
محكمة بأفريقيا الوسطى تصدر أحكاما بسجن 6 قادة للمتمردين
أصدرت المحكمة الجنائية الخاصة في جمهورية أفريقيا الوسطى، المدعومة من الأمم المتحدة، أحكاما بالسجن تتراوح بين 18 و25 عامًا بحق 6 من قادة المتمردين، بعد إدانتهم بارتكاب جرائم حرب خلال أعمال عنف شهدتها مدينة ندلي شمال البلاد في مارس/آذار 2020.
وأسفرت تلك الأحداث عن مقتل أكثر من 90 شخصا من أبناء مجموعتي "الغولا" و"الروُنجا" العرقيتين، في سياق صراع طائفي دموي، إضافة إلى تدمير واسع النطاق للمنازل نتيجة أعمال نهب وحرق.
إدانة غيابية وترحيب حقوقي
وأكدت المحكمة أن الجرائم المرتكبة -ومنها القتل والتشويه والاعتداءات الجسدية- تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، ووصفتها بأنها "هجوم منهجي ضد المدنيين بهدف ترهيبهم وإخضاعهم".
وقد صدرت الأحكام غيابيا بحق 4 من المتهمين لعدم حضورهم جلسات المحاكمة.
ورحبت منظمة العفو الدولية بالحكم، واعتبرته خطوة مهمة في مسار مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم الخطيرة.
وتُعد هذه القضية هي الثانية من نوعها أمام المحكمة، بعد قضية "ندلي 1" التي أُدين فيها 4 من عناصر فصيل "الغولا" بجرائم قتل وتعذيب خلال هجوم على سوق محلي في أبريل/نيسان 2020، وحُكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 20 و30 عامًا.
صراع مزمن وتدخلات خارجية
وتشهد جمهورية أفريقيا الوسطى اضطرابات متواصلة منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، تفاقمت بفعل النزاعات بين الفصائل المسلحة والقوات الحكومية.
ورغم توقيع اتفاق سلام عام 2019 بين الحكومة و14 فصيلا متمردا، لا تزال جماعات مسلحة تسيطر على مناطق واسعة، خصوصا في الشرق والشمال.
وقد ساهم تدخل الجيش الوطني، بدعم من قوات روسية تابعة لمجموعة " فاغنر" وأخرى رواندية، في استعادة بعض المناطق، إلا أن الوضع الأمني لا يزال هشّا في عدة مناطق، وسط استمرار التهديدات من الجماعات المسلحة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
نزاع على جثمان رئيس زامبيا السابق يعرقل دفنه بجنوب أفريقيا
منعت محكمة في جنوب أفريقيا دفن الرئيس السابق لزامبيا إدغار لونغو في جوهانسبرغ، وذلك إثر أسابيع من الخلاف بين عائلته والحكومة الزامبية التي تريد أن تقيم له حفل وداع على أرضها. وقد توفي لونغو الذي كان رئيسا لزامبيا من عام 2015 لغاية 2021، في جنوب أفريقيا مطلع يونيو/حزيران الجاري أثناء تلقيه العلاج الطبي عن مرض لم يتم الإعلان عنه. وشهدت علاقته بخلفه الرئيس الحالي هاكيندي هيشيليما توترا شديدا خلال سنوات من الخصومة السياسية، وتقول عائلته إنه لم يكن يرغب في حضور هيشيليما جنازته، لكن الحكومة في زامبيا تصرّ على إجراء حفل توديع رسمي لجنازة الرئيس السابق في أرض الوطن، وقد لجأت إلى المحكمة العليا في بريتوريا لمنع دفنه في جوهانسبرغ. وقال نائب رئيس المحكمة القاضي أوبري فاغو ليدوابا إن محامي الحكومة الزامبية وعائلة لونغو توصلوا إلى اتفاق يقضي بتعليق مراسم الدفن مؤقتا، ومنح الحكومة الزامبية مهلة حتى 4 يوليو/تموز القادم لتقديم أسباب طلبها بنقل الجثمان من جنوب أفريقيا. من جانبه، قال المدعي العام في زامبيا موليلو كابيشا إن المفاوضات مع عائلة الرئيس السابق ستسمر قبل جلسة المحكمة المقبلة في بريتوريا. وقال ماكيبي زولو المتحدث باسم عائلة الرئيس السابق إنهم لا يعتقدون أن هيشيليما سيقيم للونغو حفل توديع كريم يليق بمقامه رئيسا سابقا يحظى بمكانة وإرث كبير. وأعلنت حكومة جنوب أفريقيا أنها ملزمة باحترام رغبات عائلة لونغو، لكنها تشعر أن الدفن الرسمي في زامبيا سيكون النتيجة الأكثر ملاءمة. ومنذ أن استقلت زامبيا عن بريطانيا عام 1964، تمّ دفن جميع الرؤساء في أرضها ضمن موقع مخصّص لذلك في العاصمة لوساكا.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
موفق نظير حيدر المسؤول عن "حاجز الموت" بدمشق
لواء سابق بجيش النظام المخلوع، كان المسؤول المباشر عن حاجز القطيفة (سيئ السمعة) في ريف دمشق ، إذ عُرف بين السوريين باسم "حاجز الموت" لما ارتبط به من انتهاكات، منها تغييب وإخفاء آلاف السوريين. وشغل منصب قائد الفرقة الثالثة دبابات بجيش النظام المخلوع، والتي اشتهرت بدورها الهجومي في العمليات العسكرية، وكانت تُعرف بـ"رأس الحربة" في الاقتحامات على عدد من المناطق السورية. ووفق ما أعلنته وزارة الداخلية، فإن حيدر متهم بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين أثناء فترة خدمته العسكرية. في مواجهة الثورة برز اسم حيدر منذ بدايات الثورة السورية عام 2011، عندما شغل منصب نائب قائد اللواء 132 في محافظة درعا ، مهد الثورة. ومنذ ذلك الحين، ارتبطت سيرته بسلسلة من الانتهاكات، شملت حملات قمع واعتقال استهدفت المدنيين والعسكريين على حد سواء، ولاسيما الذين حاولوا الانشقاق أو أعربوا عن تململهم من الأوامر الميدانية. وأشارت شهادات ميدانية إلى أن حيدر أدى دورا محوريا في إدارة العمليات الأمنية والعسكرية ضد مناطق الاحتجاجات الشعبية، واتبع نهجا دمويا عبر التعذيب الممنهج والتصفيات الداخلية لعناصر مترددة أو مشكوك بولائها. ومع انتقاله إلى الفرقة الثالثة المدرعة التي اتخذت من منطقة القطيفة في ريف دمشق مقرا، تحوّل حيدر إلى سلطة عسكرية تشرف على شريط جغرافي يمتد من البادية السورية حتى مشارف العاصمة دمشق. وعام 2019، ترقى حيدر إلى رتبة لواء، وتسلم رسميا قيادة الفرقة الثالثة، بعد أن شغل منصب رئيس أركانها. وكانت تلك الفرقة تُعد واحدة من أقوى تشكيلات النظام وأكثرها نشاطا، ومُنحت قياداتها صلاحيات استثنائية بفضل ولائها الصارم للنظام المخلوع. وتعاقب على قيادتها -إضافة إلى حيدر- ضباط معروفون بقبضتهم الحديدية مثل شفيق فياض وسليم بركات ولؤي معلا وعدنان إسماعيل، حتى أصبحت الفرقة رمزا للرعب والبطش في مختلف المحافظات السورية. حاجز الموت يُعد "حاجز القطيفة" -الذي كان خاضعا مباشرة لسيطرة حيدر- من أبرز أدوات القمع المرتبطة باسمه، واشتهر بين السوريين بلقب "حاجز الموت" إذ يُعد إحدى أسوأ نقاط التفتيش سمعة في البلاد. وقد وثّقت تقارير حقوقية عديدة ارتكاب انتهاكات جسيمة فيه، شملت إعدامات ميدانية واعتقالات تعسفية ومصادرة ممتلكات وابتزاز للمارة، إذ لا يمكن تجاوزه دون الخضوع لتفتيش صارم ومخاطر بالاعتقال. وإلى جانب دوره في قيادة الفرقة الثالثة، كُلّف حيدر منتصف 2022 برئاسة أركان "الفيلق الرابع-اقتحام" مما رسّخ مكانته ضمن الدائرة العسكرية المقربة من رأس النظام. وقد عُرف بولائه الشديد للمخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر. كما ظهر في تسجيل مصوّر ينتزع ذقن شاب من بلدة مضايا مكرها إياه على ترديد شعارات تمجّد النظام، في مشهد عكس مدى القمع الذي مارسه. الاعتقال أعلنت الداخلية السورية يوم 25 يونيو/حزيران 2025 اعتقال حيدر المتهم بارتكاب جرائم حرب، في عملية أمنية نُفذت بمحافظة اللاذقية (غرب البلاد) وذلك عقب أيام قليلة من اعتقال وسيم الأسد ابن عم الرئيس المخلوع، والمتهم في قضايا تتعلق بتجارة المخدرات. وأفاد بيان الوزارة بأن قوات الأمن الداخلي تمكنت من توقيفه بعد عملية رصد دقيقة، أعقبها تنفيذ خطة أمنية وصفتها بـ"المحكمة" أفضت إلى القبض عليه. وتم تحويل حيدر إلى إدارة مكافحة الإرهاب للخضوع للتحقيق، تمهيدا لإحالته إلى القضاء المختص، في خطوة تأتي ضمن مسار العدالة الانتقالية الهادف لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحق المواطنين إبان حكم بشار.


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
مجازر الطحين في غزة.. لماذا تقتل إسرائيل المدنيين في طوابير المساعدات؟
في مشهد هو الأقسى في تاريخ الحرب والحصار، تُستهدف طوابير المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة وهم ينتظرون كيس طحين أو سلة غذائية. لا تُطلق النار على مقاتلين، بل على الجوعى. ومن شارع الرشيد إلى تقاطع نتساريم، تتكرر المجازر بلا رادع. هذا التقرير يحلل الخلفيات السياسية والعسكرية والأيديولوجية لهذا الاستهداف الممنهج، ويكشف كيف تحوّلت المساعدات من طوق نجاة إلى ساحة قتل جماعي، في ظل صمت دولي وتواطؤ معلن. في غزة المحاصرة، لم تعد الحرب تُخاض فقط بالمدفع والصاروخ، بل باتت تُخاض أيضًا عبر سلاح التجويع، الذي يتطور اليوم ليغدو سلاحًا قاتلًا في حد ذاته، حيث يُقتل عشرات الفلسطينيين يوميًا أثناء انتظارهم أكياس الطحين أو صناديق المساعدات. مجازر عند مراكز المساعدات بحسب الإعلام الحكومي في غزة، فإن عدد الشهداء الذين سقطوا أثناء انتظار المساعدات أو خلال تجمّعات توزيعها بلغ أكثر من 516 مدنيًا، منذ بدء ما يُعرف بآلية "المساعدات الأميركية–الإسرائيلية" في 27 مايو/أيار 2025. وقد أصيب أكثر من 3700 آخرين بجروح متفاوتة، فيما تتكرر المشاهد المروعة: جثامين مكدّسة أمام المستشفيات، وناجون يصرخون: "خرجنا من أجل الطعام فقط". ومنذ أكتوبر 2023، يتعرض قطاع غزة إلى واحدة من أقسى حملات الحصار والتجويع الجماعي في العصر الحديث، بحسب توصيف منظمة العفو الدولية. وقد أصدرت المنظمة بيانًا بتاريخ 12 مارس 2024 قالت فيه: "تستخدم إسرائيل التجويع كسلاح حرب بشكل ممنهج، وهو انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني وجريمة حرب موثّقة". من جهته، صرّح المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان: "ما نشهده في غزة هو تحطيم منظم لأبسط مقومات الحياة، وتجويع قسري يُستخدم ضد السكان المدنيين. إطلاق النار على الجوعى أمرٌ مروّع وغير مبرر تحت أي ظرف". نقاط توزيع خاضعة للسيطرة النارية منذ أواخر مايو/أيار 2025، تم تفعيل ما يُعرف بـ"آلية المساعدات الأميركية–الإسرائيلية"، والتي تعتمد على نقاط توزيع برّية محددة داخل قطاع غزة، وليس على الإنزال الجوي كما في الأسابيع الأولى من الحرب. هذه النقاط، مثل تقاطع شارع الرشيد، ومحيط نتساريم، وغرب رفح، تُحدَّد بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي، وتُروَّج لها كـ"ممرات إنسانية"، لكنها تخضع بالكامل للمراقبة النارية من قوات الاحتلال. وفي كثير من الحالات، ما إن يتجمع الناس الجوعى قربها حتى تتحول إلى كمائن مكشوفة، يسقط فيها العشرات بين قتيل وجريح برصاص مباشر أو قصف مفاجئ، مما يفنّد زعم وجود حماية إنسانية في تلك المواقع. لماذا تستهدف إسرائيل منتظري المساعدات؟ يرى مراقبون أن استهداف طوابير المساعدات يخدم أغراضًا عسكرية ونفسية لإسرائيل، أبرزها: ترهيب السكان ومنع التجمعات، وإذلال الناس وربط البقاء بقبول شروط الاحتلال، وتفكيك التضامن الداخلي وتحويل الغذاء إلى أداة تحكم. ويقول الباحث في القانون الدولي مايكل لينك، المقرر الأممي السابق لفلسطين، في مقابلة مع الجزيرة الإنجليزية: "حين يُقتل الناس وهم يركضون وراء شاحنة طحين، فهذه ليست حالة فوضى، بل سياسة ممنهجة تسعى إلى إذلال الإنسان الفلسطيني وطمس كرامته". وفي الاجمال يمكن القول إن إسرائيل تستهدف منتظري المساعدات في غزة بهذه الوحشية لعدة أسباب متداخلة، تتعلق بالسياسة العسكرية، وأسلوب إدارة الحرب، وأهداف الضغط على المجتمع الفلسطيني، ويمكن تلخيص الأسباب فيما يلي: 1- التجويع كسلاح حرب تعتمد إسرائيل سياسة الحصار والتجويع لإخضاع السكان في غزة، وتستخدم استهداف مراكز توزيع المساعدات كوسيلة للسيطرة على المجتمع الفلسطيني وترويضه عبر الضغط المعيشي والنفسي، في محاولة لدفع السكان للانصياع أو النزوح. 2- تبريرات أمنية وادعاءات بوجود تهديد يبرر الجيش الإسرائيلي أحياناً إطلاق النار على المدنيين عند مراكز المساعدات بادعاء وجود "تهديد أمني" أو وجود "مسلحين" بين الحشود، لكن الشهادات الميدانية والتقارير الحقوقية تؤكد أن معظم الضحايا من المدنيين العزل، وأن المسلحين لا يتواجدون أصلاً في مثل هذه التجمعات. وفي بعض الحالات، أعلن الجيش أن الطرق المؤدية لمراكز المساعدات "مناطق قتال"، محذراً المدنيين من الاقتراب منها، رغم معرفته بأن معظم المتواجدين هم من الجوعى الباحثين عن الغذاء. 3- سياسة العقاب الجماعي والإفلات من العقاب إن استمرار هذه الجرائم يعكس سياسة العقاب الجماعي بحق سكان غزة، مستفيدة من الحصانة الدولية والدعم السياسي والعسكري من الولايات المتحدة ودول غربية، ما يمنحها شعوراً بالإفلات من العقاب. وتؤكد مؤسسات حقوقية أن إطلاق النار الكثيف والمتعمد على المدنيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات لا مبرر له قانونياً أو إنسانياً، ويعد جريمة حرب موثقة. 4- أهداف سياسية أوسع هناك من يرى أن استهداف منتظري المساعدات يهدف أيضاً إلى تقويض جهود الإغاثة الدولية، وإجبار السكان على النزوح أو تغيير الواقع الديمغرافي في القطاع، إضافة إلى الضغط على المقاومة الفلسطينية سياسياً وعسكرياً. إن وحشية استهداف منتظري المساعدات في غزة تعكس استراتيجية متعمدة لإخضاع السكان عبر التجويع والقتل، وتبررها إسرائيل بادعاءات أمنية واهية، بينما تؤكد الوقائع والشهادات أن الهدف هو الضغط الجماعي والسيطرة، في ظل غياب أي رادع دولي فعال. الرواية الإسرائيلية.. خطأ أم سياسة؟ من جانبها، تنفي إسرائيل أن تكون قد تعمدت قتل المدنيين. وتقول إن هذه الحوادث تقع بسبب "الازدحام أو تسرّب عناصر مسلحة إلى أماكن التوزيع، أو اقتراب المدنيين من مواقع اشتباه فيها وجود عناصر مسلحة، وكذلك نشوب أعمال شغب أو سيطرة عناصر حماس على نقاط التوزيع، وتبادل إطلاق نار في المكان، وحدوث أخطاء في التقدير الميداني". وصرّح الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، العقيد دانيال هغاري، في 3 يونيو/ حزيران الجاري: "نحقق في ظروف كل حادثة، وقد تكون هناك أخطاء غير مقصودة في تقدير الموقف الميداني". لكن صحيفة هآرتس العبرية نشرت تحقيقًا موسعًا في 10 يونيو/ حزيران الجاري، أشارت فيه إلى أن التعليمات الصادرة من قيادة الجيش تسمح "بفتح النار في محيط نقاط التجمع إذا تم الاشتباه بوجود عناصر غير منضبطة أو تهديدات محتملة". وهذا ما وصفه خبراء عسكريون بأنه ضوء أخضر لإطلاق النار دون تمييز. وتتهم إسرائيل حركة حماس باستخدام المدنيين كدروع بشرية، وتزعم أن الحركة تسعى لخلق مشاهد إنسانية دامية لإحراج إسرائيل أمام الرأي العام الدولي. لكن المشكلة الجوهرية في هذه التبريرات أنها لا تصمد أمام التكرار الممنهج للواقعة ذاتها في مناطق مختلفة، تحت إشراف دولي، وأمام عدسات الكاميرات. شهادات موثقة: "لم يكن هناك اشتباك" من جهتها، تقول منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في 5 يونيو / حزيران الجاري: "العديد من حالات القتل في مواقع توزيع المساعدات لم تشهد أي اشتباك مسلح. المدنيون أُطلق عليهم النار أثناء ركضهم نحو شاحنات الغذاء، أو بعد تجمعهم في الساحات. بعضهم قُتل أثناء محاولته العودة بما حصل عليه". وفي شهادة موثّقة قدّمها الدكتور ثائر أحمد، طبيب الطوارئ الأميركي المتطوع مع منظمة MedGlobal، والذي عمل في مستشفى ناصر بخان يونس خلال شهري يناير وفبراير 2024، أكد أن طبيعة الإصابات التي وصلت إلى المستشفى تشير إلى نمط استهداف ممنهج. وقال في مقابلة مع وسائل إعلام بريطانية إن "العديد من الإصابات كانت ناجمة عن طلقات دقيقة في الرأس والصدر، وأخرى من طائرات بدون طيار مسيّرة استهدفت حتى الطواقم الطبية". وأضاف أن هذه الجروح لم تكن نتيجة قصف عشوائي أو اشتباك، بل "أشبه بعمليات قنص متعمد لأجساد المدنيين في نقاط ضعف قاتلة". ورغم أنه لم يشر تحديدًا إلى طوابير المساعدات، فإن شهادته تكشف عن سياسة نيران مدروسة ضد المدنيين، تتسق تمامًا مع النمط الذي تشهده مواقع توزيع الغذاء في غزة اليوم. أيديولوجيا التجويع قد لا توجد فتوى دينية صريحة في العقيدة اليهودية تبرّر قتل الجائع، لكن في البنية الأيديولوجية للدولة العبرية، يتشكّل الفلسطيني – حتى في لحظة الجوع – كعنصر خطر أو فائض وجودي يجب تحييده. ففي الأدبيات التوراتية التي يُستعاد منها الكثير في الخطاب القومي المتشدد، تظهر نماذج لتجويع الشعوب "العدوة" كوسيلة تطهير إلهي، وتُعاد تأويلها أحيانًا على يد حاخامات متطرفين لتبرير العقاب الجماعي. وقد قال الحاخام دوف ليئور صراحة: "في الحرب، لا فرق بين المدني والمقاتل، لأنهم جميعًا يشكلون بيئة عدائية". وتتقاطع هذه الرؤية مع العقيدة العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ"عقيدة الضاحية"، التي تُعامل المجتمع ككل باعتباره ساحة قتال، مما يجعل من طوابير الطعام أهدافًا مشروعة في العقل الأمني الجامد. أما في الخطاب السياسي، فقد شاعت أوصاف تحقيرية للفلسطينيين، مثل "الجرذان" أو "الحيوانات البشرية"، وهو ما يعمّق نزع الإنسانية عنهم، ويمنح القاتل تبريرًا نفسيًا مريحًا. وهكذا، يتحول الجائع الفلسطيني في المخيلة الأمنية الإسرائيلية إلى قنبلة ديموغرافية مؤجلة، لا إلى إنسان يجب إنقاذه. ويرى محللون أن الهدف الأعمق لإسرائيل من قتل المجوعين هو كسر المجتمع وتفكيك النسيج المدني، كما أن قتل المدنيين الجائعين في طوابير المساعدات ليس فقط مجزرة جسدية، بل هو اغتيال معنوي ونفسي للمجتمع الفلسطيني، لتجريده من الكرامة والبقاء، ولدفعه إلى الانهيار الكامل، كتمهيد لتغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي والسياسي في غزة. ويؤكد أولئك المحللين أن إسرائيل تقتل هؤلاء لأنها تريد فرض إرادتها بالقوة على مجتمع محاصر. فهي تدرك أن الطعام، مثل السلاح، يمكن استخدامه لتفكيك الخصم أو إذلاله. إنها حرب ضد فكرة الإنسان الفلسطيني، وضد بقائه. ازدواجية الرواية الغربية رغم أن بعض القادة الغربيين أعربوا عن قلقهم من "الخسائر الإنسانية"، فإن كثيرًا من الحكومات لا تزال تدعم آلية توزيع المساعدات بالتنسيق مع إسرائيل، ما يطرح سؤالًا أخلاقيًا: هل أصبح الغرب يشارك – بالصمت أو الدعم – في جريمة تجويع وقتل المدنيين؟ تقول الباحثة في معهد الدراسات الدولية في جنيف، إليزابيث بروسيت: "الغذاء الذي يُمنح ضمن شروط الاحتلال بات رمزًا لانهيار النظام الأخلاقي العالمي، وإسرائيل تستغل هذا الانهيار لفرض شروط استسلام جماعي". القانوني الدولي من منظور القانون الدولي الإنساني، تُشكل الهجمات المتعمدة على المدنيين، وخاصةً أولئك الذين يسعون للحصول على المساعدة الإنسانية الأساسية، جرائم حرب. وتُعدّ حماية المدنيين مبدأً أساسيًا في القانون الدولي، وتُفرض التزامات واضحة على أطراف النزاع لتجنب استهدافهم وتسهيل وصول المساعدات. إن استخدام التجويع كسلاح حرب، كما تُشير إليه العديد من المنظمات الدولية بخصوص الوضع في غزة، هو انتهاك خطير للعديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. إن استهداف تجمعات المدنيين الجائعين في طوابير المساعدات، بغض النظر عن الذرائع الأمنية، يُعتبر انتهاكًا صارخًا لمبادئ التمييز والتناسب والاحتياط، وهي ركائز القانون الدولي التي تهدف إلى حماية أرواح الأبرياء في أوقات النزاع. ختاما فإن غزة اليوم تعيش وقد أصبح كيس الطحين خطرًا على الحياة، فالمدني الفلسطيني في القطاع اليوم لا يموت فقط من القصف أو الحصار، بل من أجل كسرة خبز. والسؤال الذي يواجه ضمير العالم هو: هل سنبقى نعدّ الجثث، أم نوقف القتل؟