logo
#

أحدث الأخبار مع #قانون_الجزاء

"الأنباء" تنشر تعديلات بعض أحكام قانون الجزاء: تشديد عقوبة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيلها
"الأنباء" تنشر تعديلات بعض أحكام قانون الجزاء: تشديد عقوبة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيلها

الأنباء

time٠٣-٠٨-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الأنباء

"الأنباء" تنشر تعديلات بعض أحكام قانون الجزاء: تشديد عقوبة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية أو تعطيلها

صدر في الجريدة الرسمية الكويت اليوم «مرسوم بقانون رقم 87 لسنة 2025 باستبدال نص المادة (58) مكرراً) من القانون رقم (31) لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء». ونص المرسوم على أن يستبدل بنص المادة (58) مكرراً) من القانون رقم (31) لسنة 1970 المشار إليه النص الآتي: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دينار ولا تزيد على عشرين ألف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل موظف عام مختص امتنع عمداً عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ، بعد مضي تسعين يوماً من إنذاره على يد مندوب الإعلان بالطرق العادية أو بأية وسيلة اتصال إلكترونية حديثة وفق إجراءات الإعلان المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية المشار إليه». وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن ألفي دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا استعمل الموظف سلطته الوظيفية لتعطيل تنفيذ الحكم، وذلك كله مع مراعاة حكم الفقرة الخامسة من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم (20) لسنة 1981 المشار إليه. ويجوز للمحكمة أن تقضي بعزل الموظف العام في حال مخالفته لأحكام الفقرتين السابقتين. وتختص النيابة العامة وحدها بالتحقيق والتصرف والادعاء في هذه الجريمة. وتنقضي الدعوى الجزائية في أي مرحلة تكون عليها إذا نفذ الموظف الحكم. وقالت المذكرة الايضاحية للمرسوم بقانون رقم 87 لسنة 2025، باستبدال نص المادة (58) مكرراً) من القانون رقم (31) لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء رقم (16) لسنة 1960، «لما كان احترام الأحكام القضائية وتنفيذها يُعد ركيزة أساسية في تحقيق العدالة وضمان سيادة القانون، وكان امتناع الموظفون العموميون عن تنفيذ الأحكام الواجبة النفاذ يمثل اعتداء صارخاً على استقلال السلطة القضائية ويمس بمبدأ الفصل بين السلطات الذي يقوم عليه النظام الدستوري في دولة الكويت وفقاً لنص المادة (50) من الدستور». وأضافت المذكرة الايضاحية، وعلى هذا الأساس، نصت المادة (58) مكرراً) من القانون رقم (31) لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم (16) لسنة 1960، على عقاب الموظف الذي يمتنع عن تنفيذ حكم قضائي عمداً بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، مع عزله، إذا استمر في الامتناع عن تنفيذ الحكم خلال 30 يوماً بعد إنذاره على يد مندوب الإعلان، أما في حالة ما إذا كان هذا الموظف قد استعمل سلطته الوظيفية في وقف تنفيذ الحكم، فقررت هذه المادة معاقبته بالحبس لمدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل على ألف دينار ولا تزيد عن ثلاثة آلاف دينار مع وجوب عزله أيضا، ومن خلال التطبيق العملي لهذا النص رؤيا ضرورة إعادة النظر فيه، لما لذلك من أثر مباشر على استقرار النظام القانوني وحماية حقوق المحكوم لهم. ونصت المادة الأولى من المشروع الماثل على استبدال نص المادة (58) مكرراً) المشار إليها بتشديد عقوبة الغرامة للموظف الذي امتنع عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ لضمان فاعلية النص العقابي في تحقيق الردع المطلوب، حيث أظهرت التجربة العملية أن العقوبات المالية السابقة لم تكن كافية لإلزام الموظفين العموميين بتنفيذ الأحكام القضائية الواجبة النفاذ، بما رؤيا معه رفع الحد الأدنى للغرامة إلى ثلاثة آلاف دينار، مع إبقاء حدها الأقصى عند عشرين ألف دينار، لضمان تحقيق الغاية التشريعية في الردع وحماية حقوق المحكوم لهم. كما تضمن النص تشديد العقوبة على الموظف الذي يستعمل سلطته الوظيفية لتعطيل تنفيذ الحكم بأن جعل العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة لا تقل عن ألفين دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار أو بأي من هاتين العقوبتين مع تعديل المهلة القانونية التي يتم خلالها تنفيذ الحكم إلى تسعين يوماً بدلاً من ثلاثين يوماً وهي المدة التي ثبتت عدم كفايتها عملياً لإنهاء الإجراءات الإدارية والعملية اللازمة لتنفيذ الحكم، وقد روعي في تحديد المهلة الجديدة أن تكون أكثر واقعية وتتناسب مع متطلبات التنفيذ في الحالات العملية، مما يتيح للموظف المختص فرصة كافية للالتزام بالحكم قبل تعرضه للمساءلة الجنائية، مع إتاحة المجال لتنفيذ الإنذار بالطرق العادية أو بأية وسيلة اتصال إلكترونية حديثة وفق إجراءات الإعلان المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم بالقانون رقم (38) لسنة 1980 وتضمن التعديل أيضاً جعل عقوبة العزل جوازية للمحكمة، بما يتيحلها سلطة تقديرية في تقرير هذه العقوبة وفقاً لظروف كل حالة على حدة، وقد جاء هذا التعديل مراعاة لما قد يحيط ببعض الوقائع من ملابسات الاستدعاء للتخفيف أو التشديد في هذه العقوبة، مما يحقق مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة ويعزز العدالة في التطبيق. كما تضمن التعديل النص على أن النيابة العامة هي وحدها التي تختص بالتحقيق والتصرف والادعاء، وعلى أن تنقضي الدعوى الجزائية في أي مرحلة من مراحلها إذا نفذ الموظف الحكم القضائي وذلك لتحقيق الغاية المرجوة بما يصون حجية الحكم القضائي واستيفاء حقوق الأطراف. وألزمت المادة الثانية من المشروع الماثل رئيس مجلس الوزراء والوزراء كل فيما يخصه بتنفيذه، ونشره في الجريدة الرسمية على أن يعمل به من تاريخ هذا النشر.

رسمياً.. تعديل قانون الجزاء: السجن والغرامة لمن باع أو سرّب الاختبارات
رسمياً.. تعديل قانون الجزاء: السجن والغرامة لمن باع أو سرّب الاختبارات

الأنباء

time٣٠-٠٦-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الأنباء

رسمياً.. تعديل قانون الجزاء: السجن والغرامة لمن باع أو سرّب الاختبارات

السجن 5 سنوات وغرامة 5 آلاف دينار عقوبة تسهيل الغش عن طريق الطباعة أو النشر أو البيع أو التسريب للامتحانات تجريم سلوك تعديل الإجابات أو الدرجات الممنوحة للطلبة في الاختبارات دون وجه حق والحبس مدة لا تزيد على 7 سنوات وغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار للفاعل صدر رسميا في الجريدة الرسمية «الكويت اليوم» المرسوم بقانون رقم 77 لسنة 2025 بتعديل قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1960، والذي يقضي بتجريم طباعة أو نشر أو بيع أو تسريب أسئلة أو إجابات اختبارات التعليم الحكومي أو غير الحكومي في مرحلتيه المتوسطة أو الثانوية بقصد الغش أو تسهيله. ونصت مواد المرسوم على ما يلي: مادة أولى: تضاف مادتان جديدتان برقمي (259 مكررا)، و(259 مكررا أ) إلى قانون الجزاء المشار إليه نصهما الآتي: المادة (259 مكررا) يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من طبع، أو نشر، أو أذاع، أو روج، أو باع، أو عرض للبيع، أو سرب، بأي وسيلة كانت اسئلة، أو إجابات اختبارات التعليم الحكومي أو غير الحكومي، في مرحلتيه المتوسطة أو الثانوية، بقصد الغش او تسهيله، او الاخلال بالنظام العام للاختبارات، أو التأثير على صحة وسلامة نتائجها. فإذا ارتكبت الافعال المشار اليها في الفقرة السابقة من شخص له صلة في الاشراف على هذه الاختبارات، أو تحضيرها، أو اعدادها، أو تنظيمها، أو نقلها، أو تسليمها، أو حفظها، تكون العقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سبع سنوات، والغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وفي جميع الأحوال، يحكم بمصادرة الأشياء المضبوطة التي استعملت في ارتكاب الكريمة. ولا تعد الافعال المذكورة في الفقرة الأولى جريمة إذا وقعت على نماذج لأسئلة او اجابات سابقة مما يستخدم لأغراض التدريب أو التحضير لأداء الاختبارات. المادة (259 مكررا أ): يُعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على سبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعمد تعديل إجابة الطالب في أي من الاختبارات المشار اليها في المادة السابقة، او الدرجة الممنوحة لها دون مقتضى. فإذا ارتكبت الافعال المبينة في الفقرة السابقة من موظف مكلف بتصحيح اجابات الاختبارات او رصد درجاتها، تكون العقوبة الحبس لمدة لا تجاوز عشر سنوات، والغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرين ألف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين. على رئيس مجلس الوزراء والوزراء - كل فيما يخصه - تنفيذ هذا المرسوم بقانون، وينشر في الجريدة الرسمية، ويعمل به من تاريخ نشره. ونصت المذكرة الايضاحية للمرسوم بقانون رقم 77 لسنة 2025 بتعديل قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1960 على ما يلي: نظرا للضرورة الملحة لحماية نزاهة العملية التعليمية في المرحلتين المتوسطة والثانوية منها، ولضمان عدالة التقييم ومنع أي تلاعب قد يؤثر على مستقبل الطلاب الأكاديمي والمهني والعملي، أو الإخلال بنظام الاختبارات، وذلك نظرا لأهمية ذلك في ضمان معيارية التقييم وسريتها، حيث ان نشر الاختبارات او تداولها بين الطلاب - قبل أوانها - يؤثر بشكل مباشر على مصداقية النتائج ولا يعكس الواقع الحقيقي لمستوى الاداء التعليمي. وإرساء لحماية جزائية فعالة لسلامة اختبارات التعليم في مرحلتيه المتوسطة والثانوية، وبالنظر إلى ما تمثله هذه الاختبارات من أهمية بالغة في تحديد المسار التعليمي للطلاب، وكونها تتمثل اساسا لتقييم الاداء المدرسي ومصداقية النظام التربوي برمته، وما بات يلاحظ من ممارسات خطيرة تتصل بتسريب الاسئلة او ترويج الاجابات، مما يهدد العدالة التعليمية ويقوض ثقة المجتمع بمخرجات التعليم، ويطلب في الوقت نفسه وضع الجزاء الملائم للتلاعب في نتائجها. وفي إطار الجهود الرامية الى تعزيز الحماية التشريعية لنزاهة العملية التعليمية في مرحليتها المتوسطة والثانوية الحكومي او غير الحكومي، ومكافحة مظاهر الغش أو التلاعب التي تهدد جودة التعليم، وترسيخا لقيم المساواة والانضباط والجدارة في المجتمع التربوي والوطني، ولكل ما تقدم ظهرت الحاجة إلى وجود تنظيم تشريعي يعالج ويحد من ظاهرة الغش وتسريب الاختبارات بما يضمن سلامة العملية التعليمية. وإذ صدر الأمر الأميري بتاريخ 10/5/2024 ونصت المادة (4) منه على أن تصدر القوانين بمراسيم بقوانين، لذا أعد مشروع المشروع بقانون الماثل بتعديل قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1960، ونصت المادة الأولى من هذا المشروع على اضافة مادتين جديدتين لقانون الجزاء المشار اليه برقمي (259 مكررا، و259 مكررا أ). ونصت المادة (259 مكررا) على تجريم كل فعل يتضمن طباعة، أو نشر، أو إذاعة، أو ترويج، أو بيع، أو حتى عرض للبيع، أو تسريب أسئلة أو إجابات اختبارات التعليم المتوسط او الثانوي، الحكومي او غير الحكومي، بأي وسيلة كانت، متى اقترنت هذه الأفعال بقصد الغش او تسهيله أو الاخلال بنظام الاختبارات أو التأثير في صحتها وسلامتها، وقررت معاقبة من يقوم بأي من هذه الأفعال بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما شدد هذا النص العقوبة حال كان مرتكب هذه الافعال من بين الاشخاص القائمين بالاشراف على هذه الاختبارات، أو تحضيرها، أو اعدادها، أو تنظيمها، أو نقلها، أو تسليمها أو حفظها، مع تقرير الحكم وجوبا بمصادرة الأدوات او الوسائل التي استخدمت في ارتكاب الجريمة، إذ جعل العقوبة هنا الحبس لمدة لا تزيد على سبع سنوات، والغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين مع مصادرة الاشياء المضبوطة التي استعملت في ارتكاب الجريمة. ولتمييز الأفعال المشروعة عن الافعال الجرمية، استثنى نص هذه المادة من نطاق التجريم النماذج السابقة من الاسئلة والاجابات المستخدمة في اغراض التدريب او التحضير للامتحانات، بما يحقق التوازن بين متطلبات الردع وحماية الجهود التعليمية المشروعة. اما المادة (259 مكررا أ) فقد جرمت سلوكا آخر لا يقل خطورة، وهو تعديل الاجابات، او الدرجات الممنوحة للطلبة في اختبارات التعليم المشار اليها دون وجه حق، وقررت معاقبة فاعله بالحبس لمدة لا تزيد على سبع سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكون هذا الفعل يتعارض مع النزاهة المهنية ويمثل عدوانا مباشرة على نتائج التقويم التعليمي، وله أثر جسيم على تكافؤ الفرص والعدالة التربوية، مع تشديد العقوبة في حال كان الجاني من الموظفين المكلفين بعملية التصحيح او التقييم او رصد الدرجات لتصبح الحبس لمدة لا تجاوز عشر سنوات، والغرامة التي لا تقل عن خمسة آلاف دينار ولا تزيد على عشرين ألف دينار، او بإحدى هاتين العقوبتين.

فيصل الكندري أعد دراسة تحليلية عن البيئة القانونية للقتل والإصابة الخطأ
فيصل الكندري أعد دراسة تحليلية عن البيئة القانونية للقتل والإصابة الخطأ

الأنباء

time٠١-٠٦-٢٠٢٥

  • أعمال
  • الأنباء

فيصل الكندري أعد دراسة تحليلية عن البيئة القانونية للقتل والإصابة الخطأ

حرص تشريعي على إرساء معايير واضحة للتمييز بين الخطأ العادي والمُؤَثَّم التعديلات جاءت تعبيراً عن تحول في مفاهيم السياسة العقابية الكويتية باتجاه مزيد من الضبط والموضوعية في مساءلة الأفعال غير العمدية جوهر المسؤولية الجنائية في الأفعال غير العمدية لم يعد يقاس بالنتيجة الضارة بل بمدى الانحراف عن مستوى السلوك المشرع الكويتي اتجه من خلال التعديل إلى توسيع نطاق الخطأ القابل للمساءلة بإضافة القوانين واللوائح ضمن مصادر الإخلال إدراج ظروف مشددة في جريمة القتل الخطأ يعد توسيعاً لنطاق التوصيف الجنائي للسلوك غير العمدي فأصبح الخطأ يقيم بناء على تأثيره الزمني أعد أستاذ القانون الجنائي د.فيصل الكندري دراسة تحليلية مقارنة حول البيئة القانونية للقتل والإصابة الخطأ في التشريع الكويتي، وذلك بعد صدور المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 2025 الذي اجرى تعديلا جوهريا على منظومة التجريم في قانون الجزاء الكويتي، من حيث تحديد الخطأ العمدي، بأن أدخلت مفاهيم جديدة حول درجات الخطأ وتشديد المهنية في السياق المهني، وإلى الدراسة: تعد المسؤولية الجنائية الناشئة عن الأفعال غير العمدية من أبرز الموضوعات التي احتلت مكانة محورية في التشريعات الجزائية الحديثة، ذلك أنها تعبر عن التطور في فهم القانون للخطأ، بوصفه سلوكا قد يبلغ في جسامته درجة تبرر التدخل الزجري، حتى في غياب النية الإجرامية. وقد أدى تعاظم دور المهن التقنية والعلمية، وتزايد الاعتماد على التخصصات المهنية في المجالات الصحية، والهندسية، والخدمية، إلى بروز تحديات جديدة أمام المشرع تفرض إعادة النظر في المفهوم التقليدي للإهمال والتقصير، وتدفع باتجاه ضبط المسؤولية غير العمدية ضمن معيار مهني احترازي صارم. وفي هذا السياق، صدر المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 2025 ليجري تعديلا جوهريا على منظومة التجريم في قانون الجزاء الكويتي تمثل في إعادة صياغة المادة 44 (الخاصة بتحديد الخطأ غير العمدي)، والمادتين 154 و164، إلى جانب استحداث مادتين جديدتين هما 154 مكرر و164 مكرر. وقد مثلت هذه الخطوة نقلة نوعية في السياسة العقابية الكويتية، إذ لم تقتصر على تحديث الصياغة، بل أدخلت مفاهيم حديثة حول درجات الخطأ، وتشديد المسؤولية في السياق المهني، وتجريم الامتناع عن الحذر الواجب، ما يدعو إلى وقفة علمية تحليلية لتقييم هذه التعديلات في ضوء الفقه والقضاء، والمقارنة بالتجربة الفرنسية بوصفها نموذجا مرجعيا متطورا. أهمية الدراسة تبرز أهمية هذه الدراسة في عدة جوانب: ٭ حداثة النصوص القانونية المعنية بالتحليل، مما يجعلها غير مغطاة بحثيا بصورة كافية حتى الآن. ٭ الطابع العملي للموضوع، حيث تشكل جرائم القتل والإصابة الخطأ نسبة ملحوظة من القضايا المطروحة أمام القضاء الكويتي. ٭ أهمية الموازنة بين تعزيز الحماية الجنائية للحق في الحياة، وضمان مبدأ شخصية المسؤولية وحرمة العقوبة بلا تمييز. ٭ تقديم رؤية مقارنة بين التشريع الكويتي والنموذج الفرنسي، بما يسهم في تقييم التجربة الوطنية على ضوء نظام قانوني مؤسس. إشكالية الدراسة تنطلق الدراسة من إشكالية محورية مفادها: إلى أي مدى تحقق النصوص المعدلة والمستحدثة في قانون الجزاء الكويتي توازنا بين تشديد المساءلة عن الجرائم غير العمدية في السياق المهني، وضمان حماية مبدأ الشرعية وشخصية المسؤولية الجنائية؟ وتتفرع من هذه الإشكالية الرئيسة الأسئلة التالية: 1 - ما المفهوم القانوني الدقيق للخطأ غير العمدي وفقا للمادة 44 بعد تعديلها؟ 2 - ما الفرق بين الخطأ العادي والخطأ الجسيم في ضوء المادة 154 مكرر؟ 3 - ما نطاق تطبيق المسؤولية عن الامتناع في سياق الإصابة الخطأ وفق المادة 164 مكرر؟ 4 - ما مدى قدرة القضاء الكويتي على تفسير هذه النصوص ضمن إطار موضوعي منضبط؟ 5 - كيف يمكن مقارنة التجربة الكويتية بالنموذج الفرنسي من حيث المفاهيم، والصياغة، والتطبيقات؟ منهج الدراسة تعتمد الدراسة على ثلاثة مناهج تكاملية: ٭ المنهج التحليلي: لشرح النصوص المعدلة والمستحدثة، وبيان مقاصدها القانونية. ٭ المنهج الوصفي النقدي: لتحليل الاجتهادات القضائية الكويتية ذات الصلة، والكشف عن أنماط التفسير وتوجهات المحاكم. ٭ المنهج المقارن: من خلال دراسة التجربة الفرنسية (قانون العقوبات والممارسة القضائية) كمصدر مقارن مرجعي. خطة الدراسة تقسم الدراسة إلى أربعة أبواب رئيسية، يعالج كل منها محورا أساسيا في نظام المسؤولية غير العمدية وفق التعديلات الجديدة: الباب الأول: الأساس العام للخطأ غير العمدي وفقا للمادة 44 من قانون الجزاء الكويتي. يتناول تحليل النص المعدل، وموقعه التأسيسي في تعريف الخطأ، والمعيار الموضوعي للشخص المعتاد. الباب الثاني: المسؤولية الجزائية عن القتل الخطأ وفقا للمادة 154: ويعالج القتل الناتج عن الخطأ العادي، وتحليل أركانه، وصور الإهمال والتقصير، والركن المعنوي في الجريمة غير العمدية، مع نماذج قضائية كويتية ومقارنة. الباب الثالث: القتل الخطأ المشدد وفقا للمادة 154 مكرر. يحلل الظروف المشددة، ومفهوم الإخلال الجسيم. الباب الرابع: الإصابة الخطأ والامتناع المؤثم وفقا للمادتين 164 و164 مكرر. يتناول المسؤولية عن الإصابة الناتجة عن الإهمال أو الامتناع، وتحليل ركن السلبية، ومسؤولية الامتناع المهني، وأثر الصياغة الجديدة على المهن الطبية والوظائف العمومية. الباب الأول شرح المادة 44 من قانون الجزاء الكويتي تشكل المادة 44 من قانون الجزاء الكويتي، بعد تعديلها بموجب المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 2025، القاعدة العامة التي يبنى عليها مفهوم الخطأ غير العمدي، الذي يمثل الركن المعنوي في أغلب الجرائم التي لا يتطلب القانون فيها قصدا جنائيا مباشرا، لا سيما جرائم القتل الخطأ، والإصابة غير العمدية، والمخالفات الناتجة عن الإخلال بواجبات المهنة أو الوظيفة. وقد اتجه المشرع الكويتي من خلال التعديل الأخير إلى توسيع نطاق الخطأ القابل للمساءلة بإضافة «القوانين» إلى جانب «اللوائح» ضمن مصادر الإخلال، وهو ما يعكس تحولا جوهريا في بنية النص من حيث التفسير القضائي وسلطة المحكمة في استخلاص المسؤولية. ففي السابق، كانت المادة 44 تقتصر على خمس صور للخطأ، هي: الرعونة، التفريط، الإهمال، عدم الانتباه، ومخالفة اللوائح. وكان القاضي يطالب بإثبات أن السلوك قد خالف لائحة تنظيمية صريحة كي يعد خطأ، وهو ما حد من فاعلية النص في مواجهة الأخطاء المهنية التي ترتكب في ظل غياب لوائح أو في ظل سكوت إداري عن تنظيم بعض الممارسات. أما بعد التعديل، فقد أصبح من الجائز للمحكمة الاستناد إلى أي نص قانوني مباشر ـ كقانون المرور، أو الصحة العامة، أو العمل، أو البناء ـ كمصدر للاحتراز، وبالتالي، كمصدر للمساءلة عند الإخلال به. وإذا نظرنا إلى الصور الست التي نصت عليها المادة 44 المعدلة، فإننا نجد أنها تغطي طيفا واسعا من درجات الخطأ، بدءا من السلوك الطائش، إلى الإهمال اليومي، إلى التقصير المهني، وذلك على النحو التالي: أولا: الرعونة، وهي الصورة الأشد جسامة، وتعني اندفاع الفاعل نحو تنفيذ فعل خطر دون احتياط أو تقدير للعواقب، على نحو يعكس تهورا واضحا. وتتحقق الرعونة متى تجاوز الفاعل الحد الأدنى من الحذر الذي يفرضه عليه القانون، كما في حالة قيادة مركبة بسرعة عالية في منطقة مكتظة دون أدنى احتياط. وتعد الرعونة من صور الخطأ التي تقترب من القصد الاحتمالي، إذ إنها تنم عن استهانة ضمنية بالنتيجة، حتى إن لم تكن هناك نية صريحة لتحقيقها. ثانيا: التفريط، ويقصد به ترك واجب كان الفاعل ملزما بأدائه قانونا أو عرفا مهنيا. وهو يختلف عن الرعونة من حيث انه فعل سلبي يتمثل في الامتناع عن القيام بسلوك احترازي كان متوقعا من شخص في مركزه. ومثال ذلك أن يهمل طبيب مراقبة المريض بعد الجراحة، أو أن يغفل عامل الصيانة عن إعادة تثبيت أداة خطرة. ويتحقق التفريط عندما تكون النتيجة الضارة مرتبطة مباشرة بتقصير الفاعل في أداء ما كان يجب عليه فعله، سواء علم بذلك أم لم يعلم. ثالثا: الإهمال، ويعتبر أكثر صور الخطأ شيوعا، ويقوم على غياب الحذر المعتاد الذي ينتظر من الشخص العادي في ذات الظروف. ويختلف عن التفريط في كونه لا يبنى على إخلال بواجب واضح، بل على سلوك غير يقظ يفتقر إلى الدراية أو التركيز. ومثال ذلك ترك باب مفتوح في منشأة دون وجود تحذير أو تدابير أمان، مما يؤدي إلى دخول شخص وإصابته. ويتميز الإهمال بأنه يقاس دوما بمعيار الشخص المعتاد، لا الشخص الخبير، ما يجعله أكثر ملاءمة في تقييم سلوك الأفراد العاديين خارج السياقات الفنية الخاصة. رابعا: عدم الانتباه، وهو صورة من صور الخطأ العرضي الذي قد يصدر حتى عن الحذرين، لكنه يكون مؤاخذا حين تكون الظروف تستوجب يقظة خاصة. ويقصد به فقدان التركيز أو الشرود الذهني في لحظة كان يجب فيها الانتباه. وتكمن خطورته في السياقات التي تتطلب انتباها مستمرا، كالمراقبة الأمنية، أو قيادة المركبات، أو تشغيل آلات. ويساءل الفاعل في هذه الحالة لا لأنه أخل بواجب مكتوب، بل لأنه غفل عن بيئة كانت تستوجب منه الحذر التام. خامسا: مخالفة اللوائح، وهي الصورة التقليدية التي يقوم فيها الخطأ على انتهاك قاعدة تنظيمية صادرة عن جهة إدارية أو مهنية. وتعد هذه الصورة من أسهل صور الخطأ من حيث الإثبات، لأنها تقوم على فعل مخالف لنص مكتوب، سواء كان متعلقا بالسلامة المهنية، أو بالإجراءات الإدارية، أو بالتعليمات الخاصة باستخدام أدوات أو تشغيل مرافق. وكانت هذه الصورة قبل التعديل هي المرجع الرئيس في مساءلة الفاعلين في المهن المنظمة. أما سادسا: وهي مخالفة القوانين، فهي الصورة التي أضيفت صراحة بموجب التعديل الأخير، وتشكل نقطة التحول الأكثر أهمية في المادة. فبدل أن يقتصر مصدر الخطأ على اللائحة، أصبح يشمل القانون ذاته، ما يعني أن أي إخلال بواجب قانوني ـ حتى لو لم يفصل بلائحة ـ يمكن أن يؤسس للمسؤولية. وتكمن أهمية ذلك في السماح بمساءلة الفاعلين في القطاعات غير المنظمة لائحيا، متى ثبت أنهم خالفوا قاعدة تشريعية تفرض عليهم واجبا احترازيا. ومن الأمثلة: مخالفة طبيب لنص في قانون مزاولة المهنة، أو عدم التزام صاحب منشأة بنص في قانون الصحة العامة، أو خرق مقاول لبند احترازي في قانون البناء. ويلاحظ أن هذه الصور ليست متساوية في الجسامة، لذلك فإن المحكمة ينبغي أن تراعي في توصيفها للفعل الظروف المحيطة، والمركز القانوني للفاعل، وطبيعة الالتزام المفترض، ومدى إمكانية توقع النتيجة. ولا يجوز، مثلا، مساواة العامل غير المؤهل بمهندس مختص، ولا اعتبار الغفلة العابرة في ظرف عادي كالرعونة في موقع خطر، لأن مبدأ التناسب في المسؤولية يقتضي التمييز بين حالات القصور البسيط، والانحراف الجسيم، والاستهانة المتعمدة، حتى وإن لم تصل إلى القصد. وعليه، فإن المادة 44 بصيغتها المعدلة تمثل اليوم قاعدة معيارية دقيقة تمكن القضاء من تطبيق المسؤولية غير العمدية على نحو يراعي خصوصية الفاعل، ويستند إلى النصوص القانونية والتنظيمية، ويقوم السلوك وفقا لدرجة الحذر الواجب لا بحسب مزاج الفاعل أو قناعته الخاصة. وينتظر من الاجتهادات القضائية المقبلة أن تبني على هذا النص مسارا تفسيريا يفرق بوضوح بين كل صورة من صور الخطأ، ويكيفها ضمن السياق الذي ينتج فيه الخطأ أثرا يستوجب العقوبة أو الإعفاء. الباب الثاني جريمة القتل غير العمد وفقا للمادة 154 من قانون الجزاء الكويتي بعد التعديل تمهيد عام للباب: تعد جريمة القتل غير العمد من الجرائم ذات الطبيعة الخاصة التي لا تستند إلى rw] جنائي مباشر، لكنها مع ذلك تشكل اعتداء خطيرا على الحق في الحياة، مما يوجب تدخل القانون لتقرير مسؤولية الفاعل الذي تسبب في الوفاة دون قصد، نتيجة سلوك خاطئ أو غير مسؤول. وقد جاء التعديل الذي أدخله المشرع الكويتي بموجب المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 2025 على المادة 154 من قانون الجزاء ليعيد ضبط هذا المفهوم الجنائي ويرسخ إطارا تشريعيا جديدا يتلاءم مع تعقيدات الواقع المهني والتقني والاجتماعي المعاصر، إذ لم يعد الخطأ غير العمدي مقتصرا على حالات الإهمال البسيط، بل بات يشمل صورا دقيقة من الإخلال الوظيفي والمهني التي قد تصدر عن ذوي الاختصاص، والذين يفترض فيهم إدراك خاص بمواضع الخطر ووسائل الوقاية. وفي هذا السياق، برزت المادة 154 المعدلة بوصفها نصا تأسيسيا لنموذج متقدم من المسؤولية الجنائية في الجرائم غير العمدية، من خلال بيان دقيق لصور الخطأ، وتحديد الشروط الموضوعية التي يجب توافرها لقيام المسؤولية، مع ربط ذلك بعنصر السببية القانونية. وسيتناول هذا الباب تحليلا متكاملا للمادة من خلال فصلين رئيسيين: أولهما مخصص لتحليل البنية القانونية لجريمة القتل الخطأ وصورها الستة، وثانيهما مخصص لبحث المسؤولية المهنية وخصوصيتها، مع الاستناد إلى التطبيقات القضائية والمقارنة بالنموذج الفرنسي. الفصل الأول التكوين القانوني لجريمة القتل الخطأ: يعد تحديد البنية القانونية لجريمة القتل الخطأ أمرا أساسيا لفهم فلسفة العقاب التي تبناها المشرع الكويتي في نص المادة 154 المعدلة. فالنص لم يكتف بتجريم السلوك المؤدي إلى الوفاة، بل حرص على تفصيل صور الخطأ التي تنشئ المسؤولية، بما يعكس حرصا تشريعيا على إرساء معايير واضحة للتمييز بين الخطأ العادي والخطأ المؤثم، وبين الحوادث العارضة والفعل الجرمي. كما أشار النص إلى صلة هذا الخطأ بظروف الجاني المهنية والوظيفية، مما أضفى على الجريمة طابعا مزدوجا يراعي كلا من النتيجة والسياق المهني الذي وقعت فيه. نص المادة 154 بعد التعديل (بموجب القانون رقم 65 لسنة 2025): (من قتل نفسا خطأ أو تسبب في قتلها من غير قصد، بأن كان ذلك ناشئا عن رعونة أو تفريط أو إهمال أو عدم انتباه أو عدم مراعاة القوانين واللوائح، أو إخلاله بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ألف دينار ولا تقل عن خمسمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين). المبحث الأول الطبيعة القانونية لجريمة القتل الخطأ وأركانها: ترتكز جريمة القتل الخطأ في جوهرها على توافر سلوك مادي يؤدي إلى نتيجة مميتة دون أن تكون هناك نية جنائية. ويظهر نص المادة 154 أن المشرع اعتمد هذا المفهوم حين أشار إلى أن القتل يكون «من غير قصد»، مما يعني أن محور الجريمة لا يتعلق بالقصد الجنائي، وإنما بوجود خطأ يرتقي إلى الحد الذي يجعله مجرما قانونا. ويشترط لقيام الجريمة توافر ثلاثة أركان رئيسية: أولا: فعل مادي يصدر عن الجاني ويتصف بإحدى صور الخطأ الست. ثانيا: نتيجة مادية هي وفاة المجني عليه. ثالثا: علاقة سببية قانونية بين الفعل والنتيجة، وهي ليست افتراضية، بل يجب إثباتها وفقا لمعايير قضائية. هذا البناء القانوني يعبر عن نهج دقيق يوازن بين ضمانات المحاكمة العادلة ومبدأ المسؤولية عن النتائج الضارة. كما يتيح النص المجال أمام القضاء لممارسة سلطته التقديرية وفقا لمعيار «المهني المعتاد»، دون إخضاع الوقائع لتقديرات مطلقة. المبحث الثاني صور الخطأ غير العمدي في المادة 154 ـ تحليل موسع: لقد نصت المادة 154 على ست صور محددة للخطأ الذي ينهض عليه الوصف الجنائي للقتل الخطأ، وهي صور متباينة من حيث الطبيعة والسياق والدرجة، لكنها جميعا تظهر إخلالا بواجب الحيطة، وتكشف عن انحراف في السلوك الواجب قانونا. وفيما يلي تحليل موسع لكل صورة: 1 ـ الرعونة (Imprudence): الرعونة تمثل سلوكا يتسم بالاندفاع وعدم التقدير الواعي للعواقب، وهي تعد من أشد صور الخطأ في حالات القيادة أو العمل الميداني. وتظهر الرعونة عندما يقدم الفاعل على فعل فيه مخاطرة واضحة دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة. مثلا، قيادة مركبة بسرعة مفرطة في حي سكني دون مراعاة الأطفال أو المشاة يعد نموذجا كلاسيكيا للرعونة. ويلاحظ أن هذه الصورة لا تتطلب علما متخصصا، بل تتعلق بسلوك عام متسرع ينطوي على خطر ظاهر. 2 ـ التفريط (Grave Negligence): يتجلى التفريط في ترك الفاعل لواجب إيجابي كان يتعين عليه أداؤه بحكم منصبه أو مهنته. ويمتاز هذا النوع من الخطأ بارتباطه بسياقات تنظيمية أو مهنية. مثال على ذلك أن يهمل مهندس فحص مبنى قبل الترخيص له بالسكنى، مما يؤدي إلى انهياره لاحقا. التفريط يعد من الأخطاء المرتبطة غالبا بالمراكز الفنية أو الرقابية، ويتطلب إثبات وجود التزام سابق بالإجراء الذي تم تجاهله. 3 ـ الإهمال (Ordinary Negligence): الإهمال هو التغاضي عن الحذر المعتاد الذي يتوقعه القانون من الشخص العادي، دون أن يكون هناك اختصاص أو وظيفة معينة. فهو خطأ ناتج عن لا مبالاة أو غفلة، لكنه لا يرتقي إلى مستوى التفريط المهني. ومثاله ترك عامل مواد زلقة على سلم يؤدي إلى سقوط أحد المارة. ويمتاز الإهمال بأنه يقدر بمعيار «الشخص المعتاد»، ويعد من أكثر صور الخطأ شيوعا في الحياة اليومية. 4 ـ عدم الانتباه (Inattention): عدم الانتباه يشير إلى الغفلة اللحظية عن المحيط أو الأحداث، دون أن يكون سلوك الجاني في ذاته خاطئا. وهو خطأ غير مقصود ناتج عن شرود أو تشتت، لكنه يكتسب وصفا جنائيا إذا وقع في ظروف تستوجب يقظة خاصة. فمثلا، انشغال سائق حافلة بتفقد هاتفه أثناء القيادة مما يؤدي إلى دهس تلميذ، يعد حالة نموذجية لعدم الانتباه المجرم. 5 ـ مخالفة القوانين واللوائح: هذه الصورة تنشأ عندما يرتكب الفاعل فعلا يخالف قاعدة قانونية أو تنظيمية واضحة، مثل القيادة بدون رخصة، أو تجاوز الإشارة الحمراء. ويتميز هذا الخطأ بسهولة إثباته من خلال وسائل الضبط، ويعتبر من أكثر الحالات التي يتعامل معها القضاء الجزائي، حيث تعتبر المخالفة بحد ذاتها قرينة على عدم الحيطة. 6 ـ الإخلال بأصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة: تعد هذه الإضافة من أبرز مميزات النص الجديد، إذ قرر المشرع أن مجرد الإخلال بالأصول المهنية يعد سلوكا مجرما، حتى دون وجود مخالفة لقانون عام. وتبنى هذه الصورة على فكرة أن لكل مهنة قواعد داخلية يفترض في المشتغل بها العلم بها، والإخلال بها يظهر استخفافا خطيرا لا يعذر صاحبه عليه. ومن أمثلتها قيام طبيب بوصف دواء دون معاينة المريض، أو قيام فني بتركيب جهاز كهربائي دون فحص. وقد تطورت هذه الصورة لتشكل أساسا لفهم المسؤولية المهنية كما سيتم تفصيله في الفصل التالي. الفصل الثاني تطبيقات المسؤولية المهنية في القضاء ـ تحليل تطبيقي في ضوء المادة 154: إن فحص الاجتهادات القضائية يعد مسلكا رئيسيا في استيعاب الكيفية التي تتفاعل بها المحاكم مع النصوص القانونية المجردة، وتفعلها على وقائع الحياة العملية. وتبرز أهمية هذه الاجتهادات خصوصا في مجال المسؤولية المهنية عن القتل غير العمد، حيث تتقاطع عناصر الخطأ الفني مع الوقائع، وتفرض على القاضي مهمة تقدير الجسامة في سياق مهني متخصص لا يدار وفق قواعد العناية العادية، بل وفق قواعد احتياط دقيقة يفترضها القانون في ذوي الاختصاص. وتظهر مراجعة لأحكام محكمة التمييز الكويتية، أن القضاء قد أدرك منذ سنوات أهمية تشخيص مركز الجاني المهني عند تقدير الخطأ، فجاءت عدة قرارات قضائية تحمل المهنيين مسؤولية جزائية عن الإخلال بأصول مهنتهم، حتى وإن لم تكن هناك مخالفة صريحة لنص قانوني أو لائحة. وهذا الاتجاه القضائي ينسجم انسجاما وثيقا مع المادة 154 في صيغتها المعدلة، التي تبنت هذا التصور التشريعي بشكل صريح حين أدرجت الإخلال بما تفرضه أصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة ضمن صور الخطأ غير العمدي. فعلى سبيل المثال، عندما اعتبرت محكمة التمييز أن ترك فني مصاعد لحاجز السلامة دون تثبيت يعد خطأ جسيما يرتب المسؤولية عن الوفاة، فإنها لم تستند إلى نص تنظيمي يلزم بتثبيت الحاجز، وإنما استندت إلى قاعدة مهنية بديهية يفترض في المهني العلم بها. وهذا يعكس تطورا قضائيا فاعلا في التكييف، حيث يقدر الفعل بحسب معيار المهني الحريص، لا المواطن العادي، وهو ما يجسد تطبيقا مباشرا للمادة 154 بعد تعديلها. والملاحظ أن هذه الأحكام لا تقيم الفعل بناء على النتيجة فقط (الوفاة)، بل تقيمه في ضوء مركز الجاني، ومدى مخالفته للمعايير المهنية التي يفترض علمه بها. وهذا ما يقابل في الفقه الفرنسي نظرية (الخطأ الجسيم المرتبط بوظيفة أو التزام احتياطي)، التي تم تكريسها في المادة 221-6 من قانون العقوبات الفرنسي، وفي أحكام محكمة النقض، منها الذي اعتبر أن تقنيا في قاعة عامة مسؤول جنائيا عن سقوط جهاز إضاءة تسبب في وفاة، رغم عدم قصده، لأنه أهمل تثبيت الجهاز، في مخالفة واضحة للعرف المهني في هذا المجال. وهكذا، تتقاطع الرؤية القضائية في الكويت مع نظيرتها الفرنسية في تقدير أن (الإخلال الفني) هو سلوك مستقل بذاته يصلح لتكوين الخطأ غير العمدي، متى ثبت أن المهني قد تجاوز حدود ما يتوقع منه معرفته أو فعله. وهذه المقاربة تعبر عن تطور فلسفي في فهم المسؤولية الجنائية، حيث لم تعد الجريمة تقاس فقط بنية الفاعل، بل بالموقع الذي يشغله، والمعرفة التي يمتلكها، والواجبات التي يفترض به أداؤها بمستوى معين من الدقة واليقظة. وإذا كان النص المعدل قد جاء صريحا في ربط المسؤولية بأصول المهنة، فإن القضاء بدوره كرس عبر التطبيق مفهوما متقدما للخطأ المهني لا يقوم فقط على الإهمال، بل على الإخلال الوظيفي المتخصص. وهذا المفهوم يعزز الردع العام، ويضفي طابعا زجريا على الفعل غير العمدي حين يصدر عن شخص يفترض فيه أن يعلم. كما يحقق الانسجام بين النظام القانوني والممارسات المهنية المعاصرة، ويمكن القضاء من ضمان التوازن بين الحقوق الفردية وواجبات المراكز الوظيفية. يتضح من الربط بين المادة 154 المعدلة والأحكام القضائية أن المسؤولية المهنية عن القتل غير العمد قد انتقلت من مجرد صورة محتملة من صور التقصير إلى أساس مستقل للتجريم، وذلك استنادا إلى معيار «المحترف المعتاد» الذي يصبح به الإخلال بسلوك مهني مستقر خطأ جزائيا بمجرد وقوع النتيجة الضارة. وقد أسهمت محكمة التمييز في تطوير هذا المفهوم، وأكد القضاء الفرنسي صحته، بما يجعله دعامة متينة لتقدير الجسامة في الجرائم غير العمدية ذات الطابع الفني أو المؤسسي. الباب الثاني جريمة القتل الخطأ المشدد وفقا للمادة 154 مكررا يشكل النص المستحدث للمادة 154 مكررا من قانون الجزاء الكويتي تطورا تشريعيا بارزا في نطاق تجريم القتل غير العمد، إذ يمثل نقلة نوعية من التصور التقليدي الذي يربط العقوبة حصريا بحدوث النتيجة، إلى تصور أكثر تركيبا يربطها بالسلوك والظروف المرافقة له. فالمسؤولية لم تعد تبنى فقط على الإهمال أو التفريط في صورتهما المعروفة، وإنما أصبحت قائمة على مدى خطورة المحيط الذي وقع فيه الفعل، ومدى إدراك الجاني لاحتمال تحقق النتيجة. وهذا التوجه يتسق مع ما قرره الفقه الجنائي الحديث من أن (العقوبة لا تقاس فقط بدرجة النتيجة، وإنما بمدى استخفاف الفاعل بها قبل حدوثها). وقد أورد المشرع الكويتي في نص المادة صورا دقيقة لما يعد ظرفا مشددا في جريمة القتل الخطأ، وهي: تعاطي المؤثرات العقلية، وتعدد الوفيات، والامتناع عن تقديم المساعدة، ثم ربط بينها وبين مبدأ تصاعد العقوبة حسب عددها. وجاء النص كما يلي: مادة (154 مكررا): «يعاقب على القتل المذكور في المادة السابقة مدة لا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تجاوز ألفي دينار ولا تقل عن ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا اقترن القتل بأحد الظروف الآتية: ٭ تعاطي الجاني مادة مسكرة أو مخدرة أومؤثرة عقليا أو أي مادة أخرى تؤثر على قوى الشخص الطبيعية. ٭ إذا ترتب على فعل الجاني وفاة شخصين فأكثر. ٭ امتناع الجاني، أو إهماله وقت ارتكابه للفعل، عن مساعدة المجني عليه وهو قادر عليها. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات وبغرامة لا تجاوز عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا اجتمع ظرفان فأكثر من الظروف المنصوص عليها في الفقرة السابقة». ويندرج هذا النموذج ضمن الفقه المعروف باسم (الخطأ المركب) أو la faute aggravée في القانون الفرنسي، والذي يرى أن جسامة الفعل غير العمدي تتجاوز القصد حين يتكرر الإهمال أو يتراكم معطيات ظرفية تظهر لا مبالاة شديدة بحقوق الغير. الفصل الأول البنية الموضوعية للتشديد ـ تحليل صور الظروف المشددة: إن إدراج ظروف مشددة في جريمة القتل الخطأ يعد توسيعا لنطاق التوصيف الجنائي للسلوك غير العمدي، حيث لم يعد الخطأ يفهم بمعزل عن محيطه، بل أصبح يقيم بناء على تأثيره الزمني، والنفسي، والمهني. وقد تبنى الفقه هذا المفهوم منذ فترة طويلة، حين فرق بين (الخطأ العرضي) و(الخطأ الكاشف عن استخفاف) و(الخطأ المتعدد الأبعاد). وهو ما استلهمه المشرع الكويتي في المادة 154 مكرر، عبر النص على ثلاث صور تشكل، كل منها، موجبا مستقلا لتغليظ العقوبة. المبحث الأول تعاطي المؤثرات العقلية .. بين الاستعداد الإرادي وفقدان السيطرة: يعد تعاطي الجاني لمادة مسكرة أو مخدرة ظرفا ذا طابع مزدوج، إذ يعبر عن حالة من الضعف الإدراكي الذي يعيق ضبط النفس، لكنه في الوقت ذاته يعد قرارا سابقا على الفعل، ما يعني أن الجاني قد اختار بإرادته أن يضعف إرادته، وبالتالي تحمل مسؤولية الخطر الناتج. ويرى الفقيه الفرنسي Jean Pradel أن (المخاطرة الإرادية بفقدان السيطرة تعد صورة من صور القصد غير المباشر حين تقرن بالفعل غير العمدي). وقد أقر القضاء القطري بهذه القاعدة التي قضت بأن (تعاطي الجاني المؤثرات العقلية قبل ارتكاب فعل أودى بحياة المجني عليه، يعد ظرفا مشددا لقيامه بحالة إدراكية غير سوية، رغم إدراكه لطبيعة المهنة أو المهمة التي سيؤديها). ويعادل هذا التقدير ما قررته المادة 221-6-1 من قانون العقوبات الفرنسي، التي رفعت مستوى العقوبة تلقائيا حال وقوع القتل الخطأ تحت تأثير الكحول أو المخدر، حتى دون الحاجة لإثبات أن التعاطي كان السبب المباشر. المبحث الثاني تعدد الضحايا والامتناع عن المساعدة ـ بين الخطر المادي والخلل الأخلاقي: يرتبط تعدد الوفيات بمفهوم (النتيجة المركبة)، إذ إن ارتكاب فعل واحد يفضي إلى أكثر من وفاة يعد في حد ذاته مؤشرا على ضعف كبير في الاحتياط أو إهمال هيكلي في العمل أو السلوك، حيث إن تعدد الوفيات في نطاق واحد وبسبب واحد يعد ظرفا مشددا مستقلا يعبر عن جسامة الفعل بغض النظر عن نية الجاني. وقد سبق القانون الفرنسي إلى تجريم هذا الامتناع في المادة 223-6 من قانون العقوبات، وعده ظرفا تشديديا في حال اقترانه بنتيجة قاتلة. وأكدت محكمة النقض الفرنسية بأن (الفرد الذي امتنع عن التدخل في وضع يفرض عليه أخلاقيا وقانونيا التحرك، يسأل عن تطور النتيجة حتى لو كان الفعل الأصلي غير مقصود). الفصل الثاني التحليل التطبيقي للجسامة المركبة : يمثل التحليل التطبيقي للظروف المشددة الواردة في المادة 154 مكرر خطوة أساسية لتقييم مدى تفعيل النص التشريعي في الواقع القضائي. فالتشديد العقابي ينبغي ألا يفهم على أنه تشديد آلي، بل يجب أن يكون ناتجا عن تراكم موضوعي لعناصر الخطر الذي أحدثه الجاني بسلوكه، ومدى انكشافه على احتمال وقوع النتيجة. وهنا تتضح أهمية مبدأ (الجسامة المركبة) الذي استحدثه المشرع الكويتي، حين قرر أن اجتماع ظرفين أو أكثر يبرر مضاعفة العقوبة، ويقرب سلوك الجاني من الحد الفاصل بين الخطأ غير العمدي والفعل العمدي. ويطرح هذا التدرج العقابي على القضاء تحديا مزدوجا: أولا، في توصيف الظروف المتحققة، وثانيا، في تحقيق التناسب بين الجسامة وطبيعة العقوبة المحكوم بها. وقد أفرز هذا التحدي اجتهادات قضائية متعددة أبرزت تنوع التطبيقات القضائية، وأوضحت حدود السلطة التقديرية في موازنة الظرفين أو أكثر. المبحث الأول اجتماع الظرفين كسبب للغلو في الجسامة : ينص الجزء الأخير من المادة 154 مكرر على أن (تكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات وبغرامة لا تجاوز عشرة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا اجتمع ظرفان فأكثر من الظروف المنصوص عليها)، وهو ما يشكل في الواقع مبدأ قانونيا قائما على التراكم التأديبي (accumulation des fautes). ويفترض هذا التراكم أن اجتماع ظرفين يخرج السلوك من حدوده غير العمدية العادية إلى مستوى من الاستخفاف المركب، أشبه بالنية الضمنية للإضرار، وإن لم يقصد. ويقابل هذا المفهوم ما قررته محكمة النقض الفرنسية حيث أدانت المحكمة ثلاثة فاعلين مهنيين ـ طبيبا، ومساعدا، وفنيا ـ لتسببهم المشترك في وفاة مريض من خلال سلسلة من الإغفالات غير المنسقة. ورأت أن (الجمع بين إهمالات متعددة داخل بيئة مهنية يعد خطأ مركبا يوجب التعامل مع النتيجة كإهمال جسيم جماعي). المبحث الثاني السلطة التقديرية القضائية والحاجة إلى توجيه تفسيري موحد: على الرغم من وضوح النص في تحديد الظروف المشددة، فإن تقدير جسامة كل ظرف ومدى كفايته لتغليظ العقوبة لايزال منوطا بالسلطة التقديرية للقاضي، وهو ما أفرز تفاوتا في التطبيقات. ففي بعض الأحكام، اكتفى القاضي بظرف واحد لتشديد العقوبة إلى الحد الأعلى من العقوبة المقررة عند توافر ظرفين، بينما في حالات أخرى اعتبر القاضي أن بعض الظروف لا تعد متكافئة من حيث الوزن التأديبي. ويثير هذا التفاوت إشكالية افتقار المادة إلى دليل تطبيقي قضائي موحد. فالتمييز بين الظرف التام والظرف غير المكتمل، أو بين تعاط مقصود وتعاط عرضي، أو بين امتناع لحظي وامتناع منهجي، يتطلب من القضاء تبني معايير مرجعية تسند التقدير القضائي إلى منطق موضوعي. وفي هذا السياق، يمكن الاستئناس بما قررته محكمة النقض الفرنسية عندما فرقت بين الفعل المرتكب تحت تأثير مادة مخدرة بشكل عرضي، وبين الحالات التي يكون فيها التعاطي ثابتا ومقصودا ومترافقا مع سلوك ينطوي على تهور. وقد أكدت المحكمة في منطوقها أن (التقدير القضائي يجب ألا يبنى على وجود الظرف فقط، بل على مدى اندماجه في سلوك الجاني العام واتساقه مع نتائج الفعل). تبرهن الأحكام القضائية الفرنسية أن التوصيف الشكلي للوقائع هو تحليل مركب لأبعاد الجسامة، خصوصا عند اجتماع أكثر من ظرف من الظروف المشددة. وهذه المقاربة تندرج ضمن الاتجاه الجنائي الحديث الذي يرى أن المسؤولية في الجرائم غير العمدية لا يكتفى فيها بثبوت الخطأ البسيط أو وقوع النتيجة، بل ينظر أيضا إلى بنية السلوك، والمعنى الأخلاقي للتصرف، ودرجة الانكشاف على الخطر. ويرى البعض أن الامتناع حين يقع من شخص ملزم بالحركة يعد صورة من صور الفعل القانوني. ويلاحظ أن هذا الاتجاه ينسجم مع ما قرره القضاء الفرنسي، حيث رفضت محكمة النقض اعتبار سلسلة من الإغفالات المهنية المتفرقة مجرد تقصير بسيط، واعتبرت أنها تكون (بنية سلوكية مشتركة تعبر عن نظام خلل مؤسسي)، بما يجعل المسؤولية موزعة جماعيا، وتؤسس لفكرة (الخطأ المشترك الناتج عن ثقافة مهنية فاسدة). وقد ميزت المحكمة النقض الفرنسية بين حالتين متقاربتين: التعاطي العرضي والتعاطي المعتاد. وأكدت أن (الظرف المشدد لا يستمد من المادة المستعملة في ذاتها، بل من العلاقة السلوكية للجاني بها)، أي إن العبرة لا تقع في أن الجاني كان مخمورا فحسب، بل في كونه قد تبنى هذه الحالة باعتبارها نمطا سلوكيا ضمن فعل ينطوي على خطر. تظهر هذه الأحكام في مجموعها، أن القضاء الكويتي قد بدأ يفعل المادة 154 مكرر لا بوصفها نصا عقابيا صارما، بل كمنظومة معيارية تخاطب وجدان القاضي ومهنيته القانونية، وتطالبه بتفكيك السلوك وتقدير معانيه المركبة. وبذلك يقترب القضاء الكويتي ـ على غرار الفرنسي ـ من فلسفة العقاب المتدرج، الذي لا يعاقب الفعل وحده، بل يعاقب السياق الذي ولد فيه الفعل، والشخص الذي اختاره، والامتناع الذي ثبته، والنتائج التي أهملها. لقد كشفت الدراسة التحليلية لمضمون المادة 154 مكرر من قانون الجزاء الكويتي، كما أدخلت بموجب المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 2025، عن تحول نوعي في بنية المسؤولية الجزائية غير العمدية، يعبر عن نضج في الفلسفة العقابية الحديثة، وتقدم في فهم المشرع لطبيعة الجريمة المترابطة بالعوامل الاجتماعية والسلوكية، إذ لم تعد هذه الجريمة تفهم من خلال إطار جامد للخطأ البسيط، بل من خلال تصور تراكمي للجسامة، يربط بين طبيعة الفعل، ومدى إدراك الفاعل لمخاطرة، وتفاعله مع النتيجة، والظروف التي أحاطت بسلوكه قبل وأثناء وبعد الوقوع. وقد أظهرت المادة محل الدراسة وضوحا منهجيا في تحديد صور التشديد التي تخرج القتل الخطأ من صورته النمطية، إلى وصف مشدد يستند إلى مؤشرات موضوعية: مثل تعاطي المؤثرات العقلية، وتعدد الضحايا، والامتناع عن تقديم المساعدة. وتعبر هذه الصور عن مزيج من الانحراف الإدراكي، والقصور في الاستجابة الأخلاقية، والخلل في ممارسة الدور الاجتماعي، وهي كلها عناصر لا تقل من حيث الخطورة عن القصد الجنائي الجزئي، بل قد تفوقه في بعض الحالات، نظرا لما تحمله من استخفاف ضمني بالقيم القانونية والإنسانية الجوهرية. ومن زاوية الفقه، فإن هذا التوجه يجد تأصيله في النظريات الحديثة التي تفترض أن الفاعل غير العمدي لا يعفى من المسؤولية متى كان في مركز يلزمه بتوقع النتيجة، واتخاذ الاحتياطات المناسبة. كما يتقاطع النص الجديد مع مفاهيم (الخطأ المركب)، و(المسؤولية عن الإحجام)، و(التعريض المتعمد للغير)، وهي مفاهيم تطورت بفعل تداخل القانون الجنائي مع علوم السلوك، والطب، والمهن الخطرة. وقد عبر عنها البعض بقولهم إن (الإهمال في موقع الالتزام المتخصص يرقى في أثره إلى حد الجريمة ذات الطبيعة المعنوية المركبة، لا لغياب الإرادة، بل لانحرافها عن مركز التوقع الواجب). وقد جاءت المقارنة بالنموذج الفرنسي لتعزز هذا الفهم، إذ إن التجربة الفرنسية رسخت عبر قوانينها وأحكامها نظرية المسؤولية المهنية الخاصة عن النتائج الجسيمة، وربطت بين المعايير الأخلاقية والمهنية في تقرير العقوبة، وكرست مبدأ الجسامة المركبة كمؤشر قانوني على أن الخطأ لا يقاس بالمادة فقط، بل بما يكشفه من داخل الجاني وقراره وموقفه من واجبه. وبذلك يمكن القول إن المادة 154 مكرر ليست فقط نصا عقابيا جديدا، بل هي إطار بنيوي يعيد تشكيل نظرية الخطأ غير العمدي في القانون الكويتي، ويؤسس لمنظومة معيارية تحمل الفاعل مسؤولية متقدمة لا على فعله وحده، بل على إدراكه وامتناعه ومركزه. وتظل الفائدة الحقيقية من هذه المادة مرهونة بما إذا كان الاجتهاد القضائي سيواصل تطوير تفسيرها ضمن منهج تحليلي متدرج، يحقق العدالة، ويراعي التناسب، ويوائم بين الردع العام ومبادئ الإنصاف الإنساني. جريمة الإصابة الخطأ وفقا للمادتين 164 و164 مكرر من قانون الجزاء الكويتي تعد جريمة الإصابة غير العمدية الوجه الآخر لجريمة القتل الخطأ، إذ تتشابه معها في البنية القانونية، وتختلف عنها في درجة النتيجة لا في جوهر الفعل. وقد درجت معظم التشريعات المقارنة على التعامل مع الإصابة الخطأ باعتبارها فعلا يعكس إخلالا بواجب الحذر الواجب، دون أن يكون مقرونا بقصد الإضرار، لكنها ـ على خلاف القتل ـ لا تفضي إلى زوال الحياة، بل إلى الإضرار بسلامة الجسد أو وظيفته أو بنيته. لهذا فإن تقييم المسؤولية في هذا السياق يقتضي قراءة مزدوجة: واحدة تستند إلى صور الخطأ، والثانية تركز على حجم الضرر الناتج. وقد حرص المشرع الكويتي على ضبط هذا النوع من الأفعال من خلال تعديل المادة 164 بموجب المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 2025، حيث حافظ على الهيكل التقليدي للجريمة في صورتها البسيطة، ثم استحدث نصا جديدا (المادة 164 مكرر) يعالج الصور المشددة، على غرار ما فعله في المادة 154 مكرر بشأن القتل الخطأ. ويعد هذا التعديل خطوة منطقية ومتسقة مع تطور السياسة الجنائية الكويتية، ويمثل إقرارا بأن الجسامة لا تتوقف عند النتيجة (الوفاة أو الإصابة)، بل ترتبط أيضا بالسلوك والسياق والظروف المحيطة. وقد ورد نص المادتين على النحو التالي: المادة (164): (كل من تسبب في جرح أحد أو إلحاق أذى محسوس به عن غير قصد، بأن كان ذلك ناشئا عن رعونة أوتفريط أو إهمال أو عدم انتباه أو عدم مراعاة القوانين واللوائح، أو عن إخلاله بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز خمسمائة دينار ولا تقل عن مائتين وخمسين دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين). المادة (164 مكررا):(ويعاقب على الإصابة المذكورة في المادة السابقة بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تجاوز ألف دينار ولا تقل عن خمسمائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا اقترنت بأحد الظروف الآتية: ٭ تعاطي الجاني مادة مسكرة أو مخدرة أومؤثرة عقليا أو أي مادة أخرى تؤثر على قوى الشخص الطبيعية. ٭ إذا ترتب على فعل الجاني وفاة شخص فأكثر. ٭ إذا ترتب على فعل الجاني إصابة المجني عليه بعاهة مستديمة. ٭ امتناع الجاني، أو إهماله وقت ارتكابه للفعل، عن مساعدة المجني عليه وهو قادر عليها. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ألفي دينار ولا تقل عن ألف دينار أوبإحدى هاتين العقوبتين إذا اجتمع ظرفان فأكثر من الظروف المنصوص عليها في الفقرة السابقة). وتبرز القراءة المشتركة لهذين النصين أن المشرع الكويتي قد استلهم فلسفة التصعيد العقابي التدريجي، كما كرسها في المادة 154 ومكررها، لتصبح معيارا موحدا في تقييم الأفعال غير العمدية سواء أفضت إلى الوفاة أو إلى الإصابة. وسيتناول هذا الباب تحليلا أكاديميا موسعا لهاتين المادتين من خلال فصلين متكاملين، يخصص الأول لتحليل جريمة الإصابة الخطأ في صورتها البسيطة وفق المادة 164، بينما يخصص الثاني لتفصيل حالات التشديد وتوصيف الجسامة وفق المادة 164 مكرر، وذلك من خلال دراسة العناصر القانونية والفقهية والتطبيقات القضائية ذات الصلة. الفصل الأول جريمة الإصابة غير العمد في صورتها البسيطة إن مسؤولية الشخص عن إحداث إصابة بغير قصد تمثل فرعا أصيلا من المسؤولية الجنائية غير العمدية، وهي مسؤولية ذات طبيعة مزدوجة، فهي من جهة تعكس انحرافا عن معيار السلوك الحذر الذي يفرضه القانون، ومن جهة ثانية لا تقوم على توافر نية إجرامية، بل على وقوع النتيجة الضارة عن أحد صور الخطأ. وقد استقرت التشريعات الحديثة على تنظيم جريمة الإصابة الخطأ في نص مستقل، يختلف عن نص القتل الخطأ من حيث مقدار العقوبة وشروط النتيجة، لكنه يتطابق معه من حيث البنية القانونية العامة. وفي هذا السياق، جاء التعديل الذي أجراه المشرع الكويتي على المادة 164 من قانون الجزاء بموجب المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 2025 ليعيد ضبط ملامح هذه الجريمة، ويكرس فهما أكثر دقة لفكرة الضرر الجسدي الموجب للمساءلة، إذ تمسك النص ببنية الجريمة غير العمدية التقليدية، لكنه وسع نطاق الخطأ ليشمل الإخلال بأصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة، وأكد على وجوب تحقق نتيجة محسوسة، مما يقيد نطاق التوسع في التجريم الذي قد يهدد مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. وبهذا النص، يكون المشرع قد منح الفقه والقضاء أداة متوازنة لضبط المسؤولية في هذا النوع من الجرائم، بحيث تبنى على معيار موضوعي واضح، هو مدى إخلال الفاعل بمعايير الحذر، ومدى تحقق إصابة جسدية قابلة للإثبات الطبي. المبحث الأول الركن المادي في جريمة الإصابة الخطأ ـ الفعل والنتيجة والسببية: يعد الركن المادي في جريمة الإصابة غير العمد محورا مركزيا لفهم البناء القانوني للمادة 164، حيث يتكون هذا الركن من ثلاثة عناصر مترابطة: الفعل المرتكب من الجاني، والنتيجة الضارة المتمثلة في الإصابة الجسدية، والعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة. وقد حرص المشرع الكويتي على تحديد النطاق الموضوعي لهذا الركن بصورة تضمن الحد الأدنى من الحماية الجسدية، مع الحفاظ على التناسب بين حجم الضرر وبين التوصيف الجزائي للفعل. ويتحقق الفعل المادي في هذه الجريمة من خلال أي سلوك إيجابي أو سلبي يقع من الفاعل دون قصد، ويؤدي إلى إصابة شخص آخر. وقد يكون هذا السلوك فعلا مباشرا كالدفع، أو غير مباشر كترك آلة حادة في مكان خطر، أو سلوكا سلبيا كالإخلال بواجب الإشراف أو الرقابة أو إهمال اتخاذ احتياطات السلامة في موقع العمل. وفي جميع الحالات لا بد أن يكون هذا الفعل مخالفا لمعيار السلوك الحذر الذي يلتزم به الشخص العادي أو المهني بحسب الأحوال. أما من حيث النتيجة، فقد اشترط النص أن تؤدي أفعال الجاني إلى (جرح أو أذى محسوس)، مما يعني أن المشرع قد حصر نطاق التجريم في الإصابة الجسدية القابلة للإثبات، واستبعد الأذى النفسي أو الضرر التخيلي أو الآثار المؤقتة غير القابلة للقياس. وهو ما يتفق مع المعايير الحديثة التي تربط الجريمة بنتيجة مادية واقعية تثبت من خلال تقارير طبية أو أدلة علمية. وبهذا يكون النص قد حقق توازنا بين حماية السلامة الجسدية للمجني عليه، وضمان استقرار مبدأ الشرعية الجنائية. أما العنصر الثالث، وهو العلاقة السببية، فيعد من أصعب مكونات الجريمة من حيث الإثبات والتقدير، فلا يكفي لقيام الجريمة أن يوجد خطأ من الجاني، وأن تقع إصابة، بل يجب أن تكون الإصابة نتيجة مباشرة أو راجحة لذلك الخطأ. وقد استقر القضاء الكويتي على أن العلاقة السببية (مسألة موضوعية تقدرها المحكمة في ضوء الوقائع الفنية والطبية)، كما في حكم محكمة التمييز الذي أكد على أن (قيام المسؤولية يتطلب أن تثبت الخبرة الفنية وجود علاقة سببية حقيقية بين فعل المتهم والإصابة، دون افتراض أو مجاز). ويلاحظ أن هذا العنصر يعد الفاصل بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية، إذ إن مجرد وجود خطأ دون أن يؤدي إلى نتيجة ملموسة لا يكفي لتجريم السلوك، بل قد يستوجب التعويض فقط. وبهذا يكون النص قد حافظ على الانضباط التشريعي، وربط الجريمة بنتيجة ثابتة لا تقدر بالتخمين. المبحث الثاني صور الخطأ في المادة 164: جاءت المادة 164 في صياغتها الجديدة متسقة مع المادة 154 من حيث تعداد صور الخطأ، وهي: الرعونة، التفريط، الإهمال، عدم الانتباه، مخالفة القوانين واللوائح، والإخلال بما تفرضه أصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة. ويمثل هذا التعداد نقلة نوعية في التشريع الكويتي، حيث لم يكتف المشرع بتوصيف عام للخطأ، بل حدده على نحو يضمن توحيد المعيار، ويقيد السلطة التقديرية للقاضي ضمن ضوابط موضوعية واضحة. فالرعونة هي تصرف يعكس الاندفاع والتسرع دون التبصر في العواقب، ويعد مثالا لها أن يقدم شخص على استخدام أداة خطرة في محيط مزدحم دون احتياطات. أما التفريط فهو الإخلال بالواجبات الإيجابية المقررة على الفاعل بحكم وضعه أو مهنته، مثل تجاهل طبيب لفحص إجباري قبل صرف الدواء. أما الإهمال، فيعد صورة أخف من التفريط، ويقوم على التقصير في الاحتياطات العادية التي ينتظر من الشخص العادي اتخاذها. ويتمثل عدم الانتباه في الغفلة اللحظية التي لا يعد فيها السلوك في ذاته خاطئا، لكن تشكل في ظرف معين خطأ جزائيا، مثل انشغال موظف أمني في الهاتف أثناء عبور طلاب الطريق. أما مخالفة القوانين واللوائح، فهي الخطأ الذي يثبت بمخالفة تنظيمية واضحة، كعدم تشغيل جهاز الإنذار في منشأة عامة. أما الصورة الأخيرة، وهي الإخلال بأصول الوظيفة أو الحرفة، فتمثل الإضافة الأهم في النص، لأنها تستند إلى معيار داخلي ينبع من خصوصية المهنة، لا من قاعدة قانونية عامة. وهنا يسأل الطبيب أو المهندس أو الفني أو الموظف عن الضرر إذا ثبت أنه تجاوز حدود الحذر المتوقع من شخص في مستواه المهني، حتى إذا لم يخالف نصا تنظيميا مباشرا. ومبدأ (الالتزام الحرفي الحذر) الذي تبناه القضاء الفرنسي في جرائم المهن المنظمة، كما في القضية التي حملت فني مختبر مسؤولية جنائية عن إصابة ناتجة عن خلط مواد بسبب إغفال إجراء وقائي يعد بديهيا في مهنته، دون حاجة لنص قانوني صريح. لقد بين التحليل التفصيلي للمادة 164 من قانون الجزاء الكويتي، في ضوء تعديلها الأخير، أن المشرع قد سعى إلى ضبط معالم جريمة الإصابة غير العمدية بصيغة دقيقة تراعي التوازن بين الحماية الجنائية للسلامة الجسدية، وضمان عدم الانزلاق نحو المسؤولية الموضوعية. ويتجلى هذا التوجه من خلال التحديد الصريح لصور الخطأ، والربط الوثيق بين المسؤولية الجنائية ووقوع نتيجة محسوسة قابلة للإثبات، وهو ما يشكل ضمانة قانونية مهمة. وتتسق هذه المقاربة مع ما قرره الفقه الحديث بأن (الخطأ غير العمدي ليس درجة واحدة، بل طيف يتراوح بين الإغفال العادي والخلل الجسيم في مركز احترافي). وقد أكد على هذا Gérard Cornu حين فرق بين (الإخلال الإداري) و(الإخلال الفني المؤسس)، واعتبر الثاني أكثر خطورة لأنه يكشف عن ضعف في البنية الاحتياطية للمهني ذاته. ويمكن القول في نهاية هذا الفصل إن المادة 164 قد كرست إطارا قانونيا دقيقا لجريمة الإصابة الخطأ، يقوم على ثلاثية واضحة: فعل مخالف لواجب الحذر، نتيجة جسدية ملموسة، وعلاقة سببية قائمة على معيار الخبرة. وقد ساهم القضاء الكويتي في تطوير هذا الإطار من خلال اجتهادات تحمل طابعا تفسيريا واعيا، وتراعي مركز الفاعل، وطبيعة المهنة، وخصوصية الموقف، مما يبشر بإرساء قواعد تطبيقية ثابتة تحقق التوازن بين حماية المجني عليه وضمانات الفاعل. الفصل الثاني جريمة الإصابة الخطأ المشددة ـ تحليل المادة 164 مكرر جاءت المادة 164 مكرر من قانون الجزاء الكويتي لتكمل بناء متدرجا بدأه المشرع في المادة 154 مكرر الخاصة بالقتل الخطأ، وتوسع نطاق المسؤولية في مجال الإصابة غير العمدية، من خلال الاعتراف بأن الجريمة قد ترتقي في جسامتها إلى ما يوازي الفعل العمدي، إذا اقترنت بظروف خطرة تكشف عن سلوك غير مبال أو امتناع فادح عن التدخل. وهذا التطوير لا يندرج فقط ضمن السياسة العقابية، بل يعبر عن وعي تشريعي بأن الأفعال غير العمدية لا تقف عند حدود الضرر الجسدي، بل قد تجسد، في حالات خاصة، انقطاعا في الالتزام الأخلاقي والاجتماعي. وتحدد المادة 164 مكرر أربع صور تشكل كل منها ظرفا مشددا: التعاطي، الوفاة الناتجة عن الإصابة، العاهة المستديمة، والامتناع عن المساعدة. كما تقر المادة بتصعيد إضافي للعقوبة عند اجتماع ظرفين فأكثر، مما يؤسس لنظرية «الجسامة المركبة» في نطاق الإصابة. وتظهر هذه المقاربة أن المشرع لم يربط الشدة بدرجة الضرر فحسب، بل بدرجة الانفصال الأخلاقي عن الواجب، ومدى تعمق الإهمال في سلوك الفاعل. المبحث الأول صور الظروف المشددة في المادة 164 مكرر: تعد الصور الأربع الواردة في المادة 164 مكرر تجسيدا لحالات الانفصال عن الحد الأدنى من الحيطة المهنية والاجتماعية. وسنحللها على النحو التالي: 1 - تعاطي الجاني مادة مسكرة أو مؤثرة عقليا: يفترض هذا الظرف أن الجاني كان في حالة إدراكية غير سوية وقت ارتكابه الفعل. وقد اعتبر المشرع هذا السلوك مصدرا للتشديد لأنه يعكس قرارا مسبقا بإضعاف القدرة على التقدير. ويجد هذا التصور ما يعززه في الفقه الفرنسي، حيث تعد الحالة الناتجة عن المخدر أو الكحول حالة محفوفة بالخطورة الذاتية، تبرر التشديد دون حاجة لإثبات قصد جنائي، كما في المادة 222-19-1 من قانون العقوبات الفرنسي. 2 - وفاة المجني عليه نتيجة الإصابة: في هذه الصورة تنتقل الجريمة من مجرد إصابة إلى نتيجة مميتة، رغم أن الجاني لم يكن يقصد القتل. ويفهم من النص أن التشديد لا يستند إلى النية، بل إلى تضخم النتيجة وتجاوزها التوقع الطبيعي للسلوك. ويمثل هذا النمط ما يعرف فقهيا بـ(النتيجة الفائقة)، أي تلك التي لا يقصدها الفاعل لكنها متوقعة موضوعيا. 3 - إحداث عاهة مستديمة: ترتقي الإصابة في هذا الظرف إلى تغيير دائم في وظائف الجسد أو مظهره أو قدرته على العمل. وتعد العاهة معيارا موضوعيا للتشديد، يقدر وفق تقارير طبية قطعية. 4 - امتناع الجاني عن المساعدة رغم القدرة: يجسد هذا الظرف انفصالا أخلاقيا صارخا عن الواجب الاجتماعي، ويعد في الفقه المقارن من أخطر صور الخطأ غير العمدي لأنه يكشف عن بلادة وجدانية تجاه الخطر. المبحث الثاني مبدأ الجسامة المركبة في المادة 164 مكرر: إن ما يميز المادة 164 مكرر هو تبنيها لفكرة التراكم التأديبي، أي إن اجتماع أكثر من ظرف من الظروف المشددة لا يضاعف العقوبة فحسب، بل يعكس مستوى مرتفعا من الجسامة تتجاوز الصورة النمطية للخطأ غير العمدي. وتفهم الجسامة المركبة هنا لا بوصفها عددا حسابيا للظروف، بل باعتبارها تفاعلا نوعيا بينها، وهو ما يمنح القاضي مجالا لتقدير مدى خطورة السلوك في مجموعه. وتعدد الظروف لا يقاس بتكرارها بل بانسجامها الزمني والسلوكي معا، فحين يتعاطى الجاني مادة مؤثرة، ثم يحدث عاهة دائمة، ثم يمتنع عن إسعاف المجني عليه، فإننا لا نكون أمام ثلاث وقائع منفصلة، بل أمام بنية متراكبة من السلوك تعكس استخفافا مستمرا بالمراكز المحمية قانونا، وهو ما يستدعي تشديد العقوبة حتى وإن لم تتوافر نية الإضرار. إن قراءة الاجتهادات القضائية الفرنسية الصادرة في قضايا الإصابة الخطأ المشددة تظهر تبني مقاربة وظيفية للسلوك غير العمدي، لا تعنى بتوصيف الخطأ من زاوية شكله الظاهري، بل بمضمونه القيمي، وسياقه العملي، والأثر الذي يحدثه تفاعل عناصر الجريمة، فقد تعامل القضاء مع التعاطي ليس كمجرد شرط مادي، بل كحالة مدخلة في بنية الخطأ ذاته، يستخلص منها استخفاف إرادي بالواجبات الاجتماعية. ومن هنا برز توجه قضائي يعتبر أن الجاني لا يعاقب فقط لأنه أخطأ، بل لأنه قرر أن يضع نفسه في موضع يفقد فيه القدرة على تقدير الخطر، وهو ما يعرف في الفقه الحديث بنظرية (القرار بالمخاطرة) أو la prise de risque délibérée. أما الامتناع عن تقديم المساعدة، فقد أعيد توصيفه من مجرد إغفال إلى فعل سلبي فاعل يترجم موقفا داخليا عديم المروءة المهنية. وقد ظهر هذا بوضوح في حيثيات بعض الأحكام التي ربطت بين الامتناع والنتيجة الجسدية، وعدت الامتناع امتدادا للفعل الأول، وليس سلوكا منفصلا. وهذه المقاربة تقترب من النظرية الفرنسية التي تعتبر أن (السكوت في موقع الفعل يعد لغة قانونية للإدانة)، خاصة إذا توافر عنصر القدرة. وخطورة العاهة المستديمة ليس من حيث طبيعتها الطبية بل من حيث ديمومتها وأثرها على المجني عليه، ووضعت المادة 164 مكررا بذلك معيارا موضوعيا لتقدير الجسامة يتجاوز نية الجاني، نحو حماية المستقبل الجسدي للضحية. أما من جهة اجتماع الظروف، فقد جاء التعديل الجديد بتبني مبدأ الترابط السببي بين الأوصاف المشددة، كمدخل لتحديد العقوبة المناسبة، وهو توجه يحاكي ما قررته محكمة النقض الفرنسية حين اعتبرت أن اجتماع أكثر من عنصر من عناصر الخطأ في الفعل ذاته يبرر المعاملة العقابية الأشد، حتى وإن بدا كل عنصر بمفرده قابلا للعذر أو التخفيف. إن التعديلات التي أدخلها المشرع الكويتي على المادة 164 من قانون الجزاء وإضافة المادة 164 مكرر لم تكن مجرد إعادة صياغة شكلية لأحكام الإصابة غير العمدية، بل عكست نقلة نوعية في البنية القانونية للخطأ غير العمدي، قائمة على تصور أكثر نضجا لجسامة الفعل، ومدى امتداده إلى ما يتجاوز النتيجة الجسدية نحو الانكشاف الأخلاقي والمهني في سلوك الجاني. وقد برز من خلال تحليل المادة 164 أن المشرع الكويتي تمسك بهيكل الجريمة غير العمدية من حيث قيامها على نتيجة مادية ـ «الإصابة» ـ ناتجة عن فعل غير عمدي، دون افتراض قصد الإضرار. لكنه وسع في المقابل صور الخطأ، فأدخل (الإخلال بأصول الوظيفة أو المهنة أو الحرفة) ضمن المصادر المحتملة للمساءلة، وهو إدخال يتجاوز الفهم التقليدي للإهمال، ويحمل المهنيين مسؤولية أعلى بالنظر إلى طبيعة تخصصهم. وتظهر هذه الصياغة توجها نحو تعزيز معيار (المهني المعتاد)، الذي يعد اليوم ركيزة رئيسة في تقييم الخطأ بالمهن ذات الطابع الفني أو الحساس. أما في المادة 164 مكرر، فقد تبلور بوضوح مبدأ التصعيد في العقوبة تبعا لتفاقم ظروف الفعل. فالمشرع لم يعاقب الجاني على الإصابة فقط، بل على الإطار السلوكي الذي وقع فيه الفعل: هل كان في حالة تعاط؟ هل أفضى إلى وفاة أو عاهة؟ هل امتنع عن الإنقاذ؟ وإذا اجتمع ظرفان أو أكثر فإن المشرع قد أجاز رفع العقوبة إلى أقصاها. وهذا المنهج يعيد تركيب النظرية التقليدية في الخطأ، ويدخل عنصر (السلوك المركب) ضمن التقدير الجنائي، وهو ما يعبر عنه فقهيا بأن المسؤولية غير العمدية لم تعد ترتكز فقط على طبيعة النتيجة، بل على القيمة الأخلاقية الكامنة في سلوك الفاعل وظروف امتناعه أو تجاوزه. وفي ضوء ذلك، فإن الفصلين قد أظهرا أن المادة 164 ترسخ الحد الأدنى للمسؤولية، بينما تقدم المادة 164 مكرر نموذجا لتوسيع تلك المسؤولية حين ترتبط بخطر مضاعف أو بانفصال وجداني عن الواجب الإنساني. وتظهر المقارنة بالتشريع الفرنسي أن ما قدمه المشرع الكويتي في هذا الباب يقارب النماذج الأوروبية الحديثة، لا من حيث صور الخطأ فقط، بل من حيث فلسفة التدرج في العقوبة، وربطها بتفاعل الظرف مع السلوك والنتيجة، بل إن المشرع الكويتي قد تميز بنصه الصريح على مفهوم (اجتماع الظرفين) كمضاعف للعقوبة، وهو ما لم تصرح به بعض التشريعات اللاتينية، بل ترك لتقدير محكمة الموضوع. وعليه، يمكن القول إن الباب الرابع قد كشف عن بناء تشريعي متماسك ومتكامل لجريمة الإصابة غير العمدية، في صورتها البسيطة والمشددة، يراعي التدرج في الخطأ ويمنح القضاء أدوات تفسير مرنة ويفعل التزامات المهنيين تجاه المجتمع، ويرتقي بمستوى الحماية الجنائية إلى مصاف السياسات الجنائية المتقدمة. خاتمة الدراسة تبرز هذه الدراسة أن التعديلات التي أدخلت على قانون الجزاء الكويتي بموجب المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 2025 لم تكن مجرد تحريك شكلي للنصوص، بل جاءت كتعبير عن تحول في مفاهيم السياسة العقابية الكويتية، باتجاه مزيد من الضبط والموضوعية في مساءلة الأفعال غير العمدية، خاصة تلك التي تقع في إطار مهني أو فني أو وظيفي يحتم التزاما احترازيا يفوق الالتزام الاجتماعي العام. لقد انطلقت الدراسة من أن جوهر المسؤولية الجنائية في الأفعال غير العمدية لم يعد يقاس فقط بمدى تحقق النتيجة الضارة، بل بمدى الانحراف عن مستوى السلوك الذي ينتظر من الفاعل في موقعه القانوني أو الوظيفي أو المهني. ومن هنا، كانت التعديلات التشريعية ذات بعد مزدوج: فهي من جهة، تراعي تطور المهن وارتفاع سقف التوقعات الاحترازية، ومن جهة أخرى، تحاول ضبط هذا التوسع بضمانات قانونية تمنع الانزلاق نحو المسؤولية الموضوعية أو العقوبة المبالغ فيها. وقد عالج الباب الأول من الدراسة تعديل المادة 44، التي تعد حجر الأساس في بناء مفهوم الخطأ غير العمدي في القانون الكويتي. وأظهر التحليل أن إدراج «القوانين» ضمن مصادر الخطأ في الفقرة الأولى لم يكن مجرد إضافة لفظية، بل توسعة جوهرية في نطاق التجريم غير العمدي، حيث يمكن القضاء من الاستناد إلى النصوص القانونية العامة لتقدير الإخلال، ويرسخ المعيار الموضوعي المستند إلى سلوك الشخص المعتاد في ذات الظروف. ومع ذلك، فإن بقاء الفقرة الثانية دون تعديل، بما تحمله من معيار ذاتي (التوقع أو المهارة)، يفتح الباب لإشكال تفسيري قد يضعف من اتساق النص إذا لم يعالجه القضاء تفسيرا تكامليا يدمج بين كلا المعيارين في ضوء طبيعة الفعل والفاعل معا. أما الباب الثاني، فقد خص المادة 154 بالتحليل، وهي المادة التي لاتزال تشكل الهيكل التقليدي لجريمة القتل الخطأ. وقد أوضحت الدراسة أن التعديل في المادة 44 ينعكس مباشرة على هذه المادة، حيث يمنح القاضي أداة مرجعية أوضح لتحديد وجود الخطأ، خاصة فيما يتعلق بمصادر الإخلال (القوانين واللوائح) وصوره (الرعونة، التفريط، عدم الانتباه). وقد مكن هذا من تجاوز كثير من الإشكاليات السابقة التي كانت ترتبط بتقدير الغفلة أو الإهمال من دون مرجع تشريعي مباشر. وانتقل الباب الثالث لتحليل المادة المستحدثة 154 مكرر، التي تشكل تحولا نوعيا في التشريع الكويتي، من حيث تبني مفهوم الخطأ الجسيم المرتبط بممارسة مهنية أو وظيفية. وقد أسست هذه المادة لتمايز تشريعي بين الخطأ العادي والخطأ الجسيم دون حاجة إلى إعادة تعريف شامل لمفهوم الخطأ، بل من خلال النص على صور ظرفية أو مهنية تشكل تشديدا للعقوبة. ويعد هذا الاقتراب متناغما مع التجربة الفرنسية التي تحمل المهنيين التزامات مضاعفة تتناسب مع درجة التخصص والدور الوقائي المتوقع منهم. وقد أظهرت الدراسة أن هذه المادة، رغم دقتها، تطرح تحديا كبيرا أمام القضاء في تفسير حدود «الإخلال الجسيم»، وتمييزه عن الخطأ العادي، وهو ما يتوقع أن يتبلور من خلال التراكم القضائي والاجتهاد المهني المستقر. أما الباب الرابع، فقد تناول مسؤولية الإصابة الخطأ، لا سيما في حال الامتناع، أو التقصير، عن اتخاذ الإجراء الواجب، وذلك وفقا للمادتين 164 و164 مكرر. وقد أبانت الدراسة أن إدراج «الامتناع المؤثم» كصورة من صور الخطأ غير العمدي يمثل تطورا لافتا في التشريع الكويتي يضاهي التوجهات العقابية الحديثة التي ترى أن اللامبالاة، أو الامتناع المهني عن التدخل، لا تقل خطرا عن الفعل الإيجابي المسيء، خصوصا حين يكون الفاعل في موقع مسؤولية، أو خبرة فنية، يمكنه من تجنب النتيجة. وقد أسس بذلك لنقلة مفاهيمية تجعل من الفعل السلبي، في حالات معينة، مناطا للمساءلة الجنائية الكاملة، وفق معيار يوازن بين الواجب المهني والقدرة العملية على منع النتيجة. وإذا كانت الدراسة قد قارنت بشكل رئيسي بين القانون الكويتي والنموذج الفرنسي، فإن ما خلصت إليه من استنتاجات يؤكد أن الكويت قد بدأت في التحول نحو نمط تشريعي قائم على «الاحتياط المعزز». الذي يراعي السياقات الخاصة ويحمل الفاعلين مسؤوليات تتناسب مع مواقعهم القانونية والفنية. كما أن التعديلات المدخلة، في مجملها، تنسجم مع الاتجاهات الدولية الحديثة نحو تغليظ العقوبة في حالات الإهمال الجسيم، دون التفريط في الضمانات الجوهرية للشرعية والعدالة الجنائية. وهكذا، يمكن القول إن التعديلات الأربعة (المواد 44،154،154 مكرر، 164 و164 مكرر) قد وضعت الأساس لنظام جديد في تنظيم المسؤولية عن الأفعال غير العمدية في القانون الكويتي، نظام يقوم على التمييز بين الخطأ المهني والعادي، ويعلي من معيار الاحتياط الفني، ويوسع نطاق المؤاخذة في حالات الامتناع الضار، في إطار قانوني يتطلب تفاعلا دقيقا من القضاء، وقراءات تفسيرية منضبطة من الفقه القانوني.

إلغاء إفلات الخاطف من العقوبة حال تزوج بمن خطفها.. وتغليظ عقوبة «قتل الأم وليدها فور ولادته»
إلغاء إفلات الخاطف من العقوبة حال تزوج بمن خطفها.. وتغليظ عقوبة «قتل الأم وليدها فور ولادته»

الأنباء

time٢٥-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الأنباء

إلغاء إفلات الخاطف من العقوبة حال تزوج بمن خطفها.. وتغليظ عقوبة «قتل الأم وليدها فور ولادته»

صدر في الجريدة الرسمية «الكويت اليوم»، في عددها الصادر أمس الأحد مرسوم بقانون رقم 70 لسنة 2025 بإلغاء نص المادتين (159 و182) من قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1960. وجاء في نص المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون: انطلاقا من المبادئ الدستورية الراسخة التي كفلها دستور الكويت في حماية الأمومة والطفولة، ورعاية النشء وحمايته من الاستغلال والإهمال، وإعمالا للالتزامات الدولية التي تبنتها الدولة من خلال مصادقتها على المواثيق والاتفاقيات المعنية بحقوق الطفل، أصبح من الضروري إلغاء نص المادة 159 من قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1960 فيما قرره هذا النص من عذر قانوني مخفف للأم التي تقتل وليدها فور ولادته دفعا للعار. وتستند ضرورة هذا الإلغاء إلى عدة مبررات، منها ما يتعلق بتعارض المادة 159 المشار إليها مع المبادئ التي قررها دستور الكويت، لاسيما ما نصت عليه المادة 9 منه من ان «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها، ويقوي أواصرها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة»، وما قررته المادة 10 من الدستور من ان «تلتزم الدولة برعاية النشء وحمايته من الاستغلال، ووقايته من الإهمال الأدبي والجسماني والروحي»، كون الحق في الحياة هو أساس جميع الحقوق الأخرى التي ترتبط به وجودا وعدما، وهو مبدأ أكدته الشريعة الإسلامية في قول الحق تعالى في الآيتين 8، 9 من سورة التكوير (وإذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت)، وقوله سبحانه وتعالى في الآية (31) من سورة الإسراء: (لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم)، فضلا عن الاعتبارات الأخرى التي تتعلق بتنافي المادة 159 من قانون الجزاء المشار إليها مع الالتزامات الدولية للكويت بموجب اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي صادقت عليها الدولة بموجب القانون رقم 104 لسنة 1989، التي صادقت عليها الدولة بموجب القانون رقم 104 لسنة 1991، خاصة ما نصت عليه هذه الاتفاقية في مادتها السادسة من أن «تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقا أصيلا في الحياة، كما تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه»، وما جاء في ميثاق حقوق الطفل العربي لعام 1983 الذي أقرته الكويت بالقانون رقم 36 لسنة 1993، والذي أكد ضرورة توفير أقصى درجات الحماية القانونية للأطفال من جميع أشكال العنف والإهمال. لهذا كله بات من الواضح ان استمرار العمل بالمادة 159 من قانون الجزاء المشار إليه، في إتاحة استثناء غير مبرر في تخفيف العقوبة الجرائم التي تستهدف حياة الطفل يتنافى مع المبادئ الدستورية والالتزامات الدولية على النحو سالف بيانه. وانطلاقا من ذات المبادئ الدستورية الراسخة والتي كفلها دستور الكويت في حماية الحقوق والحريات، وضمان العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، وإعمالا للالتزامات الدولية التي تبنتها الدولة من خلال مصادقتها على الاتفاقيات المعنية بمناهضة العنف ضد المرأة، أصبح من الحتمي أيضا، ومن اللازم إلغاء نص المادة 182 من قانون الجزاء المشار إليه، والتي نصت على إعفاء الخاطف من العقوبة في حال تزوج بمن خطفها، لما ينطوي عليه حكم هذه المادة من تعارض صريح مع أحكام الدستور، والمبادئ القانونية الراسخة والمواثيق الدولية ذات الصلة. ويتمثل هذا التعارض، في تعارض المادة 182 من قانون الجزاء المشار إليها مع المادة 29 من الدستور التي تنص على ان «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، او الأصل، او اللغة، او الدين»، حيث تمنح المادة 182 سالفة الذكر ميزة غير مبررة للجاني بالإفلات من العقوبة بمجرد زواجه من الضحية، ومما يخلق تمييزا قانونيا يضر بحقوق المرأة ويقوض مبدأ المساواة أمام القانون. فضلا عن انها بذلك تعد انتهاكا صارخا لحقوق الضحية، وتكرس ثقافة الإفلات من العقاب، مما يستوجب إلغاؤها لضمان مواءمة التشريع الوطني مع القيم الدستورية والعدالة الجنائية، إذا بات من الواضح ان استمرار العمل بها يوفر غطاء قانونيا غير مبرر للجناة. وإذ صدر بتاريخ 10/5/2024 الأمر الأميري، ونصت المادة 4 منه على ان تصدر القوانين بمراسيم بقوانين، لذا أعد مشروع المرسوم بقانون الماثل ونصت المادة الأولى منه على إلغاء نص المادتين (159 و182) من قانون الجزاء المشار إليه. وألزمت المادة الثانية من المشروع الماثل الوزراء كلا فيما يخصه تنفيذ هذا القانون، وحددت تاريخ العمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.

تغليظ عقوبة «قتل الوليد فور ولادته».. و«عدم إفلات الخاطف حال تزوج بمن خطفها»
تغليظ عقوبة «قتل الوليد فور ولادته».. و«عدم إفلات الخاطف حال تزوج بمن خطفها»

الأنباء

time١٨-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الأنباء

تغليظ عقوبة «قتل الوليد فور ولادته».. و«عدم إفلات الخاطف حال تزوج بمن خطفها»

صدر أمس الأحد مرسوم بقانون حمل الرقم 70 لسنة 2025 يقضي بإلغاء نص المادتين «159» (قتل الوليد فور ولادته دفعا للعار) والمادة «182» (إعفاء الخاطف من العقوبة في حال تزوج بمن خطفها) من قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1960. وقال وزير العدل المستشار ناصر السميط لـ «كونا» إن المرسوم بقانون رقم 70 لسنة 2025 قضى بإلغاء المادة 159 من قانون الجزاء التي كانت تنص على أن «كل امرأة تعمدت قتل وليدها فور ولادته دفعا للعار تعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة وخمسة وسبعين دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين». وأوضح أن إلغاء هذه المادة يعد تأكيدا على التزام الدولة بحماية الحق في الحياة بوصفه أسمى الحقوق التي يكفلها الدستور ومبدأ أكدته الشريعة الإسلامية، مشددا على أن «التخفيف من عقوبة القتل لا يمكن تبريره تحت أي ظرف». وأضاف أن النص الملغى كان يشكل خروجا عن القيم الدستورية وينتقص من الحماية القانونية المقررة للطفل منذ لحظة ولادته، كما أنه لا ينسجم مع التزامات دولة الكويت الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على ضرورة توفير أقصى درجات الحماية للأطفال من جميع أشكال العنف والإهمال. واستطرد قائلا إن «استمرار العمل بالمادة 159 كان يفتقر إلى المسوغ القانوني ويحدث خللا في مبدأ المساواة أمام القانون ويضعف من قوة الردع الجنائي في مواجهة جرائم القتل»، مؤكدا أن «الإلغاء يعكس إرادة الدولة في تطوير تشريعاتها بما يتماشى مع المعايير الدولية وعلى أسس عادلة ومنصفة». وذكر الوزير السميط أن المرسوم بقانون رقم 70 لسنة 2025 قضى أيضا بإلغاء المادة 182 من قانون الجزاء التي كانت تنص على «إعفاء الخاطف من العقوبة في حال تزوج بمن خطفها». وأضاف قائلا «ينطوي على حكم المادة 182 من قانون الجزاء تعارض صريح مع أحكام الدستور والمبادئ القانونية الراسخة والمواثيق الدولية ذات الصلة». وتابع بقوله إن «المادة 182 من قانون الجزاء كانت تمنح ميزة غير مبررة للجاني بالإفلات من العقوبة بمجرد زواجه من الضحية، مما يخلق تمييزا قانونيا يضر بحقوق المرأة ويقوض مبدأ المساواة أمام القانون».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store