logo
الهندسة الرقمية.. الذكاء الاصطناعي وإعادة ترتيب موازين القوة

الهندسة الرقمية.. الذكاء الاصطناعي وإعادة ترتيب موازين القوة

صحيفة الخليجمنذ 4 ساعات

يبدو أن المشهد العالمي يشهد تغيراً في موازين القوة بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي، حيث تستخدم الشركات الكبرى الخوارزميات والبنى الرقمية لتوسيع سلطتها، وتفرض شروطها عبر احتكار البيانات واستثمار الموارد على نطاق واسع. ونجد أن عدداً محدوداً يتحكّم في توجيه هذه التكنولوجيا، ويعيد تعريف مفاهيم السيادة والمصلحة العامة. في هذا السياق، لا تُحدَّد مواقع القوة بالجغرافيا، بل بمن يمتلك البنية الرقمية.
في كتابها (إمبراطورية الذكاء الاصطناعي: أحلام وكوابيس في شركة سام ألتمان «أوبن إيه آي»)، الصادر في مايو (أيار) 2025 عن دار «بينغوين برس»، تقدم الصحفية كارين هاو عرضاً موسّعاً ومفصّلاً لتاريخ وتحوّلات شركة (OpenAI)، التي تعدّ واحدة من أبرز الجهات الفاعلة في مجال الذكاء الاصطناعي خلال العقد الأخير. ينتمي هذا العمل إلى حقل الصحافة الاستقصائية، ويعتمد على مصادر داخلية ومعايشة مباشرة لمسار الشركة منذ بدايتها حتى لحظة تحوّلها إلى لاعب مركزي في سباق تقني عالمي شديد التعقيد.
يبدأ الكتاب من نقطة تأسيس هذه الشركة كمؤسسة غير ربحية، ترفع شعار «السلامة أولاً» في تطوير الذكاء الاصطناعي، بقيادة سام ألتمان. هذا الطموح الأخلاقي شكّل في البداية إطاراً لتصورات مثالية عن التقنية بوصفها أداة لإنقاذ العالم من المخاطر، لا العكس. لكن المؤلفة، التي بدأت تغطيتها للشركة عام 2019، ترصد كيف أخذت هذه المؤسسة، شيئاً فشيئاً، تنجرف نحو منطق السوق والربح والتوسع، مدفوعة برؤوس أموال ضخمة، أبرزها استثمارات مايكروسوفت، وما تفرضه من تسارع وتنافس لا يترك مجالاً للحياد أو التباطؤ.
يُظهر الكتاب البنية الفعلية للصناعة التي باتت تهيمن على جزء كبير من المشهد العالمي. فخلف واجهة البرامج المتقدمة والواجهات اللغوية المبهرة، توجد شبكات هائلة من الموارد البشرية والمادية: مراكز بيانات تستهلك كميات هائلة من الطاقة والمياه، وعمال في دول الجنوب العالمي يُستخدمون في «تنظيف البيانات» لقاء أجور زهيدة. هذه الحقائق التي تنقلها هاو من تجارب مهندسين في وادي السيليكون، وعمال بيانات في كينيا، ونشطاء بيئيين في تشيلي، تشكل مكونات ما تسميه الكاتبة «إمبراطورية جديدة»، لا تستند إلى الاحتلال أو القوة العسكرية، بل إلى الخوارزميات والسيرفرات والبنى التحتية الرقمية.
لا يُركّز الكتاب على الجانب التقني بقدر ما يحاول تفكيك البُعد السياسي والاجتماعي للذكاء الاصطناعي، فبدلاً من الانشغال بفكرة «الوعي الاصطناعي» أو «التهديد الوجودي»، تدعو هاو القارئ إلى التأمل في تبعات الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، وعلى البيئة، وعلى التفاوت في توزيع الثروات والمصادر.
يتناول جزء مهم من الكتاب حدثاً دراماتيكياً هزّ مجتمع التكنولوجيا في 2023: إقالة سام ألتمان المفاجئة من منصبه، ثم عودته السريعة إلى قيادة «أوبن إيه آي»، تقدم هاو سرداً لما جرى خلف الكواليس، بناءً على مصادر داخل الشركة، وتستعرض كيف يعكس ذلك الحدث طبيعة السلطة داخل الشركات التقنية الكبرى، حيث تتقاطع المصالح التجارية مع الطموحات الشخصية والرؤى المتضاربة حول مستقبل التكنولوجيا.
يشير الكتاب إلى أن الذكاء الاصطناعي أداة سياسية بامتياز، تُعاد من خلالها صياغة موازين القوى بين الدول والشركات والمجتمعات، ويظهر كيف أن البعد السياسي يتمثل في إظهار كيف أن امتلاك القدرة على تطوير النماذج اللغوية الضخمة، والتحكم في البنى التحتية الحاسوبية، وتحليل البيانات الهائلة، أصبح يعادل في أهميته امتلاك الموارد الطبيعية أو النفوذ العسكري، فالدول التي لا تمتلك شركات قادرة على المنافسة في هذا الميدان تجد نفسها في موقع التبعية، ويزداد اعتمادها على منصات وواجهات أجنبية تُملي عليها شروطها التقنية والثقافية والاقتصادية.
إلى جانب ذلك، يعرض الكتاب كيف يتم تطويع اللغة الخطابية لشركات الذكاء الاصطناعي الكبرى لتبرير الهيمنة تحت غطاء «الابتكار» و«الصالح العام»، فالشركات التي تقود هذا القطاع تُروّج لخطابات تتحدث عن «حماية البشرية» و«منع التهديدات الوجودية»، لكنها في الوقت ذاته تُمارس ضغوطاً على الجهات التنظيمية، وتسعى إلى احتكار البيانات والنماذج، وتقاوم أحياناً الجهود الرامية إلى فرض الشفافية أو المساءلة. وهكذا، تتحول المخاوف الأخلاقية إلى أدوات لإعادة تشكيل السياسات العامة بما يخدم مصالح فئة محددة من الفاعلين الاقتصاديين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"البراغي" تعرقل خطة "ترامب-آيفون"
"البراغي" تعرقل خطة "ترامب-آيفون"

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

"البراغي" تعرقل خطة "ترامب-آيفون"

كان ترامب هدد الجمعة بفرض رسوم جمركية تبلغ 25 بالمئة على "أبل"، في حال بيعها هواتف "آيفون" داخل الولايات المتحدة مصنعة خارجها. وقال ترامب للصحفيين، الجمعة، إن الرسوم الجمركية البالغة 25 بالمئة ستطبق أيضا على شركة "سامسونغ" وغيرها من صانعي الهواتف الذكية، ويتوقع أن تدخل الرسوم حيز التنفيذ في نهاية يونيو المقبل. وذكر الرئيس الأميركي أنه "لن يكون من العدل" عدم تطبيق الرسوم على جميع الهواتف الذكية المستوردة، وأضاف: "كان لدي تفاهم مع (الرئيس التنفيذي لشركة أبل) تيم (كوك) بأنه لن يفعل ذلك. قال إنه سيذهب إلى الهند لبناء مصانع. قلت له لا بأس أن يذهب إلى الهند لكنك لن تبيع هنا من دون رسوم جمركية". وكان وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك قال لشبكة "سي بي إس" الإخبارية الشهر الماضي، إن عمل "الملايين من البشر الذين يثبتون البراغي الصغيرة جدا لصنع أجهزة آيفون" سيأتي إلى الولايات المتحدة وسيصبح آليا، مما سيوفر وظائف للعمال المهرة مثل الميكانيكيين والكهربائيين. لكنه قال لاحقا في تصريحات أخرى، إن كوك أخبره أن "القيام بذلك يتطلب تكنولوجيا غير متوفرة بعد". وأوضح: "قال: أحتاج إلى أذرع روبوتية وأن أقوم بذلك على نطاق ودقة يمكنني بهما جلبها (الصناعة) إلى هنا. وفي اليوم الذي أرى ذلك متاحا ستأتي إلى هنا". وقال محامون وأساتذة بقطاع التجارة إن أسرع طريقة لإدارة ترامب للضغط على شركة "أبل" من خلال الرسوم الجمركية ، هي استخدام نفس الآلية القانونية التي تفرض الرسوم على شريحة واسعة من الواردات. وقال دان إيفز المحلل في " ويدبوش" إن عملية نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة قد تستغرق ما يصل إلى 10 سنوات، وقد تؤدي إلى أن يصل سعر جهاز "آيفون" الواحد إلى 3500 دولار، علما أن أحدث إصدار من هواتف "آيفون" يباع حاليا في حدود 1200 دولار. وأضاف إيفز: "نعتقد أن مفهوم إنتاج أبل لأجهزة آيفون في الولايات المتحدة أمر خيالي غير ممكن". وقال بريت هاوس أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا، إن فرض رسوم جمركية على أجهزة " آيفون" سيزيد من تكاليف المستهلكين، من خلال تعقيد سلسلة التوريد والتمويل الخاصة بشركة "أبل". وأوضح: "لا شيء من هذا إيجابي بالنسبة للمستهلكين الأميركيين".

ثورة الذكاء الاصطناعي تلوح آثارها في أفق سوق الوظائففاين
ثورة الذكاء الاصطناعي تلوح آثارها في أفق سوق الوظائففاين

البيان

timeمنذ 2 ساعات

  • البيان

ثورة الذكاء الاصطناعي تلوح آثارها في أفق سوق الوظائففاين

وعلى الرغم من التشابه الغريب، فإن المستثمرين لا يزالون يثقون أكثر بالعنصر البشري الحقيقي، للحصول على نصائح حول إدارة محافظهم الاستثمارية. ويعني هذا جزئياً، زيادة عدد الموظفين فقط إذا لم يتمكن الفريق من أتمتة المزيد من عمله. وفي العام الماضي، تم تسريح ما لا يقل عن 95000 عامل في شركات التكنولوجيا الأمريكية، في عمليات تسريح جماعية، وفقاً لإحصاء «كرانش بيس» للمقالات الإخبارية. إلا أن هذه الإشارات لا ترتبط جميعها بمشاريع أو استثمارات فورية لتوفير التكاليف. فهي في بعض الأحيان خطط مؤقتة لتطبيق الذكاء الاصطناعي، والتي قد تثير إعجاب المستثمرين، لكنها لا تؤتي ثمارها دائماً. لكن مؤخراً، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة خدمات الدفع، إطلاق حملة توظيف، لضمان وصول المستخدمين الدائم إلى ممثل مباشر. وليس تعويد العملاء على التفاعلات غير البشرية، السبب الوحيد وراء استغراق دمج الذكاء الاصطناعي وقتاً، فأنظمة تكنولوجيا المعلومات القديمة، تتطلب وقتاً للتحديث. كما أن هناك خطر المبالغة في تقدير التخفيضات التكنولوجية الأخيرة. فمن المعتاد في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي، أن يبطئ قطاع التوظيف، ويعتمد بشكل أكبر على التكنولوجيا لتحقيق الكفاءة. ومع ذلك، فإن التوجه طويل الأمد نحو اعتماد أكبر للذكاء الاصطناعي في قطاع التكنولوجيا، واضح لا لبس فيه، وسيعيد تشكيل هذا القطاع. وما يقرب من واحد من كل أربعة وظائف تقنية معلنة في الولايات المتحدة، يبحث بالفعل صراحة عن الإلمام بالذكاء الاصطناعي. حتى مع الأتمتة، لا يزال هناك أعمال في مجالات البرمجة والتحقق، يجب القيام بها. كما أنه مع استمرار الشركات في دمج الذكاء الاصطناعي، يتوفر المزيد من الوقت لتعزيز المهارات وإعادة التدريب. لكن بعد بضع سنوات من إعادة التوصيل، انتعشت الصناعة والوظائف. الآن، أصبح الاضطراب الكبير في الذكاء الاصطناعي أكثر وضوحاً. ولكن حيثما يوجد ابتكار، سيكون هناك دائماً مجال لفرص جديدة.

بعد انحسار الهوس بالسوق الأمريكية.. المستثمرون يتساءلون: «ما التالي؟»
بعد انحسار الهوس بالسوق الأمريكية.. المستثمرون يتساءلون: «ما التالي؟»

البيان

timeمنذ 3 ساعات

  • البيان

بعد انحسار الهوس بالسوق الأمريكية.. المستثمرون يتساءلون: «ما التالي؟»

كاتي مارتن حيث كان من المسلم به أن الأسهم الأمريكية ستواصل صعودها، وتتفوق على باقي العالم، مدفوعة برئيس جديد، عازم على تحقيق نمو أسرع، وهيمنة أمريكا على قطاع التكنولوجيا. وفي هذه الأثناء، حققت المؤشرات الأوروبية تفوقاً ساحقاً على نظيرتها الأمريكية، حيث سجلت مكاسب تجاوزت 20 % في كل من إيطاليا وألمانيا، وأعلى من ذلك في بولندا. وازداد الطلب على صناديق الاستثمار العالمية، التي تستثني السوق الأمريكي. الآن نتلقى الكثير من الأسئلة، حول ما إذا كان الوضع قد وصل إلى نهايته. الجميع يفكر في هذا، والبعض يتصرف من تلقاء نفسه. إذ تغذت الاستثنائية الأمريكية على نفسها لسنوات طويلة، حتى وصل المستثمرون إلى درجة التعامل معها كقانون من قوانين الطبيعة، حيث ثبت خطأ كل من دعا للحذر، أو لتوزيع الاستثمارات بشكل أكثر توازناً حول العالم. وتكشف الدراسة أن الأسواق الأمريكية تقدمت بوتيرة متسارعة على منافساتها العالمية خلال التسعينيات، ثم واصلت هذا التفوق لمدة عقد ونصف، امتد حتى 2024 - وهي الفترة التي ترسخت في الذاكرة الجماعية للمستثمرين، بينما طُويت صفحات الأداء المتواضع التي شهدتها العقود السابقة في السبعينيات والثمانينيات والألفينيات. ولنكون واضحين، كانت الأرباح الأمريكية كبيرة، إلا أن التقييمات كانت أكبر. أضف إلى هذا المزيج، صعود المستثمرين المتشبثين بالمؤشرات والمعايير التي تميل نحو الشركات الرابحة. والمستثمرين النشطين، الذين كافؤوا باستمرار أسهم عمالقة التكنولوجيا. ثم اخلط كل ذلك بالزخم الاستثماري، فالمستثمرون يحبون الرابحين، ويميلون لمكافأة الأسهم التي حققت أداءً جيداً بالفعل، وساعد في ذلك قوة الدولار، وبشكل أكبر داخل الولايات المتحدة. وتحدي البيت الأبيض للمؤسسات، بل أيضاً من تأثير الصين، الذي غالباً ما يتم تجاهله، في الذكاء الاصطناعي، والذي ظهر بوضوح مع إطلاق «ديب سيك» في يناير. فالخندق الواقي حول عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، ليس بالعمق ولا الاتساع الذي افترضته رواية «النموذج الجديد» المدفوع بالذكاء الاصطناعي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store