logo
كيف تؤثر الجسيمات البلاستيكية الدقيقة الموجودة في أجسامنا على صحتنا؟

كيف تؤثر الجسيمات البلاستيكية الدقيقة الموجودة في أجسامنا على صحتنا؟

BBC عربية٢٩-٠٧-٢٠٢٥
لقد عُثر على جسيمات بلاستيكية دقيقة حتى داخل عظامنا، ولكن ما تأثيرها على صحتنا؟ إليك كل ما نعرفه عن تأثيرها على أجسامنا.
يحتضن حقل في ركن هادئ من مقاطعة هيرتفوردشاير، على بُعد ساعة بالسيارة شمال العاصمة البريطانية لندن، أطول التجارب الزراعية في العالم.
بدأ هذا المشروع الأرستقراطي ومالك الأراضي "جون بينيت لويس"، الذي أصبح لاحقاً رائداً ناجحاً في مجال الأسمدة الحديثة، وكان الهدف اختبار أفكار مختلفة لزيادة إنتاج القمح. ولكن بدون مساعدة التكنولوجيا الحديثة، كانت الوسيلة الوحيدة لتخزين البيانات هي جمع عينات دقيقة من حبوب القمح المجففة والقش والتربة من الحقل، وتعبئتها في زجاجات.
عندما بدأ هذا المشروع في العصر الفيكتوري عام 1843، لم يكن لويس يتوقع أن يستمر هذا التقليد لمدة 182 عاماً أخرى، ما أدى إلى إنشاء أرشيف مميز للعينات. تُحفظ هذه المجموعة الآن في مركز "روثامستيد" للأبحاث في بلدة "هاربندن"، وهي تعكس العديد من التغييرات التي أحدثها النشاط البشري على كوكب الأرض خلال القرنين الماضيين.
يقول آندي ماكدونالد، الأمين الحالي على الأرشيف في مركز روثامستيد للأبحاث، والمعروف بين زملائه باسم "حارس الزجاجات"، إن العينات التي جُمعت خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي تحتوي على آثار إشعاعية، تعكس آثار تجارب الأسلحة النووية في تلك الحقبة. ولكن هناك سجل آخر غير مرغوب فيه يمكن العثور عليه في هذه القوارير من التربة القديمة، وهو أول ظهور للجسيمات البلاستيكية الدقيقة.
وفقاً لتقدير شهير، قد نستهلك ما يصل إلى 52 ألف قطعة بلاستيكية دقيقة سنوياً، ورغم التشكيك في هذا الرقم الدقيق لاحقاً، فمن الواضح أنها تدخل جسم الإنسان بكميات كبيرة. سواءً جرى تناولها من خلال طعامنا أو السوائل التي نشربها أو امتصاصها من الهواء الذي نتنفسه، فقد أصبحت الجسيمات البلاستيكية الدقيقة منتشرة في كل مكان. لقد عُثر عليها في سوائل الجسم، من اللعاب والدم إلى البلغم وحليب الأم، بالإضافة إلى مجموعة من الأعضاء، بما في ذلك الكبد والكلى والطحال والدماغ وحتى داخل عظامنا. وقد أشار هذا التوافق المستمر للأدلة إلى سؤال واحد: ما تأثير كل هذا البلاستيك على صحتنا تحديداً؟
في العينات المحفوظة في مركز روثامستيد للأبحاث، يقول ماكدونالد إن هناك خطاً فاصلاً واضحاً بين ما قبل وبعد بداية عصر البلاستيك. ويضيف: "بدأ استخدام البلاستيك في المجتمع على نطاق واسع في عشرينيات القرن الماضي تقريباً، ونشهد زيادة كبيرة منذ الستينيات فصاعداً".
"لا بد أن بعضها انتهى به المطاف في التربة من خلال الترسُّب الجوي، ويمكنك أيضاً تخيّل جزيئات بلاستيكية دقيقة تتساقط من إطارات الجرارات".
يُعتقد اليوم أن البشر حول العالم يبتلعون ويستنشقون جسيمات بلاستيكية دقيقة، أكثر من أي وقت مضى في التاريخ المسجل.
في دراسة نُشرت عام 2024، وجد العلماء أن استهلاك هذه الجسيمات قد ازداد ستة أضعاف منذ عام 1990، لا سيما في مختلف البؤر العالمية الساخنة، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، وأجزاء من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول الاسكندنافية.
لكن معرفة كيفية تأثيرها على صحتنا أثبتت أنها مسألة معقدة. إحدى طرق اكتشاف ذلك هي ما يُعرف في الأوساط الطبية باسم "تجربة التحدي البشري". عادةً ما تُجرى هذه التجربة في مجال الأمراض المُعدية، وتتضمن موافقة المشاركين على الإصابة عمداً بمُسبب مرض، لمساعدة العلماء على فهم آثاره على جسم الإنسان بشكل أفضل.
وهكذا، في أوائل عام 2025، دخل ثمانية متطوعين شجعان مختبراً في وسط لندن، وابتلعوا طوعاً محلولاً من البلاستيك الدقيق مقابل رسوم رمزية. مثّلت هذه الدراسة على وجه الخصوص، التي موّلتها مؤسسة مينديرو، أول تجربة تحدٍّ كهذه تُجرى باستخدام البلاستيك- على الرغم من أن النتائج لم تُنشر بعد.
كان لدى من شُخّصوا بالخرف قبل وفاتهم ما يصل إلى عشرة أضعاف كمية البلاستيك في أدمغتهم مقارنةً بمن لا يعانون من هذه الحالة.
ووفقاً لستيفاني رايت، الباحثة في إمبريال كوليدج لندن التي قادت التجربة، فإن المفهوم هو أن الكثير منا يُجري هذه التجربة نفسها على أجسامنا يومياً دون قصد.
استنسخ الفريق بعض الطرق الشائعة التي يبتلع بها الكثير منا البلاستيك الدقيق، على سبيل المثال غمس أكياس الشاي البلاستيكية المغلقة في الماء الساخن، أو تسخين السوائل في الميكروويف في وعاء بلاستيكي، قبل مطالبة المتطوعين بشرب السوائل ثم محاولة متابعة ما يحدث بعد ذلك.
تقول رايت: "نعلم أن التسخين والماء الساخن هما أسوأ سيناريوهات ابتلاع البلاستيك، وهذا يُسهّل إطلاق الجسيمات البلاستيكية الدقيقة من المواد البلاستيكية شائعة الاستخدام". وتضيف: "لذلك، ندرس بعض هذه السيناريوهات ونحاول معرفة عدد هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، التي تُمتص فعلياً عبر أمعائنا وتعود إلى الدم".
ولتقييم ذلك، قامت رايت بقياس دم المتطوعين في نقاط زمنية متكررة على مدار 10 ساعات. ستوفر هذه البيانات، عند نشرها في وقت لاحق من هذا العام، أول معلومات ملموسة عن التركيزات النموذجية للجسيمات البلاستيكية الدقيقة، التي تنتشر في أجسامنا بعد تناول كوب من الشاي أو وجبة جاهزة في الميكروويف، وعن حجمها.
ترى رايت أن هذه المعلومات ستمثل خطوة أخرى على طريق فهم أفضل، للمخاطر الصحية المحتملة للشخص العادي. وتتوقع أن تكون أنواع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تصل إلى مجرى الدم هي الجسيمات الأصغر، ولكن على الرغم من مجموعة من الدراسات على الحيوانات وأنابيب الاختبار، لا تتوفر لدينا تقريباً أي بيانات حول كيفية تأثير جرعة من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على شخص سليم.
تقول رايت: "نحتاج إلى معرفة الكمية التي تعود إلى أجسامنا، مقارنةً بما تم تناوله في الأصل. ثم يكمن القلق الأكبر في أين ينتهي بها المطاف، وهل تتراكم في مكان ما؟ من غير المرجح أن يكون جسمنا قادراً على تفكيكها تماماً. وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى التهاب مزمن وندوب في الأنسجة يُضعف وظائف الأعضاء؟".
يمكن القول إن هذه الأسئلة بالغة الأهمية، ففي العام الماضي، صدرت دراسات مختلفة أحدثت ضجة كبيرة في الأوساط الطبية.
في أواخر عام 2024، اكتشف باحثون صينيون جسيمات بلاستيكية دقيقة داخل عينات من العظام والعضلات الهيكلية لدى مجموعة من المرضى، الذين خضعوا لجراحة استبدال المفاصل، إما في المِرفق أو الورك أو الكتف.
في الدراسة، أعرب العلماء عن قلقهم إزاء هذه النتيجة، مُتكهّنين بأن وجود جسيمات بلاستيكية دقيقة داخل العظام أو العضلات قد يؤثر على قدرة الفرد على ممارسة الرياضة، مع دراسات أخرى تُظهر أن أنواعاً معينة من هذه الجسيمات قد تُعيق نمو خلايا العظام أو العضلات.
جاء ذلك في أعقاب دراسة أخرى نُشرت في أوائل عام 2024، حيث عثرت مجموعة من الباحثين الإيطاليين على جسيمات بلاستيكية دقيقة في لويحات الشرايين السباتية- وهي زوج من الأوعية الدموية الرئيسية التي تُوصل الدم إلى الدماغ- لدى أشخاص مصابين بأمراض القلب والأوعية الدموية في مراحلها المبكرة. وقد ربط هذا وجودها بتفاقم تطور المرض. خلال السنوات الثلاث التالية، كان الأفراد الذين يحملون هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الترسّبات الدهنية أكثر عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية، أو النوبة القلبية أو الموت المفاجئ بمقدار 4.5 أضعاف.
ثم في فبراير/ شباط 2025، عثرت مجموعة أخرى من العلماء على جسيمات بلاستيكية دقيقة في أدمغة جثث بشرية. والأمر اللافت للنظر هو أن أولئك، الذين شُخّصوا بالخرف قبل وفاتهم، كانت لديهم كمية من البلاستيك في أدمغتهم تصل إلى 10 أضعاف مُقارنةً بمن لا يُعانون من هذه الحالة. ويقول ماثيو كامبن، أستاذ علم السموم بجامعة نيو مكسيكو والذي قاد هذه الدراسة: "لقد صُدمنا".
فيما يتعلق بالدماغ، يعتقد كامبن حالياً أن جزيئات بلاستيكية دقيقة تدور في مجرى الدم قد تتحكم في عملية الأيض العالية للدماغ، وتتسلل إلى جهازنا العصبي المركزي، مستغلةً الدهون المعروفة باسم "الليبيدات" التي يحتاجها الدماغ للحصول على الطاقة.
ويقول كامبن: "نعتقد أيضاً أن ارتفاع نسبة الليبيدات في الدماغ، وخاصةً في المادة البيضاء، يُهيئ بيئة مثالية لهذه المواد البلاستيكية". ويضيف: "يتميز الدماغ أيضاً بآلية تطهير بطيئة للغاية، وفي حالات الخرف، يضعف حاجز الدم الدماغي (المصمم لمنع دخول الأجسام الغريبة إلى الدماغ)، مما يُساعد على امتصاص المواد البلاستيكية".
لكن كلاً من كامبن والباحثين الإيطاليين، الذين وجدوا جسيمات بلاستيكية دقيقة في الشرايين السباتية، لم يصلوا إلى حدّ ادعاء وجود صلة سببية مباشرة بين الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والخرف أو أمراض القلب. بدلاً من أن تكون هذه الجزيئات البلاستيكية عاملاً مُسبباً وحيداً لهذه الأمراض، يعتقدون أن الأرجح أن هذه الجزيئات تتعاون مع عوامل أخرى تُسبب اعتلال الصحة، مُسببةً عبئاً إضافياً على أجهزة الجسم على مدار سنوات عديدة.
تقول فاي كوسيرو، أستاذة التلوث البيئي بجامعة بورتسموث في بريطانيا، عن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة في أجسامنا: "إنها ليست الأسبستوس (مجموعة ألياف معدنية). لن تُسبب ضرراً مُحدداً بشكل فوري، ولكن من المُرجح أنها ستُلحق الضرر بخلاياك وتُشكل عبئاً على صحتك العامة، مما يزيد من احتمالية إصابتك بالأمراض".
أحد التحديات الفريدة التي تُواجه محاولة ربط الجزيئات البلاستيكية الدقيقة بالأمراض المزمنة، مُقارنةً بعوامل الخطر المعروفة الأخرى، مثل الإفراط في تناول اللحوم الحمراء أو الدهون المُشبعة، هو أن هذا المصطلح المُفرد يشمل عالماً من التعقيد اللامتناهي تقريباً.
لقد وجدت الدراسات التي أُجريت على المياه المُعبأة، على سبيل المثال، أن لتراً واحداً من المياه يُمكن أن يحتوي على ما يصل إلى 240 ألف جزيء مُختلف من البلاستيك بأبعاد ومواد متفاوتة. من بين هذه الأنواع، حدّد الباحثون ما لا يقل عن سبع فئات مختلفة من البلاستيك، تتراوح من نوع من النايلون يُسمى "البوليامايد" إلى البوليسترين.
تقول فيرينا بيتشلر، الأستاذة المساعدة في الكيمياء الصيدلانية بجامعة فيينا، بالنمسا: "هناك أنواع عديدة من البلاستيك، لكل منها تركيبات مختلفة تتحلل إلى أشكال وأشكال متنوعة". وتضيف: "لا يعكس مصطلح (الجسيمات البلاستيكية الدقيقة) مدى تنوع ما نتعامل معه".
ويتمثل التحدي الآخر، الذي يواجه باحثين مثل بيتشلر، في أن أنواع المواد البلاستيكية الدقيقة المختلفة قد تؤدي لنتائج مختلفة تماماً، لدى كل شخص. وتشير إلى أن الأبحاث أشارت إلى أن بعض جزيئات البلاستيك يمكنها امتصاص السموم البيئية، وحمل المعادن الثقيلة، بينما قد تتفاعل مواد كيميائية مختلفة تُضاف إلى البلاستيك مع شبكة الهرمونات في الجسم.
قد تكون الجسيمات البلاستيكية النانوية (جسيمات بلاستيكية يقل حجمها عن ميكرومتر واحد)، وهي أصغر بكثير من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي يبلغ طولها خمسة ملليمترات أو أقل، أكثر ضرراً لأنها صغيرة بما يكفي لتتمكن من عبور الأغشية الخلوية والتجمع داخل الخلايا.
وُجد أن بعض هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تُشكل مركزاً، لما يُسمى بجينات مقاومة مضادات الميكروبات، والتي يُمكنها التفاعل مع البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات لتُكسبها مقاومة ضد الأدوية.
تقود كوسيرو حالياً مشروعاً في أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية)، يجمع عينات من كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي المُصرّفة في المحيط من قِبل سفن الرحلات البحرية، بهدف فهم أفضل لأنواع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تميل إلى إيواء هذه الجينات.
تقول كوسيرو: "يبدو الأمر غريباً، لكن أنتاركتيكا لديها أقل كمية من جينات مقاومة مضادات الميكروبات، لذا فهي منطقة جيدة للبحث فيها، نظراً لقلة الضوضاء الناجمة عن عوامل أخرى".
يقول رافاييل مارفيلا، أستاذ الطب الباطني وباحث الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في جامعة كامبانيا لويجي فانفيتيلي في نابولي، إنه يشتبه في أن كلاً من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والنانوية قد يُسببان تسارع الشيخوخة.
يعتقد مارفيلا أنهم قادرون على تحقيق ذلك بطرق عدة، بما في ذلك إحداث خلل في الأوعية الدموية، ما يُسبب عبئاً متزايداً من الالتهاب المزمن منخفض الدرجة، بالإضافة إلى تغيير سلوك الخلايا في الأعضاء الداخلية من خلال توليد جزيئات مُضرة بالحمض النووي، تُسمى "أنواع الأكسجين التفاعلية". وقد تم بالفعل تحديد هذه الاستجابة الالتهابية لدى الطيور البحرية، ما يؤدي إلى حالة أُطلق عليها اسم "البلاستيكوس"، ويعتقد مارفيلا أنه من المعقول أن يحدث هذا أيضاً لدى البشر.
هذا رأيٌ تُشاركه بيشلر، التي انجذبت لأول مرة إلى هذا المجال بعد قراءتها عن التركيزات العالية من البلاستيك الدقيق المُكتشفة في عينات البراز البشري، وتكهنت بأنها قد تكون مرتبطة بارتفاع معدل انتشار سرطان القولون والمستقيم. وقد أثار بحثها اللاحق شكوكها في أن تراكم البلاستيك الدقيق قد يكون له دور في زيادة خطر الإصابة بالسرطان بطريقة ما.
وتقول: "تشير الدراسات إلى أن المواد البلاستيكية الدقيقة قد يكون لها دور في تضخيم الالتهاب، وهو أمر مُقلق. إذا استمرت الاستجابة الالتهابية أو تشجّعَت بنشاط من خلال التعرض المستمر للبلاستيك، فقد يكون لذلك آثار على تكوّن الأورام وتطور المرض".
"على الرغم من أن الدور المُباشر للمواد البلاستيكية الدقيقة في تطوّر السرطان لا يزال قيد البحث، إلا أن قواعد البيانات والدراسات العلمية الحالية تُشير إلى وجود صلة مُحتملة".
ونظراً لاستهلاك البشر لأنواعٍ مُختلفةٍ من البلاستيك، تقول رايت إنه من غير المُحتمل وغير العملي، في غياب مصادر تمويلٍ ضخمة، أن يتمكن الباحثون من تحديد صلةٍ مُباشرة بين تناول المواد البلاستيكية الدقيقة ومرضٍ مُحدد. هذا يختلف عن مُلوِّث بيئي كدخان التبغ، الذي ثَبُتَ أنه يُسبِّب سرطان الرئة.
تقول رايت: "إنَّ تنوُّع الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في البيئة يعني أنه لا يُمكن اختبار جميع الاحتمالات، لأنَّ ذلك سيتطلب إجراء مئات التجارب".
يرى مارفيلا أنَّ السبيل الأكثر عمليةً للمضي قدماً هو محاولة تحديد حدودٍ، لما يُمكن لأجسامنا تحمُّله بأمان قبل أن يُصبح خطر السُّمِّية والضرر مرتفعاً للغاية.
ويقول إن فريقه يعمل حالياً على تحقيق هذا الهدف، مضيفاً: "ليس لدينا حتى الآن حدٌّ نهائيٌّ للسُّمِّية، لكننا بدأنا نرى أنماطاً. على سبيل المثال، تشير البيانات الأولية من النماذج الحيوانية إلى أن التعرض المزمن لجرعات، تتراوح بين 10 و100 ميكروغرام (جزء من مليون من الغرام)، من البلاستيك الدقيق لكل كيلوغرام من وزن الجسم يومياً، يمكن أن يُسبب تغيرات التهابية وأيضية قابلة للقياس".
ومع ذلك، أُجريت هذه الدراسة حتى الآن على الفئران، ويوضح مارفيلا أن تطبيق النتائج على البشر أمر معقد.
وتقول كوسيرو إن الخطر قد يختلف أيضاً تبعاً للحالة الصحية الأساسية للشخص، حيث يكون كبار السن أو من يعانون من مشكلات صحية أساسية أكثر عرضة، بشكل ملحوظ، لتأثيرات المواد البلاستيكية الدقيقة.
أشارت دراسات بحثية بالفعل إلى أن المواد البلاستيكية الدقيقة أو النانوية، التي يبتلعها مرضى السرطان، قد تؤثر على نجاح العلاج، إذ تستطيع هذه الجسيمات الدقيقة تغيير سلوك أدوية السرطان في الجسم.
وتحاول كوسيرو الآن، بالتعاون مع فريقها في جامعة بورتسموث، فهم ما إذا كانت جرعات معينة من المواد البلاستيكية الدقيقة تُشكّل خطراً أكبر، على الأشخاص المصابين بالربو المزمن أو غيره من أمراض الجهاز التنفسي طويلة الأمد.
تقول كوسيرو: "مع الربو، نعلم أن جودة الهواء أمر بالغ الأهمية، وهي إحدى المشاكل الرئيسية التي تُسبب نوبات الربو. وإذا كانت جزيئات البلاستيك أسوأ بقليل من الجزيئات الأخرى في الهواء، فعلينا محاولة تقليل تعرضهم لها".
لتحقيق ذلك، تخطط كوسيرو لفحص عينات من البلغم، وهو المخاط السميك الذي يُخرج من الرئتين والمجاري الهوائية عند السعال، لمعرفة ما إذا كانت الجسيمات البلاستيكية الدقيقة موجودة بكميات كبيرة بشكل خاص عند تفاقم الأعراض لدى المرضى. كما تزور منازل المرضى المُعرّضين للخطر لقياس جودة الهواء، وتكوين فكرة عن أنواع الجسيمات البلاستيكية التي يتنفسونها، ثم اختبار تأثير تلك الجسيمات على عينات من خلاياهم.
في النهاية، ومثل العديد من الباحثين في مجال الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، تأمل كوسيرو في جمع بيانات كافية لتتمكن من التواصل مع مصنعي البلاستيك، وتقديم توصيات حول كيفية جعل منتجاتهم أكثر أماناً.
تقول كوسيرو: "نعلم أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة موجودة في كل مكان، حتى في الأماكن المغلقة. إذا كانت في الهواء، فأنت لا تزال تستنشق الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بمستويات منخفضة أثناء النوم".
"لذلك نود، إن أمكن، التحدث مع الشركات المصنعة حول كيفية تجنبها، وما إذا كان بإمكانهم التوقف عن تصنيع بعض أنواع البلاستيك بالأساس".
"على سبيل المثال، بالنسبة للأشخاص الذين يذهبون إلى المستشفى لتلقي العلاج من أمراض الجهاز التنفسي، تكون الأقنعة والأنابيب بلاستيكية. فهل يمكننا إيجاد بدائل أفضل تمنع دخولها إلى المنظومة من الأساس؟".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العالم يزداد حرارة، هل تؤثر موجات الحر على أدمغة البشر؟
العالم يزداد حرارة، هل تؤثر موجات الحر على أدمغة البشر؟

BBC عربية

timeمنذ 7 أيام

  • BBC عربية

العالم يزداد حرارة، هل تؤثر موجات الحر على أدمغة البشر؟

يزداد العالم حرارة بسبب موجات الحر الشديدة الناتجة عن التغير المناخي، مما يدفع العلماء للتسابق من أجل فهم تأثير ارتفاع الحرارة على قدرات أدمغتنا البشرية. لم يكد الرضيع جيك أتمّ شهره الخامس، حتى أُصيب بأول نوبة صرع كبرى، حيث تيبس جسده الصغير ثم أخذ يرتعش بسرعة. تقول والدته، ستيفاني سميث: "كان الجو حاراً جداً، وبالتالي ارتفعت درجة حرارته، ثم رأينا ما اعتقدنا أنه أفظع شيء سنراه على الإطلاق". "لكن للأسف، كان هناك ما هو أكثر من هذا." بدأت نوبات الصرع تزداد في الطقس الحار. وفي أيام الصيف الخانقة والرطبة، كانت عائلة جيك تلجأ إلى استخدام كل أساليب التبريد الممكنة، وتصارع بشراسة للسيطرة على هذه النوبات. خضع جيك لاختبار جيني في سن 18 شهراً، وشخّص الأطباء حالته بأنها متلازمة درافيت، وهي حالة عصبية تتضمن شكلاً من أشكال الصرع، وتصيب طفلاً واحداً من كل 15 ألف طفل تقريباً. غالباً ما يصاحب هذه الحالة نوبات إعاقة ذهنية ومجموعة أمراض مثل التوحد واضطراب فرط الحركة وضعف الانتباه، بالإضافة إلى صعوبات في الكلام والحركة وتناول الطعام وحتى النوم. ويمكن أن تحدث النوبات بسبب ارتفاع الحرارة والتغيرات المفاجئة في درجات الحرارة. يبلغ جيك الآن من العمر 13 عاماً، وتوضح والدته أنه عانى من نوبات كثيرة لا تحصى مع تغير الطقس، وتقول ستيفاني: "ارتفاع درجات الحرارة في الصيف وموجات الحر تزيد من عبء التعايش مع هذه الحالة المدمرة أصلاً". موجة حرّ تضرب أوروبا: وفيات وإغلاقات ودرجات حرارة تبلغ مستويات تاريخية وتعد متلازمة درافيت واحدة من أمراض عصبية عديدة تزداد حدتها مع ارتفاع درجات الحرارة، كما يقول سانجاي سيسوديا، من كلية لندن الجامعية، وهو رائد في مجال تأثير تغير المناخ على الدماغ وطبيب أعصاب متخصص في الصرع، وسمع الكثير من عائلات المرضى عن تزايد المشاكل خلال موجات الحر. يقول سيسوديا: "تساءلت في نفسي، بالطبع، لماذا لا يؤثر تغير المناخ أيضاً على الدماغ؟ ففي النهاية، هناك العديد من العمليات في الدماغ مرتبطة بكيفية تعامل الجسم مع الحرارة." أثناء بحثه في المراجع العلمية، اكتشف مجموعة من الحالات العصبية التي تتفاقم مع ارتفاع الحرارة والرطوبة، منها الصرع، السكتة الدماغية، التهاب الدماغ، التصلب اللويحي، والصداع النصفي، وغيرها. كما اكتشف أن آثار تغير المناخ على أدمغتنا أصبحت واضحة بالفعل. على سبيل المثال، خلال موجة الحر الأوروبية عام 2003، جاءت 7 في المئة من الوفيات الزائدة بسبب مشاكل عصبية مباشرة. وتم رصد أرقام مماثلة خلال موجة الحر في بريطانيا عام 2022. كما أن الحرارة يمكن أن تغير أيضاً الطرق التي تعمل بها أدمغتنا، مما يجعلنا أكثر عنفاً وغضباً واكتئاباً. والسؤال الآن، في ظل ارتفاع درجة حرارة العالم بسبب تغير المناخ، ما هو التأثير المتوقع للحرارة على أدمغتنا؟ نادراً ما ترتفع درجة حرارة الدماغ البشري بمقدار درجة مئوية واحدة في المتوسط عن درجة حرارة الجسم الأساسية. لكن نظراً لكونه من أكثر أعضاء الجسم استهلاكاً للطاقة، فإن الدماغ يُنتج قدراً من الحرارة الذاتية (يسخن الدماغ ذاتياً)، عندما نقوم بعمليات التفكير والتذكر ونتفاعل مع العالم من حولنا. هذا يعني أن أجسامنا تبذل جهداً كبيراً للحفاظ على برودتها، وهو ما يقوم به الدم خلال دورته عبر شبكة من الأوعية الدموية من أجل الحفاظ على درجة الحرارة، وكذلك التخلص من الحرارة الزائدة. هذا ضروري لأن خلايا دماغنا حساسة جداً للحرارة. وهناك فهم أيضاً لأن وظيفة بعض الجزيئات التي تنقل الرسائل بين هذه الخلايا تعتمد على درجة الحرارة، ما يعني أنها كفاءة عملها تتأثر إذا ارتفعت درجة حرارة أدمغتنا أو حتى إذا انخفضت. إن رغبت في مواجهة موجات الحر فانظر إلى إبداع اليابانيين في التبريد يقول الدكتور سانجاي سيسوديا: "لا نفهم تماماً كيف تتأثر المكونات المختلفة لهذه الصورة المعقدة (من الخلايا الدماغية). لكن يمكننا تخيلها كأنها ساعة، لم تعد جميع الأجزاء تعمل معاً بشكل صحيح." على الرغم من أن الحرارة الشديدة تغير آلية عمل أدمغة الجميع، وقد تؤثر سلباً على اتخاذ القرارات وتدفع الناس إلى مخاطر أكبر، إلا أن المصابين بأمراض عصبية هم الفئة الأكثر تضرراً غالباً، لأسباب عديدة، منها على سبيل المثال ضعف عملية التعرق بسبب بعض الأمراض. ويوضح سيسوديا أن تنظيم الحرارة وظيفة دماغية، وقد "تتعطل إذا لم تعمل أجزاء معينة من الدماغ بشكل صحيح." ففي بعض حالات مرض التصلب اللويحي، يبدو أن درجة حرارة الجسم الأساسية تتغير. كما أن بعض الأدوية التي تعالج الأمراض العصبية والنفسية، مثل الفصام، تؤثر على تنظيم درجة الحرارة، مما يجعل من يتناولونها أكثر عرضة للإصابة بضربة الشمس، أو ما يُعرف طبياً بالإجهاد الحراري، كما أنهم أكثر عرضة للوفاة المرتبطة بالحرارة. يمكن لموجات الحر، التي تؤدي إلى ارتفاع الحرارة ليلاً، أن تؤثر على جودة النوم مما يؤثر على مزاج البشر، وقد يؤدي هذا إلى تفاقم أعراض بعض الحالات المرضية. يقول الدكتور سيسوديا: "بالنسبة للعديد من المصابين بالصرع، فإن قلة النوم يمكن أن ترفع خطر الإصابة بنوبات مرضية." تشير الدلائل إلى أن حالات دخول المستشفيات ومعدلات الوفيات بين المصابين بالخرف تزداد أيضاً خلال موجات الحر. قد يرجع هذا جزئياً إلى التقدم في السن، نظراً لأن كبار السن أقل قدرة على تنظيم درجة حرارة أجسامهم، لكن الضعف الإدراكي لديهم قد يعني أيضاً ضعف القدرة على التكيف مع الحرارة الشديدة، فهم مثلا قد لا يشربون كمية كافية من الماء، أو ينسون إغلاق النوافذ، أو يخرجون في وقت ذروة الحرارة. كما أن هناك ارتباط أيضاً بين ارتفاع درجات الحرارة وزيادة حالات السكتة الدماغية والوفيات. في إحدى الدراسات التي حللت بيانات وفيات السكتة الدماغية من 25 دولة، وجد الباحثون أن الحرارة الشديدة أدت إلى حدوث حالتي وفاة إضافيتين من بين 1000 حالة وفاة ناجمة عن السكتة الدماغية الإقفارية. تقول بيثان ديفيز، أخصائية طب الشيخوخة في مستشفيات جامعة ساسكس البريطانية: "قد لا يبدو هذا العدد كبيراً. ولكن مع بلوغ عدد الوفيات حول العالم بسبب السكتة الدماغية إلى سبعة ملايين وفاة سنوياً، فإن الحرارة العالية تتسبب في أكثر من 10 آلاف حالة وفاة إضافية بالسكتة الدماغية سنوياً". وحذرت بيثان وزملاؤها من أن تغير المناخ من المرجح أن يفاقم هذا الوضع في السنوات القادمة. ما أسباب الحر الشديد هذا الصيف؟ ولأن البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل الأكثر تضرراً من تغير المناخ وتشهد أيضاً أعلى معدلات السكتات الدماغية، فإنها سوف تعاني من تزايد هذه الحالات المرتبطة بالحرارة. وتضيف بيثان ديفيز: "سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تفاقم الفجوة الصحية بين البلدان وبعضها، وحتى داخل البلد نفسها ستزداد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية". وتتزايد الأدلة حول وجود خطر أكبر على كبار السن وأصحاب الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدني، فهم أكثر عرضة لخطر الوفيات المرتبطة بالحرارة. كما أن ارتفاع درجة حرارة العالم يضر بالنمو العصبي للأطفال الأصغر سناً. وتقول جين هيرست، أستاذة صحة المرأة العالمية في إمبريال كوليدج لندن بريطانيا: "هناك ارتباط بين الحرارة الشديدة ومشكلات الحمل السيئة، مثل الولادات المبكرة". وقد وجدت مراجعة منهجية حديثة للأبحاث العلمية أن موجات الحر ترتبط بزيادة نسبة الولادة المبكرة إلى 26 في المئة، مما قد يؤدي إلى تأخر النمو العصبي وضعف إدراكي للأطفال. وتضيف جين: "مع ذلك، هناك الكثير مما نجهله. مثلاً من هم الأكثر عرضة للخطر ولماذا؟ لأن هناك 130 مليون امرأة تلدن أطفالاً كل عام، وكثيرات منهن في بلدان حارة، ولا يحدث لهن هذا." كما أن الحرارة المفرطة الناجمة عن تغير المناخ قد تؤدي لضغوط إضافية على الدماغ، مما يجعله أكثر عرضة للتلف وبالتالي إصابته بأمراض عصبية تنكسية. فالحرارة تؤثر أيضاً على الحاجز الذي يحمي الدماغ عادة، مما يجعله أكثر هشاشة وقابلية للاختراق، ويزيد من خطر انتقال السموم والبكتيريا والفيروسات إلى أنسجة الدماغ. قد يزداد هذا الأمر أهمية مع ارتفاع درجات الحرارة وأيضاً انتشار البعوض الذي ينقل فيروسات قد تسبب أمراضاً عصبية، مثل زيكا وشيكونغونيا وحمى الضنك. يقول توبياس سوتر، عالم الحشرات الطبية في المعهد السويسري للصحة الاستوائية والعامة: "يمكن أن يؤثر فيروس زيكا على الأجنة ويسبب صغر الرأس". ويضيف: "ارتفاع درجات الحرارة واعتدال الحرارة في فصول الشتاء يعني أن موسم تكاثر البعوض (يكون طويلاً) يبدأ مبكراً وينتهي متأخراً." ويمكن لموجات الحر أن تؤثر على مجموعة كبيرة من العمليات النفسية، بدءاً من النبضات الكهربائية للخلايا العصبية، ومروراً بخطر التفكير في الانتحار، والقلق المناخي، وقد تؤثر حتى على فاعلية الأدوية المستخدمة لعلاج الحالات العصبية. لكن العلماء ما زالوا يعملون على التحديد الدقيق لكيفية تأثير ارتفاع درجات الحرارة على أدمغتنا. يؤثر الحر على الناس بطرق مختلفة جداً، بعضهم يزدهر في الطقس الحار، بينما يجده آخرون لا يُطاق. يقول سيسوديا: "قد تكون هناك عوامل مختلفة ذات صلة بهذه الحساسية المختلفة، وقد يكون أحدها الاستعداد الوراثي." يمكن للمتغيرات الجينية أن تؤثر على هياكل البروتينات التي قد تجعل بعض الناس أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. ويضيف: "قد تكون هناك خصائص كامنة مرتبطة باستجابة الإنسان للحرارة، لن تظهر إلا في حالة وجود ضغوط بيئية حرارية تؤدي في النهاية لخروجها"، "ما نراه اليوم من أعراض لدى الأشخاص المصابين باضطرابات عصبية قد تظهر على أشخاص غير مصابين بها مع تقدم تغير المناخ". كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟ لا تزال هناك أسئلة أخرى بحاجة إلى إجابة. على سبيل المثال، هل درجة الحرارة القصوى، أم طول موجة الحر، أم درجة الحرارة الليلية، هي الأكثر تأثيراً؟ قد يختلف الأمر من شخص لآخر أو حسب الحالة العصبية. لكن تحديد الفئات المعرضة للخطر وأسباب معاناتها أمر مهم جداً للمساعدة في وضع استراتيجيات لحماية الفئات الأكثر ضعفاً. قد يشمل ذلك أنظمة إنذار مبكر أو تأمينات لتعويض عمال اليومية عن الأجور التي سيخسرونها لعدم العمل بسبب الحر الشديد. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عندما تم تأكيد أن شهر يوليو/تموز 2023 هو الشهر الأكثر حرارة على الإطلاق: "لقد انتهى عصر الاحتباس الحراري، وبدأ عصر الغليان العالمي". تغير المناخ حاضر ويتفاقم، وعصر ارتفاع درجة حرارة الدماغ بدأ الآن.

هوس أكياس الكافيين: موضة بين المراهقين تثير قلق بعض الخبراء
هوس أكياس الكافيين: موضة بين المراهقين تثير قلق بعض الخبراء

BBC عربية

time٠٢-٠٨-٢٠٢٥

  • BBC عربية

هوس أكياس الكافيين: موضة بين المراهقين تثير قلق بعض الخبراء

يقول خبراء إن أعدداً متزايدة من المراهقين في الولايات المتحدة يستخدمون أكياس الكافيين للحصول على دفعة من الطاقة، وسط مخاوف من أن تنتشر هذه الظاهرة قريباً في المملكة المتحدة. هذه الأكياس الصغيرة، التي تشبه أكياس الشاي وتُوضع بين الشفة واللثة، تمنح جرعة سريعة من الكافيين تصل مباشرة إلى مجرى الدم. بعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي يروجون لهذه المنتجات، وينصحون بها مرتادي الصالات الرياضية لتحسين الأداء، أو الطلاب الراغبين في البقاء متيقظين أثناء الامتحانات. من أين تأتي القهوة، وما هو تاريخها، وكيف تؤثر على الجسم؟ كيف غيرت القهوة بريطانيا للأبد؟ ويقول الدكتور روب فان دام، من جامعة جورج واشنطن، إن متجر "تيك توك" يبيع الكثير من العلامات التجارية والنكهات التي قد تجذب الشباب. لكن مع احتواء الكيس الواحد على كمية من الكافيين تعادل كوبين من القهوة، لن يكون من السهل تناول جرعات كبيرة تؤدي إلى آثار جانبية سيئة، بحسب قوله. هناك بالفعل قلق متزايد في المملكة المتحدة بشأن استخدام الشباب لأكياس النيكوتين أو "السنوُس". كما أن أكياس الكافيين غير لافتة للنظر – إذ قد يصعب ملاحظة وجودها في الفم – ما يجعل من السهل إخفاؤها عن الأهل والمعلمين. بعض مستخدمي هذه المنتجات يتفاخرون عبر الإنترنت بشعورهم بـ"النشوة" عند استخدام كيسين في الوقت نفسه للحصول على جرعة مضاعفة من الكافيين. وبما أن الكافيين يُمتص بسرعة، فقد تبدأ آثاره بعد دقائق من تناوله وتستمر لساعات عدة. ويمكن أن تصل المستويات إلى حد الخطر. وقال الدكتور فان دام لبي بي سي: "قد يكون لدى الشباب تحمل أقل للكافيين، وهناك احتمال أن ينتهي بهم الأمر في غرفة الطوارئ إذا تناولوا الكثير منه". لماذا الكافيين وما الذي يحدث عند الإفراط فيه؟ الكافيين مادة منبهة يمكن أن تجعلك أكثر يقظة وأقل شعوراً بالنعاس، بسبب تأثيرها على الدماغ والجهاز العصبي. يقول لويس جيمس، من كلية علوم الرياضة والتمارين الصحية في جامعة لوبورو، إن هناك أدلة قوية على أن الكافيين يمكن أن يجعل ممارسة الرياضة أسهل شعوراً. وأصبح من أكثر المكملات استخداماً بين الرياضيين. أثناء ممارسة الرياضة، ينتج الجسم مادة كيميائية تُسمى "الأدينوزين" تجعلك تشعر بالتعب. يعمل الكافيين على حجب مستقبلات الأدينوزين في الأعصاب، فيقل إدراك الدماغ للألم والإرهاق. لكن تأثيره يمتد إلى أجزاء أخرى من الجسم أيضاً – بما في ذلك الجهاز القلبي الوعائي – ما قد يكون محفوفاً بالمخاطر. المستويات العالية يمكن أن تسبب سرعة ضربات القلب، واضطرابات في النظم القلبي، ونوبات تشنجية. ورغم ندرتها، وُثقت حالات وفاة بسبب الإفراط في تناول الكافيين. بعض الأشخاص أكثر حساسية للكافيين من غيرهم، وقد يصابون بالغثيان والقلق والتهيج، ويعانون من الصداع حتى عند جرعات أقل. بشكل عام، يُعتبر تناول ما يصل إلى 400 مللي غرام من الكافيين يومياً آمناً لمعظم البالغين الأصحاء – أي ما يعادل نحو أربعة أكواب من القهوة الفورية. الشاي يحتوي على كمية أقل قليلاً، لذا فإن خمسة أكواب يومياً غالباً ما تكون مقبولة. ويُنصح النساء الحوامل بتقليل الاستهلاك اليومي إلى 200 مللي غرام أو أقل. الأطفال والمراهقون أكثر عرضة للمخاطر واحتمال التسمم بالكافيين، ولهذا السبب تُلزم قوانين الاتحاد الأوروبي مشروبات الطاقة التي تحتوي على أكثر من 150 ملغ من الكافيين بحمل تحذير: "محتوى مرتفع من الكافيين. غير موصى به للأطفال أو النساء الحوامل أو المرضعات". انتبه إلى المشروبات أو الأطعمة الأخرى التي تحتوي على الكافيين يقول الدكتور فان دام إنه من السهل تناول كميات مفرطة من الكافيين، لأنه موجود في كثير من المشروبات وبعض الأطعمة، لذلك من المهم التحقق من كمية ما تستهلكه. ويضيف: "بينما يصعب تناول جرعة زائدة من القهوة، فإن هذه المنتجات تجعل الأمر أسهل، خاصة إذا كان الشباب يستخدمون مشروبات الطاقة أيضاً". ويشير إلى أن بعض المنتجات تحتوي، عند فحصها في المختبر، على كمية من الكافيين تفوق ما هو مذكور على الملصق. • القهوة: يحتوي الكوب على نحو 100 إلى 140 مليغرام من الكافيين، لكن النسبة قد تختلف كثيراً • الشاي: يحتوي الكوب على نحو 75 مليغرام. • مشروبات الطاقة: غالباً تحتوي على 80 مليغرام في عبوة حجمها 250 مل. • المشروبات الغازية: عادة تحتوي على نحو 40 مليغرام في العبوة. • الشوكولاتة: يوجد نحو 25 مليغرام من الكافيين في لوح شوكولاتة داكنة وزنه 50 غراماً، ونحو 10 مليغرام في لوح شوكولاتة بالحليب بنفس الوزن. يقول أطباء الأسنان إن استخدام هذه الأكياس على المدى الطويل قد يسبب تهيجاً في اللثة، تماماً كما يحدث مع "السنوُس" وأكياس النيكوتين. ويخشى بعض الخبراء أن تكون أكياس الكافيين بوابة لاستخدام هذه المنتجات الأخرى. تقول باني سورش، رئيسة قسم التغذية العلاجية في "كليفلاند كلينك" بلندن والمتحدثة باسم الجمعية البريطانية للتغذية، إن استخدام الأكياس قد يبدو "موضة" أو أمراً غير ضار، لكن هناك خطراً حقيقياً في جعل استخدام المنبهات أمراً طبيعياً بين المراهقين والشباب، ما قد يخلق أنماطاً من الاعتماد. وأضافت لبي بي سي: "بينما قد يمنح الكافيين دفعة مؤقتة، فإنه قد يعرقل النوم ويفاقم التعب بمرور الوقت، خصوصاً لدى الأطفال والمراهقين الأكثر حساسية لتأثيراته". إذا كان الشباب سيتناولون الكافيين، فإن الجمعية البريطانية للتغذية وهيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا تنصحان بالحذر. وتقترح الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية ألا يتجاوز الحد الأقصى للأطفال والمراهقين 3 مليغرام لكل كيلوغرام من وزن الجسم، أي أن الطفل الذي يزن 30 كيلوغراماً يجب ألا يتناول أكثر من 90 مليغرام في اليوم. بدلاً من اللجوء إلى الكافيين، تقول سورش إنه من الأفضل التركيز على الوجبات المنتظمة، وشرب الماء، والأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية التي تدعم مستويات طاقة ثابتة طوال اليوم. وتؤكد أن النظام الغذائي الصحي الذي يحتوي على ما يكفي من الحديد والبروتين والكربوهيدرات بطيئة الامتصاص يجب أن يفي بالغرض.

أول صبي من غزة يتلقى العلاج في بريطانيا نتيجة إصابته في الحرب
أول صبي من غزة يتلقى العلاج في بريطانيا نتيجة إصابته في الحرب

BBC عربية

time٣١-٠٧-٢٠٢٥

  • BBC عربية

أول صبي من غزة يتلقى العلاج في بريطانيا نتيجة إصابته في الحرب

ماجد شغنوبي لا يستطيع تناول الطعام أو الحديث كما كان يفعل سابقاً، ولا يبتسم. ومع ذلك، فقد غطى فمه المصاب بكمامة طبية، وكانت عيناه تلمعان لدى وصوله إلى مطار هيثرو بلندن على متن رحلة من القاهرة، برفقة والدته وشقيقه وشقيقته الصغيرة. قال لي الفتى البالغ من العمر خمسة عشر عاماً: "أنا سعيد بوجودي في إنجلترا وتلقي العلاج". كان يحاول الحصول على مساعدات إنسانية في المنطقة الكويتية شمال غزة في فبراير/شباط من العام الماضي، عندما انفجرت قذيفة دبابة إسرائيلية بالقرب منه، مما أدى إلى تحطم عظم فكه وإصابة ساقه. شرح ما حدث له قائلاً: "ساعدني أحد أصدقائي ونقلني إلى المستشفى. ظنوا أنني ميت. فاضطررت إلى تحريك يدي لأريهم أنني على قيد الحياة". أنقذ أطباء غزة حياته، وقضى ماجد عدة أشهر في المستشفى يتنفس عبر أنبوب القصبة الهوائية، قبل أن يُنقَل إلى مصر في فبراير/شباط من هذا العام، بعد سماح إسرائيل له، لتلقي المزيد من العلاج الطبي. وهو الآن في المملكة المتحدة لإجراء عملية جراحية في مستشفى "غريت أورموند ستريت" للأطفال في لندن لاستعادة وظائف وجهه. ويعد ماجد أول صبي من غزة يصل إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج بعد إصابته في الحرب، بعد مرور ما يقرب من عامين قُتل وأصيب خلالهما أكثر من 50 ألف طفل، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). وصل ماجد بعد أشهر من انطلاق المشروع الذي أسسه أطباء متطوعون، كانوا قد اجتمعوا في نوفمبر/تشرين الأول 2023 لوضع لبنة مشروع "بيور هوب" أو "الأمل الخالص" القائم على التبرعات، لمساعدة أطفال غزة المصابين والمرضى، على الوصول إلى المملكة المتحدة لتلقي العلاج. ويقول القائمون على مشروع "بيور هوب": "تحتضن المملكة المتحدة بعض أفضل مرافق طب الأطفال في العالم. ومع ذلك، وبينما بادرت دول كالولايات المتحدة وبلجيكا وإيطاليا وسويسرا وغيرها الكثير للمساعدة، لم تحذُ المملكة المتحدة حذوها بعد". ويأتي وصول ماجد إلى المملكة المتحدة بعد أقل من أسبوع من تعهد رئيس الوزراء السير كير ستارمر بإجلاء المزيد من الأطفال المصابين بجروح بالغة، على الرغم من أن الحكومة لم تُفصح إلا عن تفاصيل قليلة حول الخطة. وسيضم الفريق الطبي لماجد - وهو فريق يعمل أفراده مجاناً - جرّاحين متخصصين في جراحة الوجه والجمجمة والتجميل وتقويم الأسنان، على أن تُدفع تكاليف المستشفى من تبرعات خاصة. وصرح الجراح الرئيسي نور العواس جيلاني، أستاذ جراحة أعصاب الأطفال في مستشفى غريت أورموند ستريت قائلاً: "إذا تمكنا من منحه وجهاً وفكاً يستطيع استخدامهما، فلن يكون الأمر طبيعياً تماماً، لكننا نأمل أن يتمكن من التحدث وتناول الطعام دون مساعدة، وأن تتحسن تعابير وجهه". وأضاف جيلاني: "نأمل أن يكون لذلك تأثير كبير على حياته ومستقبله. نأمل أن نتمكن من مساعدة المزيد من أمثاله من الأطفال في الأشهر المقبلة. إنها مسؤوليتنا الأخلاقية الجماعية". إجلاء أطفال مرضى من غزة بعد إعادة فتح معبر رفح طفل مصاب من قطاع غزة يخطو خطواته الأولى بعد إجراء عملية جراحية في الأردن وسبق لأطباء المستشفى أن عالجوا مرضى من أوكرانيا، وساعدوا العام الماضي في فصل توأم ملتصق في إسرائيل. وقد أعرب البروفيسور جيلاني عن شعوره بالإحباط؛ لتأخر علاج أول طفل قادم من حرب غزة، في المملكة المتحدة. وقال: "بصفتي طبيباً وإنساناً، لا أفهم تماماً لمَ استغرقنا أكثر من 20 شهراً للوصول إلى هذه اللحظة". حدد مشروع "بيور هوب" 30 طفلاً من غزة، من المصابين بجروح خطيرة، آملاً في المساعدة في نقلهم إلى المملكة المتحدة. ويؤكد المشروع على أن إعلان الحكومة "حيوي ومتأخر"، لكن الوقت جوهري. وقال عمر الدين، المؤسس المشارك في المشروع: "كل يوم تأخير، يُعرّض حياة ومستقبل الأطفال، الذين يستحقون فرصة العيش والتعافي وإعادة بناء حياتهم، للخطر". في أبريل/نيسان، نجحت مجموعة المتطوعين في الحصول على تأشيرات لفتاتين، وهما راما، 13 عاماً، وغِنى، 5 أعوام؛ اللتين تعانيان من مشكلات صحية مزمنة، وذلك لإجراء عمليات جراحية بتمويل خاص في المملكة المتحدة. نُقلت الفتاتان إلى لندن بعد إجلائهما من غزة إلى مصر؛ حيث لم تتلقيا العلاج اللازم بسبب تدمير نظام الرعاية الصحية هناك. ومنذ أن التقيت بهما في أوائل مايو/أيار، ازداد وزن راما، وأصبحت غِنى، التي كانت انطوائية نتيجة صدمة نفسية عميقة، أكثر مرحاً بشكل ملحوظ. خضعت غِنى لجراحة ليزر لتخفيف الضغط في عينها اليسرى، التي كانت معرضة لخطر فقدانها، فيما خضعت راما لجراحة استكشافية لمشكلة خطيرة في الأمعاء. وقالت والدة الفتاتين إن حالتهما جيدة. ومع ذلك، فإنهما تشعران بالقلق الذي تجلى في صعوبة في الأكل والنوم، خوفاً على أفراد عائلتهما المتبقين في غزة، الذين يكافحون الآن لإطعام أنفسهم. قالت راما: "الوضع هنا أفضل من غزة. لا قنابل ولا خوف"؛ بيد أن أصدقاءها من غزة يبعثون إليها رسائل يخبرونها فيها أنهم لم يذقوا الخبز منذ عشرة أيام، وتقول راما إن شقيقها الأكبر ينام في الشارع بعد قصف منزله أولاً، ثم خيمته. وأضافت: "إنهم جائعون. لذا لا أريد أن آكل أيضاً. أشعر وكأنني ما زلت معهم". وأفاد خبراء على صلة بالأمم المتحدة هذا الأسبوع، بوجود أدلة على أن انتشار الجوع وسوء التغذية والأمراض، يُساهم في ارتفاع الوفيات المرتبطة بالجوع بين نحو مليوني فلسطيني في غزة. أما ماجد، الذي تعرض لإصابات غيّرت حياته أثناء محاولته توفير الطعام لعائلته، فهو قلق أيضاً على شقيقيْه اللذين لا يزالان في غزة. ويقول: "أخشى أن يموتا أو أن يصيبهما مكروه. كل ما أريده هو أن يكونا بخير".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store