضفتيه الغربية والشرقية، في إشارة إلى أميركا الشمالية وأوروبا الغربية، إلى منطقة المحيط الهادئ، بضفتيه الشرقية والغربية، في إشارة إلى أميركا الشمالية وجنوب شرقي آسيا، ولا سيما كل من الولايات المتحدة الأميركية والصين.
والسؤال الذي ربما يفرض نفسه يتعلّق بمكانة الصين ودورها ضمن إطار النظام العالمي الرأسمالي، بالمقارنة مع مجموعة الرأسماليات الغربية فيه، وعلى رأسها الرأسمالية الأميركية. فالصين أصبحت ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، وثاني أقوى دولة في العالم. ثمة مؤشرات للقوة المركّبة تفيد بذلك، منها القوة العسكرية، القوة الاقتصادية، القوة التكنولوجية، فضلاً عن الحجم الجغرافي والوزن الديموغرافي.
كما أنّ الصين كانت انخرطت مبكراً في الرأسمالية الرقمية وأسواق العملات الرقمية. كذلك هي باشرت مشاركتها ومساهمتها في اقتحام عالم الذكاء الاصطناعي وسبر أعماقه وأغواره. لقد بقيت الصين وحدها دون سواها في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية. هي مسألة معقّدة وصعبة.
المقصود بالتحديد المواجهة المفتوحة بين الأميركيين والصينيين. لا تزال واشنطن متفوّقة ومتقدّمة على بكين. وقد لا تتمكّن الأخيرة – أي بكين – من التفوّق والتقدّم على الأولى – أي واشنطن – في المستقبل القريب غير البعيد. وأكثر من ذلك: ربما تتمكّن واشنطن من التغلّب على بكين. كلّ ذلك هو رهن بما سيفضي إليه النزال الكبير والعظيم بين هذين القطبين العملاقين، الأميركي والصيني، في الأمن والطاقة والبيئة والاستثمار والإنتاج والاستهلاك والاقتصاد والتجارة والنقد والمال والتكنولوجيا، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي، لا انتهاء به، إذ إنه يفتح الباب ويفسح المجال أمام آفاق جديدة ومتجدّدة، وهي غير مسبوقة، للتوسّع المنافسة والإبداع والابتكار.
..بكين وحسب
لقد أطاحت الولايات المتحدة الأميركية بالاتحاد الأوروبي كمشروع قطب عالمي وقوة عالمية. هي استطاعت أيضاً احتواء واستيعاب الاتحاد الروسي إلى حدّ ما في أوراسيا. كما أنها تمكّنت من تطويع بلدان منطقة الخليج، وبقية بلدان المنطقة العربية. وهي باشرت المفاوضات مع إيران بقصد التفاهم على التوصّل إلى صفقة! وعليه، لم يبقَ مقابلها سوى بكين فحسب.
كلّ ما قامت به وكلّ ما تقوم به واشنطن في الإقليم والعالم يندرج في سياق التعامل والتعاطي مع الصينيين من قبل الأميركيين. فكيف يمكن أن تكون المواجهة بين واشنطن وبكين؟ وبعدها، ما هو مصير العلاقات الأميركية – الصينية في المستقبل؟ هل تربح واشنطن على بكين، أم تخسر أمامها، أم تتعادلان سلبيّاً أو إيجابيّاً؟
الميادين. نت
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الخبر
منذ 9 ساعات
- الخبر
روسيا تحذّر..
حذّر مسؤولون روس من أن الاتحاد الأوروبي يسير نحو مواجهة عسكرية محتملة مع روسيا، بالتوازي مع اندلاع سجال كلامي حاد بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومبعوثه الخاص إلى أوكرانيا وروسيا، والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، على خلفية التطورات الميدانية في أوكرانيا. نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو، صرّح لصحيفة 'إزفيستيا' الروسية بأن توجهات الاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن تعبّر عن "استعداد لصدام عسكري مع روسيا". وأشار إلى أن السياسات الأوروبية، خصوصًا في ما يتعلق بالتسوية في أوكرانيا، تفتقر لأي مؤشرات على السعي لحل سياسي، بل تهدف – حسب قوله – إلى "إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا، وتضييق الخناق الاقتصادي عليها". وأضاف غروشكو أن الحزمة الأخيرة من العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي ستكون ذات تأثير عكسي، وستؤثر سلبًا على بعض دوله الأعضاء، مشيرًا إلى أن هذه هي الحزمة السابعة عشرة منذ بداية الحرب، وأن العمل جارٍ لإقرار الحزمة الثامنة عشرة. وفي سياق موازٍ، تفجر جدل واسع بين ترامب والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، بعد أن علّق ترامب على الهجمات الروسية الأخيرة بالطائرات المسيّرة والصواريخ على الأراضي الأوكرانية، قائلًا: "فلاديمير بوتين يلعب بالنار… ما لا يدركه بوتين هو أنه لولا وجودي، لكانت قد وقعت أشياء سيئة للغاية لروسيا". تصريحات ترامب التي نشرها عبر منصة "تروث سوشيال"، جاءت وسط مساعٍ أعلن عنها لإنهاء الحرب عبر التوسط بين موسكو وكييف، وسط حديث عن أن بوتين وعد مسبقًا بإرسال "مذكرة سلام" تتضمن شروط روسيا لوقف إطلاق النار، لكن ذلك لم يتحقق حتى الآن، وفقًا لمصادر أمريكية. وفي رد عنيف، كتب ميدفيديف على منصة "إكس": "في ما يخص كلام ترامب عن بوتين يلعب بالنار، لا أعرف شيئًا أسوأ من الحرب العالمية الثالثة. آمل أن يفهم ترامب هذا". وكان ميدفيديف قد استخدم لهجة مشابهة، في فيفري الماضي، حين اقتبس تصريحًا لترامب يتهم فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ"المقامرة بالحرب العالمية الثالثة"، قائلًا حينها: "أخيرًا، تلقى الخنزير الوقح صفعة في المكتب البيضاوي. ترامب مُحق: نظام كييف يقامر بالحرب العالمية الثالثة".


إيطاليا تلغراف
منذ 9 ساعات
- إيطاليا تلغراف
آن أوان العقوبات على إسرائيل مثل جنوب افريقيا زمن الفصل العنصري
محمد كريشان نشر في 27 مايو 2025 الساعة 23 و 10 دقيقة إيطاليا تلغراف محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي علّها تكون ضربة البداية: مفوّض الرياضة بالاتحاد الأوروبي يلمّح إلى ضرورة استبعاد إسرائيل من المنافسات بسبب حرب غزة ويدين الوضع الإنساني الكارثي في غزة. لم يعد هناك من مجال للحديث عن ضرورة استبعاد السياسة من الرياضة، خاصة وأن لدينا سوابق فيما يتعلّق بتعامل العالم مع دولة جنوب إفريقيا حين كانت سياستها الرسمية المعتمدة من 1948 إلى 1990 هي الفصل العنصري بين البيض الذين توافدوا عليها والسود أصحاب الأرض الأصليين. لقد كان عام 1986 عام العقوبات الكبرى على جنوب إفريقيا بعد سنوات من التنكيل بالسود وسقوط آلاف القتلى منهم، وبعد تردد طويل من قبل الدول الغربية الكبرى التي كانت تحتفظ بعلاقات متميّزة مع نظام الفصل العنصري رغم التناقض الصارخ في القيم والسياسات. كانت وقتها الولايات المتحدة على رأس تلك الدول، وكذلك المملكة المتحدة وألمانيا الغربية وفرنسا، مما جعل «السوق الأوروبية المشتركة»، قبل قيام الاتحاد الأوروبي، تمثل لوحدها ما بين 60 إلى 75في المئة من الاستثمارات الأجنبية في جنوب إفريقيا. كان الغرب عموما هو رافعة جنوب إفريقيا رغم فداحة ما كانت تمارسه من سياسات، تماما كما هي الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا لسنوات مع إسرائيل، وإن كان التململ من الوحشية الإسرائيلية بدأ يتسرّب تدريجيا إلى معظم هذه الدول الأوروبية. أما الولايات المتحدة فقد ظل حكامها كما هم دائما رغم كل الوحشية في غزة التي بلغت حدا لا يطاق حتى غدا القتل هناك، ليس فقط «هواية»، على رأي رئيس الحزب الديمقراطي الإسرائيلي يائير غولان، وإنما تسلية لأناس معقّدين ومرضى مغرورين. ومثلما كان عام 1986 عام المنعرج في التعامل الدولي مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا فإن الأمل ما زال معقودا، ولو نسبيا، على أن يكون عامنا الحالي هو عام بداية مثل هذا المنعرج مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. بداية من ذلك العام تراكمت العقوبات على جنوب إفريقيا فقد استبعدت من الألعاب الأولمبية ومن المباريات الدولية بما فيها لعبة «الرغبي» صاحبة مئات الآلاف من العشاق في صفوف «الأفريكانز البيض» عماد الحزب الحاكم العنصري. لم تصل الأمور مع إسرائيل بعد إلى هذا المستوى ولكن ذلك لا يقلل من قيمة ما شهدته مباريات أقيمت في إسكتلندا وإسبانيا وتشيلي وتركيا وإيطاليا وإندونيسيا وبلجيكا وغيرها، من رفع للافتات متضامنة مع الفلسطينيين وبعضها يحمل رسالة «أشهر بطاقة حمراء في وجه إسرائيل». في مقال نشره قبل ثلاث سنوات كريس ماغريل مراسل صحيفة «الغارديان» البريطانية في إسرائيل من عام 2002 إلى عام 2006، وعمل كذلك في جوهانسبورغ منذ 1990، قارن بين نظامي الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي فخلص إلى نقاط تشابه رهيبة. استعرض ما جرى من مقاطعة رياضية، وموسيقية كذلك، فذكّر مثلا بمنع اتحاد الموسيقيين البريطاني، الفنانين من جنوب أفريقيا من الظهور في «بي بي سي» وكيف أن المقاطعة الثقافية منعت معظم الفنانين البريطانيين من المشاركة بمناسبات في جنوب أفريقيا. هنا ما زالت الأمور مع إسرائيل محتشمة جدا ومحدودة بدليل مشاركة إسرائيل في مسابقة «الأوروفيزيون» الأخيرة في فرنسا. استعرض الكاتب الذي عاين التجربتين عن كثب كيف ضغط الأوروبيون العاديون على متاجرهم للتوقف عن بيع المنتجات المنتجة في جنوب إفريقيا، وكيف أجبر مثلا الطلاب البريطانيون بنك «باركليز» على إغلاق فروعه في جنوب إفريقيا. على هذا المستوى، بدأت بعض المؤشرات المشجعة تأخذ طريقها تدريجيا، سواء على الصعيد الجماعي في الاتحاد الأوروبي الذي لم يعد الحديث داخله عن تعليق أو إلغاء اتفاقية الشراكة التجارية من المحرّمات أو على صعيد كل دولة حيث تتفاوت جرأة القرارات من دولة إلى أخرى. علّقت إسبانيا مبيعات الأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية وذهبت دولة مثل أيرلندا إلى العمل على تشريع يحظر التجارة مع شركاتها ردا على جرائمها في غزة أو التهديد بإجراءات لم تحدّد بعد على غرار ما قاله وزير الخارجية الهولندي من أن ما يحدث في غزة فظيع ولا يمكن تجاهله. يفترض أن تكون الأولوية حاليا لوقف مبيعات الأسلحة، على الأقل، لأن بائعها شريك كامل في الجريمة ولكن إسرائيل لن ترتدع عن غيّها في كل الأحوال ما لم تشعر بأن سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيين، وبهذه الوحشية سيكون لها ثمن باهظ ليس فقط من سمعتها الدولية، وهو ما حصل فعلا اليوم لأنها بنظر أكثر دول العالم ورأيها العام دولة بلطجية فوق القانون الدولي، وإنما أيضا من اقتصادها وماليتها التي ستتضرر إلى أن تصل الأمور إلى ما حد لا يطاق. المؤلم هنا أن بعض الدول الإسلامية لم تر ضرورة لوقف مبادلاتها التجارية مع دولة الاحتلال وبعضها من أكثر مزوّديه بما يحتاجه، أما الدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية معها فلم تر ضرورة حتى لخطوة رمزية محدودة مثل دعوة سفيرها للاحتجاج أو دعوة سفرائها هناك إلى العودة!! السابق زيلينسكي: روسيا تريد حربا طويلة الأمد ولا تعتزم إنهاءها التالي أضحية العيد بين فقه الاجتهاد وضرورات تجديد هندسة مسارات القيّم..


حدث كم
منذ 11 ساعات
- حدث كم
السفير عمر هلال: رئاسة المغرب للجنة الأمم المتحدة للتعاون جنوب-جنوب ستقتدي برؤية جلالة الملك
قال السفير الممثل الدائم للمغرب لدى منظمة الأمم المتحدة، عمر هلال، الثلاثاء بنيويورك، إن الرئاسة المغربية لأشغال اللجنة الأممية للتعاون جنوب-جنوب ستقتدي برؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس في هذا المجال. وأكد السيد هلال، في افتتاح الدورة الـ22 لهذه اللجنة رفيعة المستوى، أن 'الرؤية الملكية للتعاون جنوب-جنوب ستشكل نبراسا تقتدي به الرئاسة المغربية خلال عمل اللجنة من أجل تعزيز قيم التضامن والاحترام المتبادل والازدهار المشترك بين بلدان الجنوب'. وفي هذا الصدد، استعرض السفير النموذج المغربي، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، 'الذي يضع التعاون جنوب-جنوب في صلب سياسته الخارجية، التي تقوم على التضامن، خاصة مع أشقائنا وشقيقاتنا الأفارقة، وبشكل متزايد مع بلدان أمريكا اللاتينية، والكاريبي، ومنطقة المحيط الهادئ'. من جانبه، أشاد مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر، بجلالة الملك، مثمنا التزام المغرب، بقيادة جلالته، من أجل إحداث أقطاب دينامية للتعاون جنوب-جنوب. وأشار، خلال مداخلة في ختام فترة ولايته التي استمرت لثمان سنوات على رأس الوكالة الأممية، إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يكثف تعاونه مع المملكة بهدف دعم وتقوية هذه المبادرات، انسجاما مع الرؤية والعمل الذي ينهض به المغرب منذ سنوات على الساحة الدولية. وتطرق المسؤول الأممي إلى الأهمية التي ما فتئ يكتسيها التعاون بين بلدان الجنوب باعتباره رافعة لبلورة حلول عملية تواكب مستجدات التنمية، مبرزا الجهود الجماعية التي تبذلها العديد من البلدان والمناطق بغية تثمين الخبرات التي تعد مصدرا للابتكار والكفاءة. وفي هذا الصدد، ذكر السفير هلال بأن الرئاسة المغربية تتزامن مع لحظة محورية للتعاون متعدد الأطراف، وذلك في سياق دولي يتسم بتزايد حالة عدم اليقين وتصاعد التوترات الجيو-سياسية وزيادة وتيرة الصدمات المناخية. وفي هذا السياق، أشار إلى أن التمويل الدولي للتنمية يوجد الآن في أدنى مستوياته، ويتسم بركود مقلق للمساعدات العمومية للتنمية، وإقصاء العديد من البلدان النامية، بما في ذلك البلدان ذات الدخل المتوسط، من الولوج إلى أشكال الدعم والتمويل الم ي س ر. وذكر السيد هلال بأن التعاون جنوب-جنوب لا يمكن أن يشكل بديلا عن التعاون بين الشمال والجنوب، بل إنه يشكل مكملا أساسيا له، مشددا على دوره الحاسم في الحفاظ على التضامن الدولي، الذي يواجه اليوم صعوبات. كما أبرز الأهمية المتنامية التي يكتسيها التعاون ثلاثي الأطراف، الذي يساهم في توطيد التعاون جنوب-جنوب، من خلال تمكين البلدان النامية من توسيع نطاق ولوجها إلى الموارد والخبرات والقدرات التقنية المتنوعة. من جانب آخر، أشاد الدبلوماسي بالتعاون المثمر بين المغرب ومكتب الأمم المتحدة للتعاون بين بلدان الجنوب، الذي ترأسه ديما الخطيب. وستتوج أشغال هذه اللجنة رفيعة المستوى، التي تستمر إلى يوم الجمعة، باعتماد قرار بشأن التعاون جنوب-جنوب، سيتم تقديمه إلى الجمعية العامة.