أحدث الأخبار مع #أيزنهاور


الشرق الأوسط
منذ 11 ساعات
- سياسة
- الشرق الأوسط
أيزنهاور عراب الأولويات
كان الجنرال الأميركي أيزنهاور مهندس أكبر عملية برمائية في التاريخ العسكري على شواطئ النورماندي، عام 1944، لتطهير التراب الفرنسي من الاحتلال النازي الذي كاد يجتاح لندن. لاحقاً، كانت فترة رئاسته هادئة، لكنها أحدثت نقلةً نوعيةً في تنظيم الوقت وترتيب الأولويات ومنهجية التعامل مع الأزمات. نعرف كعرب «مبدأ أيزنهاور» الذي تهب على أثره أميركا لنجدة البلدان الشرق أوسطية، حينما تواجه خطراً محدقاً. لكن ما لا نعرفه عنه أنه كان ملهماً إدارياً لكثيرين. فقد كان الرئيس أيزنهاور لا يسمح بأن يوضع على مكتبه إلا المشكلات «العاجلة والمهمة». ولذلك ابتكر أشهر مصفوفة في أدبيات إدارة الوقت قسم فيها المهام إلى أربع خانات: «افعلها فوراً»، إذا كانت مهمة وعاجلة. «جدولها»، إذا كانت مهمةً لكن غير عاجلة. «فوّضها»، إذا كانت عاجلةً لكن غير مهمة بالنسبة لك. «احذفها»، إن لم تكن عاجلة ولا مهمة. وقد اشتهرت المصفوفة بسبب ستيفن كوفي الذي وضعها في كتابه الشهير. هي فكرة تبدو بسيطة لكن أعظم الأفكار وأكثرها انتشارها تلك البسيطة والقابلة للتطبيق... مصفوفته من أروع ما كُتب في إدارة المهام. ووفقاً لتقرير منظمة أيزنهاور، كان صاحبها يفضل ملخصات «الصفحة الواحدة»، لكي تساعده على اتخاذ القرارات ومعرفة ما يتطلب منه جهداً. كان يؤمن أن الإيجاز يجبر الناس على التركيز، وأن من لا يستطيع شرح فكرته أو مشكلته في صفحة، فهو لم يفكر بها جيداً. وتبعه بعد ذلك جيف بيزوس وإيلون ماسك. حتى رسائل أعضاء الكونغرس كانت تصله على هيئة سطر واحد. ويفضل الاجتماعات القصيرة جداً والمكثفة حتى لا يتشوش ذهنه. في تقرير لماكينزي ذُكر أنه يتبع ثلاثة مبادئ: «اعرف خصمك» وأهدافه، وخطورته، ونقاط ضعفه. و«اعرف نفسك»، أي ما هو الحد الذي لا يمكن التنازل عنه. «وضع حدوداً واضحة للأزمة» حتى لا تتسع بلا ضوابط. يقال إنه كان يضع مشاعره في «صندوق مغلق» طوال يومه، ليتخذ قرارات بتجرد من العاطفة. المفارقة أنه اختار أن يوقع بالأحرف الأولى من اسمه، بدلاً من اسمه الكامل لتوفير الوقت. ورغم بساطة الفكرة فإنها مؤشر على رغبة صارمة لسرعة الإنجاز. ولذلك سُميت فترة حكمه بـ«الرئاسة المنضبطة». وهذا مثال جديد على أن الخلفية العسكرية لا تعوق النجاح المدني، بل قد تكون عنصر تفوق. ولا يعلم البعض أن كثيراً من مفاهيم الإدارة قد جاءتنا من الميادين العسكرية. ترتيب الأولويات هو حجر الزاوية في أي إدارة ناجحة، سواء كانت شخصية أو مؤسسية. لأن فيها توجيهاً حصيفاً للجهد والوقت والموارد نحو ما يصنع الفارق الحقيقي والإنجاز. ولذلك يقول الشافعي كلمةً تُكتب بماء الذهب: «إذا كثرت الحوائج، فابدأ بأهمها»، وهو شعار يستحق أن يُعلق على جدران أروقة العمل.


الشرق الأوسط
منذ 4 أيام
- سياسة
- الشرق الأوسط
بين دوايت ودونالد
عام 1956 قررت ثلاث دول شن الحرب على مصر بسبب تأميمها قناة السويس: بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل؛ أي دول الغرب. وكانت دول العدوان واثقة من أن أميركا معها بسبب نفوذ إسرائيل. لكن العالم فوجئ بالرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور يوجه إنذاراً إلى الثلاث بوقف العدوان فوراً، وكان أن فهمت إسرائيل أن تدللها يقف عند مصلحة أميركا القومية. قبل أشهر خُيّل إليّ أننا في أجواء مشابهة تماماً لأجواء السويس، وأن نتنياهو يتصرف وكأنه ملك على أميركا وليس على إسرائيل، وأن الذي يضع حداً لهذا الانحراف هو رئيس أميركا. أيزنهاور آخر. كان لبعض الزملاء رأي آخر قرروا شرحه لنا، وخلاصته أن الدنيا تغيرت منذ أيام أيزنهاور والسويس، وينبغي أن آخذ علماً بذلك. اعتذرت عن أخذ العلم، مُصراً على أن شيئاً لم يتغير في قوة الرئيس وقراره ولحظة القرار: أميركا أولاً أم إسرائيل؟ تطورت الأمور على نحو مذهل في كل مكان. وبعدما كان نتنياهو يتصرف في واشنطن كالطاووس، ضاع بين القضايا المثارة عليه في قلب إسرائيل. وأصبح بكل وضوح عبئاً على أميركا وعلى علاقاتها. وإذا بالعالم يرى دونالد ترمب على صورة الجنرال أيزنهاور. وإذا حجم العلاقة الأميركية مع السعودية والخليج يوازي حجمها مع معسكر الكبار. لا أريد أن أثبت أنني كنت على حق في النقاش حول المشابهة مع حقبة السويس. فإن عدد التوقعات التي أخطأت فيها أكبر من أعداد ما صحَّ منها. وهذه، في أي حال، مهنة الآراء وحرية الرأي. وكل رأي حر، وكل موقفٍ شجاعة ما دام الخُلق هو القاعدة. منذ فترة قام جدل حول مقابلات الزميل رئيس التحرير مع عمرو موسى. للأسف، إن بعض النقاش لم يكن في مستوى الرجل على الإطلاق! عمرو موسى أستاذ في العمل السياسي والدبلوماسي والوطني. وهو سيرة حافلة نادرة في الأصول والقواعد. أربعة عقود من النجاح لا تُقيَّم ببضعة أسطر من الغضب، أو الحنق!


العين الإخبارية
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- العين الإخبارية
من الخنادق للحكم.. 7 رؤساء أمريكيين شاركوا في الحرب العالمية الثانية
تم تحديثه السبت 2025/5/10 06:33 م بتوقيت أبوظبي من خنادق النار إلى دهاليز الدعم اللوجستي، سطّر سبعة رؤساء أمريكيين فصولاً من حياتهم في أتون الحرب العالمية الثانية، حيث لم تكن القيادة مجرّد منصب بل تجربة مشبعة برائحة البارود ووطأة القرار. هناك، حيث تذوب النظريات أمام قسوة الميدان، تشكّلت ملامحهم القيادية، واكتسبوا وعياً حاداً بتكاليف الحرب وحدود الدبلوماسية، ورافقهم هذا الإدراك العميق إلى البيت الأبيض، ليحكموا بذاكرة الجنود لا ببرود الساسة، فمن هم؟ دوايت أيزنهاور: القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا يُعد أيزنهاور من أبرز القادة العسكريين في الحرب العالمية الثانية، حيث تقلد منصب القائد الأعلى لقوات الحلفاء في أوروبا، وقاد واحدة من أعقد العمليات العسكرية في التاريخ الحديث، وهي عملية أوفرلورد أو إنزال النورماندي عام 1944. بعد انتهاء الحرب، استغل أيزنهاور خبرته العسكرية في السياسة، حيث تولى رئاسة الولايات المتحدة عام 1953 وسط بداية الحرب الباردة، وواجه التوسع السوفياتي بحزم وذكاء. كما كان أول قائد أعلى لحلف الناتو، وأسهم في تطوير البنية التحتية الأمريكية عبر إنشاء نظام الطرق السريعة السريع، مستلهماً من شبكة الطرق الألمانية "الأوتوبان". جون كينيدي: قائد زورق طوربيد شجاع خدم كينيدي كقائد زورق طوربيد تابع للبحرية الأمريكية في المحيط الهادئ، حيث تعرضت سفينته (PT-109) لحادث اصطدام مع مدمرة يابانية عام 1943، ما أدى إلى غرق السفينة وإصابة كينيدي بجروح خطيرة. هذه التجربة الصعبة أكسبته صموداً وقوة شخصية انعكست لاحقاً في فترة رئاسته، حيث أظهر قدرة على اتخاذ قرارات حاسمة تحت الضغط، مثل تفادي اندلاع حرب نووية خلال أزمة الصواريخ الكوبية. كما أن فهمه للحرب دفعه إلى دعم برنامج الفضاء الأمريكي، ما عزز مكانة الولايات المتحدة في المنافسة مع الاتحاد السوفياتي. ليندون جونسون: مستشار بحري ومخطط استراتيجي قبل الحرب كان جونسون عضواً في الكونغرس، لكنه تطوع للخدمة في قوات الاحتياط بالبحرية الأمريكية بعد هجوم بيرل هاربر. عمل في مهام لوجستية وإدارية، وتم تعيينه ممثلاً للرئيس روزفلت لدى البحرية. وخلال مهمة استطلاعية في المحيط الهادئ، تعرض لهجوم جوي ياباني، ونال وسام النجمة الفضية. وعلى الرغم من قصر مدة خدمته، إلا أن هذه التجربة عززت صورته السياسية ريتشارد نيكسون: ضابط عمليات بحرية خدم نيكسون في البحرية الأمريكية كطيار وضابط عمليات في المحيط الهادئ، حيث أشرف على النقل الجوي العسكري وخطط المهام اللوجستية في جزر مثل غوادالكانال وغرين. هذه الخبرة العسكرية طورت مهاراته القيادية والدبلوماسية، التي استفاد منها لاحقاً في السياسة. ورغم أن إرثه السياسي طغت عليه فضيحة ووترغيت، إلا أن نيكسون سعى لتخفيف التوترات الدولية عبر سياسة الانفراج، وقام بسحب القوات الأمريكية من فيتنام، مسترشداً بتجربته العسكرية التي دفعته إلى السعي للسلام دون التخلي عن قوة الردع. جيرالد فورد: مساعد ملاّح وضابط مضاد للطائرات انضم فورد إلى البحرية وخدم على متن حاملة الطائرات يو إس إس مونتيري خلال الحرب، حيث كان مسؤولاً عن الملاحة والدفاع الجوي. وخلال إعصار كوبرا عام 1944، قاد جهود إطفاء حريق اندلع على متن السفينة وسط العاصفة، ما أنقذ السفينة وطاقمها. هذه التجربة الصعبة صقلت شخصيته، وجعلته قائدًا يتحلى بالهدوء والثبات، وهو ما ظهر في رئاسته حين تعامل مع انسحاب أمريكا من فيتنام وفضيحة ووترغيت، حيث فضّل الوحدة الوطنية على المكاسب السياسية، حتى وإن كان ذلك على حساب فرصه الانتخابية. رونالد ريغان: صانع أفلام عسكرية ومُحترف تواصل لم يُسمح لريغان بالخدمة القتالية بسبب ضعف بصره، لكنه خدم في وحدة الأفلام العسكرية التابعة لسلاح الجو، حيث أنتج أفلامًا تدريبية ودعائية للحرب. هذه التجربة عززت مهاراته في التواصل والإقناع، وجعلته متحدثًا بارعًا قادرًا على التأثير في الجمهور. وخلال رئاسته، استخدم ريغان هذه المهارات في دعم سياسات عسكرية قوية، مثل "حرب المخدرات" وزيادة الإنفاق العسكري، مما أثر بشكل كبير في بنية الجيش الأمريكي وتعاملاته مع القضايا العالمية. جورج بوش الأب: طيار شاب وبطل حرب كان بوش أصغر طيار في البحرية الأمريكية عند انضمامه عام 1942، ونفذ مهام قصف في المحيط الهادئ. وخلال إحدى المهام، تعرضت طائرته لإصابة أجبرته على القفز بالمظلة، وتم إنقاذه بواسطة غواصة أمريكية، بينما قُتل رفيقا مهمته، ما ترك أثرًا عميقًا في نفسه. وخلال رئاسته، ظهر تأثير خدمته العسكرية بوضوح في قيادته لحرب الخليج، حيث قاد عملية "عاصفة الصحراء" التي نجحت في تحرير الكويت بسرعة، كما ساعد في إنهاء الحرب الباردة، مثبتًا نفسه كقائد حازم وذكي. aXA6IDkyLjExMy4yMzMuMTQ3IA== جزيرة ام اند امز ES


العرب اليوم
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- العرب اليوم
تأكيد المؤكد بين بلدين
تقريبًا لا توجد علاقة خاصة بين دولتين فى العالم، كالعلاقة التى تربط الولايات المتحدة الأمريكية مع بريطانيا.. وهناك الكثير الذى يشير إلى هذا المعنى ويؤكده. ومن علامات ذلك أن السياسة البريطانية حول العالم هى نفسها السياسة الأمريكية، فإذا وقع بينهما خلاف أو اختلاف ففى هامش ضيق لا يكاد يُذكر، وإذا قيل إن هناك تطابقًا بين سياستين فلن يكون إلا بين السياستين فى البلدين تجاه ما يجرى فى أنحاء الأرض.. فهل لهذا السبب كانت واشنطن متحمسة لخروج بريطانيا من الإتحاد الأوربى؟.. ربما.. فلا توجد دولة فى أوربا إلا وتشعر بدرجة من الاستقلالية فى سياستها الخارجية عن السياسة الأمريكية، وتظل فرنسا تتقدم أوربا فى هذا التوجه، إلا بريطانيا التى ترى ما تراه أمريكا على الدوام. الغريب أن الإنجليز كانوا يحتلون الولايات المتحدة قبل نشأتها، وقد كان هذا أدعى إلى أن تكون بينهما مساحة فى السياسات الخارجية، ولكن هذا لم يحدث فى أى وقت منذ أن أخذت واشنطن مكان لندن فى الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية. ولم يكن الإنذار الذى وجهه الرئيس الأمريكى أيزنهاور ضد أطراف العدوان الثلاثى علينا فى ١٩٥٦، إلا رغبة فى إفساح المجال أمام بلاده فى المنطقة هنا، ثم رغبة فى أن تغادر بريطانيا وفرنسا بعد أن انتهى زمانهما الإمبراطورى. وإذا كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة هى التى تتولى الفعل فى منطقتنا، فليست هى التى تفكر قبل أن تفعل، وإنما الإنجليز هُم تقريبًا الذين يفكرون لها!.. وفى أيام أن كان هنرى كيسنجر يقوم برحلاته المكوكية إلى المنطقة كان يمر على عاصمة الضباب فى الذهاب وفى الإياب!.. وكان ذلك من نوع التنسيق بين المخ والعضلات! وعندما فرض ترامب رسومه الجمركية فى ٢ إبريل لم يشأ أن يستثنى بريطانيا، فلما فرض عليها عشرة فى المائة لم تغضب حكومة الملك فى لندن كما غضبت بقية حكومات العالم، وقال السير كير ستارمر، رئيس الحكومة، إن حكومته لن ترد على حكومة ترامب بالمثل.. كما فعلت الحكومة الصينية مثلًا.. وأضاف ستارمر أن كل ما سوف يفعله أنه سيسعى إلى تفاهم مع الأمريكيين!


الأمناء
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الأمناء
من الطوفان إلى سقوط نظام الأسد.. سيناريوهات منطقة الشرق 2025 في ضوء 'تأثير الفراشة' و'أحجار الدومينو'
تستعرض "مآلات' المسارات المحتملة لتداعيات التغيير في سوريا وانهيار نظام الأسد على عدة دول وفاعلين في منطقة الشرق وعلى الرغم من زيادة جوانب عدم اليقين والتعقيدات الناتجة عن تأثر ملفات المنطقة بتفاعل عدة عوامل لا تقتصر على التطورات في سوريا، إلا أن التأثيرات العميقة للتغيير في سوريا – والتي مازالت قيد التشكل بدورها – بات من الممكن تقديم قراءة أولية لها. سقوط نظام الأسد وتأثير الدومينو يشير مفهوم 'تأثير الدومينو' (Domino Effect) إلى سلسلة من الأحداث التي تنجم عن حدث أولي، إذ يؤدي كل حدث إلى الذي يليه، كما تتساقط قطع الدومينو واحدة تلو الأخرى عند دفع القطعة الأولى. وبالرغم من أن المفهوم له تطبيقات عدة في مجالات السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والعلوم الاجتماعية والإدارية، إلا أن نشأة المفهوم جاءت من خلفية سياسية إذ استخدمه الرئيس الأمريكي السابق 'أيزنهاور' خلال الحرب الباردة لتبرير تدخل الولايات المتحدة في فيتنام، وأشار إلى تخوفات واشنطن من أن سقوط فيتنام في أيدي الشيوعيين قد يخلق 'تأثير الدومينو' في جنوب شرق آسيا. إن سقوط نظام الأسد لا يمثل تغييرا جذريا محليا في سوريا فحسب، بل يشكل نقطة تحوّل في توازنات القوى في الشرق الأوسط، بعدما تراجع النفوذ الإقليمي لبعض الجهات الفاعلة الإقليمية، بينما سعت جهات أخرى إلى ملء الفراغ، ووجدت قوى أخرى نفسها في موقف متحفظ خشية انتقال عدوى التغيير إليها. واستناداً إلى مفهوم 'تأثير الدومينو'، فإن انهيار النظام السوري نفسه هو قطعة دومينو سبق أن حركها طوفان الأقصى وحرب غزة. أي إن تفاعلات الحدثين متداخلة لا محالة، بما يفتح المجال أمام موجة من التغيرات الجيوسياسية الواسعة في المنطقة والتي لا تعني بالضرورة انهيار أنظمة أخرى بشكل مباشر، لكنه يخلق ديناميكيات جديدة قد تدفع بعض الدول إلى إعادة حساباتها الداخلية والخارجية، أو قد تؤدي إلى تصاعد صراعات كانت كامنة، أو تشكيل تحالفات جديدة، أو حتى بروز فاعلين جدد على الساحة. وهكذا، فإن 'تأثير الدومينو' ليس إلا حالة فرعية من الظاهرة الأوسع لتأثير الفراشة (The Butterfly Effect). وهو مفهومٌ نشأ من نظرية الفوضى في الرياضيات والأرصاد الجوية، ويُنسب إلى عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورنز في ستينيات القرن الماضي. والذي يشير باختصار إلى فكرة أن التغييرات الطفيفة في الظروف الأولية يمكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة تمامًا في الأنظمة المعقدة، كما أن رفرفة جناحي الفراشة في البرازيل، قد تسبب إعصارًا في تكساس. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم نشأ من العلوم الطبيعية، إلا أنه استُخدم على نطاق واسع في العلوم الاجتماعية، بما في ذلك العلاقات الدولية، لفهم العواقب غير المقصودة للأحداث البسيطة أو التي تبدو غير مهمة، ويُسلّط الضوء على حدود فاعلية التفكير الخطي في عالم معقد وفوضوي ومترابط. ويفيدنا مفهوم تأثير الفراشة عند الأخذ بأن التداعيات ليست كلها سلبية بالضرورة كما أنها تكون غير متوقعة، وغير مرتبطة مباشرة بالحدث الأصلي، وغير خطية، وذلك بخلاف ما يوحي به تأثير الدومينو الذي يميل أكثر لإثارة احتمال أن الحدث يتكرر تباعا ويكرر النمط الأساسي بصورة أقرب ما تكون إلى الخطية. وهكذا، فإن تداعيات قرار الطوفان غير المتوقعة وغير الخطية تتشكل نتيجة تفاعل سلوك الأطراف، وصراع مصالحهم، وترابط النسيج الإقليمي، وقد تجلت في نتائج غير مخطط لها وغير مقصودة من قبل مخططي عملية طوفان الأقصى. فمثلا، بينما كانت تستهدف معركة الطوفان توحيد جهود محور المقاومة كداعم رئيسي، فإن نتائجها الراهنة هي إضعاف هذا المحور بصورة استراتيجية من خلال إضعاف حزب الله وسقوط نظام الأسد. لكنّها في المقابل عززت من تأثير الحوثيين إقليميا. كذلك؛ أدى التغيير في سوريا إلى تعزيز نفوذ تركيا إقليميا بل وتعزيز حكم الرئيس أردوغان محليا، وهي نتائج لم تكن ضمن أهداف مخططي عملية طوفان الأقصى، ولا حتى من أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة وحزب الله. تركيا: تعزيز النفوذ الإقليمي ومكاسب للعدالة والتنمية تعد تركيا هي الرابح الإقليمي الأكبر من التغيرات في سوريا، خاصة وأنها تمثل نصرا واضحا في صراع النفوذ طويل الأمد مع إيران. وفي المنظور الأوسع، ليس من المبالغة اعتبار التغيير في سوريا إضافة لأوراق تركيا في معادلة تنافسها المعقدة مع روسيا. بالإضافة لذلك، فقد تسبب انهيار نظام الأسد في إضعاف وحدات حماية الشعب الكردية والقوات التابعة لها (قسد) التي تسيطر على الأجزاء الشمالية في سوريا كامتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK). وفي ظل التفاهمات المتوقعة مع الولايات المتحدة بشأن سوريا، فإن تركيا ستكون قد ضمنت القضاء على تهديد قيام حكم ذاتي كردي في شمال سوريا، وهو أمر يغير مجمل ديناميات ملف التمرد الكردي في جنوب تركيا. ومن ثم فإن مسار المصالحة التركية الكردية محليا، والذي كان قد بدأت إرهاصاته بالفعل في أكتوبر الماضي، يكون قد تلقى دفعة إيجابية كبيرة على وقع التغيير في سوريا. بخلاف غالبية الأطراف الإقليمية، فإن حركة قطعة الدومينو في تركيا تحمل فرصا وليس تهديدات. فقد وضعت المعادلة السورية الجديدة تركيا في قيادة هيكل أمن إقليمي ناشئ يشمل العراق وسوريا والأردن ولبنان، يستهدف ضبط الحدود والتصدي لخطر استعادة تنظيم داعش نشاطه. كما باتت تركيا هي الضامن الأمني لاستقرار سوريا في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وهو ما يخلق معادلة غير مسبوقة قد تكون فيها القوات التركية في حالة تماس مع الجيش الإسرائيلي، بما يمنح أنقرة مزيدا من الأوراق في مواجهة تل أبيب. وبالإضافة للمكاسب الجيوسياسية، فإن واحدة من التداعيات غير المتوقعة قد تكون إطالة حكم الرئيس التركي أردوغان. إذ جنى أردوغان أرباح رهانه طويل الأمد على دعم فصائل المعارضة السورية مما يساهم في تعزيز وضع حزب العدالة والتنمية الحاكم داخلياً، خاصة مع العودة المحتملة لما يزيد عن ثلاثة ملايين لاجئ سوري. وكذلك فإن تموضع أنقرة في موقع الفاعل الرئيسي في إعادة إعمار سوريا سينعكس على أداء الاقتصاد التركي، وقد تجلى ذلك بوضوح عندما شهدت شركات البناء التركية ارتفاع أسهمها بعد سقوط الأسد مباشرة تحسباً لأنها ستكون في طليعة إعادة إعمار سوريا. وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية التي تمثل التحدي الأبرز محليا للحزب الحاكم، فإن مسار المصالحة مع الأكراد الذي عززته التغيرات في سوريا قد ينتج عنه تغيرا جذريا في التحالفات الحزبية بما يمكن العدالة والتنمية من المضي قدما في مشروع تعديل الدستور أو كتابة دستور جديد، أو على الأقل وضع نهاية لتحالف حزب الشعب الجمهوري مع الأكراد، وهو التحالف الذي بات يمثل تهديدا لمستقبل الحزب الحاكم. إيران: انحسار النفوذ الإقليمي والحاجة لعقيدة ردع جديدة مثّل انهيار نظام الأسد إلى جانب الهزيمة التي تعرض لها حزب الله، تقويضاً لنفوذ إيران وقوتها في المنطقة، وخسارة لمكتسبات إيرانية تراكمت على مدار العقدين الماضيين. حيث عزز الموقع الجيواستراتيجي لسوريا النفوذ العسكري الإيراني، خاصة وأنه قد وفّر جسراً برياً استراتيجياً بين إيران وحزب الله، الأمر الذي مكّن الأخير من امتلاك ترسانة ضخمة من الصواريخ وجعله بمثابة خط الدفاع الأول لإيران ضمن استراتيجية 'الردع الأمامي'. كما كشفت العمليات العسكرية بين إيران و'إسرائيل' خلال حرب غزة عن التفوق العسكري للكيان، وتجلى ذلك بوضوح بعد أن أدت الضربات التي وجهها الاحتلال إلى إيران في أكتوبر/تشرين أول الماضي إلى تقويض الدفاعات الجوية الإيرانية وقدرات إنتاج الصواريخ بشكل كبير. لا ينتج عن خسارة سوريا قطع خطوط إمداد حزب الله وبالتالي تعطيل أداة الردع الإيرانية الأساسية في مواجهة 'إسرائيل' فقط، لكن أيضا نتج عن انهيار نظام الأسد تدمير الاحتلال ما تبقى من قدرات الدفاع الجوي السوري، ما يعني أن الأجواء السورية باتت مفتوحة تماما للطيران الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن الدفاعات السورية لم تكن تمثل سابقا أي عائق للطائرات العسكرية الإسرائيلية المتطورة، فإنها كانت تمثل تهديدا لطائرات التزود بالوقود اللازمة لإمداد الطائرات العسكرية إذا تحركت لشن هجمات في الأجواء الإيرانية. ما يعني أن الطيران الحربي الإسرائيلي تغلب على عقبة رئيسية كانت تحد من قدرته على شن هجوم واسع دون الاعتماد على دعم أمريكي. على الرغم من أن خيار إدارة ترامب الأول هو إجبار إيران على التفاوض عبر فرض عقوبات صارمة، أكثر تشددا من عقوبات فترة رئاسته السابقة، ما زالت احتمالات التوصل لاتفاق أمريكي إيراني محدودة جدا؛ نظرا لأن ترامب لا يتفاوض على البرنامج النووي فحسب، وإنما يضع أيضا على الطاولة برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وعلاقة طهران بوكلائها في المنطقة. أي إن ترامب يريد من الجمهورية الإسلامية الاستسلام وليس التراجع التكتيكي، أي أن تتخلى طوعا عن كل استراتيجيتها الدفاعية الأساسية: الوكلاء كخط دفاع أمامي، والصواريخ البعيدة المدى، وأخيرا الردع النووي. وهو أمر ليس من المرجح قبول طهران به بغض النظر عن الضغوط الاقتصادية القاسية. وتمثل استقالة جواد ظريف مساعد الرئيس الإيراني رسالة واضحة على تراجع فرص التفاهم مع الولايات المتحدة. لذلك؛ فإن الخيار العسكري ليس مستبعدا. وقد يُغري ضعف إيران الحالي الرئيس الأمريكي بتوجيه ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية، خاصة وأن الضغوط الإسرائيلية واضحة في هذا الصدد. ومع ذلك فإن إقدام ترامب على هذه الخطوة يمكن أن يعرض منطقة الشرق الأوسط بأكملها لمخاطر كبيرة، ويطلق المزيد من تأثير الدومينو في المنطقة. وبالنظر إلى الوضعية الجديدة لإيران بعد أن فقدت خطوطها الأمامية وتراجع نفوذها في المنطقة؛ فإن أي تهديد من 'إسرائيل' وأمريكا للمصالح الحيوية لطهران، سيجعل الأخيرة في وضع 'الزاوية' ويدفعها إلى الاعتماد على قدراتها العسكرية التقليدية والرد بشكل مباشر. وفي هذه الحالة سيكون من المرجح أن تستخدم إيران استراتيجية 'التصعيد من أجل التهدئة' عبر مهاجمة المنشآت النفطية وتعطيل الشحن البحري في الخليج العربي ومضيق هرمز، وذلك بهدف حشد جهود خفض التصعيد من جانب الدول الخليجية المصدرة للنفط والغاز وكذلك الصين والهند واليابان باعتبارهما من كبار مستوردي الطاقة من الدول الخليجية.