
السكة الحديدية.. هندسة جديدة للخريطة التنموية
❊ ربط الشمال الصناعي بالجنوب الثري بالموارد
❊ ترسيخ حضور الدولة بالفضاءات البعيدة وتعميق الاندماج الوطني بين الأقاليم
❊الخط الشمالي الجزائر- تلمسان.. تجسيد مفهوم المحور الاقتصادي المندمج
❊ الخطوط المنجمية لاستغلال أمثل للموارد الباطنية
❊الخطوط الاختراقية.. فك العزلة عن الجنوب وربطه بالنسيج الوطني
❊ مخطط مستقبلي للجنوب الشرقي والغربي
❊ ارتفاع طول الشبكة إلى 4887 كلم في 2024 وتسليم 275 كلم مطلع 2025
تعكف السلطات العمومية على إنجاز وتحديث وعصرنة 8 خطوط كبرى للسكة الحديدية ضمن البرنامج الوطني الخاص بالقطاع، كبنية تحتية استراتيجية في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في ظل التحولات الاقتصادية والتقلبات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، متجاوزا كونه مجرد مشروع بنية تحتية للنقل إلى أداة لإعادة هندسة الخريطة التنموية للبلاد.
يجسد البرنامج الوطني لتطوير شبكة السكة الحديدية بالجزائر رؤية شاملة لإعادة توزيع الثقل الاقتصادي وتوسيع نطاق التنمية خارج المراكز التقليدية، عبر ربط الشمال الصناعي بالجنوب الثري بالموارد.
ومن خلال مد الخطوط إلى أعماق الصحراء، تعمل الدولة على ترسيخ حضورها السيادي في الفضاءات البعيدة وتعميق الاندماج الوطني بين مختلف الأقاليم، حسب وثيقة البرنامج، الذي تحصلت عليه "المساء" من الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية. ويخص هذا البرنامج 8 خطوط سككية كبرى بين تحديث وعصرنة وتثنية وإنجاز، منها ما دخلت حيز الخدمة جزئيا وتتواصل الأشغال لاستكمالها، منها مخطط إنجازها.
يتعلق الأمر بالخط المالخط الشمالي على مسافة 1250 كلم وملحقات بطول 572 كلم، الذي يعد الشريان الحيوي للشبكة الوطنية من عنابة شرقا إلى تلمسان غربا، ويربط كبريات المدن والمراكز السكانية التي تضم أكثر من 20 مليون نسمة، ويمثل همزة وصل استراتيجية مع 9 موانئ كبرى تشكل ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني. ومع اكتمال أشغال التحديث والعصرنة والتثنية على طوله، يتجه هذا الخط نحو أداء دور جديد يتجاوز النقل الكلاسيكي إلى تجسيد مفهوم "المحور الاقتصادي المندمج"، من خلال تحسين انسيابية البضائع وتيسير تنقل الأفراد، وربط مختلف البنى التحتية الصناعية والتجارية بمرافئ التصدير والاستيراد.
أما خط الهضاب العليا، فيمثل رواقا سككيا جديدا يعزز الديناميكية الداخلية من تبسة أقصى الشرق إلى سيدي بلعباس في الغرب، ويمتد على مسافة 1162 كلم عابرا أغلب المدن الداخلية ومخترقا 12ولاية يقطنها أكثر من 8 ملايين نسمة، ويعد هذا الخط الذي تم إنجازه حديثا، وفق الوثيقة، رواقا سككيا ثانيا يربط بين الشرق والغرب، ويهدف إلى كسر العزلة عن مدن الهضاب وتمكينها من أداء دورها الاقتصادي، خاصة بعد أن دخل الجزء الأكبر منه حيز الخدمة، حيث تستغل حاليا 973 كلم من الخطوط، في حين تتواصل الأشغال في آخر مقاطعه، استعدادا لخلق تقاطع استراتيجي مع الخط الشمالي عبر محور تيارت-غليزان. وبهذا الربط المنتظر يتحول خط الهضاب إلى رافعة حقيقية للتكامل الجهوي وواجهة جديدة لديناميكيات الاستثمار والإنتاج خارج المناطق التقليدية الشمالية.
في ذات السياق، سيشكل الخطان المنجميان الشرقي والغربي عند تجسيدهما حجر الزاوية في دعم الاقتصاد الوطني، القائم على استغلال الموارد الطبيعية، حيث الخط الشرقي يربط عنابة بمناجم جبل العنق وبلاد الحدبة بمشروع الفوسفات المدمج، إذ سيلعب عند انتهاء أشغال إنجازه دورا بارزا کشریان حيوي لنقل هذا المورد الاستراتيجي إلى المناطق الصناعية والموانئ. مما يعزز من تموقع الجزائر في الأسواق العالمية للمواد الفوسفاتية. ومن جانبه، يعد الخط الغربي الذي يمتد من بشار إلى غار جبيلات أحد المحاور الأساسية لاستغلال وتثمين مناجم الحديد في غار جبيلات، في إطار تعزيز مكانة الجزائر كقوة اقتصادية إقليمية وتنويع مصادر الاقتصاد الوطني.
تشكل الخطوط "الاختراقية" لاسيما الخط الشرقي والخط العابر للصحراء مسارات لفك العزلة عن الجنوب وربطه بالنسيج الوطني، حيث يمر كل منهما عبر مناطق حيوية ذات أهمية استراتيجية، إذ يمتد الخط الاختراقي الشرقي من قسنطينة إلى حاسي مسعود على مسافة 572 كلم، ويربط بين الشمال الصناعي والجنوب الغني بالموارد الطبيعية، أما الخط الاختراقي الأوسط الممتد من الجزائر العاصمة إلى تمنراست على مسافة أكثر من 2000 كلم، فينتظر أن يساهم في تنمية المناطق الصحراوية، بما يعزز قدرات التنقل والنقل بين المدن الكبرى في الشمال والمناطق الغنية بالموارد في الجنوب وتحسين جاذبية هذه المناطق للاستثمارات.
وتوضح الوثيقة، أن المخططات المستقبلية تتضمن حلقتين هامتين في الجنوب، الأولى تتعلق بالجنوب الشرقي بخط يمتد من الأغواط إلى حاسي مسعود على مسافة 425 كلم، بهدف ربط مدن الجنوب بالشبكة الوطنية وتعزيز الروابط التجارية بين وسط وشرق الجزائر، والأخرى تخص الجنوب الغربي بخط سككي على مسافة 1500 كلم بين غرداية وبرج باجي مختار، للمساهمة في تسهيل التنقل وتعزيز التبادل التجاري بين مدن وسط الصحراء ومواصلة الاندماج في المحيط القاري بما يعزز مكانة الجزائر كمركز تجاري إقليمي. وقد ارتفع طول الشبكة الوطنية للسكة الحديدية المستغلة إلى 4887 كلم خلال 2024. كما استطاعت وكالة "أنسريف" مطلع 2025 تسليم 275 كلم من خطوط السكة الحديدية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

جزايرس
منذ 2 أيام
- جزايرس
الاستثمارات في الصحراء الغربية تدعم انتهاك المغرب للقانون الدولي
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. وصف إيريك هاغن، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية، قرار الشركة الأسترالية "دينو نوبل" ب"الأمر الإيجابي" الذي يضاف إلى قرارات فريدة اتخذتها 3 شركات أسترالية أخرى كانت تستورد الفوسفات الصحراوي منذ ثمانينيات القرن العشرين، ما يجعل انسحاب "دينو نوبل" بمثابة "نهاية حقبة". وأبرز ذات المتحدث، أن قرار هذه الشركة التي كانت تحمل اسم "إنسيتك بيفوت" كان بفضل الضغط الكبير الممارس عليها وعلى غيرها من الشركات المسجلة في البورصة والتي تستورد الفوسفات من الصحراء الغربية، لافتا إلى أنه تم خلال الفترة الأخيرة، تسجيل "انخفاض كبير في عدد مستوردي صخور الفوسفات من منجم بوكراع بالصحراء الغربية المحتلة، وهو انخفاض سجل حتى قبل الأحكام الأخيرة الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية (4 أكتوبر 2024)". وأشار إلى أن "التحوّل الأكثر أهمية كان في عام 2018، عندما توقفت نصف الصادرات المتجهة إلى الولايات المتحدة وكندا". وبخصوص مخططات المغرب الذي يسابق الزمن من أجل تطوير استغلال موارد الطاقة المتجددة بشكل غير قانوني في الصحراء الغربية المحتلة من أجل "شرعنة" وجوده وتوريط الحكومات الأجنبية، وصف رئيس المرصد الدولي، الأمر "بالمشكلة العميقة التي تؤثر بشدة على الصراع في الإقليم". وقال إن المغرب "يستخدم مساحات من الأراضي بشكل غير قانوني ويتم استغلال الطاقة المنتجة لدمج أراضي الصحراء الغربية بشكل أكبر في الاقتصاد المغربي"، إلى جانب "جذب الحكومات والمستثمرين الأجانب إلى الإقليم بطريقة تقوّض القانون الدولي". وفي رسالة إلى الشركات التي لا تزال تنشط بشكل غير قانوني في الصحراء الغربية المحتلة، شدد الحقوقي النرويجي، على أنه "لا يجوز لأي شركة أو حكومة أن تتعاون في الإقليم مع الحكومة المغربية وتقوم بمثل هذه الأنشطة دون موافقة الشعب الصحراوي"، مؤكدا أن هذه الاستثمارات أو الصناعات "تدعم انتهاك المغرب للقانون الدولي وتقوّض جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة". في سياق متصل، دعا المرصد الصحراوي لحماية الموارد الطبيعية والبيئة، الجهات الدولية إلى محاسبة شركات إصدار شهادات الجودة التي تتجاهل القرارات القضائية و "تشرعن" عمليات نهب الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية المحتلة، دون الرجوع إلى موافقة المالك الشرعي لهذه الموارد وهو الشعب الصحراوي. وكشف المرصد في بيان نشره على موقعه الرسمي عن تجاوزات جديدة اعتبرها انتهاكا مباشرا لحق الشعب الصحراوي في التحكّم في ثرواته، وذلك بعدما قامت الشركة النمساوية "كوالتي أوستريا" المصدرة للأخطبوط، بمنح شركات مغربية تنشط في الصحراء الغربية المحتلة شهادات جودة مشبوهة تغطي أنشطة تصدير منتجات الصيد البحري من الإقليم، رغم أن محكمة العدل الأوروبية، أكدت أن الصحراء الغربية إقليم منفصل قانونيا ولا يجوز اعتبار منتجاته "مغربية".وأشار البيان إلى أن معيار "إيزو 22000" لسلامة الغذاء يلزم أي مؤسسة باحترام القوانين السارية في الإقليم الذي تنشط فيه، وهو ما تجاهلته الشركة النمساوية عند إصدار شهادات "تشرّع" تصدير الثروات البحرية من إقليم تحت الاحتلال، وانتقد البيان تناقض الشركة النمساوية "التي تروّج لنفسها كمؤسسة رائدة في التدريب على مبادئ المسؤولية الاجتماعية، بينما تسهم عمليا في منح غطاء قانوني زائف لشركات تواصل استغلال ثروات شعب محروم من حقّه في السيادة على أرضه"، داعيا الجهات الدولية إلى محاسبة شركات إصدار شهادات الجودة التي "تتجاهل القرارات القضائية وتشرعن عمليات نهب غير قانونية للموارد الطبيعية لشعب ما زال يناضل من أجل تقرير مصيره".من جهته، دعا مركز تحليل الصحراء الغربية إلى مقاطعة جمعية "وي آر سوليداريتي" (نحن التضامن) الفرنسية-المغربية، محذّرا من خطورة ما تقوم به من مشاريع في الأراضي المحتلّة من الصحراء الغربية دون أي اعتراف بوضعها القانوني كإقليم غير مستقل في انتظار استكمال تصفية الاستعمار. وأوضح المركز، في بيان له نشره أول أمس، على موقع "لا تنسى الصحراء الغربية"، أن هذه الجمعية التي تقدم نفسها على أنها "منظمة إنسانية" تنفذ برامج يقال عنها "تنموية" في المناطق الصحراوية المحتلّة وتدمجها ضمن أنشطتها في المغرب، متجاهلة موقف الأمم المتحدة الذي يعتبر الصحراء الغربية إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي، ويجب أن يحسم وضعه النّهائي عبر استفتاء تقرير المصير.


الشروق
منذ 2 أيام
- الشروق
غار جبيلات.. الوجه الآخر لاقتصاد النزعة الوطنية
من المنجزات الاستراتيجية التي ستفتح آفاقا واسعة للاقتصاد الجزائري هو القرار الوطني بالاستثمار في منجم غار جبيلات، بعد أن ظل عقودا طويلة ثروة نائمة في غرب البلاد، مع أنه يختزن ثالث أكبر احتياطي عالمي من خامّ الحديد بقيمة 3.5 مليارات طنّ، حسب الأرقام الرسمية. وتشير تقديرات الخبراء إلى أنّ ما بات يُعرف بـ'مشروع القرن' في الجزائر، بالنظر إلى إمكاناته الاقتصادية الهائلة، سيكون قادرًا في وقت لاحق على ضخّ نحو 15 مليار دولار سنويّا من صادرات الحديد، أي ما يعادل 20 بالمائة من قيمة صادرات المحروقات حاليًّا، ومن ثمّة القفز بالصادرات الوطنية خارج المحروقات إلى عتبة 30 مليار دولار في غضون السنوات القليلة المقبلة، وتحويل الجزائر من بلد مستورد إلى مصدر عالمي لمادة الحديد. يضاف إلى ذلك، فتح ورشات منجمية أخرى هائلة، للاستثمار في استخراج واستغلال ثروات طبيعية ومعادن ثمينة، على غرار الفوسفات والذهب والزنك والرّصاص. وفي جانب آخر، بلغ عدد المشاريع المرتبطة بالأجانب، سواء كاستثمارات أجنبية مباشرة أو بالشراكة، 270 مشروع مسجَّلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، بقيمة 9 مليار دولار، مقابل تسجيل إجمالي 15508 مشروع بما يقارب 51 مليار دولار، وهو مؤشر واضح على حالة الديناميكية الاقتصادية للبلاد. لم تنتج تلك المكاسب الاقتصادية الجوهرية من فراغ في واقع الأمر، خاصة أنها جاءت متزامنة مع تحسّن عدة مؤشرات وتقدّم ترتيب بلادنا إقليميّا ودوليّا في مستويات الدخل الإجمالي الوطني والفردي، بل كان ضمن أحد العوامل الأساسية، نتيجة تلقائيّة لسياسة اقتصاديّة قائمة على النزعة الوطنيّة. بمعنى أوضح أنّ الرئيس عبد المجيد تبون جعل من رفع الإنتاج الوطني في كافة القطاعات أولوية جادة على أجندة العمل الحكومي وتابع مهمة الجهاز التنفيذي بشكل يومي عبر التعليمات الإجرائية، مقابل التقليص إلى أقصى حدّ من الاستيراد العشوائي، حفاظا على موارد الدولة من العملة الصعبة من جهة، وتحفيزا للمتعاملين المحليين على تغطية السوق الوطني من جهة أخرى. هذه السياسة كانت واضحة منذ إعداد البرنامج الانتخابي نهاية 2019، ثم برزت بقوة في رؤية رئيس الجمهورية وخطابه مع الأشهر الأولى لتقلده شؤون البلاد، إذ ظهر عازمًا، فعلاً وقولاً، على خوض معركة الأمن الغذائي على وجه الخصوص، مهما كلّفه الأمر في ظل مقاومة مراكز المصالح المنتفعة طيلة عقود من اقتصاد 'البازار'. لذلك انطلق الرئيس باكرا مع الوزارات المعنية في دفع الاستثمار الفلاحي نحو الشُّعب الزراعية الاستراتيجية المرتبطة بقوت الجزائريين، للتخلُّص من التبعية الغذائية وتقليص فاتورة الواردات المرهِقة للخزينة العمومية، وقد نجح حتى الآن في نقل الجزائر إلى ثاني أكبر المنتجين للقمح الصلب في إفريقيا بإنتاج إجمالي بلغ 7 ملايين طنّ. كما وظف الرئيس تبون علاقات الجزائر القوية مع الإيطاليين والقطريين لاستقطاب استثمارات أجنبية في الصحراء الكبرى، ستسمح لبلادنا، موازاة مع الاستثمارات الوطنية، بتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح الصلب في غضون 2027، وفق تقديرات دقيقة لوزارة الفلاحة، وهذا ما يخفّف عن الخزينة العمومية واردات في حدود 2.7 مليار دولار سنويًّا. وعندما نتحدث عن إنتاج القمح الصلب فهو يعني سلسلة طويلة من المنتجات الغذائية الأساسية، يعتمد عليها المواطنون في استهلاكهم اليومي، ما يجعل تأمينه محليّا، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية الدولية، من ركائز الأمن الغذائي. ويأتي ذلك موازاة مع إصرار الرئيس على إنتاج زيت المائدة والسكّر محليّا عبر الاستثمار الزراعي في الجنوب، لرفع الاحتكار الممارَس منذ عقود ولتقليص فاتورة الواردات، وقد أوشكنا حاليّا على تحقيق الهدف المرسوم، بعدما كانت أطرافٌ كثيرة تعتبره غير ممكن بدواع غير موضوعيّة. عندما نتحدّث عن سياسة الرئيس الوطنية في الاقتصاد، فإنّ الملف لا يخص فقط الزراعة بل الإنتاج المحلي عمومًا، إذ تحولت بلادنا في ظرف قياسي، بالنظر إلى ظروف الوباء الذي اجتاح العالم، من بلد مستورد إلى منتج ومصدّر لكثير من المنتجات، وعلى رأسها مواد البناء، حتى بلغت قيمة الصادرات الجزائرية خارج المحروقات 7 مليارات دولار بنهاية 2024، وفق الإحصاءات الرسمية. بفضل تلك الإجراءات في ضبط الواردات، مقابل تحفيز الإنتاج الوطني، تمكنت الحكومة من تخفيض الاستيراد إلى 40 مليار دولار، مقابل 60 مليار دولار قبل 2020، وهو ما جنّب الدولة الجزائرية ذُلّ الاستدانة الأجنبية ورهْن قرارها الوطني، ليفتح أمامها المجال واسعًا للمناورة الخارجية واتخاذ مواقفها السيادية بكل أريحيّة. بهذا الصدد، نحن نتكلم عن مكاسب جديدة ناجمة عن روح وطنية ونديّة جزائرية في إدارة الاقتصاد والإنتاج والتجارة، بعيدا عن موارد الريع النفطي المتعلقة برفع مداخيل الخزينة العمومية من العملة الصعبة وفارق الميزان التجاري ولا زيادة الإنفاق العمومي. صحيح أن هذه السياسة قد تكون لها آثارها المؤقتة على التضخُّم، وإحساس المستهلك بغلاء المعيشة في بعض المنتجات، بفعل قاعدة العرض والطلب المختلّة، لكن الوضع يسير تلقائيًّا وبصفة سريعة نحو التجاوز الإيجابي، إذ سيؤدي تراكم الإنتاج والتنافسية المحليّة إلى توفير أكبر لكل السلع المطلوبة في السوق الوطنية.


المساء
منذ 3 أيام
- المساء
السكة الحديدية.. هندسة جديدة للخريطة التنموية
❊ إعادة توزيع الثقل الاقتصادي وتوسيع نطاق التنمية خارج المراكز التقليدية ❊ ربط الشمال الصناعي بالجنوب الثري بالموارد ❊ ترسيخ حضور الدولة بالفضاءات البعيدة وتعميق الاندماج الوطني بين الأقاليم ❊الخط الشمالي الجزائر- تلمسان.. تجسيد مفهوم المحور الاقتصادي المندمج ❊ الخطوط المنجمية لاستغلال أمثل للموارد الباطنية ❊الخطوط الاختراقية.. فك العزلة عن الجنوب وربطه بالنسيج الوطني ❊ مخطط مستقبلي للجنوب الشرقي والغربي ❊ ارتفاع طول الشبكة إلى 4887 كلم في 2024 وتسليم 275 كلم مطلع 2025 تعكف السلطات العمومية على إنجاز وتحديث وعصرنة 8 خطوط كبرى للسكة الحديدية ضمن البرنامج الوطني الخاص بالقطاع، كبنية تحتية استراتيجية في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في ظل التحولات الاقتصادية والتقلبات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، متجاوزا كونه مجرد مشروع بنية تحتية للنقل إلى أداة لإعادة هندسة الخريطة التنموية للبلاد. يجسد البرنامج الوطني لتطوير شبكة السكة الحديدية بالجزائر رؤية شاملة لإعادة توزيع الثقل الاقتصادي وتوسيع نطاق التنمية خارج المراكز التقليدية، عبر ربط الشمال الصناعي بالجنوب الثري بالموارد. ومن خلال مد الخطوط إلى أعماق الصحراء، تعمل الدولة على ترسيخ حضورها السيادي في الفضاءات البعيدة وتعميق الاندماج الوطني بين مختلف الأقاليم، حسب وثيقة البرنامج، الذي تحصلت عليه "المساء" من الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية. ويخص هذا البرنامج 8 خطوط سككية كبرى بين تحديث وعصرنة وتثنية وإنجاز، منها ما دخلت حيز الخدمة جزئيا وتتواصل الأشغال لاستكمالها، منها مخطط إنجازها. يتعلق الأمر بالخط المالخط الشمالي على مسافة 1250 كلم وملحقات بطول 572 كلم، الذي يعد الشريان الحيوي للشبكة الوطنية من عنابة شرقا إلى تلمسان غربا، ويربط كبريات المدن والمراكز السكانية التي تضم أكثر من 20 مليون نسمة، ويمثل همزة وصل استراتيجية مع 9 موانئ كبرى تشكل ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني. ومع اكتمال أشغال التحديث والعصرنة والتثنية على طوله، يتجه هذا الخط نحو أداء دور جديد يتجاوز النقل الكلاسيكي إلى تجسيد مفهوم "المحور الاقتصادي المندمج"، من خلال تحسين انسيابية البضائع وتيسير تنقل الأفراد، وربط مختلف البنى التحتية الصناعية والتجارية بمرافئ التصدير والاستيراد. أما خط الهضاب العليا، فيمثل رواقا سككيا جديدا يعزز الديناميكية الداخلية من تبسة أقصى الشرق إلى سيدي بلعباس في الغرب، ويمتد على مسافة 1162 كلم عابرا أغلب المدن الداخلية ومخترقا 12ولاية يقطنها أكثر من 8 ملايين نسمة، ويعد هذا الخط الذي تم إنجازه حديثا، وفق الوثيقة، رواقا سككيا ثانيا يربط بين الشرق والغرب، ويهدف إلى كسر العزلة عن مدن الهضاب وتمكينها من أداء دورها الاقتصادي، خاصة بعد أن دخل الجزء الأكبر منه حيز الخدمة، حيث تستغل حاليا 973 كلم من الخطوط، في حين تتواصل الأشغال في آخر مقاطعه، استعدادا لخلق تقاطع استراتيجي مع الخط الشمالي عبر محور تيارت-غليزان. وبهذا الربط المنتظر يتحول خط الهضاب إلى رافعة حقيقية للتكامل الجهوي وواجهة جديدة لديناميكيات الاستثمار والإنتاج خارج المناطق التقليدية الشمالية. في ذات السياق، سيشكل الخطان المنجميان الشرقي والغربي عند تجسيدهما حجر الزاوية في دعم الاقتصاد الوطني، القائم على استغلال الموارد الطبيعية، حيث الخط الشرقي يربط عنابة بمناجم جبل العنق وبلاد الحدبة بمشروع الفوسفات المدمج، إذ سيلعب عند انتهاء أشغال إنجازه دورا بارزا کشریان حيوي لنقل هذا المورد الاستراتيجي إلى المناطق الصناعية والموانئ. مما يعزز من تموقع الجزائر في الأسواق العالمية للمواد الفوسفاتية. ومن جانبه، يعد الخط الغربي الذي يمتد من بشار إلى غار جبيلات أحد المحاور الأساسية لاستغلال وتثمين مناجم الحديد في غار جبيلات، في إطار تعزيز مكانة الجزائر كقوة اقتصادية إقليمية وتنويع مصادر الاقتصاد الوطني. تشكل الخطوط "الاختراقية" لاسيما الخط الشرقي والخط العابر للصحراء مسارات لفك العزلة عن الجنوب وربطه بالنسيج الوطني، حيث يمر كل منهما عبر مناطق حيوية ذات أهمية استراتيجية، إذ يمتد الخط الاختراقي الشرقي من قسنطينة إلى حاسي مسعود على مسافة 572 كلم، ويربط بين الشمال الصناعي والجنوب الغني بالموارد الطبيعية، أما الخط الاختراقي الأوسط الممتد من الجزائر العاصمة إلى تمنراست على مسافة أكثر من 2000 كلم، فينتظر أن يساهم في تنمية المناطق الصحراوية، بما يعزز قدرات التنقل والنقل بين المدن الكبرى في الشمال والمناطق الغنية بالموارد في الجنوب وتحسين جاذبية هذه المناطق للاستثمارات. وتوضح الوثيقة، أن المخططات المستقبلية تتضمن حلقتين هامتين في الجنوب، الأولى تتعلق بالجنوب الشرقي بخط يمتد من الأغواط إلى حاسي مسعود على مسافة 425 كلم، بهدف ربط مدن الجنوب بالشبكة الوطنية وتعزيز الروابط التجارية بين وسط وشرق الجزائر، والأخرى تخص الجنوب الغربي بخط سككي على مسافة 1500 كلم بين غرداية وبرج باجي مختار، للمساهمة في تسهيل التنقل وتعزيز التبادل التجاري بين مدن وسط الصحراء ومواصلة الاندماج في المحيط القاري بما يعزز مكانة الجزائر كمركز تجاري إقليمي. وقد ارتفع طول الشبكة الوطنية للسكة الحديدية المستغلة إلى 4887 كلم خلال 2024. كما استطاعت وكالة "أنسريف" مطلع 2025 تسليم 275 كلم من خطوط السكة الحديدية.