logo
#

أحدث الأخبار مع #عليالطنطاوي

مشايخ وأفندية
مشايخ وأفندية

القدس العربي

timeمنذ 4 أيام

  • سياسة
  • القدس العربي

مشايخ وأفندية

يقول الشيخ علي الطنطاوي في ذكرياته: «كان في مصر أيام سفري إليها مشايخ وأفندية، أزهر وجامعة، محاكم شرعية ومحاكم مدنية، يختلفان في الزي وفي التفكير وفي تقويم (لا تقييم) الحياة، يمشيان كالخطين المتوازيين، يتجاوران ولا يتلاقيان، يتكلمان بلسانين ويفكران بعقلين، فلا يكاد الشاب يفهم ما يقوله الشيخ، ولا يرتضي تفكيره، ولا كان الشيخ يعرف الطريق إلى إفهام الشاب وإثارة اهتمامه بما يفكر هو فيه. وكانت هذه هي العلة الكبرى، وقد ظهر أفراد جمعوا طرفي الخيط ولكنهم كانوا قلائل، حاولوا أن يقربوا العلوم الجديدة، أو الفكر المعاصر من الإسلام، ومنهم من صنع ذلك باعتدال كالشيخ محمد عبده في مصر، وصاحبه السيد رشيد رضا، ومنهم من أوغل فيه حتى جانب الحق، وأفراد بلغوا الغاية في تحصيل العلوم (الجديدة) والأستاذية فيها، وكانوا على إلمام تام، أو اطلاع كاف على العلوم الإسلامية، من أظهرهم محمد أحمد الغمراوي في مصر، وأحمد حمدي الخياط في دمشق، وكلاهما من أساتذة الجامعات». ما تحدث عنه الشيخ الطنطاوي عن الانفصال بين المشايخ والأفندية كان معضلة عثمانية، أشار لها المفكر ألبير أورتايلي: «كانت الإدارة والتربية تتغربان في تركيا بصورة لا مفر منها. ومع انعكاس التحديث على التربية، بقيت أوساط المدارس الدينية وطبقة العلماء خارج هذه العملية، وبدأت بفقدان دورها القديم المسيطر في حياة الدولة والمجتمع. وكان هذا هو الفرق المهم بين التحديث الإيراني والتحديث العثماني، فقد استطاع رجال الدين في إيران، الذين يمكن لنا أن نشبههم بطبقة الرهبان، المحافظة على مواقعهم بتلقيهم التعليم الحديث»، وهذا يشكل مفتاحاً لفهم كثير من الأمور التي جرت في بلاد الشام، خلال القرن العشرين وما زالت مفاعيلها مستمرة حتى اليوم. كانت عملية «التحديث» في الدولة العثمانية تغريبية بحتة، وتمت على طريقة «مفتاح في اليد»، حيث تتولى الشركة المتعهدة إنشاء المصنع من البناء إلى التجهيز، ثم تسلم مفتاح المصنع ليد الحكومة المعنية، وهذه الطريقة لا تؤدي إلى تراكم أي خبرة فنية في البلد الذي أُنشئ فيه المصنع، بل يظهر وكأنه زرع زرعاً في أرض غريبة. أما المجتمع التقليدي، فقد بقي على حاله دون أن يتأثر بالحداثة، ومن هذه اللحظة بدأ ينشأ داخل الدولة العثمانية مجتمعان متوازيان. كان المجتمع التقليدي ينتج نخبه (رجال دين وفقه ولغة) بواسطة التعليم في الكتاتيب والمدارس الملحقة بالمساجد، أو عبر التعليم العائلي، أو بواسطة المؤسسات الأرقى مثل الأزهر، دون إدخال العلوم الحديثة مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات، لكن بعد منتصف القرن التاسع عشر دخلت المدارس التبشيرية (الأمريكية في البداية، ثم لحقتها باقي الطوائف) إلى عملية التعليم العثمانية، فأنشأت مدارس ومعاهد حديثة على الطريقة الغربية، في البداية بيد غربية، كما في الإرسالية الأمريكية، التي افتتحت عدداً كبيراً من المدارس في بلاد الشام بشكل خاص، وكذلك الطوائف الكاثوليكية، أو بيد أبناء البلد بعد أن انخرطت الطائفة الأرثوذكسية بالعملية التعليمية، خشية على رعيتها من التبشير البروتستانتي. وهذا أدى إلى نظامين لتخريج النخب في الدولة العثمانية، النظام التقليدي الذي يعتمد على دراسة الفقه واللغة وعلومها وآدابها في الكتاتيب، أو في الحلقات الملحقة بالمساجد، أو داخل العائلة، ثم في المدرسة الرسمية التركية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وهذا النظام التعليمي يُخّرج مثقفاً تقليدياً، بمرجعية عربية إسلامية. أما النوع الثاني فهو النظام «الحديث»، الذي يماثل المدرسة الأوروبية في مناهجه العلمية من الرياضيات والعلوم الطبيعية والفيزياء، وتعليم اللغات الأوروبية، خاصة الفرنسية والإنكليزية، ويقدم للطلاب رؤية استشراقية للكون إما بشكل مباشر، أو موارب، رؤية تقوم على احتقار الإسلام، واعتباره مصدر التخلف، واعتبار الإسلام عاصفة هوجاء هبت من جزيرة العرب وأدت إلى إطفاء نار الحضارة في كل من بلاد الشام والرافدين. كما تركز مناهج التاريخ على الحضارات السابقة للإسلام محاولة تحويلها إلى هوية حضارية، ففي لبنان هناك الفينيقية وفي مصر الفرعونية، إلخ. أدت هذه العملية إلى نشوء نوعين من المثقفين في الدولة العثمانية هما: المثقف التقليدي المتعلم بالطريقة التقليدية، ويختص باللغة والدين والفقه (الشيخ)، ومرجعيته الحضارية عربية ـ إسلامية، والمثقف «الحديث» (الأفندي) الذي تعلم في المدارس الحديثة التابعة للإرساليات التبشيرية، ويختص بالعلوم الحديثة كالطب والهندسة والحقوق، وهو على اطلاع على الثقافة الغربية واللغات الأجنبية، ومرجعيته الحضارية غربية. وبالتالي نشأ شرخ في المجتمع العثماني، وتكونت منذ اللحظة الأولى لهذا الانقسام بوادر انشقاق خطيرة بين مجتمع تقليدي مرجعيته الحضارية عربية ـ إسلامية، ومجتمع «حديث» مرجعيته الحضارية غربية. وكان هذا الانقسام يحمل خطورة مرفوعة إلى أس كبير في بلاد الشام، بسبب التنوع الديني والطائفي، فقد تراكب فوق الشرخ الثقافي ـ الحضاري، بين مثقف تقليدي ومثقف «حديث»، بين مجتمع تقليدي ومجتمع «حديث». تراكبت خطوط الانقسام الديني والطائفي، ومن ثم تحولت خطوط الانقسام الثقافية إلى خطوط انقسام طائفية، لأن «الحداثة» في بلاد الشام دخلت عبر مدارس الإرساليات التبشيرية والدينية، التي حددت كل منها الفئة المستهدفة لها، فالمدارس الأرثوذكسية اختصت بالأرثوذكس، والكاثوليكية بالكاثوليك، أما البروتستانتية الأمريكية فاتجهت نحو التبشير في أوساط الطوائف الإسلامية غير السنية (العلويين، الدروز)، وفي أوساط الطوائف المسيحية الأخرى (الأرثوذكس، الكاثوليك)، لعدم وجود طائفة بروتستانتية أصلاً. وبالتالي فإن الحداثة الغربية اختصت في البداية بالمسيحيين، ثم بأبناء الأٌقليات الإسلامية. وترافق ذلك مع ما سمي بالمسألة الشرقية وحماية الأقليات، حيث بسطت كل دولة غربية حمايتها على أقلية دينية أو طائفية كما هو معروف. أما المسلمون السنة الذين يشكلون أغلبية السكان فقد استمروا بتلقي التعليم بطريقة تقليدية في الكتاتيب، أو في المدارس الملحقة بالمساجد، ثم لاحقاً في المدارس الرسمية العثمانية، فبقيت مرجعيتهم الحضارية عربية ـ إسلامية، وبقوا سياسياً مواطنين عثمانيين قبل أن تلتحق نخبهم بالمدارس التبشيرية أيضاً، ونادراً ما كنت تجد طالباً مسيحياً خارج مدرسة طائفته، ويذكر يوسف الحكيم في مذكراته أن والده أصر على إلحاقه وأخيه بالمدرسة الرسمية العثمانية، لضمان مستقبلهم في الوظيفة الحكومية، لكن ذلك كان موضع استغراب القائمين على الطائفة الأرثوذكسية في اللاذقية، وجرت محاولات كثيرة لتغيير موقف الأب وإقناعه بوجوب التحاق أبنائه بمدرسة الطائفة! أما ما يتحدث عنه الشيخ الطنطاوي عن الالتقاء بين المشايخ والأفندية، فقد تم بواسطة أفراد محدودين وبجهود فردية، وحتى اليوم لم يتحول إلى مؤسسة قادرة على إنتاج نخب بأعداد كبيرة تمزج بين التراث والحضارة المعاصرة. كاتب سوري

شذرات طنطاوية
شذرات طنطاوية

صحيفة الشرق

time١٩-٠٦-٢٠٢٥

  • سياسة
  • صحيفة الشرق

شذرات طنطاوية

إبراهيم عبدالرزاق آل إبراهيم A+ A- هذه شذرات من الفقيه والأديب والقاضي والمعلم المربي شيخ قلما يجود الزمان بمثله رحمه الله، إنه الموسوعي الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وأجزل له عظيم الثواب والجزاء وأحسن مثواه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير ما يجازي به عباده الصالحين العاملين. فقد غادر الحياة الدنيا في الرابع من ربيع الأول 1420 من الهجرة، الموافق الثامن عشر من يونيو عام 1999من الميلاد. وها هي ذكرى وفاته تأتينا رحمه الله، فقد عاش حياة حافلة بالأحداث زاخرة بالأعمال على امتداد عمره، فهو عَلَم في الحياة، عَلَم في الفقه، وعَلَم في الأدب، وعَلَم في الصحافة، وعَلَم في القضاء، وعَلَم في التربية والتعليم، وعَلَم في الدفاع عن قضايا الأمة، وخاصة قضية فلسطين، وعَلَم في قول الحق، حمل راية الخير ونذر نفسه ومواهبه والملكات التي حفل بها لله تعالى لنصرة دينه، والنهوض بأمته، وكتب اسمه في الخالدين رحمه الله «بعيداً عن الصخب الذي يصك الأسماع، والبريق الذي يخطف الأبصار». فإذا لم نحتف بهؤلاء الأعلام الكبار صُنَّاع الحياة ونذكر سيرهم ومواقفهم وكلماتهم، فبمن نحتفي ونذكر!. أنحتفي بالأقزام لا والله!. فهذه بعض من شذرات الشيخ العلامة علي الطنطاوي رحمه الله، فهي تحمل الكثير من المعاني والإرشادات والخير والصراحة التي تميز بها:- «ليس في الدنيا شيء أجلَّ ولا أجمل من الصلاة!».»فاستنزلوا رحمة الله بالبذل، وادفعوا عنكم المصائب بالصدقات». «إن الذي ينفقه الأغنياء على الترف والسرف، يكفي لتعليم كل ولد في البلدة، وإطعام كل جائع، وإسعاف كل فقير». «إذا أردت أن تسأل ما أخلاق أمة، وما مبلغها من الحضارة، وما مكانتها بين الأمم، فاسأل عن حال قضائها، وعن مكانة قضاتها بين الناس».»وليس الزهد في الدنيا أن تتركها وتنفض يدك منها، وتأوي إلى مغارة مظلمة أو دير منقطع. وليس ذلك من الإسلام».»إن هذا الذل قد زاد جدّاً، فضعوا له حَدّاً».»إن الاعتراف بالهزيمة دليل على بقاء القوة في أعصاب المهزوم، وعلامة علة أنه قادر على استرجاع النصر إن خاض المعركة من جديد».»إن الدين والأخلاق والذوق والأدب تجتمع في كلمة واحدة «أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك».»هل سمعتم أن أمة تعطي مالها لعدوها، تعينه به على نفسها، وتشتري له به السلاح ليوجّهه إلى صدور أبنائها؟».»يا أيها الناس: إن البطل الذي يمشي حافياً وينام على الأرض ويسكن في الكوخ خيرٌ من المخنث الذي يلبس الحرير ويسكن القصور ويركب سيارات الرولزرايس».»ومن أشد الكذب ضرراً بالناس وأكبره مقتاً عند الله شهادة الزور».»والثواب هو وحده الذي يبقى، على حين يفنى الإعجاب، وتذهب الأموال، ويعود إلى التراب كل ما خرج من التراب». «ومضة» «ولدعوة واحدة لي، بعد موتي، من قارئ حاضر القلب مع الله، أجدى عليَّ من مائة مقالة في رثائي، ومائة حفلة في تأبيني، لأن هذه الدعوة لي أنا، والمقالات والحفلات لكتابها وخطبائها، وليس للميت فيها شيء. وأستغفر الله وأتوب إليه». فرحمك الله يا فقيه الأدباء وأديب الفقهاء. مساحة إعلانية

العنوسة... المشكلة والحل!
العنوسة... المشكلة والحل!

الرأي

time١١-٠٦-٢٠٢٥

  • منوعات
  • الرأي

العنوسة... المشكلة والحل!

تُعدّ العنوسة قضية اجتماعية معقدة لا تقتصر على دولة دون أخرى، إلا أنها باتت تُثير قلقاً متزايداً في المجتمع الكويتي، خصوصاً في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي طرأت على البلاد في السنوات الأخيرة، وهي ظاهرة قد تكون موجودة في أغلب المجتمعات، لكن عدم مناقشة الأسباب وإيجاد الحلول لها هنا تكمُن المشكلة. وهي قضية ظلم البنت حتى تتحول إلى عانس بعد ان فاتها قطار الزواج لأسباب قد تكون وجيهة... ولكن أكثر الأسباب واهية مع كل أسف، خصوصاً بعد أن زادت الأعداد بشكل كبير خلال السنوات الماضية في المجتمعات العربية وبعض الدول نسب العنوسة فيها صادمة، وهناك العديد من الرسائل التي تصل لنساء متضررات من العنوسة. وهناك مجموعات تتبنى العنوسة كخيار وتدعو له، وأهم الأسباب التي ساهمت في هذا التحوّل لديها هو شعور العديد من النساء بالاكتفاء الذاتي، نتيجة توفر الوظيفة، وأصبحت الحياة المستقلة أكثر سهولة، وكل ما يردنه متاح من دون عناء، والقدرة على تحقيق الاستقرار المادي من دون الحاجة إلى شريك حياة. وزادت نسب العنوسة عندما تركنا العمل بالهدي النبوي الشريف الذي يقول «إذا جاءكم مَنْ ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»، وتمسكنا بعادات وتقاليد بل وقدمناها في كثير من الأحيان على وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم. وإذا كانت دخول أغلب الشباب بالكاد تكفي لبناء أسرة بسبب ارتفاع المصاريف، نأتي ونطلب مبالغ يعجز عنها وعن دفعها إلا من خلال القروض، ووضع العراقيل والشروط التعجيزية أمامه، فهذا بالطبع سيؤدي لعزوف الشباب عن الزواج، والبحث عن طرق أخرى منها الزواج من الأجنبيات. وقد يكون تعدد الزوجات هو أحد المخارج لهذه المشكلة، وإن كانت هناك معارضة من البعض مع الأسف، ولكن هذا شرع الله تعالى. وهناك أسباب كثيرة ساعدت على زيادة الأرقام بشكل كبير خلال السنوات الفائتة، مثل الظروف الاقتصادية وارتفاع تكاليف الزواج بشكل مبالغ فيه. ولعل الحفلات والهدايا التي تسبق الزواج يزيد سعرها على المهر المقدم، والبعض من محدودي الدخل ولكن يكلف نفسه فوق طاقتها لدرجة أنهم يسافرون لدول أوروبية من أجل تجهيز العروس مما فاقم التكاليف، وهو ما يجعل الكثير من الشباب يعزفون عن الزواج أو يؤجلونه. ولعل وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في زيادة هذه الظاهرة، حيث تشاهد الفتيات حياة المشاهير من الصرف والبذخ، ويعتقدن أن هذه هي الحياة الطبيعية، مما يسبّب ضغطاً مجتمعياً يتمثل في شروط معينة للزواج مثل الرفاهية أو المستوى التعليمي أو الوضع المالي، ما يحد من فرص التوافق بين الطرفين. وحتى نعالج مشكلة العنوسة، فهناك العديد من الحلول والدور يشترك فيه الجميع الأسرة والمجتمع ووسائل الإعلام، فمن الحلول الاقتصادية تخفيض المهور وتيسير متطلبات الزواج، ودعم الشباب المقبلين على الزواج، وتوفير سكن مناسب وإيجاد حل لطوابير الانتظار لبيت الأحلام. ومن الحلول الاجتماعية، التوعية عبر الإعلام والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام أن الزواج شراكة وليس صفقة، وتقديم استشارات نفسية واجتماعية للمقبلين على الزواج وتقديم الدورات لهم. ودور الأسرة في تشجيع الأبناء على الزواج المبكر إذا توافرت القدرة. واحترام خيارات الأبناء وعدم التسبّب في تأخير زواجهم بسبب الطموحات أو التوقعات الزائدة. ومن الحلول الدينية، نشر الوعي بأهمية الزواج في الإسلام كوسيلة للعفاف والاستقرار، والتركيز على الكفاءة في الدين والخلق بدل المال والمكانة. يقول الأديب علي الطنطاوي «يا أيها الشباب عجلوا بالزواج فإنكم لا تطيعون الله بعد إتيان الفرائض وترك المحرمات بأفضل من الزواج، يا أرباب الأقلام، ويا أصحاب المنابر، اجعلوا الزواج من أول ما تعملون له وتسعون لتيسيره، والله يوفقكم ويجزل ثوابها».

كيف نفرح بالأعياد؟
كيف نفرح بالأعياد؟

الرأي

time٠٤-٠٦-٢٠٢٥

  • منوعات
  • الرأي

كيف نفرح بالأعياد؟

«إن العيد في حقيقته عيد القلب، فإن لم تملأ القلوب المسرة ولم يترعها الرضا ولم تعُمها الفرحة كان العيد مجرد رقم على التقويم». علي الطنطاوي عيد الأضحى ليس مجرد مناسبة موسمية تتكرر كل عام، بل هو مشهد إيماني عظيم تتجدد فيه الروح، وتُغسل فيه القلوب بماء الطاعة، وتُروى الأرواح بنفحات الذكر والتقرب، إنه يوم يفيض بالسكينة والرحمة، وتتنزل فيه معاني العبودية الخالصة. يأتي عيد الأضحى في العاشر من ذي الحجة، متزامناً مع أعظم مناسك الإسلام إنها فريضة الحج، حيث يرتفع نداء التوحيد، وتمتد قوافل العابدين، ويعلو صوت التكبير، ليملأ الأفق: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد» وتكون أُولى لحظات الفرح مع إشراقة الصباح حيث يتسابق الناس لأداء صلاة العيد، يجتمعون في ساحات الأمل، يحملون في قلوبهم دعواتٍ، وفي وجوههم ابتساماتٍ، تعكس صفاء اللحظة وسمو المقصد ووحدة المسلمين ومشاعرهم المشتركة. ثم تأتي شعيرة الأضحية، إحياءً لسنة الخليل إبراهيم، الذي رأى الرؤيا فصدقها، واستجاب لأمر ربه دون تردد، وفي كل أضحية تُسفك دماؤها، تتجلى معاني الإيمان المطلق، والطاعة المجردة، والتضحية الصادقة، وتُقسَّم اللحوم، فيتذوق الأغنياء والبسطاء من مائدة الرحمة، ويعم الخير بيوت المحرومين، وتُنسج خيوط الأخوة من جديد. عيد الأضحى عيد الابتسامة التي تُهدى لكل من عرفت ومن لم تعرف، عيد السلام الذي يُغرس في الطرقات، عيد المودة التي تُصاغ بكلمة حانية أو مصافحة دافئة، شرعه الله لتلتقي الأرواح، وتتعانق القلوب، وتزول بين الناس رواسب الجفاء، وهو رسالة أن الفرح عبادة، وأن السرور قربى، وأن نشر الفأل الحسن من الدين. في يوم العيد، لا يُنسى الفقراء ولا اليتامى ولا أصحاب الحاجات، بل يكون العيد عندهم أكمل ما يكون، حين تمتد إليهم أيدي العطاء، وتُرسم على وجوههم ملامح البهجة، وحين ننظر إليهم بعين الرحمة، نُدرك أن السعادة لا تُشترى، ولكنها تُهدى. ومن تمام الفرح أن نشكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة، أن نحمده على ما هدانا، ونكبره كما أرشدنا: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (سورة البقرة: 185). الفرح في العيد ليس مظهراً فحسب، بل هو حالة إيمانية يتذوقها القلب، هو لحظة صفاء تهمس للنفس أن تغتسل من همومها، وتتخفف من أوجاعها، وتُقبل على الحياة بوجه طلق ونفس مطمئنة. والأطفال ينتظرون العيد بشغف، يحملون أحلامهم الصغيرة إلى صباحه البهيج، يفرحون بالعيدية، ويلبسون الجديد، ويتنقلون بين الزيارات وقد سكنت في أعينهم النجوم، والبيوت تمتلئ بصلة الرحم، والموائد تزدان بما لذ وطاب، فيكتمل المشهد بألوان المحبة والحنين. العيد، في جوهره، ليس فقط مناسبة، بل هو فرصة لنمسح دمعة، ونجبر خاطراً، وننقّي علاقتنا بأنفسنا وبالآخرين، فهو إعلان مفتوح أن الحياة لاتزال بخير، ما دامت فيها قلوب تعرف الشكر، وأرواح تعرف الصفح، وأيدٍ تعرف العطاء. فلنصنع الفرح بقلوبنا قبل جيوبنا، ولنزرع السعادة في دروب من نحب، وفي طرقات المساكين، وبين جدران المستشفيات، وفي وجوه الغرباء، فالعيد لا يُقاس بكثرة المال، بل باتساع القلب. ويقول أحد الحكماء: «إذا لم تجد للفرح سبباً، فاصنعه للآخرين، وراقب كيف يعود إليك بأضعاف ما قدمت. هذا هو عيد الأضحى، وهذه هي فرحته: طاعة تتوجها الرحمة، ومغفرة تكتنفها المودة، وإنسانية تتجلى في أبهى صوره، «ليكن العيد عندنا مشروعاً متجدداً لنشر الفرح، وإحياء الأمل، وتعظيم الشعائر في قلوبنا وقلوب من نحب».

صناعة الفرحة... بالعيد
صناعة الفرحة... بالعيد

الرأي

time٢٦-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الرأي

صناعة الفرحة... بالعيد

(إنّ العيد في حقيقته عيد القلب، فإن لم تملأ القلوب المسرة، ولم يتبعها الرضا، ولم تعمها الفرحة، كان العيد مجرد رقم على التقويم). الأديب علي الطنطاوي في يوم العيد يجب أن نقلب الصفحة ويكون الحديث عن الفرح والسرور وتبادل مشاعر المحبة، وعلى الإنسان أن يفرح بغض النظر عن الواقع والظروف، ومن محاسن العيد أنه يجدّد حياة الإنسان ويحيي رغبة في الحياة، وفرحة الأطفال وابتساماتهم خير دليل على ذلك... لتنتقل الفرحة إلى الآباء بعد مشاهدة أبنائهم بهذه الصورة الجميلة. والإنسان في هذه الأيام مع زحمة الحياة والمسؤوليات لا يلتفت إلى مثل هذه الأمور خصوصاً مع تقدم العمر، مع أنها مهمة للأسر والأبناء والزوجات والأصدقاء وللجميع حتى الغرباء، حتى يأتي العيد ليذكرنا بصناعة الفرح، لأنه ارتبط في أذهان الجميع الصغار والكبار بصناعة الفرح، بل وتلاحظ فرح كل المجتمع بهذا العيد، وحديث المجالس كلها تتحدث عن هذا الفرح بيوم العيد، والفرح صناعة حالها حال أي صناعة أخرى، وهو فرصة للتقرب بين الأبناء والزوجات وإزالة الحواجز والرواسب، ومحاولة إلى تجديد التسامح والحب من جديد وأن نرسم البسمة على وجوههم، وهذا لا يقدر عليه إلا من يقدر قيمة الفرح، فلنستثمر هذه الأوقات لننثر الحُب والجمال في يوم العيد. وإذا أردت أن تنظر إلى جمال العيد فتأمل في وجوه ونفوس الأطفال، حيث إنهم من أكثر الناس فرحاً بالعيد وهم من صناع الابتسامة، حتى أن مشاهدة الأطفال في العيد بالزينة والملابس الجديدة تجعل الإنسان في سعادة وفرح بسبب العفوية التي لديهم. وهو يوم الفرح والزينة وليس يوماً لتذكر المشاكل والحديث عن الخلافات وتناقل الأخبار الإعلامية، وإنما هو وقت إيقاف الزمن من أجل إحياء الفرح في النفوس وتصفية النفوس، وهذا هو جوهر العيد، فعيد الفطر هو شكر لله عز وجل على الصيام. ولا ننسى في العيد أن نتذكر الضعفاء والمساكين والأيتام من حولنا، وأن نواسي أهل الحاجة ونغنيهم عن السؤال، حتى نرسم الابتسامة في كل دار وبيت، ونشكر الله تعالى على كل النعم التي نحن مغمورون فيها، وهذه النعم تستحق الشكر، كما قال تعالى: «وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ». الشعور بالفرح بالعيد لا يحتاج إلى إمكانات كبيرة بقدر ما يحتاج إلى نفس نقية صافية متسامحة لا تحمل الحقد على الآخرين، لأنها نابعة من أعماق النفس الإنسانية، وهي بحاجة إلى تفهم حاجة النفس قبل كل شيء، وقد تكون بإمكانات قليلة بسيطة لا تكلف شيئاً، ولكنها فقط تحتاج إلى نفسية الطفل الذي لا يحمل الحقد على أحد، وعندما يغضب سهل أن يرضى بعد ذلك. وما أجمل أن يعيش الإنسان حياة سوية خالية من العُقد الاجتماعية، يكون متسامحاً مع الناس، لأن القواسم المشتركة أكثر بكثير من التقاطعات والاختلافات، ونحن البشر عبارة عن كتلة من المشاعر والأحاسيس، وأكبر معاركنا هي التي تدور في نفوسنا، لأن مشكلة الآلام النفسية أنها لا تُرى بالعين ولكن أثرها كبير على الإنسان، وقليل من الناس من يستطيع التعامل بإيجابية مع أحداث الحياة اليومية لأننا لم نتعلم كيف نعيش حياة سوية ونعبر عن مشاعرنا بكل أريحية، وهذا ما يشكّل ضغطاً نفسياً رهيباً وفي بعض الأحيان يؤدي إلى الأمراض لا قدر الله. ولا ننسى أن نتقدم بخالص الشكر لكل الذين كان لهم دور في شهر رمضان الفضيل، سواء أبطال وزارة الداخلية العين الساهرة الذين كانوا ينظّمون الطرق في الفترتين، الصباحية والمسائية لضمان وانسيابية حركة المصلين في صلاتي التراويح والقيام بالمساجد، والوزارات التي كان لها دور بارز، وأيضاً القائمين على الجمعيات الخيرية الذين كانوا يأخذون الأموال من المُوسرين ليعطوها للمُعسرين، وللأمهات والزوجات في البيوت اللواتي كنّ في حال طوارئ طوال شهر رمضان لإعداد الوجبات، وأيضاً إخواننا الوافدين العاملين في مختلف المهن والبعيدين عن أسرهم من أجل كسب لقمة عيش كريمة لهم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store