
الحرب أنهكت إسرائيل ولا تصعيد واسع في لبنان
في الشكل والمضمون، شكّلت رسالة قيادة الجيش إلى لجنة مراقبة وقف إطلاق النار بعد الغارات الإسرائيلية على الضاحية، موقفاً متقدماً في المواجهة مع العدو الإسرائيلي، ما يطرح سؤالاً حول ما إذا كانت هذه اللجنة قد بدأت بالعمل فعلاً، كما يلاحظ الكاتب والمحلل السياسي داوود ابراهيم، الذي يجد أنه تمّ إبلاغها بآلاف الخروقات الإسرائيلية ولم تنجح في منع إسرائيل من مواصلة خروقاتها في مقابل التزام لبنان بمنع أي خرق، حتى الخروقات "اليتيمة" التي حصلت من لبنان، تمّت معالجتها.
ويتناول المحلل ابراهيم في حديثٍ ل"ليبانون ديبايت"، أن عمل اللجنة حتى اللحظة "ينحصر بتلبية مطالب إسرائيل بمداهمة وتفتيش بعض المواقع من قبل الجيش اللبناني، حتى بدا لبنان وكأنه ينفذ كل ما تطلبه إسرائيل التي تمتنع حتى اللحظة عن تنفيذ أي أمر ممّا تعهدت به، فالجيش اللبناني أكد أنه ارسل وحدات للتأكد من خلوّ المواقع الأخيرة التي زعم الإحتلال أن حزب الله يستخدمها كمصانع للمسيّرات، ورغم تأكيده عدم صحتها، قامت اسرائيل بقصف المواقع، في اعتداء مباشر على إحدى ضواحي العاصمة اللبنانية".
ووفق ابراهيم، فإن إسرائيل لم تنسحب حتى اللحظة من النقاط التي احتلتها وهي تواصل شنّ الغارات التي أودت حتى اللحظة بحياة عشرات إن لم نقل مئات اللبنانيين، حيث حصل تبديل في قيادة اللجنة ولكن لم يحصل أي تبديل على صعيد عملها وأدائها، ما يطرح تساؤلات حول مهمتها وما "إذا باتت هي الجهة التي تتبلّغ شكاوى لبنان بدل مجلس الأمن وتتوقف عندها أي تحركات لبنانية دبلوماسية".
وعن دور اللجنة، فيتوقع ابراهيم أن تستمر ك"قناة اتصال سهلة تخفف العبء عن لبنان الرسمي حول الإعتراض والتنديد بما تقوم به إسرائيل، وبدل استدعاء السفراء أو التوجه إلى المرجعيات الدولية والحراك الدبلوماسي الفعال أصبح الفولكلور يقتصر على التفسيد ع إسرائيل للجنة المراقبة".
وحول ما إذا كانت الضربة الاسرائيلية للضاحية مقدمة لتصعيد واسع، فيستبعد ابراهيم أي مصلحة لإسرائيل بالتصعيد، معتبراً انها "تقوم بكل ما تريد القيام به وتستمر باحتلال الأراضي وتنفيذ الغارات وقتل المواطنين اللبنانيين من دون أي معوقات أو عواقب، فاللجنة الدولية هي أقصى ما تصل اليه اعتراضات لبنان، ورغم كل ما يشاع، فإن إسرائيل ليست مستعدة لحرب جديدة وهي لم تستعد عافيتها بعد، لأن حربها مع لبنان أنهكتها كما حربها المستمرة ضد قطاع غزة، كما أن إصرار إسرائيل على القضاء على المقاومة في لبنان ما كان ليكون لولا أنها تكبّدت خسائر كبيرة نتيجة هذه المقاومة، فإسرائيل تجد أن "ما تقوم به لا يصل إلى تصعيد يلفت نظر الرأي العام العالمي اليها وإلى جرائمها، وأي حرب من قبلها قد تطيح بالمساعي المبذولة لنزع سلاح حزب الله في لبنان، وهذا ما لا تريده، كما أن حربها قد تخفف من وطأة الخلاف حول جدوى الحزب حيث تصبح المقاومة أمراً واقعاً وخياراً لا مفرّ منه وهو ما لا تريده إسرائيل طبعاً، والحرب ستكون خياراً يحتاج إلى إجماع غير موجود داخل إسرائيل خصوصاً أن لا ذريعة حقيقية اليوم ولا حرب إسناد ولا تهجير للمستعمرين الإسرائيليين من شمال فلسطين المحتلة".
إنجازات أم منفعة؟
ورداً على سؤال عن قدرة الحكومة على مواجهة أي تصعيد بينما لم تضع بعد خطةً لإعادة الإعمار، يقول ابراهيم إن الحكومة "احتفلت بإنجازاتها بعد مئة يوم على تولّيها السلطة، وأقصى ما حققته هو إنارة نفق سليم سلام وتزفيت طريق المطار وإزالة الصور والشعارات عن جانبيه، إلاّ أنها خلال ترويجها للسياحة ولاستضافة السياح الخليجيين، عجزت عن معالجة أزمة النفايات على الطرقات، فهي لم تقم بأي جهد على صعيد إعادة الإعمار ولا حتى خطوات تمهيدية أو وضع ولو مجرد إطار لهذه العملية".
ويأسف ابراهيم لأن الحكومة لم تقم سوى "بتعيين المحسوبين في بعض المواقع تحت شعار ملء الشواغر وهو ما روّجت له على أنه إنجاز مع أنه أقرب إلى تحقيق منفعة من يدور في فلكها، وتؤكد تصريحات رئيسها وبعض أعضائها، على حجم الإنقسام الحاصل في لبنان، وما محاولة توضيح رئيسها للرئيس نبيه بري لبعض مواقفه الملتبسة أو نتيجة حماسته أحياناً، إلاّ الدليل على الخفّة الرسمية، وكما أثارت تصريحات الرئيس جوزاف عون حفيظة العراقيين، كانت تصريحات سلام ضد الثورة الإيرانية دليلاً على عدم توازن فعلي ومحاولات لمراضاة الغرب والخليج على حساب علاقات لبنان بالعراق الذي لولاه لكانت البلاد في الظلمة، فيما إيران أكدت مراراً أنها لا تتدخل بالشأن اللبناني، إلاّ إذا كان البعض الرئاسي في لبنان لم ير كيف تمّ منع الرئيس سعد الحريري من الإيفاء بوعده لجمهور تيار المستقبل بأنه سيخوض الإنتخابات البلدية، فهل إيران أو العراق منعته وأبلغته بالحرم من ممارسة العمل السياسي؟".
ويخلص ابراهيم إلى الإعتبار أن الحكومة "تعمل وفق ما يقرره من جاء بها ومن روّج لإسم رئيسها كما من سهّل انتخاب رئيس من دون تعديل دستوري يسمح لقائد الجيش بالترشّح حتى، وبالتالي نحن في عهدٍ لا يملك قراره، وهو ما تؤكده الوقائع التي أتت به".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المدن
منذ 35 دقائق
- المدن
اعتراض دورية لـ"اليونيفيل" في صريفا وإسرائيل تخطف راعيًا
في حادثةٍ متكرّرة، اعترض عددٌ من الشبّان، اليوم، على الطريق العام في بلدة صريفا - قضاء صور، دوريّةً تابعة لقوّات الطوارئ الدوليّة (اليونيفيل)، كانت في طريقها إلى منطقة وادي السلّوقي، احتجاجًا على عدم مرافقتها من قبل الجيش اللبنانيّ، فيما أقدم بعضهم على وضع علم "حزب الله" على الآلية، وسط أجواء متوترة. من دون أن تسجّل أيّ حوادث تذكر. وقد حضرت لاحقًا دوريّةٌ تابعةٌ للجيش إلى المكان، وعملت على معالجة الوضع وإعادة الأمور إلى طبيعتها. وكان قد سبق ذلك دخول دوريّة مؤلّلة كبيرة تابعةٍ لـ"اليونيفيل" إلى منطقة وادي السلّوقي، أيضًا من دون مؤازرة الجيش. من جهته، أوضح المتحدّث الرسميّ باسم "اليونيفيل" أندريا تيننتي، حول حادثة صريفا، أنّه "هذا الصباح، أوقفت مجموعة من الرجال في ملابس مدنيّة قوّات حفظ السّلام التابعة لليونيفيل في بلدة صريفا، في دورية مخطّط لها بالتنسيق مع القوّات المسلّحة اللّبنانيّة. وقد تمكّن حفظة السّلام من القيام بنشاطهم المقرّر بعد تدخّل الجيش اللّبنانيّ". وأشار تيننتي إلى أنّ "القرار 1701 يمنح قوّة الأمم المتحدة الموقّتة في لبنان "اليونيفيل" سلطة التنقل بحرية وإجراء الدوريات، بوجود الجيش أو بدونه. وهذا جزء من ولايتنا. وبينما ننسق بشكلٍ وثيق مع الجيش اللّبنانيّ، فإنّ حرية حركة حفظة السلام لدينا هي المفتاح لتنفيذ المهام الموكلة إلينا". الاعتداءات الإسرائيليّة هذا وأقدمّت قوّة عسكريّة تابعة للجيش الإسرائيليّ، صباح اليوم السّبت، على اختطاف أحد رعاة الماشية من منطقة "عين الخوخ" في خراج بلدة شبعا الحدوديّة، واقتادته إلى داخل الأراضي المحتلة، أثناء قيامه برعي قطيعه في المنطقة، واسمه ماهر فارس حمدان من بلدة شبعا. كما وألقت مسيّرة إسرائيليّة قنبلة صوتيّة في اتجاه منطقة المرج على أطراف بلدة حولا، مما أدّى إلى إصابة مواطن من بلدة تبنين. وتمّ إلقاء قنبلة صوتية ثانية بين حولا ومركبا. وأعلن مركز عمليّات طوارئ الصّحة العامّة التّابع لوزارة الصّحة العامّة، في بيان، أنّ "إلقاء مسيّرة للعدو الإسرائيلي قنبلةً بالقرب من مواطنين في بلدة حولا، أدّى إلى إصابة اثنين بجروح". فضل الله يتصل بسلام وتواصل النائب حسن فضل الله مع رئيس الحكومة نواف سلام بشأن تداعيات العدوان الإسرائيليّ على الضاحية، وما ألحقه من أضرار أدّت إلى تشريد مئات العائلات، وشدّد في بيان، على "أهمية مسارعة الهيئة العليا للإغاثة من أجل الكشف على الأبنية المتضرّرة، وتأمين المساعدة الماليّة اللازمة لتمكين السكّان من البقاء في منازلهم". وقال: "تجاوب رئيس الحكومة مشكورًا وكلّف رئيس الهيئة إجراء مسح للأضرار، وبعد تواصل النائب أمين شرّي مع رئيس الهيئة متمنيًّا الإسراع في القيام بهذه الخطوة، جرى الاتفاق على مباشرة الهيئة خطواتها العملية بعد عطلة العيد مباشرة". القوّات الأمميّة تُحذّر في سياقٍ متصل، أوضح الناطق باسم قوّات "اليونيفيل" أندريا تيننتي، في حديثٍ صحافيّ، أنّهم، بوصفهم قوّاتٍ دوليّة، "غيرُ مُطَّلعين على الاتّصالات بين السّلطات اللبنانيّة ولجنة مراقبة وقف إطلاق النار؛ فهذه ليست من مهامّ اليونيفيل"، لافتًا إلى أنّهم "يشاركون في اجتماعات اللجنة، لكنّ المحادثات والتقارير بين الجانبين مسألةٌ يجب توجيهُ السؤال بشأنها إلى اللجنة أو إلى السّلطات اللبنانيّة". وجاء ذلك بعد تلويح من الجيشِ اللبنانيّ بمقاطعة تعاونه مع اللجنة. ووصف تيننتي الغارات الإسرائيليّة على الضاحية الجنوبيّة لبيروت بأنّها "تطوّرٌ خطير"، معتبرًا أنّها "لا تُشكّل انتهاكًا لسيادة لبنان وللقرار 1701 فحسب، بل تُشكّل أيضًا خطرًا كبيرًا على الاستقرار الهشّ الذي نشهده في هذه المنطقة المتنازَع عليها بعد اتفاق وقف الأعمال العدائيّة". وأضاف: "هذا الأمر لا يزيد التوتّر فحسب، بل يمكن أن يخلق وضعًا خطيرًا جدًّا في منطقةٍ تُعاني أصلًا من خمسةَ عشرَ شهرًا من النزاع". ورغم ذلك، أكّد تيننتي: "نحن مستمرّون في أداء المهامّ الموكلة إلينا بموجب القرار 1701؛ من دعم الجيش اللبناني في انتشاره الكامل داخل لبنان، والمطالبة بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جميع المواقع التي يوجد فيها في جنوب لبنان، وأيضًا وقف إطلاق النار، ليس فقط باتجاه لبنان، بل أيضًا من داخل لبنان، لأنّ ذلك قد يُعرِّض وقف الأعمال العدائيّة للخطر".

القناة الثالثة والعشرون
منذ ساعة واحدة
- القناة الثالثة والعشرون
بقرادونيان: لسنا أولوية كما يظن البعض رغم الحركة باتجاه بيروت
لم يتوقع عضو اللجنة العالمية مسؤول الشرق الأوسط في حزب الطاشناق ورئيس كتلة نوّاب الأرمن النائب هاغوب بقرادونيان الكثير من الزخم الدبلوماسي في اتجاه لبنان الاسبوع الطالع، ورأى اننا "لسنا أولوية كما يظن البعض رغم الحركة باتجاه بيروت التي تأتي في سياق مصالح الأطراف الخارجية في لبنان". وقال في حديث الى برنامج "احداث في حديث" عبر "صوت كل لبنان": "ان التطورات في البلد قد تؤثر على مصالحهم كملف سوريا والمفاوضات النووية اذ ان أي حادث في الداخل اللبناني قد يؤثر على سير المفاوضات". وأشار الى أن "أولوية القوى الخارجية في لبنان ليست الإصلاحات كما يُدعى، بل نزع سلاح حزب الله، واعتبر أن الحديث عن الإصلاحات في هذا السياق لا يعدو كونه ذريعة لإخفاء الأهداف الحقيقية. وأكد أن الخطاب السياسي العنيف لن يساعد على حل القضايا العالقة، موضحًا أن "الحل الوحيد يكمن في الخطاب العقلاني والمتوازن"، ولفت الى ان الرئيس عون "كلف بعض المستشارين لإجراء المفاوضات بخصوص حصرية السلاح بيد الدولة بالحوار إلا أن هذه الكلمة قد تثير خوف البعض لكن لا مفر من الحوار، لان الحل الثاني هو عسكري إلا أن الجيش ليس بصدد أي مواجهة من هذا النوع". وأوضح أن "المطلوب هو تجنب تنفيذ مشاريع الآخرين في لبنان والعمل على ضمان استقرار البلاد بعيدًا عن التدخلات الخارجية"، وقال: "حزب الله لا يزال ملتزمًا ضبط النفس، ويُصرّ على تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار بكل حزم". في المقابل أكد أن "إسرائيل لا تُخفي نياتها الاستمرار في توتر الأوضاع"، مشيرًا إلى أن "الاعتداءات المتكررة على لبنان هي جزء من سياسة ممنهجة لإبقاء حالة الحرب والتهديد قائمة". وأكد أنّ "انتخاب رئيس للجمهورية بعملية قيصرية لا يُفترض أن يرافقه رفع مفرط لسقف التوقعات"، وقال بقرادونيان: "إنّ الرئيس، في النظام اللبناني القائم، لا يمتلك الصلاحيات الكاملة التي تتيح له وحده تحقيق التغيير المطلوب، وبالتالي فإن التوقعات العالية سرعان ما تصطدم بالخيبة". وأشار إلى أنّ "اللبنانيين يعيشون اليوم حالة انتظار مشوبة بالأمل، وكأنهم يتوقعون من العهد ما يتجاوز الإمكانات الواقعية". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


بيروت نيوز
منذ 2 ساعات
- بيروت نيوز
في عيد الأضحى…نتنياهو يشنّ غارات تلمودية على الضاحية
إذا سلّم المرء العاقل بجدلية الادعاءات الإسرائيلية عن الأسباب، التي تحدو بالعدو لمواصلة ما يقوم به من عدوان على الضاحية الجنوبية لبيروت مثلًا، أو على أي منطقة لبنانية في الجنوب أو البقاع، زاعمًا بأن هذه الأهداف تعود إلى مخازن أسلحة لـ 'حزب الله'، فإن ما قامت به في هذا التوقيت بالذات يخرج عن سياق 'الحروب التقليدية'. ولأن إسرائيل تعتبر أن هذه الأسلحة هي تهديد مباشر لأمنها القومي تسمح لنفسها باستباحة الأراضي اللبنانية، وتوجيه الضربات الموجعة حيثما لزم الأمر ذلك، من دون أن تأخذ في الاعتبار ما تسبّبه هذه الغارات الوحشية من أذىً مادي ومعنوي لشريحة واسعة من اللبنانيين، الذين يقطنون في محيط هذه الأهداف، سواء أكانوا هؤلاء المواطنون مؤيدين لنهج 'المقاومة الإسلامية' أو حتى معارضين لها أو غير مبالين بما يهدف إليه 'حزب الله' من خلال تخزين أسلحته في الأحياء السكنية المكتظة، بحسب الادعاءات الإسرائيلية. وإذا ذهب المرء إلى حدّ تصديق 'الخبرية' الإسرائيلية عن مخازن السلاح، وهو أمر غير مثبت وغير مؤكد، فمن حقّه وحقّ كل مواطن لبناني، وإن لم يكن من سكّان الضاحية الجنوبية، أن يسأل هذا السؤال البديهي والطبيعي: ألم يكن في استطاعة إسرائيل، التي تسيطّر على الجو اللبناني بواسطة طيرانها ومسيّراتها والـ M K، التي لا تغيب عن سماء لبنان لا ليلًا ولا نهارًا، أن ترجئ غاراتها إلى يوم آخر، خصوصًا أنها تعرف ماذا يعني عيد الاضحى بالنسبة إلى المسلمين، وما يرمز إليه من معاني التضحية. أمّا وقد قامت إسرائيل بهذه الغارات الوحشية ليلة العيد ففي الأمر 'إنّ'. وهذه الـ 'إن' تكشف النوايا الخبيثة لعدو غاشم، لا يقيم أي اعتبار لمشاعر الناس، حتى ولو كانوا من ألدّ أعدائه. وهذا ما لا تقّر به لا الشرائع السماوية ولا القوانين الأرضية. إن أقّل ما يُقال عن هذه الغارات ليلة عيد الاضحى المبارك، إضافة إلى أنها عدوانية وهمجية، إنها لا تمتّ إلى الإنسانية بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد. فإسرائيل تقصّد القيام بعدوانها هذا في هذا التوقيت بالذات لاعتبارات تعود في جذورها إلى المحاولات اليائسة، التي سعى إليها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو منذ اليوم الأول بعد عملية 'طوفان الأقصى'، من خلال تصوير حربه ضد الفلسطينيين بأنها حرب دينية، وذلك لتأليب الرأي العام العالمي، الذي لا يزال يخضع في خلفياته لمنطق 'المحرقة اليهودية' في زمن المانيا النازية، وما لها علاقة بـ 'السامية'. فإصرار نتنياهو على تغليف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بلبوس ديني وتلمودي، وامتدادًا نحو الضاحية الجنوبية، وتحويله إلى ما يشبه 'حربًا تلمودية'، يعكس أبعادًا سياسية وأيديولوجية عميقة لها عدة دوافع، ومن بينها: أولًا، تحقيق غطاء ديني للصراع السياسي، إذ أن نتنياهو يدرك أن 'شرعنة' سياساته داخليًا تتطلب خطابًا تعبويًا يحفّز الجمهور الإسرائيلي، لا سيما اليمين الديني المتشدد. وباستخدامه الرموز التوراتية والتلمودية، اعتقد أنه قادر على تحويل المعركة إلى 'معركة وجودية'، من خلال إلباسها طابعًا مقدسًا، ما يعطيها قوة رمزية تفوق كونها مجرد نزاع سياسي. فاستخدم تعابير لديها وقع خاص لدى المجتمع اليهودي. ومن بين هذه التعابير: 'عملاق الشر' أو 'نحن نسل يوشع بن نون'. وبهذه التعابير استطاع أن يعيد إنتاج روايات تلمودية قديمة عن 'أرض الميعاد' و'التطهير الإلهي'. ثانيًا، كسب دعم التيار الديني المتشدد والمستوطنين. وبهذا يعتقد نتنياهو أنه كسب رهان التحالف مع الحركات الصهيونية الدينية، وخصوصًا المستوطنين الذين يرون في الضفة الغربية 'يهودا والسامرة' جزءًا من أرض التوراة. فتحويل الصراع إلى 'حرب دينية'، بالنسبة إليه، يكرّس دعم هؤلاء له، خصوصًا عندما يشعرون أن 'النبوات التوراتية' تتحقق عبر سياسات التوسع والضم. ثالثًا، تشتيت الانتباه عن أزماته الداخلية، وهو الذي يواجه منذ سنوات ملفات فساد واحتجاجات سياسية حادة. لذلك حاول تصعيد الخطاب الديني لاعتقاده أنه قد يحوّل التركيز من قضاياه القانونية والسياسية إلى خطاب تعبوي يوحّد الداخل خلفه تحت شعار 'الخطر الوجودي'. رابعًا، ' شيطنة' الطرف الفلسطيني والعربي، إذ أنه عندما يُصوّر نتنياهو الصراع على أنه ديني، يصبح الفلسطيني 'عدوًا لله' وليس خصمًا سياسيًا. وهذا الأمر يُسهّل عليه تبرير العنف المفرط، ويُغلف الجرائم بسياج 'الواجب الديني'. كما يزرع في الوعي الغربي سردية أن إسرائيل 'تحارب الإرهاب الإسلامي' وليس شعبًا يطالب بحقوقه. خامسًا، رسالة إلى الغرب، باعتبار أن إسرائيل تخوض 'معركة الحضارات'. فالخطاب التلمودي يخدم أيضًا رواية إسرائيل بأنها 'قلعة الحضارة اليهودية والغربية' في وجه 'البرابرة'، بحسب مزاعمه، ما يُسهّل له استدرار التعاطف الغربي، خاصة من اليمين المسيحي الإنجيلي في الولايات المتحدة. فنتنياهو لا يُحوّل الصراع إلى 'حرب تلمودية' عن عبث، بل لأهداف سياسية داخلية وخارجية. لكنه بهذا ينسف فرص السلام، ويقود المنطقة إلى صراع ديني مفتوح قد تتجاوز نيرانه فلسطين وإسرائيل إلى الإقليم برمّته. وما الغارات التي شنها طيرانه على الضاحية الجنوبية لبيروت ليلة عيد الأضحى سوى حلقة في مخطّط 'جهنمي' يسعى إليه منذ اليوم الأول لحربه الواسعة في فلسطين ولبنان.