logo
الدولار الأميركي في قلب الحرب الاقتصادية الداخلية

الدولار الأميركي في قلب الحرب الاقتصادية الداخلية

الدستور٠٦-٠٤-٢٠٢٥
تعيش الولايات المتحدة الأميركية حالة فريدة من التباين في الرؤى الاقتصادية بين رئاسة الدولة ومؤسسة الاحتياطي الفيدرالي، تباينٌ بلغ من الحدة ما يكفي لتوصيفه بصراع داخلي على توجيه دفة الاقتصاد الأميركي، ولا سيما في ما يتعلق بإدارة السياسة النقدية ومستقبل الدولار الأميركي. وعلى الرغم من أن القانون الفيدرالي الذي تأسس عام 1913 منح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الاستقلالية التامة في رسم وتنفيذ السياسة النقدية، فإن التدخلات المتكررة والتصريحات العلنية للرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، تشير إلى سعي واضح للتأثير في مسار تلك السياسات بما يخدم رؤيته الاقتصادية.ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض وهو أكثر إصرارًا على ترك بصمته الاقتصادية، يرى في أسعار الفائدة المرتفعة عائقًا أمام النمو وفرصة ضائعة لتحفيز الاقتصاد الأميركي. من هذا المنطلق، يطالب الفيدرالي بخفض حاد في أسعار الفائدة بهدف تنشيط الاقتراض وتعزيز الاستهلاك والاستثمار، معتبراً أن الدولار القوي يضر بالصادرات الأميركية ويضعف قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية. ومن خلال هذا الطرح، يحاول الرئيس الأميركي توجيه السياسة النقدية نحو مسار يخدم أولوياته، خاصة في ما يتعلق بتقليص العجز التجاري ودفع معدلات النمو إلى مستويات أعلى.في المقابل، يقف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في موقع الدفاع عن استقلالية البنك المركزي، مستندًا إلى المعايير الفنية والأدوات الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق التوازن والاستقرار بعيدًا عن التوجهات السياسية الآنية. فهو يصرّ على أن مهمة الفيدرالي لا تقتصر على تحفيز النمو، بل تمتد إلى حماية الاقتصاد من التضخم، وضمان استقرار الأسعار، والحفاظ على الثقة في النظام النقدي.هذا الخلاف في الرؤية بين المؤسستين فتح الباب واسعًا أمام حالة من الغموض في الأسواق، وخلق موجة من الترقب لدى المستثمرين والمستهلكين على حد سواء، حيث بات الدولار الأميركي يتأرجح بين ضغوط السياسة المالية ورصانة السياسة النقدية. ففي حين يحاول ترامب التأثير على سعر صرف الدولار من خلال الضغط السياسي والتصريحات الإعلامية، ملوحًا بالتدخل المباشر في أسواق العملات، يواصل الفيدرالي الدفاع عن حياده المؤسسي، محذرًا من التسييس المفرط للسياسات الاقتصادية.لقد لجأت الإدارة الأميركية إلى سلسلة من الإجراءات التي تعكس نيتها في دفع الدولار نحو مستويات أقل، بدءًا من الضغوط العلنية على الفيدرالي، ومرورًا باعتماد سياسات مالية توسعية تقوم على خفض الضرائب وزيادة الإنفاق، وانتهاءً بتبنّي خطاب اقتصادي ينتقد قوة الدولار باعتبارها «مبالغًا فيها» و»مضرة بالاقتصاد». وفي مشهد نادر، بدا أن الإدارة الأميركية لا تستبعد استخدام أدوات التدخل في سوق الصرف، وهو ما يُعد تحوّلًا جذريًا في العقيدة الاقتصادية الأميركية التي لطالما آمنت بحرية السوق وعدم التدخل في تحديد سعر العملة.في ظل هذا التباين، ينقسم المراقبون بين مؤيد لنهج ترامب الذي يعطي الأولوية للنمو الاقتصادي قصير الأمد، ومؤيد لسياسة باول القائمة على الاستقرار طويل الأجل. فبينما قد يؤدي خفض الدولار إلى تعزيز الصادرات وتخفيض العجز التجاري، إلا أن ذلك قد يقود أيضًا إلى زيادة معدلات التضخم، ورفع كلفة الواردات، وتقليص جاذبية الدولار كعملة احتياطية دولية. كما أن الإفراط في تسييس السياسة النقدية قد يضر بمصداقية المؤسسات الاقتصادية الأميركية، ويزعزع ثقة المستثمرين العالميين في استدامة الاقتصاد الأميركي.المشهد إذًا أكثر تعقيدًا من مجرد تباين في وجهات النظر. إنه صراع بين نموذجين: أحدهما يسعى إلى تسريع وتيرة النمو بأي ثمن، حتى وإن تطلب ذلك تجاوز الأعراف الاقتصادية الراسخة، وآخر يتمسك باستقلالية المؤسسات ومهنية القرار الاقتصادي، حتى وإن جاء ذلك على حساب التأثيرات الآنية. وفي قلب هذا الصراع، يقف الدولار الأميركي كأداة وكضحية محتملة، بين مطرقة السياسة وسندان الاقتصاد.ومن هنا، فإن الحفاظ على استقرار الدولار لا يتحقق إلا عبر التوازن الدقيق بين السياسة النقدية المستقلة والسياسة المالية المنضبطة، بما يضمن النمو دون التضحية بثقة العالم في الاقتصاد الأميركي. فالرهان الحقيقي ليس فقط على اتجاه سعر الصرف، بل على قدرة المؤسسات الأميركية على الصمود أمام العواصف السياسية، والاستمرار في أداء دورها كضامن للثقة والاستقرار في النظام الاقتصادي العالمي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كوريا الشمالية: على ترمب تقبّل "الواقع النووي الجديد"
كوريا الشمالية: على ترمب تقبّل "الواقع النووي الجديد"

الغد

timeمنذ ساعة واحدة

  • الغد

كوريا الشمالية: على ترمب تقبّل "الواقع النووي الجديد"

قالت كوريا الشمالية يوم الثلاثاء إن على الولايات المتحدة تقبّل التغيرات الحاصلة منذ لقاءات القمة السابقة بين البلدين، مؤكدة أن أي حوار مستقبلي لن يؤدي إلى إنهاء برنامجها النووي، وذلك حسبما أفادت به وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية (KCNA). اضافة اعلان لكنها شددت في بيان نشرته الوكالة على أن "الاعتماد على العلاقة الشخصية كوسيلة لإيقاف برنامج كوريا الشمالية النووي سيكون مثار سخرية فقط". وأضافت: "إذا فشلت الولايات المتحدة في تقبّل الواقع المتغيّر وأصرّت على النهج الفاشل السابق، فستبقى لقاءات كوريا الشمالية والولايات المتحدة مجرد أمل من طرف واشنطن"، في إشارة إلى الاسم الرسمي لكوريا الشمالية، "جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية". وأكدت كيم أن القدرات النووية لكوريا الشمالية والبيئة الجيوسياسية قد تغيرت بشكل جذري منذ اللقاءات الثلاثة التي جمعت بين كيم وترمب خلال ولاية الأخير الرئاسية. وشددت على أن "أي محاولة لإنكار موقع جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية كدولة نووية سيتم رفضها بالكامل". وفي تأكيد على العلاقات المتنامية بين كوريا الشمالية وروسيا، أفادت وكالة الأنباء الرسمية الكورية بأن أول رحلة ركاب مباشرة بين بيونغ يانغ وموسكو منذ عقود وصلت إلى العاصمة الكورية الشمالية يوم الإثنين. وأوضحت الوكالة أن الرحلة استُؤنفت "في ظل تزايد الاتصالات والزيارات المتعددة الأوجه اليومية بين كوريا الشمالية وروسيا". وكانت كوريا الشمالية قد قدمت جنودًا وأسلحة لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، وهي خطوة لاقت انتقادات من الولايات المتحدة وحلفائها، الذين اتهموا موسكو بالمقابل بتقديم مساعدات تكنولوجية لبيونغ يانغ. موقف البيت الأبيض وفي تعليق على التصريحات الكورية الشمالية، قال مسؤول في البيت الأبيض إن الرئيس ترمب لا يزال متمسكًا بالهدف الذي سعى لتحقيقه من خلال القمم الثلاث التي جمعته بكيم، والمتمثل في نزع السلاح النووي بشكل كامل من شبه الجزيرة الكورية. وقال المسؤول لرويترز: "الرئيس لا يزال منفتحًا على التواصل مع الزعيم كيم لتحقيق هدف نزع السلاح النووي بالكامل". يُذكر أن أول قمة جمعت بين ترمب وكيم كانت في سنغافورة عام 2018، وانتهت باتفاق مبدئي لنزع السلاح النووي. أما القمة الثانية في هانوي عام 2019، فقد انهارت بسبب خلاف حول رفع العقوبات الدولية المفروضة على بيونغ يانغ. وفي وقت لاحق، قال ترمب إنه "يتمتع بعلاقة جيدة" مع كيم، وأكد البيت الأبيض أن الرئيس منفتح على فكرة التواصل مجددًا مع الزعيم الكوري الشمالي المنعزل، نقلا عن رويترز.

مصدر دبلوماسي: فرنسا ستلقي "في الأيام المقبلة" مساعدات فوق غزة
مصدر دبلوماسي: فرنسا ستلقي "في الأيام المقبلة" مساعدات فوق غزة

الرأي

timeمنذ 2 ساعات

  • الرأي

مصدر دبلوماسي: فرنسا ستلقي "في الأيام المقبلة" مساعدات فوق غزة

ستقوم فرنسا "في الأيام المقبلة" بعمليات إلقاء مساعدات من الجو فوق غزة "لتلبية الاحتياجات الأساسية والملحة للسكان المدنيين"، وفق ما أفاد مصدر دبلوماسي وكالة فرانس برس الثلاثاء. وأكد المصدر "ستُتخذ أقصى الاحتياطات لضمان سلامة السكان خلال هذه العمليات". وأوضح المصدر "أن هذه العمليات لا تهدف الى أن تكون بديلا عن زيادة ملحوظة في حجم المساعدات والتي تتطلب من إسرائيل فتح المعابر البرية من دون تأخير. وفرنسا تعمل أيضا على عمليات إيصال (مساعدات) برا، وهو السبيل الأكثر نجاعة على الإطلاق لاتاحة إيصال المساعدات الإنسانية بكميات وفيرة ومن دون عوائق، والتي يحتاجها السكان بشدة". يرزح قطاع غزة البالغ عدد سكانه نحو 2,4 مليون نسمة، تحت وطأة حصار محكم تفرضه إسرائيل منذ اندلاع الحرب بين الدولة العبرية وحماس إثر هجوم غير مسبوق شنّته الحركة على الأراضي الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. وأعلن "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" IPC، المرصد الرئيسي للأمن الغذائي في العالم الذي وضعته الأمم المتحدة، الثلاثاء أن "أسوأ سيناريو مجاعة يحصل الآن" في قطاع غزة، وذلك بعدما حذّرت الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية في الأيام الأخيرة من خطر انتشار المجاعة. الأحد استؤنف إلقاء المساعدات من الجو في غزة فيما أعلنت إسرائيل "تعليقا تكتيكيا" يوميا محدودا لعملياتها العسكرية لأغراض إنسانية في بعض مناطق القطاع والاثنين، اعلن المستشار الالماني فريدريش ميرتس أن بلاده ستقيم مع الأردن "جسرا جويا للمساعدات الإنسانية" مع قطاع غزة، مشيرا إلى أن فرنسا والمملكة المتحدة مستعدتان للانضمام إلى هذه المبادرة. والإثنين قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لم يتطرّق إلى الآن بإسهاب إلى الكارثة الإنسانية في غزة، إن هناك مؤشرات إلى "مجاعة حقيقية" في قطاع غزة، معلنا أن واشنطن "ستُنشئ مراكز لتوزيع الطعام".

صفقة القرن الرقمية  ..  كيف تحولت 54 ألف دولار إلى 9.5 مليار
صفقة القرن الرقمية  ..  كيف تحولت 54 ألف دولار إلى 9.5 مليار

السوسنة

timeمنذ 3 ساعات

  • السوسنة

صفقة القرن الرقمية .. كيف تحولت 54 ألف دولار إلى 9.5 مليار

وكالات - السوسنة في خطوة أثارت الدهشة داخل أوساط المال والتقنية، حقق مستثمر غامض أرباحًا فلكية بعدما قام بسحب استثماراته في عملة "بيتكوين" هذا الأسبوع، محققًا ما يقارب 9.5 مليار دولار، بعد أن كان قد أنفق 54 ألف دولار فقط على شرائها في عام 2011.الصفقة، التي وُصفت بأنها واحدة من أكبر العوائد الفردية في تاريخ الأسواق المالية، تأتي وسط ملاحظة لعودة نشاط محافظ رقمية ظلت خاملة لأكثر من عقد، ويشير خبراء إلى أن هذه التحركات قد تعكس موجة جديدة من التحوّل في سوق العملات الرقمية.في السياق ذاته، كشفت تقارير مالية أن شركة "ترامب ميديا أند تكنولوجي غروب" "التابعة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب" قامت مؤخرًا بشراء ما يقارب 2 مليار دولار من عملة بيتكوين، في خطوة اعتُبرت توسعًا كبيرًا في استراتيجية "الخزائن الرقمية"، حيث يشكل هذا المبلغ ما يقارب ثلثي سيولة الشركة.ويأتي هذا الاستثمار الكبير بالتوازي مع توقيع ترامب على قانون جديد ينظم العملات الرقمية المستقرة، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها ضمن إدارة أميركية، وتؤكد توجهًا رسميًا نحو تبني الأصول الرقمية ضمن الاقتصاد الأميركي .

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store