
أ. د. ليث كمال نصراوين : جريمة تجويع الغزيين في القانون الدولي
لم تعد المجازر التي يتعرض لها سكان قطاع غزة منذ أشهر طويلة حربًا عادية تخضع لأحكام المنازعات المسلحة التقليدية، بل أضحت جريمة إنسانية مركّبة، تستهدف الإنسان الفلسطيني في وجوده وكرامته، وحقه في الحياة وتوفير أبسط مكونات البقاء له من ماء وغذاء.
فبعد أن نجحت آلة الحرب الإسرائيلية في تدمير البنية التحتية في قطاع غزة، اتسع نطاق الإجرام الصهيوني نحو استخدام سلاح التجويع كأداة حرب ضد المدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ. فهؤلاء الفلسطينيون الشجعان لا ذنب لهم سوى أنهم يؤمنون بعدالة قضيتهم وبحقهم في الوجود والدفاع عن أرضهم وعرضهم، في سابقة تكشف حجم الانتهاك الصارخ لقواعد القانون الدولي الذي أصبح يدار بمبدأ قانون القوة بدلا من مفهوم قوة القانون.
فالقانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، يجرم بشكل واضح صريح تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. فالمادة (54) من البروتوكول الإضافي الأول تنص على أنه "يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، كما يُحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو جعل الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، كالغذاء والمياه ومصادر الطاقة".
وإذا ما تمعّنّا في الواقع الميداني المعاش والصور التي تتناقلها وسائل الإعلام، نجد بأن سلطات الاحتلال قد عمدت منذ الأيام الأولى للعدوان على غزة إلى فرض حصار خانق على القطاع ومنع دخول الغذاء والماء والدواء.كما أنها استهدفت بشكل مباشر المخابز والمخازن ومحطات المياه والكهرباء، في محاولة ممنهجة منها لتجويع المدنيين ودفعهم إلى الاستسلام أو النزوح.
إن هذه الممارسات جميعها لا تشكل فقط خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، بل ترقى إلى اعتبارها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، كما جرى تعريفهما في المادتين (٧) و(٨) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. ويُعدّ المسؤولون عن ارتكابها والتخطيط لها عرضة للملاحقة القضائية الدولية، سواء أمام المحكمة الجنائية الدولية أو من خلال مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يتيح محاكمة مجرمي الحرب من زعماء سياسيين وقادة عسكريين أمام محاكم دول أخرى.
كما أن جريمة تجويع الغزيين تتجاوز اليوم الإطار القانوني إلى البعد الأخلاقي والإنساني، حيث يشكل هذا السلوك الإجرامي أمام أعين العالم بمنظماته وهيئاته العالمية سقوطًا مدويًا للمجتمع الدولي ومنظومته الأخلاقية، التي تقف عاجزة أمام هذا الانحدار غير المسبوق في القيم الأخلاقية رغم وضوح النصوص وتكرار الأدلة.
فعندما أنشئت الأمم المتحدة في عام ١٩٤٥ تقرر لها أن تكون الكيان الدولي الذي يحمي العالم من ولايات الحروب ومآسيها، وأن تتجاوز الأخطاء والمواقف السلبية التي عجزت أمامها عصبة الأمم المتحدة التي انهارت ضعفا وخذلانا أمام شعوب العالم.
إلا أن الواقع المعاش اليوم يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذه المنظمة الأممية كسابقتها تفتقر إلى أدنى الآليات والمكن القانونية والسياسية لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وأنها غير قادرة على تكريس أبسط حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والحفاظ على كينونتها وكرامتها الإنسانية.
إن جريمة التجويع التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق الغزيين لا تسقط بالتقادم، ولا تُغتفر بالصمت، ولا تُقابل بالتواطؤ. فهي جريمة موصوفة، تفرض على الجميع العمل على تحقيق الحشد القانوني والدبلوماسي لملاحقة مرتكبيها، والضغط على الكيان المحتل لكي يقوم برفع الحصار فورًا، ويسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب دون قيد أو شرط.
لقد آن الأوان أن يتحرك الضمير العالمي، لا بالشعارات الرنانة والاجتماعات في القاعات والتصريحات من خلف الشاشات، بل بالأدوات القانونية الملزمة التي وُجدت أصلا لحماية أرواح المدنيين من هذا العبث الوحشي. فالقانون الدولي ليس قاصرا عن تجريم ما يقوم به الكيان الإسرائيلي من قتل بدم بارد بحق اخوتنا في قطاع غزة من خلال تجويعهم وسلبهم لحقهم في الحياة، إنما يجب أن تتوافر الإرادة الدولية الحقيقية لمساعدة هذا الشعب الجبار الذي أضحى اليوم قصة نضال وكفاح لن ينساها التاريخ.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا
منذ 5 ساعات
- رؤيا
البيت الأبيض: ويتكوف سيلتقي سكان في غزة خلال زيارته إلى القطاع لمعاينة المساعدات الإنسانية
البيت الأبيض: ويتكوف سيستمع إلى شهادات السكان بشكل مباشر حول الوضع الرهيب الذي يعيشونه يزور الموفد الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قطاع غزة الجمعة لمعاينة مواقع توزيع المساعدات الإنسانية ولقاء سكان في القطاع. وتمثل هذه الزيارة الثانية المعلنة لويتكوف إلى غزة، بعد زيارته الأولى في كانون الثاني/يناير خلال وقف إطلاق النار، الذي استمر حتى 18 آذار/مارس قبل أن يستأنف الاحتلال الهجمات وعدوانه على غزة. اقرأ أيضاً: سموتريتش: آن الأوان لفرض السيادة رسميا على الضفة الغربية واحتلال جميع مناطق غزة وتعاني غزة، التي تم حصارها وتدميرها على مدار 22 شهراً من الحرب، من تهديد "مجاعة شاملة" حسبما حذرت الأمم المتحدة. ويعتمد القطاع بشكل رئيسي على المساعدات الإنسانية، التي تُنقل عبر الشاحنات أو تُلقى من الجو. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، إن ويتكوف والسفير الأمريكي لدى "إسرائيل"، مايك هاكابي، سيتوجهان إلى غزة لمعاينة المواقع الحالية لتوزيع المساعدات، ووضع خطة لتسليم مزيد من الغذاء لسكان القطاع الذين يعانون من أزمة إنسانية خطيرة. وأضافت ليفيت أنهما سيلتقيان السكان في غزة للاستماع إلى شهاداتهم بشكل مباشر حول الوضع الرهيب الذي يعيشونه. وأوضحت أن الموفد الأمريكي والسفير سيقدمان تقريرًا فوريًا للرئيس الأمريكي حول نتائج الزيارة، بهدف الحصول على موافقته على خطة نهائية لتوزيع المساعدات الإنسانية والغذاء في المنطقة.

سرايا الإخبارية
منذ 9 ساعات
- سرايا الإخبارية
المهيدات يكتب :حوكمة القطاع العام ودورها في الحد من الفساد
بقلم : عمر المهيدات تتشكل معالم الأمم وتتحدد مسارات تقدمها بمدى نجاعة قطاعها العام وشفافيته، إذ يمثل هذا القطاع عصب الخدمات وعمود الدولة التنموي، مما يجعل تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة فيه ليس خيارًا ترفيًا، بل ضرورة حتمية وأداة استراتيجية فائقة الأهمية في معركة استئصال الفساد وبناء "الأردن الذي نريد". هذا الأردن، الذي يتطلع إليه المواطن، هو دولة المؤسسات القوية القائمة على سيادة القانون، والشفافية المطلقة، والمساءلة الفاعلة، والعدالة الاجتماعية، حيث تكون الفرص متاحة للجميع بناءً على الكفاءة والنزاهة، بعيدًا عن المحسوبية والواسطة. ولا يمكن تحقيق هذه الرؤية الطموحة دون تفعيل آليات الحوكمة في القطاع العام بشكل منهجي وعميق، لتحويله من بيئة قد تكون مهيأة لاستشراء الممارسات اللاواضحة إلى حصن منيع ضد الانحراف المالي والإداري. تتجلى حوكمة القطاع العام في تطبيق منظومة متكاملة من المبادئ والمعايير الدولية، تشمل الشفافية التامة في جميع العمليات، بدءًا من إعداد الموازنات العامة ومرورًا بعمليات المناقصات والمشتريات الحكومية وانتهاءً بتوظيف الكوادر. وهذا يستلزم تفعيل حق الحصول على المعلومات كأساس للرقابة المجتمعية، واعتماد النشر الإلكتروني التفصيلي للبيانات المالية والإدارية. كما تقوم الحوكمة على المساءلة الصارمة، والتي تعني وجود آليات واضحة لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين أو المخالفين، سواء عبر الرقابة الداخلية الفاعلة، أو الرقابة البرلمانية المستندة إلى أدلة ومعلومات دقيقة، أو الرقابة القضائية المستقلة التي تضمن عدم إفلات أي مخالف من العقاب. ويأتي تعزيز سيادة القانون والمساواة أمامه كحجر زاوية، مما يستدعي تجويد التشريعات لسد الثغرات ومواكبة المستجدات، وتطبيقها بصرامة وحياد على الجميع دون استثناء أو تمييز، بما يتماشى مع التزامات الأردن الدولية، وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) التي صادق عليها الأردن، والتي تضع معايير عالية في مجالات الوقاية والتجريم والتعاون الدولي واسترداد الأموال. لترجمة هذه المبادئ إلى واقع ملموس، يتطلب الأمر خطة عمل وطنية شاملة ومفصلة تتضمن: أولًا، تعزيز الاستقلالية والكفاءة للمؤسسات الرقابية كديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، ويكون ذلك من خلال توفير الموارد الكافية وضمان استقلاليتها الحقيقية في التحقيق والإحالة، وحماية تقاريرها من أي تدخل أو تهميش. ثانيًا، إصلاح وتحديث نظم إدارة الموارد البشرية في القطاع العام، عبر اعتماد مبادئ الجدارة والمنافسة الشريفة في التعيين والترقية، وتطوير أنظمة تقييم الأداء المرتبطة بالمكافآت والمساءلة، والاستثمار في بناء قدرات الموظفين وتوعيتهم بأخلاقيات الوظيفة العامة وأخطار الفساد. ثالثًا، توطين التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات وإدارة العمليات المالية والإدارية، عبر أنظمة متكاملة مثل أنظمة المشتريات الإلكترونية، ومنصات الخدمات الحكومية الإلكترونية الموحدة، حيث تقلل التفاعل البشري المباشر وتحد من فرص التلاعب، وتوفر سجلات رقمية قابلة للتتبع والمراجعة. رابعًا، تعزيز الرقابة المجتمعية والمشاركة المدنية، عبر تفعيل دور الإعلام المستقل، ومنظمات المجتمع المدني المتخصصة في الرقابة والدفاع عن المال العام، وإشراك المواطنين في رصد الانحرافات من خلال قنوات شكاوى آمنة وفعالة، بل وتطوير آليات مثل الموازنة التشاركية في بعض المشاريع المحلية. خامسًا، إجراء مراجعات وتقييمات دورية مستقلة لمؤشرات الحوكمة ومخاطر الفساد في المؤسسات العامة، بنشر نتائجها علنًا، وربط التمويل والتقييم بمدى التقدم في تطبيق خطط الإصلاح. إن الطريق إلى "الأردن الذي نريد"، الأردن القوي القائم على العدل والنزاهة والكفاءة، يمر حتمًا عبر إصلاح جذري لقطاعه العام وفقًا لمبادئ الحوكمة الرشيدة. وإن هذا ليس مجرد شعار برّاق، بل خطة عمل وطنية تتطلب إرادة سياسية حقيقية غير قابلة للتراجع، وتضافرًا لكل جهود المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني والمواطن الواعي. كما إن الاستثمار في حوكمة القطاع العام هو استثمار في مستقبل الأردن، في استقراره وازدهاره، وفي ثقة أبنائه بمؤسسات وطنهم. وهو السبيل الوحيد لتحويل شعار مكافحة الفساد من رد فعل جزئي إلى استراتيجية وقائية شاملة، تضمن أن تكون موارد الوطن ومقدراته وقفًا على التنمية ورفاهية المواطنين، بعيدًا عن أي استغلال أو إهدار، ونُدرك جيدًا أن تحقيق ذلك هو التحدي الأكبر، ولكنه أيضًا الأساس المتين لنهضة الأردن الحقيقية التي نطمح جميعًا لبنائها.


سواليف احمد الزعبي
منذ 10 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
البرتغال تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر
#سواليف أعلن مكتب رئيس الوزراء البرتغالي لويس #مونتينيغرو، الخميس، أن حكومته ستتشاور مع الرئيس والبرلمان بهدف الاعتراف بدولة #فلسطين في الأمم المتحدة في سبتمبر. وجاء في بيان رئيس الوزراء أن البرتغال تدرس ' #الاعتراف بدولة فلسطين في إطار إجراء قد يتم خلال أسبوع انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل'. وفي وقت سابق اليوم، قال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، إن الاعتراف بدولة فلسطين سيكون أكثر جدوى في نهاية مفاوضات بشأن حل الدولتين، لكن مسار العملية يجب أن يبدأ الآن. وحذر يوهان فاديفول في بيان أصدره بعد فترة وجيزة من زيارته، اليوم الخميس إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، من أن برلين سترد باتخاذ 'خطوات أحادية'. وأضاف الوزير: 'حل الدولتين التفاوضي يظل هو المسار الوحيد الذي يمكن أن يوفر للشعب على الجانبين حياة مفعمة بالسلام والأمن والكرامة'. وكانت فرنسا و14 دولة أخرى قد أعلنت عزمها على الاعتراف بدولة فلسطين، وفق ما قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو يوم الأربعاء. وكتب بارو عبر 'إكس': 'في نيويورك مع 14 دولة أخرى، توجه فرنسا نداء جماعيا: نعرب عن عزمنا على الاعتراف بدولة فلسطين، وندعو الذين لم يفعلوا ذلك حتى الآن إلى الانضمام إلينا'. وإلى جانب فرنسا، انضمت كندا وأستراليا العضوان في مجموعة العشرين، إلى النداء. ووقعت دول أخرى الدعوة، وهي أندورا وفنلندا وأيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والنرويج وسان مارينو وسلوفينيا وإسبانيا. وصدرت الدعوة من الدول الخمس عشرة في ختام مؤتمر وزاري عقد يومي الاثنين والثلاثاء في نيويورك،برعاية فرنسا والسعودية، بهدف إحياء حل الدولتين لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو فرضية تقوضها الحرب الدائرة في غزة والاستيطان في الضفة الغربية. والثلاثاء، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن بلاده ستعترف رسميا بدولة فلسطين، إلا إذا اتخذت إسرائيل إجراءات معينة. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن الأسبوع الماضي، أن باريس ستعترف رسميا بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر.