
باريس تمسك بخيط النفوذ الأخير في الغابون.. «فرانسا فريك» طوق النجاة؟
تم تحديثه الجمعة 2025/4/18 07:30 م بتوقيت أبوظبي
بإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الغابون، طوى البلد الأفريقي صفحة آل بونغو التي امتدت لأكثر من نصف قرن، فاتحا ذراعيه أمام مرحلة انتقالية «مُعقدة» بقيادة الجنرال بريس أوليغي نغيما.
صفحة لم تكن فرنسا بعيدة عنها، بل كانت في العمق منها، لكن وفق علاقة جديدة بلا هيمنة، أو ما يعرف بـ«فرانسا فريك» المعدّلة، والتي تقوم على شراكة استراتيجية دون وصاية مباشرة، بحسب محللين فرنسيين، استطلعت «العين الإخبارية» آراءهم.
علاقة كانت بمثابة «الملاذ الأخير» لفرنسا الساعية لتثبيت معقل جيوسياسي في قارة تتغير معطياتها بسرعة، مما دفع باريس إلى الدفع بثقلها لدعم نغيما، عبر توليفة من الدعم العسكري المحدود والتنسيق السياسي الهادئ، لإنقاذ ما تبقى من حضورها، ومنح النظام الجديد غطاء دوليًا يحصنه من الانزلاق في فوضى ما بعد الانقلابات.
فهل تنجح باريس في مساعيها؟
يقول باتريس بوشيه، الباحث في «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية» (IRIS) لـ«العين الإخبارية»، إن «فرنسا لم تجد بديلاً صلباً حتى الآن في إفريقيا الوسطى سوى الغابون».
وأوضح بوشيه، أنه «مع تمسك نغيما بالعلاقات التاريخية، تسعى باريس إلى توظيف هذا التقارب كنموذج لعلاقة جديدة بلا هيمنة، لكنها ذات مصالح استراتيجية مشتركة، خصوصاً في ظل الانسحاب التدريجي من بلدان الساحل».
واعتبر أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الغابون لم تكن مجرد اقتراع عادي، بل مثلت لحظة فاصلة طُويت معها صفحة آل بونغو التي امتدت لأكثر من نصف قرن، وفتحت الباب أمام مرحلة انتقالية معقدة بقيادة الجنرال بريس أوليغي نغيما.
وعلى عكس علاقات فرنسا المهتزة مع دول الساحل، تبدو العلاقة مع الغابون أكثر رسوخاً. ففي مايو/أيار 2024، زار نغيما باريس بشكل رسمي، بعد أقل من عام على انقلابه، ثم دُعي مجدداً في أغسطس/آب الماضي للمشاركة في إحياء ذكرى إنزال بروفانس، ما يعكس دفئاً غير مألوف في علاقات باريس مع قائد انتقالي.
دفء كان لفرنسا بمثابة فرصة نادرة لـ«إعادة صياغة فرانسافريك في قالب جديد: التعاون العسكري المحدود، والدعم المؤسسي، مقابل النفوذ الجيوسياسي»، بحسب فرانك بورجيه، المحلل السياسي بمركز "IFRI" للشؤون الأفريقية.
وأوضح بورجيه، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أنه بدلاً من إغلاق القاعدة العسكرية الفرنسية في ليبرفيل، تم تقليص عديد القوات إلى نحو 200 جندي، يركزون على تدريب قوات الدفاع الغابونية، في مسعى من باريس إلى «تغيير الوظيفة لا الموقع، وإبقاء موطئ القدم الذي قد يصبح حجر الزاوية في سياستها الأفريقية الجديدة».
حكم التحدي والفرصة
في الأيام المقبلة، يؤدي أوليغي نغيما اليمين الدستورية، مستحضراً لحظة 2009 حين أطلق علي بونغو خطة «الغابون الطموحة 2025». لكن مصير تلك الخطة معروف. الآن، ومع اقتصاد منهك ومديونية مرتفعة، يقف نغيما أمام معادلة معقدة: الوفاء بوعود البناء، وإثبات أنه ليس مجرد اسم آخر في سجل الانقلابات الأفريقية.
وبحسب مراقبين، فإن السنوات السبع المقبلة ستكون حاسمة، فـ«إما أن يدخل نغيما التاريخ كمن أعاد صياغة الجمهورية الغابونية، أو ينتهي كحلقة جديدة في سلسلة الانقلابات التي شهدتها القارة خلال العقد الأخير».
واستفاد أوليغي نغيما، الذي خدم طويلاً تحت لواء عائلة بونغو، من تحول سياسي قدم فيه نفسه كرجل جديد يحمل مشروع بناء وطني. وعلى الرغم من انتقادات المعارضة بشأن «حملة انتخابية غير متكافئة»، وتوظيفه موارد الدولة لمصلحته، إلا أن حجم المشاركة (نحو 87%) والنصر الكاسح يعكسان التقاء شعبياً نادراً.
ومع إعلان نتائج هذه الانتخابات، طويت حقبة بدأت في 1967 مع عمر بونغو، وتواصلت مع نجله علي حتى رحيله عن السلطة عام 2023. لكن التحديات الموروثة لا تزال قائمة: اقتصاد يعتمد على نخبة ضيقة، بنية تحتية مهترئة، إدارة متضخمة، وانقسامات إثنية عميقة.
تحديات طرحت تساؤلات حول مدى نجاح نغيما في سبرها، وما إذا كان بمقدوره إرساء مؤسسات قوية وإصلاح الدولة والاقتصاد و«إعادة بناء الذهنيات»، على حد تعبيره.
aXA6IDgyLjI3LjIzOC43OSA=
جزيرة ام اند امز
SK

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 2 أيام
- العين الإخبارية
من «الانكفاء» لـ«الحوار».. «تحالف الساحل» يختبر استقلاله في مواجهة «إيكواس»
تم تحديثه الثلاثاء 2025/5/27 11:13 ص بتوقيت أبوظبي بعد أشهر من التصعيد والقطيعة، سجّل المشهد الإقليمي في غرب أفريقيا تحولا لافتا مع انعقاد أول لقاء مباشر بين تحالف دول الساحل ومفوضية الإيكواس، منذ أزمة الانسحاب. اللقاء الذي جرى في العاصمة المالية باماكو، بدا ظاهريا كمصافحة دبلوماسية، لكنه في العمق كشف عن معادلة جديدة في هندسة العلاقات داخل غرب أفريقيا. وفي الاجتماع الذي انعقد يوم الخميس في باماكو، عقد وزراء خارجية دول تحالف الساحل (AES) لقاءً مباشراً مع رئيس مفوضية الإيكواس، في إطار مشاورات أولية تمهّد لانطلاق مفاوضات رسمية بين الطرفين. وقد ناقش الجانبان جملة من القضايا ذات الاهتمام المشترك، من بينها التعاون الأمني، الجوانب السياسية والدبلوماسية، والمسائل القانونية والتنموية، في ظل انسحاب دول تحالف الساحل من الإيكواس مطلع هذا العام. وأسفر الاجتماع عن اعتماد محضر مشترك يتضمّن خلاصات النقاشات وتوصيات لإطلاق المفاوضات المستقبلية، مع تأكيد الطرفين على أهمية الحفاظ على مكتسبات التكامل الإقليمي، وعلى رأسها حرية تنقل الأشخاص والبضائع. كما عبّر الجانبان عن قلقهما المشترك إزاء تدهور الوضع الأمني، واتفقا على ضرورة تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب. واعتبر محللون سياسيون في أحاديث منفصلة مع "العين الإخبارية"، أن الاجتماع لم يكن مناسبة للتراجع عن الانسحاب بقدر ما كان محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين الطرفين. فوزراء خارجية الدول الثلاث قدموا تقريرا إلى رئيس التحالف يوضح نتائج اللقاء مع مفوضية الإيكواس، وهو ما يعكس نشوء هيكل تفاوضي من داخل التحالف، للتعامل مع الهيئة الإقليمية كطرف نِدّي، لا كمنظمة أم. الانكفاء ومسارات بديلة ورغم تأكيد الجانبين على التعاون العاجل لمكافحة الإرهاب، فإن الاجتماع ارتكز على ركيزتين واضحتين: استكمال ترتيبات الانسحاب، والنظر في صيغة مستقبلية جديدة للتعاون. صيغة لا تعيد الدول المنسحبة إلى بيت الطاعة الإقليمي، بل تحافظ على تماسكها كتحالف مستقل. وهو ما أشار إليه الخبير السياسي الفرنسي أوليفييه ديسبوا، من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية IRIS، في حديث مع "العين الإخبارية". ويرى ديسبوا أن "الإيكواس باتت اليوم كيانا متصدعا، غير قادر على التكيف مع التغيرات السياسية المتسارعة في المنطقة، خصوصا في ظل الموجة الانقلابية التي طالت مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث فضّلت هذه الدول الانكفاء على ذاتها وتشكيل مسارات بديلة بدلًا من الرضوخ لضغوط العقوبات والتدخلات". وأضاف "عندما تتحول المنظومة الإقليمية إلى أداة عقابية تُستخدم بإملاءات خارجية، فإنها تفقد مشروعيتها لدى الشعوب والنخب السياسية، وهو ما حصل تحديدا في ملف النيجر بعد الانقلاب الأخير" بديل فعّال أم هروب للأمام؟ وبالنسبة للباحثة الفرنسية لورانس مونييه من مركز مؤسسة البحث الاستراتيجي، فإن "تحالف دول الساحل (AES) لا يزال في مراحله الأولى". مستدركة "إلا أن التحالف يعكس طموحا واضحا لطرح نموذج بديل يتميز بقدر أكبر من المرونة والاستقلالية في مواجهة الإرهاب، من خلال الاعتماد على الجيوش الوطنية بدلا من القوات الأجنبية أو بعثات حفظ السلام التي أثبتت محدودية فعاليتها على الأرض". بيْد أن الرهان هنا يبقى- بحسب الباحثة الفرنسية- على "القدرة الذاتية، والرسالة التي يريد التحالف إيصالها وهي: نستطيع حماية أنفسنا دون وصاية، لكن ذلك يبقى مشروطا بإصلاح داخلي عميق وتنسيق فعّال بين الدول الثلاث، وهذا ليس مضمونا في ظل الهشاشة الأمنية والضغوط الاقتصادية". اختبار الاستقلال ومخاطر الانعزال التحالف الجديد يروّج لاستراتيجية قائمة على السيادة الكاملة في القرار الأمني والعسكري، مع خطوات فعلية في طرد بعض القوات الأجنبية، ومراجعة الاتفاقيات مع شركات خارجية، كما حصل مؤخرًا في قطاع النفط بالنيجر. وهنا، تساءلت الباحثة السياسية الفرنسية:" هل تملك هذه الدول الإمكانيات البشرية والمادية اللازمة لقيادة المرحلة القادمة؟. واتفق الخبيران مونييه و ديسبوا، على أن هذا النموذج يمكن أن يشكّل حالة "مختبرية" لمفهوم الاستقلال الاستراتيجي في أفريقيا، لكنه أيضا يحمل في طياته مخاطر الانعزال وضعف التنسيق مع الفاعلين الدوليين. نهاية النفوذ الإقليمي؟ ورأت مونييه أن الانفصال التدريجي عن الإيكواس، والانفتاح المحتمل على حلفاء جدد مثل روسيا أو تركيا، يُظهر أن تحالف الساحل يعيد رسم خارطة التحالفات في غرب أفريقيا، ويضع الإيكواس أمام اختبار وجودي حقيقي. في المقابل، قال أوليفييه ديسبوا: "نحن أمام تحول عميق، قد لا يكون كاملاً بعد، لكنه بالتأكيد يؤذن بنهاية مرحلة وبداية أخرى، عنوانها الأبرز: منظومات بديلة تقودها دول الجنوب، لأجل الجنوب، وبمعزل عن الشمال". نفوذ متآكل وخلال السنوات الأخيرة، يقول مراقبون إن الإيكواس "بدت عاجزة عن تقديم حلول فعّالة أمام تعقيدات الأوضاع في دول الساحل"، خصوصا بعد الانقلابات العسكرية المتكررة في مالي (2020 و2021)، بوركينا فاسو (2022)، والنيجر (2023 وأثار تمسك الإيكواس بفرض العقوبات والتلويح بالتدخل العسكري حفيظة أنظمة ما بعد الانقلابات، التي رأت في هذه السياسات انحيازا للأنظمة السابقة ومساسا بالسيادة الوطنية. وهو ما تطرق له الخبير الأفريقي الفرنسي ديدييه بيرتون، من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية IRIS، في حديث لـ"العين الإخبارية". وقال بيرتون إن "الإيكواس فقدت بشكل ملحوظ قدرتها على الوساطة، وتحولت إلى أداة ضغط إقليمي تعكس مصالح قوى خارجية أكثر مما تعبّر عن إرادة شعوب المنطقة". تحديات وطموحات ورأى بيرتون أنه من هذا السياق، انبثق تحالف الساحل الأفريقي الجديد كنواة جديدة تتبنى مقاربة مغايرة في مكافحة الإرهاب، ترتكز على الجيوش الوطنية لا على التدخلات الأجنبية أو بعثات الأمم المتحدة، التي فشلت في الحد من تمدد الجماعات المتطرفة. مضيفا «السؤال ليس فقط عن السيادة، بل عن القدرة. هذه الدول أظهرت إرادة سياسية، لكن غياب الموارد والتنسيق يجعل من الصعب تحقيق أمن شامل دون دعم خارجي أو بديل استراتيجي». واعتبر أن «الفرصة الوحيدة لبقاء التحالف حيويا تكمن في بناء تحالفات بديلة مع قوى مثل روسيا أو الصين، وهو ما بدأت بعض العواصم تجربته فعلا" ورغم ما تحمله تجربة ائتلاف الساحل الأفريقي الجديد من طموحات، إلا أن نجاحها سيظل مرهونا بقدرة الدول الأعضاء على تنسيق الجهود بشكل فعلي، وتجاوز الصعوبات الاقتصادية، وتعزيز ثقة الشعوب المحلية. كما يبقى اختبار الميدان، لا سيما في مواجهة الجماعات المتطرفة، هو المعيار الحقيقي لمدى فاعلية هذا التكتل. بحسب الخبير نفسه. aXA6IDgyLjIyLjIwOC4xOTAg جزيرة ام اند امز FR


العين الإخبارية
منذ 2 أيام
- العين الإخبارية
النيجر تتحدى الشركات العملاقة.. إنهاء عقود عمال النفط الأجانب
في خطوة حاسمة تعكس تصعيدًا في نبرة الخطاب، أمرت السلطات الانتقالية في النيجر بإنهاء عقود جميع العمال الأجانب في قطاع النفط الذين تجاوزت مدة إقامتهم في البلاد 4 سنوات. من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الفرنسي جان-لوك ديبروان، الباحث في مركز IFRI الفرنسي للدراسات الدولية لـ"العين الإخبارية" إن "قرار السلطات الانتقالية في النيجر بإنهاء عقود جميع العمال الأجانب في قطاع النفط الذين تجاوزت مدة إقامتهم في البلاد أربع سنوات، ليس مجرد إجراء إداري، بل تحول استراتيجي في طريقة تعامل الدول الأفريقية مع الشركات الأجنبية، في قطاع الموارد المعدنية والنفطية". وأشار إلى أن النيجر تسعى لاستعادة السيطرة على قطاع النفط من خلال تقليص الاعتماد على الكفاءات الأجنبية التي طال أمد إقامتها، وفي الوقت نفسه تحفيز الاقتصاد المحلي عبر إدماج الكوادر الوطنية في مواقع القرار والإنتاج. ورأى ديبروان أنه على الرغم أن هذه القرارات قد تخلق توترات دبلوماسية وتجارية، إلا أنها تعكس توجهًا إقليميًا يتسارع في منطقة الساحل، حيث تسعى الدول إلى تقليص الهيمنة الخارجية على ثرواتها الطبيعية، وتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية الاقتصادية. وقد بدأت تداعيات القرار بالظهور، حيث طُلب من عدد من العمال الصينيين في قطاع النفط مغادرة الأراضي النيجيرية، على خلفية "انتهاكات لقوانين العمل الوطنية"، بحسب ما نقلته منصة Actu Niger الناطقة بالفرنسية. وجاء القرار عبر رسالة رسمية بتاريخ الأربعاء الماضي، وجّهها وزير النفط النيجري إلى المدير العام للشركة الصينية، يطالب فيها بالإنهاء الفوري لجميع العقود المعنية. الموعد النهائي للمغادرة هو 31 مايو/أيار الجاري، وهو ما يشير إلى عزم السلطات الانتقالية على فرض احترام صارم للقوانين الوطنية المرتبطة بتنظيم العمالة الأجنبية، خاصة في قطاع الموارد الطبيعية الاستراتيجي. وأبرز الوزير في مراسلته ما اعتبره «ازدراءً» للتشريعات المحلية، لا سيما المرسوم رقم 2024-34 الصادر في 2 أغسطس/آب 2024، المتعلق بالمحتوى المحلي في القطاع الاستخراجي، وكذلك القانون رقم 2012-45 المؤرخ في 25 سبتمبر/أيلول 2012، المتعلق بقانون العمل في البلاد. وتنص هذه النصوص بوضوح على ضرورة تحديد مدة المهام الممنوحة للوافدين الأجانب، وتعزيز توظيف الكوادر الوطنية وتطوير مهاراتهم. وتهدف هذه الخطوة أيضًا إلى الإسراع في عملية نقل الكفاءات والمعرفة إلى الأيدي العاملة المحلية، في سياق ما تعتبره النيجر "استعادة للسيادة الاقتصادية" على مواردها الطبيعية. aXA6IDgyLjI1LjI0OS4yMzUg جزيرة ام اند امز FI


العين الإخبارية
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- العين الإخبارية
انفتاح ماكرون على سوريا.. إعادة تموضع في مشهد معقد أم رسالة للداخل؟
تم تحديثه الخميس 2025/5/8 06:10 م بتوقيت أبوظبي بلغة محايدة، حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، صياغة سياسة جديدة لبلاده «تعكس تحولاً محسوبًا تجاه الأزمة السورية وتسعى لإعادة تموضع باريس في المشهد الإقليمي المعقّد». هكذا رأى خبراء سياسيون فرنسيون متخصصون في الشأن السوري، تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع، والتي قالوا إنها محاولة من ماكرون، للخروج من ثنائية «النظام مقابل المعارضة»، واعتماد نهج أكثر «احتواءً»، يكون السوريون في القلب منه، بصرف النظر عن انتماءاته السياسية أو الطائفية. وكان ماكرون شدد خلال لقائه الرئيس السوري، على ضرورة «حماية جميع السوريين، بكافة اتجاهاتهم وانتماءاتهم السياسية والدينية»، في عبارة حملت في طياتها رسائل متعددة الأبعاد، سياسية وأخلاقية في آنٍ معًا، لاسيما في توقيتها وسياقها. وفيما أكد ضرورة «ملاحقة ومحاكمة مرتكبي» أعمال العنف ضدّ الدروز في مايو/أيار الجاري، و«مرتكبي المجازر» بحق العلويين في مارس/آذار الماضي، رد الشرع قائلا إن «سلامة المواطنين السوريين هي أولويتنا القصوى، وقد أكدنا ذلك للرئيس ماكرون اليوم». رسالة مزدوجة ويقول الخبير الفرنسي في السياسات الشرق أوسطية جان كريستوف نوفال، والباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية IRIS في حديث لـ«العين الإخبارية»: إن ماكرون «بهذه العبارة يوجه رسالة مزدوجة: داخليًا، بالالتزام بخطاب حقوق الإنسان الشامل، دون تمييز بين الطوائف أو الفصائل. وخارجيًا، بإرسال بإشارة إلى الحكومة الانتقالية السورية وأنصارها من تركيا، مفادها أن فرنسا لم تعد ترى الصراع السوري بصيغة أبيض وأسود». نوفال، أضاف: «العبارة تحمل أيضًا تلميحًا إلى القلق الفرنسي من استمرار التهميش الذي يتعرض له بعض مكونات الشعب السوري، سواء من أنصار النظام السوري السابق، او الحالي أو الأكراد»، مشيراً إلى أن ماكرون يحاول أن يتموضع كراعٍ محايد لحل شامل، لا كطرف منحاز». وتابع: «رسالة ماكرون هي اعتماد نهج أكثر احتواءً، يضع المواطن السوري في قلب الاهتمام، بصرف النظر عن انتماءاته السياسية أو الطائفية». فيما يرى فريدريك بيشون، الباحث المتخصص في الشأن السوري، أن لقاء ماكرون مع الشرع «يعكس تحولًا في السياسة الفرنسية تجاه سوريا»، مشيرًا إلى أن الرئيس الفرنسي سعى من خلال هذا اللقاء إلى «لعب دور الوسيط في إعادة إعمار سوريا، خاصة في ظل تراجع الدور الأمريكي بالمنطقة». ويعتبر بيشون في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن فرنسا التي تحاول استغلال الفراغ الدبلوماسي لتعزيز نفوذها، اتخذت خطوة نحو الانفتاح الدبلوماسي، لكن ذلك قد يكون على حساب مبادئها وقيمها. ويرى الباحث المتخصص في الشأن السوري، أن «هذا اللقاء قد يكون خطوة نحو إعادة بناء العلاقات مع سوريا»، محذرا «من تجاهل ماضي الشرع المرتبط بجماعات متطرفة، مما قد يثير تساؤلات حول مصداقية فرنسا في مكافحة الإرهاب». هل يمكن أن توازن فرنسا؟ وتابع: «يبقى السؤال المطروح: هل يمكن لفرنسا أن توازن بين مصالحها الاستراتيجية ومبادئها الأخلاقية في تعاملها مع الملف السوري؟». إلا أن المؤرخ والمتخصص في الشرق الأوسط جان بيير فيليو رأى في حديث لـ«العين الإخبارية» أن «هذا اللقاء سيرتد سلبًا على صورة باريس»، مضيفًا: «ماكرون يغامر بشرعيته السياسية داخليًا، ويضعف الموقف الأخلاقي لفرنسا خارجيًا»، على حد قوله. aXA6IDgyLjI2LjIxMC45MSA= جزيرة ام اند امز FR