logo
الصين للأمريكيين: لديكم دولاراتكم ولدينا «الديزبروسيوم»

الصين للأمريكيين: لديكم دولاراتكم ولدينا «الديزبروسيوم»

قاسيونمنذ 8 ساعات

لكن، ويا للأسف، لم تستمع واشنطن — أو لعلها لم تستطع أن تفهم. فالمشكلة لا تكمن في غموض الرسائل الصينية، بل في عمى الغطرسة والعنصرية البنيوية داخل النخبة الأمريكية، التي لم تتعلّم يوماً كيف تترجم منطق الاستراتيجية غير الغربية، أو لغة الدبلوماسية الهادئة. كلما تحدثت بكين بلغة الحذر المهني، فُسّر خطابها على أنه تراجع، وكلما التزمت ضبط النفس، اعتُبر صمتها ضعفاً.
اليوم، بينما تواجه الصناعات العسكرية الأمريكية أزمة انقطاع في سلاسل التوريد، تتجلى نتائج هذا الفهم القاصر. فالصين لم ترد على العقوبات الأمريكية بشكل انفعالي، بل بمنهجية متدرجة، بدأت من المنبع — من حيث لا تقدر أمريكا على الاستغناء.
طوال ستة أعوام، صعّدت واشنطن من إجراءاتها: قوائم الكيانات، وتشديدات التصدير، والقيود المتعاقبة. بينما ركزت أمريكا على الشرائح والاختبارات والنهايات السفلية في صناعة الرقائق، كانت الصين تعزز تلك الحلقات، وتُحكم قبضتها على الشرايين الأساسية للنظام برمّته — المعادن النادرة.
أهمها: عنصر «الديزبروسيوم» وعنصر «التيربيوم». هذان العنصران نادرا الوجود، لكنهما ضروريان لصناعة المغناطيسات عالية الأداء، التي تدخل في السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والأسلحة الموجهة بدقة. والمفارقة العجيبة: أن كلمة «ديزبروسيوم» مشتقة من الكلمة اليونانية «dysprositos»، وتعني «صعب المنال» — وها هو البنتاغون يتذوق المعنى الحرفي لهذا الاسم.
الصين لا تملك مناجم هذه العناصر فقط، بل تهيمن على أكثر من 85٪ من طاقة التكرير العالمية. وفي المقابل، لا تزال أمريكا تفتقر إلى تقنيات الفصل والتنقية اللازمة لتكرير أغلب هذه المعادن على نطاق صناعي. وهذا يعني أنّ خسارة الصادرات الصينية المباشرة، أو سلاسل التوريد الأجنبية المعتمدة من بكين، قد تصيب الصناعات الحيوية الأمريكية بالشلل — وعلى رأسها الصناعات الدفاعية، كما تشير تقارير متكررة لشركة الاستشارات الأمريكية «Govini» التي وثقت اعتماد هذا القطاع على الموردين الصينيين.
ورغم محاولات خفض المخاطر، إلا أن هذا الاعتماد متجذّر. الانفصال السريع شبه مستحيل دون أن ينهار جزء من البنية الدفاعية الأمريكية. لم تكن تحذيرات الصين يوماً فارغة. لم تلوّح بالتهديدات، بل دعت مراراً إلى «كسب مشترك» وإلى «استقرار سلاسل الإمداد»، مقدّمة نفسها كوصيّ على النظام الصناعي العالمي. لكن هذه الدعوة لم تكن ضعفاً، بل عرضاً لحلّ سلمي قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة.
للأسف، أساءت أمريكا تفسير كل هذا. فثقافتها السياسية، الغارقة في الاستعراض الإعلامي وردود الأفعال الآنية، لم تستوعب خطاباً لا يصرخ ولا يهدد. بل رأت في الهدوء تبعية، وفي الحوار خضوعاً. هذه العقلية المشوهة جعلت أمريكا تقيّم موازين القوة في هذه الحرب التجارية على نحو كارثي، وذهبت بها السذاجة إلى الظنّ بأن صعود الصين ما يزال مشروطاً بكرمها.
في الوقت نفسه، تواصل واشنطن تصعيدها العسكري: تصدّر التكنولوجيا المتقدمة إلى تايوان، وتنشر صواريخ متوسطة المدى في الفلبين. وها هو البنتاغون يرفع لهجته، ونائب الرئيس «جاي دي فانس»، ووزير الدفاع «بيت هيغسيث»، ووزير الخارجية الأيديولوجي المتشدد «ماركو روبيو»، يصفون الصين علانية بأنها «خصم الولايات المتحدة». لكنهم لا يقرؤون العواقب الاستراتيجية لفعلهم هذا.
غير أن الصين لا تحتاج للرد بالمثل. لا بالتراشق الكلامي، ولا بالضربات المتناظرة. يكفيها أن تمضي بهدوء، وأن تكدّس ما يلزمها من أوراق — حتى تحسم النزال بصمت. جوهر هذه الورقة ليس خطاباً سياسياً، بل مادة — خامات مدفونة في الأرض، وتقنيات تنقية، وكفاءة في فصل المعادن في الظروف القصوى.
في اللحظة الحاسمة، لن تحتاج بكين إلى حرب — يكفيها تعديل بسيط في سياسة التصدير، لتدفع أمريكا إلى شلل تكنولوجي كامل. فمن يوجه صواريخه نحونا، ستحرمه من صناعة هذه الصواريخ.
«الديزبروسيوم» ليس مجرد معدن نادر، بل شريان دفاعي. من دونه، تفقد الأنظمة التوجيهية للصواريخ، والرادارات المتقدمة، والمقاتلات، وأنظمة الاعتراض الحراري، عنصرها الأهم: مغناطيسات نادرة تحافظ على دقتها تحت درجات حرارة عالية. ومع غياب هذا العنصر، تتعطل منظومة «باتريوت»، ومقاتلات «F-35»، ومعترضات «هايبرسونيك»، وتتوقف خطوط الإنتاج.
هذه العناصر ليست كماليات. بل هي أسس أنظمة الدفاع الأمريكية: من الرادارات إلى التوجيه البصري إلى تقنيات الطاقة الموجهة. ودونها، تختلّ الدقة، وتضعف كفاءة القبة الدفاعية، ويختفي التفوق التكنولوجي. بل يكفي أن توقف الصين التصدير، لتتحول كل هذه المنظومات إلى خردة.
صحيح أنّ الكونغرس يمكنه رفع سقف الديون وطبع المزيد من الدولارات، لكنه لا يستطيع طبع «الديزبروسيوم». ولا يمكنه طبع الوقت اللازم للحاق بالصين. وأثناء سعي أمريكا لإحياء قدرات تكريرية هجرتها منذ عقود، ينفد العنصر الأهم: الزمن.
شركات الدفاع، والطاقة النظيفة، والإلكترونيات، وصناعة السيارات الكهربائية، بدأت تدرك — وبمرارة — أن سلاسل إمدادها تخنقها من الرقبة. وهذا لم يكن قدرياً. بل نتيجة مباشرة للغطرسة الأمريكية والصمم السياسي الذي استمر رغم كل التحذيرات. وكما يقول القانون الفيزيائي: لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه.
اليوم، تتسابق أمريكا لبناء منشآت بديلة، وإنفاق مليارات الدولارات لإعادة بناء البنية الصناعية. لكنها حتى لو نجحت، فالأمر يتطلب عقداً على الأقل. وحين تنتهي تلك المنشآت، قد يكون الزمن قد تغير — وتكون الصين قد ضمنت بقاء ورقة الضغط في يدها.
إن إعادة بناء سلسلة إمداد العناصر النادرة — من المناجم إلى المصانع — ليس مشروعاً من عامين. بل خطة وطنية تحتاج إلى عشر سنوات على الأقل، وتشمل التمويل، والنية السياسية، والموافقات التنظيمية، والتفوق الهندسي المتخصص. هذه شروط يصعب على الغرب، بتاريخ تأخيره المزمن في تسليم المشاريع الكبرى، أن يفي بها.
مع مرور الوقت، ستنفد حتى المخزونات الاستراتيجية الأمريكية. الحرب في أوكرانيا، والاستهلاك المهول من قِبل «إسرائيل»، يضغطان على المصانع الأمريكية. أما القدرات الجديدة، فلا تنمو بالسرعة اللازمة لمواكبة هذا الطلب. من دون الصين، تنهار هذه البنية من الداخل.
ربما لا تزال واشنطن تتوهم أنها صاحبة «زمام التصعيد»، لكن الحقيقة أن بكين لا تحتاج لصاروخ لتشدّ الحبل. سلاحها ليس السلاح النووي، بل المواد الخام. ليس الترسانة، بل السيطرة على ما يصنع الترسانة.
فالصين توسّع الآن وجودها في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا. لا تشتري خامات فحسب، بل تبرم صفقات استراتيجية، وتبني مصانع تكرير — خارج نفوذ أمريكا. وكل منشأة تُبنى خارج مجال الهيمنة الأمريكية، تضيف لبنة إلى عالم جديد: عالم لا تمر فيه الموارد الحيوية عبر واشنطن.
لكن يجب التأكيد هنا: الصين لم تكن البادئة بالتصعيد. بل تراجعت مراراً، وأعطت الوقت، وأرسلت الإنذارات. لكن استراتيجية الاحتواء الأمريكية كشفت أخيراً عن وجهها الحقيقي: خنق دائم. وفي المقابل، جاء الردّ الصيني بصمت، ودون صاروخ واحد — لكن بكفاءة قاتلة.
ليست هذه حرب تجارة فقط، بل تصحيح لمسار نظام حضاري. إنه انتصار للقاعدة المادية على الشيكات اللفظية. وإعلان فشل الحلم الأمريكي الذي أراد احتكار التكنولوجيا، والاعتماد على الآخرين في المواد الأولية.
فالتجارة تبنى على حاجة الطرفين لبعضهما. وحين يصرّ طرف على الإضرار بالآخر دون توقف، ينكسر التوازن. واليوم، أثبتت الصين أنّ الصبر — حين يكون مدعوماً ببناء استراتيجي — يتحول إلى ميزة قاتلة. لقد برهنت أنّ الإمبراطوريات تصرخ، أما الحضارات، فتبني.
ولأولئك في «الكابيتول هيل» الذين ما زالوا يعتقدون أن «هيمنة الدولار تكفي»، وأن «الرقائق ستركع أمام قانون أمريكي»، وأن «المعادن تباع لمن يدفع أكثر» — أوضحت الصين الرسالة، بلا غموض ولا ترجمة خاطئة: احتفظوا بدولاراتكم، فنحن نمتلك «الديزبروسيوم».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الصين للأمريكيين: لديكم دولاراتكم ولدينا «الديزبروسيوم»
الصين للأمريكيين: لديكم دولاراتكم ولدينا «الديزبروسيوم»

قاسيون

timeمنذ 8 ساعات

  • قاسيون

الصين للأمريكيين: لديكم دولاراتكم ولدينا «الديزبروسيوم»

لكن، ويا للأسف، لم تستمع واشنطن — أو لعلها لم تستطع أن تفهم. فالمشكلة لا تكمن في غموض الرسائل الصينية، بل في عمى الغطرسة والعنصرية البنيوية داخل النخبة الأمريكية، التي لم تتعلّم يوماً كيف تترجم منطق الاستراتيجية غير الغربية، أو لغة الدبلوماسية الهادئة. كلما تحدثت بكين بلغة الحذر المهني، فُسّر خطابها على أنه تراجع، وكلما التزمت ضبط النفس، اعتُبر صمتها ضعفاً. اليوم، بينما تواجه الصناعات العسكرية الأمريكية أزمة انقطاع في سلاسل التوريد، تتجلى نتائج هذا الفهم القاصر. فالصين لم ترد على العقوبات الأمريكية بشكل انفعالي، بل بمنهجية متدرجة، بدأت من المنبع — من حيث لا تقدر أمريكا على الاستغناء. طوال ستة أعوام، صعّدت واشنطن من إجراءاتها: قوائم الكيانات، وتشديدات التصدير، والقيود المتعاقبة. بينما ركزت أمريكا على الشرائح والاختبارات والنهايات السفلية في صناعة الرقائق، كانت الصين تعزز تلك الحلقات، وتُحكم قبضتها على الشرايين الأساسية للنظام برمّته — المعادن النادرة. أهمها: عنصر «الديزبروسيوم» وعنصر «التيربيوم». هذان العنصران نادرا الوجود، لكنهما ضروريان لصناعة المغناطيسات عالية الأداء، التي تدخل في السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والأسلحة الموجهة بدقة. والمفارقة العجيبة: أن كلمة «ديزبروسيوم» مشتقة من الكلمة اليونانية «dysprositos»، وتعني «صعب المنال» — وها هو البنتاغون يتذوق المعنى الحرفي لهذا الاسم. الصين لا تملك مناجم هذه العناصر فقط، بل تهيمن على أكثر من 85٪ من طاقة التكرير العالمية. وفي المقابل، لا تزال أمريكا تفتقر إلى تقنيات الفصل والتنقية اللازمة لتكرير أغلب هذه المعادن على نطاق صناعي. وهذا يعني أنّ خسارة الصادرات الصينية المباشرة، أو سلاسل التوريد الأجنبية المعتمدة من بكين، قد تصيب الصناعات الحيوية الأمريكية بالشلل — وعلى رأسها الصناعات الدفاعية، كما تشير تقارير متكررة لشركة الاستشارات الأمريكية «Govini» التي وثقت اعتماد هذا القطاع على الموردين الصينيين. ورغم محاولات خفض المخاطر، إلا أن هذا الاعتماد متجذّر. الانفصال السريع شبه مستحيل دون أن ينهار جزء من البنية الدفاعية الأمريكية. لم تكن تحذيرات الصين يوماً فارغة. لم تلوّح بالتهديدات، بل دعت مراراً إلى «كسب مشترك» وإلى «استقرار سلاسل الإمداد»، مقدّمة نفسها كوصيّ على النظام الصناعي العالمي. لكن هذه الدعوة لم تكن ضعفاً، بل عرضاً لحلّ سلمي قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة. للأسف، أساءت أمريكا تفسير كل هذا. فثقافتها السياسية، الغارقة في الاستعراض الإعلامي وردود الأفعال الآنية، لم تستوعب خطاباً لا يصرخ ولا يهدد. بل رأت في الهدوء تبعية، وفي الحوار خضوعاً. هذه العقلية المشوهة جعلت أمريكا تقيّم موازين القوة في هذه الحرب التجارية على نحو كارثي، وذهبت بها السذاجة إلى الظنّ بأن صعود الصين ما يزال مشروطاً بكرمها. في الوقت نفسه، تواصل واشنطن تصعيدها العسكري: تصدّر التكنولوجيا المتقدمة إلى تايوان، وتنشر صواريخ متوسطة المدى في الفلبين. وها هو البنتاغون يرفع لهجته، ونائب الرئيس «جاي دي فانس»، ووزير الدفاع «بيت هيغسيث»، ووزير الخارجية الأيديولوجي المتشدد «ماركو روبيو»، يصفون الصين علانية بأنها «خصم الولايات المتحدة». لكنهم لا يقرؤون العواقب الاستراتيجية لفعلهم هذا. غير أن الصين لا تحتاج للرد بالمثل. لا بالتراشق الكلامي، ولا بالضربات المتناظرة. يكفيها أن تمضي بهدوء، وأن تكدّس ما يلزمها من أوراق — حتى تحسم النزال بصمت. جوهر هذه الورقة ليس خطاباً سياسياً، بل مادة — خامات مدفونة في الأرض، وتقنيات تنقية، وكفاءة في فصل المعادن في الظروف القصوى. في اللحظة الحاسمة، لن تحتاج بكين إلى حرب — يكفيها تعديل بسيط في سياسة التصدير، لتدفع أمريكا إلى شلل تكنولوجي كامل. فمن يوجه صواريخه نحونا، ستحرمه من صناعة هذه الصواريخ. «الديزبروسيوم» ليس مجرد معدن نادر، بل شريان دفاعي. من دونه، تفقد الأنظمة التوجيهية للصواريخ، والرادارات المتقدمة، والمقاتلات، وأنظمة الاعتراض الحراري، عنصرها الأهم: مغناطيسات نادرة تحافظ على دقتها تحت درجات حرارة عالية. ومع غياب هذا العنصر، تتعطل منظومة «باتريوت»، ومقاتلات «F-35»، ومعترضات «هايبرسونيك»، وتتوقف خطوط الإنتاج. هذه العناصر ليست كماليات. بل هي أسس أنظمة الدفاع الأمريكية: من الرادارات إلى التوجيه البصري إلى تقنيات الطاقة الموجهة. ودونها، تختلّ الدقة، وتضعف كفاءة القبة الدفاعية، ويختفي التفوق التكنولوجي. بل يكفي أن توقف الصين التصدير، لتتحول كل هذه المنظومات إلى خردة. صحيح أنّ الكونغرس يمكنه رفع سقف الديون وطبع المزيد من الدولارات، لكنه لا يستطيع طبع «الديزبروسيوم». ولا يمكنه طبع الوقت اللازم للحاق بالصين. وأثناء سعي أمريكا لإحياء قدرات تكريرية هجرتها منذ عقود، ينفد العنصر الأهم: الزمن. شركات الدفاع، والطاقة النظيفة، والإلكترونيات، وصناعة السيارات الكهربائية، بدأت تدرك — وبمرارة — أن سلاسل إمدادها تخنقها من الرقبة. وهذا لم يكن قدرياً. بل نتيجة مباشرة للغطرسة الأمريكية والصمم السياسي الذي استمر رغم كل التحذيرات. وكما يقول القانون الفيزيائي: لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه. اليوم، تتسابق أمريكا لبناء منشآت بديلة، وإنفاق مليارات الدولارات لإعادة بناء البنية الصناعية. لكنها حتى لو نجحت، فالأمر يتطلب عقداً على الأقل. وحين تنتهي تلك المنشآت، قد يكون الزمن قد تغير — وتكون الصين قد ضمنت بقاء ورقة الضغط في يدها. إن إعادة بناء سلسلة إمداد العناصر النادرة — من المناجم إلى المصانع — ليس مشروعاً من عامين. بل خطة وطنية تحتاج إلى عشر سنوات على الأقل، وتشمل التمويل، والنية السياسية، والموافقات التنظيمية، والتفوق الهندسي المتخصص. هذه شروط يصعب على الغرب، بتاريخ تأخيره المزمن في تسليم المشاريع الكبرى، أن يفي بها. مع مرور الوقت، ستنفد حتى المخزونات الاستراتيجية الأمريكية. الحرب في أوكرانيا، والاستهلاك المهول من قِبل «إسرائيل»، يضغطان على المصانع الأمريكية. أما القدرات الجديدة، فلا تنمو بالسرعة اللازمة لمواكبة هذا الطلب. من دون الصين، تنهار هذه البنية من الداخل. ربما لا تزال واشنطن تتوهم أنها صاحبة «زمام التصعيد»، لكن الحقيقة أن بكين لا تحتاج لصاروخ لتشدّ الحبل. سلاحها ليس السلاح النووي، بل المواد الخام. ليس الترسانة، بل السيطرة على ما يصنع الترسانة. فالصين توسّع الآن وجودها في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا. لا تشتري خامات فحسب، بل تبرم صفقات استراتيجية، وتبني مصانع تكرير — خارج نفوذ أمريكا. وكل منشأة تُبنى خارج مجال الهيمنة الأمريكية، تضيف لبنة إلى عالم جديد: عالم لا تمر فيه الموارد الحيوية عبر واشنطن. لكن يجب التأكيد هنا: الصين لم تكن البادئة بالتصعيد. بل تراجعت مراراً، وأعطت الوقت، وأرسلت الإنذارات. لكن استراتيجية الاحتواء الأمريكية كشفت أخيراً عن وجهها الحقيقي: خنق دائم. وفي المقابل، جاء الردّ الصيني بصمت، ودون صاروخ واحد — لكن بكفاءة قاتلة. ليست هذه حرب تجارة فقط، بل تصحيح لمسار نظام حضاري. إنه انتصار للقاعدة المادية على الشيكات اللفظية. وإعلان فشل الحلم الأمريكي الذي أراد احتكار التكنولوجيا، والاعتماد على الآخرين في المواد الأولية. فالتجارة تبنى على حاجة الطرفين لبعضهما. وحين يصرّ طرف على الإضرار بالآخر دون توقف، ينكسر التوازن. واليوم، أثبتت الصين أنّ الصبر — حين يكون مدعوماً ببناء استراتيجي — يتحول إلى ميزة قاتلة. لقد برهنت أنّ الإمبراطوريات تصرخ، أما الحضارات، فتبني. ولأولئك في «الكابيتول هيل» الذين ما زالوا يعتقدون أن «هيمنة الدولار تكفي»، وأن «الرقائق ستركع أمام قانون أمريكي»، وأن «المعادن تباع لمن يدفع أكثر» — أوضحت الصين الرسالة، بلا غموض ولا ترجمة خاطئة: احتفظوا بدولاراتكم، فنحن نمتلك «الديزبروسيوم».

هجوم صيني على أميركا بعد حصاني طروادة الأوكراني والإسرائيلي؟
هجوم صيني على أميركا بعد حصاني طروادة الأوكراني والإسرائيلي؟

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • Independent عربية

هجوم صيني على أميركا بعد حصاني طروادة الأوكراني والإسرائيلي؟

هل تسير الصين على خطى كل من إسرائيل وأوكرانيا؟ بعد الكلام عن احتذاء البنتاغون على التجربة الأوكرانية، إثر عملية "حصان طروادة المعاصر"، على ما وصفتها صحيفة "وول ستريت جورنال" وتعديله سياسته العسكرية بناء عليها وتجديده ترسانته، يبدو أن تل أبيب على خطى كييف. فهي من جهة سوغت خرق وقف إطلاق النار مع لبنان بسعي "حزب الله" إلى الاعتبار بعملية الدرونز الأوكرانية عشية عيد الأضحى في الخامس من يونيو (حزيران) الجاري، ومن جهة أخرى حاكت العملية الأوكرانية في إيران وجمعت مسيرات شنت هجوماً على إيران في عقر دارها. ولكن مراقبين أميركيين دقوا ناقوس الخطر بعد العملية الأوكرانية وقبيل العملية الإسرائيلية، وحذروا من انكشاف الداخل الأميركي أمام خلايا صينية نائمة تسللت إلى الأراضي الأميركية قبل أشهر أو حتى أعوام. ويخشى أن تلجأ بكين إلى مثل هذا لتقييد يد واشنطن في الذود عن تايوان على وقع هجوم صيني. والخلايا الصينية النائمة تجمع بعيداً من الأضواء مسيرات من قطع درونز تجارية بخسة الثمن. وسيناريو هذه الضربة دق ناقوس خطره جون غروين النقيب السابق في قوات الاحتياط في القوات الخاصة بالمارينز على صفحات "وول ستريت جورنال". ويذهب هذا السيناريو إلى إعداد الخلايا الصينية التي تسللت إلى الأراضي الأميركية مسيرات مفخخة تستهدف قواعد عسكرية أميركية ومطارات مدنية ومحطات طاقة وغيرها من البنى التحتية. وفي وسع هذه القوات تدمير شطر راجح من الأسطول الجوي الاستراتيجي المركون في القواعد فتلقى مصير الأسلحة الروسية الاستراتيجية التي أحالتها عملية "حصان طروادة" إلى ركام معدني. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومثل هذه الضربة تشل الولايات المتحدة، وأوجه الشبه بينها وبين أفلام الرعب الهوليوودية كبير. وكانت لجنة مجلس الأمن الداخلي الأميركي حذرت العام الماضي من توقيف القوات الأميركية 24 ألف صيني على الحدود الجنوبية حاولوا التسلل إلى الأراضي الأميركية في الأشهر الأولى من العام الماضي. وهذا العدد يفوق عدد المتسللين الصينيين عام 2024 كله. وبعض المتخصصين أشاروا إلى أن بعض هؤلاء قد يكون من المخربين الساعين إلى دخول أميركا للإعداد لهجوم. ورأى السيناتور الجمهوري دان بيشوب أن ازدياد عدد المهاجرين الصينيين يسلط الضوء على "مكمن هشاشة في الأمن القومي". ودروس الهجوم الأوكراني تنبه إلى احتمال السيناريو الصيني على قول غروين. فالأوكرانيون هربوا مسيرات تحمل متفجرات بخسة الثمن إلى العمق الروسي ودمروا قاذفات استراتيجية روسية بعضها نووي على بعد آلاف الأميال من الحدود. وهذا الخطر أغفله الروس ولم يتوقعوه فأخذتهم الضربة على حين غرة. وكلفة الهجوم المدمر تقتصر على عشرات آلاف الدولارات. ويشير غروين إلى ضعف أميركي: ركن مقاتلات بي-25 أس ومقاتلات الجيل الجديد في الهواء الطلق في القواعد الأميركية وتركها في مرمى تكنولوجيا رخيصة الثمن. والخلاصة أن المسيرات طوت صفحة سلاح الجو التقليدي وكان وقعها وقع ثورة في الحرب الجوية. ففي الماضي كانت الضربات الدقيقة تقتضي التوجيه بالأقمار الاصطناعية وأسلحة توجيه ومقاتلات بملايين الدولارات. واليوم صارت بمتناول عناصر قد لا يتبعون أي دولة من الدول ومواردهم محدودة. وهذا العام ألحقت المسيرات الموجهة الأوكرانية خسائر بالقوات الروسية تفوق بثلاثة أضعاف خسائر جميع الأسلحة الأخرى مجتمعة. قد يبدو ما تقدم أشبه بأفلام هوليوودية فعلاً ولكنه ينبئ بالعصر القادم من الحروب والأخطار الصادرة عن أسلحة صغيرة وليس عن صواريخ باليستية ضخمة.

عرضٌ عسكري في عيد ميلاده الـ79.. ترامب يستعرض القوة وسط اضطرابات داخلية وخارجية
عرضٌ عسكري في عيد ميلاده الـ79.. ترامب يستعرض القوة وسط اضطرابات داخلية وخارجية

الوئام

timeمنذ يوم واحد

  • الوئام

عرضٌ عسكري في عيد ميلاده الـ79.. ترامب يستعرض القوة وسط اضطرابات داخلية وخارجية

في الذكرى الـ250 لتأسيس الجيش الأميركي، شهدت العاصمة واشنطن عرضًا عسكريًا ضخمًا شارك فيه الرئيس دونالد ترامب، الذي قضى أكثر من ثلاث ساعات في متابعة الفعاليات، بالتزامن مع احتفاله بعيد ميلاده التاسع والسبعين، السبت 14 يونيو 2025. الحدث، الذي وصف رسميًا بأنه 'تحية للخدمة العسكرية واستعراض لتاريخ الجيش الأميركي'، حظي بإشادة من مؤيدي ترامب الذين اعتبروه عرضًا للقوة وأداة ذكية لجذب المجندين الجدد، لكنه في المقابل أثار انتقادات واسعة من معارضيه الذين رأوا فيه محاولة جديدة لتسييس الجيش، لا سيما بعد أسبوع متوتر شهد نشر قوات المارينز في لوس أنجلوس لقمع احتجاجات مناهضة لسياسات الرئيس. الاضطرابات تلقي بظلالها وعلى الرغم من البريق العسكري، فإن الأجواء الوطنية اتسمت بالقلق والتوتر، إذ تصدّرت التغطيات الإخبارية أنباء اغتيال عضوة مجلس النواب الديمقراطية في ولاية مينيسوتا، ميليسا هورتمن، وزوجها، إضافة إلى إصابة السيناتور جون هوفمان وزوجته في هجوم يُرجح أن يكون ذا دوافع سياسية. وبالتوازي، كانت شاشات التلفزة تنقل مشاهد القصف والانفجارات في طهران والقدس، مع تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران ومخاوف من اندلاع حرب إقليمية أوسع قد تنخرط فيها واشنطن. احتفال مدروس وسط انقسام الاحتفالات التي تركزت على مشاعر الوطنية والامتنان للجيش تضمنت عروضًا رياضية، ومعارض للمعدات والزي العسكري عبر العصور، وحفلات موسيقية، إلى جانب فعاليات تجنيد في 'ناشيونال مول'. المعلقون المحافظون حاولوا إبراز الطابع غير السياسي للعرض، لكن معارضين أشاروا إلى أن ترامب كان يضغط من أجل تنظيم مثل هذا الاستعراض منذ ولايته الأولى رغم معارضة مستشاريه وقيادات البنتاغون. وفي نهاية الحفل، ألقى ترامب كلمة قصيرة شكر فيها الجنود وقال: 'كل الدول تحتفل بانتصاراتها، وحان الوقت أن تحتفل أميركا أيضًا'، قبل أن يتسلّم علمًا تذكاريًا على وقع أنشودة 'عيد ميلاد سعيد'. غياب السياق لا يمر مرور الكرام ما زاد الانتقادات هو تجاهل الحدث لواقع التوتر السياسي، خاصة بعد نشر قوات المارينز في لوس أنجلوس رغم اعتراض حاكم كاليفورنيا، وتزامن ذلك مع خطاب لترامب في قاعدة 'فورت براج' العسكرية، حيث أطلق تصريحات حزبية أمام جنود بالزي الرسمي هتفوا ضد خصومه السياسيين. الجيش فتح تحقيقًا بعد السماح لباعة ببيع سلع تحمل شعار 'اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا' داخل القاعدة. صور للجنود وهم يساعدون الأطفال على حمل أسلحة ثقيلة، مثل قاذفات 'كارل غوستاف'، زادت من الجدل بشأن استغلال المؤسسة العسكرية لأغراض دعائية. استعراض محدود وباهت رغم ضخامة التنظيم، لم يخلُ العرض من العقبات اللوجستية ومظاهر الفتور، حيث انسحب كثير من الحضور مبكرًا بفعل الأمطار، وشهد الاستعراض أداءً وصفه مراسلو نيويورك تايمز بـ'المتواضع'. وعلى الرغم من وجود روبوتات عسكرية وعروض جوية وفقرات غنائية لفنانين وطنيين، إلا أن الحدث بدا أكثر تحفظًا مقارنة بعروض عسكرية أخرى لطالما أشاد بها ترامب، مثل احتفالات يوم الباستيل في فرنسا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store