
ملتقى القاهرة الأدبي... أدباء من العالم لتعزيز المبادرات الثقافية المستقلة
وتعقد دورة هذا العام تحت شعار "واقعية الخيال"، وتركّز على مناقشة الأسئلة المختلفة حول تبادلات تأثير الواقع المُعاش في هذه اللحظات التاريخية المعقّدة على الأدب وأهمية الذاكرة الثقافية ودور الكتاب في حفظها. ويشارك في الدورة أدباء وكتّاب من ألمانيا والجزائر والنمسا والسودان وتونس ومالطا وهولندا؛ إضافة إلى مشاركات مميزة مصرية.
وتحاول دورة هذا العام استعادة حوار الأدب مع أسئلة العصر وقضايا الواقع المعاصر، وتسلّط العديد من الجلسات الضوء على أعمال توثق التاريخ الثقافي للنساء المقاومات.
كما ينفتح ملتقى هذا العام على جمهور جديد من طلبة الجامعات والشباب بشكل خاص، إذ يولي اهتماماً خاصاً للشراكة مع المؤسسات التعليمية والدعاية في منصات التواصل الاجتماعي لجذب هذا القطاع من الجمهور.
ويؤكد انعقاد الملتقى على مدار دوراته المتتابعة أهمية دور العمل الثقافي الأهلي المستقل في إثراء المشهد الأدبي والثقافي العربي، عبر استضافة كُتّاب ومبدعين من مختلف أنحاء العالم، وتقديم برنامج حافل بالفعاليات الأدبية والنقاشات الفكرية.
العمل الثقافيّ الأهليّ ضرورة
اعتمدت الحركة الثقافية العربية منذ قرون على المبادرات الأهلية بشكل كبير، وانطلقت عبر جهود أفراد من خارج الإطار الرسمي، وحلت مصر في طليعة البلدان التي شهدت صعود نماذج ثقافية مستقلة لعبت دوراً في تشكيل الوعي ونشر المعرفة، خصوصاً أنه قبل ثورة تموز- يوليو 1952، لم يكن في مصر وزارة ثقافة أو جهاز ثقافي رسمي، واعتمدت الحياة الثقافية على المؤسسات الثقافية الأهلية، ولعلّ أبرز النماذج التي أسهمت في ذلك هي دور النشر المستقلة مثل "دار المعارف" التي أُسّست في القاهرة عام 1890، و"مكتبة الخانجي" عام 1885، و"دار الهلال" عام 1892، وعربياً برزت إسهامات "دار صادر" في بيروت التي أنشأها إبراهيم صادر عام 1863. كما ساهمت المجلات الأدبية المستقلّة في تشكيل المشهد الثقافي، مثل "مجلة أبولو" (1932) التي أسّسها أحمد زكي أبو شادي، ومجلة "الرسالة" التي رأس تحريرها أحمد حسن الزيات، ومجلة "الكاتب المصري" التي ترأّس تحريرها طه حسين، كما برزت الجمعيات الثقافية والصالونات الأدبية مثل صالون مي زيادة وصالون العقاد.
وفي هذا الصدد، أعرب الرئيس الشرفي للملتقى، الكاتب إبراهيم عبد المجيد عبر "النهار" عن دعمه الكبير للملتقى، معتبراً إيّاه "نتاجاً حقيقياً للعمل الأهلي"، الذي لطالما لعب دوراً محورياً في إثراء المشهد الثقافي المصري والعربي. وقال: "أتابع الملتقى منذ انطلاقته الأولى، وأحرص على المشاركة فيه بشكل دائم دعماً لجهود القائمين عليه".
وأضاف: "العمل الأهلي قدم إسهامات عظيمة للثقافة في مصر عبر التاريخ، فقبل ثورة تموز 1952 لم تكن هناك وزارة ثقافة، وانطلق كلّ النشاط الثقافي من مجلات وندوات ومؤتمرات عبر مبادرات أهلية، وثمّة مبادرات ثقافية أهلية تحمل الروح نفسها مثل جائزة ساويرس، وتنبع أهمية النشاط الأهلي الثقافي من مساهمته في إثراء الحياة الثقافية، وأتمنى ازدهاره والتوسع في نشاطاته".
من فعاليات الملتقى.
وأكّد عبد المجيد أهمية تنوع النشاطات، داعياً دور النشر والمؤسسات الثقافية إلى ابتكار مبادرات جديدة في مجالات متعدّدة مثل الشعر والمسرح والنقد الأدبي. كما توقّف عبد المجيد عند الطابع المكاني للملتقى قائلاً: "اختيارات الأماكن رائعة، خصوصا في منطقة المعز والحسين، فتلك الأماكن الأثرية تمنح الملتقى خصوصية وطابعا مختلفين".
امتداد لتاريخ طويل من المبادرات المستقلة
خلال السنوات التي تلت ثورة 2011، شهدت مصر انتعاشاً ملحوظاً في العمل الثقافي الأهلي والمبادرات الثقافية، لكنها تراجعت مع تراجع مصادر الدعم والتمويل، خصوصاً الأوروبيّ، ما ألقى بثقله على استمرارية بعض المشاريع.
وقال مدير ملتقى القاهرة الأدبي محمد البعلي لـ"النهار": "نرى أنفسنا امتداداً لحركة النشر العربي المستقل، والمجلات الأدبية المستقلة التي ظهرت عبر التاريخ مثل "أبولو" و"الرسالة" و"الكاتب"، رغم أنّ النشاط الفعلي للفعاليات الأدبية كان محدوداً في تلك الفترات"، مضيفاً: "يمثّل الملتقى نموذجاً واضحاً للعمل الثقافي الأهلي المستقل، الذي كان ولا يزال حجر الأساس في بناء الحركة الثقافية العربية منذ عقود".
وعن أبرز التحدّيات التي تواجه تنظيم الملتقى بوصفه عملاً مستقلاً، أوضح البعلي أن التحديات المالية هي الأصعب، فـ"تكلفة السفر والإقامة والدعاية والتسويق، كلّها تحتاج إلى موارد مالية كبيرة، وهذه التحديات نواجهها سنوياً، لكنّنا نتعامل معها بمرونة وابتكار"، كما أشار إلى وجود تحديات إدارية متكرّرة، خصوصاً في ما يتعلّق بحجز الأماكن والتعامل مع البيروقراطية أحياناً، وقال:"بعض الأعوام تمرّ بسلاسة، وأخرى قد تواجه بعض التعقيدات."
القاهرة مركز جذب أدبيّ
يستضيف الملتقى سنوياً أسماء أدبية مرموقة عربياً ودولياً، وشاركت في دورة هذا العام الكاتبة الألمانية جيني ايربينبيك، الفائزة بجائزة "البوكر" الدولية عام 2024. وأكد البعلي أنّ ذلك يعتمد على الثقل الثقافي للقاهرة، قائلاً:"حين ندعو كاتباً إلى حضور ملتقى في القاهرة، نلمس اهتماماً واضحاً، فالمدينة في حدّ ذاتها تملك جاذبية حضارية، ونحن كمؤسسة نتمتع بثقة دولية نتيجة عملنا الطويل مع كتّاب وناشرين ومؤسسات ثقافية حول العالم."
ملتقى القاهرة الأدبي.
واختتم البعلي حديثه بالإشارة إلى قيمة الأماكن التاريخية التي يحتضنها الملتقى، قائلاً: "اختيار قبّة الغوري وغيرها من المواقع في القاهرة التاريخية ليس عشوائياً، إذ تضيف هذه المواقع عمقاً ثقافياً وروحياً يتناغم مع رسالة الملتقى".
يذكر أن الدورة الأولى من الملتقى أقيمت عام 2015 تحت اسم "مهرجان القاهرة الأدبيّ"، وتواصلت فعالياته سنوياً حتى ألغيت دورة 2020 مع تفشّي وباء كورونا، وتعثّرت محاولات إقامته سنوات تالية عدّة حتى استأنف نشاطه العام الماضي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 5 أيام
- صدى البلد
بيومي فؤاد وسيد رجب يبدأون تصوير فيلم "شلة ثانوي"
يبدأ المخرج هشام الشافعي، تصوير أولى مشاهد فيلمه الجديد "شلة ثانوي" خلال الأيام المقبلة، بطولة النجوم بيومي فؤاد وسيد رجب، وفتحي عبدالوهاب. ويضم الفيلم كوكبة من الفنانين يجتمعون لأول مرة في عمل فني من تأليف، عبدالفتاح كمال. الفيلم الجديد من إنتاج صفوت غطاس ومحمد فوزي ، ويمثل عودة مهمة لهما إلى عالم السينما، بعد التركيز خلال السنوات الماضية في مجال الدراما. ويدور الفيلم في قالب اجتماعي كوميدي، حول ثلاثة أشخاص يواجه كل منهم أزمة في مجاله تشعره بالمهانة وانعدام الجدوى، يقدمون على إثبات قدراتهم من خلال عمل مدوي، مبهر، وغير قانوني، فيما تنتهز سمسارة فاتنة الفرصة وتحاول توجيه خطتهم لأغراض خبيثة، تنجح في إحداث الشقاق بينهم، لكن الصداقة تنتصر في النهاية. وكتب المؤلف عبدالفتاح العديد من الأعمال تنوعت بين الروائية والتسجيلية والسيت كوم، بينها: سيت كوم (٦ ميدان التحرير) إخراج كاملة أبو ذكرى وفيلم (سقراط ونبيلة) إخراج هشام الشافعى وفيلم (شلة ثانوي) والحاصل على جائزة أفضل سيناريو - فرع كبار الكتاب تحت أسم فيلم (المدير) بمسابقة ساويرس الثقافية. وأخرج المخرج هشام الشافعي، العديد من الأفلام، من بينها: فيلم (إحنا اتقابلنا قبل كدا) بطولة (آسر ياسين - نيللى كريم) وفيلم (سقراط ونبيلة) بطولة (أشرف عبد الباقى - أحمد فتحى - محمد فهيم) ومسلسل (شارع عبد العزيز) الجزء الثانى بطولة (عمرو سعد).


صدى البلد
٣٠-٠٦-٢٠٢٥
- صدى البلد
حفيد مأمون الشناوي يكشف أسرارا جديدة لأول مرة: الصحافة لم تكن البداية
كشف المستشار محمود الحفناوي، حفيد الشاعر مأمون الشناوي، أسرارا لأول مرة عن جده الراحل تزامنًا مع الذكرى الـ 31 لرحيله. قال حفيد الشاعر مأمون الشناوي في لقائه مع الإعلامي شريف نور الدين ببرنامج أنا وهو وهي، المذاع على قناة صدى البلد: «والده كان رئيس المحكمة العليا الشرعية، وكان رئيس المجلس الحسبي ونشأ في أسرة كبيرة تتكون من شقيقة واحدة عائشة والأشقاء الذكور المعتز، كامل، مأمون، عبدالرحيم، عبدالمجيد، عبدالفتاح، وأحمد». تحدث عن مفارقة طريفة تتعلق بعم الشاعر الراحل، قائلًا: «عمه كان شيخ الجامع الأزهر وقتها، الشيخ مأمون الشناوي، وكانوا زملاء الشيخ يقولون له حلوة أوي الأغنية اللي كتبتها دي يا شيخ، فيقولهم والله ده ابن أخويا هو اللي كتب الكلام ده اسمه محمد المأمون وأطلق على نفسه مأمون الشناوي». وأشار المستشار محمود الحفناوي إلى أن جده الشاعر الراحل مأمون الشناوي، أنجب 4 بنات و3 أبناء. وعن البداية الحقيقية لمشوار جده مأمون الشناوي، نفى الحفيد معلومة شائعة بأن بدايات الراحل كانت في الصحافة، مضيفًا: «البدايات كانت كتابة الشعر في مجلة أبولو، شعر اللغة العربية بالفصحى، إذا قرأت الـ12 قصيدة المنشورين في أبولو، فارق عن الشعراء في ذلك الوقت.. جديد ومختلف». واستكمل حفيد مأمون الشناوي: «بعدها أحب بنت الجيران وهي جدتي، وبدأ مع صديقه محمد صادق في الإذاعة الأهلية يوصل حبه لها بكلمات الأغاني، والصحافة جاءت فيما بعد». واختتم: «بعد عمله في الصحافة، أسس كلمة ونص مع الكاتب صلاح عبدالجيد، وباب جراح القلب كان للكاتب عبدالوهاب مطاوع والذي أوصى أن يكون مأمون خليفًا له، وأنا اللي كنت بتعب في أجولة الخطابات، وفي فتحها وأقرأ له أو يقرأها هو».


النهار
١٥-٠٦-٢٠٢٥
- النهار
الروائي إبراهيم عبد المجيد لـ"النهار": حزين على الإسكندرية، وانقلاب 1952 أوقف صعود مصر
مع بلوغه عامه الثمانين، يتذكر الكاتب والروائي إبراهيم عبد المجيد الكثير والكثير عن موطن ميلاده، وسحر الإسكندرية، مدينة "الكوزموبوليتان" التي كانت، وولى جمالها وفتنتها، على رغم حضورها التاريخي والمكاني، عاصمة أولى لمصر في العصر البطلمي. عبد المجيد الذي نال الكثير من الجوائز والتكريمات، آخرها جائزة النيل، وتحوّل الكثير من أعماله إلى دراما سينمائية وتلفزيونية، يتذكر هذه الأيام بداياته مع الكتابة منذ أكثر من ستة عقود، كان فيها مثالاً للجسارة والتفرّد في بناء عالمه، السردي/ الكتابي/ الجمالي، ما بين الإسكندرية والقاهرة والكثير من الرحلات إلى الغرب. كتب عبد المجيد أكثر من واحد وخمسين عملاً إبداعياً، ما بين القصة والرواية والمقال، والرؤى التفكيكية لنصوص شتى بالمئات. ترجمت أعماله إلى لغات عديدة، منها: الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والروسية والصينية والكردية. "النهار" حاورت صاحب "ثلاثية الإسكندرية"، و"العابرة"، و"بيت الياسمين" و"الصياد واليمام" و"المسافات" و"الصيف السابع والستين" وغيرها الكثير... * بعد اللقاء الكبير في مكتبة الإسكندرية عن الإسكندرية بين الأمس واليوم، كيف ترى هذا اللقاء وأنت على أعتاب عامك الثمانين؟ - أنا لا أفكّر في العمر، ولا أتذكّره حتى عند المرض. أنا أتركه للّه دائماً. أدهشني حضور جميع المشاركين وهم من جامعات مصرية وعربية وأجنبية، من أميركا إلى أوروبا إلى الصين وغيرها، فضلاً عن كثافة الحاضرين من القراء. أدركت ما تنسيني أحياناً الأيام، وهو أن ما كتبته عن المدينة لا يضيع. كانت سعادتي عظيمة بالحضور والنقاش الذي امتدّ معي بعد الندوة في اليومين التاليين في الفندق أو أثناء العشاء في المطعم، الذي يحمل اسم "جنب البحر" أو " سي سايد" المجاور لمطعم النادي اليوناني، الذي يطلّ على الميناء الشرقي، وهو ما بقي مفتوحاً للبشر لتطلّ منه على البحر الذي أخفته الكباري والمطاعم والأسوار على طول الشاطئ. تأكّد لي في اللقاء أن الحنين إلى المدينة يظلّ أملاً ولا يضيع، وبه تعيش الأرواح الحزينة على المدينة الضائعة. * وكيف ترى صدى الرحلة والمشوار، بعد احترافك الكتابة على مدار ستة عقود؟ - هذا ليس من عملي. أنا متعتي كانت وما زالت في الكتابة وبها أعيش. الأمر متروك للنقاد والقراء. أرى كثيراً من الكتب عن أعمالي آخرها الكتاب الرائع "سرديات ما وراء الكتابة" للدكتور أيمن تعيلب، وهو قراءة لكتابي "ما وراء الكتابة تجربتي في الإبداع" الذي أصدره في سلسلة الدراسات النقدية في دائرة الشارقة الثقافية. ومعه في معرض كتاب القاهرة في كانون الثاني/يناير الماضي صدر أيضاً كتاب للدكتور محمد ماهر بسيوني "المكان في الرواية العربية"، عن دار الحكمة في القاهرة، وأيضاً عن أعمالي كتب كثيرة ورسائل دكتوراه. أحب أن أضع أي كتاب جديد منها في جواري على السرير عند النوم لأيام استمدّ منه الأمل وأكتفي بذلك. أنا أعرف أن الزمن لن يتوقف عند أحد، وأن الكتّاب ملء السمع والبصر؛ لذلك تبقى متعة الكتابة هي الرافد الجميل للحياة، وبها تأتي الكتابة الجميلة التي تجذب القراء والنقاد لتؤكد ذلك. ينهكني المرض وهو يرهق جسدي لأنه يؤخر جلستي للكتابة. * ما بين الإسكندرية والقاهرة، كيف ومتى وأين تسكن حواس الكاتب إبراهيم عبد المجيد؟ - حواسي تسكن في فضاء الوطن. كتبت وما زلت عن القاهرة بعد أن صارت سراباً كما الإسكندرية. صارت حلماً ضائعاً. ما رأيته فيها منذ استقراري فيها في منتصف السبعينيات ضاع أو تغير. حواسي مع الأحلام الضائعة التي جعلتني أعيش الحياة الضائعة كحقيقة ومن هنا يأتي الفن. فالخيال مهما استمدّ مفرداته من الواقع إذا نظرت بدقة ترى أن الواقع فيه خيال مضى في أفق الفضاء. * وماذا يتبقّى من إسكندريتك، في العيش وذكريات الطفولة والصبا؟ هل بالفعل أنت في حالة خصام وحزن مع ما آلت إليه الأحوال في مدينة المولد؟ - طبعا أنا في حالة حزن. مدينة كنت تمشي على أرضها فتشعر أن تحت قدميك تاريخاً للعالم، لا تستطيع أن تمشي بينها الآن وسط الزحام الذي يجعلك لا تشعر بما حولك، ولا بما تحت قدميك من تاريخ، فضلاً عن تغير العادات بعد الهجمة المتشددة التي جاءت منذ حكم السادات فضاعت سينما المدينة ومسارحها وملاهيها وغير ذلك، فضلاً عن الفساد الذي شوه شمالها وجنوبها وشرقها وغربها وجعلها عشوائيات في البناء. لكن أجمل هدية من الله هي الكتابة التي تجعلك تقيم المدينة من جديد وتعيش بينها. * تتحدث كثيراً عن علاقتك بالزعيم جمال عبد الناصر، واستحضرت سيرته كثيراً في أغلب أعمالك، فكيف ترى الباقي من سيرة ناصر، بخاصة ونحن نحيا في هذا الواقع المؤلم الذي نسفت فيه معاني الاستقلال والعدل والمساواة؟ - لم يعد باقياً من عبد الناصر للأسف إلا فكرة الزعيم الأوحد، فلا بقاء لأفكار معارضة أو مخالفة للحكم والحكام. الفكرة التي جعلته يعتقل المئات من المفكرين والفنانين. وعندما فتح السادات باب الديموقراطية سرعان ما عاد إلى إغلاقه، وقال "الديموقراطية لها أنياب" وفتح سجونه أيضاً. هو الذي أطلق على نفسه تسمية الرئيس المؤمن فاختصر السلطة فيه بطريقة أخرى، وفتح الباب لبيع كل إنجازات عبد الناصر في التعليم والصحة والصناعة والزراعة وكل شيء . فكرة الزعيم الأوحد هي آفة أمتنا، بل آفة كل النظم الجمهورية التي جاءت بانقلابات على النظم الملكية منذ انقلاب حسني الزعيم فى سوريا عام 1949. غلاف رواية 'العابرة'. * كيف ترى مستقبل الفكر والآداب والفنون في عصر الحروب بالإنابة وعبر الهوية والمعتقد والجغرافيا؟ - مهما حدث في العالم فستظل الفنون والآداب هي حارسته ولن تنتهي أبداً. هذه غريزة أودعها الله في البشر منذ بنوا المعابد ورسموا الآلهة القديمة وكتبوا القصص عن العدل والحب وغير ذلك. الفنون والآداب عابرة للحدود دائماً وهي وطن من ضاع وطنه. * هل تفسر لنا، ماهية الخلود ومعناه، وتحديداً في ما يخص فعاليات وجدوى الكتابة والفنون؟ - كما قلت لك الخلود يحدده الزمن والقراء أو المشاهدون. لا يُعنى به عقلياً الكاتب أو الفنان، لكنه روحياً موصول به، فهو يشعر أنه يتجاوز بما يفعله ما استقرّت عليه الأشكال الأدبية والفنية، وأنه موصول بالإلهام، ويترك على ذلك لمسته ونبض روحه. * عن ماهية الخلاص ومعناه ، هل ينتهى حلم الكاتب/ المفكر/ الفنان بالخلاص، مع الانتهاء من كتابة نصه أم أن هناك معنى آخر للخلاص يخص رؤيتك للعالم ودور الفنون في هذا الإطار؟ - الخلاص معنى لا ينتهي. ووفق ما قال غابرييل غارسيا ماركيز يوماً إن هناك عشرات الروايات يتمنى أن يكتبها لكن العمر لا يسمح. المهم أن يؤمن الكاتب بأنه ليس وحده في هذا العالم، وبأن الأجيال تتابع، فلا يدخل في معارك تافهة؛ فالخلاص الوحيد هو الجنة أو المدينة الفاضلة وهذه من صنع الله سبحانه وتعالى. أما الفنون فمثال واحد مثل المسلات المصرية التي ترتفع محدبة إلى السماء تشير إلى رحلة الصعود إلى يوم الحساب، ومثلها الأهرام تظل مثالاً عابراً للزمان. * بعدما اختار أحد الكتاب روايتك "بيت الياسمين" لتقديمها سينمائياً، ماذا يمثل لك هذا الخبر؟ وهل ما زلت تتذكر وقائع الإقدام على كتابة هذه الرواية؟ - الكاتب هو السيناريست عماد يوسف النشار الذي يعيش في الجنوب بعيداً عن القاهرة. أسعدني جداً اختياره ومتابعته لأعمالي وأعمال غيري، ونشرت الخبر راجياً أن يهتم به من احتكروا صناعة الأفلام والمسلسلات. أتمنى أن يحدث ذلك، ولا يستمر الأمر مع هذه الرواية العجيبة كما هو. هي رواية عن شخص أسميته شجرة محمد علي، أُوكِلت إليه قيادة العمال في شركة في الإسكندرية للقاء الرئيس السادات في الشارع. عشت ذلك ورأيته. في الطريق قال لهم "هل لو لم نذهب سيعرفون والأوامر صادرة لكل الشركات؟ خذوا نصف المبلع المقرر لكل منكم واذهبوا حيث تريدون". وجد معه مبلغاً كبيراً وقتها مما اقتطعه منهم. أمضى يوماً جميلاً في المطاعم، وفكّر هل يمكن أن يفعل ذلك دائماً. صار لعشر سنوات هي أيام حكم السادات يفعل ذلك، وترتفع مكافأة العمال فيرتفع ما اقتطعه منها حتى اشترى شقة في منطقة الدخيلة، التي يعيش فيها وتزوج. للأسف، يحدث معي ما فعله شجرة. بعتها للسينما ثلاث مرات منذ صدورها عام 1986، وحصلت على مكافأتي عن التنازل عنها من ثلاث شركات ولم يتم إنتاجها. أتذكّر ذلك دائماً وأضحك، وإن كنت أتمنى أن ينجح السيناريست الموهوب عماد يوسف النشار في بيعها، بخاصة أنه غيّر تاريخها ومكانها وجعلها قبل تموز/يوليو 1952 لتمرّ. وبالمناسبة، هو وغيره قاموا بمعالجات فنية لأكثر من رواية لي لكن للأسف الاحتكار في الإنتاج له رأي آخر. * عن علاقتك بالمشهد السياسي/ المعيشي وتناوله في أغلب مقالاتك المنشورة في مصر وعربياً، كيف ترى مستقبل العيش/ والحريات؟ وهل هناك ثمة روشتة للعلاج والخروج من هذه الأزمة؟ - الحرية والعدل والمساواة أمل البشرية منذ بداية التاريخ وتكوّن المجتمعات. الروشتة أو العلاج الوحيد هو حياة ديموقراطية، مع العلم بأن الديموقراطيه هي درجات في سلم طويل. المهم هو أن نعود إلى صعود السلم الذي بدأت مصر صعوده بعد ثورة 1919، وأوقفه انقلاب تموز 1952. كنا نمشي في طريق الليبرالية رغم أي ظواهر غير مُرضية. هل تعرف مثلاً أن الملك فاروق كان تقربياً قد فقد كل مميزات الملك قبل 1952. كانت الأحزاب وعلى رأسها حزب "الوفد" هي التي تقود البلاد. توقفت طريق الليبرالية فصرنا إلى ما نحن فيه. أكتب المقالات نهاراً لأرتاح وأجعل الليل للرواية، فالفن بالنسبة إليّ روح أكثر منه عقلاً. هكذا أعيش.