أحدث الأخبار مع #محمدوهبة

الدستور
منذ 5 أيام
- أعمال
- الدستور
الصيرفة الإسلامية صناعة مالية رائدة عربياً
استطاعت المصارف الإسلامية في الدول العربية والعالم إثبات جدارتها في التعامل مع أموال مودعيها، بعد مثابرة وتأن في خطواتها؛ مما منحها الكثير من المكانة في أسواق المال، رغم طغيان الصيرفة التقليدية على المداولات المالية العالمية. ويعود السبب إلى أن مفاهيم العمل المصرفي الإسلامي وأدواته، أدّت إلى الوصول إلى بناء قاعدة مؤسساتية متينة البنيان، لذلك باتت الصناعة المصرفية الإسلامية، تحظى بأهمية كبيرة من قبل الجهات المصرفية الفاعلة على المستوى الإقليمي والدولي. ولا شك في أن هناك اختلافاً في طبيعة الصيرفة الإسلامية، يُميّزها عن الصيرفة التقليدية، فالأولى تتبع أحكام الشريعة الإسلامية، التي تحظّر إستيفاء الفائدة أخذاً أو عطاءً، ولا يُمكن أن تقدم خدمات تتعارض وأحكام الشريعة، كما أن العمل المصرفي الإسلامي قائم أصلاً على مبدأ المشاركة في الأعمال، بين البنك من جهة والمودع من جهة أخرى، وهذا ما يستتبع تقاسم الأرباح والخسائر. المصارف الإسلامية موجودة منذ 50 عاماً : وما يُسجل للمصارف الإسلامية أيضاً أنها استقطبت منذ بداية نشاطها، في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، صغار الحرفيين والمودعين، فالمصارف الإسلامية تعتمد في أساس فلسفتها على البُعد الإجتماعي، وليس البُعد الإقتصادي أو المصرفي الذي يقتصر على الربح وحسب، أما محظوراتها فهي عدم الإقراض، فالمتعامل الذي يرغب في إيداع أمواله في بنك اسلامي، يختار صيغة معينة من الصيغ المتعدّدة في نظام المصارف الإسلامية، كالمشاركة، والمرابحة، والمضاربة، والمقاولة، والإيجارة، والإستصناع. وفق ذلك، يتم درس صيغة مشروع ما، من قبل المودع ومن قبل البنك على حدٍ سواء. وبناءً على الدراسات التي يقوم بها خبراء ومختصون، تُوقّع عقود تحدّد كيفية توزيع الأرباح والخسائر. علماً أن المصارف الإسلامية تُطبّق معايير «بازل 1 و2»، لأنها تسعى الى أن تكون جزءاً من المنظومة المصرفية العالمية. خصوصية لبنان : في لبنان، لطالما كانت المصارف الإسلامية بطيئة النمو، لأسباب وظروف ترتبط بنقص التشريعات، وبالنظام المصرفي اللبناني، الذي لم يتح لها التقدّم والتوسع على غرار المصارف التجارية، فالمصارف الإسلامية المتواجدة في لبنان، كانت قبل الأزمة (في العام 2019) خمسة مصارف، ولم تتعامل بالأدوات المالية التي تتعامل بها المصارف التقليدية؛ مما جنّبها العديد من الأزمات في وقت سابق. لكن تفجّر الأزمة المالية والنقدية في لبنان، وتداعي القطاع المصرفي، وضع المصارف الإسلامية أمام تحدّي الاستمرار أو الانسحاب من السوق اللبنانية وهذا ما فعلته. د. محمد وهبة الخبير الاقتصادي : في هذا الاطار يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور محمد وهبه لمجلة «اتحاد المصارف العربية» أن «السمعة والثقة في المصارف الإسلامية في لبنان لهما مكانتهما، حيث استعاد مجمل المودعين فيها ودائعهم، بعكس ما حصل في المصارف التقليديةـ ومع ذلك، فإن أصول المصارف الإسلامية في لبنان لا تتجاوز1 % من إجمالي أصول البنوك التجارية البالغة حوالي 102.8 مليار دولار (ديسمبر/ كانون الأول 2024)، أي ما يعادل نحو 1.0–1.1 مليار دولار، حيث يوجد في لبنان خمسة مصارف إسلامية متخصّصة، إضافة إلى عدد من «النوافذ الإسلامية» داخل المصارف التقليدية». يضيف د. وهبه: «كذلك بالنسبة إلى مجموع فروع المصارف الإسلامية، فهي أقل من 1 % من إجمالي فروع القطاع، كما أن حصّة الودائع والتي توازي عادة حصّة الأصول؛ تشكل أيضاً نحو 1 % من إجمالي ودائع القطاع. أما على صعيد قياس حجم محفظة القروض الإسلامية الممنوحة للقطاع الخاص كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، فهي لا تتجاوز 0.5 % -1 %، مقارنة بمعدّلات تُراوح بين 15 % و30 % في بعض دول الخليج»، لافتاً إلى أن «حجم الإستثمار الضئيل يرتبط بطبيعة الواقع الإجتماعي والسياسي والأمني في لبنان، والعديد من المواطنين الذين يخافون المقاربة الإسلامية لوضعية أموالهم، مما يعني ضرورة طرح مفاهيم الصيرفة الإسلامية على جانب الفقه الاسلامي لناحية المخاطر والعائد، كما تبرز الحاجة في لبنان إلى إصلاحات تنظيمية ودعم مؤسسيّ وإعلامي لزيادة تأثيرها وموثوقيتها». الصيرفة الإسلامية في البلدان العربية: في المقابل، يشرح د. وهبه أن «المصارف الإسلامية في البلدان العربية، تُعد جزءاً مهماً من النظام المالي في العديد منها، حيث تستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحرّم الفائدة (الربا)، وتعتمد على التمويل بالمشاركة وتقاسم المخاطر. وكمقياس لحجمها ودورها في تمويل الإقتصاد الحقيقي، يُستخدم عادة حجم التمويلات (القروض) الممنوحة من قبل المصارف الإسلامية إلى القطاع الخاص كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي»، لافتاً إلى أنه «وفق بيانات العام 2024 لمجلس الخدمات المالية الاسلامية IFSB، فقد حقّق رصيد التمويلات الإسلامية العالمية نمواً بنحو5.97 % على أساس سنوي ليصل إلى 1.88 تريليون دولار في القطاعات السكنية، والعقارية، والإنشائية، والصناعية .وتشير دراسات أكاديمية إلى أن قروض المصارف الإسلامية تشكّل في بعض بلدان الخليج ما بين 15 % و30 % من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعكس دورها المحوري في تمويل المشروعات الإنتاجية والخدماتية وتقوية الشمول المالي». ويضيف د. وهبه: «باختصار، إن إنخراط المصارف الإسلامية في الواقع الإقتصادي يتمثل في تمويل المنشآت الخاصة، وقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بقروض تُمثّل نسبة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي، مع نمو سنوي ثابت للتمويل يناهز 6 %»، موضحاً أنه «مع إشتداد الأزمات الاقتصادية والمالية في المنطقة، مثل تداعيات جائحة كورونا، والتضخُّم، وأزمات العملات، والحروب، وإنخفاض الثقة بالأنظمة المالية التقليدية، برزت تساؤلات عديدة حول مستوى الثقة في المصارف الإسلامية». ويوضح وهب أنه «بتفصيل تلك العوامل، نرى في الإيجابيات التي تُحفّز الثقة هي الشفافية الشرعية، وأطر الرقابة التي تولّد ثقة لدى الجمهور المتديّن، وخصوصاً عند وجود هيئة مستقلة للفتوى والرقابة، ومن ثم البُعد عن الفوائد، في ظل رفض فئات واسعة للفائدة المصرفية، حيث يلجأ البعض إلى المصارف الإسلامية كبديل آمن. كذلك الإستقرار النسبي، حيث أظهرت بعض المصارف الإسلامية أداءً أكثر استقراراً خلال الأزمات المالية، كونها أقل انكشافاً على الأدوات المالية عالية المخاطر». ماذا عن موقع المصارف الإسلامية في الدول العربية؟ يجيب د. وهبه: «يتحدّد موقع المصارف الإسلامية في البلدان العربية، كونها عنصراً فاعلاً اقتصادياً ومميّزاً، حيث يملأ الفراغ الذي يعانيه التمويل التقليدي في المجتمع المحافظ، إذ يُمكن أن يتمثل دورها في تعزيز التنمية الاقتصادية، وتحقيق الشمول المالي، وتوفير بدائل تمويلية تراعي القيم المجتمعية والدينية، غير أن تعزيز هذا الدور يتطلّب إصلاحات مؤسسية وتشريعية، وتطوير أدوات رقابة وإبتكار مالي يواكب التحوُّلات الإقتصادية والتقنية في العالم العربي»، مؤكداً أن «المصارف الإسلامية تشكل أحد المكوّنات الجوهرية للقطاع المالي العربي، إذ تجمع بين البُعد الديني والاقتصادي، مما يمنحها موقعاً إستراتيجياً في عدد من الدول العربية، لا سيما الخليجية منها. ويُمكن تحديد موقعها من خلال أبعاد عدة، أهمها البُعد المالي في النظام المصرفي، حيث تشكل نسبة أصول المصارف الإسلامية ما بين 15 % و60 % من إجمالي الأصول المصرفية، حسب البلد. أما على صعيد الإنتشار المؤسسي، فالمصارف الاسلامية تتواجد في معظم الدول العربية، إما كمصارف متخصّصة أو كنوافذ إسلامية داخل مصارف تقليدية. وأخيراً حيال دورها على صعيد الإندماج في السياسات الوطنية، يُلاحظ أنه في بعض الدول مثل السودان، تُعدّ الصيرفة الإسلامية، النظام المصرفي الوحيد». ويشدّد د. وهبه على أن «للمصارف الإسلامية دوراً تنموياً يبرز عبر تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خصوصاً عبر صيغ المشاركة والمضاربة، وفي دعم القطاعات الإنتاجية (الصناعة، الزراعة، الخدمات) من خلال أدوات تمويل متوافقة مع الشريعة، وفي الحدّ من الفقر عبر أدوات مثل التمويل الأصغر الإسلامي»، مشيراً إلى دورها في تعزيز الاستقرار المالي؛ «إذ إن هذه المصارف تتبنّى نماذج تمويل قائمة على تقاسم المخاطر لا على الضمانات الربوية، مما يقلّل من الإنكشافات الخطرة، فتساهم في تنويع النظام المالي وتوسيع قاعدة الشمول المالي، ولا سيما في البيئات المحافظة دينياً». دور إستراتيجي في مواجهة الصيرفة التقليدية : يذكّر د. وهبه أنه «برز للمصارف الاسلامية وخلال الأزمات دور إستراتيجي، ومن خلال التجربة فقد حافظت على ثقة نسبية خلال الأزمات نظراً إلى الضوابط الشرعية وإلتزامها الأخلاقي. كما ساهمت في فترات الأزمات (مثل أزمة العام 2008 أو أزمات العملة) في امتصاص بعض الصدمات مقارنة بالبنوك التقليدية»، مشدّداً على أن «للمصارف الإسلامية دوراً قيمياً واجتماعياً، حيث تروّج لمبدأ الإقتصاد الأخلاقي القائم على العدل والتكافل والشفافية، وتلعب دوراً في تعزيز ثقافة المسؤولية الاجتماعية عبر أدوات مثل الزكاة والوقف والتمويل غير الربحي». ويختم د. وهبه: «رغم التحدّيات، تبقى المصارف الإسلامية خياراً إستراتيجياً للعديد من العملاء الباحثين عن تمويل آمن ومتوافق مع الشريعة، ولا تزال المصارف الإسلامية تحظى بثقة نسبية مقبولة، خصوصاً في المجتمعات المحافظة والبلدان التي تحترم البنية الشرعية والتنظيمية، لكن الثقة فيها ليست مطلقة. فاستدامة هذه الثقة تتطلّب شفافية أكبر، حوكمة أقوى، وتطويراً مستمراً للمنتجات والخدمات بما يتماشى مع إحتياجات العملاء المعاصرين، بالإضافة إلى الحاجة إلى توحيد المعايير الشرعية بين الدول، وضرورة تطوير الكفاءات المصرفية والشرعية، والاستجابة السريعة للتغيُّرات الاقتصادية العالمية كالعملات الرقمية والتضخُّم على سبيل المثال وليس الحصر.


النبأ
منذ 6 أيام
- رياضة
- النبأ
أندية سيتى كلوب تعلن إنطلاق المرحلة الثانية من اختبارات الناشئين
قرر قطاع كرة القدم بمجموعة أندية سيتي كلوب، تكثيف جهوده خلال مشروع الاختبارات التي يجريها حاليا في جميع أنحاء الجمهورية من خلال فروع سيتي كلوب المنتشرة في جميع المحافظات من أجل اكتشاف المواهب في جميع الأعمار السنية الناشئة. جاءت هذه الخطوة بعد أن بلغ عدد المشاركين في الاختبارات خلال الأسبوع الأول 5630 ناشئا من مواليد 2007 حتى مواليد 2018. وكانت أندية سيتي كلوب قد أطلقت أحدث مشاريعها الرياضية يوم 26 يونيو الماضى، وعلى مدار شهر كامل لانتقاء الموهوبين في كرة القدم والتكفل بهم وفق أحدث تقنيات التدريب والتربية المعمول بها. ومن المقرر أن تنطلق الجولة الثانية من المرحلة الأساسية للاختبارات يومي الجمعة والسبت المقبلين في 13 نقطة أساسية تشمل جميع قطاعات الجمهورية من خلال فروع سيتي كلوب في مدن الشروق ( القاهرة) والعبور وبنها ( القليوبية) وشبين الكوم ( المنوفية) وطنطا ( الغربية) والزقازيق ( الشرقية) ودمنهور ( البحيرة) وكفر الشيخ والسويس والفيوم وبني سويف والأقصر وأسوان، حيث تم تخصيص يوم الجمعة لمواليد 2013 حتى 2018، فيما تم تخصيص يوم السبت للمواليد من 2007 حتى 2012. فيما تقام اختبارات كرة القدم "بنات" يومي الاثنين والأربعاء المقبلين الساعة الرابعة عصرًا بسيتي كلوب العبور للناشئات مواليد 2011- 2012- 2013، فيما تتم اختبارات الفريق الأول من مواليد 2010 فما أكبر. يأتي ذلك ضمن استراتيجية سيتي كلوب التي اعتمدها مجلس الإدارة برئاسة الكابتن ياسر الرملي بأن تكون سيتي كلوب قاعدة رياضية في جميع أنحاء الجمهورية تنطلق لخدمة الرياضة المصرية ومنتخباتها الوطنية حتى المستوى الأول خلال السنوات القليلة المقبلة. أندية سيتى كلوب تعلن إنطلاق المرحلة الثانية من اختبارات الناشئين يرأس قطاع كرة القدم في سيتي كلوب الكابتن محمد وهبة عضو مجلس الإدارة،ومعه نجوم الكرة المصرية الكباتن سيد معوض رئيس قطاع الناشئين وحسام حسن المدير الفنى لقطاع الناشئين، والمشرفون على الكرة أسامه عرابي وغانم سلطان وعبد الستار صبرى وجمال حمزة ومحمد سعد وعمر خطاب، بالإضافة إلى المشرفين على حراس المرمى إبراهيم رياض وأسامة عبد الكريم ومعهم محمد عبد الوهاب مديرًا إداريًا وجلال راضي إداريًا للمشروع. أندية سيتى كلوب تعلن إنطلاق المرحلة الثانية من اختبارات الناشئين


تيار اورغ
٠٢-٠٧-٢٠٢٥
- أعمال
- تيار اورغ
مقاربة الحاكم: فصل الدَّين السيادي عن الدَّين التجاري
محمد وهبة - رغم تمسّك حاكم مصرف لبنان كريم سعيد بمهمة «تقديم المشورة للحكومة» استناداً إلى المادتين 71 و72 من قانون النقد والتسليف، إلا أنه يسعى جاهداً إلى تكريس رؤيته لتوزيع الخسائر وهذا ما كان واضحاً في خطّته التي لم يكشف عنها بعد إلا للمقربين وفي التعاميم التي يطلقها بمعزل عن رؤية الدولة الغائبة عن المشهد حتى الآن. وتتضمن رؤية سعيد فصل الديون التجارية عن الديون السيادية. وهي خطوة تتزامن مع ما يُنقل عن رئيس الجمهورية بأنه يرفض أن يكون صندوق النقد الدولي مسؤولاً عن كل ما يتعلق بإعادة هيكلة المصارف، لأنه ينوي شطب ما بين 75% و80% من الودائع. وقد ناقش سعيد رؤيته مع ممثلي صندوق النقد الدولي الذين زاروا لبنان أخيراً، ثم في واشنطن التي عاد منها قبل يومين. ويبدو أنه نال موافقة أولية على هذا الفصل الذي يفترض أن يحصر علاقة الصندوق مع لبنان بإعادة هيكلة الدين السيادي (الدين العام)، مقابل التزام مصرف لبنان بالتعامل مع كل ما يسمّى ديوناً تجارية سواء تجاه الدولة أو تجاه المصارف أو تجاه المودعين. عملياً، يحاول سعيد استعادة التوازن في ملاءة ميزانية مصرف لبنان، تمهيداً لإيجاد أرضية تتيح له التعامل مع مشكلة السيولة. لم يكن الفصل بين الديون التجارية والديون السيادية ضمن مقاربة الحكومات السابقة التي تعاملت مع الأزمة انطلاقاً من تشابك محاورها. فالمصارف استدانت الأموال من المودعين، ومصرف لبنان اقترض من المصارف، والدولة اقترضت من مصرف لبنان والمصارف. كان هذا السياق كافياً لمقاربة الأزمة بشكل شمولي، لذا اقتصر النقاش في المسائل المتعلقة بالمصارف القادرة على الاستمرار، وبكيفية ردّ جزء من الودائع، وبالمدى الذي يجب أن تتدخّل فيه الدولة لإعادة رسملة مصرف لبنان، وبالتالي حصّتها من ردّ الودائع. ولسنوات لم يغادر النقاش في توزيع الخسائر، هذا المربع، إذ كانت المصارف تطالب بزيادة حصّة الدولة من ردّ الودائع باعتبارها هي من أنفق الأموال سواء تلك التي استدانتها مباشرة من المصارف أو عبر مصرف لبنان، وكانت قوى السلطة أسيرة مبدأ «قدسية الودائع» الذي ألزمها بالامتناع عن حقيقة حجم الخسائر لما ترتبه من «هيركات» أو شطب للودائع. وبالتوازي كان صندوق النقد الدولي يتعامل مع الخسائر باعتبارها محققة بشكل كامل ويطالب بشطبها في أي خطّة، ما يعني أن الهيركات يفترض أن يصبح مقونناً ومعترفاً به من الجميع.الآن، أمام نسخة جديدة من التعامل مع الأزمة بعد مضي أكثر من ست سنوات على انفجارها. فالحاكم كريم سعيد، يروّج أنه يناقش مبادئ وخططاً ترمي إلى «تحقيق توازن مالي مستدام في ميزانيّته». وفي ترجمة لهذا الأمر يرى، نقلاً عن مقرّبين من الحاكم، أنه يمكن التعامل مع الأزمة استناداً إلى قاعدتين؛ أولاً، أولوية التعامل مع ملاءة المؤسسات المالية، ثم مع سيولتها. وثانياً، الفصل بين الدَّين السيادي المتعلق بإقراض الدولة، والدَّين التجاري المتعلق بعملياته في السوق استناداً إلى المادتين 71 و72 من قانون النقد والتسليف. ما يعنيه ذلك، هو أن مصرف لبنان يرى نفسه محور التوازن بين الدولة والمصارف والمودعين. لذا، يرى أن تحقيق شرط الملاءة يُعيد التوازن إلى ميزانيته. وأساس هذا التوازن بند يتعلق بـ16.6 مليار دولار. فبحسب ميزانية مصرف لبنان، تمثّل ودائع القطاع المالي نحو 90% من مجمل التزاماته، وهي تبلغ 85 مليار دولار. وفي مقابلها أصول موزّعة على أربعة بنود تمثّل 90% بقيمة 85 مليار دولار أيضاً، وهي: الذهب بقيمة 31.5 مليار دولار، الاحتياطات بالعملة الأجنبية 11.3 مليار دولار، وقروض للقطاع العام بقيمة 16.6 مليار دولار، ويملك أيضاً عقارات وشركات وسندات يوروبوندز بقيمة تصل إلى 4 مليارات دولار. بمعنى أوضح، إن حسم الجدل بشأن تلك الـ16.6 مليار دولار التي يسجّلها مصرف لبنان على الدولة على أنها دين، ستخلق له فرصة لاستعادة هذا التوازن. فصندوق النقد جادل كثيراً بأن هذا الدَّين يُفترض أن يخضع لعملية هيركات باعتباره جزءاً من ديون الدولة السيادية (الهيركات يعني خسائر في ميزانية مصرف لبنان) وأنه يخضع لعملية إعادة الهيكلة مثله مثل سندات اليوروبوندز. في المقابل، يتمسّك سعيد بأن مصرف لبنان أقرض الدولة هذا المبلغ باعتباره ديناً تجارياً مرتبطاً بتمويل شحنات الفيول للكهرباء، وأن تحويله إلى أصول غير مشمول بإعادة الهيكلة ممكن إذا أصدرت الدولة مقابل هذا الدين سندات دائمة بفائدة سنوية (1% أو 2%). وبهذا يبقى الدين في ميزانية مصرف لبنان من دون استحقاقات، وربما يكون قابلاً للتسييل في مرحلة ما. ففي المحصّلة تبلغ مجموع قيمة هذه الأصول نحو 63.4 مليار دولار إذا تمكّن مصرف لبنان من حسم الجدال بشأن الـ16.6 مليار دولار ويُضاف إليها ضخّ رساميل جديدة من الدولة في رأس مال مصرف لبنان بقيمة 2.7 مليار دولار. ما يعني أن هذه الأصول ستغطّي 77% من التزاماته تجاه المصارف. وبمعزل عن جدوى هذه الرؤية وتوزيع المسؤوليات المترتبة عنها بما يخفّف كثيراً عن المصارف، فإن المشكلة تظهر عندما يبدأ الحديث عن تغطية متطلبات السيولة. فالملاءة تعني أنه لدى مصرف لبنان تغطية لكل ديونه المترتبة عليه في السوق في إطار الاستحقاقات المتوسطة والطويلة الأجل، لكن هل هو قادر على الإيفاء بكل ديونه عند الطلب؟ في الواقع، ديونه السوقية هي عبارة عن ودائع القطاع المالي لديه، أي المبالغ التي أودعتها المصارف لديه أو وظّفتها لديه على شكل شهادات إيداع أو ضمن عقود قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد. وقد استحق جزء كبير من هذه المبالغ وليس في استطاعة مصرف لبنان تسديدها. وفي المقابل تتذرّع المصارف أنها لا تستطيع إيفاء ودائع الزبائن البالغة 84 مليار دولار، لأن مصرف لبنان لا يفي بما يستحق عليه تجاهها. هذه أزمة السيولة. فكيف سيموّل مصرف لبنان تسديد هذه الودائع للمصارف وعبرها للمودعين؟ حجم الفجوة أو الخسائر أكبر من أن تستطيع تسديدها المصارف أو مصرف لبنان أو الدولة. لكن سعيد يعتقد أنه بخطوات بسيطة يمكن القيام بذلك إذا وافق صندوق النقد الدولي على فكرة الفصل بين الدَّين التجاري والدَّين السيادي. فللآن يدفع مصرف لبنان نحو 2.3 مليار دولار للمصارف سنوياً لتدفعها للمودعين، وتدفع المصارف نحو 400 مليون دولار منها. ويحصل المودع، كما في آخر تعميم، على 800 دولار لمن كانت أمواله بالعملة الأجنبية قبل تشرين 2019، وعلى 500 دولار لمن حوّلها من ليرة إلى دولار بعد هذا التاريخ. رغم ذلك، يتراكم 84 مليار دولار ودائع، وبالتالي يَفترض سعيد أنه يمكن شطب مبالغ تصل إلى 20 مليار دولار من اقتراحات سابقة مثل «الفوائد الإضافية»، و«إثبات مصدر الوديعة»، و«تحويل بعض شطور الودائع إلى سندات دائمة»، و«شطب بعض شطور الودائع في مقابل تحويلات قام بها أصحابها من ليرة إلى دولار». إذاً، ستنخفض الالتزامات إلى 65 مليار دولار وسترتفع الأصول إلى 66 مليار دولار (كل الأرقام الواردة في هذا المقال تقريبية وقابلة للتعديل رغم أن النتائج المتصلة بهذه المقاربة لن تتغيّر كثيراً)، ما يُعيد لمصرف لبنان الملاءة المالية، نظرياً. وباعتبار أن المبالغ الجديدة التي سيتم ضخّها في اقتصاد حجمه لا يتجاوز الـ23 مليار دولار، فإن سيولة مصرف لبنان والمصارف ستكون كافية لتشغيل السوق ولتسديد ما تبقى من الودائع «بالتقسيط المريح» وفقاً لقواعد التعميمين 158 و166 التي يمكن أن تزداد قيمتها مستقبلاً. هذا أقصى ما يمكن أن يحصل عليه المودع من كريم سعيد. لكن السؤال الأساسي: ما الذي ستدفعه المصارف؟ حتى الآن، المعلومات الواردة من حسابات قامت بها لجنة الرقابة على المصارف، أن القطاع المصرفي يحتاج إلى ضخّ 4 مليارات دولار لاستعادة ملاءته المالية، وعليه تأمين هذا المبلغ لإعادة ضخّ الحياة في شرايينه. إذ إن المصارف سيكون لديها خسائر من شطب سندات اليوروبوندز، ومن بعض الخسائر المتوقعة على ودائع وتوظيفات لدى مصرف لبنان، بالإضافة إلى خسائر سوقية. «كابيتال كونترول» على الودائع المحجوزةأصدر مصرف لبنان قراراً أساسياً رقمه 13729 يمنع المصارف من تسديد أي جزء من ودائع الزبائن المكوّنة قبل 17/11/2019، أي الودائع المحجوزة لدى المصارف بطريقة غير شرعية، والخاضعة للتعميم 158 الذي يتيح للزبائن السحب ضمن سقف الـ800 دولار شهرياً. عملياً، يؤدي هذا القرار إلى منع الزبائن من تسييل ودائعها ولو وافق أي منهم على الحسم المفروض عليها بنسبة تتجاوز 88%. وهو في الوقت نفسه، يمارس نوعاً من الكابيتال كونترول على التجارة بالشيكات الذي يقوم بها أفراد ومؤسسات، سواء في القطاع التجاري أو في القطاع المصرفي. بعض المصارف هلّل لهذا القرار، وبعضها الآخر رأى فيه قراراً مضرّاً بمصلحتهم، فيما يرى فيه المودعون ضربة لهم لأنه يمنعهم من تسييل ودائعهم. وقد استند الحاكم كريم سعيد في إصدار هذا القرار على «مبدأ المعاملة المتساوية والعادلة بين المودعين»، وإلى مفهوم «الضرورات العامة ومبدأ الانتظام العام الاقتصادي»، بالإضافة إلى «الظروف الاستثنائية الحالية للأزمة المالية المستمرة، وبانتظار الحلّ الشامل الذي يجري العمل عليه بالتعاون مع مختلف الجهات اللبنانية المعنية».


تيار اورغ
٢٦-٠٦-٢٠٢٥
- أعمال
- تيار اورغ
تخصيص 2.7 مليار دولار لـ«إعادة الهيكلة»: الحكومة تدير ظهرها لـ«إعادة الإعمار»
محمد وهبة - عندما نوقش وزيرُ المال ياسين جابر في مسألة إقرار ضريبة المحروقات بذريعة تسديد المنح المالية للعسكريين في الخدمة والمتقاعدين، تبيّن أنّ الخزينة تملك في حسابها لدى مصرف لبنان مبلغ 2.7 مليار دولار (علماً أنّ المبلغ الظاهر في حسابات مصرف لبنان يشير إلى 7 مليارات دولار لكن طريقة حساب هذا المبلغ بين دولار وليرات ودولارات فريش يفضي إلى حصيلة 2.7 مليار دولار فريش). يرفض جابر استعمال أي قرش من هذا المبلغ لأنه يخصّصه لـ«إعادة الهيكلة»، ويمتنع عن تسديد أي جزء منه من أجل أي إنفاق إضافي، سواء إنفاق اجتماعي لزيادة الأجور في القطاع العام أو في سبيل إعادة الإعمار. وسبق أن قال جابر لـ«الأخبار» إنه يعمل وفق السقوف التي حدّدها صندوق النقد الدولي أن يكون العجز المالي صفراً وألّا تتجاوز نفقات الخزينة الإيرادات المحصّلة. وسبقه حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري حين كرّس قاعدة مفادها أنّ ضخّ النقد في التداول يجب أن يكون محكوماً باستقرار سعر الصرف، أي أنه لا يمكن ضخّ الليرات في السوق إلا بحدود الحفاظ على استقرار سعر الصرف، ما أعطى الحكومة ذريعة التوقف عن الإنفاق ومراكمة الأموال في حساب الخزينة. إذاً، لن تنفق الحكومة أي قرش اجتماعي، لا لإعادة الإعمار، ولا لزيادة الأجور، ولا لتقديم التغطية الصحية الشاملة، ولا للنقل العام... لكنها ستنفق الأموال على «إعادة الهيكلة»، أي على مصرف لبنان والمصارف. الآن، يمثّل الإعمار أولوية اجتماعية لا تراعيها الحكومة ولا بأي خطوة تقوم بها بحجّة أن ليس لديها الأموال. لم تقم بالحدّ الأدنى من الخطوات. لم تدعُ إلى اجتماع تخطيطي لهذه العملية التي تشمل عدداً كبيراً من بلدات الجنوب المدمّرة بشكل كامل أو شبه كامل أو حتى جزئي، كما أنّ أحياء بكاملها في الضاحية الجنوبية لبيروت رفعت فيها الأنقاض في مرحلة أولى ولا أحد لديه أي فكرة عن باقي المراحل. حتى القانون الذي أقرّته حكومة نجيب ميقاتي من أجل تمكين إعادة الإعمار، تأخّر مجلس النواب في إقراره من دون أي سبب واضح لشهور، ثم قرّرت حكومة نواف سلام أن تسحبه لإضافة فقرات عليه كان يمكن إرسالها على شكل ملحق وفي النهاية لم يقرّ بعد في مجلس النواب رغم مضي أكثر من ستة أشهر على نهاية العدوان الإسرائيلي على لبنان. لم تكلّف الحكومة نفسها دعوة التنظيم المدني إلى وضع مخطّطات لإعادة الإعمار، ولم تؤسّس شركة أو صندوق... الخطوة اليتيمة الوحيدة حتى الآن، هي ما قامت به عبر البنك الدولي واقترضت 250 مليون دولار من أجل إعمار البنية التحتية مقيّدة بثلاثة مؤشرات بنتيجتها سيتمّ إلغاء إعادة إعمار بلدات الحافة الأمامية في الجنوب وحصر الإعمار في مناطق الثقل السكاني والمناطق الاقتصادية والأقل تدميراً. يمكن قول الكثير عمّا لم تقم به هذه السلطة في لبنان، لكن أحدث صيحات الإهمال المتعمّد هي ما تقوم به عبر حصّتها في مصرف لبنان الذي تملكه الحكومة مناصفة مع جمعية المصارف. فقد تفتّقت عبقريّة رئيس مجلس إدارة المصرف أنطوان حبيب في فرض شرطاً لم يكن موجوداً في السابق لمنع أي مشاركة من هذا المصرف الذي تملك نصفه الدولة في الإعمار والترميم، ثم بدأ يتفاخر في مجالسه وعشواته بأنه قام بذلك إرضاء للأميركيين. فقد تبيّن أنّ مصرف الإسكان اشترط أن يستصدر طالب القرض بوليصة تأمين تتضمّن «مخاطر الحروب»، وهي بوليصة مكلفة جداً إذا وافقت أي شركة تأمين على إصدارها. وكلفتها قد تفوق كلفة القرض بسقفه الأعلى المعدّل أخيراً في مجلس الوزراء إلى 100 ألف دولار. وهذا الشرط هو حديث الولادة، إذ إنه من الشروط السابقة أن يستصدر طالب القرض (في العادة كان المصرف يصدر له بوليصة التأمين) بوليصتَي تأمين؛ إحداهما تأمين على الحياة، والثانية تأمين على الحريق والزلازل وغيرها من المخاطر الطبيعية. لكن أنطوان حبيب ابتدع فكرة تأمين على مخاطر الحروب، وهو قال أمام سياسيين ومديرين عامّين وغيرهم، بأنه روّج هذه الفكرة عند المموّل، أي لدى الصندوق العربي للإنماء، ولدى مسؤولي السفارة الأميركية في بيروت ليمنع منح أي أسرة جنوبية أو من سكان الضاحية الجنوبية من الحصول على قرض شراء منزل أو ترميم منزل. طبعاً لا يمكن لوم ممثّلَي الدولة في مجلس إدارة مصرف لبنان كارين طعمة المسمّاة من وزيرة الشؤون الاجتماعية، وتوفيق خالد ناجي المسمّى من وزير المال، لأنهما عُيّنا في 16 و19 حزيران الماضي، لكنهما مسؤولان عن تصحيح هذه الخطيئة، مثل مسؤولية نواف سلام وسائر الوزراء بلا استثناء. فالدولة، بوصفها مالكة لنصف مصرف الإسكان، يمكنها أن تفرض تخصيص قسم من القروض لأعمال الترميم لمن لا يريد أن ينتظر المساعدات أو إنفاق الدولة، ويمكنها أن تقدّم الكفالات في سبيل منح هذه القروض. وفي السياق نفسه، قرّر وزير الاتصالات شارل الحاج، أن يوقف كل المناقصات التي كانت «أوجيرو» تطلقها لتوسيع شبكة الاتصالات عبر خطوط الفايبر أوبتيك، ومن ضمنها الشبكات التي تحتاج إلى إعادة إعمار في الجنوب، بحجّة أنه يعدّ خطّة للقطاع. أمّا الخطّة التي كانت تنفّذ، فهي كانت تتضمّن إعمار شبكة الاتصالات في الجنوب بقيمة 1.5 مليون دولار وفي البقاع بقيمة 1 مليون دولار. أليس منطقياً أن يرفع الوزير موضوعاً كهذا إلى مجلس الوزراء لاتّخاذ القرار ضمن خطّته لتوسيع الشبكة على كل الأراضي اللبنانية؟ في القمّة العربية الأخيرة، كان العراق البلد الوحيد الذي أعلن صراحة أنه سيخصّص 25 مليون دولار لصندوق إعادة الإعمار في لبنان، وفي النقاشات الجدّية يقول العراق إنه سيخصّص أكثر من ذلك بكثير لكنه لا يعلم كيف يقوم بذلك في ظل غياب الآلية الرسمية التي تتيح له تنفيذ وعوده. لكنّ السؤال المثير الذي يفتحه هذا النقاش: هل تريد السلطة البدء بإعادة الإعمار، أم أنها تنتظر «تصريحاً» من الخارج للقيام بذلك؟ لا بدّ من التذكير أنّ حزب الله دفع نحو مليار دولار لغاية الآن على أعمال الترميم والإيواء، لكنّ السلطة ممثّلة بهذه الحكومة لم تسأل عن وضع أي أسرة نازحة أو مهجّرة. لا بدّ من التذكير أيضاً أنّ أطناناً من المساعدات مدفونة تحت ما كان اسمه «محطة شارل حلو للسفر والنقل البري». للتذكير، من المفيد الإعادة، تملك الخزينة في حسابها لدى مصرف لبنان مبلغ 2.7 مليار دولار يقول وزير المال إنه يخصّصه من أجل «إعادة الهيكلة»، ولم يتحرّك أحد في اتجاه إعادة الإعمار، علماً أنّ كلفة إعمار البنية التحتية التي تدمّرت بفعل العدوان مقدّرة بما لا يزيد عن 300 مليون دولار، وأنّ كلفة الترميم الإنشائي لأكثر من 200 مبنى متضرّر لا تزيد عن 25 مليون دولار. فلتخبرنا هذه السلطة بكافة ممثّليها في مجلس الوزراء ومجلس النواب: لماذا ترفض التحرّك نحو إعادة الإعمار؟ ولأي أسباب؟ الإجابات الخارجة من أبواق السلطة أنها أدارت ظهرها لإعادة الإعمار التي لم تعد تمثّل أي أولوية بالنسبة إليها. مسؤول نقدي دولي: لا شروط سياسيةفي وقت يردّد المسؤولون في الحكومة ومصرف لبنان، أن صندوق النقد الدولي، وكذلك البنك الدولي، يضغطان على لبنان لمنع مراكمة أي عجز في الموازنة العامة، فإن هؤلاء يتجاهلون طبيعة التحديات الماثلة أمامهم. فتوصية هذه المؤسسات الدولية، تستهدف منع الحكومة من مواصلة سياسة الإنفاق غير المجدي في بعض الأحيان، علماً أن المنظمات الدولية لا تحب القطاع العام عموماً. وقد سألت «الأخبار» مسؤولاً بارزاً في مؤسسة مالية دولية حول حقيقة الشروط، فأوضح أن الملاحظات التي يعرضها مندوبو المؤسسات الدولية في مناقشاتهم مع الحكومة، تنحصر عملياً في مراجعة السياسات المتّبعة. ولكنها لا تقف عند ملف مثل ملف إعمار ما هدّمته الحرب. ويقول المسؤول: «ليس في العالم كله، من مؤسسة دولية، تجرؤ على وضع شروط أمام معالجة الآثار الناجمة عن حروب أو كوارث طبيعية، وإن هذا الأمر لا يرد أصلاً في أي نوع من المناقشات، كما أن الحكومات في غالبية دول العالم لا تقبل أصلاً أحداً أن يناقشها في مسألة تخص مساعدة شعبها». وينفي المسؤول أن يكون ورد إلى مسامع أيّ من مسؤولي المنظمات المالية الدولية، أو حتى وزارات المالية في دول تناقش أوضاع لبنان، أي كلام عن وضع شروط على عملية إعادة إعمار ما هدّمته الحرب الإسرائيلية على لبنان. ويوضح: «إن لبنان يملك موازنة عامة، ولديه احتياطي خاص، كما يعرف الجميع أن لديه في حساب الخزينة مبالغ مالية كبيرة، وهو يقدر على استخدام ما يحتاج من هذه المصادر لتمويل عملية الإعمار، وعدم رهن هذه الخطوة لا بمساعدات من الخارج ولا بشروط أخرى». يضيف المسؤول نفسه: «الجميع يعرف أن هناك ضغوطاً سياسية على لبنان بشأن دفعه إلى خيارات سياسية معيّنة، وقد تلجأ حكومات كبيرة في العالم إلى عدم تسهيل حصول لبنان على مساعدات مالية لهذه الورشة، كما يمكن لممثّلي هذه الدول أن يعطوا إشارات من نوع أن لا تزيدوا من العجز بسبب إنفاق على إعادة الإعمار، وقد يقول أحدهم للمسؤولين اللبنانيين: «احفظوا ما لديكم في خزائنكم، وانتظروا المساعدات الخارجية. وحتى لو حصل ذلك، فإن على الحكومة اللبنانية تجاهل هذه الأمور، ويمكن لها أن تبادر إلى علاجات، قد لا تغطي كامل كلفة إعادة الإعمار، لكن يمكن لها المباشرة في مساعدة الناس على إعادة بناء مساكنهم، سواء من خلال برنامج دعم مجّاني، أو من خلال برنامج قروض من دون فوائد». ودعا المسؤول نفسه اللبنانيين إلى عدم تصديق ما يقوله أي مسؤول حول موانع لقيام الحكومة بدورها على هذا الصعيد.


تيار اورغ
١٧-٠٦-٢٠٢٥
- أعمال
- تيار اورغ
ضريبة البنزين... طارت؟!
محمد وهبة - إذا استمرّت أسعار النفط على مستوياتها المسجّلة أمس، فإنه في نهاية الأسبوع المقبل ستتآكل كل ضريبة «تجميد سعر البنزين والمازوت» ولن يدخل إلى الخزينة أي قرش منها رغم أنّ أسعار مبيع البنزين والمازوت قد تزيد على المستهلك. فبحلول هذا الوقت، سترتفع أسعار البنزين والمازوت بنسبة 14% و26% مقارنة مع ما ستكون عليه الأسعار قبل هذه الضريبة. وهذا ما سيفرض على مجلس الوزراء، البحث عن مصادر إيرادات جديدة، أو بمعنى أكثر وضوحاً عن ضريبة جديدة، لأنه يحتاج إلى تمويل إضافي بقيمة 350 مليون دولار لتغطية كلفة المِنح المالية للعسكريين، وهذا أمر لا يمكن تطبيقه إلا في إطار وصفة صندوق النقد الدولي القاضية بأنّ كل إنفاق إضافي يجب أن يقترن بإيرادات جديدة. يُتوقّع أن تُصدر اليوم وزارة الطاقة، جدول تركيب أسعار المحروقات الذي يتضمّن زيادة في سعر البنزين والمازوت بقيمة مقدّرة بنحو 8 دولارات على كل طن من هاتين المادتين. وبالتالي ستنعكس هذه الزيادة، ارتفاعاً في سعر مبيع الصفيحة للمستهلك بنحو 11 ألف ليرة لكلّ منهما (حسابات السعر قد تختلف بهامش ضيّق ارتفاعاً أو انخفاضاً). وبحسب العرض الذي قدّمه وزير الطاقة جو الصدّي أمام مجلس الوزراء أمس، فإنّ ضريبة «تجميد سعرَي البنزين والمازوت» ستتآكل بفعل ارتفاع أسعار النفط العالمية، وستصبح إيرادت هذه الضريبة صفراً في نهاية الأسبوع المقبل عندما تبلغ الأسعار المحلّية مداها الأقصى ربطاً بالارتفاع العالمي. طبعاً كل ارتفاع في السعر العالمي ينعكس ارتفاعاً في السعر المحلّي، إنما في ظل قرار «تجميد السعر» فإنّ العائدات لن تزيد عن الصفر إلا إذا انخفض السعر عن المستوى المحدّد في قرار مجلس الوزراء المتّخذ في29 أيار الماضي والقاضي بأن يتمّ تجميد الأسعار على أساس ما بلغته في 8 شباط 2025، أي ما كانت قيمته آنذاك 1.489 مليون ليرة لكل صفيحة بنزين من عيار 95 أوكتان، و1.393 مليون ليرة لكل صفيحة مازوت. وفي وقت اتخاذ هذا القرار، كانت الخزينة ستحصّل 1.11 دولارا عن كل صفيحة بنزين، و1.94 دولاراً عن كل صفيحة مازوت. يومها، اتّخذ المجلس قراراه، بناءً على اقتراح من وزير المال ياسين جابر، ووافقه في ذلك جميع الوزراء، ولو أنّ بعضهم ناقشه في الأمر، إلا أنه لم يتحفّظ أي منهم على القرار. وقد جاء في اقتراح جابر في إطار «إعطاء العسكريين منحة مالية شهرية بقيمة 14 مليون ليرة لكل واحد في الخدمة الفعلية، وبقيمة 12 مليون ليرة لكل متقاعد». حين أقرّت هذه الضريبة تحت ستار «المنح المالية للعسكريين»، لم يكن في الحسبان أنّ أسعار النفط سترتفع، بل كانت التوقّعات تشير إلى استقرار أو انخفاض فيها. لكن ما حصل لاحقاً خرّب هذه التوقّعات. فقد تصاعدت المخاوف الناتجة من اندلاع حرب بين العدو الصهيوني وإيران، إلى أن وقعت فعلاً مع الاعتداءات الصهيونية صباح الجمعة الماضي، ما ضغط على سعر برميل النفط ليرتفع بنسبة 12% في يوم واحد، علماً بأنّ سعر البرميل كان يبلغ 60 دولار في مطلع حزيران وقفز في تداولات أمس إلى ما بين 73 دولاراً و75 دولاراً، علماً بأنه تأرجح عند هذا المستوى مع هامش بسيط في الارتفاع والانخفاض، ربطاً بالتطورات التي لم تصل بعد إلى تهديدات استراتيجية مرتبطة بآبار النفط ومواقع الإنتاج أو بطرق التصدير. لهذا السبب، ناقش مجلس الوزراء في جلسته أمس، مصادر التمويل البديل. فالمجلس يسير وفق إملاءات صندوق النقد من دون أي نقاش، ومن هذه الإملاءات أنه لا يجب زيادة أي إنفاق على الخزينة العامة من دون إيجاد مصدر تمويل، وهو في هذا الإطار أقرّ ضريبة البنزين والمازوت عبر تجميد السعر على مستوى أعلى ممّا كان يفترض أن يكون عليه. لذا، فإنه كان من الضروي البحث عن مصدر تمويل جديد. النقاش أخذ حيّزاً ضيّقاً، لا سيّما أنّ الجميع متّفق على أنّ هذه الزيادة ضرورية لتمويل المنح المالية للعسكريين فاستعيد جزء من نقاش سابق أجراه وزير الصناعة جو عيسى الخوري عن إمكانية تعزيز الجباية من الجمارك ومكافحة التهرّب الضريبي، ولم يفضِ النقاش إلى اتخاذ أي قرار علماً بأنّ عيسى الخوري اقترح إلغاء قرار التجميد ربطاً بانعدام قيمته بعد ارتفاع الأسعار العالمية، لكن اتُّفق على أن يعود وزير الطاقة جو الصدّي إلى مجلس الوزراء الأسبوع المقبل ومعه دراسة أكثر تفصيلاً لما ستكون عليه الأسعار والإيرادات المتوقّعة للخزينة، وعلى ضوئها يُتّخذ القرار. بدا للحظة أنّ بعض الوزراء ليسوا جاهزين لهذا النقاش، وأنهم يريديون شراء الوقت عبر الطلب من الوزير إجراء دراسة معروفة النتائج سلفاً. فالأسعار لن تسجّل تغيّرات دراماتيكية في المدى المنظور رغم أنّ الأمر مرتبط بشكل واضح بتطورات الصراع الدائر بين العدو الصهيوني وإيران. كلما كانت التطوّرات أكثر حدّة، كلما سجّلت الأسعار تغيرات حادّة أكثر، لكن ما يرشّح حتى الآن من هذا الأمر، وهو أنّ المرحلة الحالية من هذا الصراع لا تتضمّن التهديد بضرب مواقع إنتاج النفط والغاز، وبالتالي لا توجد توقّعات بأنّ الأسعار ستسجّل المزيد من الارتفاع حالياً. إذاً، الأمر المهم هو أنّ الأسعار سترتفع ربطاً بارتفاع الأسعار العالمية. فالأسعار المحلّية تُحتسب على أساس متوسط آخر أربعة أسابيع للأسعار العالمية. كما أنّ الحكومة لم تعد لديها إيرادات لتمويل المنح للعسكريين، ما سيدفعها إلى البحث عن ضريبة جديدة للتمويل. هذا الأمر لو حصل فإنه يرتّب على المستهلك أعباء إضافية، إذ سيترتّب على مستهلكي البنزين والمازوت أو مستهلكي الكهرباء المنتجة بواسطة مولّدات الأحياء، أو مستهلكي السلع التي يتأثّر سعرها بهاتين المادّتين، أن يدفعوا فواتير إضافية لتغطية هذا الارتفاع، وأن يموّلوا الضريبة الجديدة التي تبحث عن هذه الحكومة من دون أي نقاش في السياسات الضريبية، وفي مدى تحمّل الاقتصاد. كل ما تقوم به هذه الحكومة هو أنها تنفّذ سياسات «سنيورية» الطابع مبنيّة على قواعد محاسبية قائمة على أنه لا إنفاق بلا تمويل. في المحاسبة لا يمكن أن تكون النفقات أقلّ أو أكثر من الإيرادات، لذا يُستعاض عن الفروقات التي لا يمكن تغطيتها بزيادة الإيرادات عبر الضرائب، بإدراج بند «الدَّين» في الإيرادات، أو بإدراج بند «إيرادات استثنائية» أو غيره. أمّا كيف نستدين أو كيف يتعامل الاقتصاد مع فكرة الدَّين وخدمته، أو مع أي ضريبة أخرى، فهي أمور لا يهتمّ بها المحاسبون. والآن، حكومة نواف سلام، هي حكومة محاسبين يحصرون اهتماماتهم بإرضاء صندوق النقد وإهمال الاقتصاد والمجتمع.