
الموافقة على استخدام أول علاج من الملاريا للأطفال الرُضع
حتى الآن، لم تكن هناك أدوية معتمدة للملاريا مخصصة للأطفال الرضع.
وبدلاً من ذلك، كان الأطفال يُعالجون بأنواع مُصممة خصيصاً للأطفال الأكبر سناً، مما يُشكل خطراً، خوفاً من الجرعة الزائدة.
نصف مليون حالة وفاة في عام 2023
في عام 2023 - وهو العام الذي تتوافر عنه أحدث الأرقام - ارتبطت الملاريا بحوالي 597 ألف حالة وفاة.
حدثت أغلب الوفيات في أفريقيا، وكانت نحو ثلاثة أرباع الوفيات المسجلة من الأطفال دون سن الخامسة.
وتوجد علاجات للملاريا للأطفال، لكن حتى الآن، لم يكن هناك أي علاج مخصص للأطفال الصغار والرضع، الذين يقل وزنهم عن 4,5 كغم.
بدلاً من ذلك، عُولجوا بأدوية مُصممة للأطفال الأكبر سناً.
إلا أن ذلك ينطوي على مخاطر، وقد لا تكون الجرعات المُخصصة لهؤلاء الأطفال الأكبر سناً آمنة للأطفال الرضع، الذين لا تزال وظائف الكبد لديهم في طور النمو، والذين تُعالج أجسامهم الأدوية بشكل مختلف.
يقول الخبراء إن هذا أدى إلى ما يُوصف بـ"فجوة علاجية".
أما الآن، فقد وافقت السلطات السويسرية على دواء جديد، طورته شركة الأدوية نوفارتس، ومن المُرجح طرحه في المناطق والبلدان ذات أعلى معدلات الإصابة بالملاريا خلال أسابيع.
وتُخطط نوفارتس لطرحه على أساس غير ربحي إلى حد كبير.
الأصغر والأكثر ضعفاً
يقول الرئيس التنفيذي للشركة، فاس ناراسيمهان، إن هذه لحظة مهمة … لأكثر من ثلاثة عقود، واصلنا جهودنا في مكافحة الملاريا، وعملنا بلا كلل لتحقيق إنجازات علمية حيث تشتد الحاجة إليها".
ويضيف ناراسيمهان، "مع شركائنا، نفخر بأننا قطعنا شوطاً طويلاً في تطوير أول علاج مثبت سريرياً للملاريا للأطفال حديثي الولادة والرضع، مما يضمن حصول حتى أصغر الأطفال وأكثرهم ضعفاً على الرعاية التي يستحقونها".
وطورت شركة نوفارتس هذا الدواء، المعروف باسم كوارتيم بيبي أو رياميت بيبي في بعض البلدان، بالتعاون مع مشروع أدوية الملاريا (MMV)، وهي منظمة غير ربحية مقرها سويسرا.
وحظيت في البداية بدعم من الحكومات البريطانية والسويسرية والهولندية، بالإضافة إلى البنك الدولي ومؤسسة روكفلر.
شاركت ثماني دول أفريقية أيضاً في تقييم الدواء وتجربته، ومن المتوقع أن تكون من أوائل الدول التي تحصل عليه.
يقول مارتن فيتشيت، الرئيس التنفيذي لمؤسسة MMV، إن هذه خطوة مهمة أخرى على طريق القضاء على الخسائر الفادحة التي تسببها الملاريا.
"تُعد الملاريا من أخطر الأمراض في العالم، وخاصة بين الأطفال. ولكن مع الموارد المناسبة والتركيز، يمكن القضاء عليها".
"إن الموافقة على كوارتيم بيبي توفر دواءً ضرورياً بجرعة مُحسّنة لعلاج فئة من المرضى المهملين، وتُمثل إضافة قيّمة لمجموعة أدوات مكافحة الملاريا".
تقول الدكتورة مارفيل براون، الأستاذة المشاركة في كلية الصحة والطب وعلوم الحياة بجامعة هيرتفوردشاير، إن هذا الإنجاز يُعد كبيراً في إنقاذ حياة الرضع والأطفال الصغار.
"معدل الوفيات الناجمة عن عدوى الملاريا، بخاصة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مرتفع للغاية - تحدث أكثر من 76 في المئة من الوفيات لدى الأطفال دون سن الخامسة"، وفق براون.
وتضيف "تتفاقم زيادة الوفيات الناجمة عن الملاريا لدى الأطفال المولودين بمرض فقر الدم المنجلي، ويعود ذلك أساساً إلى ضعف جهاز المناعة".
"من منظور الصحة العامة، يمكن أن يُسهم إطلاق نوفارتس لهذه المنظمة غير الربحية في الحد من عدم المساواة في الحصول على الرعاية الصحية"، بحسب براون.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 3 أيام
- BBC عربية
لماذا لا يجب أن نتداوى نفسياً بالذكاء الاصطناعي؟
أصبحت غرف الدردشة الذكية حاليا بدائل شائعة للعلاج النفسي. لكن خبراء حذروا من أن هذه الخدمات قد تفاقم من أزمات الصحة النفسية التي يعاني منها البعض. تقرير مراسل بي بي سي لشؤون العلوم والتقنية محمد طه


BBC عربية
٣١-٠٧-٢٠٢٥
- BBC عربية
أول صبي من غزة يتلقى العلاج في بريطانيا نتيجة إصابته في الحرب
ماجد شغنوبي لا يستطيع تناول الطعام أو الحديث كما كان يفعل سابقاً، ولا يبتسم. ومع ذلك، فقد غطى فمه المصاب بكمامة طبية، وكانت عيناه تلمعان لدى وصوله إلى مطار هيثرو بلندن على متن رحلة من القاهرة، برفقة والدته وشقيقه وشقيقته الصغيرة. قال لي الفتى البالغ من العمر خمسة عشر عاماً: "أنا سعيد بوجودي في إنجلترا وتلقي العلاج". كان يحاول الحصول على مساعدات إنسانية في المنطقة الكويتية شمال غزة في فبراير/شباط من العام الماضي، عندما انفجرت قذيفة دبابة إسرائيلية بالقرب منه، مما أدى إلى تحطم عظم فكه وإصابة ساقه. شرح ما حدث له قائلاً: "ساعدني أحد أصدقائي ونقلني إلى المستشفى. ظنوا أنني ميت. فاضطررت إلى تحريك يدي لأريهم أنني على قيد الحياة". أنقذ أطباء غزة حياته، وقضى ماجد عدة أشهر في المستشفى يتنفس عبر أنبوب القصبة الهوائية، قبل أن يُنقَل إلى مصر في فبراير/شباط من هذا العام، بعد سماح إسرائيل له، لتلقي المزيد من العلاج الطبي. وهو الآن في المملكة المتحدة لإجراء عملية جراحية في مستشفى "غريت أورموند ستريت" للأطفال في لندن لاستعادة وظائف وجهه. ويعد ماجد أول صبي من غزة يصل إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج بعد إصابته في الحرب، بعد مرور ما يقرب من عامين قُتل وأصيب خلالهما أكثر من 50 ألف طفل، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). وصل ماجد بعد أشهر من انطلاق المشروع الذي أسسه أطباء متطوعون، كانوا قد اجتمعوا في نوفمبر/تشرين الأول 2023 لوضع لبنة مشروع "بيور هوب" أو "الأمل الخالص" القائم على التبرعات، لمساعدة أطفال غزة المصابين والمرضى، على الوصول إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج. ويقول القائمون على مشروع "بيور هوب": "تحتضن المملكة المتحدة بعض أفضل مرافق طب الأطفال في العالم. ومع ذلك، وبينما بادرت دول كالولايات المتحدة وبلجيكا وإيطاليا وسويسرا وغيرها الكثير للمساعدة، لم تحذُ المملكة المتحدة حذوها بعد". ويأتي وصول ماجد إلى المملكة المتحدة بعد أقل من أسبوع من تعهد رئيس الوزراء السير كير ستارمر بإجلاء المزيد من الأطفال المصابين بجروح بالغة، على الرغم من أن الحكومة لم تُفصح إلا عن تفاصيل قليلة حول الخطة. وسيضم الفريق الطبي لماجد - وهو فريق يعمل أفراده مجاناً - جرّاحين متخصصين في جراحة الوجه والجمجمة والتجميل وتقويم الأسنان، على أن تُدفع تكاليف المستشفى من تبرعات خاصة. وصرح الجراح الرئيسي نور العواس جيلاني، أستاذ جراحة أعصاب الأطفال في مستشفى غريت أورموند ستريت قائلاً: "إذا تمكنا من منحه وجهاً وفكاً يستطيع استخدامهما، فلن يكون الأمر طبيعياً تماماً، لكننا نأمل أن يتمكن من التحدث وتناول الطعام دون مساعدة، وأن تتحسن تعابير وجهه". وأضاف جيلاني: "نأمل أن يكون لذلك تأثير كبير على حياته ومستقبله. نأمل أن نتمكن من مساعدة المزيد من أمثاله من الأطفال في الأشهر المقبلة. إنها مسؤوليتنا الأخلاقية الجماعية". إجلاء أطفال مرضى من غزة بعد إعادة فتح معبر رفح طفل مصاب من قطاع غزة يخطو خطواته الأولى بعد إجراء عملية جراحية في الأردن وسبق لأطباء المستشفى أن عالجوا مرضى من أوكرانيا، وساعدوا العام الماضي في فصل توأم ملتصق في إسرائيل. وقد أعرب البروفيسور جيلاني عن شعوره بالإحباط؛ لتأخر علاج أول طفل قادم من حرب غزة، في المملكة المتحدة. وقال: "بصفتي طبيباً وإنساناً، لا أفهم تماماً لمَ استغرقنا أكثر من 20 شهراً للوصول إلى هذه اللحظة". حدد مشروع "بيور هوب" 30 طفلاً من غزة، من المصابين بجروح خطيرة، آملاً في المساعدة في نقلهم إلى المملكة المتحدة. ويؤكد المشروع على أن إعلان الحكومة "حيوي ومتأخر"، لكن الوقت جوهري. وقال عمر الدين، المؤسس المشارك في المشروع: "كل يوم تأخير، يُعرّض حياة ومستقبل الأطفال، الذين يستحقون فرصة العيش والتعافي وإعادة بناء حياتهم، للخطر". في أبريل/نيسان، نجحت مجموعة المتطوعين في الحصول على تأشيرات لفتاتين، وهما راما، 13 عاماً، وغِنى، 5 أعوام؛ اللتين تعانيان من مشكلات صحية مزمنة، وذلك لإجراء عمليات جراحية بتمويل خاص في المملكة المتحدة. نُقلت الفتاتان إلى لندن بعد إجلائهما من غزة إلى مصر؛ حيث لم تتلقيا العلاج اللازم بسبب تدمير نظام الرعاية الصحية هناك. ومنذ أن التقيت بهما في أوائل مايو/أيار، ازداد وزن راما، وأصبحت غِنى، التي كانت انطوائية نتيجة صدمة نفسية عميقة، أكثر مرحاً بشكل ملحوظ. خضعت غِنى لجراحة ليزر لتخفيف الضغط في عينها اليسرى، التي كانت معرضة لخطر فقدانها، فيما خضعت راما لجراحة استكشافية لمشكلة خطيرة في الأمعاء. وقالت والدة الفتاتين إن حالتهما جيدة. ومع ذلك، فإنهما تشعران بالقلق الذي تجلى في صعوبة في الأكل والنوم، خوفاً على أفراد عائلتهما المتبقين في غزة، الذين يكافحون الآن لإطعام أنفسهم. قالت راما: "الوضع هنا أفضل من غزة. لا قنابل ولا خوف"؛ بيد أن أصدقاءها من غزة يبعثون إليها رسائل يخبرونها فيها أنهم لم يذقوا الخبز منذ عشرة أيام، وتقول راما إن شقيقها الأكبر ينام في الشارع بعد قصف منزله أولاً، ثم خيمته. وأضافت: "إنهم جائعون. لذا لا أريد أن آكل أيضاً. أشعر وكأنني ما زلت معهم". وأفاد خبراء على صلة بالأمم المتحدة هذا الأسبوع، بوجود أدلة على أن انتشار الجوع وسوء التغذية والأمراض، يُساهم في ارتفاع الوفيات المرتبطة بالجوع بين نحو مليوني فلسطيني في غزة. أما ماجد، الذي تعرض لإصابات غيّرت حياته أثناء محاولته توفير الطعام لعائلته، فهو قلق أيضاً على شقيقيْه اللذين لا يزالان في غزة. ويقول: "أخشى أن يموتا أو أن يصيبهما مكروه. كل ما أريده هو أن يكونا بخير".


BBC عربية
٢٩-٠٧-٢٠٢٥
- BBC عربية
كيف تؤثر الجسيمات البلاستيكية الدقيقة الموجودة في أجسامنا على صحتنا؟
لقد عُثر على جسيمات بلاستيكية دقيقة حتى داخل عظامنا، ولكن ما تأثيرها على صحتنا؟ إليك كل ما نعرفه عن تأثيرها على أجسامنا. يحتضن حقل في ركن هادئ من مقاطعة هيرتفوردشاير، على بُعد ساعة بالسيارة شمال العاصمة البريطانية لندن، أطول التجارب الزراعية في العالم. بدأ هذا المشروع الأرستقراطي ومالك الأراضي "جون بينيت لويس"، الذي أصبح لاحقاً رائداً ناجحاً في مجال الأسمدة الحديثة، وكان الهدف اختبار أفكار مختلفة لزيادة إنتاج القمح. ولكن بدون مساعدة التكنولوجيا الحديثة، كانت الوسيلة الوحيدة لتخزين البيانات هي جمع عينات دقيقة من حبوب القمح المجففة والقش والتربة من الحقل، وتعبئتها في زجاجات. عندما بدأ هذا المشروع في العصر الفيكتوري عام 1843، لم يكن لويس يتوقع أن يستمر هذا التقليد لمدة 182 عاماً أخرى، ما أدى إلى إنشاء أرشيف مميز للعينات. تُحفظ هذه المجموعة الآن في مركز "روثامستيد" للأبحاث في بلدة "هاربندن"، وهي تعكس العديد من التغييرات التي أحدثها النشاط البشري على كوكب الأرض خلال القرنين الماضيين. يقول آندي ماكدونالد، الأمين الحالي على الأرشيف في مركز روثامستيد للأبحاث، والمعروف بين زملائه باسم "حارس الزجاجات"، إن العينات التي جُمعت خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي تحتوي على آثار إشعاعية، تعكس آثار تجارب الأسلحة النووية في تلك الحقبة. ولكن هناك سجل آخر غير مرغوب فيه يمكن العثور عليه في هذه القوارير من التربة القديمة، وهو أول ظهور للجسيمات البلاستيكية الدقيقة. وفقاً لتقدير شهير، قد نستهلك ما يصل إلى 52 ألف قطعة بلاستيكية دقيقة سنوياً، ورغم التشكيك في هذا الرقم الدقيق لاحقاً، فمن الواضح أنها تدخل جسم الإنسان بكميات كبيرة. سواءً جرى تناولها من خلال طعامنا أو السوائل التي نشربها أو امتصاصها من الهواء الذي نتنفسه، فقد أصبحت الجسيمات البلاستيكية الدقيقة منتشرة في كل مكان. لقد عُثر عليها في سوائل الجسم، من اللعاب والدم إلى البلغم وحليب الأم، بالإضافة إلى مجموعة من الأعضاء، بما في ذلك الكبد والكلى والطحال والدماغ وحتى داخل عظامنا. وقد أشار هذا التوافق المستمر للأدلة إلى سؤال واحد: ما تأثير كل هذا البلاستيك على صحتنا تحديداً؟ في العينات المحفوظة في مركز روثامستيد للأبحاث، يقول ماكدونالد إن هناك خطاً فاصلاً واضحاً بين ما قبل وبعد بداية عصر البلاستيك. ويضيف: "بدأ استخدام البلاستيك في المجتمع على نطاق واسع في عشرينيات القرن الماضي تقريباً، ونشهد زيادة كبيرة منذ الستينيات فصاعداً". "لا بد أن بعضها انتهى به المطاف في التربة من خلال الترسُّب الجوي، ويمكنك أيضاً تخيّل جزيئات بلاستيكية دقيقة تتساقط من إطارات الجرارات". يُعتقد اليوم أن البشر حول العالم يبتلعون ويستنشقون جسيمات بلاستيكية دقيقة، أكثر من أي وقت مضى في التاريخ المسجل. في دراسة نُشرت عام 2024، وجد العلماء أن استهلاك هذه الجسيمات قد ازداد ستة أضعاف منذ عام 1990، لا سيما في مختلف البؤر العالمية الساخنة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، وأجزاء من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول الاسكندنافية. لكن معرفة كيفية تأثيرها على صحتنا أثبتت أنها مسألة معقدة. إحدى طرق اكتشاف ذلك هي ما يُعرف في الأوساط الطبية باسم "تجربة التحدي البشري". عادةً ما تُجرى هذه التجربة في مجال الأمراض المُعدية، وتتضمن موافقة المشاركين على الإصابة عمداً بمُسبب مرض، لمساعدة العلماء على فهم آثاره على جسم الإنسان بشكل أفضل. وهكذا، في أوائل عام 2025، دخل ثمانية متطوعين شجعان مختبراً في وسط لندن، وابتلعوا طوعاً محلولاً من البلاستيك الدقيق مقابل رسوم رمزية. مثّلت هذه الدراسة على وجه الخصوص، التي موّلتها مؤسسة مينديرو، أول تجربة تحدٍّ كهذه تُجرى باستخدام البلاستيك- على الرغم من أن النتائج لم تُنشر بعد. كان لدى من شُخّصوا بالخرف قبل وفاتهم ما يصل إلى عشرة أضعاف كمية البلاستيك في أدمغتهم مقارنةً بمن لا يعانون من هذه الحالة. ووفقاً لستيفاني رايت، الباحثة في إمبريال كوليدج لندن التي قادت التجربة، فإن المفهوم هو أن الكثير منا يُجري هذه التجربة نفسها على أجسامنا يومياً دون قصد. استنسخ الفريق بعض الطرق الشائعة التي يبتلع بها الكثير منا البلاستيك الدقيق، على سبيل المثال غمس أكياس الشاي البلاستيكية المغلقة في الماء الساخن، أو تسخين السوائل في الميكروويف في وعاء بلاستيكي، قبل مطالبة المتطوعين بشرب السوائل ثم محاولة متابعة ما يحدث بعد ذلك. تقول رايت: "نعلم أن التسخين والماء الساخن هما أسوأ سيناريوهات ابتلاع البلاستيك، وهذا يُسهّل إطلاق الجسيمات البلاستيكية الدقيقة من المواد البلاستيكية شائعة الاستخدام". وتضيف: "لذلك، ندرس بعض هذه السيناريوهات ونحاول معرفة عدد هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، التي تُمتص فعلياً عبر أمعائنا وتعود إلى الدم". ولتقييم ذلك، قامت رايت بقياس دم المتطوعين في نقاط زمنية متكررة على مدار 10 ساعات. ستوفر هذه البيانات، عند نشرها في وقت لاحق من هذا العام، أول معلومات ملموسة عن التركيزات النموذجية للجسيمات البلاستيكية الدقيقة، التي تنتشر في أجسامنا بعد تناول كوب من الشاي أو وجبة جاهزة في الميكروويف، وعن حجمها. ترى رايت أن هذه المعلومات ستمثل خطوة أخرى على طريق فهم أفضل، للمخاطر الصحية المحتملة للشخص العادي. وتتوقع أن تكون أنواع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تصل إلى مجرى الدم هي الجسيمات الأصغر، ولكن على الرغم من مجموعة من الدراسات على الحيوانات وأنابيب الاختبار، لا تتوفر لدينا تقريباً أي بيانات حول كيفية تأثير جرعة من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على شخص سليم. تقول رايت: "نحتاج إلى معرفة الكمية التي تعود إلى أجسامنا، مقارنةً بما تم تناوله في الأصل. ثم يكمن القلق الأكبر في أين ينتهي بها المطاف، وهل تتراكم في مكان ما؟ من غير المرجح أن يكون جسمنا قادراً على تفكيكها تماماً. وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى التهاب مزمن وندوب في الأنسجة يُضعف وظائف الأعضاء؟". يمكن القول إن هذه الأسئلة بالغة الأهمية، ففي العام الماضي، صدرت دراسات مختلفة أحدثت ضجة كبيرة في الأوساط الطبية. في أواخر عام 2024، اكتشف باحثون صينيون جسيمات بلاستيكية دقيقة داخل عينات من العظام والعضلات الهيكلية لدى مجموعة من المرضى، الذين خضعوا لجراحة استبدال المفاصل، إما في المِرفق أو الورك أو الكتف. في الدراسة، أعرب العلماء عن قلقهم إزاء هذه النتيجة، مُتكهّنين بأن وجود جسيمات بلاستيكية دقيقة داخل العظام أو العضلات قد يؤثر على قدرة الفرد على ممارسة الرياضة، مع دراسات أخرى تُظهر أن أنواعاً معينة من هذه الجسيمات قد تُعيق نمو خلايا العظام أو العضلات. جاء ذلك في أعقاب دراسة أخرى نُشرت في أوائل عام 2024، حيث عثرت مجموعة من الباحثين الإيطاليين على جسيمات بلاستيكية دقيقة في لويحات الشرايين السباتية- وهي زوج من الأوعية الدموية الرئيسية التي تُوصل الدم إلى الدماغ- لدى أشخاص مصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية في مراحلها المبكرة. وقد ربط هذا وجودها بتفاقم تطور المرض. خلال السنوات الثلاث التالية، كان الأفراد الذين يحملون هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الترسّبات الدهنية أكثر عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية، أو النوبة القلبية أو الموت المفاجئ بمقدار 4.5 أضعاف. ثم في فبراير/ شباط 2025، عثرت مجموعة أخرى من العلماء على جسيمات بلاستيكية دقيقة في أدمغة جثث بشرية. والأمر اللافت للنظر هو أن أولئك، الذين شُخّصوا بالخرف قبل وفاتهم، كانت لديهم كمية من البلاستيك في أدمغتهم تصل إلى 10 أضعاف مُقارنةً بمن لا يُعانون من هذه الحالة. ويقول ماثيو كامبن، أستاذ علم السموم بجامعة نيو مكسيكو والذي قاد هذه الدراسة: "لقد صُدمنا". فيما يتعلق بالدماغ، يعتقد كامبن حالياً أن جزيئات بلاستيكية دقيقة تدور في مجرى الدم قد تتحكم في عملية الأيض العالية للدماغ، وتتسلل إلى جهازنا العصبي المركزي، مستغلةً الدهون المعروفة باسم "الليبيدات" التي يحتاجها الدماغ للحصول على الطاقة. ويقول كامبن: "نعتقد أيضاً أن ارتفاع نسبة الليبيدات في الدماغ، وخاصةً في المادة البيضاء، يُهيئ بيئة مثالية لهذه المواد البلاستيكية". ويضيف: "يتميز الدماغ أيضاً بآلية تطهير بطيئة للغاية، وفي حالات الخرف، يضعف حاجز الدم الدماغي (المصمم لمنع دخول الأجسام الغريبة إلى الدماغ)، مما يُساعد على امتصاص المواد البلاستيكية". لكن كلاً من كامبن والباحثين الإيطاليين، الذين وجدوا جسيمات بلاستيكية دقيقة في الشرايين السباتية، لم يصلوا إلى حدّ ادعاء وجود صلة سببية مباشرة بين الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والخرف أو أمراض القلب. بدلاً من أن تكون هذه الجزيئات البلاستيكية عاملاً مُسبباً وحيداً لهذه الأمراض، يعتقدون أن الأرجح أن هذه الجزيئات تتعاون مع عوامل أخرى تُسبب اعتلال الصحة، مُسببةً عبئاً إضافياً على أجهزة الجسم على مدار سنوات عديدة. تقول فاي كوسيرو، أستاذة التلوث البيئي بجامعة بورتسموث في بريطانيا، عن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في أجسامنا: "إنها ليست الأسبستوس (مجموعة ألياف معدنية). لن تُسبب ضرراً مُحدداً بشكل فوري، ولكن من المُرجح أنها ستُلحق الضرر بخلاياك وتُشكل عبئاً على صحتك العامة، مما يزيد من احتمالية إصابتك بالأمراض". أحد التحديات الفريدة التي تُواجه محاولة ربط الجزيئات البلاستيكية الدقيقة بالأمراض المزمنة، مُقارنةً بعوامل الخطر المعروفة الأخرى، مثل الإفراط في تناول اللحوم الحمراء أو الدهون المُشبعة، هو أن هذا المصطلح المُفرد يشمل عالماً من التعقيد اللامتناهي تقريباً. لقد وجدت الدراسات التي أُجريت على المياه المُعبأة، على سبيل المثال، أن لتراً واحداً من المياه يُمكن أن يحتوي على ما يصل إلى 240 ألف جزيء مُختلف من البلاستيك بأبعاد ومواد متفاوتة. من بين هذه الأنواع، حدّد الباحثون ما لا يقل عن سبع فئات مختلفة من البلاستيك، تتراوح من نوع من النايلون يُسمى "البوليامايد" إلى البوليسترين. تقول فيرينا بيتشلر، الأستاذة المساعدة في الكيمياء الصيدلانية بجامعة فيينا، بالنمسا: "هناك أنواع عديدة من البلاستيك، لكل منها تركيبات مختلفة تتحلل إلى أشكال وأشكال متنوعة". وتضيف: "لا يعكس مصطلح (الجسيمات البلاستيكية الدقيقة) مدى تنوع ما نتعامل معه". ويتمثل التحدي الآخر، الذي يواجه باحثين مثل بيتشلر، في أن أنواع المواد البلاستيكية الدقيقة المختلفة قد تؤدي لنتائج مختلفة تماماً، لدى كل شخص. وتشير إلى أن الأبحاث أشارت إلى أن بعض جزيئات البلاستيك يمكنها امتصاص السموم البيئية، وحمل المعادن الثقيلة، بينما قد تتفاعل مواد كيميائية مختلفة تُضاف إلى البلاستيك مع شبكة الهرمونات في الجسم. قد تكون الجسيمات البلاستيكية النانوية (جسيمات بلاستيكية يقل حجمها عن ميكرومتر واحد)، وهي أصغر بكثير من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي يبلغ طولها خمسة ملليمترات أو أقل، أكثر ضرراً لأنها صغيرة بما يكفي لتتمكن من عبور الأغشية الخلوية والتجمع داخل الخلايا. وُجد أن بعض هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تُشكل مركزاً، لما يُسمى بجينات مقاومة مضادات الميكروبات، والتي يُمكنها التفاعل مع البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات لتُكسبها مقاومة ضد الأدوية. تقود كوسيرو حالياً مشروعاً في أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية)، يجمع عينات من كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي المُصرّفة في المحيط من قِبل سفن الرحلات البحرية، بهدف فهم أفضل لأنواع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تميل إلى إيواء هذه الجينات. تقول كوسيرو: "يبدو الأمر غريباً، لكن أنتاركتيكا لديها أقل كمية من جينات مقاومة مضادات الميكروبات، لذا فهي منطقة جيدة للبحث فيها، نظراً لقلة الضوضاء الناجمة عن عوامل أخرى". يقول رافاييل مارفيلا، أستاذ الطب الباطني وباحث الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في جامعة كامبانيا لويجي فانفيتيلي في نابولي، إنه يشتبه في أن كلاً من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية قد يُسببان تسارع الشيخوخة. يعتقد مارفيلا أنهم قادرون على تحقيق ذلك بطرق عدة، بما في ذلك إحداث خلل في الأوعية الدموية، ما يُسبب عبئاً متزايداً من الالتهاب المزمن منخفض الدرجة، بالإضافة إلى تغيير سلوك الخلايا في الأعضاء الداخلية من خلال توليد جزيئات مُضرة بالحمض النووي، تُسمى "أنواع الأكسجين التفاعلية". وقد تم بالفعل تحديد هذه الاستجابة الالتهابية لدى الطيور البحرية، ما يؤدي إلى حالة أُطلق عليها اسم "البلاستيكوس"، ويعتقد مارفيلا أنه من المعقول أن يحدث هذا أيضاً لدى البشر. هذا رأيٌ تُشاركه بيشلر، التي انجذبت لأول مرة إلى هذا المجال بعد قراءتها عن التركيزات العالية من البلاستيك الدقيق المُكتشفة في عينات البراز البشري، وتكهنت بأنها قد تكون مرتبطة بارتفاع معدل انتشار سرطان القولون والمستقيم. وقد أثار بحثها اللاحق شكوكها في أن تراكم البلاستيك الدقيق قد يكون له دور في زيادة خطر الإصابة بالسرطان بطريقة ما. وتقول: "تشير الدراسات إلى أن المواد البلاستيكية الدقيقة قد يكون لها دور في تضخيم الالتهاب، وهو أمر مُقلق. إذا استمرت الاستجابة الالتهابية أو تشجّعَت بنشاط من خلال التعرض المستمر للبلاستيك، فقد يكون لذلك آثار على تكوّن الأورام وتطور المرض". "على الرغم من أن الدور المُباشر للمواد البلاستيكية الدقيقة في تطوّر السرطان لا يزال قيد البحث، إلا أن قواعد البيانات والدراسات العلمية الحالية تُشير إلى وجود صلة مُحتملة". ونظراً لاستهلاك البشر لأنواعٍ مُختلفةٍ من البلاستيك، تقول رايت إنه من غير المُحتمل وغير العملي، في غياب مصادر تمويلٍ ضخمة، أن يتمكن الباحثون من تحديد صلةٍ مُباشرة بين تناول المواد البلاستيكية الدقيقة ومرضٍ مُحدد. هذا يختلف عن مُلوِّث بيئي كدخان التبغ، الذي ثَبُتَ أنه يُسبِّب سرطان الرئة. تقول رايت: "إنَّ تنوُّع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في البيئة يعني أنه لا يُمكن اختبار جميع الاحتمالات، لأنَّ ذلك سيتطلب إجراء مئات التجارب". يرى مارفيلا أنَّ السبيل الأكثر عمليةً للمضي قدماً هو محاولة تحديد حدودٍ، لما يُمكن لأجسامنا تحمُّله بأمان قبل أن يُصبح خطر السُّمِّية والضرر مرتفعاً للغاية. ويقول إن فريقه يعمل حالياً على تحقيق هذا الهدف، مضيفاً: "ليس لدينا حتى الآن حدٌّ نهائيٌّ للسُّمِّية، لكننا بدأنا نرى أنماطاً. على سبيل المثال، تشير البيانات الأولية من النماذج الحيوانية إلى أن التعرض المزمن لجرعات، تتراوح بين 10 و100 ميكروغرام (جزء من مليون من الغرام)، من البلاستيك الدقيق لكل كيلوغرام من وزن الجسم يومياً، يمكن أن يُسبب تغيرات التهابية وأيضية قابلة للقياس". ومع ذلك، أُجريت هذه الدراسة حتى الآن على الفئران، ويوضح مارفيلا أن تطبيق النتائج على البشر أمر معقد. وتقول كوسيرو إن الخطر قد يختلف أيضاً تبعاً للحالة الصحية الأساسية للشخص، حيث يكون كبار السن أو من يعانون من مشكلات صحية أساسية أكثر عرضة، بشكل ملحوظ، لتأثيرات المواد البلاستيكية الدقيقة. أشارت دراسات بحثية بالفعل إلى أن المواد البلاستيكية الدقيقة أو النانوية، التي يبتلعها مرضى السرطان، قد تؤثر على نجاح العلاج، إذ تستطيع هذه الجسيمات الدقيقة تغيير سلوك أدوية السرطان في الجسم. وتحاول كوسيرو الآن، بالتعاون مع فريقها في جامعة بورتسموث، فهم ما إذا كانت جرعات معينة من المواد البلاستيكية الدقيقة تُشكّل خطراً أكبر، على الأشخاص المصابين بالربو المزمن أو غيره من أمراض الجهاز التنفسي طويلة الأمد. تقول كوسيرو: "مع الربو، نعلم أن جودة الهواء أمر بالغ الأهمية، وهي إحدى المشاكل الرئيسية التي تُسبب نوبات الربو. وإذا كانت جزيئات البلاستيك أسوأ بقليل من الجزيئات الأخرى في الهواء، فعلينا محاولة تقليل تعرضهم لها". لتحقيق ذلك، تخطط كوسيرو لفحص عينات من البلغم، وهو المخاط السميك الذي يُخرج من الرئتين والمجاري الهوائية عند السعال، لمعرفة ما إذا كانت الجسيمات البلاستيكية الدقيقة موجودة بكميات كبيرة بشكل خاص عند تفاقم الأعراض لدى المرضى. كما تزور منازل المرضى المُعرّضين للخطر لقياس جودة الهواء، وتكوين فكرة عن أنواع الجسيمات البلاستيكية التي يتنفسونها، ثم اختبار تأثير تلك الجسيمات على عينات من خلاياهم. في النهاية، ومثل العديد من الباحثين في مجال الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، تأمل كوسيرو في جمع بيانات كافية لتتمكن من التواصل مع مصنعي البلاستيك، وتقديم توصيات حول كيفية جعل منتجاتهم أكثر أماناً. تقول كوسيرو: "نعلم أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة موجودة في كل مكان، حتى في الأماكن المغلقة. إذا كانت في الهواء، فأنت لا تزال تستنشق الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بمستويات منخفضة أثناء النوم". "لذلك نود، إن أمكن، التحدث مع الشركات المصنعة حول كيفية تجنبها، وما إذا كان بإمكانهم التوقف عن تصنيع بعض أنواع البلاستيك بالأساس". "على سبيل المثال، بالنسبة للأشخاص الذين يذهبون إلى المستشفى لتلقي العلاج من أمراض الجهاز التنفسي، تكون الأقنعة والأنابيب بلاستيكية. فهل يمكننا إيجاد بدائل أفضل تمنع دخولها إلى المنظومة من الأساس؟".