انهيار اقتصاد الظل ومصير شبكة اقتصاد المخابرات السورية
بعد أكثر من خمسة عقود من حكم أمني قمعي غلَّف الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا، انهار نظام الأسد وخلف وراءه تركةً ثقيلة للإدارة الجديدة؛ في بلد منهار تماماً يرزح 90 في المئة منه تحت خط الفقر. وبينما تتوجه الأنظار نحو بناء نظام سياسي واقتصادي جديد يساعد على إرساء قواعد لديمقراطية محلية في عهد الحكومة الجديدة، يغفل كثيرون عن تحدٍ لا يقل خطورة وتعقيداً عن التحديات الأمنية والعسكرية في البلاد وهو انهيار اقتصاد الأجهزة الأمنية الذي تغلغل في أعماق الاقتصاد السوري لعقود، والذي كان قد طوّر مجموعة شبكات لاقتصاد الظل.
شبكة مافيوية متجذّرة
لم تكن الأجهزة الأمنية السورية أدوات قمع سياسي وأمني فحسب، بل تحوّلت منذ السبعينيات إلى مراكز قوى اقتصادية مافيوية، تحت إمرة إدارات المخابرات السورية؛ وبالنتيجة نشأت شبكات مصالح اقتصادية عابرة للقطاعات والحدود، اعتمدت على القوة الأمنية والابتزاز لفرض سيطرتها على الموارد الوطنية والأسواق. بعد 2011، بدأ التغول الأمني لتشكيل امبراطورية اقتصادية للمسؤولين الأمنيين من خلال الحواجز العسكرية التي قطعت اوصال المدن وفرضت إتاوات على السيارات والمصالح التي تنتقل بين مدينة إلى أخرى، وأرهقت اقتصادها لا سيما القطاع الزراعي والصناعي في المنطقة الجنوبية من دمشق ومناطق حلب والمدينة الصناعية في حمص.
تباينت هذه الإتاوات بحسب البضائع المنقولة، وفُرضت وصاية أمنية على العديد من المصانع المحلية إما من خلال إجبار أصحاب المصالح على تنفيذ شراكات مع المسؤولين بحجة الحماية والدعم وإيجاد مخارج لقرارات حكومة نظام الأسد حينها؛ أو من خلال فرض حصة شهرية من الأرباح لصالح ما يسمى "الترفيق الأمني" عبر توفير سيارات حماية أمنية وعناصر مسلحين ترافق البضائع وتعبر الحواجز على "الخط العسكري" من خلال تفتيش شكلي؛ حيث استغل المسؤولون الفوضى الأمنية في البلاد لفرض مبالغ باهظة على رجال الأعمال، مقابل السماح لهم بالعمل أو حماية مصالحهم من الابتزاز والمصادرة. بالإضافة إلى مبادرات الترفيق الأمني، نشأت شبكات التهريب الداخلية والعابرة للحدود حيث كان هناك سيطرة شبه مطلقة على طرق تهريب المخدرات، كالحشيش والكبتاغون، والأسلحة، والسلع الأساسية عبر الحدود مع لبنان، والعراق، والأردن، حيث تشير تقديرات 2022 إلى أن صادرات الكبتاغون السورية بلغت نحو 5.7 مليار دولار سنوياً من وإلى لبنان والعراق والخليج العربي لصالح قوات الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق الرئيس المخلوع.
وعلى غرار الحماية الأمنية، تغولت المخابرات في سوق العقارات السوري، الذي شهد فورةَ في الأسعار نتيجة النزوح الإجباري من مناطق تركز عليها القصف والتدمير الوحشي، ووجود مستثمرين أجانب ابرزهم الإيرانيون و الروس لا سيما في الساحل ودمشق. كان التحكم بسوق العقارات عبر واجهات تجارية وسماسرة محسوبين على الأجهزة الأمنية، واستحوذ المسؤولون على عقارات حيوية في دمشق، واللاذقية وطرطوس، وحمص إما بالضغط الأمني او التهديد باعتقال ملاكها الأصليين أو حتى الاستيلاء عنوة وتحويل ملكياتها لمستثمرين أجانب مقابل الحصول على أموال أو امتيازات في الخارج. لزيادة التحكم في سوق العقارات، رافق هذا السلوك إجراء أمني هو الحصول على "موافقة أمنية" في حال أرد أي من المواطنين بيع أو نقل أو استئجار أي عقار (تجاري أو منزلي)، لمعرفة وضع المالك الأمني و يتم الإجراء بناء عليه. في حال كان صاحب العقار مطلوباً للأفرع الأمنية، لا يُسمح بالاستفادة من العقار، ويتجرأ مسؤولون أمنيون على العقار بحجة أنه لمعارضين أو سكان هاجروا بسبب وضعهم الأمني.
سمحت السطوة الأمنية لأجهزة المخابرات السورية بالتغول في مساحات التجارة الداخلية، وأملى المسؤولون الأمنيون في كل قطاع تجاري شروطهم على حركة السلع والأسعار عبر احتكار تراخيص الاستيراد والتوزيع، وإجبار التجار على التعاون مع الدوريات الأمنية التي يسيرها قادة القطاعات، وتوظيف مجموعة مندوبين أمنيين إلى الأسواق الكبرى كسوق الهال وسوق الحمراء والصالحية في دمشق، وأسواق الفرقان والموكامبو وسيف الدولة في حلب وغيرها ؛ تقوم بدور الجباية لصالح قادات القطاعات. استباحت الأجهزة الأمنية هذه الأسواق لدرجة انها أصبحت قادرة على التلاعب بالقطاع المصرفي والسوق السوداء عبر شركات وهمية ورجال واجهة لنهب العملة الصعبة والتحكم بأسعار الصرف، فأصبح لدينا سعر وهمي وسعر السوق المركزي وسعر السوق السوداء، و يختلف السعر من محافظة إلى أخرى. هذا الاقتصاد "الموازي" لم يكن ثانوياً أو هامشياً؛ بل مثّل رافعة تمويل أساسية للنظام، وقاعدة ولاء لشبكة من الضباط ورجال الأعمال المرتبطين بالأجهزة الأمنية.
سقوط النظام وانهيار اقتصاد الأجهزة
مع تفكك أجهزة النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024، انهارت تباعاً المنظومة التي كانت تحمي هذه الشبكات الاقتصادية. فقد فقدت تلك الشبكات الحماية القانونية والسياسية التي كانت تعفيها من المحاسبة والملاحقة؛ وشبكات الولاء الشخصي التي بُنيت على علاقات مع الأسد ودائرته الضيقة؛ وفقدت سيطرة الأجهزة على المنافذ الحدودية التي كانت تُدرّ مئات الملايين من تجارة السلاح والبشر والمخدرات.
نظرياً، الانهيار حميد وموفق لصالح الشعب المنهك اقتصادياً، لكن عملياً، يطرح هذا الانهيار مخاطر جدية على الاقتصاد والمجتمع السوري في الرحلة الانتقالية على أقل تقدير. كان نتيجة هذا الانهيار والاستخفاف بقوانين الإدارة الجديدة التي لم تُبدِ حزماً في تنفيذ عدالة انتقالية واضحة؛ نشوء شبكات جريمة منظمة مستقلة (أو ممولة)، تتكون من فلول نظام الأسد، قد تتحول إلى مجموعة أمراء حرب محليين يُعيدون تنظيم شبكات التهريب والجريمة و يتحكمون بمنافذ البلاد بشكل أو بآخر يعيد تعطيل الاقتصاد الرسمي في ظل استمرار الاقتصاد الموازي الذي يقوّض جهود بناء بيئة اقتصادية شرعية وشفافة. غياب هذه العدالة من جهة وعودة عناصر موالية لنظام الأسد كانت قد تبخرت ليلة السقوط مع عتادها في ظروف غامضة، يقود إلى تهديد الأمن الاجتماعي على اعتبار أن عشرات الآلاف ممن كانوا منتفعين من اقتصاد الأجهزة قد يجدون أنفسهم بلا مصادر دخل، الأمر الذي ينذر باضطرابات وحالات تمرد.
توجهات الإدارة الجديدة
القصة ليست اقتصاداً غير رسمي بسيط أو تجارة تهريب عابرة، بل شبكة اقتصاد أجهزة أمنية معقدة تمتد منذ عقود، تداخلت فيها المصالح الأمنية مع المال والسياسة، وتحولت أجهزة المخابرات إلى أدوات للسيطرة على الموارد، واحتكار الاقتصاد والأعمال. التعامل مع هذا الإرث لن يكون سهلاً، وهناك على الأقل ثلاث طرق يمكن التفكير بحالة سوريا المنهكة والمضطربة اقتصادياً؛ أولها عبر التفكيك القانوني الكامل، أي محاسبة الكبار ممن استفادوا ونهبوا، عبر هيئة عدالة انتقالية مستقلة تحاكم هؤلاء وتصادر أموالهم، بتعاون دولي لكشف الأرصدة والعقارات خارج سوريا؛ وثانيها الاستيعاب التدريجي، بمعنى أن تفاوض الدولة الجديدة مع العناصر الأقل نفوذاً ممن انخرطوا في اقتصاد الأجهزة، وتعرض عليهم تسوية أو عفواً محدوداً مقابل اندماجهم في الاقتصاد الرسمي وتخليهم عن الأنشطة غير المشروعة. هذا خيار عملي، وقد يجنّب البلاد صدامات عنيفة لكنه مخاطره تكمن في أن بعض الفساد سيُشرعن بشكل جديد، وقد يصعب لاحقاً ضبط هؤلاء بالكامل.
أما ثالثها، فهو هو بناء اقتصاد بديل مغرٍ، عبر إيجاد فرص أفضل داخل الاقتصاد من خلال إصلاح القوانين، وتشجيع المشاريع الصغيرة، ودعم القطاعات الإنتاجية، وإعادة ضبط النظام المصرفي، بحيث يشعر السوريون أن العمل في الاقتصاد الرسمي أكثر أماناً وربحية من العودة لاقتصاد الظل. يحتاج هذا الحل تمويلاً ودعماً دولياً (وهذا ظاهر في الدعم الذي قدمته دولة قطر للحكومة السورية من خلال تقديم منحة مالية قيمتها 87 مليون دولار، موزعة على ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، أي بمعدل 29 مليون دولار شهرياً)، وبالتالي إن نجح هذا المسار فسيقلّص تلقائياً نفوذ الاقتصاد غير المشروع لصالح اقتصاد متكامل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صيدا أون لاين
منذ 33 دقائق
- صيدا أون لاين
سدّدوا قروضهم بالليرة... فهل سيدفعونها مرة ثانية؟
أثار الحديث عن تأييد حاكم مصرف لبنان كريم سعيد فكرة إصدار قانون لإلزام مَن سدّد قرضاً بغير قيمته الحقيقية بدفع القيمة الحقيقية له بلبلةً كبيرة، بعدما كانت تعاميم سابقة وقوانين في مجلس النواب أجازت للمقترضين القيام بهذا الأمر. وكان عدد كبير من المقترضين استفاد بعد الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية، لتسديد قروض سيارات أو منازل وسواها، على سعر صرف 1500 ليرة. ففي 26 آب 2020، أصدر مصرف لبنان تعميماً سمح فيه للمقترضين من المصارف بالدولار ولا يملكون حسابات مصرفية بالدولار، أن يسددوا قروضهم بالليرة اللبنانية على سعر دولار 1500 ليرة، شرط ألا تزيد قيمة القرض على 800 ألف دولار. فهل هذا الاقتراح قابل للتطبيق؟ تستغرب الخبيرة الاقتصادية والمالية د. ليال منصور، عبر موقع mtv، هذا الطرح، معتبرة أنه "شعبوي ومضيعة للوقت، وهو قانونياً صعب التحقيق، ومن المستغرب اقتراحه. لأن دفع القروض في ذلك الحين لم يُبنَ على باطل كي نقرّ قانوناً جديداً مع مفعول رجعي، ولم يحصل بالتهديد أو بالقوة أو بالغش والتزوير، إنما بموجب وثيقة رسمية عند كاتب العدل أو لدى المصرف بموافقة الجميع ووفق سعر صرف رسمي. ولم تكن الدولة آنذاك معترفة بسعر السوق، بدليل أنّ سياسة الدعم كانت وفق سعر ١٥٠٠ ليرة كما رواتب الموظفين". وتشير منصور إلى أن "هذا الطرح يمكن أن يُطبّق على المقترضين بالدولار، الذين قاموا بالتسديد بالليرة ولديهم ودائع بالدولار. ولكن تبقى هناك ثغرات قانونية لجهة العدالة، حيث هناك مقترضون آخرون بالدولار، سدّدوا بالليرة ولم تكن لديهم ودائع. ولكن لا يمكن تعميم هذه القاعدة على الجميع وبمفعول رجعي، خصوصاً أنّ المقترضين قد استحصلوا على براءة ذمة مقابل تسديد قرض شخصي أو سيارة أو بيت أو سواه". وتعتبر منصور ان التقصير كان في تلك الفترة من المصرف المركزي، وهو يتحمّل هذا التقصير لا الأشخاص، وإلا كان عليه حينها توحيد سعر الصرف او اعتماد الدولرة الشاملة. أعاد هذا الاقتراح إلى الواجهة الطروحات السابقة بضرورة فرض ضريبة الأرباح غير المتوقّعة، بهدف إعادة توزيع الأرباح الفائضة في قطاع معين لجمع الأموال لصالح منفعة اجتماعية عامة. وهذه الضريبة يدفعها الذين سددوا ديونهم بمبالغ أدنى من قيمتها الفعلية أي جنوا أرباحاً غير متوقعة... فماذا يقول القانون؟ توضح منصور أنه "في كل أزمة إقتصادية هناك أشخاص يستفيدون وآخرون يتضرّرون. وعالمياً في هذه الحالة، يتم وضع ضريبة على الأشخاص الذين استفادوا أكثر، ولفترة مؤقتة، كما حصل بعد الحرب الاسرائيلية الأخيرة حيث تم إعفاء المتضرّرين من ضريبة السكن وضرائب أخرى، وهذا من أجل العدالة. ولكن ليس تحميل الأشخاص تبعات أمر حصل في الماضي، في حين أن التقصير والمسؤولية تقع على المصرف المركزي". وتضيف "معيب على القانوني الذي اقترح هذه الخطوة، والذهاب الى تشريعه خطأ كبير". وتشدد منصور على أن "قانون النقود يختلف عن قانون السلع العينية. فقانون العملات لا يلزم الدائن بالدولار ردّ دينه بالدولار، خلافاً للسلع العينية، لأن لغتنا الوطنية الرسمية القانونية هي الليرة اللبنانية. واليوم شعر مصرف لبنان بالخطأ لجهة تعدّد سعر الصرف وعدم اعتماد الدولرة الشاملة او توحيد سعر الصرف او حتى تحريره".


صوت لبنان
منذ 37 دقائق
- صوت لبنان
ورقة التوت الفلسطينية تسقط عن 'الحزب' منتصف حزيران
جاء في 'نداء الوطن': أتى الإعلان أمس عن بدء عملية تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان بدءاً من منتصف الشهر المقبل، إيذاناً بسقوط الخطوط الحمراء التي وضعها نظام الأسد على هذا السلاح قبل 40 عاماً. وتبعه على هذا الطريق، بعد رحيل الأخير عن لبنان عام 2005 الأمين العام السابق لـ 'حزب الله' حسن نصرالله قبل ربع قرن. وفتح هذا التطور التاريخي مساراً يتصل بسلاح 'الحزب' نفسه الذي سيواجه مصير السلاح الفلسطيني أيضاً تطبيقاً لاتفاق الطائف. وتوقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس عند هذه التطورات في كلمة وجهها إلى 'مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان' ATFL خلال عشاء أقامته في واشنطن، قال: 'يتعيّن على رئيس الحكومة نواف سلام، والحكومة، وعلي شخصياً، أن نبذل جهوداً كبيرة في الأشهر المقبلة، لإيصال لبناننا الحبيب إلى بر أكثر أماناً وازدهاراً وسيادة …من أجل لبنان حر، مستقل، تكون للدولة فيه وحدها حصرية السلاح'. جدول جمع السلاح الفلسطيني أكدت مصادر حكومية لـ 'نداء الوطن' أن الجيش اللبناني والأمن العام سيبدآن جمع السلاح من المخيمات الفلسطينية وفقاً لجدول زمني اتفق عليه في خلال الاجتماع الأول للجنة اللبنانية – الفلسطينية المشتركة، بحسب التواريخ الآتية: 16 حزيران في مخيمات العاصمة بيروت الثلاثة: برج البراجنة وشاتيلا ومار الياس، في 1 تموز مخيمات البقاع والشمال، وبعدها مخيمات الجنوب، وتحديداً تلك الواقعة في جنوب الليطاني أي الرشيدية والبرج الشمالي والبصّ. وبحسب المصادر ستكون المهمة الأصعب في مخيم 'عين الحلوة'، الذي يمكن تقسيم الفصائل فيه إلى ثلاثة أجزاء: الأول 'منظمة التحرير الفلسطينية'، الثاني 'حماس' و'الجهاد' والثالث 'الإسلاميون المتطرفون'. وتشير المصادر الحكومية إلى أنّ لجنة العمل الفلسطيني المشترك، التي تضمّ فصائل منضوية تحت لواء 'منظمة التحرير' وأخرى غير منضوية تحتها مثل 'حماس' و'الجهاد' وغيرهما، ستبلّغ الفصائل، خلال اليومين المقبلين، بمضمون اتفاق نزع السلاح بين الجانبين الفلسطيني واللبناني وبمواعيد البدء بتنفيذ الخطة، وفي حال عدم التجاوب ستطال الجهة المعرقلة سلسلة من الإجراءات، تشمل إلغاء تأشيرات الدخول إلى لبنان ومطالبتها بمغادرة الأراضي اللبنانية مع تشديد الحواجز الأمنية وتقييد حركتها. حاضنة سنية لنزع السلاح وأكدت مصادر نيابية سنية لـ 'نداء الوطن' أن جميع القيادات السنية سواء السياسية أو الدينية ترحّب بما صدر عن القمة التي جمعت عون وعباس. وأوضحت أن لبنان لم يعد يتحمّل أي خضة أمنية، والموقف السني العام يأتي في إطار الموقف الوطني الذي يؤكد حصر السلاح بيد الشرعية. وعن ملف سلاح 'حماس'، شدّدت المصادر على عدم الفصل بين سلاح غير شرعي وسلاح آخر، موضحةً أن أغلبية سنّة لبنان يعتبرون أن 'حماس' تعمل بما تمليه عليها مصالح إيران وحساباتها، لذلك لم تأخذ العطف الذي كان لدى حركة 'فتح' سابقاً، ولذلك يجب نزع سلاحها قبل غيرها لأنها تهدّد الأمن اللبناني، والسنة مع قرار بناء الدولة، وهذا ما يعلن عنه نوابهم ومرجعياتهم السياسية وعلى رأسها رئاسة الحكومة وكذلك دار الفتوى. الدور المقبل تسليم سلاح 'حزب الله' ولا يجادل اثنان في أن السلاح الميليشاوي يلقى مصير مشروع إيران الخارجي الذي 'يلفظ أنفاسه' حالياً وفق توصيف أوساط دبلوماسية عربية في بيروت لـ 'نداء الوطن'. وتضيف هذه الأوساط: 'بالنسبة إلى سلاح 'الحزب'، فهو مرتبط باتفاق وقف إطلاق النار. وتمضي العملية المتصلة بهذا السلاح بإشراف جنرال أميركي مقيم في بيروت مع فريق يضم عشرات الخبراء الأميركيين كي تبسط السلطة اللبنانية سلطتها على كل لبنان'. ولفتت إلى 'أن الخطوة الفلسطينية التي ستبصر النور منتصف حزيران القادم دافع أقوى للتخلص من سلاح 'الحزب' وفي ذلك تطبيق لاتفاق الطائف بنزع سلاح كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية'. وأشارت إلى 'التطور الكبير' الذي أكده أمس مصدران فلسطينيان لوكالة 'فرانس برس' وفيه أن قادة فصائل فلسطينية، غادروا سوريا، بعد 'تضييق' من السلطات ومصادرة ممتلكاتهم. وبحسب الأوساط الدبلوماسية التي تحدثت إليها 'نداء الوطن' فإن سوريا 'لا يمكن أن تكون من الآن فصاعداً موطئ قدم لأي جماعة تعهد الشرع بمواجهتها خلال اللقاء الأخير الذي جمعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض. وخلصت هذه الأوساط إلى القول: 'أتت الجولة الخامسة من الحوار بين واشنطن وطهران أمس في ظل قرار أميركي واضح صفر تخصيب لليورانيوم ولا خيارات لإيران على هذا المستوى. ويبحث الأميركيون لإيران عن بدائل ولكن ممنوع أن يكون عندها أي إمكانية للتخصيب. فالمشروع الإيراني بدأ يلفظ أنفاسه ولم تعد لديه أية خيارات والشرق الأوسط الذي كان الإيراني يضبط إيقاعه لم يعد كذلك لأن هوية المنطقة عادت عربية'. دفعة على الحساب لأورتاغوس ويستعد لبنان خلال أسبوعين لاستقبال الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس مجدداً وسط أجواء في واشنطن تعبر عن انتقاد أميركي لبطء الإجراءات في لبنان لتسليم سلاح 'حزب الله'. وتحضيراً لزيارة أورتاغوس، استقبل وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي أمس سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون، وتناول البحث آخر المستجدات في لبنان والمنطقة، والمساعي الجارية لوقف التصعيد الإسرائيلي المتواصل في جنوب لبنان، إضافة إلى مسألة التجديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب. وأفادت معلومات أن الجانب الأميركي تبلغ 'أن الخطوات السيادية في لبنان ولو كانت بطيئة تسير بشكل ثابت في الاتجاه الصحيح'. ولفتت إلى أنه 'بدأ الآن تنفيذ مرحلة ما بعد 'اتفاق القاهرة' الذي تم إلغاؤه عام 1987 ما يعني انتهاء استخدام لبنان كورقة فلسطينية والتي كانت سبب الحرب الأهلية 1975″. وأشارت إلى أن ما تم إعلانه أمس حول السلاح الفلسطيني بمثابة 'بادرة حسن نية' تلاقي مهمة أورتاغوس 'المستاءة من بطء خطوات الحكومة اللبنانية'. الانتخابات البلدية في الجنوب لا تبتعد هذه الأحداث ذات الطابع الأمني عن المشهد الداخلي الذي يكتمل في المرحلة الرابعة والأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية التي ستكون محطتها اليوم في محافظتي الجنوب والنبطية. وتمثل المعركة التي ستدور في جزين تعبيراً عن التغيير الكبير الذي يلف لبنان في العهد الجديد الذي يمضي قدماً لترسيخ سيادة الدولة التي افتقدها الوطن منذ نصف قرن. ولن تكون جزين خارج هذا التغيير الذي هبت رياحه في زحلة ومناطق واسعة في سائر المحافظات . وتقول أوساط نيابية لـ 'نداء الوطن' إن إنجاز هذه الانتخابات 'يسجل للعهد الذي التزم مساراً لا يتوقف بعد تكوين السلطة والتعيينات وإتمام الاستحقاقات الانتخابية خلافاً لكل المراحل التي كنا نشهدها من العام 2005 تجديداً وتمديداً. وأدار العهد الانتخابات على مسافة واحدة من كل الفرقاء وضبط الأمن كي تكون الانتخابات نزيهة'. أضافت: 'خلفية الفريق الآخر في انتخابات جزين هي أنه يريد أن يسجل انتصاراً في جزين على الرغم من أن رئاسة الاتحاد في القضاء ستكون لـ 'القوات اللبنانية'، لذا يحاولون اختراع مواجهة في جزين لتسجيل نقطة في مرمى 'القوات'. ويرى محور الممانعة الانتخابات البلدية مقدمة للانتخابات النيابية ويسعى إلى 'أن تبقى جزين في فلك الممانعة كي يبقى الجنوب خاضعاً للممانعة. لكن هناك استحالة أن يحقق 'التيار الوطني الحر' أي خرق في جزين من دون الرافعة الشيعية التي تريد أن تغيّر المشهد الذي شهدته زحلة'.


المركزية
منذ 43 دقائق
- المركزية
ورقة التوت الفلسطينية تسقط عن "حزب الله" منتصف حزيران
أتى الإعلان أمس عن بدء عملية تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان بدءاً من منتصف الشهر المقبل، إيذاناً بسقوط الخطوط الحمراء التي وضعها نظام الأسد على هذا السلاح قبل 40 عاماً. وتبعه على هذا الطريق، بعد رحيل الأخير عن لبنان عام 2005 الأمين العام السابق لـ "حزب الله" حسن نصرالله قبل ربع قرن. وفتح هذا التطور التاريخي مساراً يتصل بسلاح "الحزب" نفسه الذي سيواجه مصير السلاح الفلسطيني أيضاً تطبيقاً لاتفاق الطائف. وتوقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أمس عند هذه التطورات في كلمة وجهها إلى "مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان" ATFL خلال عشاء أقامته في واشنطن، قال: "يتعيّن على رئيس الحكومة نواف سلام، والحكومة، وعلي شخصياً، أن نبذل جهوداً كبيرة في الأشهر المقبلة، لإيصال لبناننا الحبيب إلى بر أكثر أماناً وازدهاراً وسيادة ...من أجل لبنان حر، مستقل، تكون للدولة فيه وحدها حصرية السلاح". جدول جمع السلاح الفلسطيني أكدت مصادر حكومية لـ "نداء الوطن" أن الجيش اللبناني والأمن العام سيبدآن جمع السلاح من المخيمات الفلسطينية وفقاً لجدول زمني اتفق عليه في خلال الاجتماع الأول للجنة اللبنانية – الفلسطينية المشتركة، بحسب التواريخ الآتية: 16 حزيران في مخيمات العاصمة بيروت الثلاثة: برج البراجنة وشاتيلا ومار الياس، في 1 تموز مخيمات البقاع والشمال، وبعدها مخيمات الجنوب، وتحديداً تلك الواقعة في جنوب الليطاني أي الرشيدية والبرج الشمالي والبصّ. وبحسب المصادر ستكون المهمة الأصعب في مخيم "عين الحلوة"، الذي يمكن تقسيم الفصائل فيه إلى ثلاثة أجزاء: الأول "منظمة التحرير الفلسطينية"، الثاني "حماس" و"الجهاد" والثالث "الإسلاميون المتطرفون". وتشير المصادر الحكومية إلى أنّ لجنة العمل الفلسطيني المشترك، التي تضمّ فصائل منضوية تحت لواء "منظمة التحرير" وأخرى غير منضوية تحتها مثل "حماس" و"الجهاد" وغيرهما، ستبلّغ الفصائل، خلال اليومين المقبلين، بمضمون اتفاق نزع السلاح بين الجانبين الفلسطيني واللبناني وبمواعيد البدء بتنفيذ الخطة، وفي حال عدم التجاوب ستطال الجهة المعرقلة سلسلة من الإجراءات، تشمل إلغاء تأشيرات الدخول إلى لبنان ومطالبتها بمغادرة الأراضي اللبنانية مع تشديد الحواجز الأمنية وتقييد حركتها. حاضنة سنية لنزع السلاح وأكدت مصادر نيابية سنية لـ "نداء الوطن" أن جميع القيادات السنية سواء السياسية أو الدينية ترحّب بما صدر عن القمة التي جمعت عون وعباس. وأوضحت أن لبنان لم يعد يتحمّل أي خضة أمنية، والموقف السني العام يأتي في إطار الموقف الوطني الذي يؤكد حصر السلاح بيد الشرعية. وعن ملف سلاح "حماس"، شدّدت المصادر على عدم الفصل بين سلاح غير شرعي وسلاح آخر، موضحةً أن أغلبية سنّة لبنان يعتبرون أن "حماس" تعمل بما تمليه عليها مصالح إيران وحساباتها، لذلك لم تأخذ العطف الذي كان لدى حركة "فتح" سابقاً، ولذلك يجب نزع سلاحها قبل غيرها لأنها تهدّد الأمن اللبناني، والسنة مع قرار بناء الدولة، وهذا ما يعلن عنه نوابهم ومرجعياتهم السياسية وعلى رأسها رئاسة الحكومة وكذلك دار الفتوى. الدور المقبل تسليم سلاح "حزب الله" ولا يجادل اثنان في أن السلاح الميليشاوي يلقى مصير مشروع إيران الخارجي الذي "يلفظ أنفاسه" حالياً وفق توصيف أوساط دبلوماسية عربية في بيروت لـ "نداء الوطن". وتضيف هذه الأوساط: "بالنسبة إلى سلاح "الحزب"، فهو مرتبط باتفاق وقف إطلاق النار. وتمضي العملية المتصلة بهذا السلاح بإشراف جنرال أميركي مقيم في بيروت مع فريق يضم عشرات الخبراء الأميركيين كي تبسط السلطة اللبنانية سلطتها على كل لبنان". ولفتت إلى "أن الخطوة الفلسطينية التي ستبصر النور منتصف حزيران القادم دافع أقوى للتخلص من سلاح "الحزب" وفي ذلك تطبيق لاتفاق الطائف بنزع سلاح كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية". وأشارت إلى "التطور الكبير" الذي أكده أمس مصدران فلسطينيان لوكالة "فرانس برس" وفيه أن قادة فصائل فلسطينية، غادروا سوريا، بعد "تضييق" من السلطات ومصادرة ممتلكاتهم. وبحسب الأوساط الدبلوماسية التي تحدثت إليها "نداء الوطن" فإن سوريا "لا يمكن أن تكون من الآن فصاعداً موطئ قدم لأي جماعة تعهد الشرع بمواجهتها خلال اللقاء الأخير الذي جمعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض. وخلصت هذه الأوساط إلى القول: "أتت الجولة الخامسة من الحوار بين واشنطن وطهران أمس في ظل قرار أميركي واضح صفر تخصيب لليورانيوم ولا خيارات لإيران على هذا المستوى. ويبحث الأميركيون لإيران عن بدائل ولكن ممنوع أن يكون عندها أي إمكانية للتخصيب. فالمشروع الإيراني بدأ يلفظ أنفاسه ولم تعد لديه أية خيارات والشرق الأوسط الذي كان الإيراني يضبط إيقاعه لم يعد كذلك لأن هوية المنطقة عادت عربية". "نداء الوطن"