
السودان... تعثّر مخطط الحكومة «الموازية»
الحكومة «الموازية» التي يجري طبخها هذه الأيام في نيروبي هي حكومة «قوات الدعم السريع» مهما حاول المنتسبون إليها، والملتفون حول مشروعها، إنكار ذلك، أو الالتفاف عليه بعبارات فضفاضة. فمن دون بندقية هذه القوات وأموالها لم يكن مخطط الحكومة سينشأ، ومن دون مناطق سيطرتها لن تجد مكاناً يؤويها إن رأت النور.
ولادة المشروع جاءت متعثرة، بدءاً بانقسام في تنسيقية القوى المدنية «تقدم» وحلها، سواء كان الطلاق بين الجناحين حقيقياً أم تكتيكياً. جاء بعد ذلك تأجيل الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «التأسيس» لهذه الحكومة 24 ساعة، ثم بتأجيل التوقيع على ميثاقها 3 أيام، وحتى بعد هذا التأخير فإن تشكيل الحكومة وهياكلها يبقى معلقاً حتى إشعار آخر.
قيل إن سبب تأجيل توقيع الميثاق كان بطلب من عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية - شمال لإتاحة الفرصة لمشاركة عدد من ممثلي مؤسسات حركته، مع أن الرجل كان موجوداً في القاعة وخاطبها بكلمة ركز فيها على مطالبته بالعلمانية وتضمينها في ميثاق تأسيس المنصة الجديدة وحكومتها.
الحقيقة أن لعنة الخلافات والانقسامات بقيت ملازمة لفكرة هذه الحكومة من انقسام «تقدم»، إلى تبرؤ حزب الأمة من رئيسه اللواء متقاعد فضل الله برمة ناصر الذي مضى في طريق المشاركة في ترتيبات إعلانها. كذلك أدت الخلافات بشأنها إلى انقسام ضد سليمان صندل في حركة العدل والمساواة، تبعه انقسام في حركة الحلو بإعلان أحد أعضاء مكتبها في واشنطن استقالته احتجاجاً على موقف رئيسه ومشاركته في تجمع نيروبي وظهوره إلى جانب قيادة «قوات الدعم السريع»، على الرغم من التاريخ المرير بين الطرفين.
على صعيد متصل، برزت مؤشرات على حدوث انقسام في الحكومة الكينية وتباينات مع رئيسها ويليام روتو بسبب توفيره غطاء لمشروع الحكومة الموازية باستضافة مؤتمر تأسيسها في نيروبي، وهي الخطوة التي أدانتها الحكومة السودانية في بيان شديد اللهجة وصف الموقف الكيني بأنه انتهاك للقوانين الدولية واحتضان جماعة مارست الإبادة الجماعية. ما زاد في حرج الحكومة الكينية أنها لم تقدم أي حكومة أخرى، إقليمية أو دولية، على دعم هذه الحكومة «الموازية»، على الأقل علناً، وهو ما ظهر في عدم مشاركة أي رؤساء بعثات دبلوماسية أو ممثلي دول في مؤتمر إعلان ميثاق مشروعها.
هذه الانطلاقة المتعثرة تنبئ بما هو قادم في طريق هذه الحكومة إن اكتملت ولادتها، والفشل المتوقع لمخطط محركيها. فهي في جوهرها خطوة إعلامية لرفع المعنويات بعد الهزائم المتلاحقة التي تلقتها «قوات الدعم السريع»، أكثر من كونها مشروعاً حقيقياً لدولة لا توجد إلا في خيال من فكروا فيها وحاكوا مؤامرتها.
«قوات الدعم السريع» تريد بهذه الخطوة تحقيق ما فشلت فيه بالسلاح، لكنها سوف تصطدم بأن حسابات الحقل لا تتطابق مع حسابات البيدر. فالحكومة «الموازية» لن تجد الاعتراف الذي تأمله، ولا تملك مقومات الحديث عن امتلاك الشرعية أو انتزاعها، لأنها تستند في الأساس إلى بندقية «الدعم السريع» التي لطختها الدماء، والانتهاكات، والاغتصابات من دارفور إلى الخرطوم والجزيرة، فنشأت هوة هائلة مع المواطنين الذين كانوا يهربون منها ويبحثون عن الأمن في مناطق وجود الجيش. وحتى في دارفور التي ربما يفكرون في انفصال بها، فإنها ليست كلها تحت سيطرتهم، ولا هم يمثلون كل سكانها الذين من بينهم من تعرض للتنكيل على أيدي قواتها، فأصبحت هناك مجموعات كبيرة من أهل الإقليم تقاتلهم.
أمّا مزاعم تمثيل أهل الهامش فهي تبدو مثيرة للسخرية أمام سجل ممارسات القتل والإبادة في دارفور، واستهداف أهل القرى الوادعة في الجزيرة، والخطاب العنصري الموجه ضد مكونات الشمال، والدعوات المتكررة لاستهدافهم في مناطقهم، وأخيراً ظهور أحد المتحدثين من مقاتلي «الدعم السريع» في مقطع فيديو هذا الأسبوع مهدداً منتقديهم في شرق السودان بالقصف بالطائرات بعد تكوين الحكومة الموازية التي وصفها بـ«حكومتنا».
عندما اندلعت الحرب كانت الخطة «أ» انقلاباً خاطفاً للسيطرة على مقاليد الأمور في السودان، وفي الوقت ذاته القيام بتدمير ونهب واسعين، والاستيلاء على بيوت المواطنين، لكن صمود الجيش أفشل الخطة. وبعد الهزائم في الجزيرة، وبداية الاندحار في الخرطوم، دعا قائد «الدعم السريع» قواته إلى الانتقال إلى ما سماه الخطة «ب» التي اتضح أنها تقوم على استهداف محطات الكهرباء والخدمات بالمسيرات، واستهداف الأسواق والمستشفيات وحتى المدارس بالقصف المدفعي وذلك لإثارة سخط الناس على الجيش والضغط عليه للعودة إلى المفاوضات.
هل محاولة تشكيل الحكومة الموازية هي الخطة «ج»؟
بغض النظر عن أبجدية وصفها، فإنها تبدو آخر طلقة في بندقية «قوات الدعم السريع» وحلفائها، وفي تقديري وتقديرات الكثيرين أنها ستفشل، ولن توقف تقدم الجيش وحلفائه نحو تحقيق هدفهم الذي بات معلوماً... بل وقريباً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
١٧-٠٥-٢٠٢٥
- Independent عربية
الجيش يتوغل بجنوب كردفان ومسيرات جديدة في سماء بورتسودان
توسعت المعارك والمواجهات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" بولاية جنوب كردفان الحدودية مع دولة جنوب السودان، ودخلت الحركة الشعبية - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو على خط القتال حيث استهدفت مدفعيتها أحياء مدينة كادقلي عاصمة الولاية، مما تسبب في مقتل خمسة مدنيين وإصابة 15 آخرين بجروح بعضهم في حال خطرة. توغل جديد وأكدت مصادر عسكرية أن قوات الجيش حققت تقدماً جديداً في محور جنوب كردفان وتمكنت، بعد معارك واشتباكات عنيفة، من السيطرة على بلدة الدكة غرب مدينة أبو جبيهة بالولاية. وأوضحت المصادر أن قوات الجيش تسعى إلى تعزيز سيطرتها لفتح طريق أم عدارة، 70 كيلومتراً غرب العاصمة كادقلي، كخطوة حاسمة للسيطرة على تلك المنطقة، بخاصة بعد هيمنتها على قرية أم دحيليب المتاخمة لمدينة كاودا، المركز الإداري للحركة الشعبية – شمال، جناح الحلو، التي تحالفت، في الفترة الأخيرة، مع "الدعم السريع". وإزاء تصاعد المواجهات تتدهور الأوضاع الإنسانية في المنطقة وتتزايد معاناة السكان المدنيين جراء عمليات القصف. بورتسودان مجدداً وفي شرق السودان، تصدت الدفاعات الجوية الأرضية التابعة للجيش لطائرات مسيرة عاودت التحليق مجدداً في سماء العاصمة الإدارية الموقتة بورتسودان. وشنت الشرطة والقوات الأمنية المشتركة بمحلية بورتسودان حملة أمنية كبرى ضد ما وصفتها ببؤر الجريمة أسفرت عن توقيف 2500 مشتبه فيه، أفرج عن 1470 منهم لاحقاً. وجاءت الحملة في إطار جهود الشرطة للقضاء على الجريمة وتجفيف منابع الأنشطة الخارجة عن القانون، تنفيذاً لتوجيهات لجنة أمن الولاية، وفق المكتب الصحافي للشرطة. مواجهات أم درمان ومع احتدام القتال في جنوب غربي العاصمة بمنطقة الصالحة بالريف الجنوبي لمدينة أم درمان، عبرت قوات "درع السودان" بقيادة اللواء أبو عاقلة كيكل، النيل الأبيض من منطقة جبل أولياء، في طريقها للمشاركة في معارك غرب أم درمان. وأعلن كيكل، في تصريحات مصورة، أن قوات الجيش باتت على بعد ساعات فقط من دخول منطقة الصالحة، منوهاً بأن تحرير المنطقة سيمثل نقطة انطلاق استراتيجية في العمليات العسكرية ويجعل الطريق نحو كردفان والفاشر مفتوحاً. كذلك انضمت قوات جديدة من شرطة الاحتياط المركزي المقاتلة وجهاز الاستخبارات الوطني للمشاركة في معارك القتال بمنطقة الصالحة. وكشفت مصادر ميدانية عن إفشال الجيش محاولة هجوم شنته "الدعم السريع" على سلاح المهندسين جنوب أم درمان. ظلام وأزمات في الأثناء، تعيش أم درمان أوضاعاً مأسوية عقب استهداف محطات الكهرباء بالطائرات المسيرة مما أدى إلى الانقطاع التام للكهرباء وتفاقم أزمة المياه، وشهدت المدينة أيضاً أزمة وقود شديدة جراء تعرض مستودعات الوقود في مدينة بورتسودان لقصف متكرر بطائرات مسيرة خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر. تحديات كبيرة إلى ذلك دعا والي ولاية الخرطوم أحمد عثمان حمزة، خلال زيارته مواقع الكهرباء التي استهدفتها الطائرات المسيرة، إلى العمل على إعادة الخدمة في أسرع وقت ممكن، وبتأمين الوقود اللازم لمحطات المياه والآبار والمستشفيات ومتابعة توفير الغاز والمياه للمخابز. وأعلن مدير قطاع نقل الكهرباء بالولاية إبراهيم محمد آدم عن انطلاق عمليات إصلاح الأعطال التي طاولت المحطات التحويلية للكهرباء في مدينة أم درمان نتيجة قصفها بالمسيرات. كوليرا وتسمم في الريف الجنوبي لمدينة أم درمان، حصد وباء الكوليرا أرواح 10 أشخاص في الأقل وأصيب العشرات، في منطقة الصالحة جنوب غربي الخرطوم في ظل توقف جميع المراكز الصحية والصيدليات في المنطقة عن العمل. وأفاد مواطنون بأن المنطقة تشهد تفشياً لوباء الكوليرا نتيجة عدم توفر مياه الشرب الصالحة، وتدهور الوضع البيئي بسبب تراكم النفايات وبقايا الجثث في الشوارع، ويضطر الأهالي العالقون إلى الشرب من النيل مباشرة بعد توقف الآبار كافة بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وأكد مواطنون أن أسرتين مؤلفتين من ثمانية أشخاص لقيتا حتفهما جراء التسمم بمياه ملوثة بمنطقة جادين جنوب الصالحة. غارات في دارفور في شمال دارفور شهدت مدينة الفاشر هدوءاً حذراً بالمحورين الشمالي والجنوبي بينما شهد المحور الشرقي للمدينة مناوشات متقطعة، وشن الطيران الحربي للجيش سلسلة غارات جوية عنيفة استهدفت تجمعات ونقاط تمركز "الدعم السريع" بالمحور الشرقي ومحيط المدينة، كذلك وجهت المقاتلات الحربية ضربات مكثفة ضد تجمعات "الدعم السريع" في محيط مدينة مليط بشمال دارفور. وجبة واحدة وقالت غرفة طوارئ معسكر أبو شوك للنازحين بالفاشر إن المطبخ الجماعي بالمعسكر يعمل في ظروف إنسانية صعبة وتحديات أمنية كبيرة، وكشف بيان للغرفة عن أن قاطني المعسكر يعانون أوضاعاً اقتصادية صعبة، ويعاني الأطفال المصابون بسوء التغذية وأصحاب الأمراض المزمنة ظروفاً حرجة ويوزعون ويدمجون مع الأسر الأكثر تضرراً التي يستهدفها المطبخ في المقام الأول. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) المحرقة والفناء إلى ذلك وجه رئيس التحالف الديمقراطي الثوري "صمود" عبدالله حمدوك دعوة عاجلة لكل من الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام رئيس مجلس السيادة الانتقالي، والجنرال محمد حمدان دقلو "حميدتي" قائد قوات "الدعم السريع"، لعقد لقاء فوري ومباشر من أجل وقف الحرب وإنقاذ البلاد من المحرقة والفناء. وخاطب حمدوك، في بيان، الطرفين وقال إن "العالم قد قرر إيقاف الحرب، فتولوا أنتم إيقافها، لتكون لنا وبكم لا علينا وعليكم"، وحذر من أن السودان مهدد بـ"المحرقة والفناء" إذا استمرت الحرب. نفي حكومي عن الإشاعات والتسريبات في شأن مغادرة عدد من كبار المسؤولين مدينة بورتسودان عقب هجمات المسيرات الأخيرة، أكد وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الإعيسر أن قادة الدولة، بمن فيهم رئيس مجلس السيادة، يمارسون مهامهم المعتادة من داخل بورتسودان، نافياً أي مزاعم عن هرب المسؤولين بعد الهجمات الأخيرة، وأضاف أن بعض الوزراء اضطروا إلى تأجيل مهامهم الخارجية، تأكيداً لوقوفهم إلى جانب الشعب في هذا الوقت العصيب، ونفى الإعيسر ما وصفه بالحملات المضللة التي تقودها غرف إلكترونية "بهدف تفكيك التلاحم الوطني". من جانبه أعلن رئيس المجلس الاستشاري لقوات "الدعم السريع" حذيفة أبو نوبه عن قرب تشكيل حكومة التحالف التأسيسي "تأسيس"، وأعرب أبو نوبه، لدى مخاطبته الإدارة الأهلية بولاية شرق دارفور، عن تطلع الحكومة المرتقبة إلى علاقات متينة مع دول الجوار بخاصة جمهورية جنوب السودان. المسيرات ومجلس الأمن في الأثناء، من المنتظر أن يعقد مجلس الأمن الدولي، الإثنين المقبل، جلسة خاصة بناءً على طلب السودان لمناقشة هجمات الطائرات المسيرة التي تشنها "الدعم السريع" "على المرافق المدنية والحيوية بالعاصمة البديلة بورتسودان ومدن ومناطق أخرى في ولايات السودان" بحسب مصدر دبلوماسي. وتتواصل هجمات المسيرات على عدد من مدن ولايات البلاد، بما في ذلك ولاية الخرطوم، وشهدت الأسابيع الأخيرة تزايداً في هجماتها ولا سيما العاصمة الخرطوم وبورتسودان. جهود عربية واليوم، تناقش القمة العربية الـ34 التي ستنعقد بالعاصمة العراقية بغداد، التحديات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة العربية بما فيها حرب السودان. ووصل عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق إبراهيم جابر إلى العاصمة العراقية للمشاركة في أعمال القمة. وبحث جابر، على هامش القمة، مع كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط سبل دعم جهود السلام والاستقرار في السودان وتخفيف الأزمة الإنسانية. عون إنساني وتنموي وكان مجلس الجامعة قد طالب الدول والمنظمات العربية بتقديم الدعم الإنساني والتنموي، ودعا إلى وقف إطلاق النار بالسودان وفقاً لإعلان جدة. وبحث المجلس إمكان استئناف مسار منبر جدة، ودعا مجموعة الاتصال العربية المشكلة من وزراء خارجية كل من السعودية ومصر، إلى جانب الأمين العام للجامعة العربية، إلى مواصلة مساعيها الحميدة من أجل التوصل إلى حلول تلبي تطلعات الشعب السوداني في تحقيق الاستقرار والتنمية.


Independent عربية
١٢-٠٤-٢٠٢٥
- Independent عربية
في عام الحرب الثالث: جلوة للقوى الحديثة بعد خلوة
لربما صح في مفتتح عام الحرب الثالث أن تعتكف قوى الحرية والتغيير "قحت" التي صارت "تقدم" (تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية) بعد الحرب، ثم "صمود" بعد انقسام كتلة "تأسيس" منها في فبراير (شباط) الماضي (ويشار لها بـ"تقدم" في ما يلي)، في جلسة مراجعة مع النفس. فيكفي تشردها في الأسماء نفسه باعثاً لهذه الخلوة قبل الجلوة عام حرب جديد إلى سلم إن شاء الله. وبدا أن السؤال محور هذا الجرد هو عما يرونه من مصائر لمشروعهم التقدمي الليبرالي بعد ثورتهم في ديسمبر (كانون الأول) 2018 التي انزلقت إلى حرب ضروس يكتوي الناس به. وهذا المشروع هو الذي صدعت به "قحت" كقوى حديثة، كما تصف نفسها، منذ الاستقلال وربما قبله. فماذا ترى هذه القوى منه أو فيه، لا في نحو عقد من زمان للزعازع مرموق فحسب، بل وفي سياقه العالمي الذي تتخطفه فيه القوى المحافظة بهمة سياسية مرموقة، وتطوي خيامه كما رأينا في الولايات المتحدة أخيراً حتى قال لاري ديموند الأستاذ بجامعة ستانفورد، إن "الديمقراطية في ركود" (recession). ما استدعى هذه الخلوة هو طرائق في التفكير في هذه القوى الحديثة تؤذي من حيث يظن المرء سدادها. فسارت بينهم عبارة كالأيقونة تقول إنه "ليس مهماً من يحكم السودان، بل كيف يحكم السودان". وحين يصدع بها أحدهم "يكون الكلام انتهى" كما نقول، بينما هي عبارة لا يعرف المرء أفحش منها استهانة بالديمقراطية التي ظلت حداء هذه القوى الحديثة لعقود. فترجيح كيفية الحكم على هوية الحاكم باطل. وبطلانه في أنه ألغى حق الناس في انتخاب من يحكمهم على ضوء برنامج عن كيف سيحكمهم. وهذا ترخيص لكل من عرف، أو ظن أنه عرف كيفية الحكم الصالح لبلد ما أن يطلبه غلاباً بالانقلاب العسكري أو بالحركة المسلحة مما فشى في السياسة السودانية. أسيرة الماضي لم تخرج "قحت" بعد من معارضة "دولة الإنقاذ" المبادة، أو كما قامت "بعاتي" في دولة الفريق الركن عبدالفتاح البرهان الحالية، إلى الرحاب السياسية والاجتماعية والفكرية في مغامرتها الثورية ودولتها الانتقالية. فلم تر "تقدم" من الحرب سوى خطة للفلول لرد السودانيين إلى "بيت الطاعة" الإنقاذي. فقررت "قحت" والحزب الشيوعي (الجذري) كفاحاً أن الفلول هم من أشعل فتيل الحرب لفرض أنفسهم من جديد على دست الحكم. ولم يعد من يصدق أن "قحت" على الحياد السياسي بين الطرفين المتحاربين كما تزعم بعدما أعطت "الدعم السريع" حق الحرب العادلة لرد عدوان الجيش عليها. وكان هذا الزيغ عن الحياد موضوع شكوى حزب الأمة في باكر عام 2024 ليلتقي بسكرتارية "قحت" ويعرض عليها مظلوميته منها. ولا يعرف المرء إلى أين انتهى الحوار بينهما حتى خرج رئيس الحزب وممثله في "قحت" ضمن طائفة "تأسيس" التي هي بصدد تكوين حكومة في الأراضي الواقعة تحت سيطرة "الدعم السريع". ولم تر "تقدم" في خروج طائفة منها لـ"الدعم السريع" الخطر الذي تحسب له كثر من انقسام منتظر للسودان. وجاء بيانها عن خروجهم بمثابة، "إنهم إخواننا بغوا علينا". فصور البيان الخلاف بينهما، بين من يريدون "مواصلة النضال المدني الديمقراطي من دون تشكيل حكومة وموقف يرى أن تشكيل حكومة هو إحدى أدوات عمل التنسيقية". ولا تزال "تقدم" مع ذلك تحمل على "حكومة بورتسودان" وتتربص بها لتنزع منها الشرعية الدولية التي تدعيها. وكما قال كاتب مرة: لا يعرف المرء هل تأخذ "تقدم" هذه الحرب على علاتها أم إنها مجرد طورها الثاني في معارضة "دولة الإنقاذ" بعد الطور الأول الذي انتهى بالقضاء عليها في أبريل (نيسان) 2019. الشيوعي ومعارضة حكومة بورتسودان أما الحزب الشيوعي فغارق في هذا الطور الثاني من معارضة الإنقاذ إلى حد الهذيان. فهو لا يرى أي شرعية لحكومة بورتسودان. وتطرق في بيان أخير لأوضاع مشروع الجزيرة الزراعي ووصف اتفاقات عقدتها حكومة الأمر الواقع، كما يقولون، إنها لـ"مشروع ظل هدفاً للرأسمالية الطفيلية" التي تسعى إلى تفكيكيه والاستيلاء على موارده الاقتصادية والاجتماعية. ورأى البيان أن الحرب الجارية أصبحت غطاء لتمرير مزيد من الصفقات المشبوهة وتعزيز الفساد في مختلف المؤسسات. وتحت هذا الغطاء، في قول البيان، "تم فتح المجال أمام الشركات الطفيلية لعقد اتفاقات تفتقر إلى الشفافية وتخدم مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة". ونقد الحكومة لأنها تعجز عن توفير الحد الأدنى لتمويل الموسم الزراعي في الجزيرة في وقت تجد فيه المال الكافي لتمويل حربها بكلفها الباهظة مما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول أولويات السلطة الحالية وأهدافها الحقيقية. وهذا ذهول كثير عن مشروع بولاية الجزيرة لم تستكمل الحكومة حتى من تحريره عسكرياً. أما ذروة هذا الذهول ففي نقد البيان للحكومة لتجاهلها "تعويض المزارعين عما لحق بهم من خسائر جراء دخول الدعم السريع للمنطقة، ونهب محاصيل موسمين زراعيين، وعدم تمكنهم من الزراعة في الموسم السابق، إلى جانب سرقة آلياتهم". فبدا من نقد الشيوعيين هذا أن إهلاك "الدعم السريع" المشهود للزرع والضرع والخلق في الجزيرة دمدمة من الطبيعة جعلها "منطقة كوارث" الحكومة ملزومة بتعويض المتضررين منها. ولا يملك المرء حيال هذه المعارضة بحكم العادة إلا أن يقول إن الشيوعي لم يأخذ هذه الحرب مأخذ جد، أي أخذاً وبيلاً، بعد. فهو رافل في امتياز المعارضة كجاري العادة. تبرير لطرف من دون آخر وتغفر "قحت" في "لا للحرب" لـ"الدعم السريع" ما لا تغفره للقوات المسلحة. فلا تجدهم يعترضون على التجنيد القبائلي والجهوي لـ"الدعم السريع"، بل يسمون الجماعات التي تزوده بالجنود "الحواضن". كما لا تعقب على احتواء "الدعم السريع" على ميليشيات مستقلة عن قيادته المركزية، بل منها من اعترف حتى محمد حمدان دقلو بأنها غزت ولاية الجزيرة بغير علمه. ولكن حذارِ أن يفعل الجيش فعل "الدعم السريع". فإذا استنفر الشباب للحرب عابوا عليه ما يسمون "التجنيد الإثني" الذي سيحول الحرب إلى حرب أهلية كأنها ليست كذلك. ومع ذلك فاستنفار الجيش في غالبه استنفار في مدن هي خليط من البشر رغب أهلها في حماية أنفسهم من ويل "الدعم السريع". وتجد "قحت" من الناحية الثانية يأخذون على الجيش القوى العسكرية المختلفة التي انضمت إليه خلال المعركة مثل حركات دارفور المسلحة أو كتيبة البراء بن مالك أو ميليشيات "درع السودان" التي انقسمت على "الدعم السريع". فتجد ممن يحذر من نزاع سيقع طال الزمن أو قصر بينها، متى استقلت، وبين الجيش. فبين لا نزال في أمر ضيق مع "الدعم السريع" ليومنا يستبق مثل هؤلاء إلى يوم في غير توقيت ستكون هذه الميليشيات صداعاً جديداً للبلد. وليس هذا مستبعداً بالطبع، ولكنه قنطرة يستحسن أن ننتظر حتى نصلها لنعبرها. فقال أحدهم إن تمرد ميليشيات، وهي "الدعم السريع" ليومنا، لا يمكن محاربته بتكوين 20 من الميليشيات أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنما لسلطة القبيلة. وغابت عن تقدير الزول (الرجل) هنا مسألتان. الأولى أن "الدعم السريع" لم يعد "ميليشيات" في نظر "دولة الإنقاذ" منذ اعتماده جيشاً ثانياً بقانون برلماني لأغراض الرئيس البشير والذائع من قوله إنه صار "حمايتي". فالمأزق هنا ليس استعانة النظام بميليشيات، بل في توطينها قوة عسكرية في الدولة مما خرقت به "الإنقاذ" احتكار الجيش للسلاح الذي هو في تعريف الدولة الحديثة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) دور الميليشيات من جهة الأخرى ليس من حائل من دون أي جيش من توظيف قوى غير نظامية لأداء مهام بعينها ثم تنصرف. وقد لا تنصرف بالهين. واستنفر الجيش السوداني منذ الفترة الاستعمارية مثل هذه القوى وانفضت بعد اكتمال مهمتها. ففي يومنا تقاتل الميليشيات جنباً إلى جنب القوات المسلحة في موزمبيق والكونغو. فجيش موزمبيق يستعين بميليشيات الرينامو والناباراما (والأخيرة قوى فلاحية موتدة في ثقافتها التقليدية وتحارب بالأسلحة البيضاء) بل وجنود من منظمة دول جنوب أفريقيا معظمهم من رواندا. وتقاتل إلى جانب الجيش الكونغولي ضد الـ"أم 23" المدعومة برواندا "جبهة تحرير رواندا" وميليشيات وازلندو، وجنود من بروندي وجنوب أفريقيا ومرتزقة. فمن ضعف الرأي جعل مسألة الميليشيات حول الجيش أسبقية في يومنا لأنه ليس بوسعك، و"الدعم السريع" يأخذ بخناقك، أن تجعل من كل شيء أسبقية كما يقال. أما ما استحق جلسة "قحت" اللوامة مع النفس فهو مستقبل مشروعها التقدمي في الديمقراطية المنتظرة. فـ"قحت" جماعة قليلة براها النضال الطويل الفادح ضد الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت السودان لأكثر من نصف قرن منذ استقلاله عام 1956. وتقطعت بها السبل شيئاً فشيئاً مع المجتمع المدني الذي أحسنت قديماً قيادته في النقابات والاتحادات الشعبية. وتقطعت هذه السبل خصوصاً خلال فترة "الإنقاذ" التي لم تعسر على "قحت" مثل ذلك النشاط بين الجمهرة فحسب، بل اقتنع كادرها نفسه أيضاً باستحالته في ظل دولة للإخوان المسلمين أتقنت كحركة سياسية اجتماعية، إدارة مثل هذا النشاط. وكان خيار "قحت" إما أن تضرب في اللجوء في بلاد الدنيا أو المسارعة للعمل تحت مظلة حركة مسلحة. ولا أعرف مثل الدكتور الواثق كمير من أحسن تصوير اعتزال "قحت" الجمهرة بقوله إنها "غادرت النقابة للغابة". وكانت ثورة ديسمبر سانحة لتسترد عافيتها بين جماهيرها التي نهضت بمتانة وفدائية في لجان المقاومة خلال ثورة ديسمبر. غير أن "قحت" سرعان ما اعتزلت تلك اللجان وهي في الدولة. بل دقا بينهما عطر منشم. وهتف شباب المقاومة في وجهها "قحاطة (هي قحت على لسان خصومها) باعو الدم". أي إن قحت استنامت لحلفها مع العسكريين وطيبات الحكم وفرطت في دم الشهداء الذين مكنوا لها فيه. وخرجت من لجان المقاومة جماعة مثل "غاضبون" التي هي الآن طرف في الاستنفار مع الجيش. التخفيف عن الناس وكان بوسع "قحت" أن ترم بالحرب ما تقطع بينها والناس لو جعلت من "لا للحرب" جسراً لتخفيف أذى الحرب عليهم. فلم توظف دالتها على "الدعم السريع" في مثل إعلان أديس بينهما (يناير 2024) لوقف التصعيد في مثل ما يجري في يومنا في الفاشر والذي تتداعى له الدول لوقفه بلا طائل. وإن لم تبلغ "قحت" من هذا شئياً فلربما التمست من "الدعم السريع" باسم أسر الأسرى والمعتقلين الإحسان لمن بيدهم منهم بدلاً من أن خروجهم الأخير علينا رهين قبور جماعية وأشباحاً من الهزال. وكانت "قحت" بدأت بداية صحيحة حين التزم "حميدتي" لها في أديس أبابا بإطلاق سراح المئات من أسرى الجيش والمعتقلين. ولا يعرف أحد إن أوفى الرجل بما وعد. فالبلاغات عن المختفين عند الصليب الأحمر في يومنا بلغت فوق الـ6 آلاف. ولما لم تكن "قحت" موئلاً للمستنجد كحد أدنى صارت "لا للحرب" دعوة من فوق رأس البيوت اقتصرت على بناء جبهة واسعة تحتشد لإنهاء الحرب اللعينة. فناشدت "قحت" في بيان لها قبل أسابيع الناس بـ"استكمال جهود وقف الحرب عبر بناء أوسع جبهة مدنية ديمقراطية للقوى المؤمنة بأهداف ثورة ديسمبر". كما ناشد الحزب الشيوعي الناس في بيان أخير وقف الحرب المدمرة بـ"الاصطفاف في أوسع جبهة جماهيرية عريضة قاعدية للمطالبة بوقف الحرب اللعينة... واسترداد المسار الديمقراطي لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر". ومع تطابق "قحت" والشيوعي في المطلب وقع الحافر على الحافر إلا أنهما لم يوفقا بعد ومنذ سنتين في عقد ما بينهما في حلال وقف الحرب. لا بد أن هناك شئياً ما غير مستساغ في مملكة "لا للحرب". والخلوة إلى النفس أولى بـ"قحت" والجذري في هذا المنعطف الشقي من هذه الحرب.

سودارس
٠٦-٠٤-٢٠٢٥
- سودارس
إقتراحات بناءة لجماعة صمود
+ ورشة عن إصلاح الأحزاب والتحالفات السياسية بالتركيز علي قضايا الديمقراطية الداخلية والمؤسسية وسيطرة الأفراد والشلل ومصادر تمويل هذه الأحزاب ومصادر عيش قادتها المتفرغين. وضعف المناعة الوطنية والإستعداد الدائم للإستعانة بالأجنبي لجلب "الديمقراطية والمدنية". + ورشة عن رتق نسيج الأحزاب التي تعاني كلها من انشطارات أميبية إذ توجد ربما تسعة نسخ من الحزب الإتحادي (ما عارف كان ها يكون في كم نسخة لو ما كان إتحادي). وهناك علي الأقل ثلاثة نسخ من حزب الأمة – حزب الأمة الجنجويدي، وحزب الأمة المحترم وحزب الأمة بتاع مبارك الفاضل. كما أن هناك الحركات الشعبية (وهي فعلا حركات) جناح عرمان، وجناح أردول ، وجناح عسكوري، وجناح الحلو، وجناح سيلفا كير وجناح ريك مشار. وهذا غيض من فيض. أما عن القوميين العرب، فان الحديث عن غير الموجود في الواقع حرام. + ورشة عن العنف الجنسي غير المسبوق الذي مارسه الجنجويد ضد المرأة السودانية لستر عورة التباكي علي سكان الكانبي الذين لم يعانوا كسر ا مما عانته المراة السودانية. + نرحب باي إقتراحات أخري عن ورش ممكنة. نقطة هذا البوست أن التحيز لا يظهر فقط في الكلام وما إذا كان كاذبا أو مطابقا للحقيقة إذ أن أهم نقاط الإنحياز هي تحديد الأجندة بالسيطرة علي المواضيع المسموح بمناقشتها والتوريش حولها والمواضيع الممنوعة. المسكوت عنه أكثر فصاحة من المنطوق به. معتصم اقرع script type="text/javascript"="async" src=" defer data-deferred="1" إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة