logo
كيف يمكن أن تنتهي الحرب بين إسرائيل وإيران

كيف يمكن أن تنتهي الحرب بين إسرائيل وإيران

شبكة النبأمنذ 16 ساعات

كانت إيران تتعامل بجدية مع المفاوضات، بدعم واضح من القيادة الإيرانية، رغم استمرار التوترات بشأن تخصيب اليورانيوم. وقد دعا ترامب بالفعل إلى العودة للمفاوضات بعد الضربات، تحمل هذه المفاوضات جاذبية معينة لطهران: فاقتصاد البلاد في حالة يرثى لها، والوعد بتقليل العقوبات مغرٍ. بعد الحملة الإسرائيلية التدميرية، لن تضطر إيران...
بقلم: إيسيلين برادي، دانيال بايمن
تشمل السيناريوهات هزيمة إيران، أو انسحاب إسرائيل، أو صراع إقليمي متوسع.
الحرب بين إسرائيل وإيران بدأت لتوها. أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستواصل الضربات "لأي عدد من الأيام يتطلبه الأمر" -ما يعني على الأرجح عدة أسابيع- بهدف مواصلة تقويض البرنامج النووي الإيراني وتدمير جيشها. وقد أطلقت إيران بالفعل طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية على إسرائيل وتمتلك مجموعة من الخيارات الانتقامية الأخرى، وإن كانت محدودة. وعلى الرغم من أن المزيد من إراقة الدماء أمر محتمل، بل لا مفر منه، فإنه ليس من السابق لأوانه التفكير في خفض التصعيد والطرق التي قد تنتهي بها هذه الحرب.
إليك بعض الاحتمالات:
الاحتمال الأول: هو أن تنفذ إيران عدة ضربات عسكرية بارزة ضد إسرائيل، وتُعلن لشعبها أنها ردّت وألحقت الدماء بالإسرائيليين، لكنها تقبل بسرعة الجهود الأميركية والدولية للتوصل إلى وقف إطلاق النار. باختصار، هو استسلام على مضض مع غطاء لحفظ ماء الوجه.
في جوهره، هذا ما قبل به حليف إيران المقرب، حزب الله المتمركز في لبنان، بعد الحملة الإسرائيلية ضد الجماعة في شهري أيلول وتشرين الأول. في الواقع، تحمل الحملة الإسرائيلية على إيران اليوم العديد من أوجه الشبه مع تلك العملية: ضربات مدمرة على البنية التحتية العسكرية مصحوبة بعدد من الاغتيالات وضربات استهدفت القيادات تُظهر اختراقاً استخباراتياً شاملاً لخصم إسرائيل. حزب الله، الذي كان يمتلك ترسانة صواريخ ضخمة وعشرات الآلاف من المقاتلين تحت السلاح، وافق على وقف إطلاق النار إلى حد كبير وفق شروط إسرائيل دون أن يشن هجوماً مضاداً فعّالاً.
قد تكون إيران في وضع مماثل لحزب الله في عام 2024. لقد فشلت هجماتها بالطائرات المسيّرة والصواريخ على إسرائيل، وحلفاؤها الأساسيون، لا سيما حزب الله، لم يعودوا سوى ظل لما كانوا عليه في السابق، مما يشير إلى أن قوة الردع التي كانت موثوقة لم تعد فعالة. الهجمات الإسرائيلية المدمرة التي استهدفت القيادات قد تُربك القيادة الإيرانية، مما يصعّب من التنسيق في إطلاق الصواريخ أو حتى اتخاذ قرارات أساسية في الوقت الحقيقي. وعلى الرغم من أن طهران أعلنت أنها تستبدل القادة الكبار بسرعة، فإن فعالية هذه القيادة الجديدة في ظل الصراع الجاري غير واضحة، ومن المرجّح أن تستهدف إسرائيل البدلاء وبدلاء البدلاء. وبطبيعة الحال، لا ترغب إيران بالاستسلام تحت النار، لكنها قد تسعى إلى البقاء والقتال في وقت لاحق بدلاً من تلقي الضربات المستمرة.
الاحتمال الثاني هو أن تواصل إيران الصمود بل وتوجه بعض الضربات لإسرائيل -سواء على شكل عمليات إرهابية، أو صواريخ قليلة تخترق الدفاعات الإسرائيلية، أو بوسائل أخرى- بينما يتصاعد الضغط الدولي على إسرائيل لوقف الحرب. وفي هذه الأثناء، تتعرض منشآتها النووية في نطنز وغيرها لأضرار، لكن إيران تتمكن من إجراء الإصلاحات بسرعة نسبية.
بشكل عام، عندما تضرب إسرائيل أعداءها، غالباً ما تحظى بدعم قصير الأمد من الولايات المتحدة وحتى من الحلفاء الأوروبيين الأساسيين، لكن هذه الدول سرعان ما تدعو إلى إنهاء الأعمال العدائية، حتى وإن سعت إسرائيل إلى مواصلة الهجمات. وقد دعت فرنسا والمملكة المتحدة بالفعل إلى خفض التصعيد. قد لا تهتم إسرائيل كثيراً بآراء الأوروبيين -الذين ظلوا يدعون منذ أشهر إلى وقف الأعمال القتالية في غزة- لكنها تقلق أكثر بشأن الرأي الأميركي، وخاصة رأي الرئيس دونالد ترامب. فإذا مارس ضغوطاً حقيقية على نتنياهو، فقد تُنهي إسرائيل عملياتها على أمل أن الضرر الذي تم إلحاقه يكفي حالياً.
ليس من الواضح ما إذا كان هذا سيؤدي إلى دبلوماسية مثمرة.. لقد دفعت الولايات المتحدة في عهد ترامب نحو اتفاق تفاوضي بشأن البرنامج النووي الإيراني (رغم أن ما كان مطروحاً يبدو مشابهًا بشكل مؤلم لخطة العمل الشاملة المشتركة التي انسحب منها ترامب عام 2018). كانت إيران تتعامل بجدية مع المفاوضات، بدعم واضح من القيادة الإيرانية، رغم استمرار التوترات بشأن تخصيب اليورانيوم. وقد دعا ترامب بالفعل إلى العودة للمفاوضات بعد الضربات، وكتب على منصة "تروث سوشيال" قائلاً: "على إيران أن تعقد صفقة، قبل أن لا يبقى شيء، وتنقذ ما كان يعرف ذات يوم بالإمبراطورية الفارسية. لا مزيد من الموت، لا مزيد من الدمار، فقط افعلوها، قبل فوات الأوان."
تحمل هذه المفاوضات جاذبية معينة لطهران: فاقتصاد البلاد في حالة يرثى لها، والوعد بتقليل العقوبات مغرٍ. إضافة إلى ذلك، بعد الحملة الإسرائيلية التدميرية، لن تضطر إيران إلى التنازل بالكثير على طاولة المفاوضات. غير أن القيام بذلك في ظل الهجمات الإسرائيلية أصعب من الناحية السياسية. سيُضخم ترامب أي تنازلات، وستبدو إيران كما لو أنها رضخت تحت الضغط، وهو ما سيكون فعلاً كذلك.
هناك سيناريوهات أكثر قتامة، وربما أكثر احتمالاً. أحدها أن تتوسع الحرب بين إسرائيل وإيران إلى حرب إقليمية. قبل الضربات الإسرائيلية، هددت إيران بمهاجمة منشآت أميركية في الشرق الأوسط، هجمات إن حدثت، ستجعل انضمام الولايات المتحدة إلى القصف أكثر احتمالاً. كما أن التعاون الأمني الأميركي-الإسرائيلي الطويل الأمد، ودعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الدفاع الجوي ومجالات أخرى، قد يدفع إيران للاعتقاد بأن الولايات المتحدة بالفعل في حالة حرب معها. وبينما نفت الولايات المتحدة مشاركتها في الهجمات، قد ترى إيران أن واشنطن متواطئة، وأن المفاوضات ليست سوى غطاء للتحضيرات العسكرية الإسرائيلية. وعلى الرغم من تحذيرات المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين من أن رفض إيران للاتفاق سيؤدي إلى عمل عسكري، إلا أن ترامب أكد قبل ساعات فقط من العملية أن الولايات المتحدة ملتزمة بالحل الدبلوماسي، وأن الهجمات ليست وشيكة. إذا رأت طهران أن المفاوضات غطاء، فقد تصبح الأهداف الأميركية أكثر عرضة لهجمات تعتبرها إيران "انتقامية".
وقد تصعّد الولايات المتحدة من جانبها أيضاً. إذ قد يرى المسؤولون الأميركيون أن إسرائيل قد قامت بنصف المهمة بالفعل، ويمكن للولايات المتحدة إنهاء ما تبقى، عبر قصف منشأة "فوردو" باستخدام ذخائر خارقة للتحصينات، ومعالجة ما تبقى بعد الضربات الإسرائيلية الأولية.
من المرجّح أن تطلب إيران من وكلائها في العراق ولبنان واليمن وأماكن أخرى تنفيذ ما يستطيعون من هجمات ضد إسرائيل، وربما يضيفون أهدافاً أميركية إلى قائمتهم إذا دخلت الولايات المتحدة المعركة لأي سبب كان. وهكذا، قد تجد الولايات المتحدة نفسها تهاجم أهدافاً في اليمن (وهو خيار غير جذاب بعد عملية "رايدر الخشنة" الأميركية ضد الحوثيين التي انتهت بوقف لإطلاق النار)، والعراق، وأماكن أخرى. وقد تستخدم إيران أيضاً الإرهاب الدولي، إذ سبق أن أظهرت قدرتها على تنفيذ هجمات في مختلف أنحاء العالم.
من المحتمل، وإن كان غير مرجح في الوقت الراهن، أن يتدخل حلفاء الولايات المتحدة العرب. فقد أفادت القوات المسلحة الأردنية بالفعل باعتراضها صواريخ وطائرات مسيّرة إيرانية دخلت مجالها الجوي في 13 حزيران، وهو أمر يشبه اعتراض الأردن لصواريخ إيرانية أُطلقت على إسرائيل عام 2024. وعلى الرغم من أن أفعال الأردن يمكن تأطيرها ضمن الدفاع عن النفس، فإن تدخل الولايات المتحدة قد يدفعها لاستخدام قواعدها في عدد من الدول الإقليمية أو الاستفادة منها بطرق أخرى.
أما الاحتمال الأخير، فهو ألا تنتهي الحرب أبداً، على الأقل ليس بشكل رسمي. فرغم أن موجات الضربات الإسرائيلية الضخمة قد تتوقف في وقت ما، فقد يستمر صراع منخفض الحدة لأشهر قادمة. قد تطلق إسرائيل من حين لآخر صواريخ أو تنفذ ضربات جوية ضد إيران، إلى جانب اغتيالات وتخريب داخل إيران نفسها. أما إيران، فستطلق رشقات نارية من وقت لآخر على إسرائيل، مع تنفيذ عمليات إرهابية ومحاولات أخرى للرد. لن يكون هذا حرباً شاملة، لكنه أيضاً ليس سلاماً هادئا.
وفي ظل استمرار الهجمات المتبادلة والردود، قد تطور إيران برنامجاً نووياً سرياً خارج نطاق الالتزامات الخاصة بمراقبة التسلح والتفتيش الدولي، مستخدمةً الضربات الإسرائيلية كمبرر. وإذا لم تضرب إسرائيل جميع مواقع تخزين اليورانيوم المخصب الثلاثة، فلن تكون هذه المهمة صعبة على طهران.
بالطبع، الجمع بين هذه الخيارات ممكن. وبالمثل، قد يكون وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية خطوة أولى نحو اتفاق نووي أكبر. وقد تتنازل إيران على المدى القصير، لكنها تعتقد أن الانتقام هو طبق من الأفضل أن يقدم بارداً، وتشن هجمات إرهابية في الأشهر القادمة كشكل من أشكال الانتقام، وبالتالي تقبل بحرب كر وفر إلى الأبد.
** إيسيلين برادي، متدربة في برنامج الحروب، التهديدات غير النظامية، والإرهاب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهي أيضًا طالبة ماجستير في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورجتاون.
* دانيال بايمن، زميل أقدم في المركز وأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون. كتابه الأخير هو نشر الكراهية: الصعود العالمي للإرهاب القومي الأبيض.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

واشنطن تدرس توسيع قائمة حظر السفر إليها لتشمل مواطني 36 دولة جديدة
واشنطن تدرس توسيع قائمة حظر السفر إليها لتشمل مواطني 36 دولة جديدة

الميادين

timeمنذ 38 دقائق

  • الميادين

واشنطن تدرس توسيع قائمة حظر السفر إليها لتشمل مواطني 36 دولة جديدة

كشفت مذكرة داخلية صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية، اطّلعت عليها وكالة "رويترز"، أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدرس توسيع قائمة الدول المشمولة بحظر السفر إلى الولايات المتحدة، لتشمل 36 دولة جديدة. وكان ترامب قد وقّع في وقت سابق من هذا الشهر قراراً يحظر دخول مواطني 12 دولة، مبرراً ذلك بضرورة "التصدي للتهديدات الإرهابية" وحماية البلاد من "مخاطر أمنية خارجية"، ضمن حملة شاملة على الهجرة أطلقها مع بداية ولايته الثانية. ووفقًا للمذكرة الموقعة من وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، فإن الدول الـ36 المدرجة على القائمة الجديدة تواجه انتقادات تتعلق بضعف قدرة حكوماتها على إصدار وثائق هوية موثوقة، بالإضافة إلى تقصيرها في التعاون مع واشنطن بخصوص ترحيل مواطنيها الذين صدرت بحقهم أوامر ترحيل، وتجاوز بعض مواطنيها لفترة الإقامة القانونية في الولايات المتحدة. اليوم 14:14 اليوم 14:12 كما تضمنت المخاوف الأميركية اتهامات بتورط بعض رعايا تلك الدول في "أنشطة معادية للسامية أو مناهضة للولايات المتحدة"، أو حتى في "أعمال إرهابية" على الأراضي الأميركية، بحسب تعبير الوثيقة. ومن بين الدول التي قد تُدرج على القائمة الجديدة إذا لم تلتزم بالمعايير المطلوبة خلال مهلة 60 يومًا: مصر، سوريا، جيبوتي، موريتانيا، جنوب السودان، إثيوبيا، تنزانيا، النيجر، نيجيريا، السنغال، أوغندا، زامبيا، زمبابوي، أنغولا، بوركينا فاسو، الرأس الأخضر، كمبوديا، الكاميرون، ساحل العاج، الكونغو الديمقراطية، الغابون، غامبيا، غانا، قرغيزستان، ليبيريا، ملاوي. يُذكر أن القرار في حال تنفيذه سيُضاف إلى حظر سابق فرضه ترامب في بداية ولايته الثانية وشمل دولًا مثل ليبيا، السودان، الصومال، اليمن، إيران، أفغانستان، ميانمار، وتشاد، إلى جانب قيود جزئية على دول ككوبا، فنزويلا، ولاوس. وقال مسؤول في الخارجية الأميركية، إن "السياسات تخضع للمراجعة الدورية لضمان سلامة الأميركيين"، مضيفًا أن الوزارة "تلتزم بأعلى معايير الأمن القومي في عمليات منح التأشيرات"، لكنه رفض التعليق على فحوى المداولات الداخلية.

هجمات إسرائيل تُسرّع الكارثة.. هل تندفع إيران نحو القنبلة النووية؟
هجمات إسرائيل تُسرّع الكارثة.. هل تندفع إيران نحو القنبلة النووية؟

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ 43 دقائق

  • القناة الثالثة والعشرون

هجمات إسرائيل تُسرّع الكارثة.. هل تندفع إيران نحو القنبلة النووية؟

بينما تسعى إسرائيل إلى منع إيران من امتلاك سلاح نووي عبر ضربات جوية مركّزة، يرى محللون أن هذه الهجمات قد تأتي بنتائج عكسية تمامًا. الباحثة البارزة في برنامج الأمن الدولي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني، ماريون ميسمير، حذّرت في تحليل نشره المعهد من أن التصعيد العسكري الإسرائيلي قد يدفع إيران إلى تجاوز سياسة "الردع الرمزي"، والمضي قُدمًا نحو تطوير سلاح نووي فعلي. فمع استهداف مواقع عسكرية ونووية إيرانية منذ 12 يونيو، تتزايد الضغوط داخل طهران على صانعي القرار لتجاوز عتبة "الردع الرمزي"، والتوجّه نحو امتلاك سلاح نووي فعلي. خبراء يحذّرون من أن التصعيد الإسرائيلي يُقوّي موقف المتشددين الإيرانيين الذين يعتبرون السلاح النووي ضرورة لحماية سيادة البلاد. وتشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن إيران تملك بالفعل ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع 9 قنابل. إذا استمرت إسرائيل في استهداف منشآت نووية، فقد تدفع إيران إلى تسريع عملية التصنيع النووي، ليس فقط كرد فعل، بل كخيار إستراتيجي. ومع تراجع المسار الدبلوماسي، يبدو أن المنطقة تقترب من نقطة اللاعودة، حيث قد يصبح الردع النووي أداة أساسية في معادلة البقاء. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية: بين الحسابات الإقليمية والمصالح السيادية
الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية: بين الحسابات الإقليمية والمصالح السيادية

ليبانون ديبايت

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون ديبايت

الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية: بين الحسابات الإقليمية والمصالح السيادية

"ليبانون ديبايت"- شاكر البرجاوي تتّخذ الحرب المستترة والمعلنة بين إسرائيل وإيران أبعادًا تتجاوز حدود المواجهة الثنائية لتلامس جوهر التوازنات الإقليمية والدولية. فمنذ عقود، تخوض الدولتان حربًا هجينة، تتراوح بين عمليات استخباراتية، اغتيالات، ضربات جوية، وحملات سيبرانية. لكن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا نوعيًّا في طبيعة هذه المواجهة، وخصوصًا بعد دخول الجغرافيا اللبنانية والسورية والعراقية واليمنية على خطّ التماس. وفي ظل هذا السياق، تُطرح تساؤلات جوهرية: هل هي حرب دفاعية أم توسعية؟ ومن يخدم استقرار المنطقة؟ وما موقع السيادة والمقاومة في هذا الصراع؟ وهل فعلاً المشروع الإيراني يهدّد المنطقة، أم أنه يُستخدم كذريعة لحروب استباقية تخدم إسرائيل؟ إيران: مشروع إقليمي بديل أم تهديد وجودي؟ تتّهم إسرائيل إيران بأنها تسعى إلى "تطويقها" عبر وكلاء وأذرع عسكرية في لبنان (حزب الله)، وسوريا، وغزة، واليمن. لكن هذه القراءة تُغفل السياق الذي دفع إيران إلى هذا التمدد الدفاعي: فمنذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، وُضعت إيران تحت طائلة العقوبات والعزلة، وتعرّضت لمحاولات متكررة لإسقاط نظامها، بدءًا من الحرب العراقية ـ الإيرانية، إلى الدعم الأميركي والإسرائيلي المستمر لأنظمة معادية لها في الخليج. عملياً، فإن "حزام المقاومة" الذي بنته طهران ليس مشروعًا توسعيًّا بقدر ما هو سياسة ردع استراتيجية في وجه مشروع أميركي ـ إسرائيلي كان يستهدف تفكيك الجمهورية الإسلامية ومحاصرتها. وبالتالي، فإن التوصيف العادل للدور الإيراني هو أنه محاولة لإقامة توازن ردع إقليمي في وجه تفوّق إسرائيلي مدعوم بلا حدود من الغرب. إسرائيل: دافعٌ أم مبادر؟ على الضفة الأخرى، تروّج إسرائيل لمقولة أنها تدافع عن نفسها ضدّ "التهديد الوجودي الإيراني". لكنها في الواقع تقود استراتيجية هجومية متواصلة، من خلال الضربات الجوية على الأراضي الإيرانية ، واستهداف قيادات الحرس الثوري وكذلك علماء عاملين في البرنامج النووي الإيراني السلمي، ومن دون أن ننسى اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، والهجمات السيبرانية ضد منشآت نووية كـ "نطنز". هذه الأعمال العسكرية والاستخباراتية تتجاوز مفهوم الدفاع المشروع، وهي تُشكّل، وفق القانون الدولي، انتهاكًا لسيادة دول مستقلة. إسرائيل تخوض حربًا استباقية لا تهدف فقط إلى تعطيل البرنامج النووي السلمي الإيراني، بل إلى كسر الحضور الإيراني بكل الوسائل، حتى لو كان الثمن تفجير المنطقة بأكملها. وهذا ما يجعل الموقف الإيراني أكثر انسجامًا مع منطق "الردّ لا المبادرة"، و"الردع لا الغزو". المقاومة كخيار استراتيجي تمتلك إيران شبكة حلفاء إقليميين، أبرزهم حزب الله في لبنان، وحركات فلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي، وقوى حشد شعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن. وهذه الشبكة، التي يُطلق عليها البعض "محور المقاومة"، ليست أدوات فارغة بل تعبير عن خيار شعبي في العديد من الساحات التي ترفض التطبيع والخضوع للهيمنة الإسرائيلية والأميركية. في لبنان مثلاً، يُعتبر حزب الله قوة عسكرية وسياسية راكمت شرعيتها من مواجهتها الاحتلال الإسرائيلي ثم صدّ العدوان عام 2006. في فلسطين، لم يكن بإمكان حركات المقاومة أن تصمد أمام آلة الاحتلال لولا الدعم الإيراني بالسلاح والمعرفة والخبرة. وبالتالي، فإن الرؤية الإيرانية للمقاومة ليست فقط أداة جيوسياسية، بل مشروع فكري وأيديولوجي يتقاطع مع قضايا التحرّر ورفض الاحتلال. النووي الإيراني: بين الحقّ والسيطرة يمثّل الملف النووي أحد أبرز ملامح المواجهة بين إيران وإسرائيل. الأولى تصرّ على حقها المشروع في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، وتُخضع منشآتها لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بينما الثانية، أي إسرائيل، ترفض التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وتملك ترسانة نووية سرّية يُقدّرها البعض بمئتي رأس نووي، ومن دون أي رقابة دولية. هذا التناقض الفاضح يكشف حجم الكيل بمكيالين الذي تمارسه الدول الغربية، وهو ما يدفع إيران إلى التمسك بحقها المشروع في تطوير قدراتها العلمية دمن ون أن تتحوّل إلى رهينة الابتزاز الغربي (الأميركي والأوروبي) أو الإسرائيلي.سيناريو كارثي للجميع رغم تعدد ساحات الاشتباك المباشر، فإن خطر الانزلاق نحو مواجهة عسكرية شاملة لا يزال قائمًا، خصوصًا مع تصاعد الاستفزازات الإسرائيلية ومحاولات الولايات المتحدة فرض عقوبات خانقة. لكنّ مثل هذه الحرب لن تكون نزهة لإسرائيل، بل قد تفتح أبواب الجحيم في منطقة مترابطة ومتداخلة. إيران، بما تملكه من قدرات صاروخية، وحلفاء فاعلين على حدود إسرائيل، قادرة على خلق معادلة "الدم بالدم"، وهي معادلة ردع لا يمكن الاستهانة بها. وحتى وإن لم تسعَ طهران لحرب مفتوحة، فإنها تمتلك الوسائل لمنع الآخرين من شنّها دون ثمن باهظ. البُعد الدولي: روسيا، الصين، والمصالح الكبرى لا يمكن فهم هذا الصراع بمعزل عن السياق الدولي. فإيران اليوم لاعب مهم في التوازنات الآسيوية، ولها شراكة استراتيجية مع الصين، وتنسيق عسكري مع روسيا، ما يضعها في قلب التوازنات العالمية الجديدة، في مواجهة أحادية قطبية أميركية – إسرائيلية في طور التراجع. هذا التموضع الإيراني في عالم متعدّد الأقطاب يمنحها هامشًا أوسع في المناورة، ويجعل كلفة ضربها دوليًا أعلى مما يعتقد البعض. وهي تدرك أن الزمن تغيّر، وأن السياسات الإمبراطورية لم تعد قادرة على فرض إرادتها من دون مقاومة. لذلك فإن الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية ليست مجرد صراع نفوذ، بل تجلٍ لصراعٍ بين مشروعين: مشروعٍ يُدافع عن استقلال القرار الإقليمي، ويرفض الهيمنة الغربية، ويقف إلى جانب قضايا التحرّر، ومشروعٍ آخر يقوم على الاحتلال والتوسع والابتزاز النووي والدعم غير المشروط من الغرب. المصلحة الإيرانية، في هذا السياق، ليست فقط حماية نظامها، بل الإسهام في بناء شرق أوسط أكثر توازنًا، حيث لا تتفرد إسرائيل بالتسيّد على المنطقة. وربما آن الأوان لأن يُعاد النظر في سردية "التهديد الإيراني"، لصالح قراءة أعمق وأشمل تعترف أن الخطر الحقيقي على الاستقرار الإقليمي هو الاحتلال الإسرائيلي، لا الدولة الإيرانية التي تدفع ثمن خياراتها السيادية منذ عقود.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store